أصدرت مجلة براق الدولية للدراسات القانونية والاقتصادية، التي يشرف على إدارتها العلمية الدكتور يونس مليح، الأستاذ الباحث بجامعة مولاي إسماعيل – الكلية متعددة التخصصات بالرشيدية، عددا تحت عنوان:القانون كرافعة للتنمية المجالية: نحو عدالة ترابية مستدامة في أفق مونديال 2030"
جاء هذا العدد مساهمة علمية وطنية في النقاش الراهن حول سبل تعبئة الإمكانيات القانونية والمؤسساتية لمواكبة ورش التحضير لاحتضان المغرب لنهائيات كأس العالم 2030، في إطار الشراكة الثلاثية مع إسبانيا والبرتغال. ويعكس هذا الإصدار وعيا أكاديميا متقدما بأهمية إعادة هندسة العلاقة بين الدولة والمجال في ضوء رهانات التنمية المجالية، والعدالة الترابية، والجاذبية الاستثمارية.
ويمثل هذا العدد مساهمة فكرية وأكاديمية نوعية، تقارب التحولات القانونية والاقتصادية والمؤسساتية التي تفرضها رهانات هذا الحدث العالمي، من خلال التركيز على دور القانون، والتهيئة، والعقار، والرياضة، والتعاقد الترابي، والحكامة، والاستثمار في دعم مسار العدالة المجالية والتنمية المستدامة.
تناول المحور الأول من هذا العدد موضوع التهيئة العمرانية كشرط أولي لتأمين سلامة النظام العام في المدن المغربية، خاصة في ظل الطلب المرتفع المتوقع على الفضاءات الحضرية خلال فترة المونديال. وفي هذا الإطار، أبرزت الأستاذة مليكة بوعويد كيف أن التهيئة ليست مجرد تقنية هندسية بل أداة لضبط التوازن بين الأمن العام وتحقيق التنمية.
أما الدكتور وحموا طارق فقد سلط الضوء على التعمير المستدام كشرط مركزي لضمان استمرارية المشاريع ما بعد المونديال، بينما ناقشت الدكتورة سناء نجاح التحديات العملية المرتبطة بـ صفقات البنيات التحتية الرياضية، معتبرة أن غياب رؤية شمولية قد يعرقل فرص تحقيق الأثر التنموي المرجو من هذه المشاريع.
في المحور الثاني، تركز النقاش حول الرافعات الاقتصادية المرتبطة بالمجال. فقد بين الدكتور عادل المعروفي الأهمية الاستراتيجية للعقار ليس فقط كوعاء للاستثمار، بل كعنصر تعبوي حاسم لإنجاح مشاريع المونديال، في حين قدم الأستاذ عز الدين الغوساني قراءة دقيقة لدور الجهات في استقطاب الاستثمار الوطني والأجنبي، وتحديد معيقات ذلك على مستوى الحكامة الجهوية.
واستكمالًا لهذا المحور، ناقش الأستاذ عبد الحكيم الحسناوي أدوات التعاقد الترابي بين الدولة والجهة، كآلية مؤسساتية تمكن من تحويل المشاريع الكبرى إلى التزامات فعلية، تربط التمويل بالتنمية على أساس معايير الأداء.
أما المحور الثالث فقد عالج البعد المؤسساتي، حيث ناقش الدكتور محمد بن حدو مسألة الحكامة الترابية كإطار تنظيمي لنجاعة السياسات العمومية، مسلطًا الضوء على ضرورة دمج المقاربات التشاركية والشفافية في مسارات اتخاذ القرار.
في السياق ذاته، تناولت الدكتورة حكيمة ماهير إشكالية العدالة المجالية بوصفها تحديًا بنيويًا، مشيرة إلى أن الاستعداد لكأس العالم يجب أن يرافقه جهد حقيقي لسد الفجوات المجالية، وتوجيه الاستثمار نحو الأقاليم المهمشة. وقدم الدكتور عزيز قسومي مساهمة نقدية بشأن الصفقات العمومية، محذرًا من مخاطر تحويلها إلى أدوات للريع بدل أن تكون رافعة تنموية.
في المحور الرابع، ناقش الدكتور محمد الأيوبي الدور المحوري لـ وكالات الأسفار والسياحة في تنظيم وتوجيه حركة الزوار، مؤكداً على أهمية الإطار القانوني المنظم لهذه الوكالات في ظل الضغط المتوقع على الخدمات السياحية خلال المونديال.
كما قدمت الأستاذة ميسون عيسى والدكتور ضرار بركات رؤية ثقافية حول دور الرياضة في دعم التنوع الثقافي وتعزيز الانتماء الوطني من خلال التربية والدعم المالي. واختتمت الدكتورة ليلى الإدريسي العزوزي المحور بتقديم قراءة مقارنة لتجربة قطر في تنظيم كأس العالم، مركزّة على التوازن بين الالتزامات الدولية ومتطلبات السيادة الوطنية، كمثال يجب قراءته بتمعن مغربي.
يأتي هذا الإصدار في وقت حاسم، حيث يعيش المغرب دينامية مؤسساتية وتنموية غير مسبوقة استعدادا لهذا الحدث الكروي العالمي، مما يفرض إعادة التفكير في أدوات التدبير الترابي، وسبل ملاءمة الإطار القانوني مع تحديات التنمية المتوازنة والمستدامة، وهو ما سعى هذا العدد لتناوله من خلال مقاربات تحليلية مقارنة، واستشرافية.
كما يبرز العدد تفاعل الباحثين مع الأوراش الكبرى التي أطلقها المغرب في مجالات الاستثمار، العقار، الرياضة، والبنيات التحتية، والتي لا يمكن أن تنجح دون أرضية قانونية وتنظيمية واضحة وفعالة، تعزز ثقة المواطن والمستثمر في المؤسسات، وتكرس العدالة المجالية بمفهومها الشامل.
وفي ظل رسالتها العلمية المتواصلة، تدعو هيئة تحرير مجلة براق الدولية الباحثين في حقول القانون والاقتصاد والاجتماع إلى المساهمة بأعمالهم في الأعداد المقبلة، في أفق ترسيخ تقاليد أكاديمية جادة، وربط البحث العلمي بإكراهات الواقع وتحولاته.