
من المعلوم في القانون بالضرورة أنّ المسؤولية القانونية تنشأ عن مخالفة قواعد القانون إمّا إيجاباً أو سلباً، وهي إمّا مسؤولية جنائية يجازى عنها بجزاءٍ جنائي أو مسؤولية مدنية يجازى عنها بجزاءٍ مدني والمسؤولية الإدارية جزء من هذه الأخيرة.
ومن المعلوم في القانون بالضرورة أيضاً، أن لا أحد يسأل عن فعل أو قول غيره، أي أنّ الشخص لا يسأل إلاّ عمّا بدر منه من أقوال أو أفعال فقط، وهذا هو الأصل في القانون كما سلف، وقد ذهب الفقه الإسلامي مذهب القانون الوضعي في هذا المجال، والأدلة على ذلك عديدة ومتعددة، ومنها قوله تعالى "وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ۚ وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَىٰ حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ"، وانطلاقا من كل هذا وذاك نتستنج أنّ الأصل شرعاً وقانوناً أنّ الشخص يسأل عن أفعاله وأقواله فقط، ولا يسأل لا عن أقوال ولا عن أفعال غيره.
واستثناء قد يسأل الشخص عن أفعال وأقوال الغير، وبما أنّ الاستثناء لا يقاس عليه ولا يُتوسع فيه وأنّ المسؤولية عن فعل الغير تعتبر خروجاً عن القاعدة العامة فإنّ المشرع المغربي أورد الحالات التي يُسأل فيها الشخص عن أفعال وأقوال غيره على سبيل الحصر لا المثال، وهنا تجدر الإشارة إلى أنّ هذا الإستثناء ليس إلاّ ضرباً من ضروب الإستثناء الذي لا يزيد القاعدة إلاّ تأكيداً، وقد حصر المشرع المغربي المسؤولية عن فعل الغير في حالات ثلاث وهي:
- المسؤولية عن فعل الغير التي تستلزم إثبات الخطأ: ومنها مسؤولية رجال التعليم وموظفي الشبيبة والرياضة عن الأطفال والشباب والتلاميذ الذين يوضعون تحت رعايتهم؛
- المسؤولية عن فعل الغير القائمة على افتراض الخطأ القابل لإثبات العكس: ومنها مسؤولية الآباء والأمهات عن أبنائهم القُصّر، ومسؤولية أرباب الحرف والصنائع عن أخطاء متعلميهم، ومسؤولية من يتولى رقابة المجانين والمختلين عقليا؛
- المسؤولية عن فعل الغير القائمة على افتراض الخطأ غير القابل لإثبات العكس: ومنها مسؤولية الرئيس عن أفعال المرؤوس أو التابع عن أفعال المتبوع.
- شروط قيام مسؤولية المتبوع عن أفعال التابع كنقطة أولى.
- أن تربط المتبوع بتابعه علاقة تبعية مستوفية لجميع الشروط القانونية، وقد يحدث أن يكون للتابع متبوعين أو أكثر، أصليين وعرضيين، ففي هذه الحالة الفقه والقضاء يتجهان معا إلى أنّ المتبوع الذي يتحمل المسؤولية هو المتبوع الذي يمارس السلطة فعليا على المرؤوس أو التابع.
- أن يتسبب التابع في ارتكاب الفعل الضار بالغير أو الأغيار أثناء تأديته للوظيفة المسندة إليه أو بمناسبتها، وفي الإدارة العمومية علينا أن نأخذ بعين الاعتبار الإطار القانوني الذي يمارس فيه المرؤوس مهامه الإدارية، فعندما يتعلق الأمر بتفويض الإمضاء (Délégation de signature) تكون مسؤولية الرئيس ثابتة، بينما تنتفي هذه الأخيرة عندما يتعلق الأمر بتفويض الاختصاص (Délégation de pouvoirs).
- أن يترتب عن فعل التابع حصول ضرر للغير، ويستثنى من ذلك ، الحادث الفجائي والحادث الناتج عن قوة قاهرة، شريطة أن تكون القوة القاهرة غير متوقع حصولها وأن تكون الأضرار مستحيل دفعها.
- آثار المسؤولية عن فعل الغير كنقطة ثانية.
- رجوع المتضرر على التابع أو المتبوع أو هما معا.
- رجوع المتبوع على التابع.
وختاما يمكننا القول إنّ المشرع المغربي قد ذهب إلى أنّ مسؤولية التابع عن أفعال المتبوع مسؤولية قائمة على قرينة قانونية غير قابلة لإثبات العكس، أي أنّ المتبوع لا يستطيع أن يدفع عن نفسه المسؤولية بإثبات أنّه لم يرتكب أي خطأ في توجيه ومراقبة تابعه، أو أنّه اتخذ كل ما يلزم للحيلولة دون وقوع الخطأ من هذا التابع، بل لابدّ له إن هو أراد أن ينفي المسؤولية عن نفسه أن ينفيها عن تابعه، وهذا لن يتأتى له إلاّ إذا أثبت انقطاع علاقة السببية بين فعل تابعه وبين الضرر الذي يدعيه المتضرر، وذلك بإثبات أنّ الضرر يرجع إلى خطأ المتضرر نفسه أو خطأ الغير أو حادث فجائي أو قوة قاهرة.
المراجع:
- عمر النافعي؛ محاضرات في المسؤولية القانونية؛
- محمد سدود؛ محاضرات في القانون الإداري.