MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers




دور التكنولوجيا الحديثة في تحسين أداء المحاكم وجودة الخدمات القضائية بالمغرب

     

خلود العربيتي
باحثة في سلك ماستر المهن القانونية والقضائية



دور التكنولوجيا الحديثة في تحسين أداء المحاكم وجودة الخدمات القضائية بالمغرب
 
أصبح العالم يعيش ثورة جديدة تسمى بالثورة المعلوماتية، والتي قد بنت مجتمعا عصريا جديدا، وأصبحت تشمل جل بل كل المجالات سواء منها العلمية والمعرفية، الإدارية والتجارية...وذلك من خلال مستحدثات تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات التي أضحت أسلوبا من الأساليب التي لا تفارقنا في يومنا هذا، من خلال استخدام الإنترنيت كوسيلة لاختصار الوقت والجهد للوصول إلى المعلومة أو الخدمة.
وقد نتج عن هذه الثورة العديد من التطبيقات التي لعبت دورا كبيرا في تغيير أوجه الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية والإدارية وأيضا القضائية.
كان من أبرزها ظهور "العدالة الإلكترونية" أو ما يسمى "بالعدالة الرقمية" بحيث أنه لم يكن مجال العدالة أبدا منعزلا عن التطورات التكنولوجية إذ أتاحت هذه الأخيرة للمؤسسات القضائية والقانونية الاستفادة من هذه الطفرة عبر تسخير الثورة الرقمية لخدمة العدالة والقانون.
إذن يبقى السؤال هنا حول مدى استفادة المجال القانوني والقضائي ولا سيما المحاكم المغربية من التكنولوجيا الحديثة ؟ وهل استطاعت المنظومة القضائية تنزيل هذه التطبيقات على أرض الواقع؟
أولا لابد من الإشارة إلى أن الفصل بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية هو حجر الزاوية في البلدان الديمقراطية، ويأمل المواطنون في إقامة نظام عدلي يتسم بالإنصاف والاستقلال والمساواة والكفاءة والشفافية يمكن الجميع من الوصول إلى عدالة أفضل، لهذه الغايات تم تصميم نظام العدالة الرقمية بهدف تجاوز سلبيات العدالة التقليدية وتحسين جودتها وسيرها.
ويقصد بالعدالة الإلكترونية بشكل خاص استخدام تكنولوجيات المعلومات والاتصال في تحقيق الولوج المستنير لمرفق العدالة وتسهيل التواصل بين مختلف الفاعلين في الميدان القانوني والقضائي (المحامون، القضاة، كتاب الضبط)، وتتمثل الفوائد الرئيسية لنظام العدالة الرقمية في زيادة كفاءة النظام القضائي، والحد من التكاليف وتقليص أمد الخصومات القضائية، وكذا تبسيط الإجراءات والمساطر القانونية، والزيادة في إنتاجية المحاكم، والتقليل والحد من فرص الفساد والرشوة، كما أن قيام المحكمة الافتراضية بعقد جلساتها عبر مؤتمرات الفيديو يقرب العدالة من المواطنين خصوصا القاطنين في المناطق النائية ويذلل الصعوبات المتعلقة بالاختصاص المكاني إذ أنه في مجال العدالة الرقمية يعفي المتقاضين من الانتقال إلى المحاكم وهذا النظام يحد كذلك من اكتظاظ المحاكم.
ويواجه تنزيل العدالة الرقمية على أرض الواقع صعوبات وتحديات كثيرة تختلف من بلد إلى أخر، إذ أن هناك دول قطعت أشواطا في تطبيق العدالة الرقمية، وبعضها الآخر مازال متأخرا عن الركب، وهذا راجع إلى عوامل بنيوية مختلفة.
وتجدر الإشارة أنه في بلادنا رغم المحاولات التي قامت بها وزارة العدل عبر إنشاء البوابات القانونية والقضائية، وعبر إنشاء بعض الخدمات القضائية عن بعد، فإنها لا ترقى إلى مفهوم العدالة الرقمية التي يتم فيها إعفاء الأطراف والمتقاضين والمحامين من الحضور إلى المحكمة لتقديم مقالاتهم ومذكراتهم إذ رفع الدعاوى في هذا النظام يتم عبر الإيداع الإلكتروني أو توجيهها من خلال البريد الإلكتروني، بل حتى أداء المصاريف القضائية يتم عبر وسائل الأداء الإلكتروني بمختلف أشكالها، ويتم قيد الدعوى إلكترونيا وتوجيه الاستدعاء عبر الوسائط الإلكترونية للطرف المدعى عليه الذي يقوم بالجواب بشكل إلكتروني.[1]
وعلى ذكر العدالة الرقمية لابد من التطرق إلى إحداث المحكمة الرقمية ورفع النجاعة القضائية وتحسين جودة خدماتها، كما جاء على لسان السيد وزيرالعدل "محمد أوجار" أن وزارة العدل تسعى إلى هدف إحداث المحكمة الرقمية سنة 2021، تماشيا مع المتغيرات العالمية، ومواكبة العدالة المغربية لهذه التطورات من أجل تحول رقمي حقيقي كمشروع يتجاوز إنجاز وثائق إدارية وبعض المساطر، بل يروم إدخال الرقمنة في تدبير مرفق العدالة، بالإضافة إلى التقعيد القانوني للمحكمة الرقمية، وإدخال البعد الرقمي في المسطرة المدنية والجنائية، وفتح أوراش مع المهن القضائية ونطمح إلى أن ينخرط في هذا المشروع الكبير مختلف الفاعلين من جامعات وإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي، بهدف جعل العدالة في عمق هذا التحول الرقمي الذي يشهده العالم.. وكلما زرت المحاكم ازداد الاقتناع بأهمية إنجاز هذا الورش؛ فاليوم أصبح استعمال الحاسوب ضرورة ملحة، وكل التكوينات التي نقوم بها بالمحاكم والوزارة تهيئ الظروف المناسبة لتطويع الرقمنة.[2]
كما قد جاء ميثاق إصلاح منظومة العدالة يوليوز2013 بمجموعة من التوصيات في إطار الرؤيا العامة لإصلاح منظومة العدالة، من بينها العديد من التوجهات الجوهرية:
  *وضع أسس "محكمة رقمية" منفتحة على محيطها وعلى المتقاضين، والتعميم التدريجي لاستخدام الوسائل التكنولوجية الحديثة في إدارة المحاكم وفي علاقتها بالمتقاضين والمهنيين، مع سن المقتضيات القانونية اللازمة لذلك، لاسيما من أجل:
-  إنجاز الإجراءات وتبادل المستندات والتواصل مع المتقاضين والمحامين وباقي مساعدي العدالة بالطرق الإلكترونية المضمونة، بما في ذلك اعتماد التوقيع الإلكتروني;
-  ثم إحداث الملف القضائي الإلكتروني.[3]
على إثر ما جاءت به الهيئة العليا لإصلاح منظومة العدالة في ميثاقها عرف بناء المنظومة المعلوماتية للإدارة القضائية التدرج، بدءا بتطبيقات بسيطة وبجداول معلوماتية وصولا إلى منصات رقمية.
وسنحاول من خلال هذه دراسة بسط أهم التطبيقات التي تشكل محور المنظومة المعلوماتية للإدارة القضائية.
  • المنظومة المعلوماتية لتدبير قضايا وملفات المحاكم:
    يعد برنامج  تدبير القضايا “ساج" Système automatisé des juridictions ، أهم مشروع معلوماتي لوزارة العدل حيث  تقدمه  كبرنامج مندمج يرجع تاريخ  تطوير نسخته الأولى إلى  سنة 2006.
    تم تطوير البرنامج في إطار التعاون بين المملكة المغربية والاتحاد الأوربي في إطارمشروع MEDA2، الذي كان يهدف إلى تحسين وظائف النظام القضائي المغربي، وذلك بدعم مشاريع تحديث محاكم المملكة وتقوية القدرات التنظيمية والهيكلية للوزارة.
    ويتكون نظام تدبير القضايا ، من ثلاث مكونات أساسية، وهي:
    تدبير القضايا المدنية؛
    تدبير القضايا الزجرية؛
    تدبير صناديق المحاكم و يعد هذا النظام حسب الوثائق التي تعرفه برنامجا متكاملا، وهو اللبنة الأساسية نحو اللاتجسيد المادي للمساطر judiciaires Dématérialisation des procédures
    وتشمل العمليات الوظيفية لهذا النظام المعلومياتي جميع الإجراءات والمساطر التي يمر منها الملف القضائي من تسجيله وأداء الرسوم القضائية في الحالات التي لم يشملها الاعفاء إلى أخر مرحلة وهو التنفيذ.
    ومن شأن الاستغلال الأمثل لوظائف نظام تدبير القضايا تحقيق مزايا عديدة منها :
    دعم الولوج الى العدالة والقانون؛
    الرفع من جودة الخدمات التي تقدمها المحاكم؛
    تقريب القضاء إلى مهنيي القضاء والمتقاضين؛
    تسريع وثيرة العمل الإداري والقضائي؛
    تمكين المتقاضين من الاطلاع على مآل ملفاتهم وتتبعها في ظرف زمني قياسي وبأقل كلفة؛
    توحيد عمل كتابة الضبط وكتابة النيابة العامة في تدبير القضايا الزجرية؛
    مساعدة بعض المحاكم من التخلي عن الازدواجية والشروع في استخراج السجلات في الدعامات الالكترونية؛
    استخراج احصائيات ومؤشرات مضبوطة يمكن عبر تحليلها صناعة قرار جيد (بالإدارة المركزية) بناء على معطيات مبينة على أسس علمية؛
    تتبع الإنتاجية والمردودية بشكل علمي ودقيق، ما سيساعد في تحديد الحاجيات سواء من حيث الموارد البشرية، او اللوجستيك وباقي الإمكانيات، سيما أن التوجه الجديد للقانون التنظيمي لقانون لمالية يدعم هذا الاتجاه، بتدبير الميزانية على اساس نتائج قابلة للقياس، تستجيب لأهداف محددة سلفا، وتبرز الاعتمادات المالية المرصدة؛
    المساعدة في تدبير آجالات القضايا وكما يتضح من خلال وظائف نظام تدبير القضايا، فوظائفه تتعلق بالمساطر والإجراءات القضائية، أي القضايا الرائجة أمام المحاكم، وينتج عنها حكم أو قرار قضائي، ولا يشمل القضايا الأخرى التي يرجع الاختصاص في تدبيرها للمؤسسة القضائية من قبيل الحصول على بعض الخدمات من قبيل شهادة الجنسية، أو مستخرج السجل العدلي أو مستخرجات السجل التجاري، والتي خصصت لها تطبيقات خاصة.[4]
  • تطبيق الخدمات القضائية الإلكترونية الخاص بالهواتف الذكية  [5](e-justice Mobile):
    يوفر التطبيق المعلوماتي "e- justice Mobile" العديد من الوظائف التقنية والإمكانيات التي تتيح الاستفادة من مجموعة من الخدمات القضائية المتوفرة على مدار 24 ساعة وطيلة أيام الأسبوع، كما تمكن من الحصول على المعطيات بشكل آني ووفق آخر التحيينات، بمختلف الأنظمة المعلوماتية لوزارة العدل والحريات منها:
خدمة تتبع القضايا : حيث تمكن هذه الخدمة من الاطلاع على معلومات ولائحة الإجراءات المتخذة في الملفات المدنية والزجرية على مستوى المحاكم الابتدائية ومحاكم الاستئناف، والملفات الإدارية على مستوى المحاكم الإدارية و محاكم الاستئناف الإدارية، والملفات التجارية على مستوى المحاكم التجارية ومحاكم الاستئناف التجارية. 
خدمة الاطلاع على مآل طلبات السجل العدلي : حيث تمكن هذه الخدمة من تتبع مراحل معالجة طلبات السجل العدلي التي تم وضعها عبر الأنترنت.
خدمة الاطلاع على لائحة الإعلانات القضائية : حيث تمكن هذه الخدمة من تصفح مختلف الإعلانات الخاصة بالبيوع العقارية والمنقولة المعلن عنها بمختلف محاكم المملكة دون الحاجة إلى التنقل إلى المحاكم.
خدمة السجل التجاري : حيث توفر هذه الخدمة من جهة إمكانية معرفة الوثائق اللازمة لإنشاء المقاولات والمراجع القانونية المنظمة لذلك، ومن جهة ثانية توفر إمكانية البحث والتقصي حول الوجود القانونية للمقاولات المسجلة بالسجل التجارية، سواء تعلق الأمر بأشخاص ذاتيين أو أشخاص معنويين.
خدمة الخريطة القضائية : حيث تمكن هذه الخدمة من معرفة المحكمة المختصة مكانية للبت في النزاع بحسب نوع القضية انطلاقا من مؤشر الجماعة المحلية، كما يوفر التطبيق معلومات الاتصال بمختلف محاكم المملكة، وإحداثيات الموقع الجغرافي الخاصة بها عبر نظام الخرائط الذكية.
وختاما يمكن القول أن تفعيل التكنولوجيا الحديثة في عالم المحاكم المغربية جعلت منها جهازا  مواكبا للتطورات التي فرضت نفسها على واقعنا، بالرغم من كون الجهاز القضائي لم يستفد من التكنولوجيا بنسبة مرتفعة نظرا لعوامل بنيوية لكن ما نلاحظه الآن أننا في تطور مستمر بدءا ببعض التطبيقات التي تقدم مجموعة من الخدمات القضائية وصولا إلى تحديث رقمي متميز في المستقبل القريب بهدف تحسين أداء المحاكم وجودة الخدمات القضائية. 
 
 
[1] الخامس فضيلي، العدالة الرقمية من النظرية إلى التطبيق، مقال منشور على موقع Juris.ma، بتاريخ 24 يناير2018، تاريخ ولوجنا إليه الثلاثاء28 أبريل2020.
[2] محمد أوجار: إحداث المحكمة الرقمية رهان .. ورفع النجاعة القضائية امتحان، حاوره أحمد الساسي من العيون،منشور على موقع الجريدة الإلكترونية هسبريس،  بتاريخ الأربعاء2 دجنبر2018، تم الإطلاع عليه يوم الإثنين27 أبريل 2020
[3] الهيئة العليا لإصلاح منظومة العدالة، ميثاق إصلاح منظومة العدالة، يوليوز 2013: ص51
[4] سعاد غانيم، الإدارة القضائية وتحديات التحول الرقمي، منشور بموقع مجلة المختبر القانونيlabodroitcom، في الثلاثاء 26 فبراير2019، تم الإطلاع عليه بتاريخ الثلاثاء28 أبريل2020
[5] تطبيقات من البوابة الوطنية Maroc.ma



الاثنين 4 ماي 2020
MarocDroit منصة مغرب القانون "الأصلية"

تعليق جديد
Twitter