MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers





إعادة إدماج المفرج عنهم في المجتمع المغربي: واقع وآفاق

     

عادل اليوسفي
طالب بسلك الدكتوراه
بكلية العلوم القانونية والإقتصادية والإجتماعية بمراكش



 إعادة إدماج المفرج عنهم في المجتمع المغربي: واقع وآفاق
 
 
 
تعتبر الظاهرة الإجرامية، ظاهرة إجتماعية ولدت منذ ولادة الإنسان، وتنوعت وتعددت أساليب مواجهتها مع تطور المجتمعات، إلا أن تطور الفكر الجنائي ساهم في تطوير وظيفة وغرض الجزاء الجنائي، لينتقل من الإيلام والإنتقام إلى إصلاح وتأهيل المجرمين لإعادة إدماجهم في المجتمع، وظهرت لذلك فلسفة إعادة الإدماج بعد أن تركز اهتمام الفكر الجنائي على دراسة شخصية المجرم بدل الفعل الجرمي، وبدأت فكرة الإصلاح والتأهيل تتبلور لاسيما مع حركة الدفاع الإجتماعي، وخاصة في جناحها المعتدل المتمثل في "مارك أنسل" الذي دعا إلى أنسنة السجون والعقوبة على حد سواء[1].

وقد عرف مصطلح إعادة الإدماج في حقل علم الاجتماع منذ القرن العشرين، وبذلك فهو مفهوم حديث يقصد به مجموع الإجراءات والممارسات التي تزيد من فرص مشاركة الفرد في الحياة الثقافية والاجتماعية[2]. وإذا كان الإدماج يقصد به تأهيل الأفراد بشكل يسمح بإمكانية إحداث التكيف المطلوب مع المجتمع، فإن إعادة الإدماج تتطلب علاوة على ذلك إحداث تغيير إيجابي على البيئة والمحيط الذي يعيش فيه الفرد لتحقيق التكيف الاجتماعي، لذلك تقوم مختلف التشريعات بإحداث مجموعة من المقتضيات القانونية التي تساهم في تحقيق إعادة إدماج المفرج عنهم في المجتمع[3].

 ورغم ذلك التطور الذي لحق أساليب المعاملة العقابية[4]، فإن المفرج عنهم بعد قضائهم للعقوبة السالبة للحرية يواجهون عدة صعوبات متعلقة باندماجهم داخل المجتمع، إلى الحد الذي دفع ببعض الفقه[5] إلى وصف تلك المرحلة "بأزمة الإفراج"، التي تنتج عن اختلاف ظروف الحياة التي اعتادها النزلاء داخل مجتمع السجن وبين الحياة خارجه، بالإضافة إلى الوصم الاجتماعي الذي يواجهون به من قبل أفراد المجتمع، ثم ما تشكله بعض العقوبات الجنائية ونظام السجل العدلي من عراقيل أمام سبل إعادة إدماجهم، الأمر الذي يؤدي إلى عزلتهم عن المجتمع والإستمرار في حياتهم الخاصة ولو بعد الإفراج، ويجعلهم أكثر عرضة للعود إلى الجريمة التي تشكل خطرا على المجتمع[6]، ويؤدي بالتالي إلى فشل جهود الإصلاح والتأهيل المبذولة خلال مرحلة تنفيذ العقوبة السالبة للحرية.

ومن هذا المنطلق ارتأيت تناول موضوع "إعادة إدماج المفرج عنهم"، للإجابة عن الإشكالية المتمثلة في مدى مساهمة التشريع المغربي في إعادة إدماج المفرج عنهم؟ وتحديد العراقيل التي تحول دون إعادة إدماجهم في الحياة الاجتماعية طبيعتها، ثم اقتراح السبل التى من شأنها أن تعمل على تجاوز تلك العراقيل، وبالتالي تحقيق الهدف الأسمى من إيقاع العقاب وهو إعادة إدماج المفرج عنهم في المجتمع.

وفي محاولة لرصد تلك العراقيل التي تحول دون تحقيق إندماج حقيقي للمفرج عنهم في الحياة الاجتماعية،  بعد تنفيذهم للعقوبة السالبة للحرية[7]، خصصت الجزء الأول من هذه الدراسة لدراسة أنواع تلك العراقيل (المطلب الأول)، ثم الجزء الثاني لمناقشة سبل تجاوز ذلك وبالتالي إنجاح سياسة إعادة الإدماج (المطب الثاني).

المطلب الأول: عراقيل إعادة الإدماج

تعترض عملية إعادة إدماج المفرج عنهم في الحياة الاجتماعية مجموعة من العراقيل، يمكن تحديد أهمها في العراقيل القانونية (الفقرة الأولى)، والعراقيل الاجتماعية والاقتصادية (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: العراقيل القانونية

من خلال الاطلاع على التشريع الجنائي المغربي في مختلف النصوص التشريعية، يمكننا تصنيف العراقيل القانونية التي تؤثر على تحقيق إعادة الإدماج المفرج عنهم في الحياة الاجتماعية، إلى عراقيل ناتجة عن آثار بعض الأحكام الجنائية (أولا)، ثم عراقيل مرتبطة بآثار نظامي السجل العدلي ورد الاعتبار(ثانيا).

أولا: آثار الأحكام الجنائية

يواجه المفرج عنهم عدة عراقيل مرتبطة بالآثار التي تنتج عن بعض الأحكام الجنائية، بعضها يكون بحكم القانون وأخرى بغير نص قانوني، تكون في الغالب لصيقة بالعقوبة السالبة للحرية، لما تنطوي عليه هذه الأخيرة من نتائج سلبية، تتمثل في حرمان مادي مرتبط بالفضاء المسموح لهم بالتحرك داخله، وحرمان معنوي ناتج عن فقدان المحكوم عليهم الأهلية للقيام  ببعض التصرفات القانونية[8]. فإذا كان الهدف الأسمى من توقيع العقاب، هو إصلاح المحكوم عليهم وحماية المجتمع من المخاطر المترتبة عن السلوكات الإجرامية التي تمس المصلحة العامة، فإن الإشكال المطروح هو كيفية تحقيق نوع من التوازن بين إصلاح وإدماج المجرمين وبين توفير حماية أفضل للمجتمع من الجريمة؟
فالنظام العقابي المغربي يتضمن نظاما مزدوجا للعقوبات[9]؛ عقوبات أصلية وأخرى إضافية، في الغالب ما تكون سالبة للحرية أو مانعة لحق من الحقوق، ثم تدابير وقائية تهدف إلى القضاء على آثار الجريمة أو إزالة الخطر الذي يشكله مرتكب الفعل الجرمي، وهو ما ينص عليه المشرع المغربي في الفصل الأول من القانون الجنائي[10]: "يحدد التشريع الجنائي أفعال الإنسان التي يعدها جرائم بسبب ما تحدثه من اضطراب اجتماعي، ويوجب زجر مرتكبيها بعقوبات أو تدابير وقائية".
وما يهمنا، هنا هي الآثار المرتبطة بالأحكام الجنائية، وما تشكله من عراقيل أمام إعادة إدماج المفرج عنهم، والتي تتمثل في العقوبات الإضافية (أ)، ثم التدابير الوقائية (ب).
 
  • العقوبات الإضافية
تعمل العقوبات الإضافية على مصادرة العديد من الحقوق والحريات، مثل الحجر القانوني والتجريد من الحقوق الوطنية، حيث يترتبان حتما بقوة القانون عن العقوبة الجنائية، طبقا للفصل 37 من القانون الجنائي الذي ينص على أن: "الحجر القانوني والتجريد من الحقوق الوطنية، كعقوبة تبعية، ينتجان عن العقوبة الجنائية وحدها، ويتعين تطبيقهما بحكم القانون دون حاجة إلى النطق بهما في الحكم".
فالحجر القانوني يحرم المحكوم عليهم من مباشرة حقوقهم المالية طوال مدة تنفيذ العقوبة الأصلية طبقا للفقرة الأولى من الفصل 38 من القانون الجنائي، وهو إجراء يسلبهم أهلية إدارة أموالهم ويقيد حريتهم في التصرف فيها طيلة مدة العقوبة، حيث يعين لهم وصي للقيام بذلك [11]، كما يمكنهم أن يختاروا وكيلا عنهم بشرط أن يعمل تحت إشراف الوصي، وينتهي الحجر بمجرد انتهاء العقوبة، وترد إلى المحجور أموالهم مع كشف الحسابات وفق ما جاء في الفقرة الثالثة من الفصل 39 من القانون المذكور. وهو إجراء يحرم المحكوم عليهم من أهلية الأداء التي تعتبر جزءا من الشخصية القانونية[12].
أما بالنسبة للتجريد من الحقوق الوطنية، فيرمي إلى الحرمان من العديد من الحقوق الوطنية والسياسية، وفق ما ينص عليه الفصل 26 من القانون الجنائي كالآتي:

- عزل المحكوم عليه وطرده من جميع الوظائف العمومية وكل الخدمات والأعمال العمومية.
- حرمان المحكوم عليه من أن يكون ناخبا أو منتخبا وحرمانه بصفة عامة من سائر الحقوق الوطنية والسياسية ومن حق التحلي بأي وسام.
- عدم الأهلية للقيام بمهمة عضو أو خبير، وعدم الأهلية لأداء الشهادة في أي رسم من الرسوم أو الشهادة أمام القضاء إلا على سبيل الإخبار فقط.
ـ عدم أهلية المحكوم عليه لأن يكون وصيا أو مشرفا على غير أولاده.
- الحرمان من حق حمل السلاح ومن الخدمة في الجيش والقيام بالتعليم أو إدارة مؤسسة أو العمل في مؤسسة للتعليم كأستاذ أو مدرس أو مراقب.
كما أن التجريد من الحقوق الوطنية عندما يكون عقوبة أصلية يحكم به لزجر الجنايات السياسية، لمدة تتراوح بين سنتين وعشر سنوات، ما لم تنص مقتضيات خاصة على خلاف ذلك طبقا للفصل 26 من القانون الجنائي. أما عندما يكون عقوبة إضافية فيكون الحكم به جوازي في العقوبات الجنحية، لمدة تتراوح بين سنة وعشر سنوات، ويقتصر على حق أو عدة حقوق كما نص على ذلك الفصل 40 من القانون الجنائي، والذي يحيل بدوره على الفصل 26 منه. ويحبذ البعض[13] جعل الحكم به أمرا جوازيا في الجنح والجنايات، ليحكم به القاضي متى تبين له أن ذلك يحقق الصالح العام.
بالاضافة لما سبق، توجد حرمانات أخرى إضافية، تنتج حتما عن الحكم بعقوبة السجن المؤبد والإعدام (الفصل الأول 41 من القانون الجنائي)، وهو الحرمان من الحق في المعاش الذي تصرفه الدولة، هذا الحرمان يبدو مجحفا في حق المحكوم عليه، لكون الحرمان من الحرية كفيل وحده بتحقيق اللوم عليه، وآثاره تنصرف إلى الأسرة بكاملها، لذا يجب على المشرع مراجعة سياسته في هذا المجال، خاصة وأن المنطق الإنساني والقانوني لا يسمحان بانعكاس هذه التبعات سواء المباشرة أو غير المباشرة على الأغيار، وإلا تم المساس بمبدأ شخصية العقوبة.
بالإضافة إلى ذلك، يمنح المشرع في الفصل 41 من القانون الجنائي للمحاكم عند الحكم بعقوبة جنائية غير الإعدام أو السجن المؤبد، إمكانية الحكم بالحرمان المؤقت من الحق في المعاش طوال مدة تنفيذ العقوبة، وهو أمر ينعكس سلبا على الأسرة بكاملها.
ويعطي المشرع للمحاكم في الحالات التي يحددها القانون، إذا حكمت بعقوبة جنحية أن تحرم المحكوم عليه، لمدة تتراوح بين سنة وعشر سنوات، من ممارسة حق أو عدة حقوق، من الحقوق الوطنية أو المدنية أو العائلية المنصوص عليها في الفصل 26 من القانون الجنائي.
بالإضافة إلى كل هذا، يترتب عن العقوبة السالبة للحرية، العجز أو القصور المهني كما يسميه الفقه[14]، الذي يصيب الموظف العمومي حيث يتعرض في أغلب الحالات إلى تبعات إدارية منصوص عليها في المسطرة التأديبية، هذا القصور قد يقتصر أمده على مدة العقوبة السالبة للحرية، وقد يمتد أثره إلى ما بعد انتهاءها. وتزيد من حدة تلك الآثار، ما يترتب أيضا من قصور أو عجز انتخابي والذي يعد طردا من المواطنة[15]، فحق الانتخاب يعتبر حقا وطنيا مضمونا لكافة المواطنين البالغين السن القانوني، وسلبه من أحدهم يعد إقصاء له من مواطنته، وهو منطق يتعارض مع مبدأ إعادة الإدماج الذي أصبح يشكل عصب السياسة الجنائية الحديثة، كما أن هذا القصور يتنافى مع النظرية التي تجعل من الانتخابات حقا ملازما لصفة المواطن، والمواطنة صفة تبقى ملازمة للسجين لا يفقدها بارتكابه للجريمة[16]، خاصة وأنه يحرم منها حتى المعتقلين الاحتياطيين بالرغم من أن قرار الاعتقال الاحتياطي لا يعدو أن يكون سوى تدبيرا استثنائيا، لا يدل دلالة قاطعة على الإدانة (المادة 159 من قانون المسطرة الجنائية المغربي).


ب- التدابير الوقائية

تعد التدابير الوقائية في حقيقتها عقوبة جديدة يخضع لها المحكوم عليه، بعدما خضع للعقوبات الأصلية والإضافية[17]، فالمشرع المغربي نص على مجموعة من التدابير الوقائية التي يخضع لها المحكوم عليه لمدة معينة، وذلك بعدما ينتهي من تنفيذ عقوبة السجن ويتم الإفراج عنه نهائيا. وما دام لم يحصل على رد اعتباره سيبقى خاضعا لهذه التدابير عدا إذا صدر قانون جديد يزيل صبغة الجريمة عن الفعل الذي استوجبه، أو إذا صدر قانون يلغي ذلك التدبير حسب نص الفصل 9 من القانون الجنائي المغربي.
وفي حالة الحصول على رد الاعتبار فإن المحكوم عليه يتخلص من آثار تلك التدابير، لأن رد الاعتبار يضع حدا لتنفيذ التدابير الوقائية طبقا لمقتضيات الفصل 102 من القانون الجنائي، باستثناء حالة الإيداع القضائي في مؤسسة لعلاج الأمراض العقلية أو الوضع القضائي في مؤسسة علاجية، فإن أسباب انقضاء تدابير الوقاية أو الإعفاء منها أو إيقافها لا تسري على هاتين الحالتين ما عدا في حالة موت المحكوم عليه طبقا لمقتضيات الفصل 103 من نفس القانون.
لقد حدد المشرع المغربي التدابير الوقائية في الفصول من 61 إلى 92 من القانون الجنائي، سواء تعلق الأمر بالتدابير الوقائية العينية أو الشخصية. فالتدابير الوقائية الشخصية تتضمن الإقصاء، والإجبار على الإقامة بمكان معين، والمنع من الإقامة، والإيداع القضائي داخل مؤسسة لعلاج الأمراض العقلية، والوضع القضائي في مؤسسة للعلاج، والوضع في مؤسسة فلاحية، وعدم الأهلية لمزاولة جميع الوظائف والخدمات العمومية، والمنع من مزاولة مهنة أو نشاط أو فن سواء كان ذلك خاضعا لترخيص إداري أم لا، وسقوط الحق في الولاية الشرعية على الأبناء...
أما التدابير الوقائية العينية، فتم تحديدها في نوعين هما، مصادرة الأشياء التي لها علاقة بالجريمة أو الأشياء الضارة أو الخطيرة أو المحظور امتلاكها، ثم إغلاق المحل التجاري أو المؤسسة التي استغلت في ارتكاب الجريمة. وتجدر الإشارة إلى أن رد الاعتبار لا يسري على هذه التدابير الوقائية العينية، فمصادرة الأشياء التي تكون مرتبطة بالجريمة لا يمكن استرجاعها عند حصول رد الاعتبار، كما أن إغلاق المحل التجاري أو إغلاق المؤسسة التي استغلت في ارتكابها الجريمة لا يخضع لآجال رد الاعتبار ما دامت آجاله قصيرة تتراوح ما بين عشرة أيام وستة أشهر حسب الفصل 90 من القانون الجنائي المغربي.
وتهدف التشريعات التي تنص على مثل هذه التدابير الوقائية، إلى حماية المجتمع من الخطر الذي قد يمثله المحكوم عليه بعد تنفيذ عقوبته [18]، زيادة على الرغبة في تجنب حالات العود. لكن من يتأمل جيدا في هذه التدابير خصوصا وأنها تأتي بعد تنفيذ العقوبة، سيتأكد بلا شك أن المحكوم عليه توضع أمامه عدة عقبات من الصعب عليه تجاوزها، تحول بينه وبين العودة للحياة الطبيعية[19]، فمنعه من مزاولة مهنة معينة لمدة قد تصل إلى عشر سنوات ستؤدي به إلى السقوط في حالات العود، ما دام أنه لم يجد وسيلة أخرى لكسب الرزق، بسبب حرمانه من مزاولة نشاط يتوفر فيه على كفاءة مهنية، كما أن المنع من الإقامة قد يكون سببا في تشريد عائلته أو التفريق بينهما، بسبب انعدام الوسائل المادية للاستقرار في مكان آخر[20].
إن العراقيل التي تقف أمام المحكوم عليهم، والمتمثلة في العقوبات الإضافية والتدابير الوقائية، تمثل سياجا قانونيا يحول بينهم وبين الحياة الطبيعية لا يحس بها غيرهم، مما يجعلها متعارضة مع متطلبات سياسة إعادة الإدماج.

ثانيا: نظامي السجل العدلي ورد الاعتبار

ما يزيد من تعميق مشكل إعادة الإدماج، اصطدام  المحكوم عليهم بصحيفة السجل العدلي التي يكونوا ملزمين بالإدلاء بها للحصول على فرصة شغل (أ)، وإلا عليهم انتظار مدة غير يسيرة للحصول على رد الاعتبار قصد التخلص من السوابق الجنائية (ب).
أ-السجل العدلي
لم يعرف المشرع المغربي السجل العدلي باعتبار أن مهمة التعاريف والمفاهيم اختصاص فقهي، وفي هذا الإطار يعرف بكونه الوثيقة أو المستند الخاص بحفظ آثار الأحكام الجنائية وأداة لتحديد وضبط السوابق القضائية[21]
ويستعمل السجل العدلي[22] بصفة خاصة، لتطبيق العقوبات في حالة العود وإلغاء إيقاف التنفيذ، وكذلك لتمكين مختلف الإدارات من منع ذوي السوابق من ولوج الوظائف العمومية والانخراط في القوات المسلحة الملكية، وفق ما نصت عليه المادة 665 من قانون المسطرة الجنائية، فالهدف من بطاقة السوابق الجنائية هو معرفة مدى طهارة الشخص القانونية من عدمها، كما يحتاج الإنسان لنسخة من السجل العدلي للإدلاء بها لدى المشغل أو لأي جهة تود توظيفه، مما يجعل صحيفة السوابق تقف عائقا أمام اندماج الأفراد المسجلين بها، فيدفعهم ذلك إلى فقدان الثقة في المجتمع و الإحساس بالإقصاء والتهميش، وبالتالي إلى العودة إلى السلوك الاجرامي.
في ظل هذا الوضع لم يجد الباحثون والمؤسسات التي تعمل في مجال إعادة الإدماج غير تقديم الانتقادات لنظام السجل العدلي[23]، والدعوة إلى إلغائه أو تعديل أحكامه على الأقل، حتى لا يستمر في خلق مصاعب في وجه المفرج عنهم الذين يتوفرون على رغبة في إصلاح سلوكهم والاندماج من جديد في الحياة الاجتماعية.
إن السجل العدلي وإن كان قد وضع لخدمة مصلحتين متعارضتين، الأولى تتمثل في حماية المجتمع من خطر المجرمين، وتقديم السجل العدلي كضمانة للأفراد داخل مجتمعهم، وذلك بتحديد طهارتهم القانونية التي تفصح عن سلامة سلوكهم الاجتماعي وعن استقامتهم، وثانيا تحقيق مصلحة المحكوم عليهم من خلال عنصر تفريد العقوبة الجنائية، ومعرفة المعاملة العقابية التي يستحقونها، إلا أنه أصبح مؤسسة تخلق عدة عراقيل وصعوبات أمام اندماج المفرج عنهم في الحياة الطبيعية، ولا يجدون أمام هذا الوضع غير انتظار  حصولهم على رد الاعتبار عسى أن يحقق آمالهم.
ب- رد الاعتبار
يعرف رد الاعتبار على أنه وضع حد للحكم الجنائي ومحو آثاره في المستقبل، لإعادة الحقوق التي حرم منها من أدين جنائيا [24]
وهو ما نصت عليه الفقرة الثانية من المادة 687 من قانون المسطرة الجنائية المغربي" يمحو رد الاعتبار بالنسبة للمستقبل، الآثار الناتجة عن العقوبة وحالات فقدان الأهلية المترتبة عنها".
فمن المفروض أن ينسى المحكوم عليه بعد تنفيذه للعقوبة الجريمة التي أدين من أجلها، بعد أن أدى ثمن ذلك[25]، ويقوم بالمصالحة مع المجتمع والقانون، غير أن التشريعات في غالبيتها تضع عدة شروط وآجال ليصبح الشخص كذلك، وتعاد إليه الحقوق والامتيازات التي كان يتمتع بها قبل صدور الحكم، والمشرع المغربي بدوره نص في المادة 687 من قانون المسطرة الجنائية، على أنه يحق لكل شخص صدر في حقه حكم من إحدى المحاكم الزجرية بالمملكة من أجل جناية أو جنحة، الحصول على رد الاعتبار، ويرد الاعتبار وفق الفقرة الاخيرة من نفس المادة إما بقوة القانون أو بقرار تصدر الغرفة الجنحية بمحكمة الاستئناف[26].
 
  1. رد الاعتبار القانوني
رد الاعتبار القانوني هو الذي يكتسب بقوة القانون، دون ما حاجة إلى تقديم طلب من المحكوم عليه أو صدور حكم به، إذ يتحقق بمجرد مرور زمن معين من تاريخ تنفيذ العقوبة أو انصرام أمد تقادمها.
وقد حدد المشرع المغربي في المادة 688 من قانون المسطرة الجنائية، شروط رد الاعتبار القانوني فيما يلي:
  •  عدم صدور حكم جديد ضد المحكوم عليه بعقوبة سالبة للحرية من أجل جناية أو جنحة داخل الآجال المحددة فيما بعد.
  • تنفيذ العقوبة أو سقوطها بالتقادم، ويكون التنفيذ بقضاء كامل مدة العقوبة المحكوم بها، أو بدفع الغرامة بتمامها أو تنفيذها عن طريق الإكراه البدني.
  • انصرام الآجال المحددة قانونا وهي على الشكل التالي:
  •  فيما يخص العقوبات بالغرامة بعد انتهاء أجل سنة واحدة تحتسب من يوم أدائها أو من انتهاء الإكراه البدني أو انصرام أمد التقادم.
  •  فيما يخص العقوبة الوحيدة الصادرة بالحبس لمدة لا تتجاوز ستة أشهر، بعد انتهاء أجل خمس سنوات إما من يوم انتهاء العقوبة المنفذة على المحكوم عليه وإما من يوم انصرام أجال التقادم.
  •  فيما يخص العقوبة الوحيدة لمدة لا تتجاوز سنتين أو فيما يخص عدة عقوبات لا يتجاوز مجموعها سنة واحدة، بعد انتهاء أجل عشر سنوات تبتدئ من يوم انتهاء العقوبة المنفذة على المحكوم عليه وإما من يوم انصرام أجل التقادم.
  •  فيما يخص العقوبة الوحيدة بالحبس لمدة تتجاوز سنتين من أجل جنحة أو فيما يخص عقوبات متعددة يتجاوز مجموعها سنة واحدة من أجل جنح، بعد انصرام أجل خمسة عشر سنة.
  •  فيما يخص العقوبة الجنائية أو العقوبات الجنائية المتعددة، بعد انصرام أجل عشرين سنة ابتداء من يوم انقضاء آخر عقوبة أو انصرام أمد تقادمها.
  •  في حالة الحكم بعقوبة مزدوجة بالغرامة والعقوبة السالبة للحرية، يحتسب الأجل الساري في العقوبة السالبة للحرية. وإذا تم إدماج عقوبات بمقتضى حكم اعتبرت بمثابة عقوبة واحدة.
وفيما يخص العقوبات موقوفة التنفيذ حسب المادة 689 من نفس القانون، يرد الاعتبار بقوة القانون لكل محكوم عليه بعقوبة حبسية أو غرامة مع إيقاف التنفيذ، فيحتسب الأجل من التاريخ الذي أصبح فيه الحكم مكتسبا لقوة الشيء المقضي به. وفي حالة ازدواجية العقوبة بالغرامة النافذة والعقوبة السالبة للحرية الموقوفة التنفيذ، يحتسب الأجل الساري على الحبس الموقوف لرد الاعتبار.
ما يلاحظ من خلال شروط وآجال رد الاعتبار القانوني، هو طول هذه الآجال القانونية لتحققه، حيث ترهن مستقبل المحكوم عليهم، وتوجب عليهم انتظار وقت طويل كي يعودوا للحياة الطبيعية، تزامنا مع وجودهم في لحظة صعبة "ما بعد الإفراج"، ناهيك عن أنه في الواقع العملي لا يتم رد الاعتبار القانوني بشكل تلقائي، بحكم عدم تفعيل الشطب التلقائي للسوابق القضائية من السجل العدلي بعد مرور الأجل القانوني لرد الإعتبار، الأمر الذي يحتم على من يرغب في رد اعتباره القانوني التقدم بطلب في ذلك والسهر على جمع الوثائق المثبتة لذلك، ولتجاوز هذا الانتظار الطويل تبقى أمامهم طريقة رد الاعتبار القضائي، عساها أن تحقق لهم ما يصبون إليه.
2- رد الاعتبار القضائي:
رد الاعتبار القضائي هو محو الآثار الجنائية للحكم الصادر بالإدانة في المستقبل، ويصبح المحكوم عليه ابتداء من رد اعتباره كأي شخص بدون سوابق عدلية، كأن لم تصدر ضده أية أحكام جنائية، وهو لا يتقرر إلا بحكم قضائي بناء على طلب المحكوم عليه، ولا ينتج آثاره إلا من تاريخ صدور هذا الحكم[27].
وتتطلب الاستفادة من رد الاعتبار القضائي في قانون المسطرة الجنائية المغربي، توافر شروط موضوعية وأخرى شكلية نصت عليها المواد من 690 إلى 730 نتناولها فيما يلي:
  • الشروط الموضوعية: تتعلق بالآجال الفاصلة بين تنفيذ العقوبة وطلب رد الاعتبار، وكذا بإثبات التنفيذ.
كمبدأ عام، لا يمكن طلب رد الاعتبار قبل انصرام أجل ثلاث سنوات، غير أن هذا الأجل يخفض إلى سنتين إذا كانت العقوبة صادرة من أجل جنحة غير عمدية، وإلى سنة واحدة إذا كانت العقوبة غرامة فقط[28]، ويرفع هذا الأجل إلى خمس سنوات في حق المحكوم عليه بعقوبة جنائية، بينما في حالة الحكم بعقوبة مزدوجة بالغرامة والعقوبة السالبة للحرية، يحتسب الأجل الساري في العقوبة السالبة للحرية  فقط [29].
وتحتسب هذه الآجال من يوم الإفراج بالنسبة للمحكوم عليه بعقوبة سالبة للحرية، ومن يوم الأداء في حق المحكوم عليه بغرامة.
لكن إذا كان الشخص في حالة عود  أو صدر في حقه حكم بعقوبة جديدة سالبة للحرية بعد رد الاعتبار إليه، فإنه لا يقبل منه طلب رد الاعتبار إلا بعد مرور أجل خمسة سنوات من يوم الإفراج، غير أنه إذا كانت العقوبة الجديدة عقوبة جنائية، ترفع فترة الاختبار إلى عشر سنوات[30].
كما لا يمكن للمحكوم عليه الذي سقطت عقوبته بالتقادم أن يحصل على رد الاعتبار القضائي، ما لم يكن قد أدى خدمات جليلة للبلاد مخاطرا بحياته، ففي هذه الحالة لا يخضع لأي شرط يتعلق بالأجل أو بتنفيذ العقوبة[31].
وفي جميع الأحوال السابقة، يجب على المحكوم عليه أن يثبت أداء المصاريف القضائية والغرامة والتعويض أو يثبت إعفاءه من أدائها. وإذا لم يثبت ذلك فعليه أن يثبت أنه قضى مدة الإكراه البدني أو أن الطرف المتضرر قد تخلى عن هذه الوسيلة أو أنه استفاد من مقتضيات المادة 648 المتعلقة بالتقادم.
وإذا كان الحكم صادرا من أجل التفالس بالتدليس، فيجب على المحكوم عليه أن يثبت أداء الديون المترتبة عن التفلسة، بما فيها من رأسمال ومصاريف أو يثبت إعفاءه من أدائها، غير أنه إذا أثبت المحكوم عليه أنه عاجز عن أداء المصاريف القضائية جاز أن يرد له الاعتبار ولو في حالة عدم أداء هذه المصاريف أو أداء جزء منها.
  •  الشروط الشكلية: تتلخص هذه الشروط في:
- وجوب تقديم طلب رد الاعتبار من قبل المحكوم عليه أو ممثله القانوني إذا كان محجورا عليه، وفي حالة وفاة المحكوم عليه، يمكن لزوجه أو أصوله أو فروعه تتبع الطلب الذي سبق أن تقدم به المتوفى، ويمكنهم ان يتقدموا بالطلب مباشرة داخل أجل ثلاث سنوات من تاريخ الوفاة، يحدد هذا الأجل لغاية نهاية السنة الموالية للأجل المعتمد عليه لحساب المدة المشار إليه في حالة العود، إذا طرأت الوفاة قبل مرور المدة القانونية اللازمة لطلب رد الاعتبار(المادة 691 من قانون المسطرة الجنائية). - يجب أن يكون الطلب شاملا لمجموع العقوبات الصادرة التي لم يسبق محوها، لا عن طريق رد اعتبار سابق ولا عن طريق العفو الشامل.
- يقدم المحكوم عليه طلبا برد الاعتبار لوكيل الملك بمحل إقامته الحالي أو بآخر موطن له بالمغرب، إذا كان يقيم بالخارج، ويبين بدقة في هذا الطلب تاريخ المقرر الصادر في حقه والمحكمة التي صدر عنها، ثم الأماكن التي أقام بها المحكوم عليه منذ الإفراج عنه (المادة 696 من قانون المسطرة الجنائية).
- يطلب وكيل الملك شهادات من ولاة أو عمال الأقاليم والعمالات أو المفوضين من قبلهم بالأماكن التي أقام بها المحكوم عليه، ويتعين أن يحتوي على البيانات الآتية: مدة إقامة المحكوم عليه بكل مكان، سيرته أثناء هذه الإقامة، ووسائل معيشته خلال نفس المدة.
علاوة على إمكانية الأمر بإجراء بحث من قبل وكيل الملك، تقوم به المصالح الدرك الملكي أو الشرطة بالأماكن التي أقام بها المحكوم عليه، بعد ذلك يسعى وكيل الملك للحصول على نسخة من الأحكام والقرارات الصادرة بالعقوبة، وملخص سجل الاعتقال في المؤسسات السجنية التي قضى بها المحكوم عليه مدة عقوبته، ورأي المدير أو رئيس المؤسسة السجنية حول سلوك المحكوم عليه خلال مدة الاعتقال ثم البطاقة رقم 2 من السجل العدلي.
يوجه وكيل الملك هذه الوثائق مقرونة برأيه إلى الوكيل العام للملك الذي يحيلها إلى الغرفة الجنحية بمحكمة الاستئناف ويمكن لطالب رد الاعتبار أن يعرض مباشرة على هذه الغرفة سائر الوثائق التي يراها مفيدة.
وتبت الغرفة داخل أجل شهرين بناء على مستنتجات الوكيل العام للملك وبعد الاستماع إلى الطرف الذي يعنيه الأمر وإلى محاميه بعد استدعائهما بصفة قانونية.
وفي حالة رفض طلب رد الاعتبار لا يمكن تقديم طلب جديد إلا بعد انصرام أجل سنتين تحسب من تاريخ هذا الرفض، ما لم يكن الرفض بسبب استيفاء الآجال المنصوص عليها في المادة 692 من قانون المسطرة الجنائية.
ويترتب عن قرار رد الاعتبار محو الآثار المترتبة عن الأحكام الجنائية، بما فيها محو مضمون السجل العدلي والآثار المتعلقة بفقدان الأهلية.
إن نظام رد الاعتبار بنوعيه كما هو منظم في قانون المسطرة الجنائية المغربي، بدوره لا يساهم في استرجاع مكانة المحكوم عليهم بالشكل المطلوب، بحكم المسطرة الطويلة والمعقدة التي يجب المرور منها، مما يجعله يقف عائقا أمام إعادة إدماجهم، وبالتالي يعد إلى جانب آثار الأحكام الجنائية والسجل العدلي عائقا قانونيا يحول بين المفرج عنهم وبين عودتهم للحياة الطبيعية.
الفقرة الثانية: العراقيل الإجتماعية والإقتصادية
إلى جانب العراقيل القانونية التي تعرضت لها في الفقرة السابقة، تعترض المفرج عنهم عدة صعوبات أخرى تحول دون عودتهم للحياة الطبيعية داخل المجتمع، تتمثل في عراقيل إجتماعية مرتبطة بنظرة المجتمع(أولا)، ثم عراقيل إقتصادية متعلقة بصعوبة الحصول على فرص العمل (ثانيا).
أولا: العراقيل الاجتماعية
يواجه المفرج عنهم بنظرة دونية من قبل المجتمع، تجعل من السوابق الإجرامية وصمة عار على جبين كل من قدر له الدخول إلى السجن، مما يعيق مستقبلهم ويحول دون إعادة إدماجهم في الوسط الاجتماعي[32]، ومما يزيد من حدة ذلك، ذكر العقوبة في السجل العدلي الذي يكون ملزما للإدلاء به عند اجتياز أي مبارة للتشغيل، خاصة وأن رد الاعتبار يتطلب انصرام آجال طويلة والمرور من مسطرة معقدة، إذ من الصعب استرجاع مكانتهم في المجتمع إذا لم يتسامح معهم أفراد المجتمع الذين عليهم الوعي بأن المفرج عنهم قد أدوا ثمن سلوكهم الإجرامي، ولا حاجة لإضافة اللوم والسخط عليهم، وهو واجب على الدولة والمجتمع ينبغي أن يفعل بكل الوسائل المتوفرة [33].    
هذا إذا تجاوزنا الظروف العائلية التي تنتظر المفرج عنهم، والتي تكون أقسى من ما مضى، خاصة إذا كان هو الذي يتحمل إعالة الأسرة، ففي أغلب الحالات يصبح المفرج عنهم غريبين عن مجتمعهم بل وأسرتهم كذلك، بحكم تخلفهم عن مسايرة التطورات التي حدثت في العالم الخارجي خلال العقوبة السجنية، مما يؤدي إلى حدوث نظرة ارتياب وخوف، ويكرس أحيانا العداء والحقد ضد المجتمع. وهكذا يتضح أن التبعات الاجتماعية والمتجلية في نفور المجتمع من المفرج عنهم، والتي تشكل حسب شهادة العديد منهم أشد عقوبة في حقهم[34]، لأنها إقصاء لهم من الحياة الطبيعية داخل المجتمع التي طالما انتظروها بفارغ الصبر.
إن أفراد المجتمع يرون في السوابق الجنائية دليلا على تلوث كرامة الإنسان وانحطاطها، فيحاولون جهد الإمكان تجنب كل علاقة بمن لهم سوابق، لذلك لا يهتمون بمصير المفرج عنهم[35]. وما يزيد من الأمر تعقيدا هو أن الأحزاب السياسية لا تضع في برامجها ما يتعلق بالاعتناء بحقوق ووضعية المحكوم عليهم، ولا بمستقبلهم بعد الإفراج عنهم، ولا يهتمون إلا بالحياة في المجتمع الحر وبمشاكله، عدا إذا استثنينا البعض منهم الذين يتحدثون عن السجناء السياسيين ومعتقلي الرأي؛ هذا الموقف يعد نقطة سلبية في برامج الأحزاب، لأن من شأن الاهتمام بذلك أن يساعد على إقامة نوع من التوازن، وخلق نوع من التوافق والتكامل عن طريق اقتراح الإصلاحات وإجراء التعديلات في كل ما يمس حقوق الأفراد ومصالحهم الاجتماعية.
إن استمرار هذه الأوضاع الاجتماعية التي تواجه المفرج عنهم، قد تؤدي إلى دفع الكثير منهم إلى العود والانغماس أكثر في السلوك الإجرامي، الأمر الذي يتطلب من الجميع المساهمة في تغيير تلك الأوضاع لتفادي تلك النتائج.
ثانيا: العراقيل الاقتصادية
ترتبط العراقيل الاقتصادية بالوضعية المادية للمفرج عنهم، فجلهم ينتمون إلى أسر فقيرة، لا تساعدهم هذه الوضعية على الاندماج الاجتماعي، يزيد من تعميقها صعوبة الحصول على عمل يلائم كفاءتهم وتجربتهم، وما يتطلبه في بعض الأحيان من الإدلاء بنسخة من السوابق العدلية، وبصفة عامة يمكن تحديد الأسباب الاقتصادية[36] التي تمثل عرقلة خطيرة أمام اندماج هذه الفئة في المجتمع، فيما يلي:
- صعوبة الحصول على نسخة من السجل العدلي تمكن المحكوم عليهم من فرصة العمل، لأن السجل العدلي يتضمن السوابق الجنائية، مما يستلزم انتظار مدة طويلة كي يتمكنوا من محوها عن طريق رد الاعتبار القضائي أو القانوني والحصول على نسخة خالية من السوابق[37].
- وجود أزمة البطالة في صفوف أفراد المجتمع الحر، يحول دون عمل المفرج عنهم، بالرغم من حصولهم على دبلومات أو درجات تعليمية خلال فترة الاعتقال، وبالرغم كذلك من الجهود المبذولة من قبل مراكز الرعاية اللاحقة بشراكة مع الوكالات الوطنية لإنعاش وتشغيل الكفاءات، من أجل البحث لهم عن فرص العمل، لأن المشكل مرتبط بالعقليات والقوانين أيضا.
- عدم وجود سياسة متكاملة ومحكمة  للإدماج، تنطلق من المجتمع الحر بهدف القضاء على دوافع الإجرام.
- عدم استفادة جميع المفرج عنهم من خدمات مراكز الرعاية اللاحقة بالرغم من حاجة البعض لذلك، في ظل الإمكانيات البشرية والمادية المحدودة.
-عدم توفر بعض المفرج عنهم على سكن أوعمل، في ظل غياب مراكز لإيوائهم، ولو لمرحلة قصيرة كفترة انتقالية.
-عدم وجود مراكز الرعاية اللاحقة في العديد من المدن.
في ظل هذا الوضع غير السليم، ولتجاوز العراقيل التي تحول دون إعادة إدماج المفرج عنهم، سواء كانت مرتبطة بالنصوص القانونية أو مرتبطة بالوضعية المادية والاجتماعية للمفرج عنهم، لابد من التفكير في حلول تمكن من تجاوز تلك العراقيل، قصد تسهيل عودتهم للحياة الطبيعية في المجتمع.
المطلب الثاني: سبل تجاوز عراقيل إعادة الإدماج
لتجاوز العراقيل التي تعيق إعادة إدماج المفرج عنهم في الحياة الاجتماعية، يتعين إعادة النظر في النصوص التشريعية التي تتضمن تلك العراقيل (الفقرة الأولى)، بالإضافة إلى وضع إستراتيجية محكمة تخص إعادة الإدماج تبتدئ فصولها منذ تنفيذ العقوبة لتستمر إلى ما بعد الإفراج(الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: إعادة النظر في المنظومة التشريعية
إن الوضع العقابي الذي تم الكشف عنه سالفا، من خلال دراسة العراقيل القانونية التي أصبحت تشكلها بعض العقوبات الإضافية والتدابير الوقائية، وكذا من خلال مقتضيات نظامي السجل العدلي ورد الاعتبار المنصوص عليها في التشريع الجنائي المغربي، يستدعي ضرورة إعادة النظر في السياسة العقابية التي أصبحت متجاوزة ولا تساير التطور الذي عرفته السياسة الجنائية في العصر الحالي[38]، والتي أضحت تهدف إلى إعادة إدماج المحكوم عليهم في الحياة الاجتماعية بعد الإفراج عنهم، وهذا الغرض لن يتحقق إلا بإزالة العقبات القانونية، التي يواجهونها وتحول بينهم وبين العودة إلى الحياة الاجتماعية الطبيعية.
لقد عقدت عدة مؤتمرات دولية لدراسة هذا النوع من العراقيل[39]، التي تقف حجرة عثرة أمام إعادة الإدماج، ومن هذه المؤتمرات مؤتمر الجمعية الدولية للقانون الجنائي المنعقد في أثينا سنة 1957، والذي خصص لدراسة الآثار القانونية والإدارية والاجتماعية للأحكام الجنائية، والمؤتمر العاشر للعلوم الجنائية الذي جمع فرنسا وبلجيكا واللكسمبورغ والمنعقد بباريس سنة 1956، والذي خصص لدراسة النظام الجنائي للمنع من ممارسة بعض المهن.
وقد نتج عن أعمال مختلف هذه المؤتمرات عدة مبادئ وتوصيات[40] نذكر منها:
- ضرورة إعادة النظر في التدابير الوقائية باعتبارها أصبحت تشكل عقوبات تترتب عنها آثار جد سيئة، تفوق أحيانا آثار الأحكام الجنائية الصادرة بالسجن، كما أنها لا تحقق أغراض المشرع منها.   
- إن المنع من ممارسة بعض الحقوق بسبب تلك التدابير الوقائية، لا يجب أن يكون وسيلة للإقصاء من المجتمع والحط من قيمة الفرد وكرامته، وإنما وضع ذلك لتجنب حالات العود فقط.
- ضرورة تمكين القضاء من سلطة تقدير تلك العقوبات، وتعديلها متى تبين له من ظروف المحكوم عليه تحقق إصلاحه وتحسن سلوكه بعد القيام بأبحاث اجتماعية عن المعني بالأمر عند الإقتضاء.
- يجب تحديد آجال معينة ترفع بعد انقضاءها تلك التدابير بقرار قضائي.
وبذلك فإن الآثار السلبية للعقوبات الإضافية والتدابير الوقائية جعلت عدة باحثين في المجال الجنائي[41]، ينادون بإعادة النظر فيها إما تعديلا أو إلغاء، لكونها أصبحت تعيق عملية إعادة الإدماج، خاصة وأنها تطبق بعد تنفيذ العقوبة الأصلية. وعلى ضوء ذلك نعتقد أنه حان الوقت ليتخذ المشرع المغربي إصلاحات إيجابية بهذا الخصوص، لفتح الأمل أمام المفرج عنهم بعد تنفيذهم للعقوبة الأصلية للاندماج في الحياة الاجتماعية.
كما أن السجل العدلي ورد الاعتبار يشكلان عائقا أمام الاندماج الاجتماعي للمفرج عنهم، حيث لا يمكن أن يتحقق ذلك ما داموا مطاردون من شبح السوابق الجنائية، خاصة وأن طلب رد الاعتبار لا يمكن تقديمه إلا بعد مرور آجال طويلة، باعتباره الوسيلة القانونية للتخلص من تلك السوابق[42]، لذلك يجب إجراء تغييرات جذرية على نظام السجل العدلي، وحصر حق الإطلاع عليه في السلطة القضائية لتحقيق تفريد العقوبة، ولا داعي للإبقاء على هذا الوضع ما دام أن العقوبة السالبة للحرية يفترض فيها أنها حققت إصلاح وتأهيل المحكوم عليهم.
نفس الوضع يعرفه نظام رد الاعتبار الذي وجهت له عدة انتقادات، من خلال الدعوة لإلغائه ما دام يتصف بعدة سلبيات تعرقل استعادة المحكوم عليهم لحقوقهم، وجعل آثار الحكم الجنائي تنتهي بمجرد تنفيذ العقوبة[43]. فكيف يعقل أن نطالب المفرج عنهم بإتباع الطريق الصحيح، في ظل إغلاق فرص الحصول على موارد الرزق في وجههم، ومنعهم من ممارسة عدة أنشطة التي بواسطتها يمكنهم الانخراط في الحياة الطبيعية، مع تسجيل سوابقهم في السجل العدلي الذي يلزم الإدلاء بنسخة منه للمشاركة في المباريات الخاصة بالتشغيل.
لذلك أعتقد بأن على المشرع المغربي إعادة النظر في السياسة العقابية، للتخفيف من الآثار السلبية، التي تؤثر على إعادة الإدماج، مع إعادة النظر في الظهير المتعلق بالعفو لترشيد استعماله[44]، من خلال تعديل مسطرته والمعايير المعتمدة في ذلك لمنحه للمحكوم عليهم الذين يستحقونه، مع إعطاء قاضي تطبيق العقوبات الدور الكبير في ذلك، لاقتراح الذين تبين له صلاح سلوكهم واستعدادهم للإندماج في الحياة الاجتماعية.
 كما يستدعي الأمر من المشرع المغربي منح قاضي تطبيق العقوبات صلاحيات تقريرية في مجال الوظيفة التأهيلية للعقوبة، من خلال تبني بدائل العقوبات السالبة للحرية، والتدابير المقيدة للحرية، والتي تعتبر جوهر عمل قاضي تطبيق العقوبات في الأنظمة المقارنة[45]، وخاصة القوانين الفرنسية[46] التي تعتمد التنفيذ أو المعاملة في الوسط المفتوح أو شبه المفتوح، بالإضافة إلى التنفيذ في الوسط الحر[47].
فالتنفيذ في الوسط المفتوح أو شبه المفتوح في التشريع الفرنسي يضم ثلاثة أنظمة[48]، الإعتقال في المؤسسات المفتوحة، والوضع في الخارج، ونظام نصف الحرية. أما التنفيذ في الوسط الحر فيضم بدوره عدة أنظمة، مثل المنع من الإقامة ووقف التنفيذ مع الوضع تحت الاختبار وتأجيل النطق بالعقوبة مع الوضع تحت الاختبار وتنفيذ عمل من أجل المنفعة العامة والإفراج الشرطي والمساعدة اللاحقة، ويقوم قاضي تطبيق العقوبات بدور محوري في تطبيق تلك البدائل وله السلطة التقديرية في منح التدبير المناسب حسب كل حالة.
أما بالنسبة لاختصاصات قاضي تطبيق العقوبات المغربي فتتلخص،  في تتبع مدى تطبيق القانون المتعلق بتنظيم المؤسسات السجنية وتسييرها، فيما يتعلق بقانونية الاعتقال وحقوق السجناء ومراقبة سلامة إجراءات التأديب، والإطلاع على سجلات الاعتقال وإعداد تقارير الزيارات وتقديم مقترحات إلى وزير العدل، فدوره كما يتبين  اسشاري فقط، لا تسعف تلك الصلاحيات في التأثير الفعلي على مصير المحكوم عليه بوجه عام والمؤسسة السجنية بوجه خاص، لاسيما إذا ما تمت مقارنتها باختصاصات قاضي تطبيق العقوبات في بعض التشريعات المقارنة، لذلك يجب على المشرع المغربي إعادة النظر في صلاحيات قاضي تطبيق العقوبات وتوسيعها للتدخل في إنجاح بدائل العقوبات السالبة للحرية وكذا في إنجاح برامج إعادة الإدماج من خلال منحه الصلاحيات التالية[49]:
ـ تغيير مسار بعض العقوبات لحسن إدماج المعتقلين ورعايتهم اجتماعيا وتربويا وصحيا ودينيا.
- الأمر بإيقاف تنفيذ العقوبة، مع تقييده بشرط تحسن سلوك المحكوم عليه.
- صلاحية الإفراج الشرطي عن المحكوم عليهم لمدة قصيرة.
- صلاحية منح رخص استثنائية للخروج لبعض المحكوم عليهم والمساعدة في عملية التأهيل الاجتماعي.
ـ صلاحية اقتراح العفو بالنسبة للذين يرى حسن سلوكهم مع عدم ملاءمة العقوبات السالبة للحرية لحالتهم.
إن من شأن تبني المشرع المغربي لبدائل العقوبات السالبة للحرية أن يحد من سلبيات العقوبات السالبة للحرية القصيرة المدة، والتي تأكدت سلبياتها طالما لا تحقق الهدف منها الذي هو إصلاح وتأهيل المحكوم عليهم، مما يفصح عن أهمية البدائل التي يستلزم الأخذ بها، لكونها تخلص المحكوم عليهم من معرفة السجن، والاحتكاك بالمجرمين المحترفين، وإخضاعهم إلى عقوبات ذات طابع جمائي وأكثر اهتماما بإصلاحهم، فأفضل طريقة للإصلاح تكون في الوسط الحر، كما أن العقوبات البديلة تلعب دورا إيجابيا في التخفيف على الدولة من المصاريف الباهظة التي تتحملها، من أجل تجهيز المؤسسات السجنية، وإطعام المسجونين ورعايتهم صحيا، ومراقبتهم وحراستهم، بل قد تحقق للدولة مداخيل تحصل عليها من المحكوم عليهم، الذين تعوض عقوبة حبسهم بالغرامة لتفادي الإكراه البدني، أو تحقيق منفعة من جراء ما قد يقدمه المحكوم عليهم من خدمات مجتمعية بدون مقابل، بالإضافة إلى بقاء الحياة الاقتصادية مستقرة، بفضل ترك المحكوم عليهم في أعمالهم التي كانوا يقومون بها، سواء كانت في المؤسسات الصناعية أو الإدارية أو غيرها، وبالتالي استفادة المجتمع من كفاءتهم.
فالعقوبات البديلة تمكن المحكوم عليهم أيضا من الحفاظ على أوضاعهم الاجتماعية وعلى حقوقهم المكتسبة، فتؤدي بذلك إلى خلق نوع من الشعور لديهم بالمسؤولية تجاه أنفسهم ومجتمعهم، مما قد يشجعهم على السلوك الحسن، وعلى الاستقامة واحترام الأنظمة والقوانين في المجتمع[50]. وبفضل ذلك سيتم الحد من ظاهرة الاكتظاظ التي تعرفها السجون المغربية والتي تؤثر سلبا على جميع البرامج الإصلاحية والتأهيلية [51]، كما سيتم تجاوز سلبيات نظامي السجل العدلي ورد الاعتبار لفئة عريضة من المحكوم عليهم.
إن الغرض من بدائل العقوبات السالبة للحرية ليس فقط تجاوز ومجابهة ظاهرة الاكتظاظ والعقوبات السالبة للحرية، وإنما هو ترجمة لالتزام مفاده البحث عن سياسة جنائية أكثر ملاءمة للعصر وللأفكار والنظريات السائدة، وتستجيب أيضا لتطورات الظاهرة الإجرامية[52].
 وتجدر الإشارة إلى أنه يجب إرساء قواعد الرعاية اللاحقة في القانون المنظم للسجون، لضمان استقرار وضعية المفرج عنهم من الناحية المهنية والاجتماعية، لأن ذلك من واجب الدولة التدخل لإنشاء مؤسسات سواء كانت عامة أو خاصة تقوم باستقبالهم ومدهم بالمساعدة المادية والمعنوية التي يحتاجون إليها، كي يتمكنوا من تجاوز أزمة الإفراج التي تنشأ عن اختلاف الظروف بين الحياة داخل السجن وبين الحياة خارجه.
الفقرة الثانية: وضع إستراتيجية متكاملة لإعادة الإدماج
إن الآثار السلبية التي تترتب عن العقوبات السلبية للحرية نتيجة اختلاط السجناء، في ظل عدم وجود تصنيف حقيقي يقوم على معايير علمية موضوعية وشخصية[53]، أثبتت فشلها في مكافحة الجريمة وإصلاح السجناء، وتؤثر سلبا على جميع الجهود الرامية إلى الإصلاح، كما أن ترك المفرج عنهم وشأنهم بعد تنفيذ العقوبة بحكم محدودية عدد المستفيدين من الرعاية اللاحقة، لا تساعد على خلق نوع من الاستقرار في حالتهم المادية وأوضاعهم النفسية والاجتماعية، ويرشح عودتهم إلى السلوك الإجرامي.
ولإصلاح هذه الوضعية وتجاوز تلك السلبيات، لابد من اتخاذ حلول إيجابية من شأنها تحقيق إصلاح حقيقي، يسمو بالمحكوم عليهم إلى اعتناق الحياة الطبيعية واسترجاع وضعيتهم القانونية والاجتماعية كاملة، ولن يحصل هذا إلا من خلال وضع خطة لإعادة الإدماج تنطلق مراحلها بداية من تنفيذ العقوبة لتستمر ما بعد الإفراج، تساهم في تفعيلها جميع فعاليات المجتمع.
فالإصلاح داخل المؤسسة السجنية، ينطلق منذ بداية التنفيذ العقابي، بتحقيق تصنيف يعتمد على معايير موضوعية وشخصية، واعتماد برامج تربوية وتأهيلية مناسبة ومحكمة تعمل على تطبيقه المؤسسات السجنية، مع توفير كافة الإمكانيات المادية والبشرية الضرورية لذلك، حتى يمكن تحقيق إصلاح حقيقي للمحكوم عليهم، من أجل العودة بهم إلى المجتمع وهم مؤهلين للإنخراط في الحياة الإجتماعية من جديد، بعد أن يكون الانحراف الذي كانوا يعيشونه قبل دخولهم المؤسسات السجنية، قد تم تقويمه وإصلاحه بالبرامج استفادوا منها داخل المؤسسة، ويعود السجن فرصة لإعادة التأهيل والتكوين والانخراط في الحياة العملية، من أجل ضمان قوت يومهم بطرق مشروعة دون أي صعوبة بعد الإفراج.
وقد حددت حركة الدفاع الاجتماعي الجديد، عناصر الإصلاح والتأهيل في أربعة عناصر[54]، وهي: خلق الشعور بالمسؤولية لدى المحكوم عليهم قبل أنفسهم ومجتمعهم، وتحقيق كل ما من شأنه المحافظة عليهم من إمكانيات بدنية وذهنية والسهر على تنميتها وتقويتها أو محاولة خلقها لديهم، والتقليل من الآثار الضارة والسيئة المرتبطة بالعقوبات السالبة للحرية، وتنظيم رعاية لاحقة تتصف بطابع اجتماعي وإيجابي.
ومن أهم ما ينبغي القيام به أيضا، توعية الرأي العام بضرورة تقديم المساعدة للمحكوم عليهم والأخذ بيدهم نحو إدماج اجتماعي حقيقي دون تهرب أو تحفظ، حيث يمكن للمجتمع المدني أن يقوم بدور فعال في إنجاح خطة إعادة الإدماج، من خلال تقديم الدعم المادي والمعنوي والمشاركة في تقديم البرامج التربوية والثقافية والاجتماعية، لاستشعار المحكوم عليهم بكونهم محط اهتمام من قبل المجتمع، وتحسيسهم بأن الغرض من إيداعهم في المؤسسات السجنية ليس هو الانتقام منهم وإقصاؤهم، وإنما الهدف من ذلك هو إستشعارهم بالندم على ما ارتكبوه من جرم، وإعادة إصلاحهم وتأهيلهم للتعاون مع المجتمع تعاونا مثمرا، بشكل يجعلهم يحسون بأهمية العيش وسط المجتمع، وتعودهم على التعامل مع أفراده، واطلاعهم على التحولات التي يعرفها الواقع الاجتماعي.
أما على مستوى الإصلاح خارج الأسوار، فيكون بتقديم المساعدات المادية والمعنوية للمفرج عنهم، قصد إعانتهم على تجاوز الظرفية الصعبة التي يواجهونها نتيجة اصطدامهم بظروف مغايرة لظروف السجن، من خلال خدمات الرعاية اللاحقة، التي تشكل أحد فصول إستراتيجية إعادة الإدماج، قصد إعادة تكيفهم مع النظام المجتمعي، ومحاولة منعهم من العودة إلى السلوك الإجرامي وتسهيل عودتهم إلى الحياة الحرة.
فدور الدولة في الوقت الراهن لم يعد ينتهي بمجرد الانتهاء من تنفيذ العقوبة السالبة للحرية، بل يستمر دورها إلى ما بعد مرحلة الإفراج لتحقيق إعادة إدماج حقيقي في الحياة المجتمعية للمفرج عنهم، والعمل على نشر ثقافة المواطنة الحقة التي تجعل المواطن يساهم في ترسيخ الأمن والاستقرار في المجتمع[55]، مع منح المجتمع المدني الدور الفعال في ذلك، وفتح  أبواب المؤسسات السجنية أمامه للمساهمة في تحقيق ذلك.
خـاتــمة:
حاولت من خلال هذه الدراسة المتواضعة أن أقدم رؤية بسيطة حول المعوقات التي تحول دون تحقيق إعادة إدماج المفرج عنهم، فبينت نوعها وطبيعتها، وكذا دورها في استفحال ظاهرة العود، وأثرت الانتباه إلى ضرورة التدخل التشريعي لإزالة مجموعة من العراقيل القانونية، المترتبة أساسا عن العقوبات الإضافية وبعض التدابير الوقائية، وكذا عن نظامي السجل العدلي ورد الاعتبار، أو على الأقل إعادة النظر فيها وجعلها متماشية مع سياسة إعادة إدماج المفرج عنهم، ثم بينت أهمية المصاحبة الإجتماعية فيما بعد الإفراج، التي أصبحت ضرورة ملحة لاستكمال جهود الإصلاح والتأهيل التي تتم خلال مرحلة تنفيذ العقوبة السالبة للحرية، خاصة وأن العديد من المفرج عنهم يجدون أنفسهم في وضعية صعبة، ناتجة عن اصطدامهم بعوائق ومشاكل متعددة تدفعهم للعود إلى إلى الجريمة، وخلصت إلى عدة حقائق مرتبطة بالموضوع، وطرحت عدة مقترحات من أجل تجاوز الوضعية الحالية.

 
 
[1] ـ محمد الغياط، السياسة الجنائية وحماية حقوق الحدث الجانح في المغرب، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المتخصصة في علوم التربية، الرباط 2006، ص: 54.
[2] ـ عبد اللطيف كدائي، برامج مؤسسات حماية الطفولة ومسألة الإدماج الاجتماعي للأحداث الجانحين، أطروحة لنيل الدكتوراه في علم الاجتماع، كلية الآداب والعلوم الإنسانية بفاس، سنة 2005ـ2006، ص: 35.
[3] ـ ينص الفصل 23 في فقرته  الخامسة  من الدستور المغربي الجديد على أنه: " يتمتع كل شخص معتقل بحقوق أساسية، وبظروف اعتقال إنسانية، وبمكنه أن يستفيد من برامج للتكوين وإعادة الإدماج". أنظر نص الدستور الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم1.11.91 صادر في 27 شعبان 1432 (29 يوليوز2011)، جريدة رسمية عدد5964 مكرر، صادرة بتاريخ 28 شعبان 1423 (30 يوليوز 2011)، ص: 3600
[4] ـ أنظر القواعد الدولية لمعاملة السجناء، وزارة حقوق الإنسان المغربية، مركز التوثيق والإعلام والتكوين في مجال حقوق الإنسان، مطابع ميثاق – المغرب، طبعة أولى، دجنبر 2000، ص: 9. وتجدر الإشارة إلى أن المشرع المغربي أخذ بجل تلك القواعد في قانون 98-23 المتعلق بتنظيم وتسيير المؤسسات السجنية، وكذا في المرسوم التطبيقي للقانون المذكور.  أنظر: ـ القانون رقم 98-23 المتعلق بتنظيم وتسيير المؤسسات السجنية، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.99.200 في 13 جمادى الأولى 1420 (25 شتنبر 1999)، جريدة رسمية عدد 4726، بتاريخ 5 جمادى الآخرة 1420(16 شتنبر 1999)، ص: 2283. ـ والمرسوم رقم 2.00.485 الصادر في 6 شعبان 1421 (3 نونبر 2000)، تحدد بموجبه كيفية تطبيق القانون رقم 23.98 جريدة رسمية عدد 48.48، بتاريخ 16-11-2000، ص :3029 .
[5] - أحمد فوزي الصادي، رعاية أسر النزلاء كأسلوب من أساليب الرعاية اللاحقة، مقال منشور في كتاب الرعاية اللاحقة للمفرج عنهم بين النظرية والتطبيق، أشغال الندوة العلمية الثامنة عشرة المنظمة بالمركز العربي للدراسات الأمنية والتدريب، بتاريخ 28-30 يوليوز 1986، دار النشر تابعة لنفس المركز بالرياض، سنة 1988، ص: 88.
[6] - عبد الجبار عريم، الطرق العلمية الحديثة في إصلاح وتأهيل المجرمين والجانحين، مطبعة المعارف، بغداد 1975،  ص:282.  
[7] - إن سياسة لجوء الدولة إلى العقوبة السالبة للحرية، في حق مرتكبي الأفعال الإجرامية لم تعد مجدية وغير مناسبة لتطورات العصر، ذلك أنه إذا كانت كذلك في السابق يوم كان الإنسان متشبعا بمبادئ الكرامة، والحرية، والشجاعة والمحيط الطبيعي الفسيح، الذي يتأثر الشخص حينما يفقده، فإنه في الوقت الحاضر لم يعد الأمر كذلك لاعتبارين اثنين. يتمثل أحدهما في كون أغلبهم تعودوا حياة الضيق في عيشهم وفي المنازل التي تأويهم، والتي تكون أحيانا أكثر مأساة من السجون، وثانيهما هو أن الكثير منهم يتعمدون ارتكاب الجرائم أو يعودون لارتكابها، بهدف إيجاد ما كانوا يفقدونه في الواقع الاجتماعي، وهو المأوى والمأكل والمشرب والخلود وإلى الراحة، وهي ظاهرة أصبحت منتشرة للأسف، مما يفسر عدم فعالية العقوبة السالبة للحرية، ويستدعي من الدولة التفكير في إيجاد البدائل. أنظر: محمد التغدويني، إشكالية التجريم في التشريع الجنائي المغربي، مطابع فاس بريس، دون طبعة، 2002، ص: 20.   
[8] - لطيفة المهداتي، لطيفة المهداتي، الشرعية في تنفيذ العقوبة السالبة للحرية، الشركة الشرقية، الرباط، طبعة 2005، ص: 54.
[9] - قرر المشرع المغربي التدابير الوقائية إلى جانب العقوبة التي تشكل الجزاء العادي للجريمة، باستثناء بعض الحالات القليلة مثل الحالة المنصوص عليها في المادة 8 من ظهير 21-05-1974 المتعلق بزجر الإدمان على المخدرات السامة ووقاية المدمنين عليها، التي تنص على عدم إجراء المتابعة الجنائية في حالة موافقة مرتكب الجريمة بعد فحص طبي بطلب من وكيل الملك خلال المدة اللازمة لشفائه، حيث يطبق هنا التدبير القضائي وحده دون العقوبة. انظر في ذلك: ـ أحمد الخمليشي، شرح القانون الجنائي، القسم العام، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى ، مطبعة المعارف الجديدة، الرباط،1985 ’ ص: 331. ـ وأيضا عبد الواحد العلمي، شرح القانون الجنائي المغربي، القسم العام، الطبعة الثالثة، 2009، ص: 449.
[10] - ظهير شريف صادر بتاريخ 29-8 جمادى الثانية 1382 (26 نونبر 1962) بالمصادقة على مجموعة القانون الجنائي، جريدة رسمية عدد 2640 مكرر، بتاريخ 12 محرم 1383(5 يونيو 1963)، ص: 1253.
[11] - يعين الوصي وفق الأحكام والشروط التي تحددها مدونة الأسرة في الكتاب الرابع المتعلق بالأهلية والنيابة الشرعية. أنظر القانون رقم 03-07 بمثابة مدونة الأسرة، الصادر بتنفيذه الظهير الشربف رقم 22-04-1 في 12 ذي الحجة 1424(3 فبراير 2004)، جريدة رسمية، عدد 5184 بتاريخ 14 من ذي الحجة 1424(5 فبراير 2004)، ص: 134.
[12] - لطيفة المهداتي، مرجع سابق، ص: 57.                                                                                                         
[13] - لطيفة المهداتي، مرجع سابق، ص: 59.
[14] - المرجع نفسه، ص: 61.
[15] - المرجع نفسه، ص: 61.
[16] -المرجع نفسه، ص: 61.
[17] - محمد بنجلون، رد الاعتبار في القانون المغربي: دراسة قانونية مقارنة، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا، قانون خاص، كلية الحقوق بالرباط، السنة الجامعية 1989-1990، ص: 183.
[18] - محي الدين أمزازي، العقوبة؟، منشورات جمعية تنمية البحوث والدراسات القضائية، مطبعة الأمنية، الرباط، 1993، ص: 34.
[19] - محمد بنجلون، مرجع سابق، ص: 184.
[20] - ميشيل فوكو، المراقبة والمعاقبة: ولادة السجن، ترجمة علي مقلد، إنتاج ومنشورات، مركز الإنماء القومي، بيروت، 1990، ص: 266.
[21] - شرح قانون المسطرة الجنائية لوزارة العدل، الجزء الثالث، منشورات جمعية نشر المعلومة القانونية والقضائية، سلسلة المعلومة للجميع، العدد 13، مطبعة إليت، سلا، مارس 2008، ص: 74.
[22] - نظم  المشرع المغربي نظام السجل العدلي في قانون المسطرة الجنائية من المادة 654 إلى المادة 686.
[23] -Avis et rapport du conseil économique et social, les conditions  de la réinsertion socioprofessionnelle des détenuts en France, 1 er Mars 2006 ; P : 37. voir : www.ladocumentationfrancaise.fr.  
[24]-أحمد الخمليشي، شرح القانون الجنائي، القسم العام، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى 1985، مطبعة المعارف الجديدة، الرباط، ص: 357.
[25] - صالح فؤاد، الوضعية القانونية للسجين في القانون المغربي، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص، وحدة التكوين والبحث في العلوم الجنائية، كلية العلوم القانون والاقتصادية والاجتماعية، طنجة، السنة الجامعية 2008-2009، ص: 156.
[26] - مؤسسة رد الاعتبار عرفت في نهاية القرن العشرين تعدد الاتجاهات، فيما يخص الأخذ بها برمتها أو بأحد نوعيها أو أحدهما أو التخلي عنها، مما يفصح عن عيوبها الكثيرة في ظل تطور السياسة العقابية التي أصبحت تهدف إلى التأهيل والإصلاح، وهذا لن يتأتى إلا بإزالة العوائق القانونية التي تعترض تحقيق ذلك. أنظر: محمد بنجلون، مرجع سابق، ص: 172.
[27] - شرح قانون المسطرة الجنائية لوزارة العدل، مرجع سابق، ص: 102.
[28] - المادة 692 من قانون المسطرة الجنائية المغربية.
[29]ـ نفس المادة من القانون المذكور.
[30] المادة 693 من نفس القانون المذكور.
[31] - المادة 695 من قانون المسطرة الجنائية المغربية.
[32] - محمد البودالي، دليل للسجين المفرج عنه للحد من حالات العود، جريدة الصباح، عدد 3319، بتاريخ 14-12-2010، ص: 11.
[33] - لطيفة المهداتي، مرجع سابق، ص: 63.
[34] - محمد البودالي، مرجع سابق، ص: 11.
[35] - محمد بنجلون، مرجع سابق، ص: 195.
[36] - بنجلون، مرجع سابق، ص: 197.
[37] - أنظر نص الحوار الذي أجراه صفر المصطفى مع مصطفى حلمي المدير المكلف بالعمل الاجتماعي والثقافي لفائدة السجناء وإعادة إدماجهم، جريدة الصباح، عدد 3204، بتاريخ 29-07-2010، ص: 4.
[38] - كريمة مصلي، نصوص قانونية معطلة للحد من اكتظاظ السجون، جريدة الصباح، عدد 3319، بتاريخ 14-12-2010، ص: 11.
[39] - محمد بنجلون، مرجع سابق، ص: 184.
[40] - أنظر في ذلك: ـ محمد محروس خليفة، رعاية المسجونين والمفرج عنهم وأسرهم في المجتمع العربي، أكاديمية نايف العربية للعلوم الأمنية، مركز الدراسات والبحوث، طبعة أولى، الرياض، 1997، ص: 38
     ـ محمد بنجلون، مرجع سابق، ص: 184.
[41] - لطيفة المهداتي، مرجع سابق، ص: 63.
[42] - محمد بنجلون، مرجع سابق، ص: 189.
[43] - إحدى توصيات مديري المؤسسات العقابية العرب المنبثقة عن الاجتماعي الثاني بالرباط في الفترة المتراوحة بين 21 و 23 يوليوز 1983، بدعوة من المنظمة العربية للدفاع الاجتماعي (مجلة المنظمة العربية للدفاع الاجتماعي، عدد 17 يناير 1984، ص: 404).
[44] - التقرير الختامي لهيئة الإنصاف والمصالحة، الكتاب الرابع، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، 2006، ص: 37.
[45] - عبد العالي حفيظ، صلاحيات قاضي تطبيق العقوبات في القانون المغربي، المبطعة والوراقة الوطنية، طبعة أولى، المنارة، كتب للنشر والتوزيع، مراكش، 2005، ص: 302.
 [46] - هشام ملاطي، مساهمة القاضي في حل أزمة السجون بالمغرب، طبعة أولى 2007، نشر وتوزيع مكتبة دار السلام، الرباط، ص: 109.
[47] ـ يشكل التنفيذ في الوسط المفتوح أو شبه المفتوح مرحلة إنتقالية بين السجن والحياة الحرة، تساعد المحكوم عليه في الاندماج تدريجيا في الحياة الطبيعية، كما أن التنفيذ في الوسط الحر يحول دون دخول المحكوم عليه إلى السجن وهو مبني على الثقة تتيح له تنفيذ عقوبته خارج السجن.
وتعتبر هذه الانظمة من الوسائل التي تعمل على التخفيف من أزمة الاكتظاظ التي تعرفها السجون، كما أنها تشكل أداة لتفريد العقوبة لأنها تمنح بناء على ملاحظة شخصية المحكوم عليه الذي يتوفر على الاستعداد للاستصلاح، والتي تختلف باختلاف الأوضاع القانونية والاجتماعية لكل محكوم عليه. أنظر في ذلك:
Bernard BOULOC, pénologie, 3ème édition ,Edition Dalloz 2005, p: 243.  ـ 
[48] ـ أنظر قانون المسطرة الجنائية الفرنسية، قانون الإجراءات الفرنسي على الموقع الإلكتروني:www.légifrance.gouv.fr ، تاريخ الولوج 14-03-2012.
[49] - التقرير الختامي لهيأة الإنصاف والمصالحة، مرجع سابق، ص: 47.
[50] - محمد بنجلون، المرجع نفسه، ص: 216.
[51] - محمد أغربي، اكتظاظ السجون وأثره على برامج الإصلاح والتأهيل، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الجنائي والعلوم الجنائية، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، وجدة، السنة الجامعية: 2007-2008، ص: 82.
[52] ـ جمال المجاطي، بدائل العقوبات السلب للحرية قصيرة المدة:دراسة مقارنة، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الجنائي والعلوم الجنائية،كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، وجدة، السنة الجامعية: 2009-2010، ص: 11.
[53] - بالرغم من أن قانون 98-23 المتعلق بتنظيم وتسيير المؤسسات السجنية، ينص على معايير التصنيف المتمثلة في معيار الجنس والسن والحالة الجنائية في المادة 4 إلى المادة 6، فإنه لا يطبق معيار الحالة الجنائية بشكل تام بحكم الاكتظاظ الذي تعرفه جل المؤسسات السجنية.
[54] - محمد بنجلون، مرجع سابق، ص: 202.
[55] - الحسن الدكي، دور المجتمع ومساعدي القضاء في تطوير العدالة الجنائية، السياسة الجنائية واقع وآفاق، الجزء الأول، الطبعة الأولى، مطبعة فضالة، المحمدية، ص:286.

أصل هذا المقال هو جزء من الرسالة التي أعددتها لنيل دبلوم الماستر في القانون الجنائي والعلوم الجنائية، بكلية العلوم القانونية والإقتصادية والإجتماعية بوجدة، الموسم الدراسي 2009ـ2010. وأشير إلى أنه عمدت إلى استعمال تعبير "المفرج عنهم" للدلالة على المرحلة اللاحقة لتنفيذ العقوبة السالبة للحرية والتي أصبحت المعاملة التي يحضون بها خلال تلك المرحلة تسمى بالرعاية اللاحقة.




الخميس 12 ديسمبر 2019


1.أرسلت من قبل هدى في 17/04/2024 19:12 من المحمول
هل يمكن أن أحصل على هذه الدراسة كاملة؟

تعليق جديد
Twitter