كما هو معلوم عرف المغرب كباقي دول العالم حالة طوارئ بسبب ما يسمى بفيروس كورونا (كوفيد 19) وقد اتخذت جل الدول مجموعة من التدابير الغاية منها الحد من تفشي هذا الفيروس الذي حصد العديد من الأرواح.
ولم يبق المغرب بمنآى عن باقي الدول بل اتخذ هو الأخير مجموعة من التدابير سواء على المستوى الاقتصادي أو الاجتماعي أو الصحي.
وقد نتج عن هذه الوضعية الصحية إعلان حالة الطوارئ وإصدار مرسوم بمثابة قانون 2.20.293 منشور بالجريدة الرسمية عدد 6867 مكرر بتاريخ 24 مارس 2020.وبتفحص هذا المرسوم بقانون نجد أن سياسة التجريم والعقاب هي الطاغية عليه.
ومن هنا يثار التساؤل عن مدى ملائمة مرسوم بقانون الطوارئ لمبدأ الشرعية الجنائية.
إذا كان الأصل في التشريع الجنائي أنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص فهل هذا المبدأ الذي تبناه المغرب من خلال الفصل 23 من الدستور المغربي والفصل الثالث من القانون الجنائي المغربي فهل تم تكريسه واحترامه عند سن مرسوم بقانون الطوارئ.
الفقرة الأولى: مبدأ الشرعية الجنائية ومرسوم بقانون حالة الطوارئ
يقصد بمبدأ الشرعية الجنائية لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص، إذ لا يمكن مؤاخذة شخص أو معاقبته على فعل لا يعد جريمة بموجب نص قانوني داخلي كان أو دولي.
ويترتب عن هذا المبدأ أن النص الجنائي يفسر تفسيرا ضيقا بعيدا عن القياس إذ لا قياس مع النص الجنائي.
وهو مبدأ أخذت به جل الدول وضمنته ضمن دساتيرها وقوانينها الداخلية وكذلك أغلب الإعلانات والمواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، والمحاكم الدولية كالمحكمة الجنائية الدولية المحدثة بمقتضى بنظام روما الأساسي في 17 يوليوز 1998.
وبالرجوع إلى المشرع المغربي الذي تبنى هو الآخر مبدأ الشرعية الجنائية من خلال الفصل 23 من الدستور والفصل الثالث من القانون الجنائي كما أشرنا سلفا فقد حصر قواعد التجريم والعقاب في نصوص قانونية ومنح حق التشريع في النطاق الجنائي لثلاث جهات:
1-البرلمان: فالفصل 70 من الدستور ينص على " أنه يمارس البرلمان السلطة التشريعية، يصوت البرلمان على القوانين ويراقب عمل الحكومة ويقيم السياسات العامة".
2-الملك: يعود إليه أمر التشريع في الميدان الجنائي بظهائر – قانون في حالة الاستثناء (الفصل 59 من الدستور) حيث أن إعلان حالة الاستثناء تسمح للملك بممارسة التشريع رغم وجود نص مخالف ومن ضمنها الميدان الجنائي.
3-الحكومة: خول الفصل 81 من الدستور للحكومة إمكانية التشريع في النطاق الجنائي خلافا للأصل والذي هو صدور التشريع عن البرلمان.
حيث رخص الدستور للبرلمان أن يأذن للحكومة بأن تتخذ في ظرف من الزمن محدود ولغاية معينة بمقتضى مراسيم تدابير يختص القانون عادة باتخاذها ويسري العمل بهذه المناشير بمجرد نشرها مع وجوب عرضها على البرلمان بقصد المصادقة عليها عند انتهاء الأجل الذي حدده القانون بإصدارها.
بالرجوع إلى مرسوم بقانون لحالة الطوارئ نجده جاء منسجما ومبدأ الشرعية الجنائية الذي حصر مصادر التجريم والعقاب في نصوص قانونية.
وبما أن الفصل 81 من الدستور منح للحكومة إمكانية التشريع الفرعي بواسطة مراسيم قوانين فإن مرسوم بقانون حالة الطوارئ جاء مكرسا لمبدأ الشرعية الجنائية.
الفقرة الثانية: بلاغ تجريم عدم حمل الكمامة بين الإلزامية والشرعية الجنائية
إذا كان مرسوم قانون حالة الطوارئ جاء منسجما ومبدأ الشرعية الجنائية فإن الإشكال المثار حول البلاغ المشترك لوزارة الداخلية ووزارة الصحة ووزارة الاقتصاد والمالية ووزارة الصناعة والاستثمار والتجارة والاقتصاد الرقمي بتاريخ 06 أبريل 2020 الذي أقر بإلزامية ارتداء الكمامات الواقية على جميع الأشخاص المسموح لهم بالتنقل خلال حالة الطوارئ الصحية ابتداء من يوم الثلاثاء 07 أبريل 2020 كتدبير لمحاصرة انتشار فيروس كورونا (كوفيد 19).
كما أن رئاسة النيابة العامة بتاريخ 07 أبريل 2020 قد أصدرت دورية بخصوص مخالفة عدم حمل الكمامات خلال فترة الحجر الصحي إذ تؤكد بأن عدم وضع الكمامات الواقية من طرف الأشخاص المسموح لهم بمغادرة مساكنهم لأسباب خاصة يشكل جنحة يعاقب عليها مرسوم بقانون حالة الطوارئ من خلال مقتضيات المادة الرابعة منه.
كما نصت هذه الدورية بأن جنحة عدم حمل الكمامة الواقية يعتبر جنحة منفصلة عن جنحة خرق تدابير الحجر الصحي[1].
فهل يمكن لبلاغ صادر عن الحكومة أن يكون مصدر لتجريم فعل، وهل هذا الأمر لا يمس بمبدأ الشرعية الجنائية والتي كنا أشرنا سلفا والذي حصرت مصادر التجريم والعقاب في نصوص قانونية.
حتى يتسنى لنا الإجابة عن هذا التساؤل لابد من استحضار نوع من القواعد الجنائية وهي القاعدة الجنائية على بياض.
في القاعدة الجنائية على بياض يكتفي المشرع فيها بتحديد شق العقوبة ويحيل في نفس الوقت إلى قانون آخر غير القانون الجنائي لتحديد شق التجريم، وقد يكون هذا قائما بالفعل أو من المزمع إصداره، أي لا يكون موجودا لحظة وضع القاعدة على بياض[2]، كما أن شق التجريم في القاعدة الجنائية على بياض كما قد يوجد في قانون آخر غير الجنائي فإنه قد يوجد أيضا في القانون الجنائي[3].
ففي القاعدة الجنائية على بياض يتم التنصيص على شق العقوبة في نص قانوني بينما يترك شق التجريم لنص قانوني آخر مستقل عن نص العقاب.
ومن تطبيقات القاعدة الجنائية على بياض في التشريع المغربي نجد الفصل 609 من القانون الجنائي، إذ يظهر جليا أن المشرع نص على شق العقاب ولم يحدد شق التجريم بل استعمل مصطلحات فضفاضة لا تقوم على الدقة في تحديد الفعل المجرم بل اكتفى بالقول في الفقرة 11 من الفصل المومأ إليه أعلاه "يعاقب بغرامة من عشرة إلى مائة وعشرين درهما من ارتكب إحدى المخالفات الآتية: ... -11- ومن خالف مرسوما أو قرارا صادر عن السلطة الإدارية بصورة قانونية إذا كان هذا المرسوم أو القرار لم ينص على عقوبات خاصة لمن يخالف أحكامه".
فالمشرع الجنائي لم يحدد طبيعة المرسوم أو القرار أو الجهة المصدرة له عند تحديد العقوبة، بل اكتفى بإقرار العقوبة دون تجريم الفعل الذي سيجرم لاحقا.
وهذا ما أخذت به الحكومة المغربية عند إصدارها لبلاغ إجبارية وضع الكمامات إذ قامت بتطبيق القاعدة الجنائية على بياض. حيت قامت بتقرير العقوبة من خلال مرسوم بقانون لحالة الطوارئ الذي نص في مادته الثالثة "على الرغم من جميع الأحكام التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل، تقوم الحكومة، خلال فترة إعلان حالة الطوارئ، باتخاذ جميع التدابير اللازمة التي تقتضيها هذه الحالة، وذلك بموجب مراسيم ومقررات تنظيمية وإدارية أو بواسطة مناشير وبلاغات من أجل التدخل الفوري والعاجل للحيلولة دون تفاقم الحالة الوبائية للمرض، وتعبئة جميع الوسائل المتاحة لحماية حياة الأشخاص وضمان سلامتهم..."
المادة الرابعة "يجب على كل شخص يوجد في منطقة من المناطق التي أعلنت فيها حالة الطوارئ الصحية، التقيد بالأوامر والقرارات الصادرة عن السلطات العمومية المشار إليها في المادة الثالثة أعلاه.
يعاقب على مخالفة أحكام الفقرة السابقة بالحبس من شهر إلى ثلاثة أشهر وبغرامة تتراوح بين 300 و1300 درهم أو بإحدى العقوبتين وذلك دون الإخلال بالعقوبة الجنائية الأشد..."
من خلال المادتين المومأ إليهما أعلاه من مرسوم بقانون حالة الطوارئ يتبين أن إقرار البلاغ الصادر عن الحكومة بإلزامية وضع الكمامات هو نص تجريمي يجب احترامه وعدم مخالفته إذ يستمد شرعيته القانونية من المادة الثالثة من مرسوم قانون الطوارئ التي فوضت للحكومة اتخاذ الإجراءات والتدابير اللازمة التي تقتضيها حالة الطوارئ كما أن المادة الرابعة نصت على العقوبة الواجب تطبيقها في حالة مخالفة مقتضيات المادة الثالثة وبالتالي فقد تم تكريس القاعدة الجنائية على بياض حيث تم إقرار العقاب في مرسوم بقانون الطوارئ في حين أن البلاغ الحكومي هو من جرم فعل امتناع وضع الكمامة على أساس أن المادة الرابعة من مرسوم بقانون الطوارئ تعاقب كل فعل أخل أو خالف ما تم التنصيص عليه في المادة الثالثة من مرسوم القانون والذي خول للأجهزة الحكومية اتخاذ أي تدبير من شأنه الحد من تفشي الوباء سواء على شكل مراسيم أو مقررات تنظيمية أو إدارية أو بواسطة مناشير وبلاغات.
يتضح مما سلف ذكره أن فعل تجريم عدم وضع الكمامات لم يمس بمبدأ الشرعية الجنائية التي تحكم التشريع الجنائي المغربي بل استمد شرعيته الجنائية من مرسوم بقانون الطوارئ.
والجدير بالذكر فإن الأحكام الصادرة عن فعل امتناع وضع الكمامات هي أحكام نهائية لا تقبل أي طعن لأن مرسوم بقانون الطوارئ لم يأت ضمن مواده إشارة لإمكانية الطعن وبما أن مرسوم بقانون الطوارئ هو القانون الساري حاليا فلا يمكن مخالفته.
قد يقول قائل من غير العدالة عدم السماح للمتضرر من الحكم بالطعن فيه، خاصة أنه من بين ضمانات المحاكمة العادلة إقرار طرق للطعن.
جوابا يمكن القول بأن حالة الطوارئ والظرفية الاستثنائية هما من حصن الحكم الصادر في الجرائم المنصوص عليها في مرسوم بقانون الطوارئ من أي طعن.
نشير أن حالة الطوارئ من شأنها أن تغير وصف الجريمة وتكييفها القانوني كما هو الحال في الحكم الصادر عن محكمة القنيطرة الذي اعتبر جنحة السرقة المنصوص عليها في الفصل 505 من القانون الجنائي المغربي والمرتكبة في وقت حالة الطوارئ تدخل في زمرة الكارثة التي اعتبرها المشرع المغربي ظرف من ظروف تشديد العقوبة وبالتالي تغيير تكييفها ووصفها بجناية كل ذلك بالاعتماد على مقتضيات الفصل 510 من القانون الجنائي[4].
وإذا كانت حالة الطوارئ من شأنها تشديد العقوبة فهل يمكن لحالة الطوارئ أن تؤدي إلى المعاقبة على أفعال لم يتم التنصيص عليها في مرسوم قانون الطوارئ لكنها تشكل جريمة في القانون الجنائي.
كمن يقوم بطرد شخص خارج المنزل في هذه الفترة الوبائية فهل يمكن متابعة الشخص بجريمة تعريض حياة شخص للخطر.
إن مبدأ الشرعية الجنائية سيشكل عائقا على معاقبة هذا الفعل لأن مرسوم القانون لحالة الطوارئ حدد من جهة الأفعال التي تشكل الجرائم والعقوبات المقررة لها، ومن جهة أخرى صعوبة إثبات جريمة تعريض شخص للخطر وعناصرها التكوينية خاصة أن هذا النوع من الجرائم هو من الجرائم العمدية التي تستلزم إثبات القصد الجنائي كما أن قصور التشريع الجنائي المغربي في تحديد هذا النوع من الجرائم يغل يد القضاء الزجري في المتابعة عكس المشرع الفرنسي الذي خصص الفصل 223 من قانون العقوبات الفرنسي لهذه الجريمة.
ختاما يمكن القول أن المغرب بالرغم من حالة الطوارئ ظل متشبثا بمبدأ الشرعية الجنائية، ويبقى مرسوم بقانون الطوارئ أشد سلاح لمواجهة تفشي وباء كورونا.
ولم يبق المغرب بمنآى عن باقي الدول بل اتخذ هو الأخير مجموعة من التدابير سواء على المستوى الاقتصادي أو الاجتماعي أو الصحي.
وقد نتج عن هذه الوضعية الصحية إعلان حالة الطوارئ وإصدار مرسوم بمثابة قانون 2.20.293 منشور بالجريدة الرسمية عدد 6867 مكرر بتاريخ 24 مارس 2020.وبتفحص هذا المرسوم بقانون نجد أن سياسة التجريم والعقاب هي الطاغية عليه.
ومن هنا يثار التساؤل عن مدى ملائمة مرسوم بقانون الطوارئ لمبدأ الشرعية الجنائية.
إذا كان الأصل في التشريع الجنائي أنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص فهل هذا المبدأ الذي تبناه المغرب من خلال الفصل 23 من الدستور المغربي والفصل الثالث من القانون الجنائي المغربي فهل تم تكريسه واحترامه عند سن مرسوم بقانون الطوارئ.
الفقرة الأولى: مبدأ الشرعية الجنائية ومرسوم بقانون حالة الطوارئ
يقصد بمبدأ الشرعية الجنائية لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص، إذ لا يمكن مؤاخذة شخص أو معاقبته على فعل لا يعد جريمة بموجب نص قانوني داخلي كان أو دولي.
ويترتب عن هذا المبدأ أن النص الجنائي يفسر تفسيرا ضيقا بعيدا عن القياس إذ لا قياس مع النص الجنائي.
وهو مبدأ أخذت به جل الدول وضمنته ضمن دساتيرها وقوانينها الداخلية وكذلك أغلب الإعلانات والمواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، والمحاكم الدولية كالمحكمة الجنائية الدولية المحدثة بمقتضى بنظام روما الأساسي في 17 يوليوز 1998.
وبالرجوع إلى المشرع المغربي الذي تبنى هو الآخر مبدأ الشرعية الجنائية من خلال الفصل 23 من الدستور والفصل الثالث من القانون الجنائي كما أشرنا سلفا فقد حصر قواعد التجريم والعقاب في نصوص قانونية ومنح حق التشريع في النطاق الجنائي لثلاث جهات:
1-البرلمان: فالفصل 70 من الدستور ينص على " أنه يمارس البرلمان السلطة التشريعية، يصوت البرلمان على القوانين ويراقب عمل الحكومة ويقيم السياسات العامة".
2-الملك: يعود إليه أمر التشريع في الميدان الجنائي بظهائر – قانون في حالة الاستثناء (الفصل 59 من الدستور) حيث أن إعلان حالة الاستثناء تسمح للملك بممارسة التشريع رغم وجود نص مخالف ومن ضمنها الميدان الجنائي.
3-الحكومة: خول الفصل 81 من الدستور للحكومة إمكانية التشريع في النطاق الجنائي خلافا للأصل والذي هو صدور التشريع عن البرلمان.
حيث رخص الدستور للبرلمان أن يأذن للحكومة بأن تتخذ في ظرف من الزمن محدود ولغاية معينة بمقتضى مراسيم تدابير يختص القانون عادة باتخاذها ويسري العمل بهذه المناشير بمجرد نشرها مع وجوب عرضها على البرلمان بقصد المصادقة عليها عند انتهاء الأجل الذي حدده القانون بإصدارها.
بالرجوع إلى مرسوم بقانون لحالة الطوارئ نجده جاء منسجما ومبدأ الشرعية الجنائية الذي حصر مصادر التجريم والعقاب في نصوص قانونية.
وبما أن الفصل 81 من الدستور منح للحكومة إمكانية التشريع الفرعي بواسطة مراسيم قوانين فإن مرسوم بقانون حالة الطوارئ جاء مكرسا لمبدأ الشرعية الجنائية.
الفقرة الثانية: بلاغ تجريم عدم حمل الكمامة بين الإلزامية والشرعية الجنائية
إذا كان مرسوم قانون حالة الطوارئ جاء منسجما ومبدأ الشرعية الجنائية فإن الإشكال المثار حول البلاغ المشترك لوزارة الداخلية ووزارة الصحة ووزارة الاقتصاد والمالية ووزارة الصناعة والاستثمار والتجارة والاقتصاد الرقمي بتاريخ 06 أبريل 2020 الذي أقر بإلزامية ارتداء الكمامات الواقية على جميع الأشخاص المسموح لهم بالتنقل خلال حالة الطوارئ الصحية ابتداء من يوم الثلاثاء 07 أبريل 2020 كتدبير لمحاصرة انتشار فيروس كورونا (كوفيد 19).
كما أن رئاسة النيابة العامة بتاريخ 07 أبريل 2020 قد أصدرت دورية بخصوص مخالفة عدم حمل الكمامات خلال فترة الحجر الصحي إذ تؤكد بأن عدم وضع الكمامات الواقية من طرف الأشخاص المسموح لهم بمغادرة مساكنهم لأسباب خاصة يشكل جنحة يعاقب عليها مرسوم بقانون حالة الطوارئ من خلال مقتضيات المادة الرابعة منه.
كما نصت هذه الدورية بأن جنحة عدم حمل الكمامة الواقية يعتبر جنحة منفصلة عن جنحة خرق تدابير الحجر الصحي[1].
فهل يمكن لبلاغ صادر عن الحكومة أن يكون مصدر لتجريم فعل، وهل هذا الأمر لا يمس بمبدأ الشرعية الجنائية والتي كنا أشرنا سلفا والذي حصرت مصادر التجريم والعقاب في نصوص قانونية.
حتى يتسنى لنا الإجابة عن هذا التساؤل لابد من استحضار نوع من القواعد الجنائية وهي القاعدة الجنائية على بياض.
في القاعدة الجنائية على بياض يكتفي المشرع فيها بتحديد شق العقوبة ويحيل في نفس الوقت إلى قانون آخر غير القانون الجنائي لتحديد شق التجريم، وقد يكون هذا قائما بالفعل أو من المزمع إصداره، أي لا يكون موجودا لحظة وضع القاعدة على بياض[2]، كما أن شق التجريم في القاعدة الجنائية على بياض كما قد يوجد في قانون آخر غير الجنائي فإنه قد يوجد أيضا في القانون الجنائي[3].
ففي القاعدة الجنائية على بياض يتم التنصيص على شق العقوبة في نص قانوني بينما يترك شق التجريم لنص قانوني آخر مستقل عن نص العقاب.
ومن تطبيقات القاعدة الجنائية على بياض في التشريع المغربي نجد الفصل 609 من القانون الجنائي، إذ يظهر جليا أن المشرع نص على شق العقاب ولم يحدد شق التجريم بل استعمل مصطلحات فضفاضة لا تقوم على الدقة في تحديد الفعل المجرم بل اكتفى بالقول في الفقرة 11 من الفصل المومأ إليه أعلاه "يعاقب بغرامة من عشرة إلى مائة وعشرين درهما من ارتكب إحدى المخالفات الآتية: ... -11- ومن خالف مرسوما أو قرارا صادر عن السلطة الإدارية بصورة قانونية إذا كان هذا المرسوم أو القرار لم ينص على عقوبات خاصة لمن يخالف أحكامه".
فالمشرع الجنائي لم يحدد طبيعة المرسوم أو القرار أو الجهة المصدرة له عند تحديد العقوبة، بل اكتفى بإقرار العقوبة دون تجريم الفعل الذي سيجرم لاحقا.
وهذا ما أخذت به الحكومة المغربية عند إصدارها لبلاغ إجبارية وضع الكمامات إذ قامت بتطبيق القاعدة الجنائية على بياض. حيت قامت بتقرير العقوبة من خلال مرسوم بقانون لحالة الطوارئ الذي نص في مادته الثالثة "على الرغم من جميع الأحكام التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل، تقوم الحكومة، خلال فترة إعلان حالة الطوارئ، باتخاذ جميع التدابير اللازمة التي تقتضيها هذه الحالة، وذلك بموجب مراسيم ومقررات تنظيمية وإدارية أو بواسطة مناشير وبلاغات من أجل التدخل الفوري والعاجل للحيلولة دون تفاقم الحالة الوبائية للمرض، وتعبئة جميع الوسائل المتاحة لحماية حياة الأشخاص وضمان سلامتهم..."
المادة الرابعة "يجب على كل شخص يوجد في منطقة من المناطق التي أعلنت فيها حالة الطوارئ الصحية، التقيد بالأوامر والقرارات الصادرة عن السلطات العمومية المشار إليها في المادة الثالثة أعلاه.
يعاقب على مخالفة أحكام الفقرة السابقة بالحبس من شهر إلى ثلاثة أشهر وبغرامة تتراوح بين 300 و1300 درهم أو بإحدى العقوبتين وذلك دون الإخلال بالعقوبة الجنائية الأشد..."
من خلال المادتين المومأ إليهما أعلاه من مرسوم بقانون حالة الطوارئ يتبين أن إقرار البلاغ الصادر عن الحكومة بإلزامية وضع الكمامات هو نص تجريمي يجب احترامه وعدم مخالفته إذ يستمد شرعيته القانونية من المادة الثالثة من مرسوم قانون الطوارئ التي فوضت للحكومة اتخاذ الإجراءات والتدابير اللازمة التي تقتضيها حالة الطوارئ كما أن المادة الرابعة نصت على العقوبة الواجب تطبيقها في حالة مخالفة مقتضيات المادة الثالثة وبالتالي فقد تم تكريس القاعدة الجنائية على بياض حيث تم إقرار العقاب في مرسوم بقانون الطوارئ في حين أن البلاغ الحكومي هو من جرم فعل امتناع وضع الكمامة على أساس أن المادة الرابعة من مرسوم بقانون الطوارئ تعاقب كل فعل أخل أو خالف ما تم التنصيص عليه في المادة الثالثة من مرسوم القانون والذي خول للأجهزة الحكومية اتخاذ أي تدبير من شأنه الحد من تفشي الوباء سواء على شكل مراسيم أو مقررات تنظيمية أو إدارية أو بواسطة مناشير وبلاغات.
يتضح مما سلف ذكره أن فعل تجريم عدم وضع الكمامات لم يمس بمبدأ الشرعية الجنائية التي تحكم التشريع الجنائي المغربي بل استمد شرعيته الجنائية من مرسوم بقانون الطوارئ.
والجدير بالذكر فإن الأحكام الصادرة عن فعل امتناع وضع الكمامات هي أحكام نهائية لا تقبل أي طعن لأن مرسوم بقانون الطوارئ لم يأت ضمن مواده إشارة لإمكانية الطعن وبما أن مرسوم بقانون الطوارئ هو القانون الساري حاليا فلا يمكن مخالفته.
قد يقول قائل من غير العدالة عدم السماح للمتضرر من الحكم بالطعن فيه، خاصة أنه من بين ضمانات المحاكمة العادلة إقرار طرق للطعن.
جوابا يمكن القول بأن حالة الطوارئ والظرفية الاستثنائية هما من حصن الحكم الصادر في الجرائم المنصوص عليها في مرسوم بقانون الطوارئ من أي طعن.
نشير أن حالة الطوارئ من شأنها أن تغير وصف الجريمة وتكييفها القانوني كما هو الحال في الحكم الصادر عن محكمة القنيطرة الذي اعتبر جنحة السرقة المنصوص عليها في الفصل 505 من القانون الجنائي المغربي والمرتكبة في وقت حالة الطوارئ تدخل في زمرة الكارثة التي اعتبرها المشرع المغربي ظرف من ظروف تشديد العقوبة وبالتالي تغيير تكييفها ووصفها بجناية كل ذلك بالاعتماد على مقتضيات الفصل 510 من القانون الجنائي[4].
وإذا كانت حالة الطوارئ من شأنها تشديد العقوبة فهل يمكن لحالة الطوارئ أن تؤدي إلى المعاقبة على أفعال لم يتم التنصيص عليها في مرسوم قانون الطوارئ لكنها تشكل جريمة في القانون الجنائي.
كمن يقوم بطرد شخص خارج المنزل في هذه الفترة الوبائية فهل يمكن متابعة الشخص بجريمة تعريض حياة شخص للخطر.
إن مبدأ الشرعية الجنائية سيشكل عائقا على معاقبة هذا الفعل لأن مرسوم القانون لحالة الطوارئ حدد من جهة الأفعال التي تشكل الجرائم والعقوبات المقررة لها، ومن جهة أخرى صعوبة إثبات جريمة تعريض شخص للخطر وعناصرها التكوينية خاصة أن هذا النوع من الجرائم هو من الجرائم العمدية التي تستلزم إثبات القصد الجنائي كما أن قصور التشريع الجنائي المغربي في تحديد هذا النوع من الجرائم يغل يد القضاء الزجري في المتابعة عكس المشرع الفرنسي الذي خصص الفصل 223 من قانون العقوبات الفرنسي لهذه الجريمة.
ختاما يمكن القول أن المغرب بالرغم من حالة الطوارئ ظل متشبثا بمبدأ الشرعية الجنائية، ويبقى مرسوم بقانون الطوارئ أشد سلاح لمواجهة تفشي وباء كورونا.
[1] دورية موجهة إلى السيدات والسادة المحامي العام الأول والمحامين العامين بمحكمة النقض والوكلاء العامين للملك لدى محاكم الاستئناف ومحاكم الاستئناف التجارية ونوابهم ووكلاء الملك لدى المحاكم الابتدائية والمحاكم التجارية ونوابهم تحت مرجع 16 س/ر.ن.ع.
[2] درمسيس بهنام، الجريمة والمجرم والجزاء، منشأة المعارف بالإسكندرية، 1973، ص 84.
[3] عصام عفيفي حسن عبد البصير، تجزئة القاعدة الجنائية – دراسة مقارنة في القانون الوضعي والفقه الجنائي الإسلامي، دار النهضة العربية القاهرة، الطبعة 2003، الصفحة 107.
[4] حكم صادر عن المحكمة الابتدائية بالقنيطرة في الملف الجنحي عدد 20-2103-495 بتاريخ 09 أبريل 2020.