مقدمة:
يعد الافراج عن المتهم من أهم موضوعات قانون الإجراءات الجنائية لكونه ينصب على حرية الأفراد، وتمثل الكفالة المالية احدى الضمانات المقررة للمحافظة على تلك الحرية بديلا عن الاعتقال الاحتياطي، بيد أن هذا التدبير يخضع لضوابط حددها القانون من خلال التنصيص على الجهة المخولة بإصداره وتحديد شروطه والاثار التي يمكن ان تترتب عن الاخلال بها.
كما أن تقدير مبلغ الكفالة الملزوم بأدائها هو أمر منوط بالسلطة التقديرية للقاضي والتي يستحضر فيها حتماً ظروف وملابسات القضية والحالة الاجتماعية والمادية للمتهم، اذ أن هذه الشروط هي التي تتحكم في مقدار الكفالة المالية وتخضع لصلاحية القاضي الذي يأمر بها أي تتوقف على قناعته حسب أحوال كل قضية على حدة.
وان لم يكن مُتصورا أن يُـفرج عن المتهم بعد ايداعه في السجن الا بصدور قرار بالإفراج عنه اما من طرف قاضي التحقيق أو هيئة الحكم وبعد وفائه بالتزامه حيال السلطة القضائية التي قررت الافراج عنه بكفالة من خلال أداء المبلغ المحدد بصندوق المحكمة، ذلك أن قرار الافراج كسند لرفع الاعتقال عن المتهم يظل معلقا على شرط لا يزول حتما الا بأداء المبلغ المطلوب[1].
وهذا يعني ان مأمور المؤسسة السجنية لا يمكنه إتمام إجراءات الافراج عن المتهم المعتقل لمجرد تسلمه مقرر الافراج دون توصله بوصل الأداء.
وقد أوكلت المادة 185 من قانون المسطرة الجنائية الى النيابة العامة وحدها مهمة تنفيذ مقرر الافراج، وفي حال عدم الأداء الفوري للكفالة فإنها تقوم بمجرد توصلها بوصل الأداء بإرساله فورا الى المؤسسة السجنية.
غير أنه ولئن كانت الحالات المذكورة لا تُّثير أي اشكال طالما أن المتهم يكون معتقلا في السجن، فان هنالك حالات أخرى يتقرر فيها فور مثول المتهم امام انظار النيابة العامة صدور أمر بعدم ايداعه السجن واحالته مباشرة على الجلسة في حالة سراح مع الزامه بأداء كفالة، أو احالته من طرفها على قاضي التحقيق بموجب ملتمس بإجراء تحقيق ويقرر قاضي التحقيق حينها عدم ايداعه السجن واخضاعه بدل ذلك للمراقبة القضائية والزامه بأداء كفالة، وفي كلتا الحالتين فان المتهم لا يكون قد أودع بعد السجن وانما يوجد في حالة التقديم التي تلي فترة انتهاء البحث التمهيدي.
وإذا كان المشرع المسطري قد نص على أن قاضي التحقيق هو المختص بإخضاع المتهم لتدابير المراقبة القضائية، فإن السؤال الذي يثار هو هل يحق للغرفة الجنحية إضافة أو إلغاء تدبير من التدابير المنصوص عليها في المادة 161 من قانون المسطرة الجنائية؟
الأكيد أن المقتضيات القانونية المنظمة لمؤسسة المراقبة القضائية جعلت هذا الاختصاص من الصلاحيات الأصلية لهذه الغرفة باعتبارها تراقب قرارات قاضي التحقيق [2].
لذلك، أجاز المشرع لكل من المتهم والنيابة العامة حق استئناف الأمر الصادر عن قاضي التحقيق بهذا الشأن أمام الغرفة الجنحية خلال اليوم الموالي لصدوره حتى تبت هذه الأخيرة في الاستئناف المقدم أمامها خلال أجل 5 أيام من تاريخ إحالة الملف عليها. [3] واستنادا إلى ذلك يحق للغرفة الجنحية أن تقرر إما إلغاء التدبير المتخذ أو تعويضه بتدبير آخر أو الإبقاء عليه.
فالغرفة الجنحية وبمناسبة نظرها في استئنافات بعض قرارات قاضي التحقيق والمتعلقة في ما يخص موضوع هذه الورقة البحثية بحالة محددة ألا وهي عدم إيداع متهم بالسجن وهي الحالة التي تنفذ فوريا بالرغم من تصدي النيابة العامة لها بالاستئناف، فان الغرفة الجنحية في حال ما اذا قرر قاضي التحقيق اخضاع المتهم للمراقبة القضائية لوحدها قد ترى موجبا لتأييد هذا القرار مع تعديله بأن تصدر في حقه تدبيرا إضافيا بأدائه كفالة مالية.
وسواء قرر قاضي التحقيق عدم إيداع المتهم في السجن بكفالة مالية وسايرته الغرفة الجنحية في ذلك بالتأييد، أو قررت الغرفة الجنحية تعديل قرار قاضي التحقيق بفرض كفالة مالية على المتهم أو حتى الرفع من قيمتها، فان هناك حالة أخرى تكاد تكون مشابهة للحالة الأولى:
ومن هنا يمكن اثارة مجموعة من التساؤلات تنصرف إلى طبيعة الآجال المقررة لأداء الكفالة من جهة (المحور الأول) وطبيعة الاثار المترتبة عن الاخلال بها والجزاء المتخذ في حق المتهم
المخالف ( المحور الثاني)، من جهة أخرى.
المحور الأول: آجال أداء الكفالة المالية
إذا كان قاضي النيابة العامة مخولا قانونا بأن يحيل المتهم حرا على المحكمة بعد تقديم كفالة مالية في حالة الإحالة المباشرة عليها [4]، فان قاضي التحقيق من جهته قد يرتئي حين نظره في
ملابسات القضية بعد تقديم المتهم أمامه عدم ايداعه السجن ويحدد مبلغ الكفالة المطلوبة، كما ان الغرفة الجنحية قد تصدر قرارا يتضمن تعديل قرار قاضي التحقيق بإضافة الكفالة المالية او الرفع من قيمتها، وهي الحالات التي أتينا على ذكرها سالفا، فان الاشكال يثار حول الأجل الممنوح لأداء الكفالة المالية في حال لم تؤد فورا من طرف وكيل المتهم أو أحد أقاربه ما دام لا يمكن تصور قيام المتهم شخصيا بالوفاء بالتزامه في ظل تقييد حريته؟.
وجوابا عن هذا الإشكال وبالرجوع الى المادة 161 من قانون المسطرة الجنائية نجدها تنص على تولي قاضي التحقيق لتحديد مبلغ الكفالة وأجال أدائها مع الأخذ بعين الاعتبار الحالة المالية للمعني بالأمر، وبذلك يمكن القول بأن قاضي التحقيق ملزم ببيان هذا الأجل -بالإضافة الى بيانات أخرى لا تقل أهمية يتعين تضمينها في مقرر الافراج والتي تولت تحديدها المادة 184 منه- وذلك تحت طائلة الغاء قراره بالإفراج عن المتهم في حال عدم وفائه به، لكن ماذا عن الممارسة العملية، هل يتم تضمين مقرر الافراج ظرفا زمنيا محصورا لدفع الكفالة في صندوق المحكمة، وما المعمول به في حال عدم احترامه؟
ومما يُمكن ملاحظته ابتداء في هذا الجانب، أن المادة 74 من قانون المسطرة الجنائية أوجبت النيابة العامة حين اتخاذها قرار الإحالة على المحكمة في حالة سراح أن يتم هذا القرار من خلال مقرر تحديد الكفالة (مطبوع معد لهذا الغرض) على أن تضمنه في سجل خاص وتوضع بالملف نسخة من المقرر ومن وصل إيداع المبلغ، وهو ما لم يتم التنصيص عليه سواء بخصوص قاضي التحقيق أو الغرفة الجنحية.
ومن الناحية الاجرائية فان قاضي التحقيق سواء بالمحكمة الابتدائية أو محكمة الاستئناف يمسكان سجلا خاصا لتدوين الكفالات المالية[5]، الا أنه لاعتبارات عملية قد يتم الاستغناء عن ارفاق قرار عدم الإيداع بمقرر خاص للكفالة المالية ويتم الاكتفاء بالإشارة الى ذلك في القرار نفسه أو حتى بين ثنايا محضر الاستنطاق الابتدائي.
وعودًا على الآجال التي يمكن منحها للمتهم للوفاء بالتزامه المتمثل في أداء مبلغ الكفالة، فانه لا ينتج من استقراء فصول قانون المسطرة الجنائية وجود أي نص يفصل في هذه المسألة، اللهم ما يتعلق بتخويل قاضي التحقيق وممثل النيابة العامة حق تقدير مقدار الكفالة المالية وأجل أدائها دون تقييد سلطتهما في هذا الجانب، ومع ذلك فان المشرع كان حريصا على ضرورة احترام هذه الآجال غير أن ترتيب الآثار القانونية على عدم احترامها متروك للجهة القضائية التي أفرجت عن المتهم.
ويمكن الجزم من الناحية العملية أن المتهم المسرح غالبا ما يسارع الوقت لإيداع الكفالة المالية بصندوق المحكمة بعد أن يتكلف اما دفاعه أو احد اقاربه بذلك، لكن ماذا لو تعذر هذا الأداء في لحظة التقديم ورأى قاضي النيابة العامة او قاضي التحقيق منحه -شفويا- مهلة دون تحديد آجال ملزمة.
وجوابا عن هذا السؤال، يمكن القول انه غالبا ما يتم منح مهلة من 24 ساعة الى 48 ساعة على الأقل حتى يفي المتهم المسرح بالتزامه، غير أنه في أحيان أخرى يصدر القرار بدون تحديد للآجال التي يتعين فيها إيداع الكفالة بصندوق المحكمة.
كما أن الغرفة الجنحية تملك هذه الصلاحية كما سلف ذكر ذلك رغم أن المشرع المسطري لم يأت مطلقا على ذكر هذه الحالة، اذ قد تكتفي في القرار الذي يصدر عنها بتأييد قرار قاضي التحقيق مع تتميمه بإحدى الحالتين: اما بإلزام المتهم غير المودع بأداء الكفالة وتحدد مقدارها فقط أو ترفع من قيمتها؛ لا غير، وهو ما يتم التنصيص عليه في القرار الصادر عنها دون التقيد بشكليات أخرى[6].
وليس ذلك فحسب، فبالرجوع الى المادة 184 من قانون المسطرة الجنائية نجدها تنص على ضرورة تحديد مقرر الافراج القدر المخصص لكل جزء من جزئي الكفالة، والمتعلقين بالجزء الأول الذي يخصص لضمان حضور المتهم في جميع إجراءات التحقيق وتنفيذ الحكم، والجزء الثاني المخصص لأداء المصاريف المسبقة التي أداها الطرف المدني ثم المبالغ الواجب ارجاعها ومبالغ التعويض عن الضرر او أداء نفقة إذا كان المتهم متابعا من أجل ذلك، الى جانب المصاريف التي أنفقها مقيم الدعوى العمومية والغرامات المحكوم بها، غير انه في الغالب الأعم يتم تحديد مبلغ الكفالة بدون تخصيص.
المحور الثاني: الآثار المترتبة عن عدم أداء الكفالة
يمكن القول بأن جوهر الكفالة المالية ليس هو المبلغ الذي يقدمه المتهم لقاء تمتيعه بالسراح المؤقت (عدم الإيداع) بل هو ذلك التعهد والالتزام الذي يفصح عنه بالحضور لكافة جلسات التحقيق و/او المحاكمة الى حين البت النهائي في قضيته وكذا الاستجابة الفورية لكل استدعاء متى وجه له من قبل المحكمة مع ترتيب الأثر على كل تخلف غير مبرر، وبهذا المعنى فان المبلغ المالي المقرر ليس غاية في حد ذاته وانما هو مجرد ضمانة تُقوي وتُعزز الالتزام بالحضور والمثول امام المحكمة دون تخاذل او تماطل.
لكن قد لا يلتزم المتهم المفرج عنه بالواجبات التي اتخذت في حقه كعدم المثول للتوقيع لدى الضابطة القضائية او مكتب التحقيق في الآجال المحددة له أو عدم أداء الكفالة المالية، فهل هذا يعني أن الجهة التي أفرجت عنه ستبقى مكتوفة الأيدي وتبقى مقيدة بقرار الافراج عنه رغم عدم وفائه بالتزامه؟.
وجوابا على هذا السؤال، فقد أعطى المشرع لقاضي التحقيق الغاء الوضع تحت المراقبة القضائية اثناء جميع مراحل التحقيق إذا خالف المتهم الالتزامات المفروضة عليه، وفي هذه الحالة يصدر قاضي التحقيق ضده أمرا بالإيداع بالسجن أو أمرا بإلقاء القبض بعد أخذ رأي النيابة العامة، [7]بأن يوجه لها بداية قرارا بالاطلاع بخصوص عدم امتثال المتهم لتدبير المراقبة القضائية.
غير أنه لمعالجة هذه الحالة هناك من يرى انه يستحسن أن يلجأ قاضي التحقيق في البداية الى اصدار أمر بإلقاء القبض في حق المتهم، فاذا أحضر أمامه بمقتضى هذا الأمر وقدم مبررا مقبولا لعدم تنفيذه التدبير الصادر في حقه (الكفالة المالية)، فان هو اقتنع بهذا المبرّر اكتفى بالأمر بإلقاء القبض فقط كجزاء ومنحه مهلة إضافية للوفاء بالتزامه، غير انه إذا لم يقتنع بالمبررات التي قدمها المتهم واتضح له أنه تعمد خرق التدبير المتخذ في حقه وكان حضوره مستقبلا أمامه ضروريا فانه في هذه الحالة يصدر في حقه أمرا فوريا بالإيداع في السجن [8].
واذا كان للغرفة الجنحية –كما أشرنا الى ذلك سابقا- في حال ما اذا قرر قاضي التحقيق اخضاع المتهم للمراقبة القضائية لوحدها تأييد هذا القرار مع تعديله بأن تصدر في حقه تدبيرا إضافيا بأدائه كفالة مالية:
قد يبدو منسجما مع ما للقرارات من قوة تنفيذية ان يبقى قرار الغرفة الجنحية ساري المفعول - طالما لم يلغ بقرار آخر- وبذلك يبقى المتهم ملزما بأداء الكفالة المقررة، غير أنه ربما يكون غير مستساغ بعد انتهاء التحقيق واحالته في حالة سراح اصدار أمر بإلقاء القبض عليه، سيما وان الجهة التي أصدرت القرار (الغرفة الجنحية) رفعت يدها عن القضية بإحالة الملف على المحكمة؟.
لكن هناك من يرى أن القاعدة العامة تقضي بأن السلطة التي تختص بإعادة التوقيف بعد الإفراج هي ذات السلطة التي اختصت بالتوقيف ابتداءً، بشرط أن تكون لا زالت تتولى الدعوى، فإن لم تكن كذلك فالجهة التي آلت إليها فعلاً تكون هي المختصة بإعادة التوقيف، وهو التوجه الذي يسير فيه المشرع المصري والأردني [9].
خاتمة:
لا شك أن موضوع الكفالة المالية يثير العديد من الإشكالات في الحالة التي يتقرر فيها عدم إيداع المتهم بالسجن لذلك نرى ضرورة ولزوم تخصيصها بمزيد الاهتمام ولم لا التفكير في الارتقاء بهذا التدبير من خلال تفصيل مواده وافراده بمناشير ترفع من أهميته وتُميط ما يعتري الممارسة العملية من لُبس واشكال.
وفي سبيل تحقيق تلك المقاصد ربما يتعين على المشرع المغربي توسيع نطاق استعمالها أكثر، خاصة وان ما يطرأ لاحقا إذا أُدين المفرج عنه وتضمن الحكم على عقوبات مالية يُتطلب استيفاؤها من خلال تحصيل الغرامات والمصاريف القضائية من مبالغ الكفالات المودعة بصندوق المحكمة أو مصادرتها كليا، ذلك ما يرفعها الى مقام المال العام الذي يتعين عدم اهدارُه [10] من خلال عدم اتخاذ ما يلزم في سبيل وفاء المتهم المفرج عنه بهذا الالتزام.
ومن الناحية العملية يتعين التأكد من وفاء المعني بالأمر بالتزامه من خلال التحقق من سهر الضابطة القضائية المكلفة على تبليغ المعني بالأمر بفحوى القرار الصادر عن الغرفة الجنحية في حقه والذي يتضمن إلزامه بأداء كفالة مالية كتدبير يقابل عدم ايداعه السجن ويضمن حضوره أمام المحكمة.
وفي هذا الصدد تتولى الجهات القضائية مراقبة نفاذ قرار فرض الكفالة على المتهم حتى يتسنى لها القيام بالمطلوب، سواء تلك التي أصدرت القرار أو تلك التي يعهد لها أمر تنفيذ هذا القرار بواسطة التعليمات الموجهة الى الضابطة القضائية، وتقوم كتابة الضبط بدور محوري لضمان حسن سير هذه الإجراءات وتتبع مآل تنفيذها.
ومما تجدر الإشارة اليه أن تحقيق هذا المبتغى يسري أيضا على الأوامر الصادرة عن الغرفة الجنحية في حال ألغت قرار قاضي التحقيق بعدم إيداع المتهم السجن وقررت تصديا الأمر بإلقاء القبض عليه لاستكمال التحقيق معه في حالة اعتقال، وفي كلتا الحالتين فانه لتفعيل الأثر القانوني والواقعي المقرر بموجب تلك القرارات فان ذلك يقتضي توظيف كل الوسائل القانونية الممكنة لجريان مفعولها على من يعنيهم الأمر بما يقتضيه الأمر من حرص وفورية في التنفيذ.
كما أن الأهمية ذاتها يتعين ايلاؤها أثناء النطق بالحكم من خلال تضمين القرارات الصادرة أوامر بمصادرة الكفالة المؤداة من قبل المتهم المفرج عنه حتى في حال الحكم ببراءته متى ما ثبت عدم احترامه لالتزامه بالحضور طيلة اطوار التحقيق والمحاكمة ومادام لم يُقدم عذرا مقبولا اقتنعت به المحكمة.
المراجع:
[1] المادة 173 من قانون المسطرة الجنائية: تودع الكفالة المالية المنصوص عليها في البند 13 من المادة 161 بصندوق المحكمة التي يوجد بها قاضي التحقيق مقابل وصل وتسلم نسخة من الوصل لقاضي التحقيق.
[2] جاء في قرار لمحكمة النقض الفرنسية أن "غرفة الاتهام هي غرفة تحقيق من الدرجة الثانية وتراقب بالضرورة السلطات الممنوحة لقاضي التحقيق وبإمكانها وضع المتهم تحت تدابير المراقبة القضائية بفرضها على المتهم أداء كفالة مالية ولو لم يحددها قاضي التحقيق، قرار صادر عن الغرفة الجنائية بمحكمة النقض الفرنسية بتاريخ 11 أبريل 1991، أورده الأستاذ لحسن بيهي : "المراقبة القضائية وفق قانون المسطرة الجنائية الجديد"، مجلة القصر، العدد الرابع، يناير 2003 ص : 123.
[3] المادة 160 من قانون المسطرة الجنائية
[4] وذلك بمقتضى المادتين 73 و 74 من قانون المسطرة الجنائية
[5] يمسك مكتب التحقيق سجلا خاصا بالكفالة المالية يتم تضمينه بالبيانات المطلوبة
[6] وهو التوجه الذي سارت عليه الغرفة الجنحية بمحكمة الاستئناف بالناظور في العديد من القرارات التي اطلعنا عليها
[7] الفصل 160 م ق.م.ج الفقرة الخامسة
[10] جاء في منشور لوزارة العدل رقم: 812 بتاريخ: 10/04/1978: لقد لوحظ خلال تفتيش شعب ادوات الإقتناع وشعب الحسابات بالمحاكم أن كتابات الضبط تقوم بناء على قرارات لغرف التحقيق أو أحكام نهائية بارجاع المبالغ المودعة لديها برسم المحجوزات النقدية وكفالات السراح المؤقت إلى مالكيها المحكوم عليهم بعقوبات مالية دون أن تقطع لهم مسبقا من المبالغ المرجعة الغرامة والمصاريف والحقوق المدنية فتضيع بسبب هذا الإغفال مناسبة مواتية لاستخلاصها بصفة فعالة تضمن للأحكام الجنحية صبغتها الزجرية وتحول دون تقادم الذعائر أو عدم استيفائها في نطاق الفصل 673 وما بعده من قانون المسطرة الجنائية من جراء انتقال المحكوم عليهم من العناوين المنصوص عليها في نسخ الأحكام المحالة على الخزينة العامة او لغير ذلك من الأسباب التي تبقى من أجلها العقوبات المالية حبرا على ورق .
ومما جاء فيه أيضا: يتعين استقبالا التقيد بالتعليمات التالية :
1 ـ الحرص على تفصيل صرف كفالة السراح المؤقت من طرف غرف التحقيق وهيآت الحكم في منطوق القرارات والأحكام طبقا لمقتضيات الفصل 161 من المسطرة الجنائية .
2 ـ حث السادة قضاة التحقيق على عدم اصدار أي أمر برد الكفالات المالية قبل صدور قرار بعدم المتابعة وعلى التقيد بتوصيات المقطع الثالث من الفصل 163 من القانون المذكور .
3 ـ حث كتابة الضبط على اقتطاع مبلغ الغرامة والصوائر والتعويضات المدنية من الكفالات المالية والمبالغ المحجوزة من قبل أدوات الاقتناع المحكوم بردها والاقتصار على تسليم الباقي منها ان وجد إلى صاحبه.
يعد الافراج عن المتهم من أهم موضوعات قانون الإجراءات الجنائية لكونه ينصب على حرية الأفراد، وتمثل الكفالة المالية احدى الضمانات المقررة للمحافظة على تلك الحرية بديلا عن الاعتقال الاحتياطي، بيد أن هذا التدبير يخضع لضوابط حددها القانون من خلال التنصيص على الجهة المخولة بإصداره وتحديد شروطه والاثار التي يمكن ان تترتب عن الاخلال بها.
كما أن تقدير مبلغ الكفالة الملزوم بأدائها هو أمر منوط بالسلطة التقديرية للقاضي والتي يستحضر فيها حتماً ظروف وملابسات القضية والحالة الاجتماعية والمادية للمتهم، اذ أن هذه الشروط هي التي تتحكم في مقدار الكفالة المالية وتخضع لصلاحية القاضي الذي يأمر بها أي تتوقف على قناعته حسب أحوال كل قضية على حدة.
وان لم يكن مُتصورا أن يُـفرج عن المتهم بعد ايداعه في السجن الا بصدور قرار بالإفراج عنه اما من طرف قاضي التحقيق أو هيئة الحكم وبعد وفائه بالتزامه حيال السلطة القضائية التي قررت الافراج عنه بكفالة من خلال أداء المبلغ المحدد بصندوق المحكمة، ذلك أن قرار الافراج كسند لرفع الاعتقال عن المتهم يظل معلقا على شرط لا يزول حتما الا بأداء المبلغ المطلوب[1].
وهذا يعني ان مأمور المؤسسة السجنية لا يمكنه إتمام إجراءات الافراج عن المتهم المعتقل لمجرد تسلمه مقرر الافراج دون توصله بوصل الأداء.
وقد أوكلت المادة 185 من قانون المسطرة الجنائية الى النيابة العامة وحدها مهمة تنفيذ مقرر الافراج، وفي حال عدم الأداء الفوري للكفالة فإنها تقوم بمجرد توصلها بوصل الأداء بإرساله فورا الى المؤسسة السجنية.
غير أنه ولئن كانت الحالات المذكورة لا تُّثير أي اشكال طالما أن المتهم يكون معتقلا في السجن، فان هنالك حالات أخرى يتقرر فيها فور مثول المتهم امام انظار النيابة العامة صدور أمر بعدم ايداعه السجن واحالته مباشرة على الجلسة في حالة سراح مع الزامه بأداء كفالة، أو احالته من طرفها على قاضي التحقيق بموجب ملتمس بإجراء تحقيق ويقرر قاضي التحقيق حينها عدم ايداعه السجن واخضاعه بدل ذلك للمراقبة القضائية والزامه بأداء كفالة، وفي كلتا الحالتين فان المتهم لا يكون قد أودع بعد السجن وانما يوجد في حالة التقديم التي تلي فترة انتهاء البحث التمهيدي.
وإذا كان المشرع المسطري قد نص على أن قاضي التحقيق هو المختص بإخضاع المتهم لتدابير المراقبة القضائية، فإن السؤال الذي يثار هو هل يحق للغرفة الجنحية إضافة أو إلغاء تدبير من التدابير المنصوص عليها في المادة 161 من قانون المسطرة الجنائية؟
الأكيد أن المقتضيات القانونية المنظمة لمؤسسة المراقبة القضائية جعلت هذا الاختصاص من الصلاحيات الأصلية لهذه الغرفة باعتبارها تراقب قرارات قاضي التحقيق [2].
لذلك، أجاز المشرع لكل من المتهم والنيابة العامة حق استئناف الأمر الصادر عن قاضي التحقيق بهذا الشأن أمام الغرفة الجنحية خلال اليوم الموالي لصدوره حتى تبت هذه الأخيرة في الاستئناف المقدم أمامها خلال أجل 5 أيام من تاريخ إحالة الملف عليها. [3] واستنادا إلى ذلك يحق للغرفة الجنحية أن تقرر إما إلغاء التدبير المتخذ أو تعويضه بتدبير آخر أو الإبقاء عليه.
فالغرفة الجنحية وبمناسبة نظرها في استئنافات بعض قرارات قاضي التحقيق والمتعلقة في ما يخص موضوع هذه الورقة البحثية بحالة محددة ألا وهي عدم إيداع متهم بالسجن وهي الحالة التي تنفذ فوريا بالرغم من تصدي النيابة العامة لها بالاستئناف، فان الغرفة الجنحية في حال ما اذا قرر قاضي التحقيق اخضاع المتهم للمراقبة القضائية لوحدها قد ترى موجبا لتأييد هذا القرار مع تعديله بأن تصدر في حقه تدبيرا إضافيا بأدائه كفالة مالية.
وسواء قرر قاضي التحقيق عدم إيداع المتهم في السجن بكفالة مالية وسايرته الغرفة الجنحية في ذلك بالتأييد، أو قررت الغرفة الجنحية تعديل قرار قاضي التحقيق بفرض كفالة مالية على المتهم أو حتى الرفع من قيمتها، فان هناك حالة أخرى تكاد تكون مشابهة للحالة الأولى:
- حينما يتخذ قاضي التحقيق قرارا بعدم إيداع متهم وبعد اطلاع النيابة العامة بهذا القرار فإنها تؤشر عليه بعبارة (أُّطلع عليه) رغم كونه جاء مخالفا لملتمسها بإجراء تحقيق.
- أو أن تكون النيابة العامة طلبت هي نفسها في ملتمسها من قاضي التحقيق اتخاذ ما يراه مناسبا بشأن المتهم مما يعني كقاعدة عامة موافقتها المسبقة على قرار عدم الإيداع، وفي هذه الحالة أيضا تؤشر عليه بعبارة (اطلع عليه).
ومن هنا يمكن اثارة مجموعة من التساؤلات تنصرف إلى طبيعة الآجال المقررة لأداء الكفالة من جهة (المحور الأول) وطبيعة الاثار المترتبة عن الاخلال بها والجزاء المتخذ في حق المتهم
المخالف ( المحور الثاني)، من جهة أخرى.
المحور الأول: آجال أداء الكفالة المالية
إذا كان قاضي النيابة العامة مخولا قانونا بأن يحيل المتهم حرا على المحكمة بعد تقديم كفالة مالية في حالة الإحالة المباشرة عليها [4]، فان قاضي التحقيق من جهته قد يرتئي حين نظره في
ملابسات القضية بعد تقديم المتهم أمامه عدم ايداعه السجن ويحدد مبلغ الكفالة المطلوبة، كما ان الغرفة الجنحية قد تصدر قرارا يتضمن تعديل قرار قاضي التحقيق بإضافة الكفالة المالية او الرفع من قيمتها، وهي الحالات التي أتينا على ذكرها سالفا، فان الاشكال يثار حول الأجل الممنوح لأداء الكفالة المالية في حال لم تؤد فورا من طرف وكيل المتهم أو أحد أقاربه ما دام لا يمكن تصور قيام المتهم شخصيا بالوفاء بالتزامه في ظل تقييد حريته؟.
وجوابا عن هذا الإشكال وبالرجوع الى المادة 161 من قانون المسطرة الجنائية نجدها تنص على تولي قاضي التحقيق لتحديد مبلغ الكفالة وأجال أدائها مع الأخذ بعين الاعتبار الحالة المالية للمعني بالأمر، وبذلك يمكن القول بأن قاضي التحقيق ملزم ببيان هذا الأجل -بالإضافة الى بيانات أخرى لا تقل أهمية يتعين تضمينها في مقرر الافراج والتي تولت تحديدها المادة 184 منه- وذلك تحت طائلة الغاء قراره بالإفراج عن المتهم في حال عدم وفائه به، لكن ماذا عن الممارسة العملية، هل يتم تضمين مقرر الافراج ظرفا زمنيا محصورا لدفع الكفالة في صندوق المحكمة، وما المعمول به في حال عدم احترامه؟
ومما يُمكن ملاحظته ابتداء في هذا الجانب، أن المادة 74 من قانون المسطرة الجنائية أوجبت النيابة العامة حين اتخاذها قرار الإحالة على المحكمة في حالة سراح أن يتم هذا القرار من خلال مقرر تحديد الكفالة (مطبوع معد لهذا الغرض) على أن تضمنه في سجل خاص وتوضع بالملف نسخة من المقرر ومن وصل إيداع المبلغ، وهو ما لم يتم التنصيص عليه سواء بخصوص قاضي التحقيق أو الغرفة الجنحية.
ومن الناحية الاجرائية فان قاضي التحقيق سواء بالمحكمة الابتدائية أو محكمة الاستئناف يمسكان سجلا خاصا لتدوين الكفالات المالية[5]، الا أنه لاعتبارات عملية قد يتم الاستغناء عن ارفاق قرار عدم الإيداع بمقرر خاص للكفالة المالية ويتم الاكتفاء بالإشارة الى ذلك في القرار نفسه أو حتى بين ثنايا محضر الاستنطاق الابتدائي.
وعودًا على الآجال التي يمكن منحها للمتهم للوفاء بالتزامه المتمثل في أداء مبلغ الكفالة، فانه لا ينتج من استقراء فصول قانون المسطرة الجنائية وجود أي نص يفصل في هذه المسألة، اللهم ما يتعلق بتخويل قاضي التحقيق وممثل النيابة العامة حق تقدير مقدار الكفالة المالية وأجل أدائها دون تقييد سلطتهما في هذا الجانب، ومع ذلك فان المشرع كان حريصا على ضرورة احترام هذه الآجال غير أن ترتيب الآثار القانونية على عدم احترامها متروك للجهة القضائية التي أفرجت عن المتهم.
ويمكن الجزم من الناحية العملية أن المتهم المسرح غالبا ما يسارع الوقت لإيداع الكفالة المالية بصندوق المحكمة بعد أن يتكلف اما دفاعه أو احد اقاربه بذلك، لكن ماذا لو تعذر هذا الأداء في لحظة التقديم ورأى قاضي النيابة العامة او قاضي التحقيق منحه -شفويا- مهلة دون تحديد آجال ملزمة.
وجوابا عن هذا السؤال، يمكن القول انه غالبا ما يتم منح مهلة من 24 ساعة الى 48 ساعة على الأقل حتى يفي المتهم المسرح بالتزامه، غير أنه في أحيان أخرى يصدر القرار بدون تحديد للآجال التي يتعين فيها إيداع الكفالة بصندوق المحكمة.
كما أن الغرفة الجنحية تملك هذه الصلاحية كما سلف ذكر ذلك رغم أن المشرع المسطري لم يأت مطلقا على ذكر هذه الحالة، اذ قد تكتفي في القرار الذي يصدر عنها بتأييد قرار قاضي التحقيق مع تتميمه بإحدى الحالتين: اما بإلزام المتهم غير المودع بأداء الكفالة وتحدد مقدارها فقط أو ترفع من قيمتها؛ لا غير، وهو ما يتم التنصيص عليه في القرار الصادر عنها دون التقيد بشكليات أخرى[6].
وليس ذلك فحسب، فبالرجوع الى المادة 184 من قانون المسطرة الجنائية نجدها تنص على ضرورة تحديد مقرر الافراج القدر المخصص لكل جزء من جزئي الكفالة، والمتعلقين بالجزء الأول الذي يخصص لضمان حضور المتهم في جميع إجراءات التحقيق وتنفيذ الحكم، والجزء الثاني المخصص لأداء المصاريف المسبقة التي أداها الطرف المدني ثم المبالغ الواجب ارجاعها ومبالغ التعويض عن الضرر او أداء نفقة إذا كان المتهم متابعا من أجل ذلك، الى جانب المصاريف التي أنفقها مقيم الدعوى العمومية والغرامات المحكوم بها، غير انه في الغالب الأعم يتم تحديد مبلغ الكفالة بدون تخصيص.
المحور الثاني: الآثار المترتبة عن عدم أداء الكفالة
يمكن القول بأن جوهر الكفالة المالية ليس هو المبلغ الذي يقدمه المتهم لقاء تمتيعه بالسراح المؤقت (عدم الإيداع) بل هو ذلك التعهد والالتزام الذي يفصح عنه بالحضور لكافة جلسات التحقيق و/او المحاكمة الى حين البت النهائي في قضيته وكذا الاستجابة الفورية لكل استدعاء متى وجه له من قبل المحكمة مع ترتيب الأثر على كل تخلف غير مبرر، وبهذا المعنى فان المبلغ المالي المقرر ليس غاية في حد ذاته وانما هو مجرد ضمانة تُقوي وتُعزز الالتزام بالحضور والمثول امام المحكمة دون تخاذل او تماطل.
لكن قد لا يلتزم المتهم المفرج عنه بالواجبات التي اتخذت في حقه كعدم المثول للتوقيع لدى الضابطة القضائية او مكتب التحقيق في الآجال المحددة له أو عدم أداء الكفالة المالية، فهل هذا يعني أن الجهة التي أفرجت عنه ستبقى مكتوفة الأيدي وتبقى مقيدة بقرار الافراج عنه رغم عدم وفائه بالتزامه؟.
وجوابا على هذا السؤال، فقد أعطى المشرع لقاضي التحقيق الغاء الوضع تحت المراقبة القضائية اثناء جميع مراحل التحقيق إذا خالف المتهم الالتزامات المفروضة عليه، وفي هذه الحالة يصدر قاضي التحقيق ضده أمرا بالإيداع بالسجن أو أمرا بإلقاء القبض بعد أخذ رأي النيابة العامة، [7]بأن يوجه لها بداية قرارا بالاطلاع بخصوص عدم امتثال المتهم لتدبير المراقبة القضائية.
غير أنه لمعالجة هذه الحالة هناك من يرى انه يستحسن أن يلجأ قاضي التحقيق في البداية الى اصدار أمر بإلقاء القبض في حق المتهم، فاذا أحضر أمامه بمقتضى هذا الأمر وقدم مبررا مقبولا لعدم تنفيذه التدبير الصادر في حقه (الكفالة المالية)، فان هو اقتنع بهذا المبرّر اكتفى بالأمر بإلقاء القبض فقط كجزاء ومنحه مهلة إضافية للوفاء بالتزامه، غير انه إذا لم يقتنع بالمبررات التي قدمها المتهم واتضح له أنه تعمد خرق التدبير المتخذ في حقه وكان حضوره مستقبلا أمامه ضروريا فانه في هذه الحالة يصدر في حقه أمرا فوريا بالإيداع في السجن [8].
واذا كان للغرفة الجنحية –كما أشرنا الى ذلك سابقا- في حال ما اذا قرر قاضي التحقيق اخضاع المتهم للمراقبة القضائية لوحدها تأييد هذا القرار مع تعديله بأن تصدر في حقه تدبيرا إضافيا بأدائه كفالة مالية:
- غير انه قد يحدث ان يستكمل قاضي التحقيق جميع اجراءاته في القضية ويصدر قراره بإحالة المتهم على المحكمة لمحاكمته في حالة سراح دون ان يكون قد أدى الكفالة المالية المفروضة عليه.
قد يبدو منسجما مع ما للقرارات من قوة تنفيذية ان يبقى قرار الغرفة الجنحية ساري المفعول - طالما لم يلغ بقرار آخر- وبذلك يبقى المتهم ملزما بأداء الكفالة المقررة، غير أنه ربما يكون غير مستساغ بعد انتهاء التحقيق واحالته في حالة سراح اصدار أمر بإلقاء القبض عليه، سيما وان الجهة التي أصدرت القرار (الغرفة الجنحية) رفعت يدها عن القضية بإحالة الملف على المحكمة؟.
لكن هناك من يرى أن القاعدة العامة تقضي بأن السلطة التي تختص بإعادة التوقيف بعد الإفراج هي ذات السلطة التي اختصت بالتوقيف ابتداءً، بشرط أن تكون لا زالت تتولى الدعوى، فإن لم تكن كذلك فالجهة التي آلت إليها فعلاً تكون هي المختصة بإعادة التوقيف، وهو التوجه الذي يسير فيه المشرع المصري والأردني [9].
خاتمة:
لا شك أن موضوع الكفالة المالية يثير العديد من الإشكالات في الحالة التي يتقرر فيها عدم إيداع المتهم بالسجن لذلك نرى ضرورة ولزوم تخصيصها بمزيد الاهتمام ولم لا التفكير في الارتقاء بهذا التدبير من خلال تفصيل مواده وافراده بمناشير ترفع من أهميته وتُميط ما يعتري الممارسة العملية من لُبس واشكال.
وفي سبيل تحقيق تلك المقاصد ربما يتعين على المشرع المغربي توسيع نطاق استعمالها أكثر، خاصة وان ما يطرأ لاحقا إذا أُدين المفرج عنه وتضمن الحكم على عقوبات مالية يُتطلب استيفاؤها من خلال تحصيل الغرامات والمصاريف القضائية من مبالغ الكفالات المودعة بصندوق المحكمة أو مصادرتها كليا، ذلك ما يرفعها الى مقام المال العام الذي يتعين عدم اهدارُه [10] من خلال عدم اتخاذ ما يلزم في سبيل وفاء المتهم المفرج عنه بهذا الالتزام.
ومن الناحية العملية يتعين التأكد من وفاء المعني بالأمر بالتزامه من خلال التحقق من سهر الضابطة القضائية المكلفة على تبليغ المعني بالأمر بفحوى القرار الصادر عن الغرفة الجنحية في حقه والذي يتضمن إلزامه بأداء كفالة مالية كتدبير يقابل عدم ايداعه السجن ويضمن حضوره أمام المحكمة.
وفي هذا الصدد تتولى الجهات القضائية مراقبة نفاذ قرار فرض الكفالة على المتهم حتى يتسنى لها القيام بالمطلوب، سواء تلك التي أصدرت القرار أو تلك التي يعهد لها أمر تنفيذ هذا القرار بواسطة التعليمات الموجهة الى الضابطة القضائية، وتقوم كتابة الضبط بدور محوري لضمان حسن سير هذه الإجراءات وتتبع مآل تنفيذها.
ومما تجدر الإشارة اليه أن تحقيق هذا المبتغى يسري أيضا على الأوامر الصادرة عن الغرفة الجنحية في حال ألغت قرار قاضي التحقيق بعدم إيداع المتهم السجن وقررت تصديا الأمر بإلقاء القبض عليه لاستكمال التحقيق معه في حالة اعتقال، وفي كلتا الحالتين فانه لتفعيل الأثر القانوني والواقعي المقرر بموجب تلك القرارات فان ذلك يقتضي توظيف كل الوسائل القانونية الممكنة لجريان مفعولها على من يعنيهم الأمر بما يقتضيه الأمر من حرص وفورية في التنفيذ.
كما أن الأهمية ذاتها يتعين ايلاؤها أثناء النطق بالحكم من خلال تضمين القرارات الصادرة أوامر بمصادرة الكفالة المؤداة من قبل المتهم المفرج عنه حتى في حال الحكم ببراءته متى ما ثبت عدم احترامه لالتزامه بالحضور طيلة اطوار التحقيق والمحاكمة ومادام لم يُقدم عذرا مقبولا اقتنعت به المحكمة.
المراجع:
[1] المادة 173 من قانون المسطرة الجنائية: تودع الكفالة المالية المنصوص عليها في البند 13 من المادة 161 بصندوق المحكمة التي يوجد بها قاضي التحقيق مقابل وصل وتسلم نسخة من الوصل لقاضي التحقيق.
[2] جاء في قرار لمحكمة النقض الفرنسية أن "غرفة الاتهام هي غرفة تحقيق من الدرجة الثانية وتراقب بالضرورة السلطات الممنوحة لقاضي التحقيق وبإمكانها وضع المتهم تحت تدابير المراقبة القضائية بفرضها على المتهم أداء كفالة مالية ولو لم يحددها قاضي التحقيق، قرار صادر عن الغرفة الجنائية بمحكمة النقض الفرنسية بتاريخ 11 أبريل 1991، أورده الأستاذ لحسن بيهي : "المراقبة القضائية وفق قانون المسطرة الجنائية الجديد"، مجلة القصر، العدد الرابع، يناير 2003 ص : 123.
[3] المادة 160 من قانون المسطرة الجنائية
[4] وذلك بمقتضى المادتين 73 و 74 من قانون المسطرة الجنائية
[5] يمسك مكتب التحقيق سجلا خاصا بالكفالة المالية يتم تضمينه بالبيانات المطلوبة
[6] وهو التوجه الذي سارت عليه الغرفة الجنحية بمحكمة الاستئناف بالناظور في العديد من القرارات التي اطلعنا عليها
[7] الفصل 160 م ق.م.ج الفقرة الخامسة
[8] يراجع في هذا الصدد : دراسة: الاعتقال الاحتياطي والمراقبة القضائية، منشورة في النسخة الالكترونية لجريدة الصباح على الرابط: https://assabah.ma/43106.html
[9] يراجع في هذا الصدد قانون الإجراءات الجزائية المصري والاردني[10] جاء في منشور لوزارة العدل رقم: 812 بتاريخ: 10/04/1978: لقد لوحظ خلال تفتيش شعب ادوات الإقتناع وشعب الحسابات بالمحاكم أن كتابات الضبط تقوم بناء على قرارات لغرف التحقيق أو أحكام نهائية بارجاع المبالغ المودعة لديها برسم المحجوزات النقدية وكفالات السراح المؤقت إلى مالكيها المحكوم عليهم بعقوبات مالية دون أن تقطع لهم مسبقا من المبالغ المرجعة الغرامة والمصاريف والحقوق المدنية فتضيع بسبب هذا الإغفال مناسبة مواتية لاستخلاصها بصفة فعالة تضمن للأحكام الجنحية صبغتها الزجرية وتحول دون تقادم الذعائر أو عدم استيفائها في نطاق الفصل 673 وما بعده من قانون المسطرة الجنائية من جراء انتقال المحكوم عليهم من العناوين المنصوص عليها في نسخ الأحكام المحالة على الخزينة العامة او لغير ذلك من الأسباب التي تبقى من أجلها العقوبات المالية حبرا على ورق .
ومما جاء فيه أيضا: يتعين استقبالا التقيد بالتعليمات التالية :
1 ـ الحرص على تفصيل صرف كفالة السراح المؤقت من طرف غرف التحقيق وهيآت الحكم في منطوق القرارات والأحكام طبقا لمقتضيات الفصل 161 من المسطرة الجنائية .
2 ـ حث السادة قضاة التحقيق على عدم اصدار أي أمر برد الكفالات المالية قبل صدور قرار بعدم المتابعة وعلى التقيد بتوصيات المقطع الثالث من الفصل 163 من القانون المذكور .
3 ـ حث كتابة الضبط على اقتطاع مبلغ الغرامة والصوائر والتعويضات المدنية من الكفالات المالية والمبالغ المحجوزة من قبل أدوات الاقتناع المحكوم بردها والاقتصار على تسليم الباقي منها ان وجد إلى صاحبه.