MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers



النقيب الجامعي: المشروع يعكس نية سياسية في الانتقام من المحاماة، لا في تنظيمها أو إصلاحها

     



النقيب عبد الرحيم الجامعي رئيس جمعية هيئات المحامين بالمغرب سابقًا بمسؤولية وتأملٍ مهني، وبإحساسٍ عميق بالوفاء لتاريخ المحاماة التي علّمتنا، وأدّينا القسم على ألا نتنازل عن استقلالها ولا عن رسالتها، واستحضارًا لكبريات المحطات التي أشعل فيها المحامون وهيئاتهم الأضواء أمام سوء المصير الذي كان يُدبَّر لمهنة المحاماة خلف أروقة السلطة في أكثر من مناسبة، ولا سيما عبر عدد من القوانين المصيرية المرتبطة بالحريات والعدالة والقضاء، والتي جُرِّدت فيها المحاماة من العديد من مقتضياتها، وهمِّش فيها موقع الدفاع داخل العملية القضائية؛ نُفاجأ اليوم بنص قانوني جديد في شكل مشروع يتعلق بتنظيم مهنة المحاماة، بعدما تداولته أيادي وزراء عدل سابقين، ليأتي في صيغته الحالية ككسرٍ لذراع المحامين من تحت جُبّة المحاماة نفسها. مشروع يروم نزع قوتها، وإضعاف مؤسساتها، ومحاصرة ممارسيها، ووضع مصيرها تحت الحجر، ليبقى المتقاضون في النهاية أمام المجهول، دون محاماة قوية ومحصّنة وقادرة على الاضطلاع بدورها داخل منظومة عدالة فاعلة ونافذة. وأمام بلاغ الجمعية الرافض بدوره لهذا المشروع، وأمام بعض التبريرات التي قدّمها بعض أعضاء مكتب الجمعية عبر تصريحات إعلامية، والتي حاولت نزع المسؤولية عن المكتب ورئيسه فيما جرى، والترويج لوجود “مؤامرة” ضد المهنة دون تحديد أطرافها، مع التقليل في الوقت نفسه من خطورة الأمر باعتباره مجرد سوء فهم أو سوء تقدير للوقت؛ فإن هذا الخطاب، في جوهره، غير مسؤول، ويبتعد عن صلب الإشكال، ويستثمر غضب المحامين للتهرب من المحاسبة المهنية، ويزيد من تأزيم الأجواء داخل الوسط المهني. وهو توصيف لا يحمل اتهامًا بقدر ما هو استنتاج تفرضه النتائج المترتبة عن تعامل غير مفهوم من مسؤولي الجمعية مع هذا الملف الحساس. لقد وصل مشروع القانون رقم 23.66 المتعلق بتنظيم مهنة المحاماة إلى الساحة المهنية، ولا يهم من أين جاء، بقدر ما يهم أنه بات اليوم قريبًا من مجلس الحكومة، وعلى مسافة مرمى حجر من أبواب البرلمان. وبالوقوف على مضامينه واستقراء مستجداته، يتأكد بما لا يدع مجالًا للشك أنه مشروع يدفع بمهنة المحاماة نحو العتمة بدل أفقٍ مهني مشرق. واليوم، يحق للرأي العام المهني، بل وللرأي العام الوطني، ولكل من يرى في المحاماة قلعة قانونية ضرورية للمجتمع والديمقراطية، ومتنفسًا أساسيًا لضمان الأمن القانوني والمجتمعي، أن يخشى على مصير هذه المهنة أمام هذا المشروع. فالمحاماة هي المهنة الوحيدة التي ظلّت مصرّة على الاستقلال عن السلطة، وخارج قبضة التحكم، ومدافعة عن سيادة المشروعية وتوسيع إعمال القانون، وبناء دولة الحق بدل هيمنة النفوذ والمال والمحسوبية. هي المهنة التي تُقلق السلطة بصوت الحق كلما انحرفت ممارساتها نحو انتهاك الحريات وحقوق الإنسان، وتنهض بواجبها في التنبيه إلى اختلالات السياسات العمومية والرسمية، وما يعتريها من تلاعب واتساع دوائر الفساد ونهب ثروات البلاد والعباد. ومن هذا المنطلق، يأتي المشروع ليعكس نية سياسية في الانتقام من المحاماة، لا في تنظيمها أو إصلاحها. إنه ردّ سياسي بالقانون على التحرك المهني الشجاع للمحامين، بسلاح المساطر والمرافعات، في مواجهة المقاربة القمعية التي وُوجهت بها مطالب الحركات الاجتماعية، من حراك الريف إلى حراك جيل Z. وبذلك، يتحول المشروع إلى استفزاز مباشر لمهنة ترفض الخضوع، وترفض بيع استقلالها، وترفض التملق، وترفض أن تُستباح كرامتها داخل نص يرى في المحاماة خصمًا يجب تحييده. اليوم، أمام المحامين موعد جديد مع مهنتهم، يتطلب نضجًا وحسًا عاليًا بالمسؤولية. فعزيمتهم ليست دعوة للمواجهة، بل نداء للدولة والحكومة للتعقل، وتحصين سياستها تجاه المحاماة بالثقافة والأخلاق. فالسياسة قد تُستعمل في الانتخابات أو في فرض الضرائب أو في تنظيم التظاهرات، لكن القضايا المصيرية، كمهنة المحاماة، تفرض مقاربة قائمة على الاحترام والتبصر. والمحامون لا يسعون لإشعال صراع مع أي جهة، بل منطلقهم هو وقف حرب قانونية أشعلها هذا المشروع ضد المحاماة، ومحاولة تمريره في آخر عمر الولاية الحكومية، فوق رؤوس المحامين وهيئاتهم، وعلى مرأى من جمعيتهم. وانطلاقًا من المسؤولية التي لا تزال تثقل ضمائر آلاف المحاميات والمحامين، وأنا منهم، وبعد قراءة موضوعية لمضامين المشروع، أُعلن أنه يشكل خطرًا على العدالة أولًا، وعلى القضاء، وعلى الحق في محاكمة عادلة، قبل أن يكون خطرًا على مهنة المحاماة ذاتها. وأرى أن المخاطر الموجبة لوقف المشروع أو إعادة فتح النقاش حوله مع المحامين، عبر مؤسساتهم التمثيلية وبطريقة ديمقراطية، متعددة، من بينها: خطر المشروع الكامن في القواعد الفاسدة التي تنتشر في مختلف أبوابه ومواده، والتي طمست أي جوانب إيجابية محتملة، على غرار ما وقع في قوانين إجرائية أساسية سابقة. خطر سلب اختصاصات جوهرية من النقيب ومجالس الهيئات، وإسنادها لوزارة العدل، بما في ذلك الانفراد بتسجيل محامين أجانب، وفرض مكاتب أجنبية بمنطق تجاري على النسيج المهني الوطني. خطر التمييز ضد المحامين المغاربة لفائدة مكاتب أجنبية، دون احترام مبدأ المعاملة بالمثل، ودون اعتبار للكفاءات الوطنية. خطر انتزاع صلاحية تحديد واجبات الانخراط من الهيئات وتسليمها لوزير العدل، في مسٍّ صريح باستقلال المؤسسات المهنية. خطر استثمار المشروع لاختلالات داخلية بين الهيئات لتبرير تقليص صلاحياتها، بدل إصلاحها من الداخل. خطر إقحام وزارة العدل طرفًا في قرارات مهنية محضة، دون مبرر قانوني أو مؤسساتي مشروع. خطر معالجة إشكالات مهنية عالقة منذ سنوات عبر نص حكومي، بدل حلّها داخل البيت المهني. خطر إخضاع التكوين والتخصص والاعتراف بالكفاءة المهنية لوصاية الوزارة، عبر المعهد، بما يُفرغ الاستقلال من مضمونه. خطر تفريغ المحاماة من هيبتها وحصانتها، وتحويلها إلى فريسة سهلة. خطر الخلفيات السياسية للمشروع، التي تستهدف الاحتواء والتحجير ونزع الاستقلال بدل التطوير والدعم. وأمام هذا الزحف التشريعي، والغموض الذي طبع موقف الجمعية ومكتبها، أدعو جمعية هيئات المحامين بالمغرب، وهيئاتنا، ونقباءنا، والرؤساء والنقباء السابقين، إلى استعجال التدارك، ووضع المصلحة العليا للمحاماة فوق كل اعتبار، وتجاوز الحسابات الضيقة، وتوحيد الصف، وإعداد دفاع مهني جاد ومسؤول عن مهنة لا تقبل نصًا قانونيًا ينتقص من كرامتها. كما أدعو المحاميات والمحامين إلى التفاعل الواعي، وتفادي الانفعال، والتمسك بمؤسساتهم، وعدم إضعافها أو التشكيك فيها. في النهاية، لسنا في سباق على الألقاب، ولا في معركة لتسجيل النقاط، بل في معركة من أجل نص قانوني يليق بالمغرب، وبعدالة المغرب، ويُورَّث للأجيال القادمة من المحامين بعدنا باعتزاز



الاحد 28 ديسمبر 2025
MarocDroit منصة مغرب القانون "الأصلية"

تعليق جديد
Twitter