تقرير حول الأطروحة
تلعب المؤسسات البنكية في الوقت الراهن دورا أساسيا في تحقيق التنمية بمختلف صورها، وأصبحت تعد الركيزة الأساسية التي تقوم عليها الحياة الاقتصادية لما توفره من إئتمان مالي لتمويل مختلف المشاريع.
وقد كان للضمانات البنكية فضل كبير في مجال المعاملات التجارية عموما لكونها تقلل من المخاطر التي تواجه أو تنتج بين مختلف المتعاملين وتوفر التقة المطلوبة بينهم، كما أنها تساهم في الحد من المشاكل المتعلقة بالقدرات المالية أو المهنية للأشخاص، إضافة إلى أنها ـ الضمانات البنكية ـ تعد شرط أساسي للحصول على بعض القروض.
وتختلف صور الائتمان المصرفي بالنظر إلى طبيعة ووضعية كل زبون، والمعاملات المراد ضمانها. فأشكال الإئتمان المصرفي لاتقع تحت حصر، فهي تتعدد وتتنوع حسب الأعراف البنكية وما تقتضيه حاجيات التجارة. غير أنه بالوقوف على أهم الخدمات البنكية التي تضعها الأبناك رهن إشارة زبناءها، فإنه يمكن أن نميز بين صورتين أساسيتين للإئتمان المصرفي، فإما أن يكون هذا الأخير في شكل اعتمادات مالية تتولى البنوك منحها لزبنائها كما هو الشأن بالنسبة للقروض والخصم والحساب المكشوف، وهذا النوع من الإئتمان يسمى الإئتمان المباشر، وإما أن يكون الائتمان في صورة تدخل البنك كضامن لزبونه عن طريق التوقيع فقط، حيث أن البنك لايقدم على وضع مبالغ مالية بين يدي زبونه، وإنما يكتفي بإعارة إسمه وسمعته التجاريتين الذين يمتلهما توقيعه، تعزيزا لإئتمان زبونه لدى الغير. وهذا النوع من الائتمان يسمى بالإئتمان البنكي غير المباشر.
فتوقيع البنك له قيمته الإئتمانية، فهو يستند إلى مركز البنك المالي وسمعته لذلك يكتفي في العديد من الأحيان أن يستند الزبون إلى هذا التوقيع لكسب تقة الطرف المتعاقد معه، دون أن يؤدي ذلك إلى خروج مبالغ نقدية من خزانة البنك الضامن، فيقال أن البنك أقرض توقيعه لزبونه.
فنظرا إلى الإقبال على التعامل بالائتمان غير المباشر والذي تجسده أساسا الضمانات المستقلة، فإن منظمة التجارية الدولية عملت على وضع قواعد موحدة لهذا النوع من الضمان، محاولة منها في إيجاد صيغة وقواحد موحدة تنظمه.
وإذا كانت صور الائتمان بالتوقيع تتعدد وتتنوع، بحيت تشمل مثلا الاعتماد بالقبول والاعتماد بالكفالة والاعتماد المستندي تم هناك مايسمى بالضمان الاحتياطي المصرفي والوكالة بالعمولة وغيرها من صور الضمانات، فإن خطاب الضمان لدى أول طلب يعد أقوى صور الضمانات البنكية المستقلة، ذلك أن هذه التقنية الحديثة أبانت عن خصوصية متميزة جعلتها تخرج عما هو معتاد في مجال الضمانات الكلاسيكية سواء العينية أو الشخصية و التي يطغى عليها طابع التعقيد والبطء في اجراءات التنفيذ.
أهمية الموضوع:
لقد حقق التعامل بالضمانات البنكية المستقلة عموما وخطاب الضمان لدى أول طلب خصوصا، نجاحا كبيرا على مستوى المعاملات الدولية والمحلية بسبب المرونة والتلقائية التي يمتاز بها هذا النوع من الضمان في التنفيذ.
فالتعامل بهذه التقنية لم يعد ينحصر في المعاملات التجارية الدولية بل أصبح يعرف انتشارا واسعا على مستوى المعاملات التجارية المحلية، الشيء الذي دفع ببعض التشريعات إلى وضع بعض النصوص تنظيم أحكامه، بخلاف تشريعات أخرى، كما هو الحال بالنسبة للمشرع المغربي، والذي اخضعه للقواعد العامة للتعاقد لاسيما مبدأ الحرية التعاقدية للأطراف والاكتفاء بالإشارة إليه في بعض القوانين، دلالة على أنه لايوجد ما يمنع التعامل بخطاب الضمان لدى أول طلب، كما هو الشأن بالنسبة للمادة الثالثة من القانون رقم 34.03 المنظم لمؤسسات الإئتمان والهيئات المعتبرة في حكما، وكذا الفقرة الأولى من المادة 12 من المرسوم رقم 1087 ـ 99 ـ 2 الصادر بتاريخ 4 مايو 2000 المتعلق بدفتر الشروط الإدارية العامة المطبقة على صفقات الأشغال المنجزة لفائدة الدولة.
وإذا كان العديد من الباحثين يعتبر خطاب الضمان لدى أول طلب أقوى وأسمى صورة بالنسبة للضمانات المستقلة، فإن ذلك راجع إلى الأهمية التي يحققها بالنسبة لجميع الأطراف، والمرونة التي يمتاز بها، وقد ساعدت عدة عوامل في بروز هذا النوع من الضمان، يمكن أن نرجعها إلى سببين :
يتجلى السبب الأول في ضعف التأمينات التقليدية سواء الشخصية أو العينية عن مسايرة التطور الذي أصبح واقع المعاملات التجارية الدولية يفرضه، فالتأمين النقدي وإن كان يحقق مزايا كبيرة للدائنين بوضع مبالغ مالية بين أيديهم، إلا أنه سرعان مايضعف القدرة المالية للمدين الضامن بتجميد مبالغ مالية مهمة هو في أمس الحاجة لتوظيفها في نشاطاته التجارية، وأمام صعوبات التأمين النقدي لجأ الدائنين إلى طلب تدخل طرف ثاني لضمان المدين وهو ما يسمى بالكفالة، غير أنه وإن كانت الكفالة قد لعبت دورا كبيرا في مجال الضمانات الشخصية، فإنها أن أصبحت تشكل عائقا بالنسبة للدائن، خاصة وأن التزام الكفيل يكون وكمبدأ تابع للإلتزام المدين الأصلي، ومن تم يواجه الدائن في جميع الحالات بالعديد من الدفوع التي يحق للمدين مواجهته بها، وهو ما جعل الدائن يجد صعوبات في الحصول على مبلغ الضمان واستلزام تتبعه مساطر طويلة ومعقدة تقتضي اللجوء إلى القضاء واستصدار حكم قضائي.
أما السبب الثاني الذي ساعد في بروز خطاب الضمان لدى أول طلب فيتجلى في التطورات الاقتصادية التي عرفها عالم التجارة الدولية في الآونة الاخيرة، بحيث أن بروز الشركات المتعددة الجنسية ودخولها في عدة علاقات تعاقدية مع متعاملين معها، أدى بها إلى فرض نوع خاص من الضمانات كتأمين حسن تنفيذ التزاماتهم، بحيث يكون من السهل الرجوع إلى الضامن قصد استفاء مبلغ الضمان عند أول طلب دون أن يكون من حقه الدفع بعدم الأداء.
إن خطاب الضمان لدى أول طلب يعد من حيث المبدأ ممارسة بنكية نشأت في البداية في الدول الانجلوسكسونية قبل أن تعرف طريقها إلى باقي الدول الأخرى، بحيث فرضت نفسها في واقع المعاملات البنكية والتجارية، غير أن الوقوف على حقيقة هذه الضمانة يطرح عدة اشكالات في غياب نصوص قانونية واضحة تنظمه بشكل خاص، إذ أنه يصعب إعطاءه التكييف القانوني الصحيح ومايميزه عن باقي الضمانات الأخرى خاصة تلك المشابهة له، وأخص بالذكر الكفالة البنكية والاعتماد المستندي لاسيما أن الاجتهاد القضائي غير مستقر على موقف موحد بخصوص تحديد التكييف القانوني للضمان لدى أول طلب، فثارة نجده يكيفه على أساس أنه عقد كفالة و يخضعه للأحكام هذه الأخيرة و ثارة نجده يكيفه على أساس أنه عقد ضمان مستقل خاضع لأحكام الحرية التعاقدية للأطراف.
إشكالية الموضوع:
من خلال ما تقدم يتضح أن الاشكالية المحورية التي يطرحها خطاب الضمان لدى أول طلب، باعتباره شكل جديد من أشكال الضمانات البنكية المستقلة، تتجلى أساسا في مدى تميز هذا النوع من الضمان عن الضمانات الأخرى المتعارف عليها، وإذا كنا نعتبر خطاب الضمان لدى أول طلب ضمان مستقل قائم بداته، فإلى أي حد يمكن أن يشكل بديلا للضمانات التقليدية من خلال مايوفره من حماية للأطرافه وتجاوز سلبياتها وعيوبها. وإذا كان هذا الضمان المستحدث لم يحظ لحد الآن بتنظيم تشريعي مستقل في العديد من التشريعات كما هو الشأن بالنسبة للمشرع المغربي، فإننا نتساءل عن مدى تلائم هذا النوع من الضمان ومبادئ التعاقد المنصوص عليها في القواعد العامة، هذه الأخيرة التي تتميز بالاستقرار وعدم التجديد المستمر، الشيء الذي يجعلها في العديد من الأحيان عاجزة عن مواكبة التطور السريع الذي يعرفه مجال التجارة.
التصميم المعتمد:
محاولة مني قصد الإجابة عن هذه الإشكالية التي يطرحها الموضوع، فإني قسمت هذا البحث إلى بابين:
عنونت الباب الأول بـماهية خطاب الضمان لدى أول طلب ونظامه القانوني، وفيه تطرقت للتعريف بخطاب الضمان لدى أول طلب وتمييزه عما يشابهه من الضمانات الأخرى كما تناولت بالدراسة أهم الخصائص التي يتميز بها، وفي نفس الوقت حاولت أن أحدد النطاق الذي يتعامل به بخطاب الضمان لدى أول طلب وتحديد التكييف والنظام القانوني لهذا الضمان من خلال إبراز شروط صحته سواء الشكلية أو الموضوعية.
أما الباب الثاني من هذا البحث فقد خصصته لأهم صور الحماية القانونية التي يضمنها خطاب الضمان لدى أول طلب لأطرافه، سواء بالنسبة للطرف المستفيد من خلال مسطرة التحقيق الآني والتلقائي للضمان وما يترتب على تقديم طلب الأداء من آثار. أما بالنسبة للأطراف الأخرى أي الضامن والآمر، فقد تطرقت إلى الحالات الاستثنائية للأداء الفوري وإبراز موقفي الشخصي من ذلك، تم تطرقت في الأخير لحالات الرجوع عند الأداء، سواء بالنسبة للآمر أو بالنسبة للضامن.
وقد ختمت هذا البحث بخاتمة، حاولت من خلالها إبراز أهم الخلاصات التي توصلت إليها في بحثي هذا، والتي أبرزت فيها أهمية خطاب الضمان لدى أول طلب، والدور الذي يمكن أن يلعبه في تحقيق التنمية الاقتصادية، من خلال القوة الائتمانية التي يوفرها لمختلف الأطراف، الأمر الذي يجعله ضمانا فعالا قد يشكل بديلا عن الضمانات الكلاسيكية، على الأقل في مجال المبادلات التجارية. غير أنه إذا كنا نؤمن بالدور الهام الذي يلعبه خطاب الضمان لدى أول طلب في تيسير المعاملات بين الأطراف، فإنه يتعين أن تكون هناك نصوص قانونية واضحة، تنظم الأحكام الخاصة به، بدلا من ابقاءه خاضعا للقواعد العامة، وهذا من شأنه أن يضع حدا للمواقف المتضاربة بين مختلف الاجتهادات القضائية ومواقف المهتمين والباحثين حول التكييف القانوني لخطاب الضمان لدى أول طلب باعتباره ضمانا مستقلا له أحكامه الخاصة به.
وأخيرا ليس لي سوى قوله تعالى "وقل ربي زدني علما" صدق الله العظيم .
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
الباحث بوحامد عبد القادر
وقد كان للضمانات البنكية فضل كبير في مجال المعاملات التجارية عموما لكونها تقلل من المخاطر التي تواجه أو تنتج بين مختلف المتعاملين وتوفر التقة المطلوبة بينهم، كما أنها تساهم في الحد من المشاكل المتعلقة بالقدرات المالية أو المهنية للأشخاص، إضافة إلى أنها ـ الضمانات البنكية ـ تعد شرط أساسي للحصول على بعض القروض.
وتختلف صور الائتمان المصرفي بالنظر إلى طبيعة ووضعية كل زبون، والمعاملات المراد ضمانها. فأشكال الإئتمان المصرفي لاتقع تحت حصر، فهي تتعدد وتتنوع حسب الأعراف البنكية وما تقتضيه حاجيات التجارة. غير أنه بالوقوف على أهم الخدمات البنكية التي تضعها الأبناك رهن إشارة زبناءها، فإنه يمكن أن نميز بين صورتين أساسيتين للإئتمان المصرفي، فإما أن يكون هذا الأخير في شكل اعتمادات مالية تتولى البنوك منحها لزبنائها كما هو الشأن بالنسبة للقروض والخصم والحساب المكشوف، وهذا النوع من الإئتمان يسمى الإئتمان المباشر، وإما أن يكون الائتمان في صورة تدخل البنك كضامن لزبونه عن طريق التوقيع فقط، حيث أن البنك لايقدم على وضع مبالغ مالية بين يدي زبونه، وإنما يكتفي بإعارة إسمه وسمعته التجاريتين الذين يمتلهما توقيعه، تعزيزا لإئتمان زبونه لدى الغير. وهذا النوع من الائتمان يسمى بالإئتمان البنكي غير المباشر.
فتوقيع البنك له قيمته الإئتمانية، فهو يستند إلى مركز البنك المالي وسمعته لذلك يكتفي في العديد من الأحيان أن يستند الزبون إلى هذا التوقيع لكسب تقة الطرف المتعاقد معه، دون أن يؤدي ذلك إلى خروج مبالغ نقدية من خزانة البنك الضامن، فيقال أن البنك أقرض توقيعه لزبونه.
فنظرا إلى الإقبال على التعامل بالائتمان غير المباشر والذي تجسده أساسا الضمانات المستقلة، فإن منظمة التجارية الدولية عملت على وضع قواعد موحدة لهذا النوع من الضمان، محاولة منها في إيجاد صيغة وقواحد موحدة تنظمه.
وإذا كانت صور الائتمان بالتوقيع تتعدد وتتنوع، بحيت تشمل مثلا الاعتماد بالقبول والاعتماد بالكفالة والاعتماد المستندي تم هناك مايسمى بالضمان الاحتياطي المصرفي والوكالة بالعمولة وغيرها من صور الضمانات، فإن خطاب الضمان لدى أول طلب يعد أقوى صور الضمانات البنكية المستقلة، ذلك أن هذه التقنية الحديثة أبانت عن خصوصية متميزة جعلتها تخرج عما هو معتاد في مجال الضمانات الكلاسيكية سواء العينية أو الشخصية و التي يطغى عليها طابع التعقيد والبطء في اجراءات التنفيذ.
أهمية الموضوع:
لقد حقق التعامل بالضمانات البنكية المستقلة عموما وخطاب الضمان لدى أول طلب خصوصا، نجاحا كبيرا على مستوى المعاملات الدولية والمحلية بسبب المرونة والتلقائية التي يمتاز بها هذا النوع من الضمان في التنفيذ.
فالتعامل بهذه التقنية لم يعد ينحصر في المعاملات التجارية الدولية بل أصبح يعرف انتشارا واسعا على مستوى المعاملات التجارية المحلية، الشيء الذي دفع ببعض التشريعات إلى وضع بعض النصوص تنظيم أحكامه، بخلاف تشريعات أخرى، كما هو الحال بالنسبة للمشرع المغربي، والذي اخضعه للقواعد العامة للتعاقد لاسيما مبدأ الحرية التعاقدية للأطراف والاكتفاء بالإشارة إليه في بعض القوانين، دلالة على أنه لايوجد ما يمنع التعامل بخطاب الضمان لدى أول طلب، كما هو الشأن بالنسبة للمادة الثالثة من القانون رقم 34.03 المنظم لمؤسسات الإئتمان والهيئات المعتبرة في حكما، وكذا الفقرة الأولى من المادة 12 من المرسوم رقم 1087 ـ 99 ـ 2 الصادر بتاريخ 4 مايو 2000 المتعلق بدفتر الشروط الإدارية العامة المطبقة على صفقات الأشغال المنجزة لفائدة الدولة.
وإذا كان العديد من الباحثين يعتبر خطاب الضمان لدى أول طلب أقوى وأسمى صورة بالنسبة للضمانات المستقلة، فإن ذلك راجع إلى الأهمية التي يحققها بالنسبة لجميع الأطراف، والمرونة التي يمتاز بها، وقد ساعدت عدة عوامل في بروز هذا النوع من الضمان، يمكن أن نرجعها إلى سببين :
يتجلى السبب الأول في ضعف التأمينات التقليدية سواء الشخصية أو العينية عن مسايرة التطور الذي أصبح واقع المعاملات التجارية الدولية يفرضه، فالتأمين النقدي وإن كان يحقق مزايا كبيرة للدائنين بوضع مبالغ مالية بين أيديهم، إلا أنه سرعان مايضعف القدرة المالية للمدين الضامن بتجميد مبالغ مالية مهمة هو في أمس الحاجة لتوظيفها في نشاطاته التجارية، وأمام صعوبات التأمين النقدي لجأ الدائنين إلى طلب تدخل طرف ثاني لضمان المدين وهو ما يسمى بالكفالة، غير أنه وإن كانت الكفالة قد لعبت دورا كبيرا في مجال الضمانات الشخصية، فإنها أن أصبحت تشكل عائقا بالنسبة للدائن، خاصة وأن التزام الكفيل يكون وكمبدأ تابع للإلتزام المدين الأصلي، ومن تم يواجه الدائن في جميع الحالات بالعديد من الدفوع التي يحق للمدين مواجهته بها، وهو ما جعل الدائن يجد صعوبات في الحصول على مبلغ الضمان واستلزام تتبعه مساطر طويلة ومعقدة تقتضي اللجوء إلى القضاء واستصدار حكم قضائي.
أما السبب الثاني الذي ساعد في بروز خطاب الضمان لدى أول طلب فيتجلى في التطورات الاقتصادية التي عرفها عالم التجارة الدولية في الآونة الاخيرة، بحيث أن بروز الشركات المتعددة الجنسية ودخولها في عدة علاقات تعاقدية مع متعاملين معها، أدى بها إلى فرض نوع خاص من الضمانات كتأمين حسن تنفيذ التزاماتهم، بحيث يكون من السهل الرجوع إلى الضامن قصد استفاء مبلغ الضمان عند أول طلب دون أن يكون من حقه الدفع بعدم الأداء.
إن خطاب الضمان لدى أول طلب يعد من حيث المبدأ ممارسة بنكية نشأت في البداية في الدول الانجلوسكسونية قبل أن تعرف طريقها إلى باقي الدول الأخرى، بحيث فرضت نفسها في واقع المعاملات البنكية والتجارية، غير أن الوقوف على حقيقة هذه الضمانة يطرح عدة اشكالات في غياب نصوص قانونية واضحة تنظمه بشكل خاص، إذ أنه يصعب إعطاءه التكييف القانوني الصحيح ومايميزه عن باقي الضمانات الأخرى خاصة تلك المشابهة له، وأخص بالذكر الكفالة البنكية والاعتماد المستندي لاسيما أن الاجتهاد القضائي غير مستقر على موقف موحد بخصوص تحديد التكييف القانوني للضمان لدى أول طلب، فثارة نجده يكيفه على أساس أنه عقد كفالة و يخضعه للأحكام هذه الأخيرة و ثارة نجده يكيفه على أساس أنه عقد ضمان مستقل خاضع لأحكام الحرية التعاقدية للأطراف.
إشكالية الموضوع:
من خلال ما تقدم يتضح أن الاشكالية المحورية التي يطرحها خطاب الضمان لدى أول طلب، باعتباره شكل جديد من أشكال الضمانات البنكية المستقلة، تتجلى أساسا في مدى تميز هذا النوع من الضمان عن الضمانات الأخرى المتعارف عليها، وإذا كنا نعتبر خطاب الضمان لدى أول طلب ضمان مستقل قائم بداته، فإلى أي حد يمكن أن يشكل بديلا للضمانات التقليدية من خلال مايوفره من حماية للأطرافه وتجاوز سلبياتها وعيوبها. وإذا كان هذا الضمان المستحدث لم يحظ لحد الآن بتنظيم تشريعي مستقل في العديد من التشريعات كما هو الشأن بالنسبة للمشرع المغربي، فإننا نتساءل عن مدى تلائم هذا النوع من الضمان ومبادئ التعاقد المنصوص عليها في القواعد العامة، هذه الأخيرة التي تتميز بالاستقرار وعدم التجديد المستمر، الشيء الذي يجعلها في العديد من الأحيان عاجزة عن مواكبة التطور السريع الذي يعرفه مجال التجارة.
التصميم المعتمد:
محاولة مني قصد الإجابة عن هذه الإشكالية التي يطرحها الموضوع، فإني قسمت هذا البحث إلى بابين:
عنونت الباب الأول بـماهية خطاب الضمان لدى أول طلب ونظامه القانوني، وفيه تطرقت للتعريف بخطاب الضمان لدى أول طلب وتمييزه عما يشابهه من الضمانات الأخرى كما تناولت بالدراسة أهم الخصائص التي يتميز بها، وفي نفس الوقت حاولت أن أحدد النطاق الذي يتعامل به بخطاب الضمان لدى أول طلب وتحديد التكييف والنظام القانوني لهذا الضمان من خلال إبراز شروط صحته سواء الشكلية أو الموضوعية.
أما الباب الثاني من هذا البحث فقد خصصته لأهم صور الحماية القانونية التي يضمنها خطاب الضمان لدى أول طلب لأطرافه، سواء بالنسبة للطرف المستفيد من خلال مسطرة التحقيق الآني والتلقائي للضمان وما يترتب على تقديم طلب الأداء من آثار. أما بالنسبة للأطراف الأخرى أي الضامن والآمر، فقد تطرقت إلى الحالات الاستثنائية للأداء الفوري وإبراز موقفي الشخصي من ذلك، تم تطرقت في الأخير لحالات الرجوع عند الأداء، سواء بالنسبة للآمر أو بالنسبة للضامن.
وقد ختمت هذا البحث بخاتمة، حاولت من خلالها إبراز أهم الخلاصات التي توصلت إليها في بحثي هذا، والتي أبرزت فيها أهمية خطاب الضمان لدى أول طلب، والدور الذي يمكن أن يلعبه في تحقيق التنمية الاقتصادية، من خلال القوة الائتمانية التي يوفرها لمختلف الأطراف، الأمر الذي يجعله ضمانا فعالا قد يشكل بديلا عن الضمانات الكلاسيكية، على الأقل في مجال المبادلات التجارية. غير أنه إذا كنا نؤمن بالدور الهام الذي يلعبه خطاب الضمان لدى أول طلب في تيسير المعاملات بين الأطراف، فإنه يتعين أن تكون هناك نصوص قانونية واضحة، تنظم الأحكام الخاصة به، بدلا من ابقاءه خاضعا للقواعد العامة، وهذا من شأنه أن يضع حدا للمواقف المتضاربة بين مختلف الاجتهادات القضائية ومواقف المهتمين والباحثين حول التكييف القانوني لخطاب الضمان لدى أول طلب باعتباره ضمانا مستقلا له أحكامه الخاصة به.
وأخيرا ليس لي سوى قوله تعالى "وقل ربي زدني علما" صدق الله العظيم .
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
الباحث بوحامد عبد القادر