MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers



محاكمات نورمبرغ.... في ذكراها

     



محاكمات نورمبرغ....  في ذكراها
ذ محمد بوبوش:باحث جامعي في العلاقات الدولية،الرباط

تمر اليوم الذكرى الخامسة والستون لبدء ما تُعرف بمحاكمات نورمبرغ التي حاكم فيها المنتصرون في الحرب العالمية الثانية خصومهم النازيين. المحاكمة الأولى من نوعها في التاريخ شكّلت برأي المؤرخين نقطة البداية في عملية البحث عن هيئات عدالة عالمية وصولا إلى المحكمة الجنائية الدولية.
فعلى الرغم من إبرام العديد من معاهدات السلام بعد الحرب العالمية الأولى كمعاهدة فرساي عام 1919، إلا إنها لم تنجح في ترسيخ السلام على ركائز ثابتة ومتينة، ولم تستطع عصبة الأمم وقف التدهور الحاصل على المستوى الدولي والإخلال بالسلم العالمي، لذلك باتت التصريحات الصادرة من المسؤولين تشكل أساسا جديدا للمسؤولية عن الجرائم الدولية خاصة في وقت الحرب.
ففي 25 /تشرين الأول (أكتوبر)/1941 صرح الرئيس الأمريكي روزفلت " بان الإرهاب والترويع لا يمكن أن يجلب السلام إلى دول أوربا، انه لا يفعل شيئاً سوى بث الحقد الذي سيؤدي يوما ما إلى قصاص رهيب " وفي الوقت نفسه صرح رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل " بان الجزاء على الجرائم المرتكبة يعد من الآن من المقاصد الرئيسية للحرب".
وفي 13/1/1943 أكد تصريح سان جيمس بالاس والصادر عن تسع دول أوربية بان هذه الدول تضع من بين أهدافها ومقاصدها ضرورة توقيع العقاب من خلال قنوات عادلة ومنظمة على المجرمين و المسؤولين عن جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية سواء أمروا بها أو نفذوها أو ساهموا في ارتكابها.
وبمقتضى هذا التصريح فقد تم تشكيل لجنة خاصة للنظر في جرائم الحرب المرتكبة وتتكون هذه اللجنة من ( 17) دولة ممثلة بأعضاء عنها. وقد أطلق على هذه اللجنة ((لجنة الأمم ألمتحدة لجرائم الحرب )).
ومن ابرز التصريحات التي صدرت خلال هذه الفترة هو تصريح موسكو في30/ تشرين الأول عام 1943 الصادر عن الرؤساء (( روزفلت – تشرشل – ستالين )). فقد أرسى هذا التصريح قواعد أكثر تحديدا في مجال المسؤولية الجنائية الدولية ومحاكمة المجرمين بشكل حاسم، إذ بموجبه – أي التصريح- يجب أن تطال المحاكمة كل من ارتكب جريمة دولية أو جرائم ضد الإنسانية .
وبعد استسلام ألمانيا، ثم اليابان، اختلف الحلفاء فيما بينهم بشان مرتكبي الحرب، فكان رأي البعض منهم عدم الالتجاء إلى المحكمة والاكتفاء بإصدار قرار مشترك يقضي بان مجرمي الحرب يعتبرون خارجين عن القانون، بيد أن البعض الأخر قد ذهب مذهبا عكسيا تماما ينادي بوجوب إجراء محكمة عسكرية وعادلة، وهو الرأي الذي خلص إليه المجتمعون وتبناه مؤتمر لندن الذي كان منعقدا في تلك الأثناء، وتمخضت اجتماعاته عن عقد اتفاقية ((لندن )) الشهيرة في 8/8/1945 .
وبمقتضى هذه الاتفاقية التي تتكون من سبع مواد قانونية، فقد تم إنشاء محكمة عسكرية دولية عليا لمحاكمة مجرمي الحرب، والحق باتفاقية لندن السابقة نظام المحكمة العسكرية المسمى بنظام محكمة نورمبرغ .

وقد عقدت هذه المحكمة جلساتها في مدينة نورمبرغ الألمانية الجنوبية والتي كانت المركز الرئيسي للحزب النازي، وحكمت هذه المحكمة بالإعدام على عدد من القادة النازيين الألمان، أمثال المارشال هرمان، وفون وينشيروب، والفرد روزنبرغ، وغيرهم من القادة والزعماء الألمان الذين كانوا مسؤولين عن سلسلة من المذابح وأعمال القتل الجماعي .
وتُعد محاكمات نورنبيرغ من أشهر المحاكمات التي شهدها التاريخ المعاصر، وتناولت المحاكمات في فترتها الأولى، مجرمي حرب القيادة النازية بعد سقوط الرايخ الثالث، وفي الفترة الثانية، تمّت محاكمة الأطباء الذين أجروا التجارب الطبية على البشر. وعُقدت أول جلسة في 20 نوفمبر 1945 واستمرّت الجلسات حتّى 1 أكتوبر 1946. عقد الحلفاء جلسات المحاكمات العسكرية في قصر العدل لدى نورمبرغ في القاعة رقم 600. ولعل من أهم أسباب عقد الجلسات في القصر المذكور الدّمار الشامل الذي آلت إليه دُور المحاكم الألمانية جرّاء قصف الحلفاء الكثيف إبّان الحرب العالمية الثانية. تناولت المحاكمات بشكل عام مجرمي الحرب الذين ارتكبوا فظائع بحق الإنسانية في أوروبا، ومن بين الفظائع المرتكبة إنشاء معسكرات الاعتقال للمدنيين الأوروبيين والزج بالمدنيين في تلك المعتقلات التي اتسمت بأسوأ الظروف المعيشية. فلم يعبأ النازيون بسلامة المعتقلين ولا بتوفير أدنى سبل الراحة في تلك المعتقلات.
أما أهم المبادئ القانونية من أحكام هذه المحكمة، فهي ستة:
1) كل شخص يرتكب، أو يشترك في ارتكاب فعل يعد جريمة طبقا للقانون الدولي، يكون مسؤولا عنه ويستحق العقاب.
2) إذا كان القانون الوطني لا يعاقب على عمل يشكل جريمة حرب، فإن هذا لا يعفي ما ارتكبه من المسؤولية بحسب أحكام القانون الدولي.
3) إذا تصرف الشخص الذي ارتكب الجريمة بوصفة رئيسا للدولة، أو مسؤولا فيها، فان هذا لا يعفيه من المسؤولية طبقا للقانون الدولي.
4) إذا تصرف الفاعل بأمر من حكومته، أو من رئيسه الأعلى، فان هذا لا يخليه من مسؤوليته حسب أحكام القانون الدولي. ولكن من الممكن أن يساعده ذلك كأحد الظروف المخففة لصالحه حسب المادة الثامنة من شرعة المحكمة.
5) كل متهم بجريمة دولية له الحق بمحاكمة عادلة طبقا لأحكام القانون الدولي.
6) أن المبدأ الذي يقول "لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص" المطبق في القوانين الداخلية يمكن التجاوز عن تطبيقه في القانون الدولي.
هذه المبادئ تبنتها هيئة الأمم المتحدة بموجب قرارها الصادر عن جمعيتها العامة تحت رقم 95/أ/ تاريخ 11 كانون أول/ 1946م.
وإذا كانت محاكمة مجرمي الحرب الإسرائيليين اليوم تتعذر بسبب إصرار الولايات المتحدة على حمايتهم، فإنه من الحري بالمؤسسات القانونية ولجان حقوق الإنسان في الأقطار العربية والدول المختلفة أن ترفع صوتها للمناداة بضرورة إجراء المحاكمات المطلوبة وفقا للقانون والشرعية الدولية، وان تواصل نشاطاتها وفعالياتها لفضح الجرائم الإسرائيلية والمواقف الأمريكية المتسترة عليها، بغية فضح خطوات العرقلة الأمريكية، وإيجاد نوع من الضغط على إدارتها كي تتوقف عن وسائل عدائها للحقوق المشروعة للشعوب في تقرير المصير والحرية، وكي تتوقف عن إعاقتها الدائمة لتنفيذ قرارات الشرعية الدولية، وعن عدم احترامها لميثاق الأمم المتحدة التي تتسبب بتجميده وتحول دون تطبيقه والعمل به.
وعلى الرغم من فداحة الجرائم التي ارتكبتها الجيوش والقادة لدول الحلفاء، إلا انه لم تشكل أية محكمة لمحاكمة مجرمي الحرب الأمريكيين آو البريطانيين أو الفرنسيين عن الجرائم التي ارتكبوها سواء في ألمانيا أم في اليابان.
ولذلك وجهت إلى هاتين المحكمة إلى جانب محاكمات طوكيو العديد من الانتقادات، وكان من أبرزها هو مخالفتيهما لمبدأ احترام قانونية الجرائم والعقوبات إذ أن نظام هاتين المحكمتين قد جاء بقواعد قانونية لم تكن موجودة أو مقننة وقت ارتكاب الجرائم. ومما يؤخذ عليهما أيضا هو مخالفتهما لمبدأ عدم رجعية القوانين الجنائية مما يعد خرقا واضحا لقواعد القانون الدولي الجنائي المتعارف عليها لذلك نلاحظ بان هذه المحاكم قد جاءت بالشكل المرغوب به والمطلوب من الدول المنتصرة ضد الدول المنهزمة، فهي أرادت تحقيق رغبات الدول المنتصرة أولا، ثم بعد ذلك ينظر إلى الناحية الإنسانية والقانونية والدولية .
وهنا يلاحظ بان هاتين المحكمتين " قد ظلتا مطبوعتين بطابع مصدريهما ويغلب عليهما الطابع السياسي وعدم الحياد، وشكلتا بالأحرى تطبيقا لقانون المنتصر وعدالته أكثر منه تطبيقا لقانون مجتمع الأمم العالمي".
ولكن يلاحظ على الرغم من الانتقادات الموجهة لمحكمتي نورمبرغ وطوكيو . إلا إنهما اتخذتا أساسا لإنشاء قضاء جنائي دولي، إذ لا بد من الاعتراف لهذه المحاكمات إرساؤها مبدأ مسؤولية الأفراد الجنائية في القانون الدولي، بالإضافة إلى إلغائها مبدأ واجب الطاعة لأوامر الرؤساء عندما تكون هذه الأخيرة مخالفة لقواعد القانون الدولي.





الاثنين 22 نونبر 2010

تعليق جديد
Twitter