مما لا شك فيه أن القضاء المغربي قام ويقوم بأدوار ريادية في مكافحة الجريمة والتصدي لها مواكبة بذلك التطور الذي تعرفه هذه الأخيرة حسب الأحوال المستجدة التي تمس المجتمع، ولعل أبرز مثال على ذلك ما يشهده بلدنا اليوم فيما عرف بجائحة كوفيد_19، هذا الوباء الفتاك الذي دق ناقوس الخطر بما له من مساس مباشر وتأثير سلبي على صحة الأفراد والجماعات، ليس فقط في المغرب وإنما في العالم بأسره.
هذا وقد أبانت مؤسسة النيابة العامة بالمغرب على علو كعبها من خلال ما قامت به من مواكبة لتداعيات هذه الجائحة، ذلك أنها كانت من السباقين إلى تفعيل مقتضيات احترازية هدفها الأساس المساهمة في الحد من انتشار هذا الوباء الفتاك، ولعل الشاهد على ذلك ما جاء في البلاغ الصادر عن السيد رئيس النيابة العامة بتاريخ 16 مارس 2020 عندما أعلن عن ضرورة التقليص من توافد المتقاضين على النيابات العامة بمختلف محاكم المملكة قصد الوقاية من انتقال فيروس كورونا المستجد "كوفيد_19".
ولتحقيق هذه الغاية كضرورة ملحة في زمن أصبح فيه هذا الوباء ينتشر كالنار في الهشيم دعا المواطنين الذين يرغبون في تقديم شكايات أن يوجهوها إلى السادة الوكلاء العامين للملك لدى محاكم الاستئناف، او وكلاء الملك لدى المحاكم الابتدائية المختصة، بواسطة الفاكس أو بواسطة البريد الإلكتروني الخاص بالنيابات العامة المعنية، والمعلن عنها محليا وكذلك على صفحة الموقع الإلكتروني لرئاسة النيابة العامة www.pmp.ma. هذا بالإضافة إلى وضع خطوط هاتفية بجميع النيابات العامة متوفرة على الموقع الرسمي لرئاسة النيابة العامة بغية تمكين السادة المحامين وعموم المتقاضين من طلب معلومات أو الحصول على إرشادات في الحالات المستعجلة، أو للتبليغ عن جرائم، هذا زيادة على بوابة الشكايات الإلكترونية لرئاسة النيابة العامة plaintes@pmp.ma.
ولعل إعمال هذه الوسائل الحديثة جاء تحقيقا للهدف الرئيسي السادس من ميثاق إصلاح منظومة العدالة والمعنون بـ "تحديث الإدارة القضائية وتعزيز حكامتها" وتفعيلا للهدفين الفرعيين الثالث والرابع المتعلقين بإرساء مقومات المحكمة الرقمية وتحديث خدمات الإدارة القضائية وانفتاحها على المواطن.
وتجدر الإشارة إلى أنه بعد نشر المرسوم بقانون رقم 2.20.292 المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها بتاريخ 24 مارس 2020 بالجريدة الرسمية، أصدرت رئاسة النيابة العامة بلاغا حدد مدى تفعيل المقتضيات الزجرية التي أورها هذا المرسوم على أرض الواقع، من خلال متابعة الأشخاص الذين قاموا بخرق حالة الطوارئ الصحية، وشددت على أنها لن تتوانى في تطبيق القانون بالصرامة اللازمة في حق المخالفين الذين يعرضون الأمن الصحي للمواطنين للخطر ويستهينون بحياة المواطنين وسلامتهم، وذلك تأسيسا على دور النيابة العامة المحوري المتمثل في حماية النظام العام واستتباب الأمن الصحي والحفاظ على سلامة المواطنين.
وإلى جانب ما سبق عملت النيابات العامة بالمغرب خلال هذه المرحلة على تحريك عدة متابعات من أجل جرائم مستقلة إضافة إلى تلك المنصوص عليها في المرسوم بقانون رقم 2.20.292 المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها، ولعل من أبرزها نذكر جريمة نشر الأخبار الزائفة المرتبطة بجائحة كوفيد_19 تطبيقا للمادة 72 من القانون رقم 88.13 المتعلق بالصحافة والنشر، تصديا لما من شأنه الإخلال بالنظام العام وإثارة الفزع بين الناس.
ومن تم، يتبين أن رئاسة النيابة العامة بالمغرب جسدت وتجسد بشكل واضح شعار "النيابة العامة المواطنة" من خلال التواصل مع المواطنين عن بعد ومدهم بالمعلومات والإرشادات في الحالات المستعجلة، وكذلك من خلال تبرع رئاسة النيابة العامة قضاة وموظفين في الصندوق المحدث بتعليمات ملكية سامية لتدبير جائحة كوفيد_19، بالإضافة إلى المساهمة في حملات التبرع بالدم التي نهجتها بعض محاكم المملكة.
وفي الختام لا يسعنا إلا أن نشيد بما أبان عنه قضاة النيابة العامة من روح وطنية عالية ونكران للذات قل نظيرهما، ومن تضحية ملموسة بكل ما أوتوا من قدرات علمية وعملية في سبيل المساهمة الفعالة في محاربة هذا العدو الخفي.