MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers




الفيضانات الأخيرة بالمغرب ( قراءة حقوقية )

     

رشيد العمري

باحث في مجال حقوق الإنسان



الفيضانات الأخيرة بالمغرب ( قراءة حقوقية )
 
       عرف  المغرب خلال نهاية شهر نونبر وبداية شهر دجنبر من السنة التي ودعناها فيضانات في العديد من المناطق بسبب أمطار الخير التي شهدتها بلادنا، تسببت في خسائر جسيمة سواء منها البشرية (وفاة حوالي 50 شخصا وفقدان وإصابة العشرات) أو خسائر مادية (إنهيار المنازل والقناطر وإتلاف الطرقات وغرق السيارات والشاحنات) وقد طرحت خلال هذه الكارثة الطبيعية العديد من النقاشات صبت أغلبها في مسؤولية الدولة والجماعات الترابية والمؤسسات العمومية عن أضرار هذه الفيضانات، وخلصت إلى أن هذه المسؤولية ثابتة بدليل مجموعة من البراهين والدلائل القانونية (الدستور) أو الإجرائية (عدم التدخل في الوقت المناسب –تجاهل الإنذار المبكر لنشرة الأحوال الجوية...)1 وهكذا سنحاول خلال هذه المقالة أن نعطي
رأينا في الموضوع من وجهة نظر حقوقية، وذلك من خلال التطرق لمدى احترام الدولة لحقوق الإنسان في هذه الفيضانات .


لقد أصبح المغرب في السنوات الأخيرة من بين الدول التي تنادي بحقوق الإنسان وتدعوا إلى العمل على احترامها ويظهر ذلك جليا من خلال تكريس المبادئ العامة لحقوق الإنسان في الدستور، ومن خلال كذلك بعض الضمانات الحامية للحقوق و الحريات الأساسية المتمثلة في مؤسسات حقوق الإنسان2، وفي نظرنا المتواضع فإن دولة الحق والقانون ليست هي فقط التي تتوفر على قوانين وعلى مؤسسات دستورية وعلى جهاز قضائي مستقل، بل دولة الحق والقانون تقاس بمدى احترامها لحقوق الإنسان في كل الظروف وفي جميع الأوقات والتي هي ضمان حقوق شعبها سواء كانوا أفرادا أو جماعات والاعتراف لهم بحقوق المواطنة كاملة، ولعل من بين أهم و أسمى الحقوق على الإطلاق هي حق كل فرد في الحياة، وحقه في سلامة شخصه وأقربائه وحماية ممتلكاته، وحقه في الكرامة الإنسانية، وقد نصت أغلب الاتفاقيات والإعلانات الدولية لحقوق الإنسان وكذلك دساتير الدول على هذه الحقوق، فهل الدولة المغربية احترمت هذه الحقوق في الفيضانات التي عرفتها جل مناطق المغرب ؟

بالرجوع إلى الواقعة التي نحن بصدد دراستها وتحليلها نجد أن الدولة لم تحترم هذه الحقوق وأولها الحق في الحياة مع العلم بأن كل الشرائع والأديان اتفقت على أن الحق في الحياة هو أحد حقوق الإنسان الأساسية بل إنه الحق المقدس على الإطلاق، وكل الحقوق مرتبطة بصفة مباشرة بهذا الحق، وما شهدناه في هذه الفيضانات لخير دليل على أن الدولة ترفع شعار حقوق الإنسان دون تطبيقه فلو تم التدخل في الوقت المناسب لإنقاذ العالقين والذين منهم من قضى نحبه بسبب السيول الجارفة ومنهم من ظل عالقا على ظهر وسائل النقل وأغصان الأشجار، لما وصل عدد القتلى إلى ما وصل إليه، علما بأن تلك الأمطار الغزيرة والرياح القوية كانت متوقعة بدليل النشرات المتكررة التي كانت تصدرها مديرية الأرصاد الجوية، وتعامل الحكومة مع هذه الواقعة اتسم بنوع من الاستهتار والبطء، ففي الوقت الذي كان يجب فيه التدخل الإستباقي للتقليل من حدة الخسائر البشرية، فإن الأمر أخد عكس ذلك، وارتفعت حصيلة الضحايا إلى المستوى التي وصلت إليه .

إن هذه الفجوة في التعامل مع هذه الكارثة الطبيعية تعكس قصورا كبيرا لدى الدولة المغربية، أكيد أن تلك الفيضانات هي تدخل في المشيئة الإلهية، لكن هذا لايعفيها من أن تكون مسؤولة على الإختلالات وسوء التدبير التي واكبت هذه الظاهرة الطبيعية، وبالتالي فإن عدم التعامل معها بمسؤولية أثرت بشكل سلبي وكانت لها تداعيات خارجية على صورة البلد وحقوق الإنسان بشكل خاص.

 وما زاد من تشويه صورة المغرب في مجال حقوق الإنسان هي الظروف التي تم فيها نقل جثث الضحايا والحاطة بالكرامة الإنسانية، من قبيل نقلهم في شاحنات للأزبال لاتليق بكرامة الموتى وبالإنسان كإنسان، فهذا الأخير يمتلك الشرف والعزة والتوقير، فلا يجوز انتهاك حرمته وامتهان كرامته ونجد أغلب الاتفاقيات الدولية نصت على ذلك، فهو مخلوق مكرم بدليل القران الكريم كذلك "ولقد كرمنا بني ادم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا"، فكيف يعقل لدولة تنادي بالكرامة الإنسانية وبحقوق الإنسان أن تسمح لنفسها بالتعامل مع الموتى بهذا الشكل من الإهانة، وحين صرح رئيس الحكومة في إحدى اجتماعات المجلس الحكومي بأن الحكومة لاتتنصل من مسؤوليتها فيما يتعلق بتداعيات الفيضانات الأخيرة و اعترف كذلك بالظروف التي تم نقل فيها جثث الموتى فهذا دليل على اعتراف الحكومة بضعفها فيا يخص تأمين حياة مواطنيها.

من جهة أخرى كل متصفح للدستور الحالي سيلاحظ الحضور القوي لمجموعة من الضمانات والحقوق الفردية والجماعية الأخرى مثل الضمانات التي تمنحها السلطات العمومية لسلامة سكانها وحماية ممتلكاتهم ، وكل ذلك في الباب المتعلق بالحقوق والحريات الأساسية .                                                                                                        

فالفصل 21 من الدستور ينص"لكل فرد الحق في سلامة شخصه وأقربائه وحماية ممتلكاته،
تضمن السلطات العمومية سلامة السكان وسلامة التراب الوطني في احترام للحريات والحقوق الأساسية المكفولة للجميع"3.

 فهذا الفصل يلقي على عاتق الدولة مسؤولية حماية أفرادها وممتلكاتهم في كل الظروف دون تحديد فترة الحماية،  بمعنى ذلك حتى في الكوارث الطبيعية، وهذا ما لم يتحقق في الواقعة التي نحن بصدد دراستها فأغلب المواطنين الذين نجوا بأرواحهم فقدوا ممتلكاتهم والمتمثلة في المنازل والمحلات التجارية والمواشي...ووجدوا أنفسهم في المؤسسات المخصصة للإيواء.

وحتى لانكون عدميين يجب أن نعترف بأن مجال حقوق الإنسان في المغرب عرف مجموعة من الأمور يجب استحضارها، المسألة الأولى هي أن هناك مجهودا لاينكر من طرف الدولة فيما يتعلق بتأمين مجموعة من الحقوق و الحريات، والتي كانت خطا أحمر كحرية الرأي والتعبير،المسألة الثانية هو أن المغرب إختار  في العهد الجديد شعارا مشروعا يطرح تحديات كبيرة هو إلتزامها بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا، وجعل الاتفاقيات الدولية (تسمو على القوانين الوطنية)،4 وهو إنجاز كبير لم يكن ليتحقق لولا الإرادة والعزيمة، ولكن الإجراءات التشريعية والقانونية في نظرنا لاتكفي لو لم تواكبها إجراءات عملية في الميدان والواقع، ولاشك أن التعامل لامسؤول التي قامت بها الدولة مع ضحايا الفيضانات تشكل انتهاكا صارخا وواضحا للعديد من الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، وبالدستور الذي يعتبر دستور الحقوق والحريات، ودستور العهد الجديد، ودستور ربط المسؤولية بالمحاسبة، ما يستدعي قيام مسؤولية الدولة عن هذه الانتهاكات باعتبارها تمس بكرامة المواطن المغربي وبحقوقه الأساسية التي من المفروض توفير له كل الحقوق الأخرى ليس فقط الحقوق السياسية أوالمدنية التي لا تكلف إمكانيات مادية أو مجهودات مالية ولاتشكل عبءا على ميزانية الدولة، فالفقه الدولي أكد أن التمتع بمجموعة من الحقوق لا يغني عن الحقوق الأخرى، لذلك يرفض التمييز بين الحقوق لأنها على درجة واحدة من الأهمية، وفي هذا الصدد نختم بالمقولة المشهورة للفقيه السنغالي "كيبا مباي" الذي يقول "إن من يتسائل عن أسبقية الحقوق وأفضلها هل الحقوق المدنية والسياسية أسبق وأفضل، أم الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية؟ فإنه كمن يتسائل، هل الموت بالجوع أفضل من الموت تحت التعذيب؟ فالإنسان يجب أن يحمى من كل شيء ويتمتع بكل الحقوق في كل الظروف وكيفما كانت هذه الظروف.
 
 
 
 
المراجع المعتمدة

1 مسؤولية الدولة والجماعات الترابية عن الأضرار الناجمة عن الفيضانات " وجهة نظر قانونية " بقلم ذ عبد المالك زعزاع"مقال منشور في موقع العلوم القانونية،وكذلك مسؤولية الدولة والجماعات الترابية والمؤسسات العامة عن   أضرار الفيضانات إعداد الدكتور عبد الكبير الصوصي العلوي مقال منشور في نفس الموقع                                                                                
2 الدستور الجديد وأفاق حقوق الإنسان بالمغرب، مجلة مسالك في الفكر والسياسة والإقتصاد عدد مزدوج 27.28 السنة 2014
3 دستور المملكة المغربية لسنة2011                                                     
4 دستور حقوق الإنسان، المجلة المغربية للسياسات العمومية، سلسلة دفاتر حقوق الإنسان



الخميس 15 يناير 2015
MarocDroit منصة مغرب القانون "الأصلية"


1.أرسلت من قبل brahim في 16/01/2015 00:05
حقيقة رغم كل التقدم الدي يعرفه في مجال حقوق الانسان الا ان المشوار امامنا طويلا لتبني مشروع اصلاحي يضع في صلب اهتمامه النهوض بالعنصر البشري و حقوقه منسجم مع مرجعيتنا الاسلامية باعتبارها مرجعا كبيرا في هدا المجال و ضامنا لكل الحقوق دون تعارض بينها س

2.أرسلت من قبل Mehdi في 16/01/2015 00:31
اخي رشيد اهنئك على اختيارك لهذا المقال القيم حقيقتا الذي يطرح مجموعة من الافكار والتساؤلات التي تصب في ?صبيب الموضوع.والسؤال الذي سيبقى يطرح نفسه باستمرار هو اين المغرب من مقتضيات حقوق الانسان

تعليق جديد
Twitter