صدر بالجريدة الرسمية عدد 6892 بتاريخ 26 شوال 1441 الموافق 18 يونيو 2020، عدة مراسيم تتعلق بعزل عدة منتخبين ببعض مجالس الجماعات انتخبوا من خلال الانتخابات الجماعية والجهوية في 4 شتنبر 2015، وقد أصدر رئيس الحكومة في حقهم مراسيم العزل على إثر عدم التزامهم بتقديم التصريح الإجباري بالممتلكات طبقا لأحكام القانون رقم 54.06، إلا أن هذا التصرف القانوني يثير عدة تساؤلات تجد سندها في تعدد النصوص القانونية التي يخضع لها المنتخب، وبذلك يمكن إعمال بعض النظريات في الحقل الدستوري حتى يتم التمكن من دراسة العلاقة بين هذه النصوص والآثار القانونية المترتبة عنها، ناهيك عن مآل اختصاصات بعض المؤسسات المتدخلة في الموضوع، وبالتالي تثار مسألة التوازن بين مقتضيات القانون التنظيمي 113.14 المتعلق بالجماعات والمقاطعات والقانون رقم 54.06 المتعلق بالتصريح الإجباري بالممتلكات في مراسيم العزل الصادرة عن رئيس الحكومة، وبناء عليه سيتم تقديم الملاحظات الآتية : الملاحظة الأولى: إن العملية الانتخابية المتعلقة بانتخاب الأعضاء الصادرة في حقهم مراسيم العزل تم إجرائها طبقا لأحكام ومقتضيات دستور 2011 والقوانين التنظيمية للجماعات الترابية في إطار ترسيخ الجهوية المتقدمة، والتي جاءت بعدة مستجدات أساسية أبرزها الاستقلال الإداري والمالي، ومنح رؤساء المجالس السلطة التنظيمية في الجماعة الترابية، والتخفيف من الوصاية الإدارية بجعلها تقتصر فقط على المراقبة، ومنح السلطة القضائية من خلال المحاكم الإدارية الصلاحية في حسم أي خلاف بين الجماعات الترابية وسلطات المراقبة ، حيث جاء في المادة 63 من هذا القانون التنظيمي " يختص القضاء وحده بعزل أعضاء المجلس... "، لذلك يظهر بجلاء أن صاحب الاختصاص الأصلي في العزل هو القضاء. الملاحظة الثانية: ينص البند 10 من المادة الأولى من القانون رقم 54.06 المتعلق بالتصريح الإجباري للممتلكات على أنه " يتعرض المنتخب الذي يرفض القيام بالتصريحات المنصوص عليها في هذه المادة ........... أو الذي أدلى بتصريح غير كامل ولم يسو وضعيته رغم إنذاره...، للعزل من عضوية المجلس أو الغرفة وذلك بمرسوم معلل يصدره الوزير الأول". إذن يتضح من خلال هذه المادة أنها تخول لرئيس الحكومة صلاحية عزل منتخبي مجالس الجماعات الترابية في حالة إخلالهم بالتزاماتهم المتعلقة بالتصريح الإجباري بممتلكاتهم. الملاحظة الثالثة: إن تحليل المادة 63 من القانون التنظيمي للجماعات و البند 10 من المادة الأولى من القانون رقم 54.06 المتعلق بالتصريح الإجباري بالممتلكات تجعلنا أمام تعارض بين مقتضيات قانون عادي وقانون تنظيمي، وهو ما يفسره الفقيه هانس كلسن بتحليله لتراتبية القوانين أي إن القانون الأسمى يسمو على القانون الأدنى، لكن هذا التعارض جاء نتيجة الإصلاح الدستوري لسنة 2011 الذي غير العديد من المعادلات القانونية، وبالتالي كان من الطبيعي أن قانون التصريح الإجباري بالممتلكات أن يمنح حق العزل للوزير الأول سابقا على أساس أن الجماعات الترابية لم تكن بالمكانة الدستورية التي منحها إياها دستور 2011، لكن طبقا لقاعدة تراتبية القوانين تجعل من القانون التنظيمي للجماعات الأولى بالتطبيق بدل القانون السابق ذكره، إن لم يصل لدرجة إلغاء أثره القانوني نسبة لقاعدة " اللاحق يلغي السابق". الملاحظة الرابعة: إن ممارسة حق العزل في حق المنتخبين الجماعيين من طرف رئيس الحكومة يأخذ تداعيات نظرية مونتيسكيو في الفصل بين السلط " التنفيذية والتشريعية والقضائية "، لأنه في الإشكالية المطروحة، يتدخل في اختصاص قضائي منحه القانون التنظيمي للجماعات للمحاكم الإدارية، وبالموازاة مع ذلك يمكن إعمال المادة 9 من القانون المتعلق بالمحاكم الإدارية والتي تمنح الاختصاص لمحكمة النقض بالبت ابتدائيا وانتهائيا في طلبات الإلغاء بسبب تجاوز السلطة المتعلقة بالمقرارات التنظيمية والفردية الصادرة عن رئيس الحكومة، وهو ما ينطبق على مراسيم العزل محل النقاش. المراجع: الجريدة الرسمية عدد 6892 بتاريخ 26 شوال 1441 الموافق ل 18 يونيو 2020 منشور على موقع الأمانة العامة للحكومة. القانون التنظيمي رقم 113.14 المتعلق بالجماعات الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.15.85 بتاريخ 20 رمضان 1436 الموافق 7 يوليوز 2015. القانون رقم 54.06 المتعلق بإحداث التصريح الإجباري لبعض منتخبي المجالس المحلية والغرف المهنية وبعض فئات الموظفين أو الأعوان العموميين بممتلكاتهم. القانون رقم 41.90 المحدث بموجبه محاكم إدارية الصادر بتنفيذة الظهير الشريف رقم 1.91.225 بتاريخ 22 ربيع الأول 1414 الموافق 10 شتنبر 1993. هانس كلسن، النظرية الخالصة للقانون. مونتيسكيو، روح القوانين.