MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية



الاحباس المعقبة : الخصوصيات و الاشكالات - الجزء الأول

     



الاحباس المعقبة : الخصوصيات و الاشكالات - الجزء الأول

عبد الصمد التامري
باحث جامعي كلية الحقوق وجدة



يتميز الوقف من بين كافة صور التبرعات التي تشكل منظومة الفعل الخيري في الإسلام، بأنه يمثل الإحسان المستدام والمتجدد الذي بإمكانه أن يستمر في تغطية حاجات المرافق والوظائف الاجتماعية التي يرصد لها، بحكم أن التبرع الوقفي هو تبرع بالمنافع دون الأعيان.

ولقد حرص الفقه الإسلامي على إبراز صبغة الاستمرارية في الوقف، فأفتى بعض الفقهاء بتأبيد الوقف أصالة، وكان موقفهم هذا يتجه إلى ضمان استمرار عائد الوقف. وقد كان موضوع إمكانية رجوع الوقف إلى صاحبه أو إلى ورثته موضوعا حطي بنقاش طويل وعميق.

وتنقسم الأحباس إلى ثلاثة أقسام : أحباس عامة أو ما يعرف بالوقف الخيري، وأحباس خاصة وهو ما يعرف بالوقف الذري أو الأهلي في المشرق ويطلق عليه الحبس المعقب في الفقه والتشريع المغربين، إلى جانب الأحباس المشتركة التي تجمع بينهما.

ويطلق على الوقف في الأحكام الإسلامية والتشريع المغربي مصطلح الحبس، فالحبس المعقب هو ما وقفه الواقف من أمواله على أولاده وأولادهم ما تناسلوا، أو على شخص أو على أشخاص معيينين وأولادهم وما تناسلوا، أو لهما معا ما تناسلوا على أن يؤول الوقف بعد انقراض الموقوف عليهم إلى الجهة التي حددها الواقف والتي غالبا ما تكون جهة من جهات البر والإحسان[1] ، وهو ما أكده الفصل الأول من ظهير 08 أكتوبر 1977 [2] بقوله " يعتبر حبسا معقبا ما وقفه المحبس على أولاده ما تناسلوا ذكورا كانوا أو إناثا أو هما معا أو على شخص معين وأولاده مع تعيين في كلتا الحالتين للدرجة التي تملك ما تم تحبيسها أو للمرجع الذي يؤول إليه.

يعتبر حبسا معقبا أيضا ما وقفه المحبس على أولاده ما تناسلوا ذكورا كانوا أو إناثا أو هما معا وعلى شخص معين وأولاده إلى أن ينقرضوا حيث يرجع الحبس إلى جهة بر وإحسان سواء عينها المحبس أو سكت عنها..."

ويجد الحبس المعقب سنده في الحديث الشريف الذي أخرجه الإمام مسلم في صحيحه، " إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية، أو علم ينتفع به من بعده أو ولد صالح يدعو له " وقد اعتبر العلماء الحبس صورة من صور الصدقة الجارية.

ويرى البعض[3] أن الحبس المعقب شكل في عدة حالات عقبة في وجه تداول الثروات نتيجة لكثرة الأعقاب والنزاعات، فمضاره أصبحت أكثر من منافعه وهو ما أدى إلى الدعوة لإلغائه في العديد من الدول العربية والإسلامية، فألغي في مصر بمقتضى قانون رقم 180 الصادر في سنة 1952 فهو نفس الوضع الذي عرفته سوريا. أما المشرع المغربي فقد سلك مسلكا وسطا بخصوص ذلك فأبقى على القائم منه ولم يمنع المستقبل، مع إجازته تصفية المتعذر استغلاله منه.

وحتى لا ندخل في متاهات الاختلافات الفقهية والتطاحنات المذهبية بخصوص الأحكام العامة للوقف، وهو ما يغنينا عنه بحث يسير في المراجع العامة، فإننا سنركز حديثنا عن الإشكالات العملية التي يثيرها موضوع استغلال الحبس المعقب وما يتميز به من خصوصيات إلى جانب الحديث عن الحلول التي وضعها المشرع للخروج به من حالة الركود والجمود وإعادته إلى دائرة الإنتاج والتداول في الحالة التي يتعدد فيها الأعقاب وتكثر النزاعات بينهم أو تتضاءل مردودية الأعيان وتنعدم جدواها بفعل عوامل الزمن، وهو ما يدفعنا إلى التساؤل عن كيفية تعامل المشرع مع هذا النوع من الوقف خصوصا على مستوى مرحلة التصفية ؟

وعليه فإن تناولنا لهذا الموضوع سيكون من خلال جزئين :

الجزء الأول : المعاوضة وقسمة الانتفاع في الأحباس المعقبة.

الجزء الثاني : تصفية الأحباس المعقبة.

الجزء الأول : المعاوضة وقسمة الانتفاع في الأحباس المعقبة.

إن تحقيق غاية المحبس من فعله، يتوقف على حسن استغلال الموقوف من طرف من لهم الحق في ذلك، وقد يتم ذلك إما بطريقة مباشرة كسكنى الدار مثلا، أو حرث الأرض، وقد يتم بطريقة غير مباشرة من خلال كرائه، ما لم يفقد قيمته جراء تمالكه أو خرابه، أو سوء تسييره الشيء الذي يعد دافعا إلى معاوضته بغيره (المطلب الأول) أو ما لم يتفق الموقوف عليهم على قسمة الانتفاع كإجراء يضمن لهم الانتفاع بكيفية متساوية (المطلب الثاني).

المطلب الأول : معاوضة الأحباس المعقبة

إذا كان من المستقر عليه فقها وقانونا أن أملاك الأحباس المعقبة وغيرها لا يجوز التصرف فيها بأي وجه من أوجه التصرفات الناقلة للملكية، فإن مسألة معاوضتها لم تكن محل اتفاق بين فقهاء الأمة، الأمر الذي يدفعنا إلى سبر أغوار هذه الاختلافات (فقرة أولى) قبل الحديث عن المسطرة المتبعة في ذلك (فقرة ثانية).

الفقرة الأولى : الموقف الفقهي من المعاوضة

باعتبار الحبس قطعا للتصرف في رقبة العين التي يدوم الانتفاع بها وصرفا للمنفعة لجهة الخير [4] فإن جوهره هو حق انتفاع دائم يصرف على جهات عامة وخاصة، ويخول لصاحبه حقي الاستعمال والاستغلال دون التصرف، فالحبس لا يباع ولا يوهب ولا يورث، وهو ما وقع عليه إجماع الفقهاء المسلمين، إلا أن الخلاف بقي قائما بخصوص إمكانية معاوضة الأحباس المعقبة سواء معاوضة مناقلة أو معارضة بالنقد حالة تحقق سبب وجيه ومشروع لذلك.

إلا أن ما يلاحظ بخصوص هذا الاختلاف هو أن مصلحة الأحباس كانت دائما هي المحدد والموجه لرأي كل جانب على حدة، فبينما يرى المعارضون لذلك أن فتح المجال للمعاوضة يعد ذريعة للتعطيل والضياع، خصوصا أمام ضعف الوازع الديني للقيمين على هذه الأوقاف،ويرى المؤيدون للمعاوضة أن هذه الأخيرة تؤدي إلى إكثار الإيراد وتنمية الموقوف.

وهكذا نجد المتقدمين من المالكية قد تشددوا في مسألة معاوضة الحبس، ومنعوه مطلقا حتى ولو بدت لذلك أسباب وجيهة كالخراب أو التلف، بل تجاوزوا ذلك إلى حد منع بيع أنقاض الموقوف حال تهدمه كالأحجار والأخشاب وغيرها[5]... وفي ذلك قول مالك رضي الله عنه : " ولا يباع العقار المحبس ولو خرب وبقاء أحباس السلف دائرة دليل على منع ذلك "[6]، إلا أنهم أجازوه في بعض الحالات الاستثنائية وهي [7] :

§ في حالة توسعة مسجد

§ في حالة توسعة طريق

§ حالة توسعة مقبرة

§ حالة اشتراط المحبس في عقد التحبيس بأن للموقوف عليهم حق بيع الموقوف للحاجة

ولا يسمح في غير هذه الحالات بمعاوضة الموقوف أو مناقلته، بأفضل منه ولو أصابه التلف والخراب.

وتؤدي مخالفة هذا الحظر إلى بطلان التصرف بطلانا مطلقا، ورد المبيع أو الشيء المعاوض به، سواء كان المتعاقد يعلم أنه يبرم تصرفا على عقار محبس أولا، وفي ذلك يقول المتحف :

ومن يبيع ما عليه حبسا يرد مطلقا ومع علم أسا

غير أن موقف متأخري المالكية يتسم بنوع من الواقعية، ذلك أن الموقوف إذا خرب ولم يعد ذا منفعة وأصبح عديم الجدوى، فإنه يجوز معاوضته بأفضل منه، لكن تصرفا كهذ يظل معلقا على حكم من القاضي يسجله ويشهد عليه إلى جانب أن تكون المعاوضة بعد ثبوت الغبطة للحبس وأهله[8]، أي أن يكون البدل خيرا من المستبدل، وهو ما يمكن التحقق منه اليوم بالرجوع إلى ذوي الخبرة في كل مجال على حدة إلا أن هذه المسألة تعتبر اليوم صعبة التحقق، فلا أحد سيقدم على معاوضة عقار بأقل منه قيمة. وفي حال ثبوت أحد المبررات المبينة أعلاه فإنه لابد من تحقق جملة من الشروط، أوردها الأستاذ عبد الكريم شهبون كالتالي[9]:

- أن يكون الملك المحبس مخربا.

- أن لايكون له من يصلحه من غلته.

- أن لا يوجد من غلته المستقبلية من يصلحه ويستغله مدة من الزمن.

- انقطاع منفعته كليا أو قلتها إلى الحد الذي لا تفي فيه بصوائره.

وإذا كان المالكية قد تناولوا الموضوع على النحو السابق بيانه، فإن موقف الشافعية والحنابلة قد اتسم بنوع من المرونة، حيث أجازوا بيعه واقتناء عين أخرى بثمنه في الحالة التي تتعطل فيها منافعه[10].

الفقرة الثانية : مسطرة المعاوضة

بالرغم من أن المذهب الرسمي للبلاد هو المذهب المالكي إلا أن موقف المشرع المغربي قد جاء متأثرا بموقف فقهاء المذهب الحنفي والحنبلي، وتظهر وجاهة هذا التوجه في كون المعاوضة تؤدي إلى إحياء الوقف وزيادة ريعه ونمائه عوض القضاء عليه وإنهائه

فقد تطرق المشرع المغربي لمعاوضة الأحباس المعقبة من خلال ظهيري 21 يوليوز 1913[11] و8 يوليوز 1916[12] وأجاز المعاوضة سواء بالنقد أو بالمناقلة، بالرغم من عدم تطرقه للحالات التي تجوز فيها هذه المعاوضة، على خلاف مشروع مدونة الأوقاف الذي حدد هذه الحالات بدقة وذلك من خلال المادة 106 منه التي تنص على ما يلي : "يجوز بيع المال الموقوف في الأحوال الآتية :

1. إذا انقطع نفع المال الموقوف أو قل بشكل كبير

2. إذا أصبح المال الموقوف في حالة يتعذر معها الانتفاع به

3. إذا صار فائده لا يغطي مؤونته

4. إذا خيف تهدمه أو خرابه

5. إذا احتيج لبيعه لإصلاحه أو لإصلاح غيره

6. إذا كان حصة شائعة فيما يقبل القسمة وما لا يقبلها

7. في كل حالة أخرى تدعو الضرورة أو المصلحة الظاهرة للحبس..."

وهكذا حدد المشرع الحبسي مجموعة من الشروط اللازم توفرها وكذا ألزم الجهات المعنية بالقيام بمجموعة من الإجراءات تختلف بحسب ما إذا كانت المعاوضة ستتم عن طريق النقد أم عن طريق المناقلة.

فبالرجوع إلى الباب الثالث من ظهير 21 يوليوز 1913 نجد المشرع قد أجاز معاوضة الأملاك الحبسية الخالية من البناء بالنقد وذلك عن طريق السمسرة العمومية، الأمر الذي يؤدي إلى الزيادة في الثمن على أساس المنافسة الحرة بين المتزايدين وقد تتم المزايدة إما بطلب من الإدارة أو من الغير الذي يتعين عليه تقديم طلب بذلك إلى ناظر الأوقاف يضمنه مجموعة من البيانات التي حددها ظهير 21 يوليوز 1913، وهو نفس المقتضى الذي جاءت به المادة 109 من مشروع مدونة الأوقاف.

وتبقى لإدارة الأوقاف كامل الصلاحية في قبول الطلب من عدمه، بناء على رأي المراقب والناظر، فإذا قررت الرفض تعيد الملف إلى هذا الأخير ليشعر بذلك مقدم الطلب ويعيد إليه مبلغ الصوائر التي يكون قد دفعها وهو ما أشارت إليه المادة 111 من مشروع مدونة الأوقاف أما إذا قبلت الطلب فيتم تحديد تاريخ ومكان إجراء السمسرة مع إشعار الطالب بضرورة أداء الصوائر بين يدي الناظر، كما تتم عملية الإعلان عن السمسرة بتعليق الإعلانات باللغتين العربية والفرنسية قبل السمسرة بثلاث جمع على الأقل إلى جانب النشر في الجريدة الرسمية وهو المقتضى الذي تخلى عنه مشروع مدونة الأوقاف لانعدام فائدته العملية[13].

وتشرف على السمسرة لجنة مكونة من قاض، والناظر وعدلين، وهو مالا يطبق على أرض الواقع[14]، ويتعين على من رسي عليه المزاد أداء الثمن في ظرف 20 يوما تحت طائلة فقدانه للصوائر وأداء تعويض لإدارة الأوقاف، ولا تكون السمسرة نهائية إلا بعد مصادقة هذه الأخيرة عليها.

وبعد قبض الثمن فإن إدارة الأحباس تكون ملزمة بشراء موقوف آخر يحل محل المعاوض به، وهو ما لا يتم غالبا من الناحية الواقعية[15]، الأمر الذي حاول مشروع مدونة الأوقاف تجاوزه بإلزامه الناظر بإعداد ملف متكامل عن الأملاك المراد شراؤها وفق ماجاءت به المادة 148 منه، إلا أن هذا المقتضى يظل قاصرا عن تحقيق الغرض من المعاوضة لأنه رغم إعداد ملف عن العقارين فإن الناظر قد لا يقوم بعملية الشراء بعد حصول المعاوضة.

وبتمام المعاوضة تصبح العين المعاوض بها ملكا لمقتنيها ويشطب عليها من سجلات الأحباس، بينما تصبح المشتراة حبسا بمجرد الشراء دون الحاجة إلى الإشهاد على ذلك.

وعلى خلاف ذلك فإن المعاوضة عن طريق المناقلة تتم عن طريق المراضاة وفق ماأقره ظهير 8 يوليوز 1916، مع استحقاق الأحباس نسبة 30% من قيمة الملك الذي عليه منفعة[16] وذلك بعد صدور الأمر بها من الجناب الشريف[17]، مع ملاحظة أن المادة 153 من مشروع مدونة الأوقاف قد تشددت أكثر في هذه المسألة بفرضها احترام جملة من الشروط من بينها تقرير خبير عقاري محلف يتضمن على وجه الخصوص القيمة الكرائية والشرائية للعقارين المراد معاوضتهما.

المطلب الثاني : قسمة الانتفاع في الأحباس المعقبة

من المعلوم أن الحبس يعطي للمستفيد منه حق الانتفاع دون ملكية الرقبة، وهو ما يفرض على المحبس عليهم اختيار أفضل الطرق وأنجعها قصد استغلاله والانتفاع بعوائده وذلك عن طريق ما يعرف بقسمة الانتفاع وهو ما يدفعنا للحديث عن كيفية إجرائها (فقرة ثانية) لكن قبل ذلك يجدر بنا الحديث عن مشروعيتها (فقرة أولى).

الفقرة الأولى: مشروعية قسمة الانتفاع:

لقد مر بنا أن الأحباس تعطي للمحبس عليه الحق في الاستعمال والاستغلال دون التصرف، وهو ما قد يتم بصورة مباشرة كزراعة الأرض وجني ثمارها أو بصورة غير مباشرة عن طريق كراء محل الوقف للغير وتقسيم المبالغ المتحصل عليها بين الموقوف عليهم، وهو ما يعرف بقسمة الانتفاع.

وقد صدر ظهير 13 يناير 1918 [18] بشأن ضبط سير الأوقاف، والذي ينص على أن الأحباس المعقبة تبقى تحت تصرف الموقوف عليهم ولهم استغلالها أو استعمالها على الكيفية التي حددها المحبس، مع ضرورة التقيد بالأحكام المتعلقة بمعاوضتها وكرائها، إلا أنه ورغم وجود هذه النصوص فإن القواعد التي تحكم الأحباس المعقبة هي الأعراف المحلية ومبادئ الفقه المالكي[19].

وبالرجوع إلى هذه الأعراف والقواعد نجدها تجيز للموقوف عليهم الانتفاع بالأعيان المحبسة وذلك عن طريق قسمتها قسمة انتفاع، سواء كانت قسمة استغلالية زمانية أو مكانية، أو عن طريق توزيع المبالغ المتحصل عليها من كرائها وذلك وفق مناب كل واحد منهم، وهو ما يصطلح عليه عند فقهاء المسلمين بالمهايأة، المهاينة أو المهايبة لقول الحطاب" " قال الرجراجي وقسمة المهاينة وتقال بالنون لأن كل واحد منهما هنأ صاحبه بما أراد، وتقال بالباء والمهايبة أيضا لأن كل واحد منهما وهب صاحبه الاستمتاع بحقه في ذلك الشيء، مدة معلومة، وتقال بالياء لأن كل واحد منهما هيأ لصاحبه ما طلبه منه..."[20].

وقد سار المجلس الاعلى في هذا الاتجاه وذلك بتأكيده على مشروعية قسمة الانتفاع في الأحباس المعقبة، من خلال قراره رقم 1289[21] الذي جاء فيه "... تخضع القسمة الاستغلالية في الأملاك المحبسة للقواعد الفقهية التي تقضي بأنه إذا كانت هذه الأملاك مغروسة بالأشجار فإنها لا تقسم قسمة استغلال لما قاله التسولي في شرحه للتحفة في باب الحبس:

ولا تثبت قسمة في حبس وطالب قسمة نفع لم يسيء"



الفقرة الثانية: كيفية إجراء قسمة الانتفاع

تعتبر قسمة الانتفاع الطريقة الامثل لاستغلال الأعيان المحبسة، وذلك لكونها تضمن مردودية أكبر وتحقق غرض المحبس وهو تحقيق النفع لأعقابه، على خلاف القسمة البتية التي تؤدي إلى التقليل من قيمة الموقوف وجدواه الاقتصادية، وجعله عائقا للتنمية، خصوصا إذا تعلق الامر بعقارات فلاحية أو دور سكنية، والتي يؤدي تجزيئها إلى تضاؤل مردوديتها إن لم نقل انعدامها بالمرة.

كما أن من مزايا هذه القسمة أنه يمكن إعادة النظر فيها كلما تطلب الأمر ذلك دون مخالفة رسم التحبيس.

ورغم سكوت المشرع عن هذا النوع من القسمة إلا أنه يعتبر الأكثر تداولا لأن القسمة العينية تعطل منافع الموقوف كما أنه قد يستحيل في بعض الحالات اللجوء إليها كقسمة سفينة أو سيارة أو أرض زراعية صغيرة بين عدة شركاء[22].

وهكذا فإذا تعلق الأمر بأرض زراعية أو دار للسكنى فإنه يجوز اقتسامها قسمة مهايأة زمانية أو مكانية شرط أن تكون الغلة منضبطة بالنسبة للمهايأة الزمنية، أما إذا تعلق الأمر بأشجار فإنه وتطبيقا لقواعد الفقه المالكي لا تتم قسمتها وإنما يتم اقتسام غلتها بحسب نصيب كل واحد من المنتفعين من الحبس.

ومن المعلوم أن القواعد المطبقة على القسمة المؤقتة سواء كانت زمانية أو مكانية هي أحكام عقد الإيجار، وإن كان مشرع ق.ل.ع قد تناول أحكام المهايأة الزمانية في فصل وحيد[23] دون المكانية، التي لم يشر إليها على أهميتها.

وقد أجاز فقهاء المذهب المالكي كراء العين الموقوفة لمدة قد تصل إلى عشر سنوات بالنسبة للأرض، ولا تتعدى سنة واحدة قابلة للتجديد بالنسبة للدور السكنية، كل ذلك تحت إشراف الناظر الذي يتولى القيام بهذه العملية إلى جانب تقسيمه لأجرة الكراء بين المستحقين لها كل بحسب منابه ووفقا لإرادة المحبس، هذه الأخيرة تكون مضمنة في وثيقة التحبيس وإن كان تكليف الناظر بهذه المهمة توجها في غير محله، فحبذا لو أنبط هذا الدور بالقضاء لما يتوفر عليه من ضمانات ومؤهلات.

فإذا لم يشترط المحبس في الحبس تجزئة السواء، وللذكر مثل حظ الأنثيين، فيكون على الأعيان بالسواء، وفي الأعقاب يؤثر الأحوج فالأحوج، فما فضل للأحوج كان للغني، فإذا استووا في الغنى كان بينهم على السواء [24].

وقد كرس القضاء احترام هذه الإدارة، إذا جاء في أحد قرارات المجلس الأعلى ما يلي : " ...ألفاظ المحبس وقف ولا يجوز تجاوزها ..." [25]

وإذا تعلق الأمر بأملاك حبسية مكتراة، وقد أسست عليها أصول تجارية، فإنه لا تطبق مقتضيات ظهير 24 ماي 1955 المنظم لكراء الأماكن المعدة للاستعمال الحرفي، التجاري والصناعي سواء كان الملك الحبسي محفظا أو غير محفظ وذلك تطبيقا لمقتضيات الفصل الرابع من هذا الظهير وهو ما تؤكده مقتضيات الفصل 75 من ظهير 2 يونيو 1915 المحدد للتشريع المطبق على العقارات المحفظة[26].

إلا أنه قد يلاحظ أحيانا تعذر استغلال هذه الأعيان المحبسة تحبيسا معقبا بأية طريقة من الطرق المشار إليها، مما دفع المشرع، ورغبة منه في تجنيبها وضعية الركود والجمود، إلى وضع مسطرة خاصة لتصفيتها.

---------------------
الهوامش


[1] علي بن شقرون، المؤسسة القانونية للوقف من خلال بعض أدوار الأحباس في المغرب،رسالة لنيل د د ع م في القانون الخاص، جامعة سيدي محمد بن عبد الله، كلية العلوم الاقتصادية والقانونية والاجتماعية فاس 1991-1992، ص 219.

[2] ظهير شريف رقم 83-77-1 في شأن الأحباس المعقبة الصادر بتاريخ 08 أكتوبر 1977 المنشور بالجريدة الرسمية عدد 3388 مكرر بتاريخ 10/10/1977.

[3] عبد العالي دقوقي، الإشكالات القانونية والعملية لتصفية الأحباس المعقبة، ندوة الأملاك الحبسية، كلية الحقوق مراكش، 10-11 فبراير 2006، المطبعة الواقة الوطنية مراكش ص 78.

[4] محمد كمال الدين إمام، الوصايا والأوقاف في الفقه الإسلامي، الؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، بيروت 1996 ص 143.

[5] زهدي يكن، قانون الوقف الذري، الطبعة الثانية، مطابع سميا، بيروت 1964 ص 63.

[6] الصادق عبد الرحمان الغرياني، مدونة الفقه المالكي وأدلته، الريان للطباعة والنشر الطبعة الأولى 2002 ص 236.

[7] محمد الزرقاني، شرح الزرقاني على مختصر خليل، الجزء 7، الطبعة الأميرية 1306ه ص 244.

[8] - محمد بن صالح الصوفي، الحقوق العرفية العينية الإسلامية، دار القلم للطباعة والنشر الطبعة الثانية/ الرباط 2005، صك 362.

[9] - عبد الكريم شهبون، عقود التبرع في الفقه المالكي، الطبعة الأولى 1992، ص: 95.

[10] - محمد أبو زهرة، محاضرات في الوقف، دار الفكر، الطبعة الثانية 1971، ص: 184.

[11] - ظهير 21 يوليوز 1913 المتعلق بنظام تحسين حالة الأحباس العمومية، المنشور بالجريدة الرسمية عدد 20 بتاريخ 19 شتنبر 1913.

[12] - ظهير 8 يوليوز 1916 المتعلق بضبط أمر المعاوضات في أملاك الأحباس التي عليها المنفعة، منشور بالجريدة الرسمية عدد 169 بتاريخ 24 يوليوز 1916.

[13] - محمد خيري، حماية الملكية ونظام التحفيظ العقاري بالمغرب، مطبعة المعارف الجديدة الرباط 2001، ص: 146.

[14] - عبد الرزاق حباني، الحماية القانونية للعقارات المحبسة اطروحة دكتوراه كلية الحقوق الدار البيضاء 2005/2006، ص: 251.

[15] - عبد الرزاق حباني/ م.س، ص: 254.

[16] - الفصل 2 من ظهير 8 يوليوز 1916.

[17] - الفصل3 من ظهير 8 يوليوز 1916.



[18] ظهير شريف بتاريخ 13 يناير 1918 في شأن ضبط مراقبة الأحباس المعقبة، ج ر بتاريخ 4 فبراير 1918.

[19] - محمد الكشبور، القسمة القضائية الطبعة الأولى مطبعة النجاح الجديدة، البيضاء 1946، ص: 66.

[20] - الحطاب، مواهب الجليل لشرح مختصر خليل، المجلد الخامس، دار الفكر ص: 334 (سنة الطبع غير مذكورة).

[21] - قرار المجلس الأعلى عدد 1289 بتاريخ 21/12/1986، مجموعة قرارات المجلس الاعلى في مادة الاحوال الشخصية 1983-1992 ص 149.

[22] - محمد الكشبور، م.س، ص: 205.

[23] - الفصل 966 من ق.ل.ع.

[24] عمر لمين، شروط وثيقة التحبيس، ندوة الأملاك الحبسية المنظمة بكلية الحقوق بمراكش 10/11 فبراير 2006، المطبعة الوراقة الوطنية، مراكش ص 288.

[25] قرار المجلس الأعلى عدد 293 بتاريخ 21/02/1989.

[26] الفصل 75 من ظهير 12 يوليوز 1915 " تبقى الأحباس خاضعة للقوانين والضوابط الخاصة والعوائد الإسلامية التي تجري عليها



السبت 5 فبراير 2011

تعليق جديد
Twitter