
المقدمة
في ظل تصاعد تداعيات تغير المناخ، ونضوب الموارد، وتدهور البيئة، برز مفهوم الاقتصاد الأخضر كإطار حيوي للتنمية المستدامة. يعرف الاقتصاد الأخضر، وفقا لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، بأنه اقتصاد منخفض الكربون، وكفء في استخدام الموارد، وشامل اجتماعيًا، يهدف إلى تحقيق النمو الاقتصادي مع الحفاظ على البيئة وتعزيز العدالة الاجتماعية. ومع ذلك، يظل السؤال الأساسي: كيف يمكن للسياسات المالية أن تلعب دورا فعالا في دفع هذا التحول، خاصة في الدول النامية التي تواجه محدودية الموارد وتحديات متعددة؟شهدت السنوات الأخيرة اعتماد أدوات مالية مثل ضرائب الكربون، والدعم الأخضر، والإنفاق العام الواعي بيئيًا كوسائل فعالة لإعادة توجيه سلوك السوق وتحفيز الاستثمارات في القطاعات المستدامة. ورغم ذلك، لم تتبنى هذه الأدوات بشكل متكامل في كثير من الدول. وفي المغرب، البلد الذي يعاني من هشاشة أمام تأثيرات تغير المناخ، تبرز أهمية دمج الاعتبارات البيئية في الأطر المالية بشكل ملح. وقد أحرز المغرب تقدمًا ملحوظًا من خلال الاستثمار في الطاقات المتجددة وإصلاح الدعم، إلا أن التحديات المتعلقة بالتنسيق المؤسسي، والحكامة الترابية، وضمان شمولية السياسات المالية المستدامة ما تزال قائمة.
يتناول هذا المقال دور السياسات المالية في تسريع الانتقال نحو الاقتصاد الأخضر، مع التركيز على السياق المغربي، ويستعرض مدى قدرة الإصلاحات المالية على تعزيز الاستدامة البيئية، والمرونة الاقتصادية، والعدالة الاجتماعية على الصعيدين الوطني والدولي.
أولا: ضرورة الانتقال إلى اقتصاد أخضر
أصبح التحول نحو الاقتصاد الأخضر حاجة ملحة في ظل تصاعد أزمة المناخ، ونفاد الموارد الطبيعية، وفقدان التنوع البيولوجي. وفقًا لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، يُقصد بالاقتصاد الأخضر الاقتصاد الذي يركز على تقليل الانبعاثات الكربونية، وزيادة كفاءة الموارد، وضمان الشمول الاجتماعي.تؤكد الإحصائيات العلمية أهمية هذا التحول. فقد أشار تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) إلى ضرورة خفض صافي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون عالميا بنسبة45% مقارنة بمستويات 2010 بحلول عام 2030، والوصول إلى صفر انبعاثات صافية بحلول 2050 للحد من الاحترار العالمي عند 1.5 درجة مئوية. ولكن الواقع الحالي يشير إلى تراجع عن هذه الأهداف. وتشير تقارير البنك الدولي إلى أن التدهور البيئي يكلف بعض الدول ما يصل إلى4% من الناتج المحلي الإجمالي سنويا، لا سيما في الدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط.
على المستوى الوطني، تؤكد مؤسسات مثل المجلس الأعلى للحسابات (2023) على وجود خلل في إنفاق البرامج البيئية، داعية إلى اعتماد إطار مالي أخضر متكامل. كما أوضح تقرير للمندوبية السامية للتخطيط أن التدهور البيئي يكلف الاقتصاد المغربي حوالي 3.5% من الناتج المحلي الإجمالي سنويا، ويعود ذلك بشكل رئيسي إلى تلوث الهواء والماء.
تدل هذه المؤشرات على أن التحول إلى اقتصاد أخضر يجب أن يتسارع، وتمثل السياسات المالية واحدة من أكثر الأدوات فعالية لتحقيق هذا الهدف.