MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers




نعم للحرية الآن..لكن دون خرق قواعد النظام العام في التقاضي - تعليق على قرار بقلم الدكتور هشام اقويدر

     



نعم للحرية الآن..لكن دون خرق قواعد النظام العام في التقاضي - تعليق على قرار بقلم الدكتور هشام اقويدر
تزكية لما انتهى إليه الأستاذ سعيد أولعرابي في مقاله بمناسبة التعليق على حكم المحكمة الإدارية بالرباط الصادر في ملف جمعية " الحرية الآن، لجنة حماية حرية الصحافة والتعبير بالمغرب"، بشأن الملاحظة التي أثارها والمتعلقة بمؤاخذة البعض على الحكم المذكور بعدم بته في مشروعية القرار الإداري المطلوب إلغاؤه بعد الحكم بعدم قبول الدعوى لانتفاء شرط الأهلية في رافع الدعوى.

          وفي هذا الإطار، فإنه حقا سيكون من ضروب العبث أن يبت القاضي الإداري في الموضوع دون فحص مدى مقبولية الدعوى. فقد غاب عن هاته المواقف، أنه عند رفع دعوى الإلغاء يتصدى القاضي الإداري لفحص الشروط قبل أن يفحص الموضوع ليتأكد من توافر شروط القبول وإلا حكم بعدم القبول.

          ومن هذه الشروط  تلك المتعلقة بالطاعن حيث ينص الفصل الأول من قانون المسطرة المدنية " لا يصح التقاضي إلا لمن له الصفة والمصلحة والأهلية لإثبات حقوقه "، بل جعل المشرع توفرها من النظام العام، ويترتب على ذلك أن هذه الشروط تعد من وسائل النظام العام للقاضي أن يثيرها تلقائيا كما يمكن للمدعى عليه إثارتها وفي جميع مراحل الدعوى، بل إثارتها ولو لأول مرة أمام محكمة النقض ولا يمكن للأطراف تجاهلها.

          من هنا تبرز أهمية مفهوم النظام العام في دعوى الإلغاء إذ يشكل أحد الوسائل القانونية التي تحتل مكانة متميزة في كافة الميادين القانونية سواء القانون العام أو القانون الخاص، كما يعد من بين المفاهيم الغامضة التي يستعصى إدراكها، كما أن المشرع عبر مختلف الدول لم يضع تعريفا للنظام العام ولم يحدد فكرته، إلى درجة القول بأن: " النظام العام يستمد عظمته من ذلك الغموض الذي يحيط به فمن سموه أنه ظل متعاليا على كل الجهود التي بذلها الفقهاء لتعريفه"[1].

          وقد صاحبت فكرة النظام العام وجود القاعدة القانونية منذ زمن طويل إلا أن ظهورها كمفهوم حديث تزامن مع الثورة الفرنسية التي كان من مبادئها مبدأ تقديس الإرادة الفردية وسلطانها كمظهر من مظاهر تقديس الفردانية، والحرية الفردية.
          وبغية إعطاء تعريف محدد لمفهوم النظام العام، فقد حاول الفقهاء البحث عن معيار أو القيام بعملية إحصاء للنصوص القانونية المتعلقة بالنظام العام إلا أن هذه المحاولات باءت بالفشل، غير أن هذا لا يعني عدم وجود تعاريف تقريبية.

          فالأستاذ السنهوري يعرفه على أنه: " قواعد يقصد بها تحقيق مصلحة عامة سياسية، اجتماعية، أو اقتصادية تتعلق بنظام المجتمع الأعلى وتعلو على مصالح الأفراد، فيجب على جميع الأفراد مراعاة هذه المصلحة وتحقيقها، ولا يجوز أن يناهضوها باتفاقات فيما بينهم"[2].

          أما الأستاذ "Dragon" فيؤكد أنه " مفهوم نحسه أكثر من أن نستطيع شرحه".

          وبالنسبة للأستاذ "Duguit" فإن النظام العام  لا يمكن أن يكون إلا مصلحة أو منفعة اجتماعية.

          أما القاموس Delalande فقد وضع تحديدا واسعا وفضفاضا لمفهوم النظام العام بأنه "مجموع القواعد التي يجب أن يخضع لها المواطن".

          ويكتسي مفهوم النظام العام أهمية بالغة في دعوى الإلغاء على اعتبار أن هذه الأخيرة تنصب على حماية المشروعية والمحافظة على المصلحة العامة.

          فدعوى الإلغاء هي نفسها من النظام العام « Un recours d’ordre public » وقد ظلت تاريخيا تمتاز بهذه الخاصية، وتطورها اتخذ مسارا نحو الليبرالية والدخول في النظام الديمقراطي، اعتبارا لكون دعوى الإلغاء هي دعوى موضوعية وتنتمي للقانون العام، وبذلك تشكل ضمانة فعالة للمشروعية وتكفل بالتالي احترامها. كما تنص هذه الدعوى على مراقبة الإدارة التي يجب أن تخضع للقانون وتحت مراقبة القاضي.

          ولتطبيق مفهوم النظام العام في دعوى الإلغاء توجد وسائل النظام العام التي تشكل آليات عمل القاضي الإداري لحماية تنظيم القضاء وتحقيق المصلحة العامة.

          ويعرف الأستاذ DRAGO وسائل النظام العام بأنها (تلك الوسائل التي يمكن إثارتها للمرة الأولى، وتلقائيا، سواء ابتدائيا أو أمام قاضي الاستئناف أو النقض).

          أما الفقيهان Ricci وDebbasch فقد عرفا وسائل النظام العام بأنها (تلك المتعلقة بخرق قاعدة جوهرية وأساسية، بالنسبة لقانون معين، والمهم ليس فقط أن يثيرها القاضي تلقائيا باعتبارها قائل قانون ولكن أيضا لا يمكن لأية آجال أو مسطرة أن تمنعه من فعل ذلك).

           ومن بين النتائج المترتبة عن تحديد وسائل النظام العام ما يلي:
  • يجب على القاضي الكشف عن وسائل النظام العام، وإثارتها تلقائيا، وفي غياب أي نص قانوني.
  • إمكانية إثارة وسائل النظام العام، ولو بعد انتهاء الآجال في الدرجة الأولى للتقاضي، وأمام الاستئناف وأمام النقض.
  • لا يمكن للأطراف التخلي عن وسائل النظام العام أو الاتفاق على استبعادها.
 
وتأسيسا على ما سبق، فإنه إلى جانب الفقه والتشريع، يمكن اعتبار حكم المحكمة الإدارية بالرباط موضوع النقاش، مساهمة رائدة في الكشف عن وسائل النظام العام أثناء رفع دعوى الإلغاء ولو قبل بثه في جوهر النزاع، لأن المفترض في القاضي الإداري أن لا تحركه النوازع السياسية بقدر ما يحركه وازع الحفاظ على المشروعية، التي لا يمكن ضمانها دون فحص مدى مقبولية دعوى الإلغاء حتى لا تصير هذه الأخيرة دعوى شعبية[3].

 
 ومن مؤيدات أهمية إثارة  الأهلية فيما نحن بصدده،  يجدر التنويه إلى الملاحظات التالية:

 
  • إن الفصل 1 من قانون المسطرة واجب التطبيق  في المادة الإدارية، على غرار كافة المواد الأخرى في ظل عدم اعتماد ثنائية قانونية كاملة ( نصف ازدواجية) في النظام القانوني المغربي، وهذه الثنائية  تجد تعبيرها في هذا السياق في عدم وجود مسطرة للتقاضي الإدارية، مع وجود إحالة صريحة من المادة 7 من القانون 90-41 المحدث للمحاكم الإدارية على أحكام المسطرة المدنية، بما في ذلك مقتضى الفصل 1 منها؛
 
  • إن الأشخاص الذاتيين- أو على الأقل الرئيس منهم- الذين تصرفوا في نازلة الحال نيابة عن الجمعية، تتوافر لديهم الشروط المتطلبة بنص الفصل 1 من قانون المسطرة المدنية في تقديم الطعن الإداري بذواتهم. ومفاد ذلك أن الأعضاء المؤسسين تتوفر لديهم إمكانية الذود عن حياض المشروعية في القضية الحالية لاقتضاء حق معتدى عليه. ولما كان الأمر كذلك من قيام هذه الآلية الكفيلة بإعادة الإدارة إلى جادة الصواب، فإن المبررات الموضوعية، التي قد يقع تلمسها من مركز دعوى الإلغاء في دائرة دولة الحق والقانون، تنتفي بالمطلق بصورة تحجب كل إمكانية لتجاوز قاعدة الأهلية اللصيقة بالنظام العام.
 
  • لنتصور أن دعوى حل الجمعية أقيمت من طرف من له الصفة والمصلحة ضد الجمعية وليس  في مواجهة الأشخاص الذاتيين المؤسسين، وأثناء البت في النزاع أثارت المحكمة المختصة تلقائيا عدم قبول الدعوى لانعدام أهلية الجهة المطلوبة في الدعوى، فهل كانت هذه الأخيرة- في واقع افتراضي- ستستأنف حكم عدم قبول طلب الحل بعلة مجانبته للصواب وإن صدر لفائدتها أم أنها ستعتبر الحكم سليما، وتعرض عن الطعن فيه؟ إن الجواب على السؤال يعين في رسم الحدود الفاصلة بين الموضوعية والذاتية في معالجة إشكالية قانونية صرفة بقطع النظر عن الرهانات والمعطيات السياسية الثاوية ورائها. و يفضي منطق الموضوعية والتجرد إلى القول بمصادفة حكم إدارية الرباط لعين لصواب فيما قضى به في نازلة جمعية الحرية الآن، والحكم الافتراضي في دعوى الحل المفترضة يكتسي الوجاهة اللازمة، وذلك مهما اختلفنا أو اتفقنا في آرائنا السياسية والعقائدية حول موضوع الدعويين.
الهوامش
[1]               الفصايلي (الطيب)، الوجيز في المدخل لدراسة: نظرية القانون، الجزء الأول، مطبعة النجاح الجديدة، 1993، ص 69
[2]               أمهمول جلال (محمد)، "الدفع بعدم الاختصاص وفكرة النظام العام"، المرافعة، العدد الأول، تصدر عن هيئة المحامين بأكادير، 1992.
[3]               Rousset (Mecchel) et Gara Gnon (Jean), droit administratif marocain, 2 éme edition, la porte, Rabat, 1975, p 407.



الثلاثاء 4 نونبر 2014
MarocDroit منصة مغرب القانون "الأصلية"

تعليق جديد
Twitter