مقدمة
عند الحديث عن تفريد الجزاء تتبادر الى ذهننا معادلة معقدة، معادلة بثلاث متغيرات غير ثابتة الجريمة و المجرم و العقوبة و تعتبر العقوبة المجهول الصعب داخل هذه المعادلة.و أول سؤال يمكن طرحه هو على أي أساس تقوم العقوبة؟
هل انطلاقا من الضوابط المحيطة بالجريمة أم انطلاقا من الضوابط الموضوعية و الذاتية المحيطة بالمجرم؟ و إذا اتبعنا الحل الأول فهل يمكن تحديد عقوبة ثابتة لكل جريمة؟أم وضع عقوبة ذات حدين حد أقسى وحد أدنى أم يتم بالإضافة إلى ذلك وضع عقوبة تخييرية لكل جريمة؟
و إذا اتبعنا الحل الثاني من يا ترى سيعمل على تحديد الضوابط المحيطة بالمجرم؟ و على افتراض أن المجرم يكون مجهول قبل ارتكاب الجريمة هل المشرع قادر على تحديد هذه الضوابط بكل دقة ولو قبل ارتكاب الجريمة أم يجب ترك الأمر لسلطة القاضي التقديرية؟ و إذا كان الأمر كذلك فهل هذا لا يتناقض مع مبدأ شرعية العقاب و مبدأ المساواة بين مرتكبي نفس الفعل ,و يمكن أن نضيف عدد لا متناهي من الأسئلة و هي كلها تساؤلات تبقى معقدة لأنها تدور في فلك متغيرات مجهولة ,المجرم والجريمة.ومن أجل تجنب السرد اللامتناهي من الأسئلة يمكن اختزال ذلك في سؤال واحد كيف يتم تفريد العقوبة المفروضة على شخص أرتكب فعلا تجرمه القوانين هل يجب التركيز على الجريمة أم على المجرم؟ وهل يتم التركيز على التفريد القانوني أم القضائي أم يجب ترك الأمر للسلطة الإدارية لتقوم بتفريد الجزاء ؟
وكل هده التساؤلات لم تطرح و تكتمل معالمها بشكل ملحوظ إلا انطلاقا من مرحلة العهد العلمي أو عهد الدراسة الفلسفية للظاهرة الإجرامية انطلاقا من منتصف القرن 18 . أما في ما سبق لم يكن الحديث عن أهداف العقوبة و مقاييسها لان تطبيق العقوبة على مرتكب الجريمة كان أمر طبيعي يستوجبه العدل وتفرضه ضرورة التأكيد على رفض المجتمع للتصرف الإجرامي حيث كانت العقوبة جواب حتمي للجريمة . و يمكن التميز هنا بين عصر الانتقام الفردي ، وعصر الردع والتكفير ، وعصر الرحمة الإنسانية .إلا أن هذه المواقف لم تصمد أمام هجمات العقلانية العلمية للجريمة حيث انتصرت على كل التصرفات المجتمعية التقليدية و هكذا و بعد مسلسل من التصورات و الأبحاث التي توصلت إليها مختلف المدارس العلمية أصبح المجرم قبلة لنظريات و أفكار جل الفقهاء الذين سارعوا إلى البحث عن أنجع وسيلة لجعل العقوبة ملائمة لشخصيته حيث لم يعد ينتظر إليه كمذنب يجب معاقبته وإنما كمريض يجب تخليصه من مرضه .وهدا ما يعبر عنه بتفريد الجزاء .
وهكذا يكون مبدأ تفريد الجزاء قد احدث ثورة في الفقه الجنائي قلبت مفاهيمه و حولت تركيزه من الجريمة إلى المجرم . حيث لم يعد يوجد نضام جنائي يشكك ألان في مبدأ تفريد الجزاء في نجاعته و نفعيته و وضعه على رأس جدول أعمال أهداف العقوبة و أسباب تبريرها حيث أصبحت كل عقوبة مركزة على أهداف إصلاح الجاني و كل عقوبات لا تحترم هذه المصلحة فهي مرفوضة من حيث المبدأ هذه هي الحقيقة الواضحة التي أصبحت تغدي الأنظمة الجنائية المعاصرة و تحدد دورها وتبرر الحاجة إليها
و من هذا المنطلق جاءت معالجتنا لهذا الموضوع حيث سنحاول التطرق في البحث الأول إلى دراسة نظرية حول مبدأ تفريد الجزاء انطلاقا من موقف مختلف المدارس الجنائية قبل أن نتطرق في المبحث الثاني إلى تطبيق مبدأ تفريد الجزاء على ضوء التشريع المغربي ودلك وفق التقسيم التالي
المبحث الأول: موقف المدارس الجنائية من تفريد الجزاء دراسة نظرية
المبحث الثاني: أنواع تفريد الجزاء دراسة عملية على ضوء التشريع المغربي
المبحث الأول : موقف المدارس الجنائية -دراسة نظرية لمبدأ تفريد الجزاء-
بين سالي بشكل مقنع أن مقياس العقوبة من أقدم القضايا التي طرحها رد الفعل المجتمعي ضد الاعتداء أو الخطيئة أو الجريمة و أن الإنسانية طبقت فكرة التفريد و لو في إطار الإشكال ما قبل القانونية للعقاب .و لكننا سنقتصر في هذا المبحث على التطرق إلى المدارس الجنائية التي ظهرت إبان التطور العلمي للعقاب لأن مبدأ التفريد لم يتم الإلمام به بشكل عقلاني إلا في إطار عقلنة العقوبة و إخضاعها للمنطق السليم.
و هده المدارس منها من ركزت اهتمامها على تفريد الجزاء من الجانب القانوني ويتعلق الأمر بالمدرسة التقليدية ومنها من ركزت اهتمامها على الجانب المتعلق بإصلاح الجاني أي منح الصلاحية للسلطة الإدارية لتفريد الجزاء وفق الخطورة الإجرامية للجاني ويتعلق الأمر بالمدرسة الوضعية.
وبالإضافة إلى المدرسة التقليدية والوضعية هناك مدارس حاولت التوفيق بين في تفريد الجزاء بين الجانب القانوني والقضائي والإداري ويتعلق الأمر بالمدرسة التقليدية الحديثة ومدرسة الدفاع الاجتماعي، ويقتضي منا تناول هدا المبحث تصنيف مواقف هذه المدارس ضمن نموذج متطرف تمثله كل من المدرسة التقليدية و المدرسة الوضعية (المطلب الأول) و منهج معتدل تمثله المدرسة التقليدية الحديثة و مدرسة الدفاع الاجتماعي. (المطلب الثاني)
المطلب الأول: النموذج المتطرف
سنتناول في هذا المطلب كل من المدرسة التقليدية (الفقرة الأولى ) والمدرسة الوضعية (الفقرة الثانية )
الفقرة الأولى: المدرسة التقليدية
جاءت المدرسة التقليدية بمجموعة من المبادئ الأساسية التي قدمتها بخصوص مقياس العقوبة وسنحاول التطرق في هذه الفقرة إلى معظم هذه المبادئ .
لقد ظهرت المدرسة التقليدية في إطار المطالبة بالقطيعة مع النظام الجنائي الذي كان سائد في أوربا و الذي تميز بالتعسف و لقد نظر إليها كل من الإيطالي بيكار يا و الانجليزي بنتهام و الألماني فيورباج و قد تمثلت أهدافها الرئيسية حول ضرورة إعادة النضر في العقوبات و فرض إصلاحات عليها وذلك انطلاقا من فكرتين رئيسيتين:
الفكرة الأولى تنطلق من سلطة الدولة في العقاب و تأسيسها على العقد الاجتماعي و تنفيذ ممارستها بضرورة تحقيق المساواة بين المواطنين، و هذا لا يتحقق إلا بإخضاع العقوبات للقانون، أي مبدأ الشرعية و تحديدها بطريقة موضوعية دون الاهتمام بالحالات الخاصة لكل نازلة أو بالظروف الذاتية للجاني .
ولذلك نجد رمز العدالة الجنائية عند إتباع هذه المدرسة عبارة عن امرأة تضع على عينها عصابة سوداء وفي أحد يديها ميزانا و في الأخرى سيفا ، فتبدو و كأنها تزن الجريمة في الميزان تعاقب عليها طبقا لدرجة جسامتها دون أن تأخذ بعين الاعتبار شخصية الجاني.
أما الفكرة الثانية فتتعلق بافتراض الحرية المطلقة لدى الإنسان شريطة أن يكون كامل الإدراك و التمييز و اعتبار هذه الحرية واحدة بالنسبة لجميع الأشخاص و بالنسبة لجميع التصرفات و الأفعال .
فهي إذن تفترض وجود الحرية عند كل مواطن بنفس القدر و بتأسيس المسؤولية الجنائية على هذه الحرية المفترضة، و لا يتحقق ذلك في إطار هذه المدرسة إلا إذا قام المشرع بتحديد مختلف الجرائم و تقدير مختلف العقوبات المقررة لما مسبقا، و التي ينبغي أن لا تتفاوت بين الحد الأدنى و الأقصى . و معنى ذلك رفض الاعتراف بإمكانية وضع حد أدنى و أقصى للعقوبة عند الجريمة الواحدة و نزع كل سلطة تقديرية للقاضي عند تطبيق العقاب، أي منعه من تفريد العقاب أو تشخيصه حسب ظروف الجاني الشخصية.
و خلاصة القول فإن تطبيق العقوبة على الجاني يهدف أساسا عند مؤيدي هذه المدرسة تقوية الثقة بالنظام الجنائي حيث لا تؤخذ بعين الاعتبار مصلحة الجاني و أحاسيسه و مشاعره.
حيث يقول بيكاريا في هذا الصدد أن هدف وموضوع العقوبة يتجلى في منع الجاني من الإساءة مجددا للمجتمع، وحث معاصريه على تجنب ارتكاب جرائم مماثلة لكن دون اللجوء إلى الوحشية . والأمر يتعلق هنا بوسائل العقوبة دون الاهتمام بغاياتها. و من هنا يتبين بأن هذه المدرسة جاءت لمناهضة و سائل التعذيب التي كانت قائمة في السابق، حيث قامت بوضع قاعدة التجريم والعقاب، لكنها ركزت اهتماماتها فقط على الجريمة دون المجرم. و لقد طبقت افكار هذه المدرسة بحذافيرها في مدونة 1791 الفرنسية التي عملت بنظام العقوبات المحددة . لكن عوض هذا القانون بالقانون الصادر سنة 1810 الذي تنازل عن العقوبات المحددة. لكن رغم ذلك فتأثير المدرسة التقليدية عليه لم يضعف . ففكرة المسؤولية ظلت على ما كانت عليه في المدرسة الأولى و لم يعتبر الجاني إلا كواقع مجرد و الجريمة شر يستوجب مواجهته بالشكل الذي يحدده القانون دون مراعاة الألم الفعلي الذي سيعانيه الجاني.
إن أهم شيء بالنسبة لقانون نابليون هو التناسب بين الضرر المترتب عن الجريمة و بين الألم المفروض على الجاني و الذي يبقى على حاله مهما كانت الظروف الذاتية و الموضوعية التي ارتكبت فيها الجريمة.
إلا آن هذه النظرة المجردة للجريمة بعيدا عن ذاتية الجاني لم تصمد طويلا أمام الواقع وذلك لسببين:
السبب الأول فيعود إلى كون المساواة المجردة التي يتوخى القانون تحقيقها تقضي عند التطبيق إلى عدم المساواة حيث يتم إخضاع الجناة الذين ارتكبوا نفس الفعل إلى نفس العقوبة و هذا فيه مساس بالإحساس العام للعدل بدل تحقيق المساواة .
أما السبب الثاني فيرتبط بتصور الحرية عند هذه المدرسة الفكرية، حيث أن افتراض الحرية و اعتبارها متساوية عند كل الأشخاص و عند نفس الشخص بالنسبة لجميع تصرفاته تصور مرفوض، لأن الواقع يثبت وجود حالات تفتقد فيها حرية الاختيار و تنعدم فيها حرية التقدير . ومن الغير المنطقي أن تنطبق نفس العقوبة على شخص يرتكب جريمة قتل بدافع السرقة و شخص يرتكب جريمة قتل ضد زوجته نتيجة انتفاعا ته العاطفية و النفسية جراء مفاجئته لزوجته و هي متلبسة بجريمة الخيانة الزوجية. و الجريمة هنا تكون ناتجة عن خطأ الضحية و ليس خطأ الجاني و عليه يجب تمتيعه بظروف التخفيف و عدم مساواته بالشخص الذي يقتل بدافع السرقة.
و انطلاقا من هذه الأسباب ظهرت المدرسة التقليدية الحديثة التي عملت على وضع حد أدنى و أقصى للعقوبة، مراعيتا في ذلك مصلحة الجاني و الظروف المادية للجريمة.
لكن قبل أن نتطرق إلى هذه المدرسة التي تدخل مبادئها ضمن النموذج المتزن سنتطرق الآن إلى مدرسة وصفت مبادئها هي الأخرى بالمتطرفة .
الفقرة الثانية : المدرسة الوضعية
يتركز الحديث هنا عن المدرسة الوضعية و التي تميزت أساسا بمعارضتها المطلقة للمدرسة التقليدية و لا سيما لأفكارها المتعلقة بالمسؤولية و أساسها، حيث طرحت فكرة الحرية و المسؤولية التي تترتب عليها جانبا و استعاضت عنها بفكرة الجبرية . ولقد انطلقت هذه المدرسة من إيطاليا بزعامة الإيطالي المشهور لامبروزو، حيث انتقل بفضل فلسفته من الاهتمام بالجريمة إلى التركيز على المجرم .و قد ساهم في هذه المدرسة كل من جارو فارو و انريكو فيري ، حيث تناولت نظرياتهم ضرورة البحث عن أسباب الجريمة في ذات المجرم، رغم اختلافهم في هذا الأمر، حيث اهتم لومبروزو بالمجرم نفسه ظروفه البيولوجية والوراثية والنفسية وليس بعامل الوسط الاجتماعي . أما بالنسبة لأنر يكو فيري فهو يرجع أسباب الجريمة ليس إلى المجرم فقط بل إلى مجموعة من العوامل فهو يعتبر المجرم يعود سبب نشاطه الإجرامي إلى تفاعل مجموعة من العوامل المتحدة وهذا ما جعله يقوم على تصنيف المجرمين إلى مجموعة من الأصناف وهم :
المجرم بالصدفة وهو شخص يندفع إلى الجريمة تحت ضغط ظروف غير متوقعة يتعرض فيها لفقدان الجانب الإرادي .
المجرم المعتاد وهو خلافا لنظرية لومبروزو ليس مجرما بالولادة ولا مجرما بالوراثة ولكن سبب إجرامه يعود إلى الظروف الاجتماعية وكثافة الضغوط التي تمارس عليه وعدم قدرته على التكيف مع هده الظروف بسبب ضعف إرادته وأخلاقه.
المجرم المجنون وهو الذي يرتكب السلوك الإجرامي تحت ضغط الخلل العضوي.
المجرم بالعاطفة وهو الذي يرتكب الجريمة بسبب عامل العاطفة أو العامل النفسي كالحب والغضب والغيرة، مثلا قتل الزوج لزوجته حالة الخيانة الزوجية التي ينتج عنها إضعاف كافة قدراته العقلية والنفسية على السيطرة على نفسه.
ومن أهم العوامل التي تؤدي إلى ارتكاب الجريمة حسب فيري، هناك العوامل الاقتصادية والاجتماعية التي تشكل ما يطلق عليه زراعة وتربية الإجرام . بالإضافة إلى عوامل لصيقة بشخص المجرم، وهي عوامل قام بتصنيفها فيري إلى ثلاثة مستويات:
عوامل لها علاقة بالتكوين العضوي للمجرم وعوامل لها علاقة بالتكوين الفسيولوجي وعوامل ترتبط بالخصائص الشخصية للمجرم كالجنس والسن ...، وهناك أخيرا العوامل الجغرافية كالطقس والمناخ . وإذا ما توفرت هذه الظروف بالنسبة للشخص فانه من الحتمي أن يسقط في هاوية ارتكاب الجريمة.
وانطلاقا من هذه العوامل كانت النتيجة مناقشة أسباب الجريمة مناقشة تدور في فلك هذا الاتجاه الجديد، بحث واقعة الميلاد الجنون العادة الصدفة والعاطفة.
والمجرم في كل الحالات حسب أفكار هده المدرسة الوضعية مسير وليس مخير ومن هنا تنتهي مسائلته خلقيا ومحاولة إنقاذه بكافة الوسائل الوقائية . ويمكن القول بأن هذا الاتجاه لا يبتعد كثيرا عن جوهر المعنى الذي نادى به الفيلسوف أفلاطون حيث قال "ان إرادة المذنب لا دخل لها في الظلم حيث إن الرذيلة صنيعة الجهل تتبدد بنور المعرفة وغاية العقوبة هي الإصلاح وعلاج المجرم كعلاج الأمراض النفسية اذ المجرم غير مخير فيما يرتكبه فجزائه من تم يكون التهذيب" .والعقوبة في فلسفة أفلاطون على وجه خاض لا تلتفت إلى الماضي بل تتجه إلى المستقبل ولها غايات ثلاثة جبر ما حدث من ضرر واصطلاح من هو قابل للإصلاح و إقصاء من لا يرجى له الشفاء . والمقصود بمعنى الاتجاه إلى المستقبل تركيز البحث على شخص المجرم وضرورة إصلاحه أي الاهتمام بنفسية المجرم تربيته ظروفه وعوامل البيئة ومسؤولية المجتمع، المهم الانتقال من موضوعية العقوبة إلى شخصية الإثم .
وانطلاقا مما سبق يتبين بوضوح أن المدرسة الوضعية اعتبرت الجريمة ظاهرة ثانوية ما دامت ترتكب تحت تأثير عناصر ذاتية وموضوعية يستحيل مقاومتها ومواجهتها من طرف الجاني ولقد أسست هذا الاقتراح انطلاقا من فكرتين أساسيتين:
الفكرة الأولى: نفي الحرية عن الجاني حيث إذ كانت المدرسة التقليدية اعتبرت حرية الفرد مطلقة فانه على العكس من دلك فالمدرسة الوضعية تنفي هذه الحرية وبالتالي لا يمكن مع غياب هده الحرية عقوبة الجاني بل يجب خلق تدبير إصلاحي يتوخى منه عدم تكرار الجريمة مستقبلا.
الفكرة الثانية: اعتبار المجرم أهم من الجريمة لأنه يهدد المجتمع ويملك بداخله قوة وغرائز تدفعه لارتكاب الجرائم . لا يمكن إذن للمجتمع آن يواجه الجريمة ويقضي على أثارها إلا إذا نضر إلى المستقبل واهتم بالأسباب الذاتية والشخصية التي تحتم على الفرد ارتكاب الجريمة, وكلما تعذر القضاء على هذه الأسباب وجب القضاء على الجاني نفسه حتى يتحقق الهدف المتوخى. فعند أنصار هذه المدرسة فالجريمة هي نتيجة عوامل متنوعة تختلف باختلاف الظروف المحيطة بالجاني ولا علاقة لها بحرية الأخيار، وإنما هي نتيجة لا بد من تحققها إن هي توفرت هذه الظروف والتي تكون إما شخصية ترجع إلى التكوين الطبيعي والخلقي والوراثي للفرد أو اجتماعية ترجع إلى الوسط الاجتماعي المحيط بالفرد وعليه فالعقوبة يجب أن تكون عبارة عن تدابير وقائية.
وانطلاقا من هنا يظهر الخلاف جليا بين المدرسة التقليدية والمدرسة الحديثة. فإذا كانت المدرسة التقليدية ترفض كل علاقة مع الجاني فإن المدرسة الحديثة ترفض كل علاقة مع الجريمة، وفي ضل هدا النموذج فان تفريد العقاب ينطلق من تصنيف المجرمين إلى صنفين صنف قابل للإصلاح والعقوبة المناسبة لهم هي عبارة عن مجموعة من التدابير الوقائية، وصنف غير قابل للإصلاح وهؤلاء يجب إقصائهم من المجتمع وذلك دون الأخذ بعين الاعتبار لا الجريمة ولا المسؤولية .
ومن هنا لا يجادل أحد في كون المدرسة الوضعية أثارت جوانب مهمة في عملية تفريد الجزاء وأحلت المقياس المؤسس على طبيعة الجاني محل المقياس المعتمد على الجريمة والمسؤولية، كما يرجع إليها الفضل في التركيز على العلاقة بين ذاتية المجرم وتحديد العقوبة، كما تغيرت في ضلها النضرة للقاضي من مجرد آلة لتوزيع العقوبات إلى عنصر فعال في تطبيق السياسة العقابية والوقائية.
لكن قيامها بالتفريد انطلاقا من الاعتماد على ظروف الجاني فيه إخلال تام بالدور الذي يفرضه مبدأ الشرعية الذي يعتبر الركن الأساسي التي تقوم عليه حماية الحرية والحقوق.
وفي الأخير ما يمكن استنتاجه انطلاقا من دراستنا للمدرسة التقليدية والوضعية هو أن هذه المدارس تميزت بالتجريد المفرط والمتطرف وهدا ما أدى إلى ظهور الحاجة إلى مدارس متزنة ويتعلق الأمر هنا بالمدرسة التقليدية الحديثة ومدرسة الدفاع الاجتماعي.
المطلب الثاني: النماذج المتزنة
سنتناول في هذا المطلب المدرسة التقليدية الحديثة ( الفقرة الأولى) قبل أن نتناول مدرسة الدفاع الاجتماعي (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: المدرسة التقليدية الحديثة
إذا كانت المدرسة التقليدية اهتمت بالضر وف المادية المحيطة بالجريمة والمدرسة الوضعية ركزت اهتماماتها على المجرم فان المدرسة الحديثة حاولت التوفيق بين المدرستين وجاءت بنظرية متكاملة ومتزنة حيث حضت أفكارها باهتمام كبير من طرف مختلف التشريعات واخص بالذكر هنا المشرع المغربي الذي أخد بمبادئ هذه المدرسة في ما يخص المسؤولية الجنائية الجنائية وتفريد الجزاء.
ويعتبر سالي المؤسس الفعلي للمدرسة الحديثة وأحد المجددين للمدرسة التقليدية حيث أصدر كتاب تحت عنوان تفريد العقوبة سنة 1898 ، وسط مناخ عرفت فيه الدراسات الجنائية تطورا بالغ الأهمية، ومن أهم ما جاءت به هذه المدرسة هو إقامة نوع من التوازن بين الحرية والجبرية .حيث أقرت أن حرية الاختيار هي أساس المسؤولية الجنائية لكنها لا تقول بان هذه الحرية مطلقة ولا متساوية عند جميع الأفراد, وهدا ما أدى بأنصارها إلى ضرورة تقدير حدين للعقوبة حدا أعلى وحد أدنى والدفاع عن مبدأ تفريد الجزاء لتمكين القاضي من تمتيع الجاني بظروف التخفيف حسب ما يراه من تفاوت في حرية الاختيار بين الجناة في ظروف كل نازلة .
ولقد حاول سالي تحديد ثلاثة وسائل لتفريد الجزاء ، وسنحاول التطرق إلى كل واحد منهما.
الوسيلة الأولى قانونية: وهي التي يحدد فيها ثمن الجريمة الأسمى والإجمالي. ويعتبر سالي بأن هذا الإتجاه مرفوض لغياب العلاقة المباشرة بين المشرع والأفراد . حيث لا يمكن للمشرع أن يعير أدنى اهتمام للأفراد لأنه لا يعرفهم . ويعتبر بان الأمر هنا لا يتعلق بالتفريد ولكن يقتصر على رسم الخطوط العريضة والإطار الذي يمكن أن يمارس داخله التفريد الفعلي .
الوسيلة الثانية قضائية: تعني ترك السلطة للقاضي لتفريد الجزاء . والسؤال المطروح هنا هل القاضي قادر على القيام بواجبه دون السقوط في التناقض مع مبدأ الشرعية؟ يعتقد سالي في هدا الخصوص بان القاضي هو السلطة الوحيدة التي تتعامل مع الجاني مباشرة ويستطيع معرفة شخصيته عن قرب . اما من حيث الأساس الذي يقوم عليه القاضي لتفريد الجزاء فيطرح سالي التقسيم الثلاثي للمجرمين.
مجرمين دون إجرام خاص ويتعين التعامل معهم على أساس الاكتفاء بعقوبات وتدابير تحقق الردع، ومجرمين بإجرام ظاهر ينبغي تطبيق في حقهم عقوبات تفتح المجال للإصلاح والتهذيب، ومجرمين بإجرام عميق يتطلب إجرامهم تطبيق عقوبات صارمة .
الوسيلة الثالثة إدارية: تنطلق من فكرة أساسية وهي أن التفريد القضائي ليس إلا كشفا وتصنيفا يعتمد على الواقع لكن عندما يتعلق الأمر بالعلاج فان هدا التفريد لا يكفي اذ لا بد من تطبيق الدواء وهي عملية لا يمكن أن تقوم على المساواة بين المحكوم عليهم ولا على احترام مبالغ فيه للحكم القضائي . حيث ينبغي أن يفسح المجال أمام إدارة السجون ويعترف لها بسلطات واسعة تمكنها من الحرص على ملائمة العقوبة والتطور الملاحظ على الجاني وتفريد تطبيقها مراعاة للتربية الأخلاقية لكل شخص.
فإذا كانت العقوبة وسيلة للتهذيب فلا يعقل تحديدها بصفة مسبقة لاستحالة معرفة تاريخ تحقيق الهدف ومن الصعب التكهن من المدة التي قد تستغرقها لتحويل المجرم لرجل صالح.
هكذا يكون سالي اقترح ثلاث وسائل لتفريد الجزاء لكنه يستبعد الوسيلة القانونية لعدم العلم بالمجرم قبل ارتكاب الجريمة، وإذا كان اختار الوسيلة القضائية فانه يعتبرها غير كافية لأنها لا تنطلق من الواقع ولا يمكن لها أن تحدد المدة الحقيقية القادرة على إصلاح المجرمين وهذا ما يجعله يدعو إلى الوسيلة الإدارية التي تتيح الفرصة لإدارة السجون من أجل تقييم العقوبة الحقيقية الكفيلة بإصلاح المجرم.
وتبقى هذه الوسائل من أهم ما جاء به سالي فماذا عن مدرسة الدفاع الاجتماعي؟
الفقرة الثانية: مدرسة الدفاع الاجتماعي
سنقتصر بالتطرق في هده الفقرة على اتجاه أو مذهب الدفاع الاجتماعي الجديد الذي أقامه مارك أنسل والذي أثار الحديث عن تقنيات تفريد الجزاء وجاء بمجموعة من المبادئ الأساسية وهي :
الشرعية في التجريم .
حرية الاختيار كأساس للمسائلة الجنائية .
ضرورة إبقاء الجزاء بنوعيه العقوبة والتدبير الوقائي .
ضرورة تناسب الجزاء مع الخطأ.
ومن هنا يتبين بأنه هناك نوع من الاتفاق بين سالي ومارك انسل حول وضيفة العقوبة والقانون الجنائي وحول ضرورة التفريد الذي لا ينطلق من التضحية بمبدأ الشرعية الجنائية .ويبقى أهم ما جاء به مارك أنسل هو المفهوم الذي يعطيه للمسؤولية الجنائية والوسائل والتقنيات التي يطالب بها عند اللجوء إلى تفريد الجزاء ، منطلقا في ذلك من الاهتمام بالواقع والارتباط به، حيث لا يعتبر الجريمة خرق للقواعد القانونية فقط ولكنها نتيجة للظروف الاجتماعية والنفسية للجاني. وحسب مارك أنسل فانه لا يجب الاقتصار على القانون وحده ووضع كل الآمال على قواعده وتقنياته ولكن ينبغي تسجيل كل التساؤلات التي تثيرها الجريمة والعقوبة في إطار شمولي وواقعي في نفس الوقت هذا الإطار هو السياسة الجنائية و وعليه لا يحق التفاوض مع الجاني على أساس الجزاء بل على أساس الحماية دون أن تعني هذه الحماية بقاء الجاني بعيدا عن كل تدبير بل الهدف في الأخير هو مواجهة الجريمة كواقع اجتماعي إنساني شخصي ومن هنا تبرز أهمية المسؤولية وضبط التقنيات المرتبطة بتفريد الجزاء عند مارك أنسل.
بالنسبة للمسؤولية يعتبرها مذهب الدفاع الاجتماعي الجديد عنصرا أساسيا .فالمسؤولية هي حرية الاختيار والإحساس بها الذي يرتبط بتصرف الإنسان ونشاطه , ومعنى هدا أن التصرف المرتكب يتولد عن الشخصية ويعبر عنها وأن المسؤولية هي الوعي من طرف الجاني بشخصيته بالشكل الذي تطهر به وتتأكد من خلالها أفعاله الإجرامية, لكن شعور الإنسان بالمسؤولية يتضاءل لأنه يعتبر الأخريين كذلك مسئولين .وهدا ما يخلق الشعور الجماعي بالمسؤولية و يترتب عنه مجموعة من النتائج نجملها في مايلي:
رفض الاقتصار على العناية بالجاني بل الاهتمام كذلك بالجريمة
الجريمة هي الفعل المسند للجاني الذي يجب ربطه به واعتباره كسبب للإحالة على القضاء
المسؤولية والخطورة يكونان تعبيرا اجتماعيا عن شخصية الجاني ينبغي تقييمها من طرف القاضي وعلى أساسها تتخذ العقوبة أو التدبير أو هما معا
أن المسؤولية بهذا المفهوم لا تغلق الباب أمام الردع والتخويف والتهديد
واذا كانت المسؤولية بهذا المفهوم الذي يراعي مصلحة الفرد والمجتمع تعترف للقاضي الجنائي باختصاصات جديدة فان أمر تطبيقها على أرض الواقع يكون صعبا
ومن أجل تجاوز هده الصعوبة فان مذهب الدفاع الاجتماعي الجديد جاء بمجموعة من التقنيات والوسائل والتي قد تساعد القاضي في تفريد الجزاء منها ما يتعلق بالعقوبة ومنها ما يتعلق بالجاني مرتكب الفعل الإجرامي.
بالنسبة للعقوبات يجب ضرورة إدماج العقوبة مع التدبير الوقائي, كما يجب توزيع العقوبات حتى يتمكن القاضي من اختيار ما يلائم الجاني من تدابير التهذيب والإصلاح ويجب إحداث عقوبات خاصة بالأحداث والمدمنين على الكحول والمخدرات لمواجهة حالة العود .
أما بالنسبة للجاني فان مذهب الدفاع الاجتماعي الجديد يقترح "أن يتم تطوير التصنيف الذي اقترحه سالي انطلاقا من ما وصل إليه تقدم العلوم الإنسانية من فهم دقيق للإجرام الذاتي ويمكن الاعتماد في هدا الصدد على الجنس والسن والسلوك والعناصر النفسية، هذه المعرفة تختلف كثيرا عن ما نادت به المدرسة التقليدية الجديدة لأن الأمر لا يتعلق فقط بالظروف الخارجية للجريمة وبالسوابق القضائية بل بتكوينه البيولوجي وبرد فعله النفسي وبتاريخه الشخصي ووضعيته الإجتماعية ".
وهذا ما يقتضي إقحام الجاني في الخصومة الجنائية وإلزام القاضي بتفريد الجزاء انطلاقا من التعرف عن قرب من شخصية الجاني.
وانطلاقا مما سبق يمكن القول بان أهم ما جاءت به المدارس المتزنة في ما يتعلق بتفريد الجزاء يتمحور حول ما يلي:
إن الهدف من العقوبة هو إصلاح الجاني وإعادة إدماجه.
إن تحديد العقوبة وتفريدها يقوم على توزيع الاختصاصات بين المشرع والقاضي وإدارة السجون.
إن تفريد الجزاء يتطلب إعطاء الجريمة والمجرم نفس الاهتمام.
يتوقف تفريد الجزاء على المسؤولية.
إن التفريد يتناقض مع العقوبة الثابتة ويتطلب قابلية تخفيضها كلما ظهرت الحاجة لذلك.
كانت هذه ادن عبارة عن دراسة نظرية لتفريد الجزاء ولقد حاولنا قدر المستطاع أن نبرز أهم الأفكار التي تناولتها مختلف المدارس الجنائية. لكن ما يمكن قوله هو أن الحديث عن تفريد الجزاء لا يتعلق بالنظريات والأفكار بقدر ما يتعلق بالواقع, واذا انطلقنا من الواقع نجد أن معظم التشريعات مازالت بعيدة عن تطبيق هده النظريات وما زال الزجر أهم من الوقاية.
ففي الوقت الذي بلغت فيه النظريات عمقا ودقة بالغين بقيت القوانين وفية لتصور أظهرت العلوم الجنائية عيوبه. صحيح أن جل التشريعات دخلت في مسلسل الإصلاحات الأساسية حيث عززت دور القاضي في تفريد الجزاء وساهمت في تنويع العقوبات والتدابير الوقائية متأثرتا في ذلك بأفكار سالي ومارك انسل ولومبروزو وغيرهم إلا أن تطبيق دلك تعترضه مجموعة من المعيقات خصوصا في ضل التكاثر المهول للجرائم وتنوعها، الشيء الذي يؤدي إلى الإحساس بانعدام الأمن وتتغير معه النضرة إلى المجرم, حيث ينضر إليه كشخص خارج عن القانون يجب معاقبته بأقصى العقوبات.
فكيف تعامل المشرع المغربي مع مبدأ تفريد الجزاء هذا ما سنتناوله في المبحث الثاني والذي عنوناه بأنواع تفريد الجزاء، حيث سنتطرق إلى كل من التفريد القانوني والتفريد القضائي بالإضافة الى التفريد الأداري .
المبحث الثاني: انواع تفريد الجزاء –دراسة تطبيقية على ضوء التشريع المغربي-
انطلاقا من دراستنا لمواقف المدارس الجنائية حول مبدأ تفريد الجزاء تبين لنا بجلاء بأن التفريد لم يعد يقتصر على تحديد العقوبة مسبقا من طرف المشرع ,ولكن في ضل تغير النضرة من الجريمكة الى المجرم منح المشرع سلطة تقديرية للقاضي لكي يقوم بالتفريد الحقيقي للجزاء ونضرا لدور العقوبة المتمثل في الأصلاح فمن الطبيعي أن لا تبقى هذه العقوبة ثابتة بعد النطق بها حيث فتح المجال للإدارة المشرفة على تنفيذ العقوبة لكي تعيد النضر في العقوبة انطلاقا من تتبع سلوك الجاني ومن هذا المنطلق أجمع الفقه الجنائي الحديث اليوم على وجود ثلاثة أنواع من التفريد . تفريد أولي يقع في المرحلة التشريعية وهو ما يطلق عليه بالتفريد القانوني( المطلب الأول) ثم تفريد قضائي المطلب الثاني وأخيرا هناك التفريد التنفيذي أو الأداري (المطلب الثالث )
المطلب الاول: التفريد القانوني للجزاء
رغم جهل المشرع للمجرم قبل لاارتكابه الجريمة فانه ينطلق من معطيات عامة من أجل تحديد العقوبة حيث وضع التقسيم الثلاثي للجرائم الجنايات والجنح والمخالفات كما انه بين المجرم العادي والمجرم السياسي وبين المجرم المتعود على الجريمة والمجرم المبتدء كما أنه نص على مجموعة من التدابير الوقائية متأثرا في ذلك بالمدرسة الوضعية ومن أجل تميزه بين المجرم الراشد والحدث سياسة جنائية خاصة بالأحداث وهدفها محاولة إصلاح الجاني بدل الزج فيه داخل السجن وبالأضافة الى ما سبق فانه نص على بعض الأعذار القانونية المعفية والمخففة من العقاب وهدا ما سنتناوله في (الفقرة الأولى) بالأضافة الى الظروف التي ترفع العقوبة(الفقرة الثانية ) بالأضافة الى نصه على العقوبات التخييرية الفقرة الثالثة
الفقرة الاولى: الاعذار القانونية
لقد نص المشرع المغربي في المادة 143 من ق.ج على ما يلي" الأعذار القانونية هي حالات محددة في القانون على سبيل الحصر يترتب عليها مع تبوث الجريمة وقيام المسؤولية ان يتمتع المجرم اما بعدم العقاب اذا كانت اعذارا معفية واما بتخفيف العقوبة اذا كانت اعذارا مخففة".
انطلاقا من هذه المادة يتبين بان الأعذار القانونية نوعان: وهي اما اعذار قانونية معفية من العقاب (اولا) او اعذار مخففة (ثانيا)
أولا: الأعذار القانونية المعفية من العقاب
الأعذار القانونية المعفية من العقاب هي اسباب ترد على حالات محددة على سبيل الحصر يتمثل اثرها في الإعفاء من العقاب مع بقاء الفعل محتفضا بصفته الإجرامية أي مستوفيا لكافة عناصر وشروط المسؤولية المترتبة عنه وهي تختلف عن أسباب التبرير والإباحة التي تنفي الركن القانوني للجريمة . حيث تنصرف هده الأسباب الأخيرة الى الفعل او الإمتناع فترفع عنه وصفه الإجرامي فلا يتم مسائلة الفاعل نضرا لأن وجود هده الأسباب يجعل الجريمة غير قائمة أصلا اما بالنسبة للأعذار القانونية المعفية فانها تحول دون ترتيب العقوبة على الفاعل رغم ان الجريمة تكون مكتملة الأركان ويكون هناك شخصا مسؤول عنها وذلك لحكمة لخصها د نجيب حسني في قوله "علة العذر المعفي هي اعتبارات نفعية مستمدة من سياسة العقاب مبناها تقدير الشارع ان المنفعة الاجتماعية التي يجلبها عدم العقاب في حالات معينة تربو المنفعة التي يحققها العقاب فيقرر بناءا على دالك استبعاد العقاب جلبا للمنفعة الأهم اجتماعيا .وطالما أن الأعذار القانونية المعفية من العقاب هذه الصفة فكان من الطبيعي أن يحددها المشرع على سبيل الحصر اذ لا يملك القاضي أي سلطة تقديرية في ما يخص تمتيع الجاني بها أو حرمانه منها أو التوسع فيها . غير أن القاضي يبقى له الحق في أن يحكم على المعني بتدابير الوقاية الشخصية أو العينية ما عدا الإقصاء . وهذا ما نجده بوضوح في الفصل 366 من ق.ج الذي أعفا من العقوبة طبقا للفصول من 143الى 145 مرتكبي التزييف أو تزوير النقود أو سندات تصدرها الخزينة العامة وكذا كل من ساهم في هذه الجريمة المنصوص عليها في الفصلين 343 و335 من ق ج شريطة إشعار السلطات العامة وكشف عن شخصية مرتكبيها وذلك قبل إتمام تلك الجنايات وقبل إجراء أي متابعة بشأنها وكذلك كل من مكن السلطة من اعتقال الجناة الآخرين ولو لم يفعل ذلك إلا بعد ابتداء المتابعة .ونص المشرع في الفقرة الخيرة من الفصل 366 على انه يجوز مع ذلك أن يحكم بالمنع من الإقامة من خمس سنوات إلى عشرين سنة على من اعفي من العقاب طبقا لهذا الفصل .
وتطبيقات الأعذار القانونية المعفية من العقاب كثيرة في ق.ج منصوص عليها في الكتاب الثالث المتعلق بالجرائم المختلفة وعقوبتها .ويمكن تصنيفها حسب المنفعة التي تجلبها إلى المجتمع إلى ثلاثة طوائف:
طائفة أولى يكون الغرض من إعفاء مرتكب الجريمة من العقاب فيها تشجيعه على الكشف عن جريمته والتبليغ عن المساهمين معه فيها .
طائفة ثانية يكون الغرض من الإعفاء فيها تشجيع المجرم على الانسحاب وعدم الاسترسال في الجريمة مثال دلك الفصل 213 الذي يعفي من العقوبة الأشخاص المنخرطين في العصابات الإجرامية في حالة انسحابهم منها.
الطائفة الثالثة يكون الغرض من الإعفاء فيها تشجيع المجرم على إصلاح الضرر الذي تخلف عن جريمته مثال ذلك الفصل 475 من ق.ج الذي يعفي من العقاب من اختطف قاصرا وغرر بها في حالة زواجه منها.
وتجدر الإشارة إلى أن الأعذار القانونية المعفية من العقاب لا تلاحظ إلا أمام محكمة الموضوع وتؤدي إلى الحكم بالإعفاء لا البراءة وهدا يعني أن أثرها يقتصر على الإعفاء من العقوبة . وبالتالي يبقى الفعل محتفظا بصيغته الإجرامية حيث تبقى المسؤولية المدنية للجاني قائمة إذا تضرر الغير من فعله كما يبقى الفاعل معرضا للحكم عليه بالتدابير الوقائية .
ثانيا: الأعذار القانونية المخففة من العقاب
الأعذار القانونية المخففة من العقاب هي مثلها مثل الأعذار المعفية واردة في القانون على سبيل الحصر .
يتمتع بالإعفاء الجزئي من العقاب وفي الحدود التي يقررها القانون وهو مفروض قانونا لا يملك القاضي إزاءه أية سلطة تقديرية. ألا أن مسألة ثبوت قيام هذا العذر من عدمه فمتروك لتقدير محكمة الموضوع .
وبالرجوع الى الكتاب الثالث من مجموعة القانون الجنائي نجد أن الأعدار القانونية المخففة للعقوبة تتمثل في الحالات التالية :
حالة قتل الأم لوليدها م.397/2 ق.ج.
حالة القتل أوالضرب أو الجرح المرتكب نهارا بقصد دفع تسلق أو كسرسور أو حائط أو مدخل منزل أو بيت مسكون أو أحد ملحقاتهما .م 417 ق.ج.
حالة القتل أو الضرب أو الجرح الذي يرتكبه أحد الزوجين ضد الزوج الأخر وشريكه عند مفاجئتهما متلبسين بجريمة الخيانة الزوجية.م 418 ق.ج.
حالة الضرب أو الجرح حتى ولو أدى الى الموت دون نية إحداثه بسبب مفاجأة رب الأسرة لأشخاص في منزله وهم في حالة اتصال جنسي غير مشروع م.420.ق.ج.
الفقرة الثانية الأسباب التي ترفع العقوبة
بالأضافة الى الأعدار القانونية بنوعيها المخففة والمعفية من العقاب التي تطرقنا اليها في الفقرة الأ ولى لقد نص المشرع على مجموعة من الأسباب التي ترفع العقوبة ويتعلق الأمر الضروف المشددة والتعدد وحالة العود وسنكتفي في هده الفقرة بالتطرق الى الضروف المشددة( أولا) ثم التعدد (ثانيا) على أن نتطرق الى حالة العود عند الحديث عن التفريد القضائي للجزاء.
htmlspecialchars_decode('"')
أولا الضروف المشددة htmlspecialchars_decode('"')
قد يضطر الفاعل الى ارتكاب الجريمة تحت تأثير ضروف عاطفية او بدافع الشفقة كما قد يرتكب الجريمة دفاعا عن نفسه أو عن غيره مثل هولاء تعامل معهم المشرع بنوع من الرحمة والشفقة نضرا لعدم خطورتهم الأجرامية فاقرلهم مجموعة من الأعدارالقانونية سواء المعفية أو المخففة من العقاب .الا انه تعامل بصورة مغايرة مع بعض الفاعلين فشدد في حقهم العقاب نضرا لمجموعة من الضروف قد تكون مرتبطة بارتكاب الجريمة أو بالخطورة الجرامية للمتهم .وهدا مانستنتجه من الفصل 152 من ق ج الدي نص على ما يلي" تشديد العقوبة المقررة في القانون بالنسبة لبعض الجراءم ينتج عن ضروف متعلقة بارتكاب الجريمة او باجرام المتهم "
وهده الضروف محددة في القانون على سبيل الحصر وبالنسبة لجرائم معينة من جنايات وجنح حيث نص المشرع في الفصل 153 على مايلي "يحدد القانون ضروف التشديد المتعلقة بجنايات او جنح معينة ".
وهي ضروف متعددة ومتنوعة وردت بصورة متفرقة في الكتاب الثالث الدي عالج فيه المشرع الجرائم المختلفة وعقوبتها.وبالتالي لاداعي لحصرها وتعدادها لكن بالعودة الى الفصل 152 من ق.ج يتبن لنا أن ضروف التشديد نوعان ضروف متعلقة بارتكاب الجريمة وضروف متعلقة باجرام المتهم
1 الضروف المتعلقة بارتكاب الجريمة
وهي ضروف عينية أو مادية تتعلق يالملابسات العائدة للجانب المادي أو العيني في الجريمة حيث لا يمكن ان يساوي المشرع بين من يرتكب جريمة السرقة بالنشل وهي جريمة بسيطة مع من يرتكب هده الجريمة باستعمال السلاح او بالكسر او بالتسلق او يتم ارتكابها ليلا حيث يعتبر حمل السلاح والكسر والتسلق ضرف مشدد في جريمة السرقة ويتعلق بكيفية ارتكاب الجريمة كما يعتبر الليل ضرف مشدد يتعلق بزمن ارتكاب هده الجريمة .حيث عاقب المشرع على جريمة السرقة في الفصل 505 من ق ج بالحبس من من سنة الى خمس سنوات وغرامة من ماتين الى خمسمائة درهم .الى انه في حالة توفر احد ضروف التشديد كارتكابها ليلا او باستعمال مفاتيح مزورة او بواسطة الكسر او التسلق فان العقوبة تكون السجن من خمس الى عشر سنوات الفصل 510 من ق ج
وهده الضروف المشددة العينية تسري على الفاعل الصلي والمساهمين والمشاركين معه في الجريمة حتى ولو كانو ا يجهلون تماما توافرها في النازلة
2 الضروف المتعلقة باجرام المتهم
وهي ضروف شخصية منها ما يتعلق بالخطورة الأجرامية للمجرم كسبق الأصرار والترصد حيث شدد المشرع جريمة القتل العمد من السجن المؤبد الى الأعدام في حالة ارتكاب هده الجريمة مع سبق الأصرار والترصد وهدا ما نص عليه في الفصل( 393من ق ج) والمشرع شدد هده العقوبة وعيا منه بالخطورة اللتي يحملها الجاني والمتمثلة في تصميمه وعزمه المسبق على ارتكاب فعله
ومنها ما يتعلق بملابسات تعود الى الصفة المتوفرة في الجاني او نوع العلاقة التي تربط الجاني بالضحية .ومثال دلك حالة الفصل 547 ق ج الدي يعاقب جريمة خيلنة الأمانة بالحبس من ستة اشهر الى ثلاث سنوات وغرامة من 200 درهم الى 2000 درهم لكن هده العقوبة تشدد فتصبح حبسا من من سنة الى خمس سنوات وغرامة : ادا ارتكبها عدل او حارس قضائي او قيم او مشرف قضائي ودلك اثناء قيامهبوضيفته او بسببها
ادا ارتكبها الناضر او الحارس او المستخدم في وقف اضرارا بهدا الأخير
ادا ارتكبها اجيرا او موكلا اضرارا بمستخدمه او موكله.
والفصل 486 الدي عاقب جريمة الأغتصاب بسجن يتراوح بين خمس سنوات
الى عشر لكنه شدد العقوبة في الفصل 487 ق ج فجعلها من عشر الى عشرين سنة ادا كان الفاعل من اصول لاالضحية او ممن لخهم سلطة عليها او وصيا عليها او خادما بألجرة عندها او عند أحد الأشخاص السالف دكرهم او كان موضفا اورئيسا دينيا
ومن خلال ما سبق يتبين لنا أهمية ضروف التشديد لذلك نجد المشرع اعطاها اهتماما خاصا حيث يلا حظ انه اناط بالقانون وحده تحديد هذه الضروف وتقديرها م 153 من ق ج .
كما انه لاينبغي استعمال القياس لأجلد ضروف تشديد جديدة غير ما يكون قرره المشرع صراحة’وهكدا فلا يجوز القياس واعتبار رابطة الأخوة أو البنوة طرف مشدد في الأغتصاب عند الفاعل
ولم يكتفي المشرع بتقرير القاعدة السابقة وإنما تعدى الأمر الى أن تولى بنفسه حدود رفع العقوبة بسبب قيام ظروف التشديد في النصوص التي تقرر الظروف المشددة ذاتها ولم يترك ذلك للقضاء.
htmlspecialchars_decode('"')
ثانيا : حالة التعدد htmlspecialchars_decode('"')
ان رتكاب مجموعة من الجرائم من لدن فاعل في ان واحد او في اوقات متوالية دون ان يفصل بينهما حكم قابل للطعن يبرز مدى الخطورة الاجرامية التي يشكلها هذا الشخص بالنسبة للمجتمع. فكيف تعامل المشرع مع حالة التعدد؟
يجب التمييز اولا بين نوعين من انواع التعدد التعدد الصوري والتعدد الحقيقي
بالنسبة للنوع الاول يتحقق في الحالة التي يكون فيها الفعل الواحد يمكن وصفه بعدة اوصاف،كمن يشرع في هتك عرض انثى في الطريق العام حيث يمكن وصف فعله هذا بانه يشكل اخلالا علنيا بالحياء والعقوبة القررة في هذه الحالة هي الحبس من شهر واحد الى سنتين وبغرامة من مائتين الى خمس مائة درهم طبقا للفصل 483 من ق ج.
كما ان نفس الفعل يشكل محاولة هتك عرض المنصوص عليها في ف 484 من ق ج والذي يعاقب عليها بالحبس من سنتين الى خمس سنوات .
وانطلاقا من هذا المثال فانه لايتعلق الامر بالتعدد الحقيقي وانما هو تعدد صوري حيث ان الفعل الواحد يقبل اوصافا قانونية متعددة بتعدد النصوص التي تظهر بان الفعل الواحد يشكل خرقا لها، وقد نص الفصل 118 من ق ج على حكم هذا التعدد الذي جاء فيه "الفعل الواحد الذي يقبل اوصافا متعددة يجب ان يوصف باشده".
هذا ويمكن تفسير موقف المشرع على النحو السابق بانه سعى الى تحقيق نوع من التوازن في عقاب الفاعل يدور بين التخفيف حينما يمنع مساءلة الفاعل عن عدة جرائم بسبب تعدد الاوصاف التي يقبلها الفعل الواحد مدام هذا الفاعل لم يرتكب في الحقيقة سوى فعلا واحد وبين التشديد حينما يوجب المشرع مساءلة نفس الفاعل عن اشد الاوصاف الجنائية –وليس على اخفها-
اما النوع الثاني أي التعدد الحقيقي فنص عليه المشرع في ف 119 من ق ج والذي جاء فيه" تعدد الجرائم هو حالة ارتكاب شخص جرائم متعددة في ان واحد او في اوقات متوالية دون ان يفصل بينهما حكم غير قابل للطعن".
ويقتضي المنطق في هذه الحالة ضم العقوبات والتدابر الوقائية المقررة لكل جريمة، مثلا الشخص الذي يرتكب جريمة السرقة طبقا ف 505 من ق ج ثم بعد مدة يرتكب جريمة اغتصاب حسب ف 486 من ق ج، حيث يجب في هذه الحالة ضم العقوبتين المقررتين في المادتين اعلاه، الا ان المشرع لم يذهب في هذا المنحى، اذ نجده اتبع هذا المنطق جزئيا فقط فطبقه بالنسبة للعقوبات المالية والاضافية والعقوبات الصادرة في المخالفات وكذا التدابير الاحتياطية، اما بالنسبة للعقوبات السالبة للحرية الصادرة في الجنايات والجنح فان المشرع اتبع بالنسبة لها قاعدة عدم الضبط، وهذا ما يتبن بوضوح ف 120 /1 من ق ج حيث في حالة تعدد جنايات او جنح اذا نضرت في وقت واحد امام محكمة واحدة حيث يحكم بعقوبة واحدة سالبة للحرية لا تتجاوز مدتها الحد الأقصى المقررة قانونا لمعاقبة الجريمة الأشد.
هكذا وبالنسبة للمثال السابق لا يجب ان يحكم على الفاعل باكثر من الحد الاقصى للعقوبة المقررة للجريمة الاشد وهي جريمة الاغتصاب المصوص عليها في ف 486 من ق ج.
الفقرة الثالثة : العقوبات التخييرية
لقد اقر سالي أن نظرية العقوبات التخييرية او المتوازية تتلخص في وضع المشرع اثنين من العقوبات الأولى مشينة والثانية عقوبات غير مشينة حيث يترك للقاضي سلطة اختيار العقوبة المناسبة لكل مجرم على حدة .هذا ما جعل معظم التشريعات الحديثة تأخد بنظام العقوبات التخييرية إلا أن معظم هذه العقوبات تتمحور حول الحبس أو الغرامة, وهذا النهج هو الذي سلكه المشرع المغربي حيث من تفحصنا لنصوص القانون الجنائي يلاحظ أنه اقتصر على عقوبتين فقط هما الحبس أو الغرامة ومثال ذلك الفصل 288 من ق ج الذي يعاقب من شهر واحد إلى سنتين وبغرامة من 200 إلى 500 درهم أو إحدى هاتين العقوبتين من حمل العمال على التوقف الجماعي باستعماله الأداء أو العنف أو التهديد وكان الغرض من هذا العمل رفع الأجور أو خفضها أو الإضرار بحرية الصناعة أو العمل. بالإضافة إلى ما نص عليه القانون الجنائي نجد المشرع ينص على العقوبات التخييرية في قانون الصحافة والقانون المنضم للانتخابات الصادر بتاريخ 30 شتنبر 1959 .كما نص على هدا النوع من العقوبات في مدونة السير الجديدة في الجنح المتعلقة بحوادث السير حيث باستقرائنا لهده الفصول نجد معضمها تنص على عقوبات تخييرية باستثناء حوادث السير المميتة حيث تكون العقوبة هي الحبس والغرامة معا .
وتجدر الإشارة بأن مجال تطبيق العقوبات التخييرية مقتصر على الجنح دون الجنايات نضرا لخطورتها.
وبهذا يكون المشرع قد انضم إلى التشريعات التي أخذت بنظام العقوبات التخييرية وان كان ذلك في نطاق جد محدود إلا أن ظروف التخفيف المنصوص عليها في الفصل 174 من ق ج كفيل بنقل القاضي إلى العقوبات التخييرية لما يتمتع به من سلطة تقديرية في تفريد الجزاء وهدا ما سنتناوله في المطلب الثاني.
المطلب الثاني : التفريد القضائي للجزاء
بخلاف التفريد القانوني أو التشريعي الذي يراعيه المشرع عندما يشرع الجزاء الذي يقرره في النص العقابي فالتفريد القضائي تظهر معالمه عند تطبيق العقوبة حيث يقوم القاضي بتقدير العقوبة بناءا على السلطة التي منحه إياها المشرع, فرغم جسامة الجريمة الواحدة أي كان سبب وقوعها إلا أن المشرع بعد أن يقدر جسامتها في صورة حد أدنى وحد أقصى يترك للقاضي سلطة الاختيار بين هذين الحدين أو أن ينزل بالعقوبة حتى دون الحد الأدنى حسب جسامة الجريمة وخطورة المجرم. من هذا المنطلق فان القاضي يلعب دورا هاما في تفريد العقوبة بموجب سلطته التقديرية الواسعة والأليات التي منحهما له المشرع .
وهكدا تكون قضية تقدير العقوبة قضائيا عنصرا أساسيا من عناصر التقنية الجديدة لتوزيع العقوبة ,واحتلت مركز الصدارة في تقيد حق الدولة في العقاب وذلك لأن المشرع عند تقديره للعقوبة يكون جاهل بالظروف التي ارتكبت فيها الجريمة وبالظروف المحيطة بالجاني وهذا ما يحول دون ملائمة العقاب لكل مجرم .وعلى العكس من ذلك فان القاضي تتيح له فترة المحاكمة الاتصال بالمجرم فيتمكن من الوقوف على أحواله وظروف إجرامه على نحو يؤمن قدرا كافيا من العدالة .فادا كان المشرع يركز عند تحديده للعقوبة على الجريمة فان القاضي يركز أكثر على المجرم. ومن هنا يعمل القاضي على استخراج التحديد الواقعي للجريمة انطلاقا من التحديد التشريعي المجرد. لكن السؤال الممكن طرحه ما هي المعايير التي ينطلق منها القاضي لقياس الألم المتكامل لجسامة الجريمة ومسؤولية مقترفها وقدر ما يستحق من العقاب؟ وهذا ما سنحاول التطرق إليه في هدا المطلب (الفقرة الثانية )لكن قبل دلك سنتطرق إلى السلطة التقديرية للقاضي في تفريد الجزاء (الفقرة الأولى )
الفقرة الأولى: السلطة التقديرية للقاضي في تفريد الجزاء
إذا كان المشرع حدد سلفا العقوبة الملائمة لكل جريمة بين الحد الأدنى والأقصى فانه ترك السلطة التقديرية للقاضي من أجل التصرف بين الحدين الأدنى والأقصى (أولا) ولم تقتصر سلطة القاضي على دلك فقط ولكنه يمكن له أن ينزل بالعقوبة عن حدها الأدنى عندما يمتع المتهم بظروف التخفيف ( ثانيا )كما أنه أحيانا يمكن له أن يوقف تنفيذ العقوبة( ثالثا )
htmlspecialchars_decode('"')
أولا سلطة القاضي في التصرف بين الحدين الأدنى والأقصى htmlspecialchars_decode('"')
خول المشروع في مجال تقدير العقوبة القاضي بسلطة تقديرية واسعة وذلك ليختار منها ما يراه مناسبا ومتماشيا مع مصالح المجرم والمجتمع في آن واحد فأعطاه بذلك حرية تقدير العقوبة وتحديدها بين حد أقصى وأدنى ويجمع المهتمون بميدان التجريم والعقاب على أن العلة الحقيقية لهذا التصرف هي التوزيع المنطقي المتوازن للاختصاص بين التفريد التشريعي والتفريد القضائي على وجه يتحقق فيه التنسيق بين المصالح الاجتماعية والفردية.
والمشرع يحدد العقوبة إما بكيفية جامدة وإما بكيفية مرنة بين حدين أقصى وأدنى ليترك في هذه الحالة الأخيرة حرية للقاضي الجنائي ليتصرف فيها تبعا لما يظهر له من ظروف متعلقة بالمجرم المجرم وملابسات الجريمة .فدوره إذا أساسي في تحديد العقوبة , إلا أنه لا يستطيع مع ذلك أن يلعب هذا الدور إلا في الحدود التي رسمها القانون, فلا يستطيع الارتفاع عن الحد الأقصى ولا النزول عن الحد الأدنى ولا الحكم بعقوبة أخرى لم يقررها القانون دون أن يخرق النص التشريعي مما يعرض حكمه للنقص والإبطال.
فالقاضي الجنائي ففي ممارسته لتفريد الجزاء ملزم بمراعاة الحد الأدنى والحد الأقصى للعقوبة حتى إذا سمح لنفسه بالنزول دون الحد الأدنى أو تجاوز الحد الأقصى فلا بد له من مراعاة المقتضيات المتعلقة بظروف التخفيف وظروف التشديد والأعذار القانونية المعفية والمخففة من العقاب .
وبهذا يكون للقاضي الزجري سلطة تقديرية واسعة في التصرف بين حدي العقوبة ولا رقابة عليه في هذه االحالة ولا يكون ملزما ببيان اسباب اختياره للعقوبة المناسبة،وهذا ما سارت عليه جل التشريعات المقارنة ومنها الاجتهاد القضائي إذ جاء في أحد قرارات محكمة النقض أنه "من المقرر أن تقدير العقوبة أمر موضوعي لا سلطان عليه لمحكمة النقض،بشترط أن يكون في الحدود التي ضبطها القانون"وهذا ما صار عليه الاجتهاد القضائي المغربي حيث يستشف ذلك بمفهوم المخالفة من خلال قرار مجلس الأعلى أنه "يتعرض للنقض من أجل خرقه القانون الحكم الذي يقضي على متهم بعقوبة تقل عن الحد الأدنى أو تتجاوز الحد الأعلى المنصوص عليه في القانون."
وبالتالي فإن للقاضي سلطة الخروج عن حدي العقوبة انطلاقا من قرار مجلس الأعلى المشار إليه أعلاه أي أنه بإمكان القاضي الصعود أو النزول عن الحدين المنصوص عليهما في القانون دون رقابة المجلس الأعلى. لكنه يمكن له أن ينزل عن الحد الأدنى في حالة منح المتهم ظروف التخفيف وبالتالي يكون المشرع قد وسع من سلطة القاضي التقديرية وهدا ما سنناقشه في النقطة الموالية .
htmlspecialchars_decode('"')
ثانيا : ظروف التخفيف القضائية htmlspecialchars_decode('"')
لم يحدد المشرع الظروف المخففة في القانون عكس الأعذار القانونية ولم يضع ضوابط تعين القاضي على استنباطها بل ترك ذلك كله لحسن تقدير هذا الأخير بحيث يستطيع منحها في أية جريمة جنائية كانت أم جنحة أو مخالفة وذلك تبعا لظروف ارتكابها أو ظروف مرتكبها .
فقد نص الفصل 146/ف على أنه إذا تبين للمحكمة الزجرية بعد انتهاء المرافعة في القضية المطروحة عليها أن الجزاء المقرر للجريمة في القانون قاس بالنسبة لخطورة الأفعال المرتكبة أو بالنسبة لدرجة إجرام المتهم فإنها تستطيع أن تمنحه التمتع بظروف التخفيف إلا إذا وجد نص قانوني يمنع ذلك .
فما هو نطاق هده الظروف ؟وما هي حدود سلطة القاضي في منحها؟ وما هو أثارها على العقوبة ؟
لقد سبق القول بأن المشرع حدد ظروف التشديد وحدد الأعذار القانونية المخففة والمعفية من العقاب .لكن ومن أجل وضع مقياس حقيقي للعقوبة فانه لم يكتفي بذلك ولكنه منح القاضي سلطة منح ظروف التخفيف هده الظروف تسمى بظروف التخفيف القضائية لأنها لا تكون محددة سلفا .
وتخول هذه الأخيرة للقاضي سلطة النزول عن الحد الأدنى المقرر للعقوبة حيث تمثل ا امتياز آخر للقاضي الجنائي ارتأى المشرع من خلاله استكمال بنيان نظام التفريد القضائي .
هذا ويذكر المهتمون بميدان التجريم والعقاب بان الظروف المخففة لها وظيفة أخرى من الأهمية بمكان هي تمكين القاضي الجنائي من تطوير النصوص الزجرية وتطويعها وفقا للمشاعر الاجتماعية القوية والنظريات العلمية المهيمنة حيث تضحى هذه وتلك تقدر شدة بعض العقوبات وقساوتها فيستطيع القاضي الاستجابة لمثل هذه المستجدات من خلال العمل على تمتيع المتهم بظروف التخفيف مع الإبقاء في الوقت ذاته على بعض من العقوبات المقررة قانونا تحقيقا لأغراض الردع العام التي هي على كل حال أغراضا مقبولة اجتماعيا للحد من تفاحش وتزايد الإجرام .
وعلى هذا الأساس فإن منح ظروف التخفيف للجاني انطلاقا من السلطة التقديرية الممنوحة للقاضي تجعلنا نتسائل عن مدى سلطة القاضي في تقريرها ومدى رقابة المجلس على قاضي الموضوع عند منحه هذه الظروف وفي حالة عدم تمتيع المتهم بها وهذا ما سنعمل على استنباطه من خلال بعض قرارات المجلس الأعلى .
1- حيث جاء في قرار المجلس الأعلى عدد304 (10س) صادر بتاريخ 19/1/1967 في الملف الجنائي عدد23717 منشور بمجلة المحاكم المغربية عدد26 ص 72 على.
- ضرورة البت في وجود ظروف التخفيف من عدمها من طرف محكمة الجنايات ولو تعلق الأمر بجنحة.
- يتعين على محكمة الجنايات طبقا لمقتضيات الفصل 430 من ف.م.ج كلما قررت الإدانة أن تبث في وجود ظروف مخففة أو عدم وجودها ولو تعلق الأمر بجنحة.
2-قرار عدد3269 صادر عن المجلس الأعلى بتاريخ22/4/86 في الملف الجنائي رقم 17029-85 منشور بمجلة المعيار عدد 7-8 ص 109
- إن الفصل 147 من م.ق.ج المبين لدى سلطة المحكمة لتقرير العقوبة في حالة منحها لظروف التخفيف يقضي في فقرته التالية :
- وإذا كان الحد الأدنى للعقوبة المقررة هو عشر سنوات سجنا فإنها تطبق السجن من خمس إلى عشر سنوات او عقوبة الحبس من سنتين إلى خمس .
3- القرار عدد 947109 الصادر بتاريخ 21/7/1994 في الملف الجنحي عدد 19139-89، منشور مجلة قضاء المجلس الأعلى عدد47 ص 229.
- ظروف التخفيف لا سلطة للقاضي في منحها بالنسبة لمخالفات الصيد البري عمل بمقتضيات الفصل 18 من ظهير 21 يوليوز 1923 .
4- قرار عدد 1355/2 الصادر بتاريخ 28/7/96 في الملف الجنائي عدد 39-10637/90، منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى عدد 53-54 ص 372 .
- منح ظروف التخفيف في إطار الفصل 146 من القانون الجنائي هو أممر يرجع للسلطة التقديرية لقضاة الموضوع ولا يخضع لرقابة المجلس الأعلى.
6- قرار عدد 21722 الصادر بتاريخ 05/06/2002 في الملف الجنحي عدد 1336/2001، منشور بمجلة المجلس الأعلى عدد 51 ص 154.
يجب أن يقع الاقتراع بشأن ظروف التخفيف فيما يخص كل واحد من المتهمين على حدة لاختلاف كل واحد منهم عن الآخر.
يتعرض للنقض القرار الذي يتضمن التداول بتنصيص جامع لكل المتهمين بشأن تمتيعهم أو عدم تـمتيعهم بظروف التخفيف.
7- قرار عدد 1784/10 صادر بتاريخ 16/6/01 في الملف الجنحي عدد 4725/04، منشور بالمجلة المغربية لقانون الأعمال والمقاولات عدد 7 ص 161.
علاوة على أن الطاعن لم يثبت أمام محكمة الموضوع ما يفيد أن شركته كانت في حالة التصفية القضائية، فإن منح ظروف التخفيف أو حجبها عنه يخضع للسلطة التقديرية لمحكمة الموضوع شأنها في ذلك شأن مسألة تحديد العقوبة بين حديها الأدنى والأقصى، ولذلك فإن القرار المطعون فيه لما قضى برفع العقوبة الحبسية المحكوم بــها ابتدائيا دون أن يتجاوز الحد الأقصى للعقوبة المقررة قانونا للجريمة موضوع الإدانة، لم يكن في حاجة إلى أي تعليل.
من خلال هذه القرارات للمجلس الأعلى وبالإضافة إلى ما ذهب إليه الفقه الجنائي المغربي سنحاول أن نبرز مدى سلطة القاضي الجنائي المغربي في منحز ظروف التخفيف من خلال مجموعة من النقط.
1- يجمع القضاء والفقه الجنائي المغربي على أن منح ظروف التخفيف هو موكول إلى تقدير القاضي مع التزامه بتعليل قراره في هذا الصدد، ولكنه إذا صدر العقوبة العادية فإنه غير ملزم بالتعرض إلى وجود أو عدم وجود الظروف المخففة فلا يكون قراره معيبا من هذه الناحية.
2- يجمع القضاء و الفقه أيضا على أن المحكمة الزجرية حرة في منح الظروف المخففة أو عدم منحها وبالتالي لا تسأل لماذا لم تمنحها بل ولا يكون عليها أن تجيب على السؤال الذي يقدم لها في هذا الصدد، لكن إذا منحتها وصرحت بوجودها يكون عليها أن تطبق نتيجتها التي هي التخفيف في الحدود التي تــقررها الفصول من 147 إلى 151 من المجموعة الجنائية، وإلا كانت متناقضة مع نفسها وعرضت الحكم أو القرار الذي يصدر للنقض والإبطال.
3- ويستثف أيضا أن مسألة منح الـمتهم ظروف التخفيف تثار شفاهيا من طرف الرئيس أثناء المداولة حول الإدانة ويبث فيها بأغلبية الأصوات وفي حالة التساوي تكون النتيجة لصالح الـمتهم، إلا أن الجواب عليها لا يسجل في الحكم أو القرار الصادر إلا إذا كان إيـجابيا.
4- ويجمع الفقه والقضاء على أنه إذا كان منح ظروف التخفيف موكول لقضاء الموضوع كمبدأ عام فإن هناك استـــثنائين تتم مراعتهما في هذا الإطار هـمـا:
1- الاستثناء الأول: ويرجع أصلا إلى سلطة منح ظروف التخفيف ذاتها حيث نص الفصل 146 على أن للمحكمة منح ظروف التخفيف إلا إذا وجد نص قانونا يمنع ذلك، وأمثلة هذا النص متعددة في التشريعات الزجرية المغربية كحالة الفصل 18 من ظهير 21 يوليوز 1923 المشار إليها في قرار مجلس الأعلى أعلاه.
2- والاستثناء الثاني: ويرجع إلى إلزام المحكمة في بعض الحالات بوجوب البث في وجودا أو عدم وجود ظروف التخفيف كما هو الحال بالنسبة لمحكمة الجنايات والمحكمة العسكرية .
ولعل أهم أهم م يمكن استنتاجه في هذا الموضوع أن المحكمة الزجرية لا تستطيع أن تستعمل حقها في تقدير ظروف التخفيف لتخرج به عن الحدود التي وضعها القانون بالنسبة للعقوبة المطبقة لمجرد أنها تريد ذلك. وإنما يجب عليها أن تبين السبب وأن تعلل رأيها في الموضوع أي أن تبرر الملابسات العينية والشخصية للجريمة التي حملتها على التخفيف والإشكالية التي يمكن أن تقع فيها المحكمة أن تحكم بعقوبة دنيا خارج الحدود القانونية.
ومن غير تعليل، يعتبر تبر مسلكها هذا خرقا لمبدأ شرعية العقوبة لا منحا لظروف التخفيف لانتقاء التعليل إذا لا يمكن التأكد عندئذ مما إذا كانت المحكمة وجدت فعلا ظرفا من الظروف المخففة وعلى أساسه خففت العقاب، أو خرقت القانون بكل بساطة نتيجة لجهل أو نسيان.
• نطاق ظروف التخفيف:
حسب نصوص القانون الجنائي المغربي فان مجال تطبيق نظام ظروف التخفيف ليس خاص بنوع دون آخر من المجرمين وإنما يطبق على الجميع وبدون استثناء حيث يستفيد منه الراشد والقاصر والابتدائي والعائد والمجرم السياسي والمجرم العادي والمغربي والأجنبي والمحكوم عليه غيابيا.
وبخصوص نوع الفعل الجرمي المرتكب نشير بداية إلى أن تقرير ظروف التخفيف يتم من طرف قضاء الموضوع ولا يهم كون المحكمة عادية أو استثنافية نظرا لأن النص جاء مطلق .
ويتم منح ضظروف التخفيف في الجنايات والجنح وكذ. في المخالافات مع الإشارة إلى أن الجاري به العمل في الفقه والتشريع والقضاء المقارن هو أن نطاق ظروف التخفيف يقتصر على الجنايات دون الجنح والمخالفات ويبرر ذلك بعدم جدوى هذه الظروف بالنسبة لهذه الأخيرة لأن النص القانوني يكتفي بالحد الأدنى العام بشأنــها وهو منمنخفض فيستطيع القاضي الحكم على المتهم بالعقوبة المخففة دون الحاجة الى النزول عن الحد الأدنى .
إنما هذا لا ينسجم مع مقتضيات نصوص المجموعة الجنائية المغربية وخاصة الفصل 151 منها الذي ذكر ما يلي: " في المخالفات بما في ذلك حالة العود يستطيع القاضي إذا ثبت لديه توفر الظروف المخففة أن ينزل بعقوبة الاعتقال والغرامة إلى الحد الأدنى لعقوبة * المقررة في هذا القانون ويجوز له أن يحكم بالغرامة عوضا عن الاعتقال في الحالة التي يكون فيها الاعتقال مقررا في القانون".
آثار منح ظروف التخفيف:
يجمع الفقه الجنائي المغربي والمقارن على أن التخفيف الذي ينتج عن منح المتهم التمتع بظروف التخفيف لا علاقة له بمعنى التصرف بين الحدين الأدنى والأقصى للعقوبة. ذلك أن القاضي الجنائي في هذا التصرف الأخير يطبق العقوبة العادية المقررة في القانون ولم يطبق نظام ظروف التخفيف .
وعليه لا يعتبر مطبقا لهذا النظام إلا حينما يحكم بعقوبة أقل من الحد الأدنى المقرر قانونا أي النزول عنه، هذا من جهة ومن جهة أخرى الآثار التي تنتجها ظروف التخفيف تعتبر خاصة لمن منحت له ولا تسري على كل من له علاقة بالجريمة . والإشكالية واضحة حيث أنـــها ظروف شخصية و ليست عينية وإن كانت تستنبط من أمور شخصية مثل نسبة درجة إجرام المتهم وأمور عينية مثل خطورة الأفعال المرتكبة كما ذكر ذلك الفصل 146 من المجموعة الجنائية.
اما بالنسبة لآثار ظروف التخفيف على العقوبة فانها تـختلف تبعا لاختلاف نوع العقوبة المقررة للجريمة ولقد اشار اليها المشرع في فصول من 147الى 151 من ق ج.
1- بالنسبة للعقوبات الجنائية
إنطلاقا من الفصلين 147 و 148 يتبين لنا أن منح ظروف التخفيف في الجنايات يترتب عنه ما يلي
أ-تعويض بعض العقوبات الجنائية وهي كما يلي
الإعدام يعوض بالسجن المؤبد أو المؤقت من 10 سنوات إلى 30 سنة.
السجن المؤبد يعوض بالسجن المؤقت من 10 سنوات إلى 30 سنة.
السجن المؤقت الذي هو بين 5 سنوات و 10 سنوات يعوض بعقوبة الحبس من سنة إلى 5 سنوات.
الإقامة الإجبارية تعوض بالتجريد من الحقوق الوطنية أو الحبس من 6 اشهر إلى سنتين.
التجريد من الحقوق الوطنية يعوض بالحبس من 6 أشهر إلى سنتين أو بالحرمان من بعض الحقوق الوطنية الوارة في الفصل 26 من ق.ج .
ب-- تكون المحكمة الجنائية مخيرة ادا كان الحد الأدنى المقرر للعقوبة عشر سنوات بين أن تستبدل العقوبة المقررة بعقوبة تتراوح بين خمس سنوات وعشر ,وبين تخفيضها الى عقوبة حبسية من سنتين الى خمس .
ج—اذا كانت ظروف التخفيف في الجنايات تؤدي الى تخفيف لاالعقوبة الأصلية لزوما فان هذا الألزام لا يمتد ليشمل العقوبات الأضافية كذلك.وهدا ما يستنتج من الفقرة الأخيرة من الفصل 147 من ق .
د- كلما حكمت المحكمة الجنائية بعقوبة الحبس بدل السجن الذي حده الأدنى خمس سنوات أو عشر (الفقرات 3و4و5 من م 147 من ق.ج ) أو الأقامة الأجبارية م 148/1 من ق ج أو التجريد من الحقوق الوطنية م 148/2 من ق ج فانها يمكنها أن تضيف عملا بالفقرة 7 من المادة 147 الى عقوبة الحبس في الحدود المقررة في الفقرات 3 و4و5 من المادة 147 والفقرتين 1و2 من المادة 148 من ق.ج غرامة يكون حدها الأدنى 200درهم وحدها الأعلى 1200 درهم والحرمان من واحد لأو أكثر من الحقوق المشار اليها لافي الفقرتين 1و2 من الفصل 26 من ق وبالمنع من الأقامة لمدة تتراوح بين خمس سنوات وعشر.
2 – بالنسبة للعقوبات الجنحية:
يمكن تمييز في العقوبات الجنحية بين العقوبات التأديبية والعقوبات الضبطية ويجري تخفيف كما يلي:
أ- في الجنح التأديبية بما في ذلك حالة العود.
يقع التخفيف بالنزول عن الحد الأدنى المقرر للحبس أو الغرامة على أن لا ينقص الحبس عن شهر واحد والغرامة عن 200 درهم ونزول القاضي هنا اختياري.
ب-في الجنح الضبطية بما في ذلك حالة العودة :
يقع التخفيف بالنزول عن الحد الأدنى وبصفة جوازية للقاضي أيضا دون أن ينقص الحبس عن 6 أيام .
والغرامة عن 200 درهم. كما يقع الاقتصار على إحدى العقوبتين أو الحكم بالغرامة التي يمكن أن تصل إلى خمسة آلاف درهم بدل الحبس .
3- بالنسبة لعقوبة المخالفات:
الذي يأخذ من نصوص المجموعة الجنائية أنه في المخالفات يمكن للقاضي الجنائي اتخاذ نوعين من التخفيف:
أ- طبقا للمادة 151 من ق.ج يستطيع القاضي اثبت لديه توفر الظروف المخففة أن ينزل بعقوبتي الاعتقال والغرامة إلى الحد الأدنى المقرر للمخالفات وهو يوم واحد للاعتقال وخمسة دراهم للغرامة،ويجوز له أن يحكم بالغرامة عوضا عن الأعتقال في الحالة التي يكون فيها العتقال مقررا في القانون .
.
4-بالنسبة للعقوبات الإضافية:
واضح أن نصوص المجموعة الجنائية لم تتعرض مطلقا إلى أثر ظروف التخفيف على العقوبات الإضافية وهنا يجمع الفقه الجنائي المغربي على أن ظروف التخفيف لا تطبق إلا في الجزاءات الزجرية لا في الغرامات المالية. والسؤال المطروح هنا هل عدم النص على أثر ظروف التخفيف على العقوبات الإضافية يعني أنها ظروف قاصرة على العقوبات الأصلية فقط.
للجواب على هذا السؤال يرى الفقيه المكي السنتيسي إلى أن مسألة أثر الظروف المخففة على العقوبات الإضافية تثير صعوبات على المستوى العقوبات الإضافية الإلزامية والتي لا زال فيها موقف القضاء يعرف التردد والغموض .
في حين يرى الفقيه أحمد الخمليشي إلى أنه بالنظر إلى طبيعة ارتباط العقوبات الإضافية عموما بالعقوبات الأصلية قد يمتد معه أثر الظروف المخففة إلى الأولى .
ولقد تعرض المشرع المغربي للعقوبات الأضافية في المادة 6 من قج وهي اما عقوبات تبعية تطبق بحكم القانون دون لالحاجة الى النطق بها في صلب الحكم وهي الحجر القانوني والتجريد من الحقوزق الوطنية والحرمان النهائي من الحق في المعاش وعقوبات تكميلية لا يمكن تنفيدها الا اذا حكم بها القاضي و قد يكون الحكم بها إلزامي وقد يكون اختياري استنادا إلى النص القانوني فما هو اثر الظروف المخففة في هذه الأحوال الثلاثة للعقوبات الإضافية.
- بخصوص العقوبات التبعية يلاحظ أن الحجر القانوني والتجريد من الحقوق الوطنية يرتبطان بالعقوبات الجنائية(الفصل 37) والحرمان النهائي من الحق في المعاش مرتبط بالإعدام والسجن المؤبد(الفصل 41) ومن ثم فإن عدم تطبيق العقوبات الأصلية هذه بسب بظروف التخفيف يمنع حتما اختفاء هذه العقوبات التبعية المرتبطة بها بوصفها تابعة بحكم القانون للعقوبة الأصلية .
- وبخصوص العقوبات الإضافية الإلزامية الذي يؤخذ من الفصل 291 من المجموعة الجنائية أنه على المحكمة الامتثال لنص القانون والحكم بالعقوبات الإضافية ولو متعت المتهم بظروف التخفيف. ومثال هذه الفصول 199 و207 و350 المتعلقة بإضافة عقوبة المصادرة والفصل 291 المتعلق بإضافة عقوبة نشر الحكم والفصل312 المتعلق بإضافة الحرمان من الوظائف والخدمات العامة.
-وبخصوص العقوبات الإضافية الاختيارية يذهب رأي فقهي إلى أنه عندما يجيز القانون للقاضي الجنائي المغربي الحكم بالعقوبة الإضافية أو عدم الحكم بها فإنه يبقى محتفظا بهذه الصلاحية في حالة تمتيع المتهم بظروف التخفيف حيث يمكنه أن يطبق هذه العقوبات الإضافية أو يعفي المعني بالأمر منها .
-والأن بعد تحليل هذه المجموعة من الأسئلة حول منح الظروف المخففة يمكن لنا أن نتساءل عن الحكم في حالة اجتماع ظروف
تجيبنا على هذا المادة 161 من المجموعة الجنائية التي تنص على ما يلي : "في حالة اجتماع أسباب التخفيف وأسباب التشديد يراعي القاضي في تحديد العقوبة مفعول كل منهما على الترتيب الآتي :
1- الظروف المشددة العينية المتعلقة بارتكاب الجريمة .
2- الظروف المشددة الشخصية المتعلقة بشخص المجرم.
3- الأعذار القانونية المتعلقة بارتكاب الجريمة والمخفضة للعقوبة .
4- الأعذار القانونية المتعلقة بشخص المجرم والمخفضة للعقوبة .
5- حالة العود
6- الظروف القضائية المخفضة .
فيؤخذ إذا من هذه المادة أن اجتماع ظروف التخفيف مع ظروف التشديد ومع الأعذار المخففة يوجب على القاضي إعمالا بكل منها مع مراعاة الترتيب المذكور في هذه المادة لأن ذلك يدخل بالضرورة في أحكام تفريد الجزاء كما صرح بذلك الفصل 142 من ق.ج علما بأن القاضي أحيانا قد يكون ممنوعا من اعمال هذا التفريد الذي تعتبر فيه الظروف المشددة والظروف المخففة واللاعذار المخففة مجتمعة حينما يوجد نص صريح مثل فصل 506 والفصل 510 والفصل427.
htmlspecialchars_decode('"')
ثالثا : وقف التنفيذ htmlspecialchars_decode('"')
أحيانا رغم تمتيع القاضي المتهم بظروف التخفيف فان العقوبة تبقى قاسية بالنسبة اليه خصوصا ادا كان الأمر يتعلق بجريمة بسيطة وكان المجرم غير متعود على الأجرام ومن هذا المنطلق منح المشرع للقاضي سلطة وقف تنفيد العقوبة بعد النطق بها حيث نص على ذلك في المواد من 55 الى 58 فما المقصود بوقف تنفيد العقوبة ؟ وما هي طبيعته؟ وما هي شروط إصدار الحكم به وما هي آثاره القانونية ؟
1-مفهوم وقف التنفيذ :
نظام وقف التنفيذ أو نظام تنفيذ الأحكام على شرط بمعنى واحد والأمر يتعلق بسلطة مخولة للقاضي الجنائي في تعليق تنفيذ عقوبة على شرط موقف خلال مدة تجربة يحددها القانون .
وفي كل النصوص الزجرية بما فيها نصوص المجموعة الجنائية اقتضت حكمت التشريع الجنائي أن تخول للقاضي الجنائي سلطة تقدير جميع العناصر التي تحدد "مدى الشعور بالايلام" ومن بينها تنفيذ العقوبة أو وقف تنفيذها.
وفي هذا الإطار يتكرر رأي فقهي مغربي بأنه زيادة على ما يتمتع به القاضي من سلطة التصرف في تقدير العقوبة بين الحدين الأدنى والأعلى وفي منح ظروف التخفيف فإن المشرع خوله أيضا أن يأمر في الحكم الذي يصدره بعدم العقوبة على المحكوم عليه وذلك إذا رأى أن إدانة الجاني كافية لردعه وأن تنفيذ العقوبة ربما أتى بأثر عكسي سيما عقوبة الحبس التي قد تفسد بعض المذنبين الذين ارتكبوا الجريمة عن هفوة تم استيقظ ضميرهم وندموا على ما فعلوا, فمثل هؤلاء قد يكون من الحكمة عدم أرغامهم على العيش داخل السجن مع المجرمين المحترفين .
وعلى كل يعتبر وقف التنفيذ ونظام التخفيف من أهم الدعائم الأساسية في تنظيم الجزاء الجنائي حسب التوجهات الحديثة التي يلزم كل تشريع زجري ساري المفعول الآن أن يعتنقها.
2-طبيعة وقف التنفيذ .
يجمع المهتمون بميدان التجريم والعقاب على أن التكييف الحقيقي لوقف التنفيذ أنه صورة لتطبيق العقوبة وأنه نظام تنصرف أثاره المباشرة إلى إجراءات تنفيذ العقوبة بحيث تؤدي إلى عدم اتخاذ هذه الأخيرة .
كما يفهم من طبيعة النصوص الجنائية المغربية التي تطرقت الى وقف التنفيذ أنه ينطوي على معاملة عقابية حقيقية لأنه يشكل تهديد للمحكوم عليه خلال المدة المحكوم بها عليه بوقف التنفيد حيث تنفذ في حقه إذا صدر عنه ما يجعله غير جدير بوقفها .
وهدا ما جعل المشرع ينص في الفصل 58 من ق ج على ضرورة تنبيه المحكوم عليه ذا كان حاضرا بطبيعة هذا الإجراء والنتائج المترتبة على عدم التقيد بحسن السلوك خلال مدة التجربة كما هو منصوص عليه في المادة 56 من ق ج .
وهكذا يظهر بأن الإدانة مع وقف التنفيذ هي إدانة جزائية ذات تنفيذ مشروط تنتهي بمضي مدة معينة على اعتبار :
أ-أن كونها إدانة جزائية يعني تقييدها في السجل العدلي .
ب-وأن كونها إدانة ذات تنفيذ مشروط يعني انها معلقة من حيث التنفيذ على عنصر التردي ثانية في هاوية الإجرام خلال مدة التجربة وتحمل إدانته بالحبس أو بعقولة أشد من أجل جناية أو جنحة عادية.
ج-وأنها إدانة تمحى نـهائيا بمرور فترة التجربة فالأمر إذا لا يتعلق لا يتعلق باعفاء فقط وانما بمحو الإدانة من أصلها واعتبارها كأن لم تقع أو تحصل بحيث يجب ان تختفي من السجل العدلي بجميع بطائقه وتمحي كل آثارها في الميدان الجنائي مما يعني أن انعدام الأهلية والعقوبات التكميلية أو التبعية تختفي .
3 شروط إصدار الحكم بوقف التنفيذ واثاره
إن تنفيذ العقوبة هو إجراء اختياري يمكن للمحكمة أن تمنحه أو لا تمنحه ولو توافرت شروطه القانونية .لكن من اجل منحه أن لا يكون الجاني قد سبق الحكم عليه بالسجن من اجل جناية أو جنحة عادية بحيث إذا سبق الحكم عليه من أجل جنحة غير هادية كأن تكون سياسية أو عسكرية فانه لا يؤثر على وقف التنفيذ وعلة هذا الشرط واضحة اذ أنه يجب أن يستفيذ من وقف التنفيذ المجرم الابتدائي فقط .كما يجب على المحكمة أن تعلل قرارها بوقف التنفيذ تعليلا مستقلا وان كانت ىغير ملزمة بهذا التعليل في حالة عدم تقريرها له
وبالنسبة لأثر وقف التنفيذ فانه لا يسري إلا على العقوبات الأصلية وحدها دون العقوبات الإضافية ولا على الصوائر الدعوى والتعويضات المدنية أو فقدان الأهلية المترتبة عن الحكم الزجري .
ومع ذلك فان العقوبات الأضافية وحالة فقدان الأهلية ينتهي مفعولها حتما يوم يصبح الحكم ىكأن لالم يكن وفقا لمقتضيات الأولى من المادة 56 من ق ج .
الفقرة الثانية ضوابط السلطة التقديرية للقاضي
htmlspecialchars_decode('"')
أولا : الضوابط المتعلقة بالجريمة : htmlspecialchars_decode('"')
إن الخطورة الإجرامية هي تلك الحالة النفسية والتي يحتمل من صاحبها أن يكون مصدرا لجريمة مستقبلية ويتعين التمييز في الخطورة الإجرامية للفاعل بين العناصر المكونة للجريمة والعوامل المنشأة لها والأمارات الكاشفة عنها، والملابسات الموقظة لمفعولها أي العوامل المنبهة لها والخطورة بهذا المعنى إما عامة تنذر بأية جريمة، وإما خاصة تنذر بجرائم معينة أو من نوع معين، ومن ثم تنشأ منها صورة التخصص في إجرام معين .
وهكذا فالجرائم ليست كلها على قدر واحد من الخطورة فهناك المخالفات والجنح وهناك الجنايات ، كما يمكن التمييز بين الجرائم العمدية والجرائم غير العمدية وبين الجرائم المستمرة والجرائم الفورية، وبين الجرائم الطبيعية والجرائم الاصطناعية، وكل جريمة تترك ضررا معينا، هذا الضرر والذي يختلف من جريمة إلى أخرى، والقاضي الجنائي يكون ملزما بتقدير حجم الضرر ومدى قوة تأثيره على الضحية أو على المجتمع بصفة عامة هل هو ضرر خفيف أم أم ضرر جسيم؟ هل هو قابل للإصلاح أم ليس كذلك؟ وما هي الوسائل التي ارتكبت بها الجريمة؟ ومكان وزمان ارتكابها؟ هل في وسط أصل أم لا؟ هل ارتكبت ليلا أم نهارا؟ فهل أخذ المشرع المغربي يا ترى بهذه الضوابط أم لا؟ أم ترك الباب مفتوحا بمصراعيه أمام كل من الفقه والاجتهاد القضائي لتأطير هذه الضوابط بتحيز غير مستهان به من النظريات القانونية؟ والملاحظ بهذا الصدد أن المشرع المغربي ننص في ف 141 من ق ج على أن للقاضي السلطة التشريعية في تحديد العقوبة وتفريدها بين نطاق الحدين الأقصى والأدنى المقررين في القانون المعاقب على الجريمة مراعيا في ذلك خطورة الجريمة وشخصية المجرم من ناحية أخرى .
والملاحظ من هذه المادة أن المشرع المغربي رغم نصه على خطورة الجريمة كضابط على القاضي الأخذ به عند تفريد العقوبة إلا أنه لم يحدد المعايير المشكلة للخطورة الإجرامية حيث ترك الأمر مبهما، وذلك على عكس المشرع الايطالي الذي نص في الفقرة الأولى من المادة 133 من قانون العقوبات الايطالي الصادر في سنة 1930 على المعايير المستخلصة من جسامة الجريمة ، ونفس الشيء نجده عند الـمشرع الليبي في المادة 28 من قانون العقوبات الليبي رغم أن المادة السالف ذكرها تعتبر نقلا لمقتضيات المادة 141 من قـانـون العقوبات الايطالي .
لكن عند العودة إلى الفقه نجد ثلاثة أمارات كاشفة يمكن للقاضي الاعتماد عليها في استخلاص خطورة الجريمة وهي :
جسامة الاعتداء على الحق.
أسلوب تنفيذ الفعل الإجرامي
العلاقة بين المتهم والمجني عليه .
وعليه فدراسة الخطورة الإجرامية من هذا المنطلق يجب أن تركز على الركنين المادي والمعنوي حتى يتم استجلاء الخطورة الإجرامية انطلاقا من هذين الركنين .
ضوابط الركن المادي : ( النشاط الإجرامي والنتيجة الإجرامية) .
ضوابط النشاط الإجرامي :
الوسيلة: وهي مختلف الأدوات التي وظفت في الجريمة بهدف اتيان النشاط الإجرامي مثل استعمال السلاح والعنف والتعذيب .
الزمان : يعول عليه في تحديد صنف الجريمة ، فظرف الليل يعتبر ظرفا من ظروف التشديد في جريمة السرقة والواردة في الفصل 510 من ق.ج كما يمكن لليل أن يكون سببا من الأسباب التي تمحوا ارتكاب الجريمة إذا ما تعلق الأمر بالفصل 417 والذي يحيلنا على الأسباب التي تمحو ارتكاب الجريمة الفقرة الثانية الفصل 125 من ق. ج .
المكان : أي الموقع الذي مورس فيه النشاط الإجرامي ، والذي قد يساهم في إنجاح أو إفشال العملية .ضوابط النتيجة الإجرامية :
هذه النتيجة والتي تتمثل عادة في الضرر المعنوي الذي ينال مصلحة أو حقا يحميه القانون، وهكذا ينظر المشرع المغربي إلى النتيجة الإجرامية والتي يربطها بالنشاط الإجرامي فلا يكفي لقيا الركن المادي حصول النشاط بل لا بد من وجود علاقة سببية بينهما ، وهكذا فكلما كان الضرر تافها كانت العقوبة خفيفة والعكس صحيح، وهذا ما بفرض وجود ملائمة بين الفعل الجرمي والعقوبة انطلاقا من الماديات التي تقوم عليها الواقعة الجرمية بناء على دراسة ما يكتنفها من غموض .
ضوابط الركن المعنوي :
:إن الركن المعنوي كماكما عرفه أستاذنا المحترم الفقيه الدكتور أحمد الخمليشي "الإرادة الجنائية، أي توجيه الإرادة فعلا إلى تحقيق النشاط الإجرامي ، أو على الأقل تعطيل هذه الإرادة وارتكاب هذه الجريمة عن طريق الإهمال" .
وهكذا فالعنصر المعنوي في الجرائم العمدية والقصد، وفي جرائم الإهمال والمخالفات هو الخطأ .
واستظهار القصد الجنائي من أهم واجبات القاضي ، بحيث لا يستقيم بغيرها إمكان تطبيق قانون ولا تقدير عقوبة، وهو يتفاوت في دقته من جريمة إلى أخرى تفاوتا كبيرا، كما يعبر من مدى خطورة الفاعل لأنه يعكس نفسية الجان الخطرة، كما يساهم في تمديد نوع القصد هل هو عام أو خاص، بسيط أو مسبوق بسبق الإصرار في جسامة العقوبة .
وعليه يمكن للقاضي بناءا على ما سبق ذكره من معطيات من قبيل الاعتماد على كل من الركنين المادي والمعنوي لدراسة الجريمة هذا بالإضافة إلى كيفية اقترافها وكذا الظروف والملابسات المحيطة بالواقعة الجرمية، فهل يعتبر هذا الضابط المتعلق بالجريمة كافيا لتوقيع العقوبة أم أن الأمر يتعداه إلى ضرورة البحث في ضوابط أخرى أكثر أهمية؟ هذا ما سنحاول الإجابة عنه في المحور الآتي المتعلق بالجرم.
htmlspecialchars_decode('"')
ثانيا : الضوابط المتعلقة بالمجرم . htmlspecialchars_decode('"')
لم يعد تحقق الجريمة بركنيها المادي والمعنوي كافيا في ذاته لاعتبار فاعلها العاقل الراشد مؤولا، وإنما أضيف في سبيل المسؤولية شرط آخر، هو أن يكون فاعل الجريمة على خطورة إجرامية، والفضل في إضافة هذا الشرط إنما يرجع إلى العناية بالنظرية العامة للفاعل ( المجرم) ، بعد أن كانت العناية كلها محصورة في النظرية العامة للفعل .
وهكذا جاءت السياسات الجنائية الحديثة واضحة الرؤيا حيث دعت إلى العناية بأشخاص المجرمين الذين يظهرون خطورة تـهدد سلامة وأمن المجتمع، ولمواجهة هؤلاء الأشخاص الخطيرين فإن الدراسات تركز على محاولة معرفة الأسباب والدوافع التي دفعتهم للإجرام من أجل معالجتها والحد من الخطورة الإجرامية لمرتكبي الجريمة، وفي سبيل ذلك تفرض عليهم بعض التدابير الوقائية من أجل حماية المجتمع من ظاهرة الجريمة وقد كثر الجدل حول هذا المفهوم بعد أن أصبحت تحتل مركز الصدارة في العلوم الجنائية .
وعليه فدراسة المجرم تقتضي دراسة سلوكه قبل ارتكابه لها حتى يتم الوقوف فعلا على درجة أو مستوى الإجرام لدى هذا المجرم. وهذا ما سنحاول معالجته بناء على المعطيات الآتية :
o موقف المجرم قبل ارتكاب الجريمة :
يتعلق الأمر بالظروف المرتبطة بالجاني قبل ارتكاب الجريمة ويدخل في نطاقها كل من حياة المجرم الشخصية والعائلية كالبيئة الأسرية والحالة العائلية ، فهذا بالإضافة إلى السوابق القضائية .
لكن هذه الظروف وحدها لا يمكن أن نعتبرها السبب المباشر للجريمة حيث يمكن الأخذ بعين الاعتبار الباعث الوازع الذي يحرك نفسية الجاني وتجعله يرتكب الجريمة في حين أن تحقق النية الأخيرة للجاني بارتكابه للإجرام تكون غالبا مسبوقة بسبب يراه المحللون نقطة البداية لتحريك التيار النفسي للفكرة الإجرامية أو الباعث على الجريمة .
هذا الباعث يختلف من متهم إلى آخر، فجريمة القتل مثلا واحدة يرتكبها أكثر من شخص له باعث خاص، شخص يقتل أباه حتى يتسنى له إرث أمواله ، و؟أم تقتل وليدها خشية الفقر وعدم القدرة على الإنفاق عليه أو خوفا من العار خصوصا لما يكون الابن غير شرعي، إذن فعل مجرم له باعث خاص به على ارتكاب الجريمة. تحت تأثير العاطفة" سببا من أسباب التخفيف أو الإعفاء العقوبة، ولكنه أخذ بالباعث بعين الاعتبار في بعض الحالات المنصوص عليها على سبيل الحصر في القانون الجنائي المغربي مثل المادة 418 من ق ج والتي تخفف العقوبة في جرائم القتل والضرب والجرح التي يرتكبها أحد الزوجين من الآخر نتيجة التلبس بجريمة الخيانة الزوجية، هذا بالإضافة إلى مراعاة الدافع الذي دفع الأم إلى قتل وليدها بالعقاب 5 سنوات سجنا بدل المؤبد. .
كما أن المشرع المغربي أخذ بالباعث النبيل عند الجاني والنابع من العاطفة وصلة الرحم القرابة العائلية مع إمكانية الإعفاء من العقاب في هذه الحالة وفقا للمادة 295 من ق.ج والتي تبيح للقاضي أن يعفي من العقوبة المقررة في حالة التستر على الجرم وذلك في حالة كان الأمر يتعلق بالأقارب أو الأصهار .
وفي غياب النصوص المخففة كليا أو جزئيا من العقاب لتوافر الباعث يبقى للقضاء المغربي انطلاقا من السلطة المخولة له في إطار المادة 141 إمكانية مراعاة الباعث فبحكم بالحد الأدنى إذا كان الباعث نبيلا أو الحد الأقصى إذا كان الباعث دنيئا ، كما له أن يمتع الجاني بظروف التخفيف القضائية الواردة في الفصل 146 من القانون الجنائي .
o موقف المجرم بعد ارتكاب الجريمة:
قد يرتكب زيد جريمة معينة ويلوذ بالفرار وبعد مجهود شاق لرجال الشرطة يتم إلقاء القبض عليه وبعد التحقيق معه يتم إنكار كل ما نسب إليه ، و قد يرتكب عمر نفس الجريمة لكنه يقدم نفسه للعدالة و يعترف تلقائيا بالفعل المنسوب إليه فهل يمكن المساواة في العقاب بين كل من زيد وعمر ؟
إن الشخص الذي يلوذ بالفرار عقب ارتكاب الجريمة يحمل بداخله مدى الخطورة الإجرامية، وهو غالبا ما يرتكبها بعد تخطيط مسبق ومدروس ،وهذا يدل على أن الباعث من الجريمة كان دنيئا ، عكس الشخص الذي يتقدم باعترافه تلقائيا مع كره بأن أسباب أو بواعث الجريمة كانت خارجة عن إرادته وهذا ما يجعل بعض التشريعات تتبنى تمتيع الجاني بظروف التخفيف ومن بينها القانون الفرنسي ولا سيما المادتين 284 و 285 منه .
كما أخذ المشرع المغربي بهذه الظروف وذلك في نطاق المادة 211 من ق. ج حيث نصت على أنه يتمتع بعذر معف من العقوبة طبقا للشروط المقررة في المادتين 143 و 145 ق.ج من أخبر من الجناة مثل غير السلطات المشار إليها في الفصل 209 بجناية أو جنحة ضد سلامة الدولة وبفاحليها أو المشاركين فيها، وذلك قبل أي تنفيذ أو شروع في التنفيذ، إلا أن هذا الإعفاء يكون اختياريا حب المادة 212 ق.ج إذا تم التبليغ بعد تنفيذها .
وعليه فهذه الضوابط المتعلقة بتــفريد الجزاء ومدى ملاءمتها للجاني لا يمكن بلورتها على أرض الواقع، إلا إذا كان القاضي على علم واسع بعلم الإجرام، علم النفس الجنائي، وكذا بعض العلوم الاجتماعية، وهكذا جاءت الدراسات النفسية تناشد القضاة بأن يبتعدوا على التركيز على أوراق الملف ويتوجهوا نحو دراسة المجرم على مستوى السلوك الداخلي والخارجي وكذا جميع الظروف التيتؤثر على حالته النفسية ومزاجه ودرجة الإبراء لذا هذا المجرم .
يضاف إلى كل ما سبق ذكره بأن دراسة المجرم لها أهميتها بالنسبة لنظام التدابير الوقائية بعد أن ثبت قصور العقوبة وحدها في مكافحة ظاهرة الإجرام خاصة في الحالة التي تبدوا فيها العقوبة غير كافية لمواجهة الخطورة الإجرامية كحالة المجرم الشاذ والمجرم المعتاد ، وفي هذا الصدد وجدت عدة آراء فقهية بين منادية للجمع بين العقوبة والتدابير الوقائية والأخرى المنادية بعدم الجمع بينهما، فالرأي يستند في حججه إلى أن هناك أنواع معينة من المجرمين وخاصة المعتادين على ممارسة الإجرام لا تنفع معهم العقوبة بل لابد من أجرأتـــها بتدابير وقائية قصد * هذا المجرم وإرجاعه عضوا صالحا في المجتمع، أما الرأي الثاني ويأتي في طليعته رأي دكتورتنا لطيفة مهاني والتي تنادي بضرورة عدم الجمع بين كل من العقوبة والتدابير الوقائية لأن هناك تضارب على مستوى الخلفية * فإذا كان هدف العقوبة زجري فإن هدف التدبير هو إصلاحي بالدرجة الأولى، الشيء الذي يطرح نوعا من التساؤل حول كيفية التعامل مع هذا المجرم ؟ خصوصا إذا ما علمنا أن الجمع بين نضامين من شأنه أن يسبب لنا نتائج لا تحمد عقباها على مستوى الارتباك الذي قد يتحقق في نفسية هذا الجاني * على الإجرام ثانيا، وهكذا فالحكم القضائي يفرض تدبير وقائي يستلزم شأنه شأن الحكم بالعقوبة أن يكون مسببا وأن عدم تسبيب الحكم باختيار التدبير الوقائي يعتبر سببا لنتخد هذا الحكم .
فإذا ما علمنا أن مشرعنا المغربي في المادة الجنائية قد أطلق العنان لسلطة القاضي على مستوى دراسة سلوك المجرم قصد معاقبته بالعقوبة وكذا التدبير الذي يلائمه فإننا نكون في هذه الحالة نعيش على وقع إشكالية لطالما كانت موضوع دراسة فقهية بين الفقهاء وهي القضاء المتخصص كون توقيع الجزاء على كل مجرم على حدة تتحدد بدراسة شخصية معمقة كما أسلفنا ، وهكذا جاءت التوصيات من طرف علماء النفس بمحاولة التقرب من المجرمين ودراسة سلوكهم لهدف وجيه وهو الوقوف على الخطورة الإجرامية لهؤلاء المجرمين.
الفقرة الثالثة : الرقابة القضائية على سلطة القاضي التقديرية في تفريد الجزاء .
إن منح القاضي الجنائي سلطة تقديرية في اختيار الجزاء المناسب وذلك بمراعاة العوامل النفسية والاجتماعية الكامنة في شخص المجرم قد يعرضه للخطأ في تقدير الجزاء نظرا لكون المشرع لم يضع أمام القاضي معايير دقيقة ترشده في أداء مهمته رغم وجود درجات للقاضي وهذا لا يمنع من صدور أحكام متفاوتة في قضايا متشابهة نتيجة توسع السلطة التقديرية للقاضي بحكم ضرورة تفريد الجزاء وهذا ما يؤكد على ضرورة إيجاد معايير قانونية تساعد القاضي على إيجاد الجزاء المناسب،وهذا ما دفع عدة تشريعات إلى إخضاع السلطة التقديرية للقاضي للمراقبة.
فتسبيب الحكم كما عرفه الدكتور أحمد الخمليشي هـي " العناصر والأدلة التي تعتمدها المحكمة لتبرير منطوق الحكم التي تصدره" ، كما يعتبر هذا التسبيب ذوا أهمية بالغة، فهو من ناحية يعتبر ضمانا لمصلحة الخصوم ،إذ يقتضي أن يمكن القاضي من النظر والتدقيق في البحث حتى يستطيع أن يصل إلى المقررات التي تؤدي منطقيا إلى الحقيقة التي يعلنها في منطوق الحكم، وبذلك يدرأ عنه الثأر العاطفي الذي لا أساس له من الواقع بوجهة دون وجهة، ومن ناحية أخرى، فإن تسبيب الأحكام يتيح التعرف على الأسباب التي استند إليها القاضي في حكمه، فإن اقتنعوا بها تقبلوا الحكم واثقين في عدالته وإن لم يقتنعوا سلكوا سبيل الطعن المتاح لهم، فضلا عن ذلك فإن تسبيب الأحكام يمكن المحكمة التي يطعن أمامها في الحكم من تفهم مرامي الحكم وأساسه بما يسر لها الفصل في هذا الطعن وفق طرق الطعن غير العادية المنظمة في قانون المسطرة الجنائية .
هذا وإن كانت أغلب التشريعات مجمعة على ضرورة تسييب الأحكام الجنائية لما لهذا التعليل من فعالية في مراقبة التطبيق السليم لنصوص القانون فإن الأمر يختلف بالنسبة لمسألة مراقبة سلطة القاضي التقديرية في التفريد، وهذا راجع إلى عدم وجود قواعد قانونية يلتزم بها القاضي الجنائي في تفريد العقوبة من جهة وتسيير عملية المراقبة من طرف المحكمة العليا من جهة أخرى .
فمن خلال استقراء المادة 141 من القانون الجنائي نجد أن المشرع متم هذا الفصبنوع من المرونة والتي لا تعرفها باقي فصول المجموعة وهذه المرونة تتجلى في إعطاء هذه السلطة التقديرية للقاضي في التفريد وإن كانت نسبية وفق حدين أقصى وأدنى ، هذا الفصل والذي يرمي فيه بعض الفقهاء تبادلا للأدوار بين كل من المشرع والقاضي ومعنى هذا هو إعطاء الحق للقاضي في ممارسة التشريع والذي يتجلى وفق هذه السلطة المخولة له .
ويزداد هذا المشكل من حدته لما نعلم أن معالم دراسة الخطورة الإجرامية والنزعة الإجرامية في القانون لا وجود لها بل يستأنس فقط ببعض النظريات الفقهية والتي تبقى محدودة الفعالية أمام تطور وسائل الإجرام وكذا بروز ظاهرة الإجرام المنظم، زد على ذلك ضعف التكوين الذي يعاني منه بعض القضاة على مستوى تكييف النصوص ودراسة الشخصية الإجرامية لكل مجرم على حدة
فإذا كان المشرع المغربي انطلاقا من المادة 141 قد آمن بـمبدأ التفريد واخذ به شأنه في ذلك شأن التشريعات المعاصرة إلا انه أوكل إلى القاضي سلطة مقيدة ونسبية حينما منحه الحق في التفريد وفـق حـدين أقصى وأدنـى .
لكن الإشكال هنا يطرح على مستوى غياب معايير دقيقة يهتدي بـها القاضي في تقدير الجزاء مع إمكانية مراقبة هذا التفريد من طرف هيأة تسهر على إعمال المراقبة كما هو الحال في التشريع الليبي، ليطرح هذا المنوال حول رهانات إمداد هذه الرقابة إلى هيأة عليا يكون لها قوة رقابية تمتد إلى مسائل القانون والموضوع .
المطلب الثالث : التفريد الأداري للجزاء
التفريد الإداري هو الذي يتم على مستوى تنفيذ العقوبة انطلاقا من مجموعة من الإجراءات التي يمكن من خلال تفعيلها التقليص من العقوبة أو الإعفاء منها نضرا لتحسن سلوك السجين وإصلاحه داخل المؤسسة السجنية حيث يتيح بدلك إمكانية ادكاء الأمل في نفوس المحكومين .ولقد تطرق سالاي إلى هده الوسيلة كنوع من التفريد حيث أشار في هدا الصدد إلى ضرورة إشراك إدارة السجون والاعتراف لها بسلطات واسعة تمكنها من ملائمة العقوبة للتطور الملاحظ على المجرم .فادا كان قاضي الموضوع يحدد العقوبة نضريا فان المدة الوجيزة التي يمثل فيها المتهم أمام القاضي لا تتعدى في أحسن الأحوال فترة المحاكمة فالعقوبة التي تصدر في فترة معينة من حيات الجاني لا يمكن أن تعكس شخصيته الحقيقية ومن هدا المنطلق وما دام هدف العقوبة هوا صلاح الجاني وتهذيبه فليس هناك ما يدعو إلزاما إلى تنفيذها إلى حيث تمامها كما حددها الحكم .
ويمكن الوقوف في هدا المطلب على مجموعة من الإجراءات العملية التي تدخل في نطاق التفريد الإداري للجزاء حيث سنتناول الإفراج المقيد بشروط (أولا) والتخفيف التلقائي للعقوبة والعفو( ثانيا)
أولا الإفراج المقيد بشروط
يعد الإفراج المقيد بشروط الشرطي من أهم الإجراءات التي تتحكم في حركية المعتقلين حيث يرمي إلى منح السجين فرصة لمراجعة الذات وتشجيعه على الانضباط داخل السجن كما يمنح له الفرصة من أجل التشبث بحسن السلوك لأن عدم احترام دالك سيكون سبب بعودته إلى السجن من جديد ولقد عرف المشرع المغربي الأفراج المقيد بشروط في المادة 59 من ق.حيث نصت على ما يلي :الإفراج المقيد بشروط هو إطلاق سراح المحكوم عليه قبل الأوان نضرا لتحسن سلوكه داخل السجن على أن يظل مستقيم السيرة في المستقبل أما ادا ثبت عليه سوء السلوك أو ادا أخل بالشروط التي حددها القرار بالإفراج المقيد فانه يعاد إلى السجن لتتميم ما تبقى من عقوبته. ولقد تحدد المواد من 622 الى 632 من ق.م.ج الإجراءات الشكلية المرتبطة بهدا الموضوع . وبالرجوع إلى هده المواد نجد المشرع وضع مجموعة من الشروط للاستفادة من هدا الأجراء حيث يجب أن يقضي المحكوم عليه نصف العقوبة ادا كان الأمر يتعلق بجنحة وثلثي العقوبة ادا كان الأمر يتعلق بجناية او بعقوبة جنحية من أجل وقائع وصفت بجناية, وادا تعلق الأمر بمحكوم عليه بالإقصاء
ثانيا التخفيف التلقائي للعقوبة أو العفو منها
التخفيف التلقائي للعقوبة يتيح إمكانية استفادة كل معتقل محكوم عليه أبان عن حسن سلوكه من تخفيض قد يصل الى ثلاثة أشهر كحد أقصى عن كل سنة أو بتخفيض مدته سبعة أيام في الشهر ادا كان محكوم عليه بعقوبة تقل عن سنة . وهدا الأجراء لا يشكل وسيلة للتقليل من عدد المعتقلين فحسب ولكنه وسيلة لنشر السكينة والاطمئنان داخل صفوف المحكومين .
أما بالنسبة للعفو الملكي السامي فهو بدوره يهدف إلى تحقيق أهدافا نبيلة ويخلف ارتياحا في نفوس المعتقلين كما يجدد لديهم الأمل في مستقبل أفصل وفي اندماج سليم داخل النسيج الاجتماعي بعد الإفراج وهدا هوا لهدف من العقوبة شريطة أن يتم اختيار لائحة المستفيدين منه بطرق سليمة من طرف الإدارة المشرفة على المؤسسة السجنية ولقد نص عليه المشرع في المادة 53 من ق ج وهو منظم بظهير رقم 387.57.1 الصادر في 6 فبراير 1958 .
لقد كانت هده بعض التدابير التي تدخل في نطاق التفريد الإداري بقي لنا الآن أن نتساءل حول من سيقرر في حالة الجاني بعد الحكم عليه . لقد كان الرأي الغالب في أول الأمر يرجع أمر دلك إلى إدارة السجون لكن ترك الأمر للإدارة لا يمكن أن يوفر الضمانات الكافية وإنما قد تتحقق هده الضمانات بشكل أفضل بتدخل السلطة القضائية .وهدا هو النظام المتبع في القانون الايطالي الصادر سنة 1930 أما بالنسبة للمشرع المغربي فلقد قام بدوره في التعديل الأخير للمسطرة الجنائية بإحداث قاضي تطبيق العقوبة والدي يعهد إليه في كل محكمة ابتدائية وقد اسند إليه مجموعة من الاختصاصات من بينها تقديم مقترحات حول العفو والإفراج المقيد بشروط . وهدا التوجه سبق وأن تم تداوله مند سنوات خلت خلال مؤتمرات عديدة كان من أهمها المؤتمر الدولي للقانون الجنائي الذي انعقد بباريس سنة 1937 . وإحداث هده المؤسسة لم يعد دور القاضي منحصر في إصدار الأحكام بل تعداه إلى تتبع ومراقبة كيفية تطبيقها . لكن بالرغم من دلك يمكن القول أن المهام المسندة إلى قاضي تطبيق العقوبة تكتسي صبغة إدارية تهدف بالأساس إلى مراقبة حسن تطبيق العقوبة ولا تؤثر بشكل ملحوظ في المقررات القضائية خلافا لما هو عليه الأمر في بعض التشريعات حيث يمكن لقاضي تطبيق العقوبة إدخال تغييرات على المقررات القضائية من خلال إصداره لأوامر تنفيذ بعض الإجراءات البديلة للعقوبة السالبة للحرية وهدا ما نلمسه في التعديل الحديث للمشرع الفرنسي المسمى قانون يربين والدي منح لقاصي تطبيق العقوبة مهمة تحديد الظروف الحقيقية لتنفيذ العقوبة أو تعديلها في حدود مقننة اعتبارا لشخصية المحكوم عليه ولإمكانيات إعادة إدماجه ومن بين هده الإجراءات ندكرالوضع بالوسط المفتوح,و إقراره للحرية المقيدة, الوضع بالوسط الخارجي ودلك بالنسبة للعقوبات القصيرة التي لا تتجاوز السنة المادة( 732- 15 ) وبالنسبة للغرامة لقد نص على تخفيضها بنسبة 20% ادا تم أدائها داخل شهر من الحكم بها المادة( 707-2)
وانطلاقا مما سبق يجب التفكير ادا في إضافة مهام جديدة لقاضي تنفيد العقوبة تنسجم مع مبدا تفريد الجزاء وتنفيد بعض التدابير البديلة للعقوبة السالبة للحرية
الخاتمة
لقد حاولنا قدر الإمكان أن نحيط بمبدأ تفريد الجزاء حيث بعد تطرقنا إلى دراسة نظرية من خلال التطرق إلى موقف مختلف المدارس الجنائية حاولنا الوقوف على مبدأ تفريد الجزاء وفق التشريع المغربي. ولا حضنا بأن فكرة تفريد الجزاء عولجت في إطار توزيع الاختصاصات بين المشرع والقاضي والإدارة المشرفة على تنفيذ الجزاء. وما يمكن ملا حضته هو أن هده الجهات تنطلق كل واحدة منها من جهة مختلفة ففيما يتعلق بالمشرع فانه يحدد العقوبة بشكل عام وهدفه هو تحقيق الردع العام حيث ينطلق في تقدير العقوبة من مدى خطورتها على المجتمع .مع تمكينه للسلطات الأخرى من جعل العقاب القانوني مناسب لحالة الجاني الفردية ولظروف الجريمة حيث ترك الأمر للقاضي لاستعمال سلطته التقديرية مراعيا في دالك كل من ظروف المجرم والجريمة .وما دام هدف العقوبة هو الإصلاح فالمشرع ترك السلطة أحيانا للإدارة المشرفة على تنفيذ الجزاء من أجل التخفيف من العقوبة أو الإعفاء منها مراعية في دالك تحسن سلوك السجين داخل المؤسسة السجنية .ومن خلال ما وقفنا عليه خلصنا إلى ما يلي
أن المشرع المغربي حاول التوفيق بين كل من التفريد القانوني والتفريد القضائي والتفريد الإداري. وان كان التفريد الإداري لا زال لم يصل إلى المستوى المطلوب منه حيث أن السلطة التي منحها المشرع لقاضي تنفيد العقوبة في هدا الصدد تبقى محدودة .
لكن ما يعاب على المشرع هو أنه منح السلطة التقديرية للقاصي لكن لم يحدد له الضوابط والمعايير الممكن الاعتماد عليها في تفريد الجزاء بشكل دقيق
صحيح أن التفريد القضائي للجزاء أصبح مفروض من أجل التعامل مع العقوبة بشكل مضبوط عكس ما كان عليه الأمر في السابق حيث كان القاضي مجرد الة للنطق بالعقوبة المحددة سلفا حيث كان دوره تحكيمي فقط .
وقد يعتقد البعض بأن منح السلطة التقديرية للقاضي فيه نوع من المجازفة بمبدأ الشرعية ومبدأ المساواة بين الأفراد لكن هده تبقى مغالطة يجب تصحيحها
فادا كان مبدأ الشرعية يعني في مفهومه الواسع لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص ووجد من أجل وضح حد لتعسف القاضي وهدفه الأسمى هو تحقيق المساواة بين مرتكبي نفس الفعل الإجرامي والدي يبقى هدف العدالة الجنائية .لكن السؤال الذي يمكن طرحه هل القاضي عندما يستعمل سلطته التقديرية في تفريد الجزاء يكون قد عصف بمبدأ المساواة؟ وللإجابة على هدا التساؤل يجب قياس تأثير العقوبة على الأفراد, وبصيغة أخرى هل تأثير العقوبة هونفسه عند مرتكبي نفس الفعل ؟
دعنا ننطلق من المثال التالي طالب جامعي ارتكب جريمة يعاقب عليها المشرع بعقوبة تتراوح بين شهر وسنة حبسا نافدا وشخص أخر ارتكب نفس الجريمة وفي نفس الظروف المحيطة بها. يستعمل القاضي سلطته التقديرية فيحكم على الشخص الأول بشهر موقوف التنفيد مراعيا في دالك ظروف التخفيف ويحكم على الشخص الثاني بشهر حبسا نافدا, فهل حكم القاضي هنا يتعارض مع مبدأ الشرعية؟
بالطبع فالجواب سيكون بالنفي لأنه طبق المساواة الحقيقية في العقاب .وبمفهوم المخالفة لو أنه طبق نفس الحكم على الشخص الأول وهي شهر حبسا نافدا عندها سيكون طبق المساواة المجردة بدون مراعاة الظروف المحيطة بكل شخص على حدة لأن تأثير هده العقوبة سيكون له وقع كبير تلك الطالب الجامعي بخلاف الشخص الأخر
وهدا مثال واضح على أن القاضي عندما يسعى إلى تفريد الجزاء فهو يريد تطبيق المساواة في العقاب وهدا يقودنا إلى القول بأن منح القاضي السلطة التقديرية لا يتعارض مع مبدأ الشرعية بقدر ما يمثل توسيعا لها وتطبيقها على ارض الواقع تطبيقا سليما
لكت المشكل المطروح هو أن المشرع لم يحدد المعاير والضوابط التي يمكن لها أن توجه سلطة القاضي التقديرية بشكل دقيق وهدا قد يفتح الباب على مصراعيه أمام القاضي لكي ينطلق من معايير شخصية أو عرقية أو فكرية خصوصا في ضل ضعف التكوين العلمي لأغلب القضاة .فالقاضي إنسان مثل باقي البشر وما تلك الهالة المقدسة التي نمنحها له سوى ضرب من الخيال , وترك السلطة التقديرية للقاضي بشكل فضفاض بدون رقابة يفرض وجود قضاء نزيه ومستقل وفي غياب دلك على المشرع أن يتدارك الأمر من اجل تحديد الظروف المحيطة بالجاني بشكل دقيق ومسبق رغم عدم علمه بالجاني قبل ارتكاب الجريمة, ويمكن الاستعانة هنا بخبراء في علم الأجرام من أجل تقسيم دقيق للمجرمين والوقوف بكل الظروف التي تؤدي إلى الجريمة, كما يجب تفعيل التكوين العلمي للقاضي الجنائي حتى يكون ملم بالعلوم المساعدة للقانون الجنائي وأخص بالذكر هنا علم الأجرام وعلم الاجتماع الجنائي وعلم النفس الجنائي, خصوصا بالنسبة لقضاة التحقيق الدين يلزمهم القانون وبصفة إجبارية في الجنايات البحث في الحياة الاجتماعية للمجرم والظروف التي قادته إلى الجريمة ,وقاضي تطبيق العقوبة غالبا ما ينطلق من ما توصل إليه قاضي التحقيق من بحث حول المتهم ودلك لضيق المدة التي يمثل فيها أمامه ولكثرة الملفات المعروضة عليه. وهدا بدوره إشكال يجب تداركه من أجل منح الفرصة للقاضي لتطبيق سلطته التقديرية في تفريد الجزاء بشكل سليم ومتزن وكل هدا من أجل تحقيق هدف العدالة الجنائية الأسمى وهو تحقيق المساواة وتحقيق الهدف من العقوبة وهو إصلاح المجرم ومنعه من العود إلى الجريمة .
عند الحديث عن تفريد الجزاء تتبادر الى ذهننا معادلة معقدة، معادلة بثلاث متغيرات غير ثابتة الجريمة و المجرم و العقوبة و تعتبر العقوبة المجهول الصعب داخل هذه المعادلة.و أول سؤال يمكن طرحه هو على أي أساس تقوم العقوبة؟
هل انطلاقا من الضوابط المحيطة بالجريمة أم انطلاقا من الضوابط الموضوعية و الذاتية المحيطة بالمجرم؟ و إذا اتبعنا الحل الأول فهل يمكن تحديد عقوبة ثابتة لكل جريمة؟أم وضع عقوبة ذات حدين حد أقسى وحد أدنى أم يتم بالإضافة إلى ذلك وضع عقوبة تخييرية لكل جريمة؟
و إذا اتبعنا الحل الثاني من يا ترى سيعمل على تحديد الضوابط المحيطة بالمجرم؟ و على افتراض أن المجرم يكون مجهول قبل ارتكاب الجريمة هل المشرع قادر على تحديد هذه الضوابط بكل دقة ولو قبل ارتكاب الجريمة أم يجب ترك الأمر لسلطة القاضي التقديرية؟ و إذا كان الأمر كذلك فهل هذا لا يتناقض مع مبدأ شرعية العقاب و مبدأ المساواة بين مرتكبي نفس الفعل ,و يمكن أن نضيف عدد لا متناهي من الأسئلة و هي كلها تساؤلات تبقى معقدة لأنها تدور في فلك متغيرات مجهولة ,المجرم والجريمة.ومن أجل تجنب السرد اللامتناهي من الأسئلة يمكن اختزال ذلك في سؤال واحد كيف يتم تفريد العقوبة المفروضة على شخص أرتكب فعلا تجرمه القوانين هل يجب التركيز على الجريمة أم على المجرم؟ وهل يتم التركيز على التفريد القانوني أم القضائي أم يجب ترك الأمر للسلطة الإدارية لتقوم بتفريد الجزاء ؟
وكل هده التساؤلات لم تطرح و تكتمل معالمها بشكل ملحوظ إلا انطلاقا من مرحلة العهد العلمي أو عهد الدراسة الفلسفية للظاهرة الإجرامية انطلاقا من منتصف القرن 18 . أما في ما سبق لم يكن الحديث عن أهداف العقوبة و مقاييسها لان تطبيق العقوبة على مرتكب الجريمة كان أمر طبيعي يستوجبه العدل وتفرضه ضرورة التأكيد على رفض المجتمع للتصرف الإجرامي حيث كانت العقوبة جواب حتمي للجريمة . و يمكن التميز هنا بين عصر الانتقام الفردي ، وعصر الردع والتكفير ، وعصر الرحمة الإنسانية .إلا أن هذه المواقف لم تصمد أمام هجمات العقلانية العلمية للجريمة حيث انتصرت على كل التصرفات المجتمعية التقليدية و هكذا و بعد مسلسل من التصورات و الأبحاث التي توصلت إليها مختلف المدارس العلمية أصبح المجرم قبلة لنظريات و أفكار جل الفقهاء الذين سارعوا إلى البحث عن أنجع وسيلة لجعل العقوبة ملائمة لشخصيته حيث لم يعد ينتظر إليه كمذنب يجب معاقبته وإنما كمريض يجب تخليصه من مرضه .وهدا ما يعبر عنه بتفريد الجزاء .
وهكذا يكون مبدأ تفريد الجزاء قد احدث ثورة في الفقه الجنائي قلبت مفاهيمه و حولت تركيزه من الجريمة إلى المجرم . حيث لم يعد يوجد نضام جنائي يشكك ألان في مبدأ تفريد الجزاء في نجاعته و نفعيته و وضعه على رأس جدول أعمال أهداف العقوبة و أسباب تبريرها حيث أصبحت كل عقوبة مركزة على أهداف إصلاح الجاني و كل عقوبات لا تحترم هذه المصلحة فهي مرفوضة من حيث المبدأ هذه هي الحقيقة الواضحة التي أصبحت تغدي الأنظمة الجنائية المعاصرة و تحدد دورها وتبرر الحاجة إليها
و من هذا المنطلق جاءت معالجتنا لهذا الموضوع حيث سنحاول التطرق في البحث الأول إلى دراسة نظرية حول مبدأ تفريد الجزاء انطلاقا من موقف مختلف المدارس الجنائية قبل أن نتطرق في المبحث الثاني إلى تطبيق مبدأ تفريد الجزاء على ضوء التشريع المغربي ودلك وفق التقسيم التالي
المبحث الأول: موقف المدارس الجنائية من تفريد الجزاء دراسة نظرية
المبحث الثاني: أنواع تفريد الجزاء دراسة عملية على ضوء التشريع المغربي
المبحث الأول : موقف المدارس الجنائية -دراسة نظرية لمبدأ تفريد الجزاء-
بين سالي بشكل مقنع أن مقياس العقوبة من أقدم القضايا التي طرحها رد الفعل المجتمعي ضد الاعتداء أو الخطيئة أو الجريمة و أن الإنسانية طبقت فكرة التفريد و لو في إطار الإشكال ما قبل القانونية للعقاب .و لكننا سنقتصر في هذا المبحث على التطرق إلى المدارس الجنائية التي ظهرت إبان التطور العلمي للعقاب لأن مبدأ التفريد لم يتم الإلمام به بشكل عقلاني إلا في إطار عقلنة العقوبة و إخضاعها للمنطق السليم.
و هده المدارس منها من ركزت اهتمامها على تفريد الجزاء من الجانب القانوني ويتعلق الأمر بالمدرسة التقليدية ومنها من ركزت اهتمامها على الجانب المتعلق بإصلاح الجاني أي منح الصلاحية للسلطة الإدارية لتفريد الجزاء وفق الخطورة الإجرامية للجاني ويتعلق الأمر بالمدرسة الوضعية.
وبالإضافة إلى المدرسة التقليدية والوضعية هناك مدارس حاولت التوفيق بين في تفريد الجزاء بين الجانب القانوني والقضائي والإداري ويتعلق الأمر بالمدرسة التقليدية الحديثة ومدرسة الدفاع الاجتماعي، ويقتضي منا تناول هدا المبحث تصنيف مواقف هذه المدارس ضمن نموذج متطرف تمثله كل من المدرسة التقليدية و المدرسة الوضعية (المطلب الأول) و منهج معتدل تمثله المدرسة التقليدية الحديثة و مدرسة الدفاع الاجتماعي. (المطلب الثاني)
المطلب الأول: النموذج المتطرف
سنتناول في هذا المطلب كل من المدرسة التقليدية (الفقرة الأولى ) والمدرسة الوضعية (الفقرة الثانية )
الفقرة الأولى: المدرسة التقليدية
جاءت المدرسة التقليدية بمجموعة من المبادئ الأساسية التي قدمتها بخصوص مقياس العقوبة وسنحاول التطرق في هذه الفقرة إلى معظم هذه المبادئ .
لقد ظهرت المدرسة التقليدية في إطار المطالبة بالقطيعة مع النظام الجنائي الذي كان سائد في أوربا و الذي تميز بالتعسف و لقد نظر إليها كل من الإيطالي بيكار يا و الانجليزي بنتهام و الألماني فيورباج و قد تمثلت أهدافها الرئيسية حول ضرورة إعادة النضر في العقوبات و فرض إصلاحات عليها وذلك انطلاقا من فكرتين رئيسيتين:
الفكرة الأولى تنطلق من سلطة الدولة في العقاب و تأسيسها على العقد الاجتماعي و تنفيذ ممارستها بضرورة تحقيق المساواة بين المواطنين، و هذا لا يتحقق إلا بإخضاع العقوبات للقانون، أي مبدأ الشرعية و تحديدها بطريقة موضوعية دون الاهتمام بالحالات الخاصة لكل نازلة أو بالظروف الذاتية للجاني .
ولذلك نجد رمز العدالة الجنائية عند إتباع هذه المدرسة عبارة عن امرأة تضع على عينها عصابة سوداء وفي أحد يديها ميزانا و في الأخرى سيفا ، فتبدو و كأنها تزن الجريمة في الميزان تعاقب عليها طبقا لدرجة جسامتها دون أن تأخذ بعين الاعتبار شخصية الجاني.
أما الفكرة الثانية فتتعلق بافتراض الحرية المطلقة لدى الإنسان شريطة أن يكون كامل الإدراك و التمييز و اعتبار هذه الحرية واحدة بالنسبة لجميع الأشخاص و بالنسبة لجميع التصرفات و الأفعال .
فهي إذن تفترض وجود الحرية عند كل مواطن بنفس القدر و بتأسيس المسؤولية الجنائية على هذه الحرية المفترضة، و لا يتحقق ذلك في إطار هذه المدرسة إلا إذا قام المشرع بتحديد مختلف الجرائم و تقدير مختلف العقوبات المقررة لما مسبقا، و التي ينبغي أن لا تتفاوت بين الحد الأدنى و الأقصى . و معنى ذلك رفض الاعتراف بإمكانية وضع حد أدنى و أقصى للعقوبة عند الجريمة الواحدة و نزع كل سلطة تقديرية للقاضي عند تطبيق العقاب، أي منعه من تفريد العقاب أو تشخيصه حسب ظروف الجاني الشخصية.
و خلاصة القول فإن تطبيق العقوبة على الجاني يهدف أساسا عند مؤيدي هذه المدرسة تقوية الثقة بالنظام الجنائي حيث لا تؤخذ بعين الاعتبار مصلحة الجاني و أحاسيسه و مشاعره.
حيث يقول بيكاريا في هذا الصدد أن هدف وموضوع العقوبة يتجلى في منع الجاني من الإساءة مجددا للمجتمع، وحث معاصريه على تجنب ارتكاب جرائم مماثلة لكن دون اللجوء إلى الوحشية . والأمر يتعلق هنا بوسائل العقوبة دون الاهتمام بغاياتها. و من هنا يتبين بأن هذه المدرسة جاءت لمناهضة و سائل التعذيب التي كانت قائمة في السابق، حيث قامت بوضع قاعدة التجريم والعقاب، لكنها ركزت اهتماماتها فقط على الجريمة دون المجرم. و لقد طبقت افكار هذه المدرسة بحذافيرها في مدونة 1791 الفرنسية التي عملت بنظام العقوبات المحددة . لكن عوض هذا القانون بالقانون الصادر سنة 1810 الذي تنازل عن العقوبات المحددة. لكن رغم ذلك فتأثير المدرسة التقليدية عليه لم يضعف . ففكرة المسؤولية ظلت على ما كانت عليه في المدرسة الأولى و لم يعتبر الجاني إلا كواقع مجرد و الجريمة شر يستوجب مواجهته بالشكل الذي يحدده القانون دون مراعاة الألم الفعلي الذي سيعانيه الجاني.
إن أهم شيء بالنسبة لقانون نابليون هو التناسب بين الضرر المترتب عن الجريمة و بين الألم المفروض على الجاني و الذي يبقى على حاله مهما كانت الظروف الذاتية و الموضوعية التي ارتكبت فيها الجريمة.
إلا آن هذه النظرة المجردة للجريمة بعيدا عن ذاتية الجاني لم تصمد طويلا أمام الواقع وذلك لسببين:
السبب الأول فيعود إلى كون المساواة المجردة التي يتوخى القانون تحقيقها تقضي عند التطبيق إلى عدم المساواة حيث يتم إخضاع الجناة الذين ارتكبوا نفس الفعل إلى نفس العقوبة و هذا فيه مساس بالإحساس العام للعدل بدل تحقيق المساواة .
أما السبب الثاني فيرتبط بتصور الحرية عند هذه المدرسة الفكرية، حيث أن افتراض الحرية و اعتبارها متساوية عند كل الأشخاص و عند نفس الشخص بالنسبة لجميع تصرفاته تصور مرفوض، لأن الواقع يثبت وجود حالات تفتقد فيها حرية الاختيار و تنعدم فيها حرية التقدير . ومن الغير المنطقي أن تنطبق نفس العقوبة على شخص يرتكب جريمة قتل بدافع السرقة و شخص يرتكب جريمة قتل ضد زوجته نتيجة انتفاعا ته العاطفية و النفسية جراء مفاجئته لزوجته و هي متلبسة بجريمة الخيانة الزوجية. و الجريمة هنا تكون ناتجة عن خطأ الضحية و ليس خطأ الجاني و عليه يجب تمتيعه بظروف التخفيف و عدم مساواته بالشخص الذي يقتل بدافع السرقة.
و انطلاقا من هذه الأسباب ظهرت المدرسة التقليدية الحديثة التي عملت على وضع حد أدنى و أقصى للعقوبة، مراعيتا في ذلك مصلحة الجاني و الظروف المادية للجريمة.
لكن قبل أن نتطرق إلى هذه المدرسة التي تدخل مبادئها ضمن النموذج المتزن سنتطرق الآن إلى مدرسة وصفت مبادئها هي الأخرى بالمتطرفة .
الفقرة الثانية : المدرسة الوضعية
يتركز الحديث هنا عن المدرسة الوضعية و التي تميزت أساسا بمعارضتها المطلقة للمدرسة التقليدية و لا سيما لأفكارها المتعلقة بالمسؤولية و أساسها، حيث طرحت فكرة الحرية و المسؤولية التي تترتب عليها جانبا و استعاضت عنها بفكرة الجبرية . ولقد انطلقت هذه المدرسة من إيطاليا بزعامة الإيطالي المشهور لامبروزو، حيث انتقل بفضل فلسفته من الاهتمام بالجريمة إلى التركيز على المجرم .و قد ساهم في هذه المدرسة كل من جارو فارو و انريكو فيري ، حيث تناولت نظرياتهم ضرورة البحث عن أسباب الجريمة في ذات المجرم، رغم اختلافهم في هذا الأمر، حيث اهتم لومبروزو بالمجرم نفسه ظروفه البيولوجية والوراثية والنفسية وليس بعامل الوسط الاجتماعي . أما بالنسبة لأنر يكو فيري فهو يرجع أسباب الجريمة ليس إلى المجرم فقط بل إلى مجموعة من العوامل فهو يعتبر المجرم يعود سبب نشاطه الإجرامي إلى تفاعل مجموعة من العوامل المتحدة وهذا ما جعله يقوم على تصنيف المجرمين إلى مجموعة من الأصناف وهم :
المجرم بالصدفة وهو شخص يندفع إلى الجريمة تحت ضغط ظروف غير متوقعة يتعرض فيها لفقدان الجانب الإرادي .
المجرم المعتاد وهو خلافا لنظرية لومبروزو ليس مجرما بالولادة ولا مجرما بالوراثة ولكن سبب إجرامه يعود إلى الظروف الاجتماعية وكثافة الضغوط التي تمارس عليه وعدم قدرته على التكيف مع هده الظروف بسبب ضعف إرادته وأخلاقه.
المجرم المجنون وهو الذي يرتكب السلوك الإجرامي تحت ضغط الخلل العضوي.
المجرم بالعاطفة وهو الذي يرتكب الجريمة بسبب عامل العاطفة أو العامل النفسي كالحب والغضب والغيرة، مثلا قتل الزوج لزوجته حالة الخيانة الزوجية التي ينتج عنها إضعاف كافة قدراته العقلية والنفسية على السيطرة على نفسه.
ومن أهم العوامل التي تؤدي إلى ارتكاب الجريمة حسب فيري، هناك العوامل الاقتصادية والاجتماعية التي تشكل ما يطلق عليه زراعة وتربية الإجرام . بالإضافة إلى عوامل لصيقة بشخص المجرم، وهي عوامل قام بتصنيفها فيري إلى ثلاثة مستويات:
عوامل لها علاقة بالتكوين العضوي للمجرم وعوامل لها علاقة بالتكوين الفسيولوجي وعوامل ترتبط بالخصائص الشخصية للمجرم كالجنس والسن ...، وهناك أخيرا العوامل الجغرافية كالطقس والمناخ . وإذا ما توفرت هذه الظروف بالنسبة للشخص فانه من الحتمي أن يسقط في هاوية ارتكاب الجريمة.
وانطلاقا من هذه العوامل كانت النتيجة مناقشة أسباب الجريمة مناقشة تدور في فلك هذا الاتجاه الجديد، بحث واقعة الميلاد الجنون العادة الصدفة والعاطفة.
والمجرم في كل الحالات حسب أفكار هده المدرسة الوضعية مسير وليس مخير ومن هنا تنتهي مسائلته خلقيا ومحاولة إنقاذه بكافة الوسائل الوقائية . ويمكن القول بأن هذا الاتجاه لا يبتعد كثيرا عن جوهر المعنى الذي نادى به الفيلسوف أفلاطون حيث قال "ان إرادة المذنب لا دخل لها في الظلم حيث إن الرذيلة صنيعة الجهل تتبدد بنور المعرفة وغاية العقوبة هي الإصلاح وعلاج المجرم كعلاج الأمراض النفسية اذ المجرم غير مخير فيما يرتكبه فجزائه من تم يكون التهذيب" .والعقوبة في فلسفة أفلاطون على وجه خاض لا تلتفت إلى الماضي بل تتجه إلى المستقبل ولها غايات ثلاثة جبر ما حدث من ضرر واصطلاح من هو قابل للإصلاح و إقصاء من لا يرجى له الشفاء . والمقصود بمعنى الاتجاه إلى المستقبل تركيز البحث على شخص المجرم وضرورة إصلاحه أي الاهتمام بنفسية المجرم تربيته ظروفه وعوامل البيئة ومسؤولية المجتمع، المهم الانتقال من موضوعية العقوبة إلى شخصية الإثم .
وانطلاقا مما سبق يتبين بوضوح أن المدرسة الوضعية اعتبرت الجريمة ظاهرة ثانوية ما دامت ترتكب تحت تأثير عناصر ذاتية وموضوعية يستحيل مقاومتها ومواجهتها من طرف الجاني ولقد أسست هذا الاقتراح انطلاقا من فكرتين أساسيتين:
الفكرة الأولى: نفي الحرية عن الجاني حيث إذ كانت المدرسة التقليدية اعتبرت حرية الفرد مطلقة فانه على العكس من دلك فالمدرسة الوضعية تنفي هذه الحرية وبالتالي لا يمكن مع غياب هده الحرية عقوبة الجاني بل يجب خلق تدبير إصلاحي يتوخى منه عدم تكرار الجريمة مستقبلا.
الفكرة الثانية: اعتبار المجرم أهم من الجريمة لأنه يهدد المجتمع ويملك بداخله قوة وغرائز تدفعه لارتكاب الجرائم . لا يمكن إذن للمجتمع آن يواجه الجريمة ويقضي على أثارها إلا إذا نضر إلى المستقبل واهتم بالأسباب الذاتية والشخصية التي تحتم على الفرد ارتكاب الجريمة, وكلما تعذر القضاء على هذه الأسباب وجب القضاء على الجاني نفسه حتى يتحقق الهدف المتوخى. فعند أنصار هذه المدرسة فالجريمة هي نتيجة عوامل متنوعة تختلف باختلاف الظروف المحيطة بالجاني ولا علاقة لها بحرية الأخيار، وإنما هي نتيجة لا بد من تحققها إن هي توفرت هذه الظروف والتي تكون إما شخصية ترجع إلى التكوين الطبيعي والخلقي والوراثي للفرد أو اجتماعية ترجع إلى الوسط الاجتماعي المحيط بالفرد وعليه فالعقوبة يجب أن تكون عبارة عن تدابير وقائية.
وانطلاقا من هنا يظهر الخلاف جليا بين المدرسة التقليدية والمدرسة الحديثة. فإذا كانت المدرسة التقليدية ترفض كل علاقة مع الجاني فإن المدرسة الحديثة ترفض كل علاقة مع الجريمة، وفي ضل هدا النموذج فان تفريد العقاب ينطلق من تصنيف المجرمين إلى صنفين صنف قابل للإصلاح والعقوبة المناسبة لهم هي عبارة عن مجموعة من التدابير الوقائية، وصنف غير قابل للإصلاح وهؤلاء يجب إقصائهم من المجتمع وذلك دون الأخذ بعين الاعتبار لا الجريمة ولا المسؤولية .
ومن هنا لا يجادل أحد في كون المدرسة الوضعية أثارت جوانب مهمة في عملية تفريد الجزاء وأحلت المقياس المؤسس على طبيعة الجاني محل المقياس المعتمد على الجريمة والمسؤولية، كما يرجع إليها الفضل في التركيز على العلاقة بين ذاتية المجرم وتحديد العقوبة، كما تغيرت في ضلها النضرة للقاضي من مجرد آلة لتوزيع العقوبات إلى عنصر فعال في تطبيق السياسة العقابية والوقائية.
لكن قيامها بالتفريد انطلاقا من الاعتماد على ظروف الجاني فيه إخلال تام بالدور الذي يفرضه مبدأ الشرعية الذي يعتبر الركن الأساسي التي تقوم عليه حماية الحرية والحقوق.
وفي الأخير ما يمكن استنتاجه انطلاقا من دراستنا للمدرسة التقليدية والوضعية هو أن هذه المدارس تميزت بالتجريد المفرط والمتطرف وهدا ما أدى إلى ظهور الحاجة إلى مدارس متزنة ويتعلق الأمر هنا بالمدرسة التقليدية الحديثة ومدرسة الدفاع الاجتماعي.
المطلب الثاني: النماذج المتزنة
سنتناول في هذا المطلب المدرسة التقليدية الحديثة ( الفقرة الأولى) قبل أن نتناول مدرسة الدفاع الاجتماعي (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: المدرسة التقليدية الحديثة
إذا كانت المدرسة التقليدية اهتمت بالضر وف المادية المحيطة بالجريمة والمدرسة الوضعية ركزت اهتماماتها على المجرم فان المدرسة الحديثة حاولت التوفيق بين المدرستين وجاءت بنظرية متكاملة ومتزنة حيث حضت أفكارها باهتمام كبير من طرف مختلف التشريعات واخص بالذكر هنا المشرع المغربي الذي أخد بمبادئ هذه المدرسة في ما يخص المسؤولية الجنائية الجنائية وتفريد الجزاء.
ويعتبر سالي المؤسس الفعلي للمدرسة الحديثة وأحد المجددين للمدرسة التقليدية حيث أصدر كتاب تحت عنوان تفريد العقوبة سنة 1898 ، وسط مناخ عرفت فيه الدراسات الجنائية تطورا بالغ الأهمية، ومن أهم ما جاءت به هذه المدرسة هو إقامة نوع من التوازن بين الحرية والجبرية .حيث أقرت أن حرية الاختيار هي أساس المسؤولية الجنائية لكنها لا تقول بان هذه الحرية مطلقة ولا متساوية عند جميع الأفراد, وهدا ما أدى بأنصارها إلى ضرورة تقدير حدين للعقوبة حدا أعلى وحد أدنى والدفاع عن مبدأ تفريد الجزاء لتمكين القاضي من تمتيع الجاني بظروف التخفيف حسب ما يراه من تفاوت في حرية الاختيار بين الجناة في ظروف كل نازلة .
ولقد حاول سالي تحديد ثلاثة وسائل لتفريد الجزاء ، وسنحاول التطرق إلى كل واحد منهما.
الوسيلة الأولى قانونية: وهي التي يحدد فيها ثمن الجريمة الأسمى والإجمالي. ويعتبر سالي بأن هذا الإتجاه مرفوض لغياب العلاقة المباشرة بين المشرع والأفراد . حيث لا يمكن للمشرع أن يعير أدنى اهتمام للأفراد لأنه لا يعرفهم . ويعتبر بان الأمر هنا لا يتعلق بالتفريد ولكن يقتصر على رسم الخطوط العريضة والإطار الذي يمكن أن يمارس داخله التفريد الفعلي .
الوسيلة الثانية قضائية: تعني ترك السلطة للقاضي لتفريد الجزاء . والسؤال المطروح هنا هل القاضي قادر على القيام بواجبه دون السقوط في التناقض مع مبدأ الشرعية؟ يعتقد سالي في هدا الخصوص بان القاضي هو السلطة الوحيدة التي تتعامل مع الجاني مباشرة ويستطيع معرفة شخصيته عن قرب . اما من حيث الأساس الذي يقوم عليه القاضي لتفريد الجزاء فيطرح سالي التقسيم الثلاثي للمجرمين.
مجرمين دون إجرام خاص ويتعين التعامل معهم على أساس الاكتفاء بعقوبات وتدابير تحقق الردع، ومجرمين بإجرام ظاهر ينبغي تطبيق في حقهم عقوبات تفتح المجال للإصلاح والتهذيب، ومجرمين بإجرام عميق يتطلب إجرامهم تطبيق عقوبات صارمة .
الوسيلة الثالثة إدارية: تنطلق من فكرة أساسية وهي أن التفريد القضائي ليس إلا كشفا وتصنيفا يعتمد على الواقع لكن عندما يتعلق الأمر بالعلاج فان هدا التفريد لا يكفي اذ لا بد من تطبيق الدواء وهي عملية لا يمكن أن تقوم على المساواة بين المحكوم عليهم ولا على احترام مبالغ فيه للحكم القضائي . حيث ينبغي أن يفسح المجال أمام إدارة السجون ويعترف لها بسلطات واسعة تمكنها من الحرص على ملائمة العقوبة والتطور الملاحظ على الجاني وتفريد تطبيقها مراعاة للتربية الأخلاقية لكل شخص.
فإذا كانت العقوبة وسيلة للتهذيب فلا يعقل تحديدها بصفة مسبقة لاستحالة معرفة تاريخ تحقيق الهدف ومن الصعب التكهن من المدة التي قد تستغرقها لتحويل المجرم لرجل صالح.
هكذا يكون سالي اقترح ثلاث وسائل لتفريد الجزاء لكنه يستبعد الوسيلة القانونية لعدم العلم بالمجرم قبل ارتكاب الجريمة، وإذا كان اختار الوسيلة القضائية فانه يعتبرها غير كافية لأنها لا تنطلق من الواقع ولا يمكن لها أن تحدد المدة الحقيقية القادرة على إصلاح المجرمين وهذا ما يجعله يدعو إلى الوسيلة الإدارية التي تتيح الفرصة لإدارة السجون من أجل تقييم العقوبة الحقيقية الكفيلة بإصلاح المجرم.
وتبقى هذه الوسائل من أهم ما جاء به سالي فماذا عن مدرسة الدفاع الاجتماعي؟
الفقرة الثانية: مدرسة الدفاع الاجتماعي
سنقتصر بالتطرق في هده الفقرة على اتجاه أو مذهب الدفاع الاجتماعي الجديد الذي أقامه مارك أنسل والذي أثار الحديث عن تقنيات تفريد الجزاء وجاء بمجموعة من المبادئ الأساسية وهي :
الشرعية في التجريم .
حرية الاختيار كأساس للمسائلة الجنائية .
ضرورة إبقاء الجزاء بنوعيه العقوبة والتدبير الوقائي .
ضرورة تناسب الجزاء مع الخطأ.
ومن هنا يتبين بأنه هناك نوع من الاتفاق بين سالي ومارك انسل حول وضيفة العقوبة والقانون الجنائي وحول ضرورة التفريد الذي لا ينطلق من التضحية بمبدأ الشرعية الجنائية .ويبقى أهم ما جاء به مارك أنسل هو المفهوم الذي يعطيه للمسؤولية الجنائية والوسائل والتقنيات التي يطالب بها عند اللجوء إلى تفريد الجزاء ، منطلقا في ذلك من الاهتمام بالواقع والارتباط به، حيث لا يعتبر الجريمة خرق للقواعد القانونية فقط ولكنها نتيجة للظروف الاجتماعية والنفسية للجاني. وحسب مارك أنسل فانه لا يجب الاقتصار على القانون وحده ووضع كل الآمال على قواعده وتقنياته ولكن ينبغي تسجيل كل التساؤلات التي تثيرها الجريمة والعقوبة في إطار شمولي وواقعي في نفس الوقت هذا الإطار هو السياسة الجنائية و وعليه لا يحق التفاوض مع الجاني على أساس الجزاء بل على أساس الحماية دون أن تعني هذه الحماية بقاء الجاني بعيدا عن كل تدبير بل الهدف في الأخير هو مواجهة الجريمة كواقع اجتماعي إنساني شخصي ومن هنا تبرز أهمية المسؤولية وضبط التقنيات المرتبطة بتفريد الجزاء عند مارك أنسل.
بالنسبة للمسؤولية يعتبرها مذهب الدفاع الاجتماعي الجديد عنصرا أساسيا .فالمسؤولية هي حرية الاختيار والإحساس بها الذي يرتبط بتصرف الإنسان ونشاطه , ومعنى هدا أن التصرف المرتكب يتولد عن الشخصية ويعبر عنها وأن المسؤولية هي الوعي من طرف الجاني بشخصيته بالشكل الذي تطهر به وتتأكد من خلالها أفعاله الإجرامية, لكن شعور الإنسان بالمسؤولية يتضاءل لأنه يعتبر الأخريين كذلك مسئولين .وهدا ما يخلق الشعور الجماعي بالمسؤولية و يترتب عنه مجموعة من النتائج نجملها في مايلي:
رفض الاقتصار على العناية بالجاني بل الاهتمام كذلك بالجريمة
الجريمة هي الفعل المسند للجاني الذي يجب ربطه به واعتباره كسبب للإحالة على القضاء
المسؤولية والخطورة يكونان تعبيرا اجتماعيا عن شخصية الجاني ينبغي تقييمها من طرف القاضي وعلى أساسها تتخذ العقوبة أو التدبير أو هما معا
أن المسؤولية بهذا المفهوم لا تغلق الباب أمام الردع والتخويف والتهديد
واذا كانت المسؤولية بهذا المفهوم الذي يراعي مصلحة الفرد والمجتمع تعترف للقاضي الجنائي باختصاصات جديدة فان أمر تطبيقها على أرض الواقع يكون صعبا
ومن أجل تجاوز هده الصعوبة فان مذهب الدفاع الاجتماعي الجديد جاء بمجموعة من التقنيات والوسائل والتي قد تساعد القاضي في تفريد الجزاء منها ما يتعلق بالعقوبة ومنها ما يتعلق بالجاني مرتكب الفعل الإجرامي.
بالنسبة للعقوبات يجب ضرورة إدماج العقوبة مع التدبير الوقائي, كما يجب توزيع العقوبات حتى يتمكن القاضي من اختيار ما يلائم الجاني من تدابير التهذيب والإصلاح ويجب إحداث عقوبات خاصة بالأحداث والمدمنين على الكحول والمخدرات لمواجهة حالة العود .
أما بالنسبة للجاني فان مذهب الدفاع الاجتماعي الجديد يقترح "أن يتم تطوير التصنيف الذي اقترحه سالي انطلاقا من ما وصل إليه تقدم العلوم الإنسانية من فهم دقيق للإجرام الذاتي ويمكن الاعتماد في هدا الصدد على الجنس والسن والسلوك والعناصر النفسية، هذه المعرفة تختلف كثيرا عن ما نادت به المدرسة التقليدية الجديدة لأن الأمر لا يتعلق فقط بالظروف الخارجية للجريمة وبالسوابق القضائية بل بتكوينه البيولوجي وبرد فعله النفسي وبتاريخه الشخصي ووضعيته الإجتماعية ".
وهذا ما يقتضي إقحام الجاني في الخصومة الجنائية وإلزام القاضي بتفريد الجزاء انطلاقا من التعرف عن قرب من شخصية الجاني.
وانطلاقا مما سبق يمكن القول بان أهم ما جاءت به المدارس المتزنة في ما يتعلق بتفريد الجزاء يتمحور حول ما يلي:
إن الهدف من العقوبة هو إصلاح الجاني وإعادة إدماجه.
إن تحديد العقوبة وتفريدها يقوم على توزيع الاختصاصات بين المشرع والقاضي وإدارة السجون.
إن تفريد الجزاء يتطلب إعطاء الجريمة والمجرم نفس الاهتمام.
يتوقف تفريد الجزاء على المسؤولية.
إن التفريد يتناقض مع العقوبة الثابتة ويتطلب قابلية تخفيضها كلما ظهرت الحاجة لذلك.
كانت هذه ادن عبارة عن دراسة نظرية لتفريد الجزاء ولقد حاولنا قدر المستطاع أن نبرز أهم الأفكار التي تناولتها مختلف المدارس الجنائية. لكن ما يمكن قوله هو أن الحديث عن تفريد الجزاء لا يتعلق بالنظريات والأفكار بقدر ما يتعلق بالواقع, واذا انطلقنا من الواقع نجد أن معظم التشريعات مازالت بعيدة عن تطبيق هده النظريات وما زال الزجر أهم من الوقاية.
ففي الوقت الذي بلغت فيه النظريات عمقا ودقة بالغين بقيت القوانين وفية لتصور أظهرت العلوم الجنائية عيوبه. صحيح أن جل التشريعات دخلت في مسلسل الإصلاحات الأساسية حيث عززت دور القاضي في تفريد الجزاء وساهمت في تنويع العقوبات والتدابير الوقائية متأثرتا في ذلك بأفكار سالي ومارك انسل ولومبروزو وغيرهم إلا أن تطبيق دلك تعترضه مجموعة من المعيقات خصوصا في ضل التكاثر المهول للجرائم وتنوعها، الشيء الذي يؤدي إلى الإحساس بانعدام الأمن وتتغير معه النضرة إلى المجرم, حيث ينضر إليه كشخص خارج عن القانون يجب معاقبته بأقصى العقوبات.
فكيف تعامل المشرع المغربي مع مبدأ تفريد الجزاء هذا ما سنتناوله في المبحث الثاني والذي عنوناه بأنواع تفريد الجزاء، حيث سنتطرق إلى كل من التفريد القانوني والتفريد القضائي بالإضافة الى التفريد الأداري .
المبحث الثاني: انواع تفريد الجزاء –دراسة تطبيقية على ضوء التشريع المغربي-
انطلاقا من دراستنا لمواقف المدارس الجنائية حول مبدأ تفريد الجزاء تبين لنا بجلاء بأن التفريد لم يعد يقتصر على تحديد العقوبة مسبقا من طرف المشرع ,ولكن في ضل تغير النضرة من الجريمكة الى المجرم منح المشرع سلطة تقديرية للقاضي لكي يقوم بالتفريد الحقيقي للجزاء ونضرا لدور العقوبة المتمثل في الأصلاح فمن الطبيعي أن لا تبقى هذه العقوبة ثابتة بعد النطق بها حيث فتح المجال للإدارة المشرفة على تنفيذ العقوبة لكي تعيد النضر في العقوبة انطلاقا من تتبع سلوك الجاني ومن هذا المنطلق أجمع الفقه الجنائي الحديث اليوم على وجود ثلاثة أنواع من التفريد . تفريد أولي يقع في المرحلة التشريعية وهو ما يطلق عليه بالتفريد القانوني( المطلب الأول) ثم تفريد قضائي المطلب الثاني وأخيرا هناك التفريد التنفيذي أو الأداري (المطلب الثالث )
المطلب الاول: التفريد القانوني للجزاء
رغم جهل المشرع للمجرم قبل لاارتكابه الجريمة فانه ينطلق من معطيات عامة من أجل تحديد العقوبة حيث وضع التقسيم الثلاثي للجرائم الجنايات والجنح والمخالفات كما انه بين المجرم العادي والمجرم السياسي وبين المجرم المتعود على الجريمة والمجرم المبتدء كما أنه نص على مجموعة من التدابير الوقائية متأثرا في ذلك بالمدرسة الوضعية ومن أجل تميزه بين المجرم الراشد والحدث سياسة جنائية خاصة بالأحداث وهدفها محاولة إصلاح الجاني بدل الزج فيه داخل السجن وبالأضافة الى ما سبق فانه نص على بعض الأعذار القانونية المعفية والمخففة من العقاب وهدا ما سنتناوله في (الفقرة الأولى) بالأضافة الى الظروف التي ترفع العقوبة(الفقرة الثانية ) بالأضافة الى نصه على العقوبات التخييرية الفقرة الثالثة
الفقرة الاولى: الاعذار القانونية
لقد نص المشرع المغربي في المادة 143 من ق.ج على ما يلي" الأعذار القانونية هي حالات محددة في القانون على سبيل الحصر يترتب عليها مع تبوث الجريمة وقيام المسؤولية ان يتمتع المجرم اما بعدم العقاب اذا كانت اعذارا معفية واما بتخفيف العقوبة اذا كانت اعذارا مخففة".
انطلاقا من هذه المادة يتبين بان الأعذار القانونية نوعان: وهي اما اعذار قانونية معفية من العقاب (اولا) او اعذار مخففة (ثانيا)
أولا: الأعذار القانونية المعفية من العقاب
الأعذار القانونية المعفية من العقاب هي اسباب ترد على حالات محددة على سبيل الحصر يتمثل اثرها في الإعفاء من العقاب مع بقاء الفعل محتفضا بصفته الإجرامية أي مستوفيا لكافة عناصر وشروط المسؤولية المترتبة عنه وهي تختلف عن أسباب التبرير والإباحة التي تنفي الركن القانوني للجريمة . حيث تنصرف هده الأسباب الأخيرة الى الفعل او الإمتناع فترفع عنه وصفه الإجرامي فلا يتم مسائلة الفاعل نضرا لأن وجود هده الأسباب يجعل الجريمة غير قائمة أصلا اما بالنسبة للأعذار القانونية المعفية فانها تحول دون ترتيب العقوبة على الفاعل رغم ان الجريمة تكون مكتملة الأركان ويكون هناك شخصا مسؤول عنها وذلك لحكمة لخصها د نجيب حسني في قوله "علة العذر المعفي هي اعتبارات نفعية مستمدة من سياسة العقاب مبناها تقدير الشارع ان المنفعة الاجتماعية التي يجلبها عدم العقاب في حالات معينة تربو المنفعة التي يحققها العقاب فيقرر بناءا على دالك استبعاد العقاب جلبا للمنفعة الأهم اجتماعيا .وطالما أن الأعذار القانونية المعفية من العقاب هذه الصفة فكان من الطبيعي أن يحددها المشرع على سبيل الحصر اذ لا يملك القاضي أي سلطة تقديرية في ما يخص تمتيع الجاني بها أو حرمانه منها أو التوسع فيها . غير أن القاضي يبقى له الحق في أن يحكم على المعني بتدابير الوقاية الشخصية أو العينية ما عدا الإقصاء . وهذا ما نجده بوضوح في الفصل 366 من ق.ج الذي أعفا من العقوبة طبقا للفصول من 143الى 145 مرتكبي التزييف أو تزوير النقود أو سندات تصدرها الخزينة العامة وكذا كل من ساهم في هذه الجريمة المنصوص عليها في الفصلين 343 و335 من ق ج شريطة إشعار السلطات العامة وكشف عن شخصية مرتكبيها وذلك قبل إتمام تلك الجنايات وقبل إجراء أي متابعة بشأنها وكذلك كل من مكن السلطة من اعتقال الجناة الآخرين ولو لم يفعل ذلك إلا بعد ابتداء المتابعة .ونص المشرع في الفقرة الخيرة من الفصل 366 على انه يجوز مع ذلك أن يحكم بالمنع من الإقامة من خمس سنوات إلى عشرين سنة على من اعفي من العقاب طبقا لهذا الفصل .
وتطبيقات الأعذار القانونية المعفية من العقاب كثيرة في ق.ج منصوص عليها في الكتاب الثالث المتعلق بالجرائم المختلفة وعقوبتها .ويمكن تصنيفها حسب المنفعة التي تجلبها إلى المجتمع إلى ثلاثة طوائف:
طائفة أولى يكون الغرض من إعفاء مرتكب الجريمة من العقاب فيها تشجيعه على الكشف عن جريمته والتبليغ عن المساهمين معه فيها .
طائفة ثانية يكون الغرض من الإعفاء فيها تشجيع المجرم على الانسحاب وعدم الاسترسال في الجريمة مثال دلك الفصل 213 الذي يعفي من العقوبة الأشخاص المنخرطين في العصابات الإجرامية في حالة انسحابهم منها.
الطائفة الثالثة يكون الغرض من الإعفاء فيها تشجيع المجرم على إصلاح الضرر الذي تخلف عن جريمته مثال ذلك الفصل 475 من ق.ج الذي يعفي من العقاب من اختطف قاصرا وغرر بها في حالة زواجه منها.
وتجدر الإشارة إلى أن الأعذار القانونية المعفية من العقاب لا تلاحظ إلا أمام محكمة الموضوع وتؤدي إلى الحكم بالإعفاء لا البراءة وهدا يعني أن أثرها يقتصر على الإعفاء من العقوبة . وبالتالي يبقى الفعل محتفظا بصيغته الإجرامية حيث تبقى المسؤولية المدنية للجاني قائمة إذا تضرر الغير من فعله كما يبقى الفاعل معرضا للحكم عليه بالتدابير الوقائية .
ثانيا: الأعذار القانونية المخففة من العقاب
الأعذار القانونية المخففة من العقاب هي مثلها مثل الأعذار المعفية واردة في القانون على سبيل الحصر .
يتمتع بالإعفاء الجزئي من العقاب وفي الحدود التي يقررها القانون وهو مفروض قانونا لا يملك القاضي إزاءه أية سلطة تقديرية. ألا أن مسألة ثبوت قيام هذا العذر من عدمه فمتروك لتقدير محكمة الموضوع .
وبالرجوع الى الكتاب الثالث من مجموعة القانون الجنائي نجد أن الأعدار القانونية المخففة للعقوبة تتمثل في الحالات التالية :
حالة قتل الأم لوليدها م.397/2 ق.ج.
حالة القتل أوالضرب أو الجرح المرتكب نهارا بقصد دفع تسلق أو كسرسور أو حائط أو مدخل منزل أو بيت مسكون أو أحد ملحقاتهما .م 417 ق.ج.
حالة القتل أو الضرب أو الجرح الذي يرتكبه أحد الزوجين ضد الزوج الأخر وشريكه عند مفاجئتهما متلبسين بجريمة الخيانة الزوجية.م 418 ق.ج.
حالة الضرب أو الجرح حتى ولو أدى الى الموت دون نية إحداثه بسبب مفاجأة رب الأسرة لأشخاص في منزله وهم في حالة اتصال جنسي غير مشروع م.420.ق.ج.
الفقرة الثانية الأسباب التي ترفع العقوبة
بالأضافة الى الأعدار القانونية بنوعيها المخففة والمعفية من العقاب التي تطرقنا اليها في الفقرة الأ ولى لقد نص المشرع على مجموعة من الأسباب التي ترفع العقوبة ويتعلق الأمر الضروف المشددة والتعدد وحالة العود وسنكتفي في هده الفقرة بالتطرق الى الضروف المشددة( أولا) ثم التعدد (ثانيا) على أن نتطرق الى حالة العود عند الحديث عن التفريد القضائي للجزاء.
htmlspecialchars_decode('"')
أولا الضروف المشددة htmlspecialchars_decode('"')
قد يضطر الفاعل الى ارتكاب الجريمة تحت تأثير ضروف عاطفية او بدافع الشفقة كما قد يرتكب الجريمة دفاعا عن نفسه أو عن غيره مثل هولاء تعامل معهم المشرع بنوع من الرحمة والشفقة نضرا لعدم خطورتهم الأجرامية فاقرلهم مجموعة من الأعدارالقانونية سواء المعفية أو المخففة من العقاب .الا انه تعامل بصورة مغايرة مع بعض الفاعلين فشدد في حقهم العقاب نضرا لمجموعة من الضروف قد تكون مرتبطة بارتكاب الجريمة أو بالخطورة الجرامية للمتهم .وهدا مانستنتجه من الفصل 152 من ق ج الدي نص على ما يلي" تشديد العقوبة المقررة في القانون بالنسبة لبعض الجراءم ينتج عن ضروف متعلقة بارتكاب الجريمة او باجرام المتهم "
وهده الضروف محددة في القانون على سبيل الحصر وبالنسبة لجرائم معينة من جنايات وجنح حيث نص المشرع في الفصل 153 على مايلي "يحدد القانون ضروف التشديد المتعلقة بجنايات او جنح معينة ".
وهي ضروف متعددة ومتنوعة وردت بصورة متفرقة في الكتاب الثالث الدي عالج فيه المشرع الجرائم المختلفة وعقوبتها.وبالتالي لاداعي لحصرها وتعدادها لكن بالعودة الى الفصل 152 من ق.ج يتبن لنا أن ضروف التشديد نوعان ضروف متعلقة بارتكاب الجريمة وضروف متعلقة باجرام المتهم
1 الضروف المتعلقة بارتكاب الجريمة
وهي ضروف عينية أو مادية تتعلق يالملابسات العائدة للجانب المادي أو العيني في الجريمة حيث لا يمكن ان يساوي المشرع بين من يرتكب جريمة السرقة بالنشل وهي جريمة بسيطة مع من يرتكب هده الجريمة باستعمال السلاح او بالكسر او بالتسلق او يتم ارتكابها ليلا حيث يعتبر حمل السلاح والكسر والتسلق ضرف مشدد في جريمة السرقة ويتعلق بكيفية ارتكاب الجريمة كما يعتبر الليل ضرف مشدد يتعلق بزمن ارتكاب هده الجريمة .حيث عاقب المشرع على جريمة السرقة في الفصل 505 من ق ج بالحبس من من سنة الى خمس سنوات وغرامة من ماتين الى خمسمائة درهم .الى انه في حالة توفر احد ضروف التشديد كارتكابها ليلا او باستعمال مفاتيح مزورة او بواسطة الكسر او التسلق فان العقوبة تكون السجن من خمس الى عشر سنوات الفصل 510 من ق ج
وهده الضروف المشددة العينية تسري على الفاعل الصلي والمساهمين والمشاركين معه في الجريمة حتى ولو كانو ا يجهلون تماما توافرها في النازلة
2 الضروف المتعلقة باجرام المتهم
وهي ضروف شخصية منها ما يتعلق بالخطورة الأجرامية للمجرم كسبق الأصرار والترصد حيث شدد المشرع جريمة القتل العمد من السجن المؤبد الى الأعدام في حالة ارتكاب هده الجريمة مع سبق الأصرار والترصد وهدا ما نص عليه في الفصل( 393من ق ج) والمشرع شدد هده العقوبة وعيا منه بالخطورة اللتي يحملها الجاني والمتمثلة في تصميمه وعزمه المسبق على ارتكاب فعله
ومنها ما يتعلق بملابسات تعود الى الصفة المتوفرة في الجاني او نوع العلاقة التي تربط الجاني بالضحية .ومثال دلك حالة الفصل 547 ق ج الدي يعاقب جريمة خيلنة الأمانة بالحبس من ستة اشهر الى ثلاث سنوات وغرامة من 200 درهم الى 2000 درهم لكن هده العقوبة تشدد فتصبح حبسا من من سنة الى خمس سنوات وغرامة : ادا ارتكبها عدل او حارس قضائي او قيم او مشرف قضائي ودلك اثناء قيامهبوضيفته او بسببها
ادا ارتكبها الناضر او الحارس او المستخدم في وقف اضرارا بهدا الأخير
ادا ارتكبها اجيرا او موكلا اضرارا بمستخدمه او موكله.
والفصل 486 الدي عاقب جريمة الأغتصاب بسجن يتراوح بين خمس سنوات
الى عشر لكنه شدد العقوبة في الفصل 487 ق ج فجعلها من عشر الى عشرين سنة ادا كان الفاعل من اصول لاالضحية او ممن لخهم سلطة عليها او وصيا عليها او خادما بألجرة عندها او عند أحد الأشخاص السالف دكرهم او كان موضفا اورئيسا دينيا
ومن خلال ما سبق يتبين لنا أهمية ضروف التشديد لذلك نجد المشرع اعطاها اهتماما خاصا حيث يلا حظ انه اناط بالقانون وحده تحديد هذه الضروف وتقديرها م 153 من ق ج .
كما انه لاينبغي استعمال القياس لأجلد ضروف تشديد جديدة غير ما يكون قرره المشرع صراحة’وهكدا فلا يجوز القياس واعتبار رابطة الأخوة أو البنوة طرف مشدد في الأغتصاب عند الفاعل
ولم يكتفي المشرع بتقرير القاعدة السابقة وإنما تعدى الأمر الى أن تولى بنفسه حدود رفع العقوبة بسبب قيام ظروف التشديد في النصوص التي تقرر الظروف المشددة ذاتها ولم يترك ذلك للقضاء.
htmlspecialchars_decode('"')
ثانيا : حالة التعدد htmlspecialchars_decode('"')
ان رتكاب مجموعة من الجرائم من لدن فاعل في ان واحد او في اوقات متوالية دون ان يفصل بينهما حكم قابل للطعن يبرز مدى الخطورة الاجرامية التي يشكلها هذا الشخص بالنسبة للمجتمع. فكيف تعامل المشرع مع حالة التعدد؟
يجب التمييز اولا بين نوعين من انواع التعدد التعدد الصوري والتعدد الحقيقي
بالنسبة للنوع الاول يتحقق في الحالة التي يكون فيها الفعل الواحد يمكن وصفه بعدة اوصاف،كمن يشرع في هتك عرض انثى في الطريق العام حيث يمكن وصف فعله هذا بانه يشكل اخلالا علنيا بالحياء والعقوبة القررة في هذه الحالة هي الحبس من شهر واحد الى سنتين وبغرامة من مائتين الى خمس مائة درهم طبقا للفصل 483 من ق ج.
كما ان نفس الفعل يشكل محاولة هتك عرض المنصوص عليها في ف 484 من ق ج والذي يعاقب عليها بالحبس من سنتين الى خمس سنوات .
وانطلاقا من هذا المثال فانه لايتعلق الامر بالتعدد الحقيقي وانما هو تعدد صوري حيث ان الفعل الواحد يقبل اوصافا قانونية متعددة بتعدد النصوص التي تظهر بان الفعل الواحد يشكل خرقا لها، وقد نص الفصل 118 من ق ج على حكم هذا التعدد الذي جاء فيه "الفعل الواحد الذي يقبل اوصافا متعددة يجب ان يوصف باشده".
هذا ويمكن تفسير موقف المشرع على النحو السابق بانه سعى الى تحقيق نوع من التوازن في عقاب الفاعل يدور بين التخفيف حينما يمنع مساءلة الفاعل عن عدة جرائم بسبب تعدد الاوصاف التي يقبلها الفعل الواحد مدام هذا الفاعل لم يرتكب في الحقيقة سوى فعلا واحد وبين التشديد حينما يوجب المشرع مساءلة نفس الفاعل عن اشد الاوصاف الجنائية –وليس على اخفها-
اما النوع الثاني أي التعدد الحقيقي فنص عليه المشرع في ف 119 من ق ج والذي جاء فيه" تعدد الجرائم هو حالة ارتكاب شخص جرائم متعددة في ان واحد او في اوقات متوالية دون ان يفصل بينهما حكم غير قابل للطعن".
ويقتضي المنطق في هذه الحالة ضم العقوبات والتدابر الوقائية المقررة لكل جريمة، مثلا الشخص الذي يرتكب جريمة السرقة طبقا ف 505 من ق ج ثم بعد مدة يرتكب جريمة اغتصاب حسب ف 486 من ق ج، حيث يجب في هذه الحالة ضم العقوبتين المقررتين في المادتين اعلاه، الا ان المشرع لم يذهب في هذا المنحى، اذ نجده اتبع هذا المنطق جزئيا فقط فطبقه بالنسبة للعقوبات المالية والاضافية والعقوبات الصادرة في المخالفات وكذا التدابير الاحتياطية، اما بالنسبة للعقوبات السالبة للحرية الصادرة في الجنايات والجنح فان المشرع اتبع بالنسبة لها قاعدة عدم الضبط، وهذا ما يتبن بوضوح ف 120 /1 من ق ج حيث في حالة تعدد جنايات او جنح اذا نضرت في وقت واحد امام محكمة واحدة حيث يحكم بعقوبة واحدة سالبة للحرية لا تتجاوز مدتها الحد الأقصى المقررة قانونا لمعاقبة الجريمة الأشد.
هكذا وبالنسبة للمثال السابق لا يجب ان يحكم على الفاعل باكثر من الحد الاقصى للعقوبة المقررة للجريمة الاشد وهي جريمة الاغتصاب المصوص عليها في ف 486 من ق ج.
الفقرة الثالثة : العقوبات التخييرية
لقد اقر سالي أن نظرية العقوبات التخييرية او المتوازية تتلخص في وضع المشرع اثنين من العقوبات الأولى مشينة والثانية عقوبات غير مشينة حيث يترك للقاضي سلطة اختيار العقوبة المناسبة لكل مجرم على حدة .هذا ما جعل معظم التشريعات الحديثة تأخد بنظام العقوبات التخييرية إلا أن معظم هذه العقوبات تتمحور حول الحبس أو الغرامة, وهذا النهج هو الذي سلكه المشرع المغربي حيث من تفحصنا لنصوص القانون الجنائي يلاحظ أنه اقتصر على عقوبتين فقط هما الحبس أو الغرامة ومثال ذلك الفصل 288 من ق ج الذي يعاقب من شهر واحد إلى سنتين وبغرامة من 200 إلى 500 درهم أو إحدى هاتين العقوبتين من حمل العمال على التوقف الجماعي باستعماله الأداء أو العنف أو التهديد وكان الغرض من هذا العمل رفع الأجور أو خفضها أو الإضرار بحرية الصناعة أو العمل. بالإضافة إلى ما نص عليه القانون الجنائي نجد المشرع ينص على العقوبات التخييرية في قانون الصحافة والقانون المنضم للانتخابات الصادر بتاريخ 30 شتنبر 1959 .كما نص على هدا النوع من العقوبات في مدونة السير الجديدة في الجنح المتعلقة بحوادث السير حيث باستقرائنا لهده الفصول نجد معضمها تنص على عقوبات تخييرية باستثناء حوادث السير المميتة حيث تكون العقوبة هي الحبس والغرامة معا .
وتجدر الإشارة بأن مجال تطبيق العقوبات التخييرية مقتصر على الجنح دون الجنايات نضرا لخطورتها.
وبهذا يكون المشرع قد انضم إلى التشريعات التي أخذت بنظام العقوبات التخييرية وان كان ذلك في نطاق جد محدود إلا أن ظروف التخفيف المنصوص عليها في الفصل 174 من ق ج كفيل بنقل القاضي إلى العقوبات التخييرية لما يتمتع به من سلطة تقديرية في تفريد الجزاء وهدا ما سنتناوله في المطلب الثاني.
المطلب الثاني : التفريد القضائي للجزاء
بخلاف التفريد القانوني أو التشريعي الذي يراعيه المشرع عندما يشرع الجزاء الذي يقرره في النص العقابي فالتفريد القضائي تظهر معالمه عند تطبيق العقوبة حيث يقوم القاضي بتقدير العقوبة بناءا على السلطة التي منحه إياها المشرع, فرغم جسامة الجريمة الواحدة أي كان سبب وقوعها إلا أن المشرع بعد أن يقدر جسامتها في صورة حد أدنى وحد أقصى يترك للقاضي سلطة الاختيار بين هذين الحدين أو أن ينزل بالعقوبة حتى دون الحد الأدنى حسب جسامة الجريمة وخطورة المجرم. من هذا المنطلق فان القاضي يلعب دورا هاما في تفريد العقوبة بموجب سلطته التقديرية الواسعة والأليات التي منحهما له المشرع .
وهكدا تكون قضية تقدير العقوبة قضائيا عنصرا أساسيا من عناصر التقنية الجديدة لتوزيع العقوبة ,واحتلت مركز الصدارة في تقيد حق الدولة في العقاب وذلك لأن المشرع عند تقديره للعقوبة يكون جاهل بالظروف التي ارتكبت فيها الجريمة وبالظروف المحيطة بالجاني وهذا ما يحول دون ملائمة العقاب لكل مجرم .وعلى العكس من ذلك فان القاضي تتيح له فترة المحاكمة الاتصال بالمجرم فيتمكن من الوقوف على أحواله وظروف إجرامه على نحو يؤمن قدرا كافيا من العدالة .فادا كان المشرع يركز عند تحديده للعقوبة على الجريمة فان القاضي يركز أكثر على المجرم. ومن هنا يعمل القاضي على استخراج التحديد الواقعي للجريمة انطلاقا من التحديد التشريعي المجرد. لكن السؤال الممكن طرحه ما هي المعايير التي ينطلق منها القاضي لقياس الألم المتكامل لجسامة الجريمة ومسؤولية مقترفها وقدر ما يستحق من العقاب؟ وهذا ما سنحاول التطرق إليه في هدا المطلب (الفقرة الثانية )لكن قبل دلك سنتطرق إلى السلطة التقديرية للقاضي في تفريد الجزاء (الفقرة الأولى )
الفقرة الأولى: السلطة التقديرية للقاضي في تفريد الجزاء
إذا كان المشرع حدد سلفا العقوبة الملائمة لكل جريمة بين الحد الأدنى والأقصى فانه ترك السلطة التقديرية للقاضي من أجل التصرف بين الحدين الأدنى والأقصى (أولا) ولم تقتصر سلطة القاضي على دلك فقط ولكنه يمكن له أن ينزل بالعقوبة عن حدها الأدنى عندما يمتع المتهم بظروف التخفيف ( ثانيا )كما أنه أحيانا يمكن له أن يوقف تنفيذ العقوبة( ثالثا )
htmlspecialchars_decode('"')
أولا سلطة القاضي في التصرف بين الحدين الأدنى والأقصى htmlspecialchars_decode('"')
خول المشروع في مجال تقدير العقوبة القاضي بسلطة تقديرية واسعة وذلك ليختار منها ما يراه مناسبا ومتماشيا مع مصالح المجرم والمجتمع في آن واحد فأعطاه بذلك حرية تقدير العقوبة وتحديدها بين حد أقصى وأدنى ويجمع المهتمون بميدان التجريم والعقاب على أن العلة الحقيقية لهذا التصرف هي التوزيع المنطقي المتوازن للاختصاص بين التفريد التشريعي والتفريد القضائي على وجه يتحقق فيه التنسيق بين المصالح الاجتماعية والفردية.
والمشرع يحدد العقوبة إما بكيفية جامدة وإما بكيفية مرنة بين حدين أقصى وأدنى ليترك في هذه الحالة الأخيرة حرية للقاضي الجنائي ليتصرف فيها تبعا لما يظهر له من ظروف متعلقة بالمجرم المجرم وملابسات الجريمة .فدوره إذا أساسي في تحديد العقوبة , إلا أنه لا يستطيع مع ذلك أن يلعب هذا الدور إلا في الحدود التي رسمها القانون, فلا يستطيع الارتفاع عن الحد الأقصى ولا النزول عن الحد الأدنى ولا الحكم بعقوبة أخرى لم يقررها القانون دون أن يخرق النص التشريعي مما يعرض حكمه للنقص والإبطال.
فالقاضي الجنائي ففي ممارسته لتفريد الجزاء ملزم بمراعاة الحد الأدنى والحد الأقصى للعقوبة حتى إذا سمح لنفسه بالنزول دون الحد الأدنى أو تجاوز الحد الأقصى فلا بد له من مراعاة المقتضيات المتعلقة بظروف التخفيف وظروف التشديد والأعذار القانونية المعفية والمخففة من العقاب .
وبهذا يكون للقاضي الزجري سلطة تقديرية واسعة في التصرف بين حدي العقوبة ولا رقابة عليه في هذه االحالة ولا يكون ملزما ببيان اسباب اختياره للعقوبة المناسبة،وهذا ما سارت عليه جل التشريعات المقارنة ومنها الاجتهاد القضائي إذ جاء في أحد قرارات محكمة النقض أنه "من المقرر أن تقدير العقوبة أمر موضوعي لا سلطان عليه لمحكمة النقض،بشترط أن يكون في الحدود التي ضبطها القانون"وهذا ما صار عليه الاجتهاد القضائي المغربي حيث يستشف ذلك بمفهوم المخالفة من خلال قرار مجلس الأعلى أنه "يتعرض للنقض من أجل خرقه القانون الحكم الذي يقضي على متهم بعقوبة تقل عن الحد الأدنى أو تتجاوز الحد الأعلى المنصوص عليه في القانون."
وبالتالي فإن للقاضي سلطة الخروج عن حدي العقوبة انطلاقا من قرار مجلس الأعلى المشار إليه أعلاه أي أنه بإمكان القاضي الصعود أو النزول عن الحدين المنصوص عليهما في القانون دون رقابة المجلس الأعلى. لكنه يمكن له أن ينزل عن الحد الأدنى في حالة منح المتهم ظروف التخفيف وبالتالي يكون المشرع قد وسع من سلطة القاضي التقديرية وهدا ما سنناقشه في النقطة الموالية .
htmlspecialchars_decode('"')
ثانيا : ظروف التخفيف القضائية htmlspecialchars_decode('"')
لم يحدد المشرع الظروف المخففة في القانون عكس الأعذار القانونية ولم يضع ضوابط تعين القاضي على استنباطها بل ترك ذلك كله لحسن تقدير هذا الأخير بحيث يستطيع منحها في أية جريمة جنائية كانت أم جنحة أو مخالفة وذلك تبعا لظروف ارتكابها أو ظروف مرتكبها .
فقد نص الفصل 146/ف على أنه إذا تبين للمحكمة الزجرية بعد انتهاء المرافعة في القضية المطروحة عليها أن الجزاء المقرر للجريمة في القانون قاس بالنسبة لخطورة الأفعال المرتكبة أو بالنسبة لدرجة إجرام المتهم فإنها تستطيع أن تمنحه التمتع بظروف التخفيف إلا إذا وجد نص قانوني يمنع ذلك .
فما هو نطاق هده الظروف ؟وما هي حدود سلطة القاضي في منحها؟ وما هو أثارها على العقوبة ؟
لقد سبق القول بأن المشرع حدد ظروف التشديد وحدد الأعذار القانونية المخففة والمعفية من العقاب .لكن ومن أجل وضع مقياس حقيقي للعقوبة فانه لم يكتفي بذلك ولكنه منح القاضي سلطة منح ظروف التخفيف هده الظروف تسمى بظروف التخفيف القضائية لأنها لا تكون محددة سلفا .
وتخول هذه الأخيرة للقاضي سلطة النزول عن الحد الأدنى المقرر للعقوبة حيث تمثل ا امتياز آخر للقاضي الجنائي ارتأى المشرع من خلاله استكمال بنيان نظام التفريد القضائي .
هذا ويذكر المهتمون بميدان التجريم والعقاب بان الظروف المخففة لها وظيفة أخرى من الأهمية بمكان هي تمكين القاضي الجنائي من تطوير النصوص الزجرية وتطويعها وفقا للمشاعر الاجتماعية القوية والنظريات العلمية المهيمنة حيث تضحى هذه وتلك تقدر شدة بعض العقوبات وقساوتها فيستطيع القاضي الاستجابة لمثل هذه المستجدات من خلال العمل على تمتيع المتهم بظروف التخفيف مع الإبقاء في الوقت ذاته على بعض من العقوبات المقررة قانونا تحقيقا لأغراض الردع العام التي هي على كل حال أغراضا مقبولة اجتماعيا للحد من تفاحش وتزايد الإجرام .
وعلى هذا الأساس فإن منح ظروف التخفيف للجاني انطلاقا من السلطة التقديرية الممنوحة للقاضي تجعلنا نتسائل عن مدى سلطة القاضي في تقريرها ومدى رقابة المجلس على قاضي الموضوع عند منحه هذه الظروف وفي حالة عدم تمتيع المتهم بها وهذا ما سنعمل على استنباطه من خلال بعض قرارات المجلس الأعلى .
1- حيث جاء في قرار المجلس الأعلى عدد304 (10س) صادر بتاريخ 19/1/1967 في الملف الجنائي عدد23717 منشور بمجلة المحاكم المغربية عدد26 ص 72 على.
- ضرورة البت في وجود ظروف التخفيف من عدمها من طرف محكمة الجنايات ولو تعلق الأمر بجنحة.
- يتعين على محكمة الجنايات طبقا لمقتضيات الفصل 430 من ف.م.ج كلما قررت الإدانة أن تبث في وجود ظروف مخففة أو عدم وجودها ولو تعلق الأمر بجنحة.
2-قرار عدد3269 صادر عن المجلس الأعلى بتاريخ22/4/86 في الملف الجنائي رقم 17029-85 منشور بمجلة المعيار عدد 7-8 ص 109
- إن الفصل 147 من م.ق.ج المبين لدى سلطة المحكمة لتقرير العقوبة في حالة منحها لظروف التخفيف يقضي في فقرته التالية :
- وإذا كان الحد الأدنى للعقوبة المقررة هو عشر سنوات سجنا فإنها تطبق السجن من خمس إلى عشر سنوات او عقوبة الحبس من سنتين إلى خمس .
3- القرار عدد 947109 الصادر بتاريخ 21/7/1994 في الملف الجنحي عدد 19139-89، منشور مجلة قضاء المجلس الأعلى عدد47 ص 229.
- ظروف التخفيف لا سلطة للقاضي في منحها بالنسبة لمخالفات الصيد البري عمل بمقتضيات الفصل 18 من ظهير 21 يوليوز 1923 .
4- قرار عدد 1355/2 الصادر بتاريخ 28/7/96 في الملف الجنائي عدد 39-10637/90، منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى عدد 53-54 ص 372 .
- منح ظروف التخفيف في إطار الفصل 146 من القانون الجنائي هو أممر يرجع للسلطة التقديرية لقضاة الموضوع ولا يخضع لرقابة المجلس الأعلى.
6- قرار عدد 21722 الصادر بتاريخ 05/06/2002 في الملف الجنحي عدد 1336/2001، منشور بمجلة المجلس الأعلى عدد 51 ص 154.
يجب أن يقع الاقتراع بشأن ظروف التخفيف فيما يخص كل واحد من المتهمين على حدة لاختلاف كل واحد منهم عن الآخر.
يتعرض للنقض القرار الذي يتضمن التداول بتنصيص جامع لكل المتهمين بشأن تمتيعهم أو عدم تـمتيعهم بظروف التخفيف.
7- قرار عدد 1784/10 صادر بتاريخ 16/6/01 في الملف الجنحي عدد 4725/04، منشور بالمجلة المغربية لقانون الأعمال والمقاولات عدد 7 ص 161.
علاوة على أن الطاعن لم يثبت أمام محكمة الموضوع ما يفيد أن شركته كانت في حالة التصفية القضائية، فإن منح ظروف التخفيف أو حجبها عنه يخضع للسلطة التقديرية لمحكمة الموضوع شأنها في ذلك شأن مسألة تحديد العقوبة بين حديها الأدنى والأقصى، ولذلك فإن القرار المطعون فيه لما قضى برفع العقوبة الحبسية المحكوم بــها ابتدائيا دون أن يتجاوز الحد الأقصى للعقوبة المقررة قانونا للجريمة موضوع الإدانة، لم يكن في حاجة إلى أي تعليل.
من خلال هذه القرارات للمجلس الأعلى وبالإضافة إلى ما ذهب إليه الفقه الجنائي المغربي سنحاول أن نبرز مدى سلطة القاضي الجنائي المغربي في منحز ظروف التخفيف من خلال مجموعة من النقط.
1- يجمع القضاء والفقه الجنائي المغربي على أن منح ظروف التخفيف هو موكول إلى تقدير القاضي مع التزامه بتعليل قراره في هذا الصدد، ولكنه إذا صدر العقوبة العادية فإنه غير ملزم بالتعرض إلى وجود أو عدم وجود الظروف المخففة فلا يكون قراره معيبا من هذه الناحية.
2- يجمع القضاء و الفقه أيضا على أن المحكمة الزجرية حرة في منح الظروف المخففة أو عدم منحها وبالتالي لا تسأل لماذا لم تمنحها بل ولا يكون عليها أن تجيب على السؤال الذي يقدم لها في هذا الصدد، لكن إذا منحتها وصرحت بوجودها يكون عليها أن تطبق نتيجتها التي هي التخفيف في الحدود التي تــقررها الفصول من 147 إلى 151 من المجموعة الجنائية، وإلا كانت متناقضة مع نفسها وعرضت الحكم أو القرار الذي يصدر للنقض والإبطال.
3- ويستثف أيضا أن مسألة منح الـمتهم ظروف التخفيف تثار شفاهيا من طرف الرئيس أثناء المداولة حول الإدانة ويبث فيها بأغلبية الأصوات وفي حالة التساوي تكون النتيجة لصالح الـمتهم، إلا أن الجواب عليها لا يسجل في الحكم أو القرار الصادر إلا إذا كان إيـجابيا.
4- ويجمع الفقه والقضاء على أنه إذا كان منح ظروف التخفيف موكول لقضاء الموضوع كمبدأ عام فإن هناك استـــثنائين تتم مراعتهما في هذا الإطار هـمـا:
1- الاستثناء الأول: ويرجع أصلا إلى سلطة منح ظروف التخفيف ذاتها حيث نص الفصل 146 على أن للمحكمة منح ظروف التخفيف إلا إذا وجد نص قانونا يمنع ذلك، وأمثلة هذا النص متعددة في التشريعات الزجرية المغربية كحالة الفصل 18 من ظهير 21 يوليوز 1923 المشار إليها في قرار مجلس الأعلى أعلاه.
2- والاستثناء الثاني: ويرجع إلى إلزام المحكمة في بعض الحالات بوجوب البث في وجودا أو عدم وجود ظروف التخفيف كما هو الحال بالنسبة لمحكمة الجنايات والمحكمة العسكرية .
ولعل أهم أهم م يمكن استنتاجه في هذا الموضوع أن المحكمة الزجرية لا تستطيع أن تستعمل حقها في تقدير ظروف التخفيف لتخرج به عن الحدود التي وضعها القانون بالنسبة للعقوبة المطبقة لمجرد أنها تريد ذلك. وإنما يجب عليها أن تبين السبب وأن تعلل رأيها في الموضوع أي أن تبرر الملابسات العينية والشخصية للجريمة التي حملتها على التخفيف والإشكالية التي يمكن أن تقع فيها المحكمة أن تحكم بعقوبة دنيا خارج الحدود القانونية.
ومن غير تعليل، يعتبر تبر مسلكها هذا خرقا لمبدأ شرعية العقوبة لا منحا لظروف التخفيف لانتقاء التعليل إذا لا يمكن التأكد عندئذ مما إذا كانت المحكمة وجدت فعلا ظرفا من الظروف المخففة وعلى أساسه خففت العقاب، أو خرقت القانون بكل بساطة نتيجة لجهل أو نسيان.
• نطاق ظروف التخفيف:
حسب نصوص القانون الجنائي المغربي فان مجال تطبيق نظام ظروف التخفيف ليس خاص بنوع دون آخر من المجرمين وإنما يطبق على الجميع وبدون استثناء حيث يستفيد منه الراشد والقاصر والابتدائي والعائد والمجرم السياسي والمجرم العادي والمغربي والأجنبي والمحكوم عليه غيابيا.
وبخصوص نوع الفعل الجرمي المرتكب نشير بداية إلى أن تقرير ظروف التخفيف يتم من طرف قضاء الموضوع ولا يهم كون المحكمة عادية أو استثنافية نظرا لأن النص جاء مطلق .
ويتم منح ضظروف التخفيف في الجنايات والجنح وكذ. في المخالافات مع الإشارة إلى أن الجاري به العمل في الفقه والتشريع والقضاء المقارن هو أن نطاق ظروف التخفيف يقتصر على الجنايات دون الجنح والمخالفات ويبرر ذلك بعدم جدوى هذه الظروف بالنسبة لهذه الأخيرة لأن النص القانوني يكتفي بالحد الأدنى العام بشأنــها وهو منمنخفض فيستطيع القاضي الحكم على المتهم بالعقوبة المخففة دون الحاجة الى النزول عن الحد الأدنى .
إنما هذا لا ينسجم مع مقتضيات نصوص المجموعة الجنائية المغربية وخاصة الفصل 151 منها الذي ذكر ما يلي: " في المخالفات بما في ذلك حالة العود يستطيع القاضي إذا ثبت لديه توفر الظروف المخففة أن ينزل بعقوبة الاعتقال والغرامة إلى الحد الأدنى لعقوبة * المقررة في هذا القانون ويجوز له أن يحكم بالغرامة عوضا عن الاعتقال في الحالة التي يكون فيها الاعتقال مقررا في القانون".
آثار منح ظروف التخفيف:
يجمع الفقه الجنائي المغربي والمقارن على أن التخفيف الذي ينتج عن منح المتهم التمتع بظروف التخفيف لا علاقة له بمعنى التصرف بين الحدين الأدنى والأقصى للعقوبة. ذلك أن القاضي الجنائي في هذا التصرف الأخير يطبق العقوبة العادية المقررة في القانون ولم يطبق نظام ظروف التخفيف .
وعليه لا يعتبر مطبقا لهذا النظام إلا حينما يحكم بعقوبة أقل من الحد الأدنى المقرر قانونا أي النزول عنه، هذا من جهة ومن جهة أخرى الآثار التي تنتجها ظروف التخفيف تعتبر خاصة لمن منحت له ولا تسري على كل من له علاقة بالجريمة . والإشكالية واضحة حيث أنـــها ظروف شخصية و ليست عينية وإن كانت تستنبط من أمور شخصية مثل نسبة درجة إجرام المتهم وأمور عينية مثل خطورة الأفعال المرتكبة كما ذكر ذلك الفصل 146 من المجموعة الجنائية.
اما بالنسبة لآثار ظروف التخفيف على العقوبة فانها تـختلف تبعا لاختلاف نوع العقوبة المقررة للجريمة ولقد اشار اليها المشرع في فصول من 147الى 151 من ق ج.
1- بالنسبة للعقوبات الجنائية
إنطلاقا من الفصلين 147 و 148 يتبين لنا أن منح ظروف التخفيف في الجنايات يترتب عنه ما يلي
أ-تعويض بعض العقوبات الجنائية وهي كما يلي
الإعدام يعوض بالسجن المؤبد أو المؤقت من 10 سنوات إلى 30 سنة.
السجن المؤبد يعوض بالسجن المؤقت من 10 سنوات إلى 30 سنة.
السجن المؤقت الذي هو بين 5 سنوات و 10 سنوات يعوض بعقوبة الحبس من سنة إلى 5 سنوات.
الإقامة الإجبارية تعوض بالتجريد من الحقوق الوطنية أو الحبس من 6 اشهر إلى سنتين.
التجريد من الحقوق الوطنية يعوض بالحبس من 6 أشهر إلى سنتين أو بالحرمان من بعض الحقوق الوطنية الوارة في الفصل 26 من ق.ج .
ب-- تكون المحكمة الجنائية مخيرة ادا كان الحد الأدنى المقرر للعقوبة عشر سنوات بين أن تستبدل العقوبة المقررة بعقوبة تتراوح بين خمس سنوات وعشر ,وبين تخفيضها الى عقوبة حبسية من سنتين الى خمس .
ج—اذا كانت ظروف التخفيف في الجنايات تؤدي الى تخفيف لاالعقوبة الأصلية لزوما فان هذا الألزام لا يمتد ليشمل العقوبات الأضافية كذلك.وهدا ما يستنتج من الفقرة الأخيرة من الفصل 147 من ق .
د- كلما حكمت المحكمة الجنائية بعقوبة الحبس بدل السجن الذي حده الأدنى خمس سنوات أو عشر (الفقرات 3و4و5 من م 147 من ق.ج ) أو الأقامة الأجبارية م 148/1 من ق ج أو التجريد من الحقوق الوطنية م 148/2 من ق ج فانها يمكنها أن تضيف عملا بالفقرة 7 من المادة 147 الى عقوبة الحبس في الحدود المقررة في الفقرات 3 و4و5 من المادة 147 والفقرتين 1و2 من المادة 148 من ق.ج غرامة يكون حدها الأدنى 200درهم وحدها الأعلى 1200 درهم والحرمان من واحد لأو أكثر من الحقوق المشار اليها لافي الفقرتين 1و2 من الفصل 26 من ق وبالمنع من الأقامة لمدة تتراوح بين خمس سنوات وعشر.
2 – بالنسبة للعقوبات الجنحية:
يمكن تمييز في العقوبات الجنحية بين العقوبات التأديبية والعقوبات الضبطية ويجري تخفيف كما يلي:
أ- في الجنح التأديبية بما في ذلك حالة العود.
يقع التخفيف بالنزول عن الحد الأدنى المقرر للحبس أو الغرامة على أن لا ينقص الحبس عن شهر واحد والغرامة عن 200 درهم ونزول القاضي هنا اختياري.
ب-في الجنح الضبطية بما في ذلك حالة العودة :
يقع التخفيف بالنزول عن الحد الأدنى وبصفة جوازية للقاضي أيضا دون أن ينقص الحبس عن 6 أيام .
والغرامة عن 200 درهم. كما يقع الاقتصار على إحدى العقوبتين أو الحكم بالغرامة التي يمكن أن تصل إلى خمسة آلاف درهم بدل الحبس .
3- بالنسبة لعقوبة المخالفات:
الذي يأخذ من نصوص المجموعة الجنائية أنه في المخالفات يمكن للقاضي الجنائي اتخاذ نوعين من التخفيف:
أ- طبقا للمادة 151 من ق.ج يستطيع القاضي اثبت لديه توفر الظروف المخففة أن ينزل بعقوبتي الاعتقال والغرامة إلى الحد الأدنى المقرر للمخالفات وهو يوم واحد للاعتقال وخمسة دراهم للغرامة،ويجوز له أن يحكم بالغرامة عوضا عن الأعتقال في الحالة التي يكون فيها العتقال مقررا في القانون .
.
4-بالنسبة للعقوبات الإضافية:
واضح أن نصوص المجموعة الجنائية لم تتعرض مطلقا إلى أثر ظروف التخفيف على العقوبات الإضافية وهنا يجمع الفقه الجنائي المغربي على أن ظروف التخفيف لا تطبق إلا في الجزاءات الزجرية لا في الغرامات المالية. والسؤال المطروح هنا هل عدم النص على أثر ظروف التخفيف على العقوبات الإضافية يعني أنها ظروف قاصرة على العقوبات الأصلية فقط.
للجواب على هذا السؤال يرى الفقيه المكي السنتيسي إلى أن مسألة أثر الظروف المخففة على العقوبات الإضافية تثير صعوبات على المستوى العقوبات الإضافية الإلزامية والتي لا زال فيها موقف القضاء يعرف التردد والغموض .
في حين يرى الفقيه أحمد الخمليشي إلى أنه بالنظر إلى طبيعة ارتباط العقوبات الإضافية عموما بالعقوبات الأصلية قد يمتد معه أثر الظروف المخففة إلى الأولى .
ولقد تعرض المشرع المغربي للعقوبات الأضافية في المادة 6 من قج وهي اما عقوبات تبعية تطبق بحكم القانون دون لالحاجة الى النطق بها في صلب الحكم وهي الحجر القانوني والتجريد من الحقوزق الوطنية والحرمان النهائي من الحق في المعاش وعقوبات تكميلية لا يمكن تنفيدها الا اذا حكم بها القاضي و قد يكون الحكم بها إلزامي وقد يكون اختياري استنادا إلى النص القانوني فما هو اثر الظروف المخففة في هذه الأحوال الثلاثة للعقوبات الإضافية.
- بخصوص العقوبات التبعية يلاحظ أن الحجر القانوني والتجريد من الحقوق الوطنية يرتبطان بالعقوبات الجنائية(الفصل 37) والحرمان النهائي من الحق في المعاش مرتبط بالإعدام والسجن المؤبد(الفصل 41) ومن ثم فإن عدم تطبيق العقوبات الأصلية هذه بسب بظروف التخفيف يمنع حتما اختفاء هذه العقوبات التبعية المرتبطة بها بوصفها تابعة بحكم القانون للعقوبة الأصلية .
- وبخصوص العقوبات الإضافية الإلزامية الذي يؤخذ من الفصل 291 من المجموعة الجنائية أنه على المحكمة الامتثال لنص القانون والحكم بالعقوبات الإضافية ولو متعت المتهم بظروف التخفيف. ومثال هذه الفصول 199 و207 و350 المتعلقة بإضافة عقوبة المصادرة والفصل 291 المتعلق بإضافة عقوبة نشر الحكم والفصل312 المتعلق بإضافة الحرمان من الوظائف والخدمات العامة.
-وبخصوص العقوبات الإضافية الاختيارية يذهب رأي فقهي إلى أنه عندما يجيز القانون للقاضي الجنائي المغربي الحكم بالعقوبة الإضافية أو عدم الحكم بها فإنه يبقى محتفظا بهذه الصلاحية في حالة تمتيع المتهم بظروف التخفيف حيث يمكنه أن يطبق هذه العقوبات الإضافية أو يعفي المعني بالأمر منها .
-والأن بعد تحليل هذه المجموعة من الأسئلة حول منح الظروف المخففة يمكن لنا أن نتساءل عن الحكم في حالة اجتماع ظروف
تجيبنا على هذا المادة 161 من المجموعة الجنائية التي تنص على ما يلي : "في حالة اجتماع أسباب التخفيف وأسباب التشديد يراعي القاضي في تحديد العقوبة مفعول كل منهما على الترتيب الآتي :
1- الظروف المشددة العينية المتعلقة بارتكاب الجريمة .
2- الظروف المشددة الشخصية المتعلقة بشخص المجرم.
3- الأعذار القانونية المتعلقة بارتكاب الجريمة والمخفضة للعقوبة .
4- الأعذار القانونية المتعلقة بشخص المجرم والمخفضة للعقوبة .
5- حالة العود
6- الظروف القضائية المخفضة .
فيؤخذ إذا من هذه المادة أن اجتماع ظروف التخفيف مع ظروف التشديد ومع الأعذار المخففة يوجب على القاضي إعمالا بكل منها مع مراعاة الترتيب المذكور في هذه المادة لأن ذلك يدخل بالضرورة في أحكام تفريد الجزاء كما صرح بذلك الفصل 142 من ق.ج علما بأن القاضي أحيانا قد يكون ممنوعا من اعمال هذا التفريد الذي تعتبر فيه الظروف المشددة والظروف المخففة واللاعذار المخففة مجتمعة حينما يوجد نص صريح مثل فصل 506 والفصل 510 والفصل427.
htmlspecialchars_decode('"')
ثالثا : وقف التنفيذ htmlspecialchars_decode('"')
أحيانا رغم تمتيع القاضي المتهم بظروف التخفيف فان العقوبة تبقى قاسية بالنسبة اليه خصوصا ادا كان الأمر يتعلق بجريمة بسيطة وكان المجرم غير متعود على الأجرام ومن هذا المنطلق منح المشرع للقاضي سلطة وقف تنفيد العقوبة بعد النطق بها حيث نص على ذلك في المواد من 55 الى 58 فما المقصود بوقف تنفيد العقوبة ؟ وما هي طبيعته؟ وما هي شروط إصدار الحكم به وما هي آثاره القانونية ؟
1-مفهوم وقف التنفيذ :
نظام وقف التنفيذ أو نظام تنفيذ الأحكام على شرط بمعنى واحد والأمر يتعلق بسلطة مخولة للقاضي الجنائي في تعليق تنفيذ عقوبة على شرط موقف خلال مدة تجربة يحددها القانون .
وفي كل النصوص الزجرية بما فيها نصوص المجموعة الجنائية اقتضت حكمت التشريع الجنائي أن تخول للقاضي الجنائي سلطة تقدير جميع العناصر التي تحدد "مدى الشعور بالايلام" ومن بينها تنفيذ العقوبة أو وقف تنفيذها.
وفي هذا الإطار يتكرر رأي فقهي مغربي بأنه زيادة على ما يتمتع به القاضي من سلطة التصرف في تقدير العقوبة بين الحدين الأدنى والأعلى وفي منح ظروف التخفيف فإن المشرع خوله أيضا أن يأمر في الحكم الذي يصدره بعدم العقوبة على المحكوم عليه وذلك إذا رأى أن إدانة الجاني كافية لردعه وأن تنفيذ العقوبة ربما أتى بأثر عكسي سيما عقوبة الحبس التي قد تفسد بعض المذنبين الذين ارتكبوا الجريمة عن هفوة تم استيقظ ضميرهم وندموا على ما فعلوا, فمثل هؤلاء قد يكون من الحكمة عدم أرغامهم على العيش داخل السجن مع المجرمين المحترفين .
وعلى كل يعتبر وقف التنفيذ ونظام التخفيف من أهم الدعائم الأساسية في تنظيم الجزاء الجنائي حسب التوجهات الحديثة التي يلزم كل تشريع زجري ساري المفعول الآن أن يعتنقها.
2-طبيعة وقف التنفيذ .
يجمع المهتمون بميدان التجريم والعقاب على أن التكييف الحقيقي لوقف التنفيذ أنه صورة لتطبيق العقوبة وأنه نظام تنصرف أثاره المباشرة إلى إجراءات تنفيذ العقوبة بحيث تؤدي إلى عدم اتخاذ هذه الأخيرة .
كما يفهم من طبيعة النصوص الجنائية المغربية التي تطرقت الى وقف التنفيذ أنه ينطوي على معاملة عقابية حقيقية لأنه يشكل تهديد للمحكوم عليه خلال المدة المحكوم بها عليه بوقف التنفيد حيث تنفذ في حقه إذا صدر عنه ما يجعله غير جدير بوقفها .
وهدا ما جعل المشرع ينص في الفصل 58 من ق ج على ضرورة تنبيه المحكوم عليه ذا كان حاضرا بطبيعة هذا الإجراء والنتائج المترتبة على عدم التقيد بحسن السلوك خلال مدة التجربة كما هو منصوص عليه في المادة 56 من ق ج .
وهكذا يظهر بأن الإدانة مع وقف التنفيذ هي إدانة جزائية ذات تنفيذ مشروط تنتهي بمضي مدة معينة على اعتبار :
أ-أن كونها إدانة جزائية يعني تقييدها في السجل العدلي .
ب-وأن كونها إدانة ذات تنفيذ مشروط يعني انها معلقة من حيث التنفيذ على عنصر التردي ثانية في هاوية الإجرام خلال مدة التجربة وتحمل إدانته بالحبس أو بعقولة أشد من أجل جناية أو جنحة عادية.
ج-وأنها إدانة تمحى نـهائيا بمرور فترة التجربة فالأمر إذا لا يتعلق لا يتعلق باعفاء فقط وانما بمحو الإدانة من أصلها واعتبارها كأن لم تقع أو تحصل بحيث يجب ان تختفي من السجل العدلي بجميع بطائقه وتمحي كل آثارها في الميدان الجنائي مما يعني أن انعدام الأهلية والعقوبات التكميلية أو التبعية تختفي .
3 شروط إصدار الحكم بوقف التنفيذ واثاره
إن تنفيذ العقوبة هو إجراء اختياري يمكن للمحكمة أن تمنحه أو لا تمنحه ولو توافرت شروطه القانونية .لكن من اجل منحه أن لا يكون الجاني قد سبق الحكم عليه بالسجن من اجل جناية أو جنحة عادية بحيث إذا سبق الحكم عليه من أجل جنحة غير هادية كأن تكون سياسية أو عسكرية فانه لا يؤثر على وقف التنفيذ وعلة هذا الشرط واضحة اذ أنه يجب أن يستفيذ من وقف التنفيذ المجرم الابتدائي فقط .كما يجب على المحكمة أن تعلل قرارها بوقف التنفيذ تعليلا مستقلا وان كانت ىغير ملزمة بهذا التعليل في حالة عدم تقريرها له
وبالنسبة لأثر وقف التنفيذ فانه لا يسري إلا على العقوبات الأصلية وحدها دون العقوبات الإضافية ولا على الصوائر الدعوى والتعويضات المدنية أو فقدان الأهلية المترتبة عن الحكم الزجري .
ومع ذلك فان العقوبات الأضافية وحالة فقدان الأهلية ينتهي مفعولها حتما يوم يصبح الحكم ىكأن لالم يكن وفقا لمقتضيات الأولى من المادة 56 من ق ج .
الفقرة الثانية ضوابط السلطة التقديرية للقاضي
htmlspecialchars_decode('"')
أولا : الضوابط المتعلقة بالجريمة : htmlspecialchars_decode('"')
إن الخطورة الإجرامية هي تلك الحالة النفسية والتي يحتمل من صاحبها أن يكون مصدرا لجريمة مستقبلية ويتعين التمييز في الخطورة الإجرامية للفاعل بين العناصر المكونة للجريمة والعوامل المنشأة لها والأمارات الكاشفة عنها، والملابسات الموقظة لمفعولها أي العوامل المنبهة لها والخطورة بهذا المعنى إما عامة تنذر بأية جريمة، وإما خاصة تنذر بجرائم معينة أو من نوع معين، ومن ثم تنشأ منها صورة التخصص في إجرام معين .
وهكذا فالجرائم ليست كلها على قدر واحد من الخطورة فهناك المخالفات والجنح وهناك الجنايات ، كما يمكن التمييز بين الجرائم العمدية والجرائم غير العمدية وبين الجرائم المستمرة والجرائم الفورية، وبين الجرائم الطبيعية والجرائم الاصطناعية، وكل جريمة تترك ضررا معينا، هذا الضرر والذي يختلف من جريمة إلى أخرى، والقاضي الجنائي يكون ملزما بتقدير حجم الضرر ومدى قوة تأثيره على الضحية أو على المجتمع بصفة عامة هل هو ضرر خفيف أم أم ضرر جسيم؟ هل هو قابل للإصلاح أم ليس كذلك؟ وما هي الوسائل التي ارتكبت بها الجريمة؟ ومكان وزمان ارتكابها؟ هل في وسط أصل أم لا؟ هل ارتكبت ليلا أم نهارا؟ فهل أخذ المشرع المغربي يا ترى بهذه الضوابط أم لا؟ أم ترك الباب مفتوحا بمصراعيه أمام كل من الفقه والاجتهاد القضائي لتأطير هذه الضوابط بتحيز غير مستهان به من النظريات القانونية؟ والملاحظ بهذا الصدد أن المشرع المغربي ننص في ف 141 من ق ج على أن للقاضي السلطة التشريعية في تحديد العقوبة وتفريدها بين نطاق الحدين الأقصى والأدنى المقررين في القانون المعاقب على الجريمة مراعيا في ذلك خطورة الجريمة وشخصية المجرم من ناحية أخرى .
والملاحظ من هذه المادة أن المشرع المغربي رغم نصه على خطورة الجريمة كضابط على القاضي الأخذ به عند تفريد العقوبة إلا أنه لم يحدد المعايير المشكلة للخطورة الإجرامية حيث ترك الأمر مبهما، وذلك على عكس المشرع الايطالي الذي نص في الفقرة الأولى من المادة 133 من قانون العقوبات الايطالي الصادر في سنة 1930 على المعايير المستخلصة من جسامة الجريمة ، ونفس الشيء نجده عند الـمشرع الليبي في المادة 28 من قانون العقوبات الليبي رغم أن المادة السالف ذكرها تعتبر نقلا لمقتضيات المادة 141 من قـانـون العقوبات الايطالي .
لكن عند العودة إلى الفقه نجد ثلاثة أمارات كاشفة يمكن للقاضي الاعتماد عليها في استخلاص خطورة الجريمة وهي :
جسامة الاعتداء على الحق.
أسلوب تنفيذ الفعل الإجرامي
العلاقة بين المتهم والمجني عليه .
وعليه فدراسة الخطورة الإجرامية من هذا المنطلق يجب أن تركز على الركنين المادي والمعنوي حتى يتم استجلاء الخطورة الإجرامية انطلاقا من هذين الركنين .
ضوابط الركن المادي : ( النشاط الإجرامي والنتيجة الإجرامية) .
ضوابط النشاط الإجرامي :
الوسيلة: وهي مختلف الأدوات التي وظفت في الجريمة بهدف اتيان النشاط الإجرامي مثل استعمال السلاح والعنف والتعذيب .
الزمان : يعول عليه في تحديد صنف الجريمة ، فظرف الليل يعتبر ظرفا من ظروف التشديد في جريمة السرقة والواردة في الفصل 510 من ق.ج كما يمكن لليل أن يكون سببا من الأسباب التي تمحوا ارتكاب الجريمة إذا ما تعلق الأمر بالفصل 417 والذي يحيلنا على الأسباب التي تمحو ارتكاب الجريمة الفقرة الثانية الفصل 125 من ق. ج .
المكان : أي الموقع الذي مورس فيه النشاط الإجرامي ، والذي قد يساهم في إنجاح أو إفشال العملية .ضوابط النتيجة الإجرامية :
هذه النتيجة والتي تتمثل عادة في الضرر المعنوي الذي ينال مصلحة أو حقا يحميه القانون، وهكذا ينظر المشرع المغربي إلى النتيجة الإجرامية والتي يربطها بالنشاط الإجرامي فلا يكفي لقيا الركن المادي حصول النشاط بل لا بد من وجود علاقة سببية بينهما ، وهكذا فكلما كان الضرر تافها كانت العقوبة خفيفة والعكس صحيح، وهذا ما بفرض وجود ملائمة بين الفعل الجرمي والعقوبة انطلاقا من الماديات التي تقوم عليها الواقعة الجرمية بناء على دراسة ما يكتنفها من غموض .
ضوابط الركن المعنوي :
:إن الركن المعنوي كماكما عرفه أستاذنا المحترم الفقيه الدكتور أحمد الخمليشي "الإرادة الجنائية، أي توجيه الإرادة فعلا إلى تحقيق النشاط الإجرامي ، أو على الأقل تعطيل هذه الإرادة وارتكاب هذه الجريمة عن طريق الإهمال" .
وهكذا فالعنصر المعنوي في الجرائم العمدية والقصد، وفي جرائم الإهمال والمخالفات هو الخطأ .
واستظهار القصد الجنائي من أهم واجبات القاضي ، بحيث لا يستقيم بغيرها إمكان تطبيق قانون ولا تقدير عقوبة، وهو يتفاوت في دقته من جريمة إلى أخرى تفاوتا كبيرا، كما يعبر من مدى خطورة الفاعل لأنه يعكس نفسية الجان الخطرة، كما يساهم في تمديد نوع القصد هل هو عام أو خاص، بسيط أو مسبوق بسبق الإصرار في جسامة العقوبة .
وعليه يمكن للقاضي بناءا على ما سبق ذكره من معطيات من قبيل الاعتماد على كل من الركنين المادي والمعنوي لدراسة الجريمة هذا بالإضافة إلى كيفية اقترافها وكذا الظروف والملابسات المحيطة بالواقعة الجرمية، فهل يعتبر هذا الضابط المتعلق بالجريمة كافيا لتوقيع العقوبة أم أن الأمر يتعداه إلى ضرورة البحث في ضوابط أخرى أكثر أهمية؟ هذا ما سنحاول الإجابة عنه في المحور الآتي المتعلق بالجرم.
htmlspecialchars_decode('"')
ثانيا : الضوابط المتعلقة بالمجرم . htmlspecialchars_decode('"')
لم يعد تحقق الجريمة بركنيها المادي والمعنوي كافيا في ذاته لاعتبار فاعلها العاقل الراشد مؤولا، وإنما أضيف في سبيل المسؤولية شرط آخر، هو أن يكون فاعل الجريمة على خطورة إجرامية، والفضل في إضافة هذا الشرط إنما يرجع إلى العناية بالنظرية العامة للفاعل ( المجرم) ، بعد أن كانت العناية كلها محصورة في النظرية العامة للفعل .
وهكذا جاءت السياسات الجنائية الحديثة واضحة الرؤيا حيث دعت إلى العناية بأشخاص المجرمين الذين يظهرون خطورة تـهدد سلامة وأمن المجتمع، ولمواجهة هؤلاء الأشخاص الخطيرين فإن الدراسات تركز على محاولة معرفة الأسباب والدوافع التي دفعتهم للإجرام من أجل معالجتها والحد من الخطورة الإجرامية لمرتكبي الجريمة، وفي سبيل ذلك تفرض عليهم بعض التدابير الوقائية من أجل حماية المجتمع من ظاهرة الجريمة وقد كثر الجدل حول هذا المفهوم بعد أن أصبحت تحتل مركز الصدارة في العلوم الجنائية .
وعليه فدراسة المجرم تقتضي دراسة سلوكه قبل ارتكابه لها حتى يتم الوقوف فعلا على درجة أو مستوى الإجرام لدى هذا المجرم. وهذا ما سنحاول معالجته بناء على المعطيات الآتية :
o موقف المجرم قبل ارتكاب الجريمة :
يتعلق الأمر بالظروف المرتبطة بالجاني قبل ارتكاب الجريمة ويدخل في نطاقها كل من حياة المجرم الشخصية والعائلية كالبيئة الأسرية والحالة العائلية ، فهذا بالإضافة إلى السوابق القضائية .
لكن هذه الظروف وحدها لا يمكن أن نعتبرها السبب المباشر للجريمة حيث يمكن الأخذ بعين الاعتبار الباعث الوازع الذي يحرك نفسية الجاني وتجعله يرتكب الجريمة في حين أن تحقق النية الأخيرة للجاني بارتكابه للإجرام تكون غالبا مسبوقة بسبب يراه المحللون نقطة البداية لتحريك التيار النفسي للفكرة الإجرامية أو الباعث على الجريمة .
هذا الباعث يختلف من متهم إلى آخر، فجريمة القتل مثلا واحدة يرتكبها أكثر من شخص له باعث خاص، شخص يقتل أباه حتى يتسنى له إرث أمواله ، و؟أم تقتل وليدها خشية الفقر وعدم القدرة على الإنفاق عليه أو خوفا من العار خصوصا لما يكون الابن غير شرعي، إذن فعل مجرم له باعث خاص به على ارتكاب الجريمة. تحت تأثير العاطفة" سببا من أسباب التخفيف أو الإعفاء العقوبة، ولكنه أخذ بالباعث بعين الاعتبار في بعض الحالات المنصوص عليها على سبيل الحصر في القانون الجنائي المغربي مثل المادة 418 من ق ج والتي تخفف العقوبة في جرائم القتل والضرب والجرح التي يرتكبها أحد الزوجين من الآخر نتيجة التلبس بجريمة الخيانة الزوجية، هذا بالإضافة إلى مراعاة الدافع الذي دفع الأم إلى قتل وليدها بالعقاب 5 سنوات سجنا بدل المؤبد. .
كما أن المشرع المغربي أخذ بالباعث النبيل عند الجاني والنابع من العاطفة وصلة الرحم القرابة العائلية مع إمكانية الإعفاء من العقاب في هذه الحالة وفقا للمادة 295 من ق.ج والتي تبيح للقاضي أن يعفي من العقوبة المقررة في حالة التستر على الجرم وذلك في حالة كان الأمر يتعلق بالأقارب أو الأصهار .
وفي غياب النصوص المخففة كليا أو جزئيا من العقاب لتوافر الباعث يبقى للقضاء المغربي انطلاقا من السلطة المخولة له في إطار المادة 141 إمكانية مراعاة الباعث فبحكم بالحد الأدنى إذا كان الباعث نبيلا أو الحد الأقصى إذا كان الباعث دنيئا ، كما له أن يمتع الجاني بظروف التخفيف القضائية الواردة في الفصل 146 من القانون الجنائي .
o موقف المجرم بعد ارتكاب الجريمة:
قد يرتكب زيد جريمة معينة ويلوذ بالفرار وبعد مجهود شاق لرجال الشرطة يتم إلقاء القبض عليه وبعد التحقيق معه يتم إنكار كل ما نسب إليه ، و قد يرتكب عمر نفس الجريمة لكنه يقدم نفسه للعدالة و يعترف تلقائيا بالفعل المنسوب إليه فهل يمكن المساواة في العقاب بين كل من زيد وعمر ؟
إن الشخص الذي يلوذ بالفرار عقب ارتكاب الجريمة يحمل بداخله مدى الخطورة الإجرامية، وهو غالبا ما يرتكبها بعد تخطيط مسبق ومدروس ،وهذا يدل على أن الباعث من الجريمة كان دنيئا ، عكس الشخص الذي يتقدم باعترافه تلقائيا مع كره بأن أسباب أو بواعث الجريمة كانت خارجة عن إرادته وهذا ما يجعل بعض التشريعات تتبنى تمتيع الجاني بظروف التخفيف ومن بينها القانون الفرنسي ولا سيما المادتين 284 و 285 منه .
كما أخذ المشرع المغربي بهذه الظروف وذلك في نطاق المادة 211 من ق. ج حيث نصت على أنه يتمتع بعذر معف من العقوبة طبقا للشروط المقررة في المادتين 143 و 145 ق.ج من أخبر من الجناة مثل غير السلطات المشار إليها في الفصل 209 بجناية أو جنحة ضد سلامة الدولة وبفاحليها أو المشاركين فيها، وذلك قبل أي تنفيذ أو شروع في التنفيذ، إلا أن هذا الإعفاء يكون اختياريا حب المادة 212 ق.ج إذا تم التبليغ بعد تنفيذها .
وعليه فهذه الضوابط المتعلقة بتــفريد الجزاء ومدى ملاءمتها للجاني لا يمكن بلورتها على أرض الواقع، إلا إذا كان القاضي على علم واسع بعلم الإجرام، علم النفس الجنائي، وكذا بعض العلوم الاجتماعية، وهكذا جاءت الدراسات النفسية تناشد القضاة بأن يبتعدوا على التركيز على أوراق الملف ويتوجهوا نحو دراسة المجرم على مستوى السلوك الداخلي والخارجي وكذا جميع الظروف التيتؤثر على حالته النفسية ومزاجه ودرجة الإبراء لذا هذا المجرم .
يضاف إلى كل ما سبق ذكره بأن دراسة المجرم لها أهميتها بالنسبة لنظام التدابير الوقائية بعد أن ثبت قصور العقوبة وحدها في مكافحة ظاهرة الإجرام خاصة في الحالة التي تبدوا فيها العقوبة غير كافية لمواجهة الخطورة الإجرامية كحالة المجرم الشاذ والمجرم المعتاد ، وفي هذا الصدد وجدت عدة آراء فقهية بين منادية للجمع بين العقوبة والتدابير الوقائية والأخرى المنادية بعدم الجمع بينهما، فالرأي يستند في حججه إلى أن هناك أنواع معينة من المجرمين وخاصة المعتادين على ممارسة الإجرام لا تنفع معهم العقوبة بل لابد من أجرأتـــها بتدابير وقائية قصد * هذا المجرم وإرجاعه عضوا صالحا في المجتمع، أما الرأي الثاني ويأتي في طليعته رأي دكتورتنا لطيفة مهاني والتي تنادي بضرورة عدم الجمع بين كل من العقوبة والتدابير الوقائية لأن هناك تضارب على مستوى الخلفية * فإذا كان هدف العقوبة زجري فإن هدف التدبير هو إصلاحي بالدرجة الأولى، الشيء الذي يطرح نوعا من التساؤل حول كيفية التعامل مع هذا المجرم ؟ خصوصا إذا ما علمنا أن الجمع بين نضامين من شأنه أن يسبب لنا نتائج لا تحمد عقباها على مستوى الارتباك الذي قد يتحقق في نفسية هذا الجاني * على الإجرام ثانيا، وهكذا فالحكم القضائي يفرض تدبير وقائي يستلزم شأنه شأن الحكم بالعقوبة أن يكون مسببا وأن عدم تسبيب الحكم باختيار التدبير الوقائي يعتبر سببا لنتخد هذا الحكم .
فإذا ما علمنا أن مشرعنا المغربي في المادة الجنائية قد أطلق العنان لسلطة القاضي على مستوى دراسة سلوك المجرم قصد معاقبته بالعقوبة وكذا التدبير الذي يلائمه فإننا نكون في هذه الحالة نعيش على وقع إشكالية لطالما كانت موضوع دراسة فقهية بين الفقهاء وهي القضاء المتخصص كون توقيع الجزاء على كل مجرم على حدة تتحدد بدراسة شخصية معمقة كما أسلفنا ، وهكذا جاءت التوصيات من طرف علماء النفس بمحاولة التقرب من المجرمين ودراسة سلوكهم لهدف وجيه وهو الوقوف على الخطورة الإجرامية لهؤلاء المجرمين.
الفقرة الثالثة : الرقابة القضائية على سلطة القاضي التقديرية في تفريد الجزاء .
إن منح القاضي الجنائي سلطة تقديرية في اختيار الجزاء المناسب وذلك بمراعاة العوامل النفسية والاجتماعية الكامنة في شخص المجرم قد يعرضه للخطأ في تقدير الجزاء نظرا لكون المشرع لم يضع أمام القاضي معايير دقيقة ترشده في أداء مهمته رغم وجود درجات للقاضي وهذا لا يمنع من صدور أحكام متفاوتة في قضايا متشابهة نتيجة توسع السلطة التقديرية للقاضي بحكم ضرورة تفريد الجزاء وهذا ما يؤكد على ضرورة إيجاد معايير قانونية تساعد القاضي على إيجاد الجزاء المناسب،وهذا ما دفع عدة تشريعات إلى إخضاع السلطة التقديرية للقاضي للمراقبة.
فتسبيب الحكم كما عرفه الدكتور أحمد الخمليشي هـي " العناصر والأدلة التي تعتمدها المحكمة لتبرير منطوق الحكم التي تصدره" ، كما يعتبر هذا التسبيب ذوا أهمية بالغة، فهو من ناحية يعتبر ضمانا لمصلحة الخصوم ،إذ يقتضي أن يمكن القاضي من النظر والتدقيق في البحث حتى يستطيع أن يصل إلى المقررات التي تؤدي منطقيا إلى الحقيقة التي يعلنها في منطوق الحكم، وبذلك يدرأ عنه الثأر العاطفي الذي لا أساس له من الواقع بوجهة دون وجهة، ومن ناحية أخرى، فإن تسبيب الأحكام يتيح التعرف على الأسباب التي استند إليها القاضي في حكمه، فإن اقتنعوا بها تقبلوا الحكم واثقين في عدالته وإن لم يقتنعوا سلكوا سبيل الطعن المتاح لهم، فضلا عن ذلك فإن تسبيب الأحكام يمكن المحكمة التي يطعن أمامها في الحكم من تفهم مرامي الحكم وأساسه بما يسر لها الفصل في هذا الطعن وفق طرق الطعن غير العادية المنظمة في قانون المسطرة الجنائية .
هذا وإن كانت أغلب التشريعات مجمعة على ضرورة تسييب الأحكام الجنائية لما لهذا التعليل من فعالية في مراقبة التطبيق السليم لنصوص القانون فإن الأمر يختلف بالنسبة لمسألة مراقبة سلطة القاضي التقديرية في التفريد، وهذا راجع إلى عدم وجود قواعد قانونية يلتزم بها القاضي الجنائي في تفريد العقوبة من جهة وتسيير عملية المراقبة من طرف المحكمة العليا من جهة أخرى .
فمن خلال استقراء المادة 141 من القانون الجنائي نجد أن المشرع متم هذا الفصبنوع من المرونة والتي لا تعرفها باقي فصول المجموعة وهذه المرونة تتجلى في إعطاء هذه السلطة التقديرية للقاضي في التفريد وإن كانت نسبية وفق حدين أقصى وأدنى ، هذا الفصل والذي يرمي فيه بعض الفقهاء تبادلا للأدوار بين كل من المشرع والقاضي ومعنى هذا هو إعطاء الحق للقاضي في ممارسة التشريع والذي يتجلى وفق هذه السلطة المخولة له .
ويزداد هذا المشكل من حدته لما نعلم أن معالم دراسة الخطورة الإجرامية والنزعة الإجرامية في القانون لا وجود لها بل يستأنس فقط ببعض النظريات الفقهية والتي تبقى محدودة الفعالية أمام تطور وسائل الإجرام وكذا بروز ظاهرة الإجرام المنظم، زد على ذلك ضعف التكوين الذي يعاني منه بعض القضاة على مستوى تكييف النصوص ودراسة الشخصية الإجرامية لكل مجرم على حدة
فإذا كان المشرع المغربي انطلاقا من المادة 141 قد آمن بـمبدأ التفريد واخذ به شأنه في ذلك شأن التشريعات المعاصرة إلا انه أوكل إلى القاضي سلطة مقيدة ونسبية حينما منحه الحق في التفريد وفـق حـدين أقصى وأدنـى .
لكن الإشكال هنا يطرح على مستوى غياب معايير دقيقة يهتدي بـها القاضي في تقدير الجزاء مع إمكانية مراقبة هذا التفريد من طرف هيأة تسهر على إعمال المراقبة كما هو الحال في التشريع الليبي، ليطرح هذا المنوال حول رهانات إمداد هذه الرقابة إلى هيأة عليا يكون لها قوة رقابية تمتد إلى مسائل القانون والموضوع .
المطلب الثالث : التفريد الأداري للجزاء
التفريد الإداري هو الذي يتم على مستوى تنفيذ العقوبة انطلاقا من مجموعة من الإجراءات التي يمكن من خلال تفعيلها التقليص من العقوبة أو الإعفاء منها نضرا لتحسن سلوك السجين وإصلاحه داخل المؤسسة السجنية حيث يتيح بدلك إمكانية ادكاء الأمل في نفوس المحكومين .ولقد تطرق سالاي إلى هده الوسيلة كنوع من التفريد حيث أشار في هدا الصدد إلى ضرورة إشراك إدارة السجون والاعتراف لها بسلطات واسعة تمكنها من ملائمة العقوبة للتطور الملاحظ على المجرم .فادا كان قاضي الموضوع يحدد العقوبة نضريا فان المدة الوجيزة التي يمثل فيها المتهم أمام القاضي لا تتعدى في أحسن الأحوال فترة المحاكمة فالعقوبة التي تصدر في فترة معينة من حيات الجاني لا يمكن أن تعكس شخصيته الحقيقية ومن هدا المنطلق وما دام هدف العقوبة هوا صلاح الجاني وتهذيبه فليس هناك ما يدعو إلزاما إلى تنفيذها إلى حيث تمامها كما حددها الحكم .
ويمكن الوقوف في هدا المطلب على مجموعة من الإجراءات العملية التي تدخل في نطاق التفريد الإداري للجزاء حيث سنتناول الإفراج المقيد بشروط (أولا) والتخفيف التلقائي للعقوبة والعفو( ثانيا)
أولا الإفراج المقيد بشروط
يعد الإفراج المقيد بشروط الشرطي من أهم الإجراءات التي تتحكم في حركية المعتقلين حيث يرمي إلى منح السجين فرصة لمراجعة الذات وتشجيعه على الانضباط داخل السجن كما يمنح له الفرصة من أجل التشبث بحسن السلوك لأن عدم احترام دالك سيكون سبب بعودته إلى السجن من جديد ولقد عرف المشرع المغربي الأفراج المقيد بشروط في المادة 59 من ق.حيث نصت على ما يلي :الإفراج المقيد بشروط هو إطلاق سراح المحكوم عليه قبل الأوان نضرا لتحسن سلوكه داخل السجن على أن يظل مستقيم السيرة في المستقبل أما ادا ثبت عليه سوء السلوك أو ادا أخل بالشروط التي حددها القرار بالإفراج المقيد فانه يعاد إلى السجن لتتميم ما تبقى من عقوبته. ولقد تحدد المواد من 622 الى 632 من ق.م.ج الإجراءات الشكلية المرتبطة بهدا الموضوع . وبالرجوع إلى هده المواد نجد المشرع وضع مجموعة من الشروط للاستفادة من هدا الأجراء حيث يجب أن يقضي المحكوم عليه نصف العقوبة ادا كان الأمر يتعلق بجنحة وثلثي العقوبة ادا كان الأمر يتعلق بجناية او بعقوبة جنحية من أجل وقائع وصفت بجناية, وادا تعلق الأمر بمحكوم عليه بالإقصاء
ثانيا التخفيف التلقائي للعقوبة أو العفو منها
التخفيف التلقائي للعقوبة يتيح إمكانية استفادة كل معتقل محكوم عليه أبان عن حسن سلوكه من تخفيض قد يصل الى ثلاثة أشهر كحد أقصى عن كل سنة أو بتخفيض مدته سبعة أيام في الشهر ادا كان محكوم عليه بعقوبة تقل عن سنة . وهدا الأجراء لا يشكل وسيلة للتقليل من عدد المعتقلين فحسب ولكنه وسيلة لنشر السكينة والاطمئنان داخل صفوف المحكومين .
أما بالنسبة للعفو الملكي السامي فهو بدوره يهدف إلى تحقيق أهدافا نبيلة ويخلف ارتياحا في نفوس المعتقلين كما يجدد لديهم الأمل في مستقبل أفصل وفي اندماج سليم داخل النسيج الاجتماعي بعد الإفراج وهدا هوا لهدف من العقوبة شريطة أن يتم اختيار لائحة المستفيدين منه بطرق سليمة من طرف الإدارة المشرفة على المؤسسة السجنية ولقد نص عليه المشرع في المادة 53 من ق ج وهو منظم بظهير رقم 387.57.1 الصادر في 6 فبراير 1958 .
لقد كانت هده بعض التدابير التي تدخل في نطاق التفريد الإداري بقي لنا الآن أن نتساءل حول من سيقرر في حالة الجاني بعد الحكم عليه . لقد كان الرأي الغالب في أول الأمر يرجع أمر دلك إلى إدارة السجون لكن ترك الأمر للإدارة لا يمكن أن يوفر الضمانات الكافية وإنما قد تتحقق هده الضمانات بشكل أفضل بتدخل السلطة القضائية .وهدا هو النظام المتبع في القانون الايطالي الصادر سنة 1930 أما بالنسبة للمشرع المغربي فلقد قام بدوره في التعديل الأخير للمسطرة الجنائية بإحداث قاضي تطبيق العقوبة والدي يعهد إليه في كل محكمة ابتدائية وقد اسند إليه مجموعة من الاختصاصات من بينها تقديم مقترحات حول العفو والإفراج المقيد بشروط . وهدا التوجه سبق وأن تم تداوله مند سنوات خلت خلال مؤتمرات عديدة كان من أهمها المؤتمر الدولي للقانون الجنائي الذي انعقد بباريس سنة 1937 . وإحداث هده المؤسسة لم يعد دور القاضي منحصر في إصدار الأحكام بل تعداه إلى تتبع ومراقبة كيفية تطبيقها . لكن بالرغم من دلك يمكن القول أن المهام المسندة إلى قاضي تطبيق العقوبة تكتسي صبغة إدارية تهدف بالأساس إلى مراقبة حسن تطبيق العقوبة ولا تؤثر بشكل ملحوظ في المقررات القضائية خلافا لما هو عليه الأمر في بعض التشريعات حيث يمكن لقاضي تطبيق العقوبة إدخال تغييرات على المقررات القضائية من خلال إصداره لأوامر تنفيذ بعض الإجراءات البديلة للعقوبة السالبة للحرية وهدا ما نلمسه في التعديل الحديث للمشرع الفرنسي المسمى قانون يربين والدي منح لقاصي تطبيق العقوبة مهمة تحديد الظروف الحقيقية لتنفيذ العقوبة أو تعديلها في حدود مقننة اعتبارا لشخصية المحكوم عليه ولإمكانيات إعادة إدماجه ومن بين هده الإجراءات ندكرالوضع بالوسط المفتوح,و إقراره للحرية المقيدة, الوضع بالوسط الخارجي ودلك بالنسبة للعقوبات القصيرة التي لا تتجاوز السنة المادة( 732- 15 ) وبالنسبة للغرامة لقد نص على تخفيضها بنسبة 20% ادا تم أدائها داخل شهر من الحكم بها المادة( 707-2)
وانطلاقا مما سبق يجب التفكير ادا في إضافة مهام جديدة لقاضي تنفيد العقوبة تنسجم مع مبدا تفريد الجزاء وتنفيد بعض التدابير البديلة للعقوبة السالبة للحرية
الخاتمة
لقد حاولنا قدر الإمكان أن نحيط بمبدأ تفريد الجزاء حيث بعد تطرقنا إلى دراسة نظرية من خلال التطرق إلى موقف مختلف المدارس الجنائية حاولنا الوقوف على مبدأ تفريد الجزاء وفق التشريع المغربي. ولا حضنا بأن فكرة تفريد الجزاء عولجت في إطار توزيع الاختصاصات بين المشرع والقاضي والإدارة المشرفة على تنفيذ الجزاء. وما يمكن ملا حضته هو أن هده الجهات تنطلق كل واحدة منها من جهة مختلفة ففيما يتعلق بالمشرع فانه يحدد العقوبة بشكل عام وهدفه هو تحقيق الردع العام حيث ينطلق في تقدير العقوبة من مدى خطورتها على المجتمع .مع تمكينه للسلطات الأخرى من جعل العقاب القانوني مناسب لحالة الجاني الفردية ولظروف الجريمة حيث ترك الأمر للقاضي لاستعمال سلطته التقديرية مراعيا في دالك كل من ظروف المجرم والجريمة .وما دام هدف العقوبة هو الإصلاح فالمشرع ترك السلطة أحيانا للإدارة المشرفة على تنفيذ الجزاء من أجل التخفيف من العقوبة أو الإعفاء منها مراعية في دالك تحسن سلوك السجين داخل المؤسسة السجنية .ومن خلال ما وقفنا عليه خلصنا إلى ما يلي
أن المشرع المغربي حاول التوفيق بين كل من التفريد القانوني والتفريد القضائي والتفريد الإداري. وان كان التفريد الإداري لا زال لم يصل إلى المستوى المطلوب منه حيث أن السلطة التي منحها المشرع لقاضي تنفيد العقوبة في هدا الصدد تبقى محدودة .
لكن ما يعاب على المشرع هو أنه منح السلطة التقديرية للقاصي لكن لم يحدد له الضوابط والمعايير الممكن الاعتماد عليها في تفريد الجزاء بشكل دقيق
صحيح أن التفريد القضائي للجزاء أصبح مفروض من أجل التعامل مع العقوبة بشكل مضبوط عكس ما كان عليه الأمر في السابق حيث كان القاضي مجرد الة للنطق بالعقوبة المحددة سلفا حيث كان دوره تحكيمي فقط .
وقد يعتقد البعض بأن منح السلطة التقديرية للقاضي فيه نوع من المجازفة بمبدأ الشرعية ومبدأ المساواة بين الأفراد لكن هده تبقى مغالطة يجب تصحيحها
فادا كان مبدأ الشرعية يعني في مفهومه الواسع لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص ووجد من أجل وضح حد لتعسف القاضي وهدفه الأسمى هو تحقيق المساواة بين مرتكبي نفس الفعل الإجرامي والدي يبقى هدف العدالة الجنائية .لكن السؤال الذي يمكن طرحه هل القاضي عندما يستعمل سلطته التقديرية في تفريد الجزاء يكون قد عصف بمبدأ المساواة؟ وللإجابة على هدا التساؤل يجب قياس تأثير العقوبة على الأفراد, وبصيغة أخرى هل تأثير العقوبة هونفسه عند مرتكبي نفس الفعل ؟
دعنا ننطلق من المثال التالي طالب جامعي ارتكب جريمة يعاقب عليها المشرع بعقوبة تتراوح بين شهر وسنة حبسا نافدا وشخص أخر ارتكب نفس الجريمة وفي نفس الظروف المحيطة بها. يستعمل القاضي سلطته التقديرية فيحكم على الشخص الأول بشهر موقوف التنفيد مراعيا في دالك ظروف التخفيف ويحكم على الشخص الثاني بشهر حبسا نافدا, فهل حكم القاضي هنا يتعارض مع مبدأ الشرعية؟
بالطبع فالجواب سيكون بالنفي لأنه طبق المساواة الحقيقية في العقاب .وبمفهوم المخالفة لو أنه طبق نفس الحكم على الشخص الأول وهي شهر حبسا نافدا عندها سيكون طبق المساواة المجردة بدون مراعاة الظروف المحيطة بكل شخص على حدة لأن تأثير هده العقوبة سيكون له وقع كبير تلك الطالب الجامعي بخلاف الشخص الأخر
وهدا مثال واضح على أن القاضي عندما يسعى إلى تفريد الجزاء فهو يريد تطبيق المساواة في العقاب وهدا يقودنا إلى القول بأن منح القاضي السلطة التقديرية لا يتعارض مع مبدأ الشرعية بقدر ما يمثل توسيعا لها وتطبيقها على ارض الواقع تطبيقا سليما
لكت المشكل المطروح هو أن المشرع لم يحدد المعاير والضوابط التي يمكن لها أن توجه سلطة القاضي التقديرية بشكل دقيق وهدا قد يفتح الباب على مصراعيه أمام القاضي لكي ينطلق من معايير شخصية أو عرقية أو فكرية خصوصا في ضل ضعف التكوين العلمي لأغلب القضاة .فالقاضي إنسان مثل باقي البشر وما تلك الهالة المقدسة التي نمنحها له سوى ضرب من الخيال , وترك السلطة التقديرية للقاضي بشكل فضفاض بدون رقابة يفرض وجود قضاء نزيه ومستقل وفي غياب دلك على المشرع أن يتدارك الأمر من اجل تحديد الظروف المحيطة بالجاني بشكل دقيق ومسبق رغم عدم علمه بالجاني قبل ارتكاب الجريمة, ويمكن الاستعانة هنا بخبراء في علم الأجرام من أجل تقسيم دقيق للمجرمين والوقوف بكل الظروف التي تؤدي إلى الجريمة, كما يجب تفعيل التكوين العلمي للقاضي الجنائي حتى يكون ملم بالعلوم المساعدة للقانون الجنائي وأخص بالذكر هنا علم الأجرام وعلم الاجتماع الجنائي وعلم النفس الجنائي, خصوصا بالنسبة لقضاة التحقيق الدين يلزمهم القانون وبصفة إجبارية في الجنايات البحث في الحياة الاجتماعية للمجرم والظروف التي قادته إلى الجريمة ,وقاضي تطبيق العقوبة غالبا ما ينطلق من ما توصل إليه قاضي التحقيق من بحث حول المتهم ودلك لضيق المدة التي يمثل فيها أمامه ولكثرة الملفات المعروضة عليه. وهدا بدوره إشكال يجب تداركه من أجل منح الفرصة للقاضي لتطبيق سلطته التقديرية في تفريد الجزاء بشكل سليم ومتزن وكل هدا من أجل تحقيق هدف العدالة الجنائية الأسمى وهو تحقيق المساواة وتحقيق الهدف من العقوبة وهو إصلاح المجرم ومنعه من العود إلى الجريمة .