احتضن ساحل مدينة المضيق شمال المغرب يوم السبت 25 مارس 2017 ندوة وطنية كبرى نظمها المكتب الجهوي لنادي قضاة المغرب بتطوان بتعاون مع وزارة العدل والحريات حول موضوع : "الحكامة القضائية على ضوء مشاريع قوانين السلطة القضائية".
الندوة عرفت حضور قامات قضائية وأكاديمية كبيرة فضلا عن ممثلين عن الجمعيات المهنية القضائية وكافة مكونات منظومة العدالة، وباحثين واعلاميين.
استهلت أشغال الندوة بكلمة السيد وزير العدل والحريات المصطفى الرميد الذي استعرض من خلالها أهم محطات الاصلاح العميق والشامل لمنظومة العدالة، والتي توجت بصدور القوانين التنظيمية المتعلقة بالسلطة القضائية، معتبرا أن المغرب من حقه ان يفتخر بهذه القوانين التي أتت لتكرس استقلال السلطة القضائية، وبأنها جد متقدمة حتى بالنسبة لديمقراطيات عريقة ما يزال فيها القضاء متداخلا مع السلطتين التشريعية والتنفيذية.
وأضاف وزير العدل والحريات أن الوزارة ماضية في ورش تحديث المحاكم وتجهيزها من أجل تسهيل ولوج المتقاضين للعدالة وتقريبها اليهم، داعيا الجمعيات المهنية القضائية لمزيد من الانفتاح والحوار مع وزارة العدل حول تنزيل مشاريع الاصلاح المتعلقة بالقضاء، وردا عن سؤال يتعلق بمقر المجلس الأعلى للسلطة القضائية أكد وزير العدل والحريات أنه خارج عن اختصاصه.
وفي كلمة الدكتور عبد اللطيف الشنتوف رئيس نادي قضاة المغرب أكد انخراط نادي قضاة المغرب باعتباره كقوة اقتراحية في مناقشة كافة مشاريع القوانين الجديدة التي أعدتها وزارة العدل من خلال المذكرات التي يقدمها، مؤكدا عدم وجود نموذج عالمي واحد لاستقلال القضاء، لكن عددا من التجارب المقارنة في الديمقراطيات العريقة والتي استعرضها وزير العدل والحريات في مداخلاته لا تستند فقط الى النصوص وانما تجد مرجعيتها الداعمة في ثقافة عريقة ومتجذرة لاستقلال القضاء، لافتا الانتباه الى أن تخوف نادي قضاة المغرب من عدد من الثغرات الواردة في قوانين السلطة القضائية المصادق عليها، أو في مشروع التنظيم القضائي يبقى تخوفا مشروعا مرده الخوف من تكرار أخطاء الماضي، وأشار الى أن الاستقلال الاداري والمالي للمحاكم يبقى من أهم النقاط المثيرة للجدل في المرحلة القادمة. داعيا الى تنزيل سليم للنصوص القانونية الجديدة، وتمكين السلطة القضائية من الموارد المالية اللوجستيكية الكافية لعملها.
وأكدت كلمة السيد الرئيس الأول لمحكمة النقض والتي تلاها السيد الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف بتطوان على ضرورة الانخراط في ورش تنزيل الاصلاح العميق والشامل لمنظومة العدالة.
الجلسة الأولى ترأسها الأستاذ محمد المنصوري رئيس المكتب الجهوي لنادي قضاة المغرب بتطوان
استهلت أشغال الجلسة الأولى بمداخلة الدكتور محمد الإدريسي العلمي المشيشي الأستاذ الجامعي المعروف ووزير العدل السابق في والتي تطرق فيها لفكرة العدالة من خلال المؤسسات القضائية التي تفتح مجالا معرفيا غنيا يجمع بين الفلسفة والدين والقانون، فالمتقاضون لا يطلبون فقط تطبيق القانون بشكل حرفي، أي العدل، وانما يسعون الى تحقيق العدالة التي تعني الانصاف أو الاحسان المضاف الى العدل كما هو منصوص عليه في القرآن. مضيفا بأن هذه الفكرة تطرح اشكالية التأويل بمناسبة تطبيق القانون في المجالات غير الجنائية، والتي تستوجب توافر عدة شروط وفي مقدمتها استقلال السلطة القضائية، وتخليق القضاء والجرأة، حيث يلجأ القاضي الى تأويل النصوص ويستعين تارة بمبادئ العدل والانصاف، وتارة أخرى بالاتفاقيات الدولية ليصل الى التطبيق العادل للقانون.
وأثار الدكتور محمد الإدريسي العلمي المشيشي في مداخلته عدة ملاحظات حول قوانين السلطة القضائية، داعيا الى التنصيص في النظام الداخلي للمجلس على حصر اختصاص التأديب على أعضائه من القضاة دون غيرهم، وتحسين مسطرة اختيار القضاة بمناسبة مراجعة القانون المنظم للمعهد العالي للقضاء، بالنظر الى تطور الحقول المعرفية، مما يفرض ضرورة توفر المترشح على النضج الكافي، مؤكدا أن ما يدرس اليوم في الجامعات المغربية يبقى جد متخلف عن ما يحتاجه القضاء المعاصر الذي تعرض عليه نزاعات في غاية التعقيد، ودعا الى تحسين شروط عمل القضاة للنظر في النزاعات المعروضة عليهم وهم في وضعية ارتياح، وذلك من خلال مراجعة المدد المتطلبة للترقية والوصول الى الدرجة الاستثنائية وتقليصها لرفع أي شعور بالغبن لدى السيدات والسادة القضاة من شانه التأثير على استقلاليتهم. كم دعا الى احداث مجلس للحكماء يضم قضاة فوق سن الستين والذين برزوا بكفاءتهم ونزاهتهم وعطائهم وساهموا في تحسين العمل القضائي والتشريعي والفقهي، وتمكين كافة القضاة مند تعيينهم من وسائل العمل الكفيلة بتحقيق النجاعة، خاصة الحاسوب والربط بشبكة المعلومات التي تمكن الولوج الى كافة قرارات محكمة النقض التي ينبغي تسهيل وتعميم نشرها لتكون في متناول القضاة والمحامين والمهتمين. وبخصوص الاشراف على المحاكم أكد وزير العدل السابق والعضو في الهيئة العليا للحوار الوطني حول اصلاح منظومة العدالة الدكتور محمد الإدريسي العلمي المشيشي أن "المحكمة كالسفينة لا يمكن أن تعمل برأسين"داعيا الى تصحيح العلاقة بين العمل الاداري والقضائي ومراجعة كل ما له علاقة بحدود التداخل بين التأطير والاشراف الاداري والمالي واستقلال القضاء.، ومراجعة العلاقة بين القضاء ووزارة الداخلية على مستوى الاشراف على الشرطة القضائية، والتعجيل باخراج المحكمة الدستورية التي ستساعد على تحقيق استقلال القضاء خاصة على مستوى تفعيل الدفع بعدم دستورية القوانين.
وقدم الدكتور بنسالم أودجا مدير مديرية التشريع بوزارة العدل والحريات عرضا حول موضوع: اي حكامة قضائية نريد؟ أكد فيه أن الحكامة تعبير عن ممارسة السلطة السياسية وادارتها لشؤون المجتمع وموارده وهو التعريف المتداول والمعتمد من طرف أغلب الهيئات والمنظمات الدولية.ويدل على آليات ومؤسسات تشترك في صنع القرار وقيادات منتخبة وأطر ادارية مؤهلة، ومن شروطها تكامل العمل القائم بين الدولة ومؤسساتها وبين القطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني في اطار تكريس قواعد المشاركة والشفافية والمحاسبة و المساءلة .
أما الحكامة القضائية فتعني توحيد الجهود من أجل تحسين الأداء وتحقيق الفعالية والنجاعة في النظم القضائية والرفع من مستوى الجودة في الخدمات، وهي ممارسة لا تتم الا بتوافر أركانها المتمثلة في الشفافية واالفعالية وحسن التدبير والتقييم والتتبع للرقي بأداء الادارة القضائية، وهي أداة أساسية في التواصل مع كافة المتدخلين. وحسب معايير المحكمة النموذجية تقوم الحكامة على تسيير الولوج الى القضاء واقتضاء الحقوق ومساءلة الفاعلين في هذه السلطة.
وتساءل الدكتور بنسالم أوديجا عن أي حكامة نريد؟ مجيبا : "نريد حكامة قضائية تضع آليات بين السلطة الحكومية المكلفة بالعدل، والمجلس الأعلى للسلطة القضائية، ووسائل عمل تشرك في صنع القرار وتتوافق عليه بما يحقق سير العدالة". مضيفا :"نريد احترام القانون والتدبير الرشيد للشأن القضائي في ظل قواعد الشفافية والموضوعية والتشارك وتستجيب للمعايير الدولية".
وأشار الدكتور بنسالم أوديجا الى أن النظام الأساسي للقضاة نص على استقلال السلطة القضائية محتفظا للمسؤول القضائي بدور الاشراف الاداري على المحكمة، وألزمه بضرورة الخضوع الى تكوين حول الادارة القضائية، وخوله عدة سلطات من بينها تلك المتعلقة بالعطل السنوية والتغيب عن العمل ومراقبة الشواهد الطبية المدلى بها وسلطة انتداب القضاة داخل الدائرة الاستئنافية، وتقييم أداء القضاة، مؤكدا على ضرورة التمييز الدقيق بين مقومات استقلال السلطة القضائية وهو شأن قضائي يندرج ضمن صلاحيات المجلس الأعلى للسلطة القضائية، وما يرتبط بالوظيفة الادارية وهذا شان يندرج ضمن صلاحيات السلطة الحكومية المكلفة بالعدل، مؤكدا :" المسؤول القضائي ينبغي أن يكون خاضعا لوزير العدل والحريات في كل ما له علاقة بتسيير المحاكم".
واختتم السيد مدير مديرية التشريع بوزارة العدل والحريات مداخلته بتحذير المسؤولين القضائيين من "الأنانية وحب الذات والتمسك المتحجر بالصلاحيات عند الاضطلاع بالمسؤوليات وهو ما لا يمكن أن يفرز سوى الصراعات السلبية والحسابات الضيقة"، داعيا الى سعة الصدر والروح والمرونة في التعامل والتنسيق والتكامل كقيم ايجابية تثمر المواقف المنتجة وتخلق الآثار الطيبة التي تثمر في المستقبل.
وتواصلت أشغال الندوة العلمية بمداخلة الدكتور حسن التهامي الوزاني قاض بالمحكمة التجارية بطنجة حول موضوع: "تدبير المؤسسات القضائية من خلال القوانين الجديدة للسلطة القضائية على ضوء رؤية استئناسية للتجارب المقارنة" أشار فيها الى صعوبة التمييز بين ما هو قضائي أو اداري في الاشراف على المحاكم، وهو ما يبدو بوضوح من خلال المادة 21 من مشروع التنظيم القضائي الجديد التي تنص على أن الوزارة المكلفة بالعدل "تتولى الاشراف الاداري والمالي على المحاكم بتنسيق وتعاون مع المسؤولين القضائيين بها بما لا يتنافى واستقلال السلطة القضائية"، وهو ما يجعل العلاقة بين الوزارة والمحاكم شبيهة بالعلاقة مع المصالح الخارجية للوزارات، متسائلا عن طبيعة هذه العلاقة هل هي تعاون أم تفويض، فالتعاون يكون مع السلط ولا يكون بين سلطة اي وزارة العدل كسلطة حكومية مكلفة بالعدل، وفرد وهو المسؤول القضائي، مرجحا أن تكون طبيعة هذه العلاقة حسب المستفاد من مشروع التنظيم القضائي علاقة تفويض، أي أن الوزارة تفوض جزءا من صلاحياتها للمسؤول القضائي، بما يترتب عن ذلك من رقابة ومحاسبة من المفوض الى مفوض اليه، وهي رقابة تمارس عبر آلية التقارير التي ترفعها وزارة العدل والحريات الى المجلس الاعلى للسلطة القضائية بخصوص أداء المسؤولين القضائيين.
الجلسة الثانية : ترأسها الدكتور سمير آيت أرجدال رئيس المحكمة الابتدائية بواد زم
استهلت الجلسة الثانية بمداخلة الدكتور محمد الخضراوي نائب رئيس الودادية الحسنية للقضاة والتي تمحورت حول موضوع :"مقاربة العلاقة بين القاضي والمسؤول القضائي على ضوء السلطة القضائية" انطلق فيها من طرح التساؤل التالي: كيف يمكن تدبير العلاقات داخل المحكمة، وكيف يمكن تجسيد الديمقراطية داخل البيت القضائي؟ معتبرا أن هذا الموضوع يعتبر محل اشكال وطني ودولي يثار أيضا داخل الأنظمة القضائية المقارنة في الديمقراطيات العريقة، فالنقاش حول استقلال القضاء تطور من الاستقلال الخارجي في مواجهة السلطتين التشريعية والتنفيذية الى الاستقلال الداخلي أي استقلال القاضي عن زميله قاض أو مسؤول قضائي، متسائلا: كيف يمكن أن نحول المحكمة الى فضاء للعمل بروح ايجابية وجو أسري سليم يشجع على الابداع والاحترام ويحقق الكرامة.
ودعا نائب رئيس الودادية الحسنية للقضاة الى تحديد الصلاحيات بدقة، وضبط اختصاصات المسؤولين القضائيين ونطاق اشرافهم الاداري بما لا يمس استقلال القضاء، مؤكدا على ضرورة احترام الآلية التشاركية المتمثلة في مكتب المحكمة والجمعية العامة المنصوص عليها في مشروع التنظيم القضائي الجديد، وتفصيل شروط اختيار المسؤولين القضائيين.
وركز الأستاذ ياسين العمراني عضو المكتب التنفيذي لنادي قضاة المغرب في مداخلته حول :" دور الجمعيات المهنية في بناء الحكامة القضائية (تجربة نادي قضاة المغرب)"اعتبر فيها أن هذا الأخير كان سباقا للمناداة بضرورة تفعيل الجمعيات العامة للمحاكم، من خلال عدة خطوات أهمها: مطالبة المكاتب الجهوية بإعداد تقارير حول ظروف انعقاد الجمعيات العامة؛ تكوين خلايا على مستوى المحاكم لتتبع طريقة انعقاد الجمعيات العامة؛ ووضع خط اخضر للتبليغ وفضح كل الخروقات التي يتم رصدها على مستوى المحاكم؛ فضلا عن القيام باستطلاع لواقع عمل الجمعيات العامة.
وأضاف ياسين العمراني أن نادي قضاة المغرب "أكد غير ما مرة اعتماد وزارة العدل و الحريات لآليات غير ناجعة لتقييم فعالية الأداء القضائي وهنا نقصد آلية أو مؤشر الانتاج/و سرعة البت في القضايا، فالنجاعة القضائية حسب الظاهر من المواقف المعلنة لوزارة العدل تنبني أساسا على معيار الانتاج في علاقته بسرعة البت في القضاي ( عدد القضايا المسجلة= عدد القضايا المحكومة= عدد الأحكام المنفذة) وهي آلية لا تكفي بمفردها للوقوف عند درجة فعالية الأداء القضائي، و اعتمادها بشكل منفرد قد يكون له آثار عكسية خلافا للمأمول، و هنا يكفي للوقوف عند هذه الحقيقة الرجوع إلى تجربة المحكمة الابتدائية بالناظور. فقد ساهم سوء تدبير الموارد البشرية على مستوى الخريطة القضائية في تراكم كم هائل من الملفات بسبب بالمحكمة الابتدائية بالناظور = و كان الحل المعتمد من قبل وزارة العدل و الحريات هو الانتداب القضائي للقضاء على هذا المخلف، فتم اعتماد هذه الوسيلة، و بدأت عملية تصفية الملفات التي كانت تتم في غالبيتها بشكل غيابي في القضايا الجنحية....متسائلا هل تم تجاوز مشكل المخلف بهذه الطريقة وهل تحققت الحكامة القضائية؟
واردف قائلا : " الجواب يكمن في أن القضايا المحكومة غيابيا طرأ فقط عليها تغيير بسيط وهو تغيير رقم الملف و تاريخه بعد التعرضات التي قدمت اتجاه هذه الملفات، بمعنى أننا أعدنا إدراج هذه الملفات من جديد كمخلف مقنع فهل تحققت الحكامة ؟
واختتم مداخلته بالتأكيد على أن التركيز على مؤشر واحد في تقييم المنجزات لن يكون له نتائج دقيقة وموضوعية تمكن من تصورات فعالة لنجاعة المنظومة القضائية، و إنما يحتاج الأمر إلى اعتماد مؤشرات أخرى دون استثناء للمؤشر المتعلق بسرعة العدالة/بطء العدالة، ومن هذه المؤشرات مؤشر درجة الفعالية ومؤشر مستوى تقديم الخدمات القضائية وهو مؤشر يقوم على عناصر متعددة أهمها : مستوى الشفافية ومستوى التواصل ودرجة تسهيل الوصول إلى المعلومة.
وتطرقت الأستاذة نزهة مسافر عضو المكتب التنفيذي لنادي قضاة المغرب لموضوع: "الجمعيات العامة للمحاكم" باعتبارها المؤسسة الموكول إليها تنظيم المصلحة الداخلية للمحاكم"، و هي إطار يشمل كافة القضاة العاملين بمحكمة معينة سواء قضاة الحكم أو قضاة النيابة العامة، بالإضافة إلى المسؤولين القضائيين وبحضور السيد رئيس كتابة الضبط، و تنعقد في الأحوال العادية في النصف الأول من شهر دجنبر من كل سنة، مع إمكانية عقد جمعيات استثنائية إن استدعتها الضرورة. وتتلخص اختصاصات الجمعية العامة استنادا لمقتضيات الفصل السادس من المرسوم الصادر بتطبيق مقتضيات الظهير الشريف المؤرخ في 15/7/1974 فيما يلي:
-استعراض حصيلة عمل المحكمة خلال السنة القضائية من خلال الوقوف على المنجزات و تدارس العراقيل.
-وضع برنامج الجلسات و تشكيل الهيئات القضائية.
-توزيع الأشغال و المهام بين القضاة وتوزيع القضايا بين مختلف الأقسام والغرف.
وتساءلت القاضية نزهة مسافر : هل تحظى الجمعيات العامة للمحاكم بتلك المكانة الممنوحة لها بمقتضى التشريع ؟ هل تؤدي في الواقع ذلك الدور الذي من المفترض أن تضطلع به إسهاما منها في النهوض بمرفق له من الأهمية بمكان هو مرفق القضاء ؟ أم أننا لا نرى من جمعياتنا العمومية سوى الإسم فقط؟
واعتبرت القاضية نزهة مباشر أن واقع الجمعيات العامة يؤكد أنها تحولت الى فضاءات للصمت بسبب استئثار بعض المسؤولين القضائيين بسلطة توزيع المهام والشعب بين القضاة، مؤكدة أن مشروع التنظيم القضائي اشتمل على ثغرات، داعية الى مراجعته بشكل يكرس المقاربة التشاركية من خلال اعتماد أسلوب التصويت على مشروع الجمعية العامة الخاص بتوزيع الشعب و الغرف على القضاة، باعتباره أحد الاليات التي يجب التمرن عليها كممارسة ديمقراطية سامية في افق التنظيم القضائي الجديد وتحصين الجمعيات العامة للمحاكم من أي مؤثرات خارجية وتقوية سبل مناقشة النجاعة القضائية خلال انعقاد الجمعيات العامة للمحاكم وذلك بتقديم المعطيات الاحصائية الخاصة بكل هيئة و كل عضو من اعضاء الجمعية العامة، وتقديم نسب الالغاء والنقض الخاصة بكل هيئة وأعضائه. وعدم تشكيل الهيئات بشكل يتجاوز العدد محدد قانونا، وذلك لتكريس الاستقلال الداخلي و منع توجيه القضايا اثناء المداولات من طرف رؤساء الهيئات القضائية .
وقدم الأستاذ أنس سعدون عضو المرصد الوطني لاستقلال السلطة القضائية عرضا حول الجمعيات العمومية للمحاكم في التجارب المقارنة أكد فيه أن هذا الموضوع لم يسبق له وأن حظي بنقاش موسع الا بعد المصادقة على دستور 2011 حيث كان للجمعيات المهنية القضائية وعلى رأسها نادي قضاة المغرب السبق في اخراجه من دائرة النقاش المهني الضيق الى دائرة النقاش العمومي باعتباره مدخلا أساسيا لاستقلال السلطة القضائية، ولكون النجاعة تقتضي المشاركة عوض الاستئثار بالرأي الواحد.
واعتبر أنس سعدون أن مسودة مشروع التنظيم القضائي جاءت جد متخلفة على الممارسة القضائية التي طورت ممارسات رائدة في مجال عمل الجمعيات العامة للقضاة، كما جاءت متخلفة عن تطلعات كل الفاعلين والذين انتظروا تفعيلا أوسع للجمعيات العامة ومأسستها على صعيد محكمة النقض ليتفاجأوا بالعكس من خلال محاولة تعميم مكتب المحكمة كتنظيم منتقد ليشمل المحاكم الابتدائية والاستئنافية وتقييد صلاحيات الجمعيات العامة بنصاب تعجيزي، وتحويلها الى مجرد هيئات استشارية أكثر منها تقريرية، وبالرغم من ان مشروع التنظيم القضائي الجديد الذي صادقت عليه الغرفة الأولى استجاب لأغلب الملاحظات التي سجلها نادي قضاة المغرب في مذكرته، فان النسخة الأولى من المسودة بحسب عضو نادي قضاة المغرب أنس سعدون تعكس تدبيرا غير جيد من الوزارة لزمن اصلاح منظومة العدالة يصل الى حد التبذير بسبب عدم الاستفادة من التجارب الوطنية والدولية الرائدة وهي ذات الملاحظة التي سبق تسجيلها على مسار تطور مشاريع القوانين التنظيمية المتعلقة بالسلطة القضائية، ومن بين الامثلة التي قدمها المتدخل التجربة الفرنسية في التنظيم الداخلي للمحاكم حيث تتوزع الجمعيات العامة داخل المحكمة الواحدة الى جمعية للقضاة الجالسين؛ وجمعية للقضاة الجالسين والنيابة العامة؛ وجمعية لموظفي كتابة الضبط، وتجتمع هذه الجمعيات مرة في السنة على الأقل خلال شهر نونبر بمبادرة من الرئيس أو من أغلبية الأعضاء أو ثلثي الأعضاء، ومن صلاحياتها اصدار آراء بخصوص عدد الجلسات وتاريخ انعقادها وأوقات العمل؛ ومتطلبات ولوازم العمل بتنسيق مع كتابة الضبط؛ وظروف عمل القضاة والموظفين والمشاكل التي تعرضهم، وكل ما يتعلق بالتسيير الداخلي للمحكمة، كما تقوم جمعيات القضاة الجالسين والنيابة العامة بتبادل وجهات النظر بخصوص المحكمة ويحضرون للجمعية العامة. وهناك لجنة دائمة يرأسها الرئيس وتشكل هذه اللجنة من أعضاء منتخبين من طرف قضاة النيابة العامة والرئاسة، ووكيل الجمهورية، ومدير كتابة الضبط. والخلاصة أن الجمعية العامة للمحاكم بفرنسا تعتمد الآلية الديمقراطية في توزيع المهام؛ وتشرك القضاة وموظفي المحكمة في كل ما يتعلق بشأن المحكمة تجسيدا للمقاربة التشاركية وتعتمد على آليتي التصويت والانتخاب .
ودعا عضو نادي قضاة المغرب أنس سعدون في ختام مداخلته الى اصدار مدونة سلوك تنظم عمل المسؤولين القضائين والاهتمام بتكوين القضاة على تدبير الخلاف وعلى اعمال المقاربة التشاركية في التسيير الداخلي للمحاكم وتقوية أسلوب الاستشارات القبلية لكل القضاة والمستشارين قبل انعقاد الجمعيات العامة، وجعله أداة لتوسيع الديمقراطية التشاركية داخل بينة الجمعيات العامة للمحاكم، فضلا عن نشر تقارير الجمعيات العامة.
أشغال الندوة عرفت تكريم عدة شخصيات أثروا الساحة القضائية والقانونية الوطنية، وفي مقدمتهم الدكتور محمد الإدريسي العلمي المشيشي، والقاضية فادية بنميمون والمستشارة أمينة ناعمي والقاضية آمال حماني، والقاضية مليكة بكريم والقاضية ليلى ميقور والقاضية سناء حجاجي.
الندوة عرفت حضور قامات قضائية وأكاديمية كبيرة فضلا عن ممثلين عن الجمعيات المهنية القضائية وكافة مكونات منظومة العدالة، وباحثين واعلاميين.
استهلت أشغال الندوة بكلمة السيد وزير العدل والحريات المصطفى الرميد الذي استعرض من خلالها أهم محطات الاصلاح العميق والشامل لمنظومة العدالة، والتي توجت بصدور القوانين التنظيمية المتعلقة بالسلطة القضائية، معتبرا أن المغرب من حقه ان يفتخر بهذه القوانين التي أتت لتكرس استقلال السلطة القضائية، وبأنها جد متقدمة حتى بالنسبة لديمقراطيات عريقة ما يزال فيها القضاء متداخلا مع السلطتين التشريعية والتنفيذية.
وأضاف وزير العدل والحريات أن الوزارة ماضية في ورش تحديث المحاكم وتجهيزها من أجل تسهيل ولوج المتقاضين للعدالة وتقريبها اليهم، داعيا الجمعيات المهنية القضائية لمزيد من الانفتاح والحوار مع وزارة العدل حول تنزيل مشاريع الاصلاح المتعلقة بالقضاء، وردا عن سؤال يتعلق بمقر المجلس الأعلى للسلطة القضائية أكد وزير العدل والحريات أنه خارج عن اختصاصه.
وفي كلمة الدكتور عبد اللطيف الشنتوف رئيس نادي قضاة المغرب أكد انخراط نادي قضاة المغرب باعتباره كقوة اقتراحية في مناقشة كافة مشاريع القوانين الجديدة التي أعدتها وزارة العدل من خلال المذكرات التي يقدمها، مؤكدا عدم وجود نموذج عالمي واحد لاستقلال القضاء، لكن عددا من التجارب المقارنة في الديمقراطيات العريقة والتي استعرضها وزير العدل والحريات في مداخلاته لا تستند فقط الى النصوص وانما تجد مرجعيتها الداعمة في ثقافة عريقة ومتجذرة لاستقلال القضاء، لافتا الانتباه الى أن تخوف نادي قضاة المغرب من عدد من الثغرات الواردة في قوانين السلطة القضائية المصادق عليها، أو في مشروع التنظيم القضائي يبقى تخوفا مشروعا مرده الخوف من تكرار أخطاء الماضي، وأشار الى أن الاستقلال الاداري والمالي للمحاكم يبقى من أهم النقاط المثيرة للجدل في المرحلة القادمة. داعيا الى تنزيل سليم للنصوص القانونية الجديدة، وتمكين السلطة القضائية من الموارد المالية اللوجستيكية الكافية لعملها.
وأكدت كلمة السيد الرئيس الأول لمحكمة النقض والتي تلاها السيد الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف بتطوان على ضرورة الانخراط في ورش تنزيل الاصلاح العميق والشامل لمنظومة العدالة.
الجلسة الأولى ترأسها الأستاذ محمد المنصوري رئيس المكتب الجهوي لنادي قضاة المغرب بتطوان
استهلت أشغال الجلسة الأولى بمداخلة الدكتور محمد الإدريسي العلمي المشيشي الأستاذ الجامعي المعروف ووزير العدل السابق في والتي تطرق فيها لفكرة العدالة من خلال المؤسسات القضائية التي تفتح مجالا معرفيا غنيا يجمع بين الفلسفة والدين والقانون، فالمتقاضون لا يطلبون فقط تطبيق القانون بشكل حرفي، أي العدل، وانما يسعون الى تحقيق العدالة التي تعني الانصاف أو الاحسان المضاف الى العدل كما هو منصوص عليه في القرآن. مضيفا بأن هذه الفكرة تطرح اشكالية التأويل بمناسبة تطبيق القانون في المجالات غير الجنائية، والتي تستوجب توافر عدة شروط وفي مقدمتها استقلال السلطة القضائية، وتخليق القضاء والجرأة، حيث يلجأ القاضي الى تأويل النصوص ويستعين تارة بمبادئ العدل والانصاف، وتارة أخرى بالاتفاقيات الدولية ليصل الى التطبيق العادل للقانون.
وأثار الدكتور محمد الإدريسي العلمي المشيشي في مداخلته عدة ملاحظات حول قوانين السلطة القضائية، داعيا الى التنصيص في النظام الداخلي للمجلس على حصر اختصاص التأديب على أعضائه من القضاة دون غيرهم، وتحسين مسطرة اختيار القضاة بمناسبة مراجعة القانون المنظم للمعهد العالي للقضاء، بالنظر الى تطور الحقول المعرفية، مما يفرض ضرورة توفر المترشح على النضج الكافي، مؤكدا أن ما يدرس اليوم في الجامعات المغربية يبقى جد متخلف عن ما يحتاجه القضاء المعاصر الذي تعرض عليه نزاعات في غاية التعقيد، ودعا الى تحسين شروط عمل القضاة للنظر في النزاعات المعروضة عليهم وهم في وضعية ارتياح، وذلك من خلال مراجعة المدد المتطلبة للترقية والوصول الى الدرجة الاستثنائية وتقليصها لرفع أي شعور بالغبن لدى السيدات والسادة القضاة من شانه التأثير على استقلاليتهم. كم دعا الى احداث مجلس للحكماء يضم قضاة فوق سن الستين والذين برزوا بكفاءتهم ونزاهتهم وعطائهم وساهموا في تحسين العمل القضائي والتشريعي والفقهي، وتمكين كافة القضاة مند تعيينهم من وسائل العمل الكفيلة بتحقيق النجاعة، خاصة الحاسوب والربط بشبكة المعلومات التي تمكن الولوج الى كافة قرارات محكمة النقض التي ينبغي تسهيل وتعميم نشرها لتكون في متناول القضاة والمحامين والمهتمين. وبخصوص الاشراف على المحاكم أكد وزير العدل السابق والعضو في الهيئة العليا للحوار الوطني حول اصلاح منظومة العدالة الدكتور محمد الإدريسي العلمي المشيشي أن "المحكمة كالسفينة لا يمكن أن تعمل برأسين"داعيا الى تصحيح العلاقة بين العمل الاداري والقضائي ومراجعة كل ما له علاقة بحدود التداخل بين التأطير والاشراف الاداري والمالي واستقلال القضاء.، ومراجعة العلاقة بين القضاء ووزارة الداخلية على مستوى الاشراف على الشرطة القضائية، والتعجيل باخراج المحكمة الدستورية التي ستساعد على تحقيق استقلال القضاء خاصة على مستوى تفعيل الدفع بعدم دستورية القوانين.
وقدم الدكتور بنسالم أودجا مدير مديرية التشريع بوزارة العدل والحريات عرضا حول موضوع: اي حكامة قضائية نريد؟ أكد فيه أن الحكامة تعبير عن ممارسة السلطة السياسية وادارتها لشؤون المجتمع وموارده وهو التعريف المتداول والمعتمد من طرف أغلب الهيئات والمنظمات الدولية.ويدل على آليات ومؤسسات تشترك في صنع القرار وقيادات منتخبة وأطر ادارية مؤهلة، ومن شروطها تكامل العمل القائم بين الدولة ومؤسساتها وبين القطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني في اطار تكريس قواعد المشاركة والشفافية والمحاسبة و المساءلة .
أما الحكامة القضائية فتعني توحيد الجهود من أجل تحسين الأداء وتحقيق الفعالية والنجاعة في النظم القضائية والرفع من مستوى الجودة في الخدمات، وهي ممارسة لا تتم الا بتوافر أركانها المتمثلة في الشفافية واالفعالية وحسن التدبير والتقييم والتتبع للرقي بأداء الادارة القضائية، وهي أداة أساسية في التواصل مع كافة المتدخلين. وحسب معايير المحكمة النموذجية تقوم الحكامة على تسيير الولوج الى القضاء واقتضاء الحقوق ومساءلة الفاعلين في هذه السلطة.
وتساءل الدكتور بنسالم أوديجا عن أي حكامة نريد؟ مجيبا : "نريد حكامة قضائية تضع آليات بين السلطة الحكومية المكلفة بالعدل، والمجلس الأعلى للسلطة القضائية، ووسائل عمل تشرك في صنع القرار وتتوافق عليه بما يحقق سير العدالة". مضيفا :"نريد احترام القانون والتدبير الرشيد للشأن القضائي في ظل قواعد الشفافية والموضوعية والتشارك وتستجيب للمعايير الدولية".
وأشار الدكتور بنسالم أوديجا الى أن النظام الأساسي للقضاة نص على استقلال السلطة القضائية محتفظا للمسؤول القضائي بدور الاشراف الاداري على المحكمة، وألزمه بضرورة الخضوع الى تكوين حول الادارة القضائية، وخوله عدة سلطات من بينها تلك المتعلقة بالعطل السنوية والتغيب عن العمل ومراقبة الشواهد الطبية المدلى بها وسلطة انتداب القضاة داخل الدائرة الاستئنافية، وتقييم أداء القضاة، مؤكدا على ضرورة التمييز الدقيق بين مقومات استقلال السلطة القضائية وهو شأن قضائي يندرج ضمن صلاحيات المجلس الأعلى للسلطة القضائية، وما يرتبط بالوظيفة الادارية وهذا شان يندرج ضمن صلاحيات السلطة الحكومية المكلفة بالعدل، مؤكدا :" المسؤول القضائي ينبغي أن يكون خاضعا لوزير العدل والحريات في كل ما له علاقة بتسيير المحاكم".
واختتم السيد مدير مديرية التشريع بوزارة العدل والحريات مداخلته بتحذير المسؤولين القضائيين من "الأنانية وحب الذات والتمسك المتحجر بالصلاحيات عند الاضطلاع بالمسؤوليات وهو ما لا يمكن أن يفرز سوى الصراعات السلبية والحسابات الضيقة"، داعيا الى سعة الصدر والروح والمرونة في التعامل والتنسيق والتكامل كقيم ايجابية تثمر المواقف المنتجة وتخلق الآثار الطيبة التي تثمر في المستقبل.
وتواصلت أشغال الندوة العلمية بمداخلة الدكتور حسن التهامي الوزاني قاض بالمحكمة التجارية بطنجة حول موضوع: "تدبير المؤسسات القضائية من خلال القوانين الجديدة للسلطة القضائية على ضوء رؤية استئناسية للتجارب المقارنة" أشار فيها الى صعوبة التمييز بين ما هو قضائي أو اداري في الاشراف على المحاكم، وهو ما يبدو بوضوح من خلال المادة 21 من مشروع التنظيم القضائي الجديد التي تنص على أن الوزارة المكلفة بالعدل "تتولى الاشراف الاداري والمالي على المحاكم بتنسيق وتعاون مع المسؤولين القضائيين بها بما لا يتنافى واستقلال السلطة القضائية"، وهو ما يجعل العلاقة بين الوزارة والمحاكم شبيهة بالعلاقة مع المصالح الخارجية للوزارات، متسائلا عن طبيعة هذه العلاقة هل هي تعاون أم تفويض، فالتعاون يكون مع السلط ولا يكون بين سلطة اي وزارة العدل كسلطة حكومية مكلفة بالعدل، وفرد وهو المسؤول القضائي، مرجحا أن تكون طبيعة هذه العلاقة حسب المستفاد من مشروع التنظيم القضائي علاقة تفويض، أي أن الوزارة تفوض جزءا من صلاحياتها للمسؤول القضائي، بما يترتب عن ذلك من رقابة ومحاسبة من المفوض الى مفوض اليه، وهي رقابة تمارس عبر آلية التقارير التي ترفعها وزارة العدل والحريات الى المجلس الاعلى للسلطة القضائية بخصوص أداء المسؤولين القضائيين.
الجلسة الثانية : ترأسها الدكتور سمير آيت أرجدال رئيس المحكمة الابتدائية بواد زم
استهلت الجلسة الثانية بمداخلة الدكتور محمد الخضراوي نائب رئيس الودادية الحسنية للقضاة والتي تمحورت حول موضوع :"مقاربة العلاقة بين القاضي والمسؤول القضائي على ضوء السلطة القضائية" انطلق فيها من طرح التساؤل التالي: كيف يمكن تدبير العلاقات داخل المحكمة، وكيف يمكن تجسيد الديمقراطية داخل البيت القضائي؟ معتبرا أن هذا الموضوع يعتبر محل اشكال وطني ودولي يثار أيضا داخل الأنظمة القضائية المقارنة في الديمقراطيات العريقة، فالنقاش حول استقلال القضاء تطور من الاستقلال الخارجي في مواجهة السلطتين التشريعية والتنفيذية الى الاستقلال الداخلي أي استقلال القاضي عن زميله قاض أو مسؤول قضائي، متسائلا: كيف يمكن أن نحول المحكمة الى فضاء للعمل بروح ايجابية وجو أسري سليم يشجع على الابداع والاحترام ويحقق الكرامة.
ودعا نائب رئيس الودادية الحسنية للقضاة الى تحديد الصلاحيات بدقة، وضبط اختصاصات المسؤولين القضائيين ونطاق اشرافهم الاداري بما لا يمس استقلال القضاء، مؤكدا على ضرورة احترام الآلية التشاركية المتمثلة في مكتب المحكمة والجمعية العامة المنصوص عليها في مشروع التنظيم القضائي الجديد، وتفصيل شروط اختيار المسؤولين القضائيين.
وركز الأستاذ ياسين العمراني عضو المكتب التنفيذي لنادي قضاة المغرب في مداخلته حول :" دور الجمعيات المهنية في بناء الحكامة القضائية (تجربة نادي قضاة المغرب)"اعتبر فيها أن هذا الأخير كان سباقا للمناداة بضرورة تفعيل الجمعيات العامة للمحاكم، من خلال عدة خطوات أهمها: مطالبة المكاتب الجهوية بإعداد تقارير حول ظروف انعقاد الجمعيات العامة؛ تكوين خلايا على مستوى المحاكم لتتبع طريقة انعقاد الجمعيات العامة؛ ووضع خط اخضر للتبليغ وفضح كل الخروقات التي يتم رصدها على مستوى المحاكم؛ فضلا عن القيام باستطلاع لواقع عمل الجمعيات العامة.
وأضاف ياسين العمراني أن نادي قضاة المغرب "أكد غير ما مرة اعتماد وزارة العدل و الحريات لآليات غير ناجعة لتقييم فعالية الأداء القضائي وهنا نقصد آلية أو مؤشر الانتاج/و سرعة البت في القضايا، فالنجاعة القضائية حسب الظاهر من المواقف المعلنة لوزارة العدل تنبني أساسا على معيار الانتاج في علاقته بسرعة البت في القضاي ( عدد القضايا المسجلة= عدد القضايا المحكومة= عدد الأحكام المنفذة) وهي آلية لا تكفي بمفردها للوقوف عند درجة فعالية الأداء القضائي، و اعتمادها بشكل منفرد قد يكون له آثار عكسية خلافا للمأمول، و هنا يكفي للوقوف عند هذه الحقيقة الرجوع إلى تجربة المحكمة الابتدائية بالناظور. فقد ساهم سوء تدبير الموارد البشرية على مستوى الخريطة القضائية في تراكم كم هائل من الملفات بسبب بالمحكمة الابتدائية بالناظور = و كان الحل المعتمد من قبل وزارة العدل و الحريات هو الانتداب القضائي للقضاء على هذا المخلف، فتم اعتماد هذه الوسيلة، و بدأت عملية تصفية الملفات التي كانت تتم في غالبيتها بشكل غيابي في القضايا الجنحية....متسائلا هل تم تجاوز مشكل المخلف بهذه الطريقة وهل تحققت الحكامة القضائية؟
واردف قائلا : " الجواب يكمن في أن القضايا المحكومة غيابيا طرأ فقط عليها تغيير بسيط وهو تغيير رقم الملف و تاريخه بعد التعرضات التي قدمت اتجاه هذه الملفات، بمعنى أننا أعدنا إدراج هذه الملفات من جديد كمخلف مقنع فهل تحققت الحكامة ؟
واختتم مداخلته بالتأكيد على أن التركيز على مؤشر واحد في تقييم المنجزات لن يكون له نتائج دقيقة وموضوعية تمكن من تصورات فعالة لنجاعة المنظومة القضائية، و إنما يحتاج الأمر إلى اعتماد مؤشرات أخرى دون استثناء للمؤشر المتعلق بسرعة العدالة/بطء العدالة، ومن هذه المؤشرات مؤشر درجة الفعالية ومؤشر مستوى تقديم الخدمات القضائية وهو مؤشر يقوم على عناصر متعددة أهمها : مستوى الشفافية ومستوى التواصل ودرجة تسهيل الوصول إلى المعلومة.
وتطرقت الأستاذة نزهة مسافر عضو المكتب التنفيذي لنادي قضاة المغرب لموضوع: "الجمعيات العامة للمحاكم" باعتبارها المؤسسة الموكول إليها تنظيم المصلحة الداخلية للمحاكم"، و هي إطار يشمل كافة القضاة العاملين بمحكمة معينة سواء قضاة الحكم أو قضاة النيابة العامة، بالإضافة إلى المسؤولين القضائيين وبحضور السيد رئيس كتابة الضبط، و تنعقد في الأحوال العادية في النصف الأول من شهر دجنبر من كل سنة، مع إمكانية عقد جمعيات استثنائية إن استدعتها الضرورة. وتتلخص اختصاصات الجمعية العامة استنادا لمقتضيات الفصل السادس من المرسوم الصادر بتطبيق مقتضيات الظهير الشريف المؤرخ في 15/7/1974 فيما يلي:
-استعراض حصيلة عمل المحكمة خلال السنة القضائية من خلال الوقوف على المنجزات و تدارس العراقيل.
-وضع برنامج الجلسات و تشكيل الهيئات القضائية.
-توزيع الأشغال و المهام بين القضاة وتوزيع القضايا بين مختلف الأقسام والغرف.
وتساءلت القاضية نزهة مسافر : هل تحظى الجمعيات العامة للمحاكم بتلك المكانة الممنوحة لها بمقتضى التشريع ؟ هل تؤدي في الواقع ذلك الدور الذي من المفترض أن تضطلع به إسهاما منها في النهوض بمرفق له من الأهمية بمكان هو مرفق القضاء ؟ أم أننا لا نرى من جمعياتنا العمومية سوى الإسم فقط؟
واعتبرت القاضية نزهة مباشر أن واقع الجمعيات العامة يؤكد أنها تحولت الى فضاءات للصمت بسبب استئثار بعض المسؤولين القضائيين بسلطة توزيع المهام والشعب بين القضاة، مؤكدة أن مشروع التنظيم القضائي اشتمل على ثغرات، داعية الى مراجعته بشكل يكرس المقاربة التشاركية من خلال اعتماد أسلوب التصويت على مشروع الجمعية العامة الخاص بتوزيع الشعب و الغرف على القضاة، باعتباره أحد الاليات التي يجب التمرن عليها كممارسة ديمقراطية سامية في افق التنظيم القضائي الجديد وتحصين الجمعيات العامة للمحاكم من أي مؤثرات خارجية وتقوية سبل مناقشة النجاعة القضائية خلال انعقاد الجمعيات العامة للمحاكم وذلك بتقديم المعطيات الاحصائية الخاصة بكل هيئة و كل عضو من اعضاء الجمعية العامة، وتقديم نسب الالغاء والنقض الخاصة بكل هيئة وأعضائه. وعدم تشكيل الهيئات بشكل يتجاوز العدد محدد قانونا، وذلك لتكريس الاستقلال الداخلي و منع توجيه القضايا اثناء المداولات من طرف رؤساء الهيئات القضائية .
وقدم الأستاذ أنس سعدون عضو المرصد الوطني لاستقلال السلطة القضائية عرضا حول الجمعيات العمومية للمحاكم في التجارب المقارنة أكد فيه أن هذا الموضوع لم يسبق له وأن حظي بنقاش موسع الا بعد المصادقة على دستور 2011 حيث كان للجمعيات المهنية القضائية وعلى رأسها نادي قضاة المغرب السبق في اخراجه من دائرة النقاش المهني الضيق الى دائرة النقاش العمومي باعتباره مدخلا أساسيا لاستقلال السلطة القضائية، ولكون النجاعة تقتضي المشاركة عوض الاستئثار بالرأي الواحد.
واعتبر أنس سعدون أن مسودة مشروع التنظيم القضائي جاءت جد متخلفة على الممارسة القضائية التي طورت ممارسات رائدة في مجال عمل الجمعيات العامة للقضاة، كما جاءت متخلفة عن تطلعات كل الفاعلين والذين انتظروا تفعيلا أوسع للجمعيات العامة ومأسستها على صعيد محكمة النقض ليتفاجأوا بالعكس من خلال محاولة تعميم مكتب المحكمة كتنظيم منتقد ليشمل المحاكم الابتدائية والاستئنافية وتقييد صلاحيات الجمعيات العامة بنصاب تعجيزي، وتحويلها الى مجرد هيئات استشارية أكثر منها تقريرية، وبالرغم من ان مشروع التنظيم القضائي الجديد الذي صادقت عليه الغرفة الأولى استجاب لأغلب الملاحظات التي سجلها نادي قضاة المغرب في مذكرته، فان النسخة الأولى من المسودة بحسب عضو نادي قضاة المغرب أنس سعدون تعكس تدبيرا غير جيد من الوزارة لزمن اصلاح منظومة العدالة يصل الى حد التبذير بسبب عدم الاستفادة من التجارب الوطنية والدولية الرائدة وهي ذات الملاحظة التي سبق تسجيلها على مسار تطور مشاريع القوانين التنظيمية المتعلقة بالسلطة القضائية، ومن بين الامثلة التي قدمها المتدخل التجربة الفرنسية في التنظيم الداخلي للمحاكم حيث تتوزع الجمعيات العامة داخل المحكمة الواحدة الى جمعية للقضاة الجالسين؛ وجمعية للقضاة الجالسين والنيابة العامة؛ وجمعية لموظفي كتابة الضبط، وتجتمع هذه الجمعيات مرة في السنة على الأقل خلال شهر نونبر بمبادرة من الرئيس أو من أغلبية الأعضاء أو ثلثي الأعضاء، ومن صلاحياتها اصدار آراء بخصوص عدد الجلسات وتاريخ انعقادها وأوقات العمل؛ ومتطلبات ولوازم العمل بتنسيق مع كتابة الضبط؛ وظروف عمل القضاة والموظفين والمشاكل التي تعرضهم، وكل ما يتعلق بالتسيير الداخلي للمحكمة، كما تقوم جمعيات القضاة الجالسين والنيابة العامة بتبادل وجهات النظر بخصوص المحكمة ويحضرون للجمعية العامة. وهناك لجنة دائمة يرأسها الرئيس وتشكل هذه اللجنة من أعضاء منتخبين من طرف قضاة النيابة العامة والرئاسة، ووكيل الجمهورية، ومدير كتابة الضبط. والخلاصة أن الجمعية العامة للمحاكم بفرنسا تعتمد الآلية الديمقراطية في توزيع المهام؛ وتشرك القضاة وموظفي المحكمة في كل ما يتعلق بشأن المحكمة تجسيدا للمقاربة التشاركية وتعتمد على آليتي التصويت والانتخاب .
ودعا عضو نادي قضاة المغرب أنس سعدون في ختام مداخلته الى اصدار مدونة سلوك تنظم عمل المسؤولين القضائين والاهتمام بتكوين القضاة على تدبير الخلاف وعلى اعمال المقاربة التشاركية في التسيير الداخلي للمحاكم وتقوية أسلوب الاستشارات القبلية لكل القضاة والمستشارين قبل انعقاد الجمعيات العامة، وجعله أداة لتوسيع الديمقراطية التشاركية داخل بينة الجمعيات العامة للمحاكم، فضلا عن نشر تقارير الجمعيات العامة.
أشغال الندوة عرفت تكريم عدة شخصيات أثروا الساحة القضائية والقانونية الوطنية، وفي مقدمتهم الدكتور محمد الإدريسي العلمي المشيشي، والقاضية فادية بنميمون والمستشارة أمينة ناعمي والقاضية آمال حماني، والقاضية مليكة بكريم والقاضية ليلى ميقور والقاضية سناء حجاجي.