مداخلة وسيط المملكة هذا اليوم خلال الجلسة الافتتاحية للقاء الدولي تحت شعار: "ضمان البعد التنموي لفعلية حقوق الإنسان في السياسات العمومية: أي دور للوسطاء والأمبودسمان؟ "
مداخلة الأستاذ محمد بنعليلو وسيط المملكة خلال الجلسة الافتتاحية لقاء دولي تحت شعار: "ضمان البعد التنموي لفعلية حقوق الإنسان في السياسات العمومية: أي دور للوسطاء والأمبودسمان؟ "
الرباط – الثلاثاء 28 فبراير 2023
بمقر أكاديمية المملكة المغربية
السيد مستشار صاحب الجلالة؛
السيد رئيس مجلس المستشارين؛
السيد رئيس محكمة النقض، الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية؛
السيد الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، رئيس النيابة العامة؛
السادة الوزراء؛
السادة رؤساء الهيئات الدستورية؛
السيد أمين السر الدائم لأكاديمية المملكة؛
السيد المدير العام لمجموعة بريد المغرب؛
السيد رئيس المعهد الدولي للأمبودسمان، أمبودسمان أستراليا الغربية؛
السيد رئيس جمعية وسطاء وأمبودسمان الدول أعضاء منظمة التعاون الإسلامي، الأمبودسمان الرئيسي لتركيا؛
السيد رئيس جمعية الأمبودسمان والوسطاء الفرانكفونيين، حامي المواطن بالكيبيك ؛
السيد الرئيس الفخري، الممثل الخاص للجنة البندقية بمجلس أوروبا؛
السيدات والسادة الوسطاء الأصدقاء والزملاء؛
السادة السفراء؛
حضرات السيدات والسادة الحضور الكريم؛
تغمرني سعادة بالغة، وينتابني شعور متفرد بالفخر، لاجتماع هذه الثلة المتميزةِ من الحضور الكريم، تلبيةً لدعوة مؤسسة وسيط المملكة قصد مشاركتها حفل تخليد الذكرى العشرين لإحداثها برعاية ملكية سامية؛
لذا، اسمحوا لي في مستهل هذه الكلمة الافتتاحية، أن أجدد الترحيب، باسمكم جميعا، بأصحاب السعادة والفضيلة السادة الوسطاءِ والأمبودسمان، وممثلي الشبكاتِ الدوليةِ والإقليمية للوساطة، وممثلي مختلفِ الهيآتِ الحاضرة بيننا، معربا لهم عن خالص الشكر وبالغ الامتنانِ عما عبروا عنه، بحضورهم، من إرادة صادقةٍ لمشاركتنا لحظةً متميزةً ذات رمزية خاصة في مسار مؤسستنا، وحدثاً سعيداً يوثق لمرحلةٍ تاريخية من حياتها، ويشهد على محطاتِ تطورها، ويجسد منعطفاً مهماً يوصل حاضرها بمستقبلها، في مغرب آمنَ بأن حماية الحقوق والحريات هي مدخلٌ أساسي لبناءٍ ديموقراطيٍ متين.
حضرات السيدات والسادة؛
إننا اليوم نحتفل بمرور عشرين سنة من حياة مؤسسةٍ ساهمت عبر حلولَ مبتكرةٍ في إرساء مقومات المفهومِ الجديد للسلطة، وواكبت التحولَ الذي شهدته تطلعاتُ وانتظاراتُ المواطنينَ في علاقاتهِمُ الارتفاقيةِ، نحتفل اليومَ، وقد وضعنا نصب أعيننا، أن نجعل من هذا المحفلِ الدوليِ الهامِ فرصةً سانحةً لتفاعل جدّي، ومساهمةٍ واعيةٍ، وحدثاً متميزاً، لتبادل الخبرات والمعارف والأفكار التي ستثري عملَنا وتساهمُ لا محالةَ في تطوير أدائِنا.
حضرات السيدات والسادة؛
إن "تخليد أيِ ذكرى"، يبقى عموما، موعداً متميزاً، ليس فقط في مظهرهِ الاحتفالي، ولا بما يرومُه من إرضاءٍ للذات المؤسساتية، ولا بما يساهم فيه من تقويةٍ للروابط المهنية وتعزيزِ قيم التعاون والتضامن بين المعنيينَ، وإنما أيضا لكونه لحظةَ توقفٍ وتفكيرٍ مفتاحيةٍ لاستحضار الذاكرةِ والإشادةِ بما تم تحقيقُه من إنجازاتٍ، وما تمت مواجهتُه من تحديات وإكراهات، وما أثير من رهانات.
لكل ذلك ولغيره كثير، فقد أبت مؤسسة وسيط المملكة، إلا أن تخلّد ذكرى مرور عشرين سنةً عن إحداثها، كموروثٍ عريقٍ استمد جذوره من "ولاية المظالم"، واستشرفَ متطلبات الملاءمة المعيارية في مجال الوساطة المؤسساتية، وجسد فعليةَ المساهمةِ في إرساء هذه المعايير على المستوى الدولي.
نعم حضراتِ السيدات والسادة، إننا نحتفل اليومَ بمؤسسة عريقةٍ في أصالتها، حداثيةٍ متجددةٍ في أهدافِها، أُحدثت في سياقٍ مطبوع بالعديد من الإصلاحات الكبرى التي باشرتها بلادُنا، ومعه نحتفل بما راكمته من مكتسباتٍ في سياقِ دعم مقومات الإدارة الرشيدةِ وإرساء دعائم الحكامةِ وتحقيق العدل والإنصاف على امتداد عقدينِ من الزمن؛ مؤسسةٌ، جعلتِ الولوجَ العادل والمنصفَ إلى الخدمة الارتفاقية لمختلفِ الفئاتِ الاجتماعيةِ هدفاً معلناً، وانبرت لتكون "صوتَ من لا صوتَ له" من أجل عدالةِ ارتفاقٍ عموميٍ، يضمن فعلية الحقوق في ظل نموذجٍ ارتفاقيٍ متجددٍ، عبر يقظةٍ استراتيجيةٍ أنتجت تدخلاتٍ هادفة وضامنةٍ لأمنٍ إداري مستدام.
نعم حضراتِ السيدات والسادة، إننا نجتمع اليومَ لنخلد جميعا ذكرى مرور عشرين سنةً على إحداث مؤسسةٍ ساهمت في دعم المكتسبِ الحقوقي والدفاع عنه وتحصينِه، بل وجعلِه مدخلا أساسيا للتنمية ولبنةً من لبنات البناء الديمقراطي.
بعد عقدين من الزمن، نأتي اليومَ حضراتِ السيدات والسادة، لنجدد التأكيد على تشبثنا القوي بقيم العدل والإنصاف، وعلى تمسكنا الثابت بالعزيمة والإصرار الراسخين على مواصلة عملِنا بمنطق التوقعية والاستشراف، ليس فقط من أجل المساهمة في نشر قيم التخليق والشفافية، في مواجهة مختلف تمثلات "هشاشة الارتفاق العمومي" وما تحدثه من تأثير على العلاقة بين المواطن والإدارة، لكن وأيضا من أجل إعطاء مدلولٍ آخرَ لتصورات العدالة والإنصاف الارتفاقيين، وسيادة القانون وتوطيد الحكم الرشيد، وذلك عبر ذكاءٍ مؤسساتيٍ يجسد القدرةَ على التكيف مع التحدياتِ المتغيرة لتحقيق الأهدافِ المرجوة من إحداث مؤسسة الوسيط في سياقٍ دستوري وتشريعي متقدم.
حضرات السيدات والسادة؛
مهما يكن مدى المسارِ التطوريِ الذي قطعته المؤسسة منذ إحداثِها في صيغة "ديوانِ المظالم"، وصولا إلى "مؤسسةِ الوسيط "، بفضل تجربة وحنكة من تعاقب على رئاستها قبلي، والذين كانوا مؤازَرين على الدوام بمساعدين أكفاءَ وملتزمين، ومهما يكن متفرداً وغنياً في مواكبته للتحولاتِ التي يعرفها باستمرار السياقُ العامُ الوطني والدولي، وفي إنصاته للتطلعات الاجتماعية، ومهما بلغ حجم المكاسب التي تم تحقيقها، فإن البروز الجليّ للوساطة المؤسساتية كوسيلةٍ متميزةٍ وبديلة لتسوية النزاعات، وبداية تَمثُّلِ عملية "ممارسة الحق في التظلم" لدى معظم الإدارات المتفاعلة، كوسيلةٍ داعمة لتجويد الأداء الإداري عوض اعتبارها عبئاً إضافياً على الإدارة ينضافُ إلى التوترات القائمة، يعتبرُ في ذاته تحولا منهجيا في تناول عدد من المواضيع والإشكاليات المتسمة بالتطور في سياقِ أهداف التنمية المستدامة.
وفي ختام كلمتي هاته، أود التأكيد على أن مؤسسة وسيطِ المملكة، وهي تستحضر بعمقٍ حرص جلالةَ الملك نصره الله على أن يجعل منها "ملاذا آمنا للذين يعتبرون أنفسهم ضحايا أيَ قرارٍ أو عملٍ مخالف للقانون، أو مشوبٍ بعدم الإنصاف، صادرٍ عن أيِ إدارةٍ أو هيئةٍ عهد إليها بممارسة صلاحيات السلطة العمومية"، وهي تستحضر ذلك، تبقى على وعي كامل بأن الدفاع عن الحقوق في إطار العلاقة بين الإدارة والمرتفق مسؤوليةٌ جماعيةٌ لا حد لها، ومسارٌ مليءٌ بالتحديات والرهانات المستمرة لمواجهة قضايا ملحّةٍ تستوجب بالضرورة الإبداعَ في التحليل، والذكاءَ الجماعي في إنتاج الحلول لتجاوز ترسباتٍ قد تطغى على علاقاتنا الارتفاقية المشروعة؛
وتَعتبر أن استشراف رحابةِ مستقبلها الحقوقي والحكاماتي، يعتمد بالضرورة أيضا على الخبرة المُرسملة، والحوار المستمر مع الإدارة، وما توفره علاقاتُ التعاون والشراكة من إمكانية العمل المشترك وتبادل المعارف والممارسات الفضلى، في انسجام مع ما أقرّته الأدوات والمعايير الدولية في المجال.
وحتى لا أطيل عليكمُ، حضراتِ السيدات والسادة، أدعوكم إلى تتبع مختلف الفقرات المبرمجة تخليدا لهذه الذكرى وبرنامجِها العلميِ. وأنا على يقينٍ من أن نقاشاتِكم اليومَ ستشكل خطوةً أخرى تترجم بشكل جلي رؤيتَنا وقناعاتِنا المشتركة، وستجسد نتاج جهدِنا وذكائِنا الجماعي الذي يستمد قوته من التواصل والتعاون والتبادل الدائمِ من أجل مستقبلٍ حقوقيٍ أفضل. متمنيا لكم متابعةً ممتعةً، ولضيوفِنا مقاماً طيباً في بلدهمُ الثاني أرضِ المملكة المغربية.
MarocDroit منصة مغرب القانون "الأصلية"