MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers





استقلال مهنة المحاماة في ميزان ميثاق إصلاح منظومة العدالة

     

يوســف مرصــود
محامي
بهيئة الدار البيضاء



استقلال مهنة المحاماة في ميزان ميثاق إصلاح منظومة العدالة

 
   جاء في ميثاق إصلاح منظومة العدالة في الجزء الأول وبالضبط في الرؤيا العامة لإصلاح منظومة العدالة، وضمن ما سمي بالتوجيهات الجوهرية التي يقترحها أعضاء الهيئة العليا للحوار الوطني وفي التوجيه رقم 12 ( أنظر الصفحة 51 من الميثاق ) مايلي:
 
12- مراجعة التشريعات المنظمة للمهن القضائية والقانونية في اتجاه تعزيز استقلالها، وكذا توطيد خضوعها، ولوجا وتنظيما وتدبيرا لمبادئ المنافسة والشفافية والمسؤولية والمساواة أمام القانون بما يخدم المصلحة العامة.
 
   ونجد أن من بين التوصيات التي خلص إليها الميثاق فيما يخص مهنة المحاماة التوصية 49 والتي تفيد ما يلي:
 
49- حضور الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف أو من يمثله، في المجلس التأديبي للمحامين، دون أن يشارك في المداولات واتخاذ القرار.
 
   فمقارنة بسيطة بين ما جاء في التوجيهات الجوهرية التي اقترحها أعضاء الهيئة العليا للحوار الوطني حول مراجعة التشريعات المنظمة للمهن القضائية والقانونية في اتجاه تعزيز استقلالها، وبين ما جاء في التوصية 49 من الميثاق والتي تحث على حضور الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف أو من يمثله في المجلس التأديبي للمحامين دون أن يشارك في المداولات واتخاذ القرار، نجد أن هناك تناقضا يعلن عن نفسه بكل قوة.
 
  فما معنى أن يطالب بتعزيز ودعم استقلال المهن القضائية والقانونية من خلال مراجعة التشريعات المنظمة لها، وفي نفس الوقت يوصي بحضور الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف أو من يمثله في المجلس التأديبي للمحامين؟
 
   أم أن مهنة المحاماة ليست ضمن المهن القضائية والقانونية المعنية بتعزيز استقلالها؟
 
   ثم ما فائدة حضور الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف في المجلس التأديبي دون أن يشارك في المداولات أو اتخاذ القرار؟
 
   فالأكيد أن دوره فقط سينحصر في المراقبة أي أنه بمعنى آخر سيكون هو الشرطي الذي يراقب حركة سير المجالس التأديبية.
 
   فعن أي استقلال وتعزيزه يتحدثون؟
 
   وما الغاية المتوخاة من حضور الوكيل العام للملك للمجالس التأديبية للمحامين؟
 
  الأكيد أن في ذلك مساس خطير باستقلال مهنة المحاماة وانفرادها بتسيير شؤونها ومن ضمنها المساطر التأديبية.
 
  ففي الوقت الذي ترتفع فيه أصوات المحامين، بمزيد من الاستقلالية فيما يخص تدبير شؤون المحامين، وعلى الخصوص بإلغاء بت غرفة المشورة لدى محكمة الاستئناف في الطعون المقدمة بشان مقررات النقيب، عبر إحداث هيئة وطنية للمحامين أو مجلس وطني، يكون هو الجهة الاستئنافية لمقررات النقيب، تخرج لنا التوصية 49 من الميثاق بما يزيد من التدخل السافر في شؤون المحامين وذلك بحضور الوكيل العام في المجالس التأديبية.
 
   فإذا كانت مهنة المحاماة مهنة حرة مستقلة كما تنص على ذلك المادة الأولى من قانون مهنة المحاماة، فالأمر يستدعي أن تكون مستقلة تماما الاستقلال عن أية جهة أو سلطة، بما يتيح لها تدبير شؤونها الخاصة عبر مؤسساتها المنتصبة والمتمثلة في النقيب والمجلس.
 
  وقد جاء نشوء المحاماة كرسالة لنصرة الحق والدفاع عن المظلوم واستقصاء العدل، بعيدا عن سلطات الدولة، ودونما خضوع لما تخضع له هذه السلطات، ومن هنا تحدد مفهومها كمهنة حرة مستقلة.
 
  واستقلالية المحاماة التي يحاربها البعض، لا يجب أن يفهم منها انه امتيازا يتيح للمحامي الخروج على ضوابط القانون أو التعدي على القضاء في إطار خدمة لمصالح موكله، بل إن استقلاليته أداة حماية للدور المنوه بالمحامي وهو مشاركة القضاء في إقامة العدل والدفاع عن حقوق الناس والحريات.
 
   واستقلال المحاماة بهذا المعنى يعني أداء المحامي لواجباته والدود عن مصالح موكله على نحو مستقل ونزيه متحرر من أي تدخل في شؤونه من قبل السلطات التنفيذ أو التشريعية أو حتى السلطة القضائية، ومن قبل أي كان في شكل متحرر ووفقا لما يمليه عليه ضميره وأخلاقيات المهنة.
 
   أما وأن يخرج لنا مهندسو ميثاق إصلاح منظومة العدالة بتوصية 49 تجعل من حضور الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف أو من يمثله المجلس التأديبي للمحامين ، فإن ذلك يبقى مساسا مهولا باستقلال مهنة المحاماة، كما سبق وان قلنا، وهو سابقة خطيرة لم نشهد لها مثيل ووجب التصدي لها من قبل المحامين لما لها من محاولة لإخضاعهم واحتوائهم وإدخالهم في خانة المتحكم فيهم.
 
  خصوصا إذا ما علمنا أن الإجراء عدد 62 من المخطط الإجرائي لتنفيذ ميثاق إصلاح منظومة العدالة والمتعلق بتطبيق التوصية 49، يتحدث عن تعديل قانون مهنة المحاماة، بما يضمن فصل سلطة المتابعة عن سلطة التأديب.
 
   فبهذا الإعتبار، وبتمكين الوكيل العام للملك من حضور المجالس التأديبية للمحامين، فإن الأمر سيخول له الحصول على جميع المعلومات حول أي ملف تأديبي، ليحرك على أساسه المتابعة، دون أدنى رجوع للنقيب أو المجلس، ما دام أن سلطة المتابعة بالتأكيد تبقى في يده، لنجد أنفسنا مرة أخرى أمام تقزيم لدور المؤسسات المهنية في هذا المجال.
 
  وفي محاولة من مهندسي الميثاق، لاحتواء الأمر ومحاولة تمريره على المحامين، أطلوا علينا بالتوصية عدد 50 التي تتكلم عن إحداث هيئة قضائية ومهنية مختلطة على مستوى محاكم الاستئناف تتكون من ثلاث قضاة من بينهم الرئيس ومحامين اثنين يمثلان مجلس هيئة المحامين للبت في الطعون المقدمة ضد القرارات التأديبية وغيرها الصادرة عن هذا المجلس مع تخويل الهيئة المذكورة حق التصدي.
 
  وكأن لسان حالهم يقول لمعشر المحامين إننا لما وضعنا الوكيل العام للملك أو من يمثله ليكون حاضرا لمجالسكم التأديبية، فقد خولنا في المقابل لإثنين منكم بأن يكونا ضمن تشكيلة الهيئة المختلطة التي ستبت في الطعون المقدمة ضد القرارات التأديبية وغيرها.
 
   لكننا نجيبهم بان الأمر يتعلق أول وثانيا بشؤوننا يتعلق ببيتنا الداخلي.
 
  فلا حضور الوكيل العام للملك في المجالس التأديبية أمرا مقبول ومحبذا، ولا تشكيل هيئة مختلطة أمرا مرغوبا ومستحبا.
 
    فإذا جاءت التوصية 164 من الميثاق بإحداث مجلس وطني لهيئات المحامين، فالأولى لهذا المجلس، أن يكون جهة استئنافية لمقررات النقيب والمجلس بدل أن تبقى مهامه محصورة في وضع التصورات العامة للتكوين الأساسي والمستمر للمحامين، ووضع نظام داخلي موحد لهيئات المحامين، ومدونة سلوك المهنة.



الاثنين 21 أكتوبر 2013

عناوين أخرى
< >

الاربعاء 15 ماي 2024 - 01:09 الأرشيف العمومي ورهـان الاستدامـة


تعليق جديد
Twitter