لاشك أن حالة الطوارئ الصحية التي تم الإعلان عنها بعد ظهور جائحة كورونا كانت لها تداعيات كبيرة على المقاولات بالمغرب حيث توقفت الكثير منها عن ممارسة أنشطتها الاقتصادية، وهذه التداعيات سوف تكون لها آثار وخيمة على المقاولات في المرحلة القادمة، وفي الوقت الذي كنا ننتظر فيه اتخاذ إصلاحات عميقة لنظام صعوبات المقاولة فوجئنا بمقترح قانون تضمن مقتضيات يعتقد واضعوها بأنها كفيلة بإنقاذ المقاولات مما تعانيه جراء هذه الجائحة من صعوبات.
لكن وبعد قراءتنا لهذا المقترح لا يمكننا إلا أن نعبر عن امتعاضنا من التدابير والمقترحات التي جاء بها، فهي من جهة ناقصة وعقيمة وغير ذات جدوى ومن جهة أخرى غير واقعية ولا تلبي انتظارات المقاولات المغربية، لأنها لم تبلور الفلسفة العامة لنظام صعوبات المقاولة كنظام خاص ذو أبعاد قانونية واقتصادية، ولأجل ذلك سوف نناقش هذا المقترح بشكل محايد في أفق إيجاد أرضية مناسبة لإصلاح شامل يتجاوز ما هو تقني إلى ما هو اقتصادي من خلال إبداء الملاحظات التالية:
أولا: قصور النظرة حول أبعاد نظام صعوبات المقاولة
من أهم الملاحظات التي يثيرها مقترح القانون، إعادة النظر في معايير التوقف عن الدفع باعتماد نوع من المرونة، يبدو أن واضعي المقترح لم يفهموا طبيعة نظام صعوبات المقاولة كمصحة لتشخيص الصعوبات وعلاجها، فهو يعالج أمراض اقتصادية تصيب المقاولات على غرار الأمراض التي تصيب الإنسان، ونحن نعلم أن المرض بصفة عامة يحتاج إلى علاج مناسب له إن وصل إلى مرحلة لم تعد تنفع معها وسائل الوقاية والإنقاذ، لذلك فالمقترح عوض أن يضع الأصبع على مكمن الداء وطرق علاجه ذهب إلى البحث عن مسكنات لهذا الداء وهذا أمر غير مقبول، من جهة أخرى فإن اعتماد ذلك التصور سيعصف بأهم المفاهيم الأساسية التي استقر عليها التشريع والفقه والقضاء في معظم الدول حول مفهوم التوقف عن الدفع، كما أن هذا المقترح لم يضف شيئا لأن الأمر لا يحتاج إلى تعديل في هذه النقطة طالما أن نظام صعوبات المقاولة تبنى أدورا جديدة للقضاء التجاري وفي مقدمتها الدور الاقتصادي الذي يتيح له أخذ المبادرة للتدخل لمعالجة المقاولة وتكييف الصعوبات التي تمر منها، كما أن ربط التعديل بالصعوبات الناتجة عن تداعيات جائحة كرونا بدوره لم يكن موفقا لعدة اعتبارات من أهمها عدم التزامه بمعيار التوقع في القاعدة القانونية إلى جانب خاصية العمومية والتجريد وقدرة النص على احتواء أكبر عدد ممكن من الوقائع، لذلك كان من الأولى اعتماد عبارة شاملة تستوعب كافة الصعوبات الناتجة عن حالة القوة القاهرة والظروف الطارئة وغيرها من الحالات المشابهة وبهذا نكون قد ضمنا على الأقل استقرار وثبات القاعدة القانونية، بل أكثر من ذلك يبدو أن مقترح القانون يرمي إلى التعامل بنوع من المرونة مع المقاولات المتوقفة عن الدفع بتسهيل استفادتها من مسطرة الإنقاذ على اعتبار أن التوقف كان ناتجا عن ظروف خارجة عن إرادتها والحال أن هذا التصور يبقى محدود الأفق لأنه أخطأ من المنطلق فكانت النتيجة بدورها معلولة وغير مجدية، لأن المقترح لم يأخذ بعين الاعتبار المبادئ العامة للقانون والتي تجعل إخلال المقاولات بالتزاماتها قد يخفف أو يرفع عنها المسؤولية إما لأنها كانت تمر من قوة قاهرة أو أن هناك ظروفا طارئة جعلت تنفيذ تلك الالتزامات شيئا مرهقا وبالتالي فهناك حلول منظمة سلفا بموجب القانون تغني عما تضمنه المقترح من تدابير قد تعمق الوضع الاقتصادي للمقاولة أكثر مما تنقذه، وهذه الأوضاع بالتأكيد أثبتت الممارسة أن القضاء التجاري يفعلها ويأخذها دائما بعين الاعتبار من خلال النوازل التي سبق وأن عرضت عليه باعتباره قضاء اقتصاديا بالدرجة الأولى يتدخل للإنقاذ أكثر من الفصل في المنازعة بشكلها التقليدي.
ثانيا: محدودية الوسائل المقترحة لإنقاذ المقاولات
جاء المقترح ببعض الآليات التي يعتبرها واضعوه بأنها ستسهل إنقاذ المقاولات المتأثرة جراء جائحة كرونا، وهذه الحلول تتمثل في تمديد إمكانية فتح مسطرة الإنقاذ حتى للمقاولات المتوقفة عن الدفع إن كان هذا الأخير ناتجا بشكل مباشر عن جائحة كرونا، بعد تقديم قوائم تركيبية لآخر سنة مالية مؤشر عليها من طرف خبير محاسبي أو خبير معتمد تفيد أنها قبل الجائحة كانت في عافية، وتحديد مدة مخطط الإنقاذ في سنة إن كان قد تم باتفاق مع الدائنين، بالإضافة إلى وقف المتابعات الفردية ووقف الفوائد خلال مرحلة تنفيذ المخطط، مع إمكانية متابعة المدين بجريمة خيانة الأمانة إن ثبت تقديم الطلب بسوء نية.
إن التأمل في هذه التدابير المقترحة يوحي باحتمالين، إما أن واضعيه جاهلين لمقتضيات وفلسفة نظام صعوبات المقاولة التي تقوم على تشخيص المرض قبل اقتراح العلاج علما أن تقديم وصفة غير ملائمة للعلاج قد يؤدي إلى تفاقم المرض، وإما أنهم تقدموا بهذا المقترح لخدمة غايات وأهداف أو لخدمة مصالح معينة لا علاقة لها بإنقاذ المقاولة وهنا ستكون المصيبة الأكبر، فمن جهة المقاولات المتوقفة حتى وإن كان التوقف ناتجا عن جائحة كورونا حدد لها المشرع العلاج المناسب إن كانت وضعيتها غير مختلة بشكل لا رجعة فيه، وهو مسطرة التسوية القضائية باعتبارها المسطرة الأنسب والأفضل طالما أن الغاية من هذه المساطر بمجملها هي حماية النظام العام الاقتصادي وليس إرضاء جهة معينة حتى ولو على حساب الاعتبارات الاقتصادية، ومن جهة أخرى فإن الاجتهاد القضائي الذي استقر عليه القضاء التجاري استقر على الأخذ بعين الاعتبار للظروف التي حالت دون تنفيذ المدين لالتزاماته، ولذلك فلا ينبغي مجاراة الطرح الذي تبناه المقترح وإلا أصبحنا أمام مسطرة تسوية قضائية مكررة لن تزيد المشكل إلا تفاقما.
أما من حيث تحديد مدة تنفيذ المخطط في أجل سنة فهو بدوره يبقى من المستحيل أخذا بعين الاعتبار استحالة موافقة كافة الدائنين من جهة وكذلك صعوبة وتعقيد الإجراءات التي تتجاوز السنة من جهة أخرى، إضافة إلى ذلك تحدث المقترح عن إمكانية تمديد هذه المدة هذا بدوره يثير أكثر من إشكال حول المدة التي سيمدد لها هذا المخطط ومدى إمكانية الاحتجاج بها في مواجهة الدائنين المعارضين، وإذا أضفنا إلى ذلك ما جاء به المشروع من تدابير تتعلق بوقف المتابعات الفردية وإجراءات التنفيذ ووقف سريان الفوائد سنكون أمام أكبر مشكل يحد من فاعلية الإنقاذ إذ كيف سيتم إقناع الدائنين بدعم مخطط للإنقاذ يعرفون مسبقا حجم الموانع والجزاءات التي ستترتب عليه تجاههم وفضلا عن ذلك ما موقع كفلاء المدين من قاعدة وقف المتابعات الفردية ووقف سريان الفوائد كلها جوانب لم يجب عنها مقترح القانون مما يجعله يدور في حلقة مفرغة لا نعرف نتائجها .
أما فيما يخص وجوب تقديم الطلب بحسن نية تحت طائلة المتابعة بجريمة خيانة الأمانة فبدوره يعتريه نوع من الإبهام ويبقى غير مفهوم وغير مبرر، ففيما يخص الإبهام وعدم الانسجام فيتجلى في استعمال مصطلحات لا علاقة لها بموضوع الكتاب الخامس من قبيل " رب المقاولة " والحال أن المشرع يتحدث عن رئيس المقاولة، إلى جانب استعمال مصطلح " خيانة الأمانة " وهي أدوات غريبة عن مساطر صعوبات المقاولة، وفضلا عن ذلك فإن القانون الحالي يتضمن أدوات زجرية في الكتاب الخامس كافية لتحقيق الغاية تغني عن جريمة خيانة الأمانة، كما أن المقاربة الزجرية التي تبناها المقترح تبقى غير مفهومة إذ كيف يمكننا تشجيع رؤساء المقاولات على تقديم طلب فتح مسطرة الإنقاذ إن كان هناك تهديد زجري خطير يهدد رؤساء المقاولات حول إمكانية تعرضهم لجزاءات قاسية في كل لحظة وحين نتيجة سيف العقاب الذي أصبح مسلطا على رقابهم وفق مضامين مقترح القانون موضوع النقاش، وهذا يتنافى مع توجه المشرع في مجال الأعمال والاستثمار الذي أصبح ينحو في اتجاه التخفيف من دائرة العقاب الجنائي وتعويضه بجزاءات أخرى تنسجم مع حرية المبادرة وحماية الأنشطة الاقتصادية، ومن جهة أخرى على أي أساس يمكن المتابعة بخيانة الأمانة في ظل الغياب التام لشروطها في الوضع الذي نناقشه ناهيك أن هذه الجريمة لا تنسجم بتاتا مع أهداف نظام صعوبات المقاولة.
بناء على ذلك نختم بأن المقاولة تعتبر فضاء اقتصاديا واجتماعيا وأن كل مقاربة يجب أن تأخذ بعين الاعتبار الجانب القانوني والاقتصادي، أما المقاربة القانونية وحدها فتبقى غير كفيلة لمواجهة الأزمة، فمن جهة الظرفية الحالية التي نعيشها أبانت بكل وضوح أننا أصبحنا في حاجة إلى خلق آليات موازية لتفعيل مساطر الوقاية والإنقاذ، ولعل من أهم هذه الآليات خلق لجان وخلايا للرصد المبكر وللمصاحبة والمواكبة للمقاولات، سواء على المستوى المحلي أو على المستوى الجهوي أو على المستوى الوطني، وهذه اللجان يتعين التفكير في تنظيمها وفق تركيبة معينة تجمع كافة الجهات المتدخلة من إدارة الضرائب والجمارك وبنك المغرب والبنوك والمراكز الجهوية للاستثمار والمحاكم التجارية وغيرها من الجهات المؤهلة لمواكبة حياة المقاولة، وإلى جانب ذلك يجب توسيع نطاق تطبيق هذه المساطر وتفعيل دور مراقبي الحسابات وإعادة النظر في القطاع غير المهيكل حماية لمبدأ التنافس المشروع، وإقرار آليات لمواصلة تنفيذ العقود الجارية تأخذ بعين الاعتبار الإكراهات الناتجة عن الجائحة وغيرها من الظروف الخارجة عن الإرادة.
وفضلا عن ذلك يجب إقرار ضمانات حقيقية للدائنين ورفع حالات التعارض والتناقض بين نصوص القانون الحالي التي لن تزيد الوضع إلا تفاقما، كما يتعين البحث عن آليات مالية لتمويل مساطر صعوبات المقاولة عبر إحداث صندوق معين يتم تمويله وفق صيغة تشاركية، دون أن ننسى بأن المتضرر الأكبر من هذه المساطر هم الأجراء باعتبارهم الحلقة الأضعف داخل النسيج الاقتصادي والاجتماعي مما يقتضي التفكير بجدية في حلول واقعية تراعي الجانب الاجتماعي مع إحداث جمعية للتأمين على ديون الأجراء في حالة عجز المقاولة عن أدائها وتخويل هذه الجمعية حق الرجوع على المقاولة بعد استرجاع أنفاسها، وبدون هذه النظرة الشمولية فمهما كانت نوعية الإصلاحات لن تؤدي إلى تحقيق رهانات نظام صعوبات المقاولة.
لكن وبعد قراءتنا لهذا المقترح لا يمكننا إلا أن نعبر عن امتعاضنا من التدابير والمقترحات التي جاء بها، فهي من جهة ناقصة وعقيمة وغير ذات جدوى ومن جهة أخرى غير واقعية ولا تلبي انتظارات المقاولات المغربية، لأنها لم تبلور الفلسفة العامة لنظام صعوبات المقاولة كنظام خاص ذو أبعاد قانونية واقتصادية، ولأجل ذلك سوف نناقش هذا المقترح بشكل محايد في أفق إيجاد أرضية مناسبة لإصلاح شامل يتجاوز ما هو تقني إلى ما هو اقتصادي من خلال إبداء الملاحظات التالية:
أولا: قصور النظرة حول أبعاد نظام صعوبات المقاولة
من أهم الملاحظات التي يثيرها مقترح القانون، إعادة النظر في معايير التوقف عن الدفع باعتماد نوع من المرونة، يبدو أن واضعي المقترح لم يفهموا طبيعة نظام صعوبات المقاولة كمصحة لتشخيص الصعوبات وعلاجها، فهو يعالج أمراض اقتصادية تصيب المقاولات على غرار الأمراض التي تصيب الإنسان، ونحن نعلم أن المرض بصفة عامة يحتاج إلى علاج مناسب له إن وصل إلى مرحلة لم تعد تنفع معها وسائل الوقاية والإنقاذ، لذلك فالمقترح عوض أن يضع الأصبع على مكمن الداء وطرق علاجه ذهب إلى البحث عن مسكنات لهذا الداء وهذا أمر غير مقبول، من جهة أخرى فإن اعتماد ذلك التصور سيعصف بأهم المفاهيم الأساسية التي استقر عليها التشريع والفقه والقضاء في معظم الدول حول مفهوم التوقف عن الدفع، كما أن هذا المقترح لم يضف شيئا لأن الأمر لا يحتاج إلى تعديل في هذه النقطة طالما أن نظام صعوبات المقاولة تبنى أدورا جديدة للقضاء التجاري وفي مقدمتها الدور الاقتصادي الذي يتيح له أخذ المبادرة للتدخل لمعالجة المقاولة وتكييف الصعوبات التي تمر منها، كما أن ربط التعديل بالصعوبات الناتجة عن تداعيات جائحة كرونا بدوره لم يكن موفقا لعدة اعتبارات من أهمها عدم التزامه بمعيار التوقع في القاعدة القانونية إلى جانب خاصية العمومية والتجريد وقدرة النص على احتواء أكبر عدد ممكن من الوقائع، لذلك كان من الأولى اعتماد عبارة شاملة تستوعب كافة الصعوبات الناتجة عن حالة القوة القاهرة والظروف الطارئة وغيرها من الحالات المشابهة وبهذا نكون قد ضمنا على الأقل استقرار وثبات القاعدة القانونية، بل أكثر من ذلك يبدو أن مقترح القانون يرمي إلى التعامل بنوع من المرونة مع المقاولات المتوقفة عن الدفع بتسهيل استفادتها من مسطرة الإنقاذ على اعتبار أن التوقف كان ناتجا عن ظروف خارجة عن إرادتها والحال أن هذا التصور يبقى محدود الأفق لأنه أخطأ من المنطلق فكانت النتيجة بدورها معلولة وغير مجدية، لأن المقترح لم يأخذ بعين الاعتبار المبادئ العامة للقانون والتي تجعل إخلال المقاولات بالتزاماتها قد يخفف أو يرفع عنها المسؤولية إما لأنها كانت تمر من قوة قاهرة أو أن هناك ظروفا طارئة جعلت تنفيذ تلك الالتزامات شيئا مرهقا وبالتالي فهناك حلول منظمة سلفا بموجب القانون تغني عما تضمنه المقترح من تدابير قد تعمق الوضع الاقتصادي للمقاولة أكثر مما تنقذه، وهذه الأوضاع بالتأكيد أثبتت الممارسة أن القضاء التجاري يفعلها ويأخذها دائما بعين الاعتبار من خلال النوازل التي سبق وأن عرضت عليه باعتباره قضاء اقتصاديا بالدرجة الأولى يتدخل للإنقاذ أكثر من الفصل في المنازعة بشكلها التقليدي.
ثانيا: محدودية الوسائل المقترحة لإنقاذ المقاولات
جاء المقترح ببعض الآليات التي يعتبرها واضعوه بأنها ستسهل إنقاذ المقاولات المتأثرة جراء جائحة كرونا، وهذه الحلول تتمثل في تمديد إمكانية فتح مسطرة الإنقاذ حتى للمقاولات المتوقفة عن الدفع إن كان هذا الأخير ناتجا بشكل مباشر عن جائحة كرونا، بعد تقديم قوائم تركيبية لآخر سنة مالية مؤشر عليها من طرف خبير محاسبي أو خبير معتمد تفيد أنها قبل الجائحة كانت في عافية، وتحديد مدة مخطط الإنقاذ في سنة إن كان قد تم باتفاق مع الدائنين، بالإضافة إلى وقف المتابعات الفردية ووقف الفوائد خلال مرحلة تنفيذ المخطط، مع إمكانية متابعة المدين بجريمة خيانة الأمانة إن ثبت تقديم الطلب بسوء نية.
إن التأمل في هذه التدابير المقترحة يوحي باحتمالين، إما أن واضعيه جاهلين لمقتضيات وفلسفة نظام صعوبات المقاولة التي تقوم على تشخيص المرض قبل اقتراح العلاج علما أن تقديم وصفة غير ملائمة للعلاج قد يؤدي إلى تفاقم المرض، وإما أنهم تقدموا بهذا المقترح لخدمة غايات وأهداف أو لخدمة مصالح معينة لا علاقة لها بإنقاذ المقاولة وهنا ستكون المصيبة الأكبر، فمن جهة المقاولات المتوقفة حتى وإن كان التوقف ناتجا عن جائحة كورونا حدد لها المشرع العلاج المناسب إن كانت وضعيتها غير مختلة بشكل لا رجعة فيه، وهو مسطرة التسوية القضائية باعتبارها المسطرة الأنسب والأفضل طالما أن الغاية من هذه المساطر بمجملها هي حماية النظام العام الاقتصادي وليس إرضاء جهة معينة حتى ولو على حساب الاعتبارات الاقتصادية، ومن جهة أخرى فإن الاجتهاد القضائي الذي استقر عليه القضاء التجاري استقر على الأخذ بعين الاعتبار للظروف التي حالت دون تنفيذ المدين لالتزاماته، ولذلك فلا ينبغي مجاراة الطرح الذي تبناه المقترح وإلا أصبحنا أمام مسطرة تسوية قضائية مكررة لن تزيد المشكل إلا تفاقما.
أما من حيث تحديد مدة تنفيذ المخطط في أجل سنة فهو بدوره يبقى من المستحيل أخذا بعين الاعتبار استحالة موافقة كافة الدائنين من جهة وكذلك صعوبة وتعقيد الإجراءات التي تتجاوز السنة من جهة أخرى، إضافة إلى ذلك تحدث المقترح عن إمكانية تمديد هذه المدة هذا بدوره يثير أكثر من إشكال حول المدة التي سيمدد لها هذا المخطط ومدى إمكانية الاحتجاج بها في مواجهة الدائنين المعارضين، وإذا أضفنا إلى ذلك ما جاء به المشروع من تدابير تتعلق بوقف المتابعات الفردية وإجراءات التنفيذ ووقف سريان الفوائد سنكون أمام أكبر مشكل يحد من فاعلية الإنقاذ إذ كيف سيتم إقناع الدائنين بدعم مخطط للإنقاذ يعرفون مسبقا حجم الموانع والجزاءات التي ستترتب عليه تجاههم وفضلا عن ذلك ما موقع كفلاء المدين من قاعدة وقف المتابعات الفردية ووقف سريان الفوائد كلها جوانب لم يجب عنها مقترح القانون مما يجعله يدور في حلقة مفرغة لا نعرف نتائجها .
أما فيما يخص وجوب تقديم الطلب بحسن نية تحت طائلة المتابعة بجريمة خيانة الأمانة فبدوره يعتريه نوع من الإبهام ويبقى غير مفهوم وغير مبرر، ففيما يخص الإبهام وعدم الانسجام فيتجلى في استعمال مصطلحات لا علاقة لها بموضوع الكتاب الخامس من قبيل " رب المقاولة " والحال أن المشرع يتحدث عن رئيس المقاولة، إلى جانب استعمال مصطلح " خيانة الأمانة " وهي أدوات غريبة عن مساطر صعوبات المقاولة، وفضلا عن ذلك فإن القانون الحالي يتضمن أدوات زجرية في الكتاب الخامس كافية لتحقيق الغاية تغني عن جريمة خيانة الأمانة، كما أن المقاربة الزجرية التي تبناها المقترح تبقى غير مفهومة إذ كيف يمكننا تشجيع رؤساء المقاولات على تقديم طلب فتح مسطرة الإنقاذ إن كان هناك تهديد زجري خطير يهدد رؤساء المقاولات حول إمكانية تعرضهم لجزاءات قاسية في كل لحظة وحين نتيجة سيف العقاب الذي أصبح مسلطا على رقابهم وفق مضامين مقترح القانون موضوع النقاش، وهذا يتنافى مع توجه المشرع في مجال الأعمال والاستثمار الذي أصبح ينحو في اتجاه التخفيف من دائرة العقاب الجنائي وتعويضه بجزاءات أخرى تنسجم مع حرية المبادرة وحماية الأنشطة الاقتصادية، ومن جهة أخرى على أي أساس يمكن المتابعة بخيانة الأمانة في ظل الغياب التام لشروطها في الوضع الذي نناقشه ناهيك أن هذه الجريمة لا تنسجم بتاتا مع أهداف نظام صعوبات المقاولة.
بناء على ذلك نختم بأن المقاولة تعتبر فضاء اقتصاديا واجتماعيا وأن كل مقاربة يجب أن تأخذ بعين الاعتبار الجانب القانوني والاقتصادي، أما المقاربة القانونية وحدها فتبقى غير كفيلة لمواجهة الأزمة، فمن جهة الظرفية الحالية التي نعيشها أبانت بكل وضوح أننا أصبحنا في حاجة إلى خلق آليات موازية لتفعيل مساطر الوقاية والإنقاذ، ولعل من أهم هذه الآليات خلق لجان وخلايا للرصد المبكر وللمصاحبة والمواكبة للمقاولات، سواء على المستوى المحلي أو على المستوى الجهوي أو على المستوى الوطني، وهذه اللجان يتعين التفكير في تنظيمها وفق تركيبة معينة تجمع كافة الجهات المتدخلة من إدارة الضرائب والجمارك وبنك المغرب والبنوك والمراكز الجهوية للاستثمار والمحاكم التجارية وغيرها من الجهات المؤهلة لمواكبة حياة المقاولة، وإلى جانب ذلك يجب توسيع نطاق تطبيق هذه المساطر وتفعيل دور مراقبي الحسابات وإعادة النظر في القطاع غير المهيكل حماية لمبدأ التنافس المشروع، وإقرار آليات لمواصلة تنفيذ العقود الجارية تأخذ بعين الاعتبار الإكراهات الناتجة عن الجائحة وغيرها من الظروف الخارجة عن الإرادة.
وفضلا عن ذلك يجب إقرار ضمانات حقيقية للدائنين ورفع حالات التعارض والتناقض بين نصوص القانون الحالي التي لن تزيد الوضع إلا تفاقما، كما يتعين البحث عن آليات مالية لتمويل مساطر صعوبات المقاولة عبر إحداث صندوق معين يتم تمويله وفق صيغة تشاركية، دون أن ننسى بأن المتضرر الأكبر من هذه المساطر هم الأجراء باعتبارهم الحلقة الأضعف داخل النسيج الاقتصادي والاجتماعي مما يقتضي التفكير بجدية في حلول واقعية تراعي الجانب الاجتماعي مع إحداث جمعية للتأمين على ديون الأجراء في حالة عجز المقاولة عن أدائها وتخويل هذه الجمعية حق الرجوع على المقاولة بعد استرجاع أنفاسها، وبدون هذه النظرة الشمولية فمهما كانت نوعية الإصلاحات لن تؤدي إلى تحقيق رهانات نظام صعوبات المقاولة.