باســــم جــلالة المــلك وطبقا للقانون
بتاريخ 16 يناير 2015
أصدرت المحكمة الإدارية بالرباط وهي متكونة من:
مصطفى سيمو ................................................ رئيسا
عبد الله فكار ................................................ مقررا
حسن اليحياوي ............................................... عضوا
بحضور المفوض الملكي محمد كولي
وبمساعدة كاتبة الضبط مليكة حاجي
الحكم الآتي نصه :
الوقائع
بناء على المقال المسجل بتاريخ 30 أكتوبر2014، المؤداة عنه الرسوم القضائية، تعرض فيه المدعية بواسطة نائبها أنها طلبت من وزير الشباب والرياضة استعمال مرافق مركز بوهلال الكائن بحي يعقوب المنصور بالرباط من أجل تنظيم يومين تكوينيين لفائدة عضوات وأعضاء الجمعية وذلك بتاريخ 5 و6 شتنبر 2014 ، فأجاب الوزير بالموافقة، إلا أنها فوجئت بتاريخ 05 شتنبر 2014 (اليوم الأول للتكوين) بكون باب مركز بوهلال مغلق فقامت بإجراء معاينة على الإغلاق بواسطة مفوض قضائي بنفس اليوم ، ثم محضر استجواب بتاريخ 22/10/2014 صرح فيه مدير المركز بأن السلطة المحلية هي التي منعت المدعية من الولوج للمركز وليس إدارة المركز، و أضافت المدعية أن حرمانها من استعمال المركز سبب لها أضرارا مادية ومعنوية تستحق عنها التعويض وأن مسؤولية كل من مركز بوهلال وولاية جهة الرباط سلا زمور زعير ورئيس الحكومة عن ذلك قائمة ، ملتمسة تبعا لذلك الحكم على المدعى عليهم بأدائهم لها على وجه التضامن مبلغ 200.000,00 درهما مع النفاذ المعجل والصائر والفوائد القانونية.
وبناء على مذكرة جواب الوكيل القضائي للمملكة بصفته هاته ونيابة عن كل من رئيس الحكومة و والي جهة الرباط سلا زمور زعير ومركز الاستقبال بوهلال التابع لوزارة الشباب والرياضة،ملتمسا رفض الطلب لعدم ارتكازه على أساس قانوني سليم موضحا عدم وجود أي قرار يمنع المدعية من القيام بالنشاط موضوع الدعوى، ولكون المعاينة المجراة لا تفيد وجود هذا المنع لتزامنها مع وقت أداء الموظفين لصلاة الجمعة حيث تكون الإدارات عادة مغلقة، و أن محضر الاستجواب حرر في تاريخ لاحق هو 22 شتنبر و بالتالي لا يمكن الارتكان إليه لكون المكلف بالمعاينة لم يعاين شيئا، مضيفا أن الحماية القضائية تستوجب من طالبها أن يكون في وضعية متطابقة مع القانون وهو ما لا يتوفر للمدعية في النازلة لكونها في وضعية خرق للضوابط القانونية المقررة في الفصل 3 من قانون التجمعات العمومية.
وبناء على مذكرة تعقيب المدعية بواسطة نائبها ملتمسة رد جميع الدفوع المشار إليها والحكم وفق طلبها، ومذكرة جواب النقيب زيان عن ولاية الرباط سلا زمور زعير ملتمسا رفض الدعوى لغياب أي قرار بالمنع.
وبناء على تعقيب الوكيل القضائي للمملكة ملتمسا رفض الطلب لانعدام الخطأ والمسؤولية لعدم وجود أي قرار بالمنع ولكون مصطلح " الثقافة " وفق المنظور والتأويل الذي تبنته المدعية من شأنه الابتعاد عن التفسير القانوني له والتعويم في تمثلات و توصيفات لا ترتبط بتعريف الثقافة لكون قول ثقافة حقوق الإنسان ليس معناه أن حقوق الإنسان رافد أو مكون من مكونات الثقافة بقدر ما في ذلك تعبير عن سلوك معين وأن نفس الشيء حين يقال ثقافة التواصل والحوار فهذا توصيف للسلوك المعبر عنه فقط وليس تدليلا على مصطلح الثقافة، وأن هناك محددات ضابطة ومرجعيات قانونية لتعريف هذا المصطلح وردت في المرسوم المحدد لاختصاصات وتنظيم وزارة الثقافة الذي حصر مدلول الثقافة في التراث المعماري والأثري والإثنوغرافي والمتحفي والتراث الشفهي والأعراف والعادات والفنون والحرف الأصيلة والمحفوظات الصوتية و النهوض بالكتاب وتراث المحفوظات وفنون المسرح والموسيقى والرقص والفنون التشكيلية و الفنون الشعبية .
وبناء على إدراج القضية بجلسة 09/01/2015 اعتبرتها المحكمة جاهزة، فأعطيت الكلمة للسيد المفوض الملكي الذي أكد ما تضمنه تقريره الكتابي الرامي إلى الاستجابة للطلب، فتم حجز الملف للمداولة قصد النطق بالحكم الآتي بعده.
وبعد المداولة طبقا للقانون
في الشكل : حيث قدم الطلب مستوفيا لجميع الشروط الشكلية المتطلبة قانونا لذا فهو مقبول.
في الموضوع : حيث يهدف الطلب إلى تقرير مسؤولية المدعى عليهم عن الأضرار المادية والمعنوية اللاحقة بالمدعية بسبب منعها من استعمال مرافق مركز الاستقبال بوهلال لتنظيم يومين تكوينيين لفائدة عضواتها وأعضائها والحكم عليهم تضامنا بأدائهم لها مبلغ 200.000,00 درهما لجبر تلك الأضرار مع النفاذ المعجل والفوائد القانونية .
وحيث إن النظر في تحقق المسؤولية الإدارية واستحقاق التعويض، يقتضي التأكد من قيام أركان هذه المسؤولية طبقا لمقتضيات الفصل 79 من قانون الالتزامات والعقود الذي يجعل قيامها رهينا بتوافر ثلاثة عناصر هي الخطأ والضرر ثم العلاقة السببية بينهما.
وحيث إنه بخصوص عنصر الخطأ، فلقد تمسكت المدعية بكون منعها من استعمال مرافق مركز بوهلال بعد حصولها على ترخيص بذلك من طرف وزير الشباب والرياضة يعتبر خطأ مرفقيا يرتب المسؤولية الإدارية .
وحيث دفع المدعى عليهم بعدم وجود أي قرار بالمنع مما ينعدم معه الخطأ المرتب للمسؤولية.
لكن حيث يتبين من خلال الاطلاع على وثائق الملف ومستنداته، أن المدعية حصلت فعلا على موافقة وزير الشباب والرياضة لأجل الاستفادة من مركز الاستقبال بوهلال التابع لها لتنظم به يومين تكوينيين لفائدة عضواتها وأعضائها، و أنها لم تتمكن من ولوج المركز المذكور لوجوده مغلقا حسبما أوردته في مقالها و أكده مدير المركز الذي صرح للمفوض القضائي في محضر قانوني أن السلطة المحلية هي التي منعت المدعية من الولوج إلى المركز، و هو التصريح الذي لم تنف إدارة هذا الأخير في معرض جوابها صحة مضمونه، و بالتالي لا ينهض حجة على وجود وصدور هذا المنع إلا في مواجهتها لوحدها طالما أنها لم تدل بأي دليل يفيد صدوره عن السلطة المحلية في ظل نفي هذه الأخيرة لذلك، وسيما أن محضر المعاينة المباشرة المجـــــــراة يوم 5 شتنبر لا يمكن الارتكان إلى مضمونه لكونه منجز من طرف مفوض قضائي غير تابع لدائرة المحكمة الابتدائية لمكان المعاينة، بما يجعله غير مستجيب لمقتضيات المادتين 2 و21 من قانون رقم 81.03 بتنظيم مهنة المفوضين القضائيين، و يفقده بالتالي الحجية القاطعة التي تستمدها مثل هذه المحاضر من مقتضيات الفصل 419 من قانون الالتزامات و العقود في علاقته بالمادتين 15 و 18 من قانون المهنة المذكور.
وحيث إنه لما كانت وزارة الشباب والرياضة قد منحت المدعية موافقتها على استعمال مركز الاستقبال بوهلال التابع لها ثم أغلقت الأبواب في وجهها بدون أي مبرر قانوني مانعة إياها من ولوج المركز ، فإن تصرفها على هذا النحو يشكل خطأ مرفقيا ثابتا في حقها و موجبا لمسؤوليتها.
وحيث إنه بخصوص الدفع بكون الحماية القضائية تستوجب من طالبها أن يكون في وضعية متطابقة مع القانون و أن ذلك غير متوفر للمدعية في النازلة لكونها في وضعية خرق للضوابط القانونية المقررة في الفصل الثالث من قانون التجمعات العمومية بخصوص ضرورة التصريح المسبق، فجدير بالتوضيح أن موضوع النشاط الذي منعت المدعية من تنظيمه في نازلة الحال يتعلق بدورة تكوينة لعضواتها و أعضائها في مجال حقوق الإنسان، و هو مجال يبقى و خلافا للتفسير الذي نحته الإدارة، مندرجا بطبيعته و بالبداهة ضمن الأنشطة الثقافية، شأنه في ذلك شأن أي نشاط حقوقي، و بالتالي فهو معفي من التصريح المسبق عملا بالفقرة السادسة من الفصل الثالث من قانون التجمعات العمومية ، و القول بخلاف ذلك يعني تجريد مجال حقوق الإنسان من ارتباطاته الطبيعية و الوثيقة بالمعرفة والتربية و التكوين، و بالتوعية و التحسيس، فحقوق الإنسان تشكل في حد ذاتها ثقافة و معرفة يتعين العمل بكل الوسائل المتاحة قانونا على ترسيخها في الضمير الجماعي و في السلوك اليومي لكل فرد من أفراد المجتمع لأجل الرقي به، و تتحمل مؤسسات التربية و التكوين وهيئات المجتمع المدني في هذا الباب مسؤولية أساسية ، و هذا ما أكدته الرسالة الملكية السامية الموجهة للأمة بمناسبة الذكرى الواحدة والخمسين لصدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان حيث جاء فيها: "إن إشاعة ثقافة حقوق الانسان تفترض إشاعة نور العلم، إن دور المدرسة يظل مركزيا في غرس قيم حقوق الانسان لدى الناشئة حتى تضحى حقوق الانسان جبلة وطبعا ولذلك فإن من أولى الأولويات التي تشغل بالنا هي محاربة الأمية لأن القضاء على الجهل هو انتصار للمعرفة ولحقوق الانسان. ونهيب بمجتمعنا المدني الانغمار في قضايا مجتمعنا والعمل على الرقي بمختلف شرائح شعبنا، ومما يثلج الصدر روح المسؤولية التي أبان عنها والدينامية التي أظهرها".
وحيث إنه بخصوص دفع الإدارة بكون " مصطلح الثقافة وفق المنظور والتأويل الذي تبنته المدعية من شأنه الابتعاد عن التفسير القانوني له والتعويم في تمثلات وتوصيفات لا ترتبط بتعريف الثقافة لكون قول ثقافة حقوق الإنسان ليس معناه أن حقوق الإنسان رافد أو مكون من مكونات الثقافة بقدر ما في ذلك تعبيرعن سلوك معين وأن نفس الشيء حين يقال ثقافة التواصل والحوار فهذا توصيف للسلوك المعبر عنه فقط و ليس تدليلا على مصطلح الثقافة، و أن هناك محددات ضابطة ومرجعيات قانونية لتعريف هذا المصطلح وردت في المرسوم المحدد لاختصاصات وتنظيم وزارة الثقافة الذي حصر مدلول الثقافة في التراث المعماري والأثري والإثنوغرافي و المتحفي والتراث الشفهي والأعراف والعادات والفنون والحرف الأصيلة والمحفوظات الصوتية والنهوض بالكتاب وتراث المحفوظـــــــات
وفنون المسرح والموسيقى والرقص والفنون التشكيلية والفنون الشعبية"، فــــــــــإن ما يتعين توضيحه في هذا الباب هو أن هذا التفسير المتمسك إنما هو ناتج عن خلط لغوي شائع ABUS DE LANGUAGE)) يختزل مفهوم الثقافة في الأصناف الكلاسيكية للخدمات الثقافية التي تقدمها الدولة ، والحال أن التفسير المعول عليه في هذا المجال هو الذي استقرت عليه منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة UNESCO ، والتي بذلت جهوداً في مجال تعريف الثقافة كان أهمها عقد مؤتمر عالمي خاص بالثقافة سنة 1982 في المكسيك تمخض عن صدور "إعلان مكسيكو للثقافة " الذي عرف الثقافة بأنها: "جميع السمات الروحية والمادية والفكرية والعاطفية التي تميز مجتمعاً بعينه أو فئة اجتماعية بعينها، وتشمل الفنون والآداب وطرائق الحياة، كما تشمل الحقوق الأساسية للإنسان ونظم القيم والتقاليد والمعتقدات، والثقافة هي التي تمنح الإنسان قدرته على التفكير في ذاته، وتجعل منه كائناً يتميز بالإنسانية المتمثلة بالعقلانية والقدرة على النقد والالتزام الأخلاقي، وعن طريقها يهتدي إلى القيم ويمارس الاختيار وهي وسيلة الإنسان للتعبير عن نفسه والتعرف على ذاته كمشروع غير مكتمل وإعادة النظر في إنجازاته والبحث عن مدلولات جديدة وإبداع أعمال يتفوق فيها على نفسه "، وهو التفسير نفسه الذي تبنته المنظمة العربية للعلوم والثقافة، والذي لا مبرر لتمييزه في نازلة الحال عن المدلول القانوني لكلمة " الثقافة" الذي ينبغي أن يظل هو نفس مدلولها اللغوي المتعارف عليه عالميا، سيما أن تفسير مقتضيات الفصل الثالث من قانون التجمعات العمومية المشار إليه بشأن التصريح المسبق، باعتباره قيدا استثنائيا على حرية التجمع و الاجتماع، يتعين أن يتم في ظل هذا المعطى الأخير مع ما يستوجبه ذلك من ضرورة تبني مدلول شامل لمصطلح الثقافة يفضي إلى عدم التوسع في تطبيق القيد المذكور، لأن الاستثناءات والقيود لا تقبل التفسير الواسع.
وحيث إنه من جهة ثانية ، فموضوع النشاط الذي منعت منه المدعية يرتبط بصميم أهداف الجمعية المدعية باعتبارها حسب قانونها الأساسي تهدف إلى الدفاع عن حقوق الإنسان بمفهومها الواسع، ومن مهامها التعريف بحقوق الإنسان وإشاعتها والتربية عليها، لذا فإن لها الحق في تنظيم هذا النشاط حيثما شاءت شريطة عدم المساس بالأمن العام، والذي لا دليل على تهديده أو المساس به في حال تنظيم دورة تكوينية بمركز الاستقبال بوهلال.
وحيث إن الأضرار المادية التي ادعت المدعية أنها لحقتها بسبب المنع، بقيت بدون إثبات، لذا يتعين رفض طلب التعويض عن هذه الأضرار.
وحيث إنه فيما يخص التعويض عن الضرر المعنوي، فإن الثابت من وقائع النازلة أن المنع شكل اعتداء على حق ثابت هو حق التجمع والاجتماع، مما أحدث ضررا أدبيا أصاب الجمعية ككيان معنوي يمارس الحقوق ويتحمل الواجبات في إطار قانوني منظم ويستفيد بهذه الصفة من الحماية القانونية ، مما يستدعي إعادة الاعتبار للجهة المتضررة بالنظر لما أحدثه منع نشاطها بدون سبب قانوني من مساس بصورتها كجمعية من صميم مهامها الدفاع عن حقوق الإنسان وإشاعة هذه الثقافــــــة
والتربية عليها، وتعويضها عما لحقها تعويضا كاملا لا رمزيا كمقابل لجبر هذا الضرر المعنوي ، و أنه استنادا إلى وقائع وظروف النازلة، و إعمالا من المحكمة لسلطتها التقديرية في هذا الباب، ارتأت تحديد التعويض في مبلغ خمسين ألف درهم، تؤديه الدولة في شخص رئيس الحكومة نيابة عن قطاع الشباب و الرياضة التابع له مركز الاستقبال المدعى عليه، و ذلك انسجاما مع مقتضيات الفصل 515 من قانون المسطرة المدنية، مع ضرورة إخراج ولاية الرباط سلا زمور زعير من الدعوى لعدم ثبوت مسؤوليتها عن المنع وفق ما تقدم.
وحيث إن طلبي النفاذ المعجل وكذا الفوائد القانونية ليس لهما ما يبررهما مما يتعين معه رفضهما .
وحيث إن خاسر الدعوى يتحمل مصاريفها .
المنطوق
وتطبيقا لمقتضيات القانون رقم 90.41 وقانون المسطرة المدنية .
لهذه الأسباب
حكمت المحكمة الإدارية علنيا ابتدائيا حضوريا :
في الشكل : بقبول الطلب .
في الموضوع : بأداء الدولة قطاع الشباب والرياضة لفائدة المدعية تعويضا عن الضرر المعنوي قدره 50.000,00 درهما وتحميلها الصائر حسب النسبة ورفض باقي الطلبات مع إخراج ولاية الرباط سلا زمور زعير من الدعوى .
بهذا صدر الحكم في اليوم والشهر والسنة أعلاه ...................................