كلمة الباحث أمام لجنة المناقشة
أهمية الموضوع:
تكمن أهمية موضوع التخليق الإداري في راهنتيه، حيث أنه يواكب طبيعة المرحلة وخصوصياتها من خلال محاولة رصد وتشخيص واقع الفساد والسلوكيات اللاأخلاقية في الإدارة وبالمرفق العام الذي يعيش أزمة حكامة بالأساس، فلا يتصور مثلا أن مغرب 2021 لازالت تعيق مساره التنموي الإدارة العمومية.
وتزداد أهمية الموضوع، في دراسة البؤر المقلقة في النسق الإداري المغربي المرتبطة بالأساس ببعض السلوكيات التي تدعونا كباحثين في الشأن الإداري وحقل العلوم الإدارية، للتمحيص فيها وتبيان مسبباتها ومبرراتها، ودراستها من الناحية الأكاديمية والسياسية والاجتماعية والثقافية.
إشكالية البحث:
إن التخليق يعد مدخلا أساسيا للإصلاح والتحديث الإداريين ومرتكزا رئيسيا لكل المبادرات الإصلاحية، ولا شك أن إرساء أي مقاربة إصلاحية للتخليق الإداري، لا يمكن أن تتم إلا من خلال تشخيص الواقع الحالي للأخلاقيات، ومعرفة أسباب انتشار السلوك أللأخلاقي وتجلياته داخل الإدارة والمرفق العام وتداعياته. ومن هذا المنطلق، تبرز الإشكالية العامة للموضوع والمتمثلة في:
إلى أي حد يمكن للمقتضيات الدستورية والقانونية، أن تصبح مؤشرا ومدخلاً للتخليق الإداري، أي كرهان لتجاوز الاختلالات التي تعاني منها الإدارة العمومية أو المرفق العام؟
وتنبثق عن هذه الإشكالية مجموعة من الأسئلة الفرعية
إن موضوع البحث، انطلاقا من الإشكالية الرئيسية التي يطرحها، استلزم الأخذ بالعديد من المناهج العلمية، بعيدا عن توصيف منهجي محدد بالنظر إلى طبيعة الموضوع ومناحي معالجته، والاستعانة بتقنيات المنهج النسقي على اعتبار انه يهتم بدراسة العلاقات التي يربطها النسق مع المحيط وعلاقات التفاعل بين العناصر المكونة للظاهرة محل الدراسة، وما دامت الإدارة أو المرفق العام ظاهرة اجتماعية في المقام الأول، فهو يتأثر بعوامل المحيط الذي يشتغل فيه كما يؤثر فيه.
خطة البحث:
بناء على الخطة الإستراتيجية للأطروحة تناولنا في القسم الأول الإطار النظري العام للتخليق الإداري، من خلال مناقشة مختلف الجوانب النظرية والمفاهيمية لموضوع التخليق الإداري، وربطنا هذا الجزء من البحث بالواقع العملي-الممارساتي، وقد سلطنا الضوء في القسم الثاني على الاختلالات والعوائق التي تشخص ضعف الإدارة العمومية أداء وصورة، من خلال تحديد الاختلالات على مستوى المحيط الداخلي والخارجي للإدارة، وومسبباتها وأثرها على مردوديتها.
وعليه أصبح تقسيم الأطروحة على الشكل التالي:
القسم الأول: الإطار النظري العام للتخليق الإداري
القسم الثاني: اختلالات ومتطلبات وآفاق التخليق الإداري
سيدي الرئيس والسادة أعضاء اللجنة العلمية الموقرة
بعد هذه التقديم التمهيدي، سأعرض على لجنتكم العلمية المتميزة تقرير النقاط الكبرى لموضوع الأطروحة، حددتها في أربع محاور أساسية:
المحور الأول: التأصيل المفاهيمي لمسألة التخليق الإداري
من خلال دراستنا في القسم الأول الذي عنوانه بالإطار النظري العام للتخليق الإداري، وبتحليلنا لمختلف الجوانب النظرية والمفاهيمية للموضوع مجال البحث تناولنا عبر مقاربة منهجية ماهية التخليق والتعريفات العلمية لهذه الظاهرة القانونية والسياسية، والاجتماعية، ومباشرة بعدها تم تفكيك الأسس والأهداف التي يرتكز عليها التخليق الإداري حيث يكتسي هذا الموضوع أهمية قصوى في الآونة الأخيرة، خصوصا باعتباره جزء لا يتجزأ من منظومة الحكامة الإدارية، هذه الأهمية التي أقرتها الشريعة الإسلامية قبل القانون الوضعي، إذ أنه آلية بارزة في دمقرطة التعاملات الانسانية قبل الإدارية بحيث يستحضر البعد الإنساني في جل العمليات الإدارية، وكذا الاهتمام بالعنصر البشري الذي يشكل عصب الحياة في الإدارة العمومية.
و من ناحية علمية محضة حاولنا ربط التقاطبات التي تجمع مسألة التخليق بباقي الفروع الأخرى المنظمة للعلاقات الإنسانية داخل الاطار أو خارجها ليتضح لنا ان التخليق ينشأ و يترعرع أينما كانت العلاقات الإنسانية، كما أن علاقته بالقانون تتجسد في وضع أخلاقيات تحكم الإدارات العمومية، كقواعد مكملة للقواعد الآمرة، و للتخليق كذلك علاقة بالسياسة حيث شغل موضوع ثنائية "الأخلاق والسياسة" بال المفكرين والباحثين والأكاديميين، وكذا الممارسين للشأن العمومي على مر العصور، وكما للتخليق علاقة وطيدة بالاقتصاد بالنظر لأهمية الاستثمار باعتباره وسيلة لتحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية، وإدارة أضحت جزاء لا يتجزأ من العملية الإنتاجية.
المحور الثاني: المرجعيات الأساسية للتخليق الإداري بالمغرب
لا يستقيم الحديث عن مسألة التخليق الإداري في معزل عن دراسة التطور الذي عرفته وظائف الدولة، لا سيما الانتقال من حالة الدولة الحارسة "الدركية" إلى الدولة المتدخلة وصولا للدولة الموجهة، وقد عكست الوثيقة الدستورية الجديدة في بابها الثاني عشر، والذي يحمل عنوان "الحكامة الجيدة" رزنامة من الأدوات والآليات الدستورية التي تسعى إلى تحقيق الأهداف المنوطة بالمرافق العامة والإدارات بالتزام واقف على شرط المصلحة العامة، ومن خلال هذه الزاوية، اقتصرنا على تحديد المبادئ التي تحكم مسألة التخليق الإداري في النظام المغربي، بالوقوف على المرجعيات الدستورية والقانونية، والتنظيمية، فالوثيقة الدستورية الجديدة للمملكة، قد عرفت تجديدا يهم العلاقة التي تربط بين الدولة وبين باقي المؤسسات، وبين مواطنيها.
كما تعتبر الخطب والرسائل الملكية لبنة ومرجعية أساسية لأي إصلاح يراد تنزيله في مختلف جوانب الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وباستجداء مضامينها، فقد أكد عاهل البلاد مرار وتكرار في مجموعة من الخطب والرسائل الملكية المتعددة ضعف تعاطي الادارة العمومية مع متطلبات المجتمع وخصوصياته، نذكر منها على سبيل الحصر:
في هذا المحور والذي يمثل القسم الثاني من الاطروحة تفاعلنا بشكل موضوعي وأكاديمي مع الاختلالات التي تعيق تأثيث الإدارة المغربية بالأخلاقيات والقيم السائدة في الأعراف الإدارية، ومن هذا المنطلق يعتبر الإصلاح الإداري بالمغرب الحجر الأساس الذي سطره مختلف الفاعلون المؤسساتيون المعنيون بهذا المجال اعتباراً لأهميته في بلوغ النموذج التنموي المنشود.
فالاختلال عادة يكون كليا أو جزئيا، منه ما هو مرتبط بالبنية ككل، ومنه المتصل بالعنصر البشري، و النسق الاداري و إجراءاته، حيث رصدنا داخل متن الأطروحة اختلالات على مستوى المحيط الداخلي للإدارة المقترنة بالأساس بسوء التسيير والتنظيم، والإخلال بالواجب المهني و أخرى مرتبطة بالمحيط الخارجي من مظاهر الرشوة و المحسوبية و الوساطة، وكيف يتحكم في الإدارة العمومية كل ما هو إثني و عرقي، كعناصر مساهمة في اختلال العمل والفضاء الإداريين.
وانتقل متن البحث بعدها، لدراسة الأدوات التي تضعف الأداء الإداري، خاصة المتعلقة بالتخطيط والتفكير الاستشرافي والتوقعي، وكيف تنعكس مسألة عشوائية التخطيط على أداء الموارد البشرية داخل الإدارة العمومية.
المحور الرابع: متطلبات وأفاق التخليق الإداري بالمنظومة الإدارية بالمغرب
إن الظرفية الحالية تقتضي إعادة النظر في متطلبات التخليق الإداري، بالرغم من الغزوة التي شنتها النصوص القانونية وهيئات الحكامة الجيدة ضد كل أشكال الفساد والغميزة الإدارية، وفي هذا الصدد يستوجب التسريع بالمصادقة على ميثاق المرافق العمومية ودراسة أثر القوانين النافذة في هذا الصدد.
وسجلنا كذلك أن بلوغ نموذج تنموي رائد يستجيب لمتطلبات الحكامة الجيدة كما أقرها الدستور الجديد، رهين بإقرار منظومة إدارية قوية تستجيب للخصوصيات الاقتصادية والاجتماعية ببلادنا.
لقد حاولنا بعدها تقديم بعض المقترحات وتدعيم البعض الآخر بحكم أنها أصبحت مألوفة في التقارير الصادرة عن بعض المؤسسات الدستورية والهيآت الاستشارية، حيث أن مسألة التخليق الإداري تعقد كافة جوانب الحياة الادارية، الأمر الذي يقتضي تبني مداخل إصلاحية شاملة ومتكاملة لتنزيل أسسها، بإستراتيجية محددة المعالم، مرسومة الأهداف، ومضبوطة وذلك من خلال:
أولا، تطوير هذه العلاقة و الجسور بين حقلين معرفين كبيرين في القانون العام هما: القانون الدستوري و القانون الإداري و علم الإدارة، ذلك أننا لاحظنا طيلة هذا العمل أن تناول إصلاحات من مدخل دستوري يظل نادرا، حيث نادرا ما صادفنا أثناء البحث دراسات للظواهر الإدارية بكل مستويتها في المغرب من منطلق علاقاتها بالإصلاحات الدستوري منذ دستور 1962، حيث أنه من الممكن الاشتغال على المسار التاريخي لتطور الإدارة المغربية من زاوية التحولات التي قد تكون حدثت مع كل مرحلة من مراحل الإصلاح الدستوري من 1962 إلى دستور 2011.
ثانيا، ومن القضايا التي لاحظنا أنها تستدعي البحث، بمعنى أنها ممرات بحثية أمام الدارسين العلاقة بين القانون الدستوري والقانون الإداري وعلم الإدارة انطلاقا من استخراج الفصول الدستورية التي لها علاقة بالإدارة المغربية ودراسة تطورها من حيث المبادئ التي وضعتها والمضمون وطريقة صياغتها والمكانة التي تحتلها في الدستور.
ثالثا، لاحظنا أيضا ندرة دراسات الظواهر المرتبطة بالإدارة المغربية في ارتباطها بالحماية الدستورية، و بمعنى ندرة الدراسات التي تدرس الحماية الدستورية للإدارة المغربية، فمع التطورات الدستورية وبداية تعاقب حكومات تقودها أحزاب سياسية فائزة في الانتخابات، باتت الإدارة تحتاج إلى حماية دستورية و ليس رقابة قضائية على أعمالها، فموضوع التخليق يبدو مرتبطا في جوانب كبيرة بإصلاحات دستورية تعطي للأحزاب السياسية صلاحيات في تشكيل الحكومات بعد الانتخابات، و بذلك تصبح الإدارة التي هي وحدة لتنفيذ القرارات الحكومية تحت تأثير الحكومات مما يستدعي التفكير في الأدوات التي من شأنها ضمان الحماية الدستورية لعمل الإدارة.
رابعا، نحتاج إلى توسيع مفهوم التخليق الإداري، فالأمر يتعلق بمبدأ و نص و ممارسة وسلوك، لذلك ينبغي إدخال آليات جديدة تجعل العنصر البشري ضمن هذه الدائرة التي تبدأ بالمبدأ و تنتهي بالسلوك مرورا بالنص و الممارسة، فالتخليق يستدعي إدخال أدوات من شأنها بناء مراقبة لسلوك المكون البشري للإدارة في طريقة مساهمته في تطوير الوحدة الإدارية، بمعنى وضع الآليات التي تمكن من ضمان مساهمة العنصر البشري داخل الإدارة من بناء ما يسمى الاستقامة المؤسساتية التي هي منحى تطوري في وضع آليات التخليق الإداري بتوسيع مفهوم التخليق ليصبح محددا للمسافة الموجودة بين العنصر البشري و السلوك المؤسساتي.
سيدي الرئيس والسادة أعضاء اللجنة العلمية الموقرة
فهذا العمل الذي بين أيدي لجنة المناقشة عمل بشري ولما كان الأمر كذلك كان طبيعيا أن يعتريه القصور والنقصان من فعل المخلوق إذ لا كمال إلا للخالق، وما كان مصادفا للصواب فهو من العلي القدير وما كان خلافا له فهو مني ومن الشيطان.
وأجدد الشكر للجنة على ما ستبديه من ملاحظات وتوجيهات وتصويبات تثمن لا محالة البحث وتجيده وتكمل ما نقص فيه من أفكار وما اعتراه من ثغرات، وما شابه من أخطاء شكلية وموضوعية.
أهمية الموضوع:
تكمن أهمية موضوع التخليق الإداري في راهنتيه، حيث أنه يواكب طبيعة المرحلة وخصوصياتها من خلال محاولة رصد وتشخيص واقع الفساد والسلوكيات اللاأخلاقية في الإدارة وبالمرفق العام الذي يعيش أزمة حكامة بالأساس، فلا يتصور مثلا أن مغرب 2021 لازالت تعيق مساره التنموي الإدارة العمومية.
وتزداد أهمية الموضوع، في دراسة البؤر المقلقة في النسق الإداري المغربي المرتبطة بالأساس ببعض السلوكيات التي تدعونا كباحثين في الشأن الإداري وحقل العلوم الإدارية، للتمحيص فيها وتبيان مسبباتها ومبرراتها، ودراستها من الناحية الأكاديمية والسياسية والاجتماعية والثقافية.
إشكالية البحث:
إن التخليق يعد مدخلا أساسيا للإصلاح والتحديث الإداريين ومرتكزا رئيسيا لكل المبادرات الإصلاحية، ولا شك أن إرساء أي مقاربة إصلاحية للتخليق الإداري، لا يمكن أن تتم إلا من خلال تشخيص الواقع الحالي للأخلاقيات، ومعرفة أسباب انتشار السلوك أللأخلاقي وتجلياته داخل الإدارة والمرفق العام وتداعياته. ومن هذا المنطلق، تبرز الإشكالية العامة للموضوع والمتمثلة في:
إلى أي حد يمكن للمقتضيات الدستورية والقانونية، أن تصبح مؤشرا ومدخلاً للتخليق الإداري، أي كرهان لتجاوز الاختلالات التي تعاني منها الإدارة العمومية أو المرفق العام؟
وتنبثق عن هذه الإشكالية مجموعة من الأسئلة الفرعية
- ما هو مضمون مفهوم التخليق الإداري؟ وأبعاده؟
- كيف هي أوجه العلاقة بين مفهوم التخليق الإداري وبعض المفاهيم الأخرى؟
- كيف هي علاقة التخليق الأفقية بالقانون والمؤسسات؟
- ما هي المبادئ الأساسية التي تحكم مفهوم التخليق الإداري؟
- ما هي المرجعيات والثوابت المتحكمة في عنصر التخليق الإداري في منظومة إصلاح الإدارة العمومية؟
- ما هي الضمانات القانونية والمؤسساتية لمسألة التخليق الإداري في الوسط الإداري المغربي؟
- ماهي نقاط الضعف والاختلالات المتصلة بمسألة التخليق الإداري؟
- أين تتجلى نقاط القوة في منظومة التخليق الإداري، ومردوديته على النسق الإداري؟
إن موضوع البحث، انطلاقا من الإشكالية الرئيسية التي يطرحها، استلزم الأخذ بالعديد من المناهج العلمية، بعيدا عن توصيف منهجي محدد بالنظر إلى طبيعة الموضوع ومناحي معالجته، والاستعانة بتقنيات المنهج النسقي على اعتبار انه يهتم بدراسة العلاقات التي يربطها النسق مع المحيط وعلاقات التفاعل بين العناصر المكونة للظاهرة محل الدراسة، وما دامت الإدارة أو المرفق العام ظاهرة اجتماعية في المقام الأول، فهو يتأثر بعوامل المحيط الذي يشتغل فيه كما يؤثر فيه.
خطة البحث:
بناء على الخطة الإستراتيجية للأطروحة تناولنا في القسم الأول الإطار النظري العام للتخليق الإداري، من خلال مناقشة مختلف الجوانب النظرية والمفاهيمية لموضوع التخليق الإداري، وربطنا هذا الجزء من البحث بالواقع العملي-الممارساتي، وقد سلطنا الضوء في القسم الثاني على الاختلالات والعوائق التي تشخص ضعف الإدارة العمومية أداء وصورة، من خلال تحديد الاختلالات على مستوى المحيط الداخلي والخارجي للإدارة، وومسبباتها وأثرها على مردوديتها.
وعليه أصبح تقسيم الأطروحة على الشكل التالي:
القسم الأول: الإطار النظري العام للتخليق الإداري
القسم الثاني: اختلالات ومتطلبات وآفاق التخليق الإداري
سيدي الرئيس والسادة أعضاء اللجنة العلمية الموقرة
بعد هذه التقديم التمهيدي، سأعرض على لجنتكم العلمية المتميزة تقرير النقاط الكبرى لموضوع الأطروحة، حددتها في أربع محاور أساسية:
المحور الأول: التأصيل المفاهيمي لمسألة التخليق الإداري
من خلال دراستنا في القسم الأول الذي عنوانه بالإطار النظري العام للتخليق الإداري، وبتحليلنا لمختلف الجوانب النظرية والمفاهيمية للموضوع مجال البحث تناولنا عبر مقاربة منهجية ماهية التخليق والتعريفات العلمية لهذه الظاهرة القانونية والسياسية، والاجتماعية، ومباشرة بعدها تم تفكيك الأسس والأهداف التي يرتكز عليها التخليق الإداري حيث يكتسي هذا الموضوع أهمية قصوى في الآونة الأخيرة، خصوصا باعتباره جزء لا يتجزأ من منظومة الحكامة الإدارية، هذه الأهمية التي أقرتها الشريعة الإسلامية قبل القانون الوضعي، إذ أنه آلية بارزة في دمقرطة التعاملات الانسانية قبل الإدارية بحيث يستحضر البعد الإنساني في جل العمليات الإدارية، وكذا الاهتمام بالعنصر البشري الذي يشكل عصب الحياة في الإدارة العمومية.
و من ناحية علمية محضة حاولنا ربط التقاطبات التي تجمع مسألة التخليق بباقي الفروع الأخرى المنظمة للعلاقات الإنسانية داخل الاطار أو خارجها ليتضح لنا ان التخليق ينشأ و يترعرع أينما كانت العلاقات الإنسانية، كما أن علاقته بالقانون تتجسد في وضع أخلاقيات تحكم الإدارات العمومية، كقواعد مكملة للقواعد الآمرة، و للتخليق كذلك علاقة بالسياسة حيث شغل موضوع ثنائية "الأخلاق والسياسة" بال المفكرين والباحثين والأكاديميين، وكذا الممارسين للشأن العمومي على مر العصور، وكما للتخليق علاقة وطيدة بالاقتصاد بالنظر لأهمية الاستثمار باعتباره وسيلة لتحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية، وإدارة أضحت جزاء لا يتجزأ من العملية الإنتاجية.
المحور الثاني: المرجعيات الأساسية للتخليق الإداري بالمغرب
لا يستقيم الحديث عن مسألة التخليق الإداري في معزل عن دراسة التطور الذي عرفته وظائف الدولة، لا سيما الانتقال من حالة الدولة الحارسة "الدركية" إلى الدولة المتدخلة وصولا للدولة الموجهة، وقد عكست الوثيقة الدستورية الجديدة في بابها الثاني عشر، والذي يحمل عنوان "الحكامة الجيدة" رزنامة من الأدوات والآليات الدستورية التي تسعى إلى تحقيق الأهداف المنوطة بالمرافق العامة والإدارات بالتزام واقف على شرط المصلحة العامة، ومن خلال هذه الزاوية، اقتصرنا على تحديد المبادئ التي تحكم مسألة التخليق الإداري في النظام المغربي، بالوقوف على المرجعيات الدستورية والقانونية، والتنظيمية، فالوثيقة الدستورية الجديدة للمملكة، قد عرفت تجديدا يهم العلاقة التي تربط بين الدولة وبين باقي المؤسسات، وبين مواطنيها.
كما تعتبر الخطب والرسائل الملكية لبنة ومرجعية أساسية لأي إصلاح يراد تنزيله في مختلف جوانب الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وباستجداء مضامينها، فقد أكد عاهل البلاد مرار وتكرار في مجموعة من الخطب والرسائل الملكية المتعددة ضعف تعاطي الادارة العمومية مع متطلبات المجتمع وخصوصياته، نذكر منها على سبيل الحصر:
- الخطاب السامي الذي وجهه صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله مساء يوم الجمعة 17 يونيو 2011، إلى الأمة الخاص بالدستور الجديد؛
- الخطابين الملكين بمناسبة افتتاح الدورة التشريعية الأولى لسنتي 2016، 2017؛
- الخطب الملكية بمناسبة عيد العرش، لسنة 2017، 2019، 2020؛
- الرسالة الملكية الموجهة إلى أشغال الندوة الوطنية لتخليق المرفق العام بمبادرة من وزارة الوظيفة العمومية والإصلاح الإداري، الرباط، يوم28 و29 أكتوبر 1999؛
- الرسالة الملكية إلى المشاركين في المنتدى الوطني للوظيفة العمومية العليا، سنة 2018.
في هذا المحور والذي يمثل القسم الثاني من الاطروحة تفاعلنا بشكل موضوعي وأكاديمي مع الاختلالات التي تعيق تأثيث الإدارة المغربية بالأخلاقيات والقيم السائدة في الأعراف الإدارية، ومن هذا المنطلق يعتبر الإصلاح الإداري بالمغرب الحجر الأساس الذي سطره مختلف الفاعلون المؤسساتيون المعنيون بهذا المجال اعتباراً لأهميته في بلوغ النموذج التنموي المنشود.
فالاختلال عادة يكون كليا أو جزئيا، منه ما هو مرتبط بالبنية ككل، ومنه المتصل بالعنصر البشري، و النسق الاداري و إجراءاته، حيث رصدنا داخل متن الأطروحة اختلالات على مستوى المحيط الداخلي للإدارة المقترنة بالأساس بسوء التسيير والتنظيم، والإخلال بالواجب المهني و أخرى مرتبطة بالمحيط الخارجي من مظاهر الرشوة و المحسوبية و الوساطة، وكيف يتحكم في الإدارة العمومية كل ما هو إثني و عرقي، كعناصر مساهمة في اختلال العمل والفضاء الإداريين.
وانتقل متن البحث بعدها، لدراسة الأدوات التي تضعف الأداء الإداري، خاصة المتعلقة بالتخطيط والتفكير الاستشرافي والتوقعي، وكيف تنعكس مسألة عشوائية التخطيط على أداء الموارد البشرية داخل الإدارة العمومية.
المحور الرابع: متطلبات وأفاق التخليق الإداري بالمنظومة الإدارية بالمغرب
إن الظرفية الحالية تقتضي إعادة النظر في متطلبات التخليق الإداري، بالرغم من الغزوة التي شنتها النصوص القانونية وهيئات الحكامة الجيدة ضد كل أشكال الفساد والغميزة الإدارية، وفي هذا الصدد يستوجب التسريع بالمصادقة على ميثاق المرافق العمومية ودراسة أثر القوانين النافذة في هذا الصدد.
وسجلنا كذلك أن بلوغ نموذج تنموي رائد يستجيب لمتطلبات الحكامة الجيدة كما أقرها الدستور الجديد، رهين بإقرار منظومة إدارية قوية تستجيب للخصوصيات الاقتصادية والاجتماعية ببلادنا.
لقد حاولنا بعدها تقديم بعض المقترحات وتدعيم البعض الآخر بحكم أنها أصبحت مألوفة في التقارير الصادرة عن بعض المؤسسات الدستورية والهيآت الاستشارية، حيث أن مسألة التخليق الإداري تعقد كافة جوانب الحياة الادارية، الأمر الذي يقتضي تبني مداخل إصلاحية شاملة ومتكاملة لتنزيل أسسها، بإستراتيجية محددة المعالم، مرسومة الأهداف، ومضبوطة وذلك من خلال:
- تفعيل وسائل المحاسبة والمساءلة، من خلال إقرار وتحديد العقوبات، وتطبيق الإجراءات القانونية بحق المخالفين؛
- التنزيل الكلي والفعلي للمقتضيات القانون رقم 55.19، للتخفيف من الروتين الإداري وسرية إنجاز المعاملات، وذلك لتقريب الإدارة من المواطن، وتحسين صورتها لديه، إضافة إلى النهوض بقطاع الاستثمار، وتعميم التكنولوجيا الحديثة.
- الاستناد إلى تجارب وخبرات المجتمع الدولي في مجال مكافحة الفساد الإداري، بالإضافة إلى الالتزام بالاتفاقيات الدولية الخاصة به؛
- تركيز وظيفة الإدارة العمومية في خدمة المواطنين وضمان الرعاية المستمرة للمرفق العام وجودة الخدمات العمومية مع ما يقتضيه ذلك من دعم للبعد الجهوي والتفعيل الكلي لمقتضيات ميثاق اللاتمركز الإداري واعتماد الكفاءة والفعالية في تدبير الموارد البشرية.
أولا، تطوير هذه العلاقة و الجسور بين حقلين معرفين كبيرين في القانون العام هما: القانون الدستوري و القانون الإداري و علم الإدارة، ذلك أننا لاحظنا طيلة هذا العمل أن تناول إصلاحات من مدخل دستوري يظل نادرا، حيث نادرا ما صادفنا أثناء البحث دراسات للظواهر الإدارية بكل مستويتها في المغرب من منطلق علاقاتها بالإصلاحات الدستوري منذ دستور 1962، حيث أنه من الممكن الاشتغال على المسار التاريخي لتطور الإدارة المغربية من زاوية التحولات التي قد تكون حدثت مع كل مرحلة من مراحل الإصلاح الدستوري من 1962 إلى دستور 2011.
ثانيا، ومن القضايا التي لاحظنا أنها تستدعي البحث، بمعنى أنها ممرات بحثية أمام الدارسين العلاقة بين القانون الدستوري والقانون الإداري وعلم الإدارة انطلاقا من استخراج الفصول الدستورية التي لها علاقة بالإدارة المغربية ودراسة تطورها من حيث المبادئ التي وضعتها والمضمون وطريقة صياغتها والمكانة التي تحتلها في الدستور.
ثالثا، لاحظنا أيضا ندرة دراسات الظواهر المرتبطة بالإدارة المغربية في ارتباطها بالحماية الدستورية، و بمعنى ندرة الدراسات التي تدرس الحماية الدستورية للإدارة المغربية، فمع التطورات الدستورية وبداية تعاقب حكومات تقودها أحزاب سياسية فائزة في الانتخابات، باتت الإدارة تحتاج إلى حماية دستورية و ليس رقابة قضائية على أعمالها، فموضوع التخليق يبدو مرتبطا في جوانب كبيرة بإصلاحات دستورية تعطي للأحزاب السياسية صلاحيات في تشكيل الحكومات بعد الانتخابات، و بذلك تصبح الإدارة التي هي وحدة لتنفيذ القرارات الحكومية تحت تأثير الحكومات مما يستدعي التفكير في الأدوات التي من شأنها ضمان الحماية الدستورية لعمل الإدارة.
رابعا، نحتاج إلى توسيع مفهوم التخليق الإداري، فالأمر يتعلق بمبدأ و نص و ممارسة وسلوك، لذلك ينبغي إدخال آليات جديدة تجعل العنصر البشري ضمن هذه الدائرة التي تبدأ بالمبدأ و تنتهي بالسلوك مرورا بالنص و الممارسة، فالتخليق يستدعي إدخال أدوات من شأنها بناء مراقبة لسلوك المكون البشري للإدارة في طريقة مساهمته في تطوير الوحدة الإدارية، بمعنى وضع الآليات التي تمكن من ضمان مساهمة العنصر البشري داخل الإدارة من بناء ما يسمى الاستقامة المؤسساتية التي هي منحى تطوري في وضع آليات التخليق الإداري بتوسيع مفهوم التخليق ليصبح محددا للمسافة الموجودة بين العنصر البشري و السلوك المؤسساتي.
سيدي الرئيس والسادة أعضاء اللجنة العلمية الموقرة
فهذا العمل الذي بين أيدي لجنة المناقشة عمل بشري ولما كان الأمر كذلك كان طبيعيا أن يعتريه القصور والنقصان من فعل المخلوق إذ لا كمال إلا للخالق، وما كان مصادفا للصواب فهو من العلي القدير وما كان خلافا له فهو مني ومن الشيطان.
وأجدد الشكر للجنة على ما ستبديه من ملاحظات وتوجيهات وتصويبات تثمن لا محالة البحث وتجيده وتكمل ما نقص فيه من أفكار وما اعتراه من ثغرات، وما شابه من أخطاء شكلية وموضوعية.