MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers



الإطار القانوني لمكافحة الجرائم الإلكترونية في قطر

     



الإطار القانوني لمكافحة الجرائم الإلكترونية في قطر 
ابراهيم عبدالله ماجد آل سعد الكواري
باحث بسلك الدكتوراه بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية السويسي جامعة محمد الخامس بالرباط

مقدمة

أدى التطور التكنولوجي المتسارع في العقود الأخيرة إلى تغيير جذري في مختلف مجالات الحياة، مما أسهم في تحسين سبل التواصل، وتطوير العمليات الاقتصادية، وتيسير الوصول إلى المعلومات. غير أن هذا التطور صاحبه ظهور تهديدات جديدة تمثلت في الجرائم الإلكترونية، التي أصبحت تشكل خطرًا حقيقيًا على الأفراد والمؤسسات والدول، نظرًا لطبيعتها غير التقليدية وصعوبة ضبطها وملاحقتها مقارنة بالجرائم التقليدية.
الجرائم الإلكترونية هي تلك الأفعال غير المشروعة التي تُرتكب عبر الوسائل الرقمية، سواء كانت تستهدف الأفراد، مثل جرائم الاحتيال والابتزاز الإلكتروني، أو المؤسسات، مثل اختراق الأنظمة وسرقة البيانات، أو حتى الدولة، من خلال الهجمات السيبرانية التي تهدد الأمن القومي. ومع تزايد الاعتماد على التكنولوجيا في مختلف القطاعات، أصبحت الحاجة مُلحة إلى وجود أطر قانونية فعالة تكفل حماية المجتمع من هذه التهديدات.
في هذا السياق، أدركت دولة قطر خطورة الجرائم الإلكترونية وسعت إلى مواجهتها من خلال سن تشريعات متطورة تتماشى مع المعايير الدولية. وقد صدر قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية رقم 14 لسنة 2014، الذي يحدد الأفعال التي تعد جرائم إلكترونية ويضع العقوبات المناسبة لها. كما ترافقت هذه الجهود مع تبني استراتيجيات لتعزيز الأمن السيبراني، ودعم المؤسسات المسؤولة عن مكافحة هذه الجرائم.
يهدف هذا البحث إلى تحليل الإطار القانوني للجرائم الإلكترونية في قطر، من خلال دراسة التشريعات السارية، وتحديد أنواع الجرائم الإلكترونية التي يغطيها القانون، وبيان العقوبات المقررة لمرتكبيها. كما سيتم تسليط الضوء على التحديات التي تواجه تنفيذ هذه القوانين، مع تقديم مقترحات لتعزيز الإطار القانوني لمواجهة هذه الجرائم بفعالية أكبر.

أهمية الدراسة

تبرز أهمية هذه الدراسة في عدة جوانب، منها:
  1. تزايد خطورة الجرائم الإلكترونية وتأثيرها على الأفراد والمؤسسات.
  2. الحاجة إلى تحليل التشريعات القطرية ومعرفة مدى كفاءتها في مواجهة الجرائم الإلكترونية.
  3. تقديم رؤية قانونية واضحة حول العقوبات المقررة لمرتكبي الجرائم الإلكترونية في قطر.
  4. المساهمة في تطوير القوانين من خلال رصد الثغرات التشريعية واقتراح الحلول المناسبة.

إشكالية الدراسة

تطرح هذه الدراسة تساؤلًا رئيسيًا حول مدى فعالية القوانين القطرية في مكافحة الجرائم الإلكترونية، وهو: إلى أي مدى يوفر الإطار القانوني القطري حماية قانونية متكاملة ضد الجرائم الإلكترونية، وما هي أبرز التحديات التي تواجه تطبيقه؟

أهداف الدراسة

تهدف الدراسة إلى تحقيق الأهداف التالية:
  1. التعريف بالجرائم الإلكترونية وخصائصها.
  2. استعراض الإطار القانوني للجرائم الإلكترونية في قطر.
  3. تحليل أنواع الجرائم الإلكترونية المشمولة بالقانون القطري.
  4. بيان العقوبات المقررة لهذه الجرائم وفقًا للتشريعات القطرية.
  5. اقتراح حلول لتطوير القوانين بما يحقق فعالية أكبر في مكافحة الجرائم الإلكترونية.

منهجية الدراسة

تعتمد الدراسة على المنهج الوصفي التحليلي لاستعراض وتحليل التشريعات القطرية الخاصة بالجرائم الإلكترونية.

خطة الدراسة

تتكون الدراسة من مبحثين رئيسيين، على النحو التالي:
المبحث الأول: الإطار المفاهيمي للجرائم الإلكترونية في قطر
المطلب الأول: مفهوم الجرائم الإلكترونية وخصائصها
المطلب الثاني: تصنيفات الجرائم الإلكترونية في القانون القطري
المبحث الثاني: الأسس التشريعية لمكافحة الجرائم الإلكترونية في قطر
المطلب الأول: الإطار القانوني لمكافحة الجرائم الإلكترونية في قطر
المطلب الثاني: المسؤولية الجنائية والعقوبات المترتبة على الجرائم الإلكترونية في القانون القطري

المبحث الأول

الإطار المفاهيمي للجرائم الإلكترونية في قطر

شهدت العقود الأخيرة تحولات جذرية في عالم التكنولوجيا، حيث أصبحت الرقمنة جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية، مما أدى إلى تسهيل العديد من العمليات في مختلف المجالات، كالتواصل، والتجارة، والتعليم، والإدارة. ومع هذا التطور الكبير، ظهرت تحديات جديدة تمثلت في الجرائم الإلكترونية، التي تُعد من أبرز التهديدات التي تواجه الأفراد والمؤسسات وحتى الدول في العصر الحديث. تتميز هذه الجرائم بكونها غير تقليدية، إذ تُرتكب عبر الوسائل الرقمية، مما يجعلها أكثر تعقيدًا من حيث الكشف عنها وملاحقة مرتكبيها مقارنة بالجرائم التقليدية. 
في هذا السياق، أدركت دولة قطر أهمية مواجهة هذه التحديات، حيث عملت على تطوير إطار قانوني متكامل لمكافحة الجرائم الإلكترونية، يتوافق مع المعايير الدولية ويستجيب للتهديدات المتزايدة في الفضاء السيبراني. ويأتي قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية رقم 14 لسنة 2014 كأحد أبرز التشريعات التي تعكس جهود الدولة في هذا المجال، حيث يهدف إلى تحديد الأفعال التي تشكل جرائم إلكترونية ووضع العقوبات المناسبة لها. 
يهدف هذا المبحث إلى تقديم إطار عام لفهم الجرائم الإلكترونية في قطر، من خلال تناول مفهومها وخصائصها في المطلب الأول، ثم استعراض تصنيفاتها في المطلب الثاني.

المطلب الأول

 مفهوم الجرائم الإلكترونية وخصائصها

شهد العالم في العقود الأخيرة تحولًا رقميًا هائلًا شمل جميع القطاعات، مما أدى إلى ظهور فضاء إلكتروني جديد سهل عمليات الاتصال والتبادل التجاري والأنشطة الاقتصادية. غير أن هذا الفضاء أوجد نوعًا جديدًا من الجرائم لم تكن معروفة بالسابق، وهي الجرائم الإلكترونية، التي استفادت من الطبيعة الرقمية للبيئة الحديثة لتنفيذ أنشطة غير مشروعة قد تتعدى الحدود الجغرافية التقليدية.
في هذا الإطار، برزت الحاجة إلى دراسة الجرائم الإلكترونية بوصفها ظاهرة قانونية معقدة تتطلب معالجات تشريعية متخصصة. لذلك، يهدف هذا المطلب إلى تقديم تعريف دقيق للجرائم الإلكترونية، وتحليل خصائصها التي تميزها عن الجرائم التقليدية، وذلك من خلال تناولها من منظور قانوني مقارن، بما يتيح فهمًا أشمل لهذه الظاهرة وآليات مكافحتها.
أولًا: تعريف الجرائم الإلكترونية
يتباين تعريف الجرائم الإلكترونية وفقًا للمنظور القانوني والتقني، وذلك بسبب طبيعتها الديناميكية المتطورة باستمرار. ومع ذلك، فإن معظم التعريفات تلتقي في أن هذه الجرائم تتم باستخدام الوسائل الرقمية وتستهدف البيانات أو الأنظمة المعلوماتية أو الأفراد عبر الفضاء الإلكتروني.
1. التعريف القانوني للجرائم الإلكترونية
من الناحية القانونية، تعرف الجرائم الإلكترونية بأنها "كل فعل غير مشروع يتم عبر استخدام الوسائل التكنولوجية الحديثة، ويستهدف الأفراد أو المؤسسات أو الدول، سواء من خلال الاعتداء على البيانات أو انتهاك الخصوصية أو الاحتيال الإلكتروني أو التخريب السيبراني"[[1]] .
وفي السياق القطري، حدد القانون رقم 14 لسنة 2014 بشأن مكافحة الجرائم الإلكترونية إطارًا قانونيًا لهذه الجرائم، حيث نص على أنها تشمل أي استخدام غير قانوني للوسائل التقنية بهدف الإضرار بالأشخاص أو المؤسسات أو المساس بالأمن القومي. وتعد هذه التعريفات ضرورية لتمييز الجرائم الإلكترونية عن الأفعال المشروعة التي تتم عبر الفضاء الرقمي.
2. التعريف التقني للجرائم الإلكترونية
من الناحية التقنية، تعرف الجرائم الإلكترونية بأنها "أي نشاط إجرامي يتم باستخدام أجهزة الحاسوب أو الشبكات أو أي تكنولوجيا رقمية أخرى، ويهدف إلى تعطيل الأنظمة، أو سرقة المعلومات، أو انتهاك الخصوصية، أو إلحاق ضرر بالمستخدمين"[[2]]
ويعد هذا التعريف أكثر شمولًا من الناحية التقنية، إذ يركز على أدوات ارتكاب الجريمة وآليات تنفيذها، مما يسهم في تحديد نطاق الحماية القانونية المطلوبة لمواجهة هذه الجرائم.
ثانيًا: خصائص الجرائم الإلكترونية
تتميز الجرائم الإلكترونية بعدة خصائص تجعلها مختلفة عن الجرائم التقليدية من حيث طبيعتها ووسائل ارتكابها وتأثيرها، وهو ما يستدعي تنظيمًا قانونيًا خاصًا لمواجهتها. وفيما يلي أبرز هذه الخصائص:
  1. الطابع غير الملموس للجريمة الإلكترونية
من أبرز سمات الجرائم الإلكترونية أنها ترتكب في فضاء رقمي غير ملموس، مما يجعل اكتشافها أكثر تعقيدًا مقارنة بالجرائم التقليدية. فالجرائم التقليدية غالبًا ما تترك آثارًا مادية تسهل عمليات التحقيق، بينما تعتمد الجرائم الإلكترونية على برمجيات وأكواد يمكن محوها أو إخفاؤها بسرعة، مما يصعّب عملية جمع الأدلة الرقمية وإثبات الجريمة[[3]]
  1. الطابع العابر للحدود
تختلف الجرائم الإلكترونية عن الجرائم التقليدية في أنها قد تُرتكب عبر حدود الدول، حيث يمكن لمجرم إلكتروني في دولة معينة تنفيذ هجوم سيبراني يستهدف مؤسسة أو أفرادًا في دولة أخرى دون الحاجة إلى التواجد الفعلي فيها. وهذا ما يطرح تحديات قانونية تتعلق بالاختصاص القضائي وآليات التعاون الدولي في مكافحة هذه الجرائم
  1. صعوبة تحديد الجاني
نظرًا للطبيعة الرقمية للجريمة الإلكترونية، يصعب تحديد مرتكبها الحقيقي، حيث يمكن للفاعل إخفاء هويته باستخدام أدوات مثل الشبكات الخاصة الافتراضية (VPN) وتطبيقات التشفير وتقنيات التمويه الإلكتروني. كما أن بعض الجرائم الإلكترونية تُرتكب عن طريق برامج خبيثة يتم زرعها في أجهزة الآخرين، مما يجعلهم يظهرون وكأنهم الجناة[[4]]
  1. القدرة على إحداث أضرار واسعة النطاق
تتميز الجرائم الإلكترونية بقدرتها على إحداث أضرار جسيمة خلال فترة وجيزة، سواء من خلال سرقة البيانات الحساسة أو تعطيل الأنظمة المالية أو شل البنية التحتية الرقمية لمؤسسات كبرى. فعلى سبيل المثال، قد يؤدي هجوم إلكتروني واسع على بنك إلى تعطيل الخدمات المالية لآلاف العملاء خلال دقائق معدودة .
  1. انخفاض تكلفة الجريمة مقارنة بعوائدها
بالمقارنة مع الجرائم التقليدية التي تتطلب وسائل مادية مكلفة مثل الأسلحة أو التخطيط اللوجستي، فإن الجرائم الإلكترونية لا تحتاج إلى تكاليف مرتفعة، حيث يمكن تنفيذها باستخدام برمجيات متاحة على الإنترنت وأجهزة حاسوب شخصية. ومع ذلك، فإن العائدات الناتجة عنها قد تكون ضخمة، خاصة في جرائم مثل الاحتيال المالي والقرصنة الإلكترونية.
6. سرعة التنفيذ وصعوبة التتبع
يمكن تنفيذ الجرائم الإلكترونية خلال ثوانٍ أو دقائق، مما يقلل فرص اكتشافها في الوقت الفعلي. على سبيل المثال، يمكن لمجرم إلكتروني تحويل مبالغ مالية ضخمة من حسابات ضحاياه عبر الإنترنت قبل أن يتمكن البنك من رصد العملية وإيقافها .
ثالثًا: العلاقة بين الجرائم الإلكترونية والجرائم التقليدية
على الرغم من أن الجرائم الإلكترونية تعد نوعًا حديثًا من الجرائم، إلا أن هناك تداخلًا بينها وبين الجرائم التقليدية، حيث يمكن تنفيذ جرائم مثل الابتزاز أو الاحتيال أو التشهير عبر الوسائل الإلكترونية. ولذلك، فإن التصدي للجرائم الإلكترونية لا يتطلب فقط تشريعات حديثة، بل يستدعي أيضًا تكييف القوانين الجنائية التقليدية بما يتلاءم مع البيئة الرقمية[[5]] .
يتضح من التحليل السابق أن الجرائم الإلكترونية تمثل تحديًا قانونيًا وتقنيًا كبيرًا، نظرًا لطبيعتها غير الملموسة، وحدودها العابرة للدول، وصعوبة تحديد مرتكبيها. ولذا، فإن مواجهتها تتطلب تطوير منظومة قانونية متكاملة تشمل تعريفًا دقيقًا لهذه الجرائم، ووضع آليات واضحة لملاحقتها، مع تعزيز التعاون الدولي لمكافحة الجريمة السيبرانية.

المطلب الثاني

 تصنيفات الجرائم الإلكترونية في القانون القطري

تمثل الجرائم الإلكترونية تحديًا قانونيًا ومجتمعيًا متزايدًا نتيجة التطور السريع في التكنولوجيا والاعتماد المتزايد على الإنترنت في مختلف مجالات الحياة. ولتنظيم التعامل مع هذه الجرائم، يعتمد القانون القطري على تصنيفات محددة تساعد في تحديد طبيعة الجريمة ومدى خطورتها، مما يسهل التعامل معها قانونيًا وأمنيًا. وتنقسم الجرائم الإلكترونية وفقًا للقانون القطري إلى عدة تصنيفات رئيسية، يمكن عرضها على النحو التالي:
أولًا: جرائم الاعتداء على الأنظمة والمعلومات الإلكترونية
تشمل هذه الفئة الجرائم التي تستهدف الأنظمة المعلوماتية، سواء من خلال اختراقها أو تعطيلها أو التلاعب بالبيانات المخزنة فيها. ويعد هذا النوع من الجرائم من أخطر أشكال الجريمة الإلكترونية نظرًا لتأثيره على البنية التحتية الرقمية للمؤسسات والأفراد. من أبرز صور هذه الجرائم:
  • الاختراق غير المشروع، الذي يشمل الدخول إلى الأنظمة أو الشبكات الإلكترونية بطرق غير قانونية.
  • إتلاف أو تغيير البيانات الرقمية، سواء بالحذف أو التعديل دون إذن من المالك.
  • التنصت أو التجسس على البيانات والمراسلات الإلكترونية بهدف الحصول على معلومات سرية.
ثانيًا: جرائم المحتوى غير القانوني
تشمل الجرائم التي تتعلق بنشر أو تداول محتويات رقمية غير مشروعة عبر الإنترنت، مما يؤثر سلبًا على المجتمع والأفراد. ويعتبر هذا التصنيف واسعًا، حيث يضم مجموعة متنوعة من الأفعال المحظورة، تشمل هذه الجرائم:
  • نشر الأخبار الكاذبة والشائعات التي تهدف إلى التضليل أو التأثير على الرأي العام.
  • الترويج للأفكار المتطرفة أو التحريض على العنف والإرهاب عبر المواقع الإلكترونية أو وسائل التواصل الاجتماعي.
  • نشر المحتوى غير الأخلاقي أو المسيء للقيم الاجتماعية، مثل المواد الإباحية أو المحتويات التي تسيء إلى الأديان والثقافات[[6]].
ثالثًا: جرائم الاحتيال والتزوير الإلكتروني
تشمل هذه الجرائم الأفعال التي تهدف إلى تحقيق مكاسب مالية أو مادية غير مشروعة عبر الوسائل الرقمية، سواء من خلال التحايل على الأنظمة أو انتحال الشخصيات أو تزوير البيانات الإلكترونية. تشمل هذه الفئة:
  • الاحتيال المالي عبر الإنترنت، مثل سرقة بيانات البطاقات الائتمانية أو الاحتيال عبر المتاجر الإلكترونية.
  • تزوير المستندات والوثائق الإلكترونية، مثل التلاعب في العقود الرقمية أو الشهادات الرسمية.
  • انتحال الهوية الإلكترونية لاستخدامها في أعمال غير مشروعة أو للإيقاع بالضحايا[[7]] .
رابعًا: جرائم انتهاك الخصوصية والبيانات الشخصية
يعد هذا النوع من الجرائم من أخطر التحديات التي تواجه الأفراد في العصر الرقمي، حيث يتمثل في انتهاك سرية المعلومات الشخصية أو استخدامها بطرق غير مشروعة دون إذن أصحابها. تشمل هذه الجرائم:
  • جمع أو تخزين البيانات الشخصية دون موافقة أصحابها، سواء لأغراض تسويقية أو لأغراض أخرى غير قانونية.
  • الاستيلاء على الحسابات الشخصية والبيانات المصرفية عبر وسائل القرصنة الإلكترونية.
  • نشر أو تسريب معلومات خاصة بأشخاص أو مؤسسات دون إذن، مما قد يؤدي إلى الإضرار بهم اجتماعيًا أو مهنيًا.
خامسًا: الجرائم المرتبطة بالابتزاز والتهديد الإلكتروني
تشمل هذه الفئة الجرائم التي يتم فيها استخدام الوسائل الإلكترونية لتهديد الأفراد أو ابتزازهم بغرض تحقيق مكاسب غير مشروعة، سواء مالية أو شخصية. تتضمن هذه الجرائم:
  • الابتزاز الإلكتروني، حيث يتم تهديد الضحية بنشر معلومات حساسة ما لم يتم الامتثال لمطالب الجاني.
  • التهديد عبر وسائل التواصل الاجتماعي، باستخدام الرسائل أو الصور أو المقاطع الصوتية لإرهاب الضحية.
  • التشهير الإلكتروني، الذي يستهدف الإساءة إلى سمعة الأفراد أو المؤسسات من خلال نشر معلومات مغلوطة أو محرجة[[8]] .
سادسًا: الجرائم الإلكترونية الماسة بالأمن العام
تشمل هذه الجرائم الأفعال التي تمس استقرار المجتمع وأمنه من خلال استغلال الوسائل الرقمية لتنفيذ أعمال تهدف إلى زعزعة النظام العام أو الإضرار بالمصالح الوطنية. تشمل هذه الجرائم:
  • نشر الدعاية المضللة أو المعلومات الكاذبة التي تهدف إلى إثارة الفوضى أو التأثير على استقرار الدولة.
  • التجسس الإلكتروني لصالح جهات أجنبية من خلال جمع أو تسريب بيانات حساسة.
  • تنظيم أو الترويج لأنشطة غير قانونية عبر الإنترنت، مثل الاتجار بالممنوعات أو الترويج للجماعات الإجرامية.
يتضح مما سبق أن الجرائم الإلكترونية في القانون القطري تتميز بتنوعها واتساع نطاقها، مما يستوجب التعامل معها بحزم وتشديد الرقابة على الأنشطة الإلكترونية التي قد تشكل تهديدًا للأفراد أو المجتمع. وتساعد هذه التصنيفات في فهم طبيعة هذه الجرائم وتحديد الوسائل المناسبة لمكافحتها، مع الأخذ بعين الاعتبار التطورات التقنية المستمرة التي قد تؤدي إلى ظهور أنماط جديدة من الجرائم في المستقبل.

المبحث الثاني

 الأسس التشريعية لمكافحة الجرائم الإلكترونية في قطر

شهدت السنوات الأخيرة تطورًا هائلًا في مجال التكنولوجيا الرقمية، ما أدى إلى ظهور تحديات قانونية جديدة تتعلق بالجرائم الإلكترونية، والتي باتت تشكل تهديدًا متزايدًا للأفراد والمؤسسات والدول. وقد أدركت دولة قطر أهمية وضع إطار قانوني متكامل لمواجهة هذه الجرائم، فعملت على تطوير تشريعات خاصة تهدف إلى حماية الأمن المعلوماتي، وضمان الاستخدام الآمن للتقنيات الحديثة، وردع المخالفين من خلال فرض عقوبات صارمة.
يركز هذا المبحث على دراسة الأسس التشريعية التي اعتمدها المشرّع القطري لمكافحة الجرائم الإلكترونية، وفي هذا السياق، سيتم في المطلب الأول تسليط الضوء على الإطار القانوني الذي وضعه المشرّع القطري لمكافحة الجرائم الإلكترونية. أما المطلب الثاني، فسيتناول المسؤولية الجنائية والعقوبات المترتبة على الجرائم الإلكترونية.

المطلب الأول

 الإطار القانوني لمكافحة الجرائم الإلكترونية في قطر

يعد الإطار القانوني لمكافحة الجرائم الإلكترونية حجر الأساس في بناء منظومة قانونية فعالة تضمن حماية الأفراد والمؤسسات من المخاطر الناجمة عن الاستخدام غير المشروع للتكنولوجيا. وقد أدرك المشرع القطري خطورة الجرائم الإلكترونية وتأثيرها على الأمن العام، والاقتصاد، والخصوصية، مما دفعه إلى سن تشريعات متخصصة تعالج هذه الجرائم وفقًا لأحدث المعايير القانونية. ويأتي على رأس هذه التشريعات قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية رقم (14) لسنة 2014، الذي يُعد الإطار التشريعي الأساسي في هذا المجال، بالإضافة إلى مجموعة من القوانين الأخرى التي تتكامل معه لضمان مواجهة هذه الظاهرة بفعالية.
وفي هذا السياق، يسعى هذا المطلب إلى تحليل الإطار القانوني لمكافحة الجرائم الإلكترونية في قطر، عبر دراسة الأحكام التي تضمنها قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية، وتحديد نطاق تطبيقه، والجهات المسؤولة عن إنفاذه، وذلك بهدف تقييم مدى شمولية المنظومة القانونية القطرية في التصدي لهذا النوع من الجرائم.
أولًا: الأساس القانوني لمكافحة الجرائم الإلكترونية في قطر
يستند النظام القانوني لمكافحة الجرائم الإلكترونية في قطر إلى قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية رقم (14) لسنة 2014، الذي يمثل التشريع الأساسي المنظم لهذا المجال. وقد جاء هذا القانون استجابةً للتطورات التكنولوجية المتسارعة، وما نتج عنها من تهديدات تستهدف الأفراد والمؤسسات والدولة.
يتضمن هذا القانون مجموعة من الأحكام التي تهدف إلى تجريم الأفعال غير المشروعة في الفضاء الإلكتروني، ووضع عقوبات رادعة لمختلف الجرائم الإلكترونية، مع مراعاة التوازن بين حماية الحقوق الرقمية وضمان الحريات الفردية. كما أنه يتكامل مع القوانين الأخرى ذات الصلة، مثل قانون المعاملات والتجارة الإلكترونية رقم (16) لسنة 2010، وقانون حماية البيانات الشخصية رقم (13) لسنة 2016، حيث تشكل هذه التشريعات معًا منظومة قانونية متكاملة لمكافحة الجرائم الإلكترونية[[9]] .
ثانيًا: نطاق تطبيق قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية
حدد المشرع القطري نطاق تطبيق قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية رقم (14) لسنة 2014) من خلال تحديد الأفعال المجرّمة والمجالات التي يغطيها القانون. ويمكن تقسيم نطاق تطبيقه إلى ثلاثة أبعاد رئيسية:
  1. النطاق الموضوعي
يشمل القانون مجموعة واسعة من الجرائم الإلكترونية، التي تتنوع بين الجرائم التي تستهدف الأنظمة المعلوماتية، والجرائم التي تنطوي على انتهاك الخصوصية، وجرائم الاحتيال الإلكتروني، وجرائم نشر المحتوى غير القانوني. وقد راعى المشرع القطري في تجريمه لهذه الأفعال المعايير الدولية المتبعة في مكافحة الجرائم السيبرانية، لضمان توافق التشريعات المحلية مع الاتفاقيات والمواثيق الدولية ذات الصلة.
  1. النطاق المكاني
يطبق القانون داخل إقليم الدولة، لكنه يمتد أيضًا ليشمل الجرائم التي تُرتكب خارج قطر، إذا كان لها تأثير مباشر على الأمن الوطني أو المصالح الاقتصادية للدولة أو الأفراد القطريين. وهذا يعكس حرص المشرع على تبني مبدأ الولاية القضائية الموسعة لمواجهة الجرائم الإلكترونية العابرة للحدود، والتي تُعد من أبرز التحديات القانونية في العصر الرقمي.
  1. النطاق الشخصي
يشمل القانون جميع الأفراد والكيانات القانونية داخل الدولة، سواء كانوا مواطنين أو مقيمين أو شركات تعمل في قطر. كما يمتد ليشمل أي شخص خارج الدولة إذا ارتكب جريمة إلكترونية تستهدف أنظمة أو أفرادًا داخل قطر، مما يعزز من قدرة السلطات القطرية على ملاحقة مرتكبي الجرائم الإلكترونية حتى في حال تواجدهم خارج الإقليم الوطني[[10]] .
ثالثًا: الجهات المسؤولة عن إنفاذ قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية
يتطلب نجاح تطبيق قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية وجود منظومة متكاملة من الجهات المختصة التي تعمل على إنفاذ القانون، وملاحقة الجناة، وتقديمهم للعدالة. وفي قطر، تتولى عدة جهات رسمية مسؤولية تنفيذ هذا القانون، من أبرزها:
  1. وزارة الداخلية – إدارة الجرائم الإلكترونية
تُعد إدارة الجرائم الإلكترونية التابعة لوزارة الداخلية الجهة الرئيسية المسؤولة عن مكافحة الجرائم الإلكترونية، حيث تتولى التحقيق في القضايا المتعلقة بالفضاء الرقمي، وجمع الأدلة الإلكترونية، والتنسيق مع الجهات القضائية لضبط المتهمين وإحالتهم للمحاكمة. كما تعمل على تعزيز الوعي المجتمعي بمخاطر الجرائم الإلكترونية، وتقديم الإرشادات لحماية الأفراد من الوقوع ضحايا لهذه الجرائم.
  1. النيابة العامة والمحاكم المختصة
تتولى النيابة العامة التحقيق في القضايا المتعلقة بالجرائم الإلكترونية، وإحالة المتهمين إلى المحاكم المختصة للنظر في الدعاوى المرفوعة ضدهم. كما تتولى المحاكم مسؤولية إصدار الأحكام القضائية وفقًا للنصوص القانونية الواردة في قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية، مع مراعاة الأدلة الرقمية المقدمة في كل قضية.
  1. هيئة تنظيم الاتصالات
تلعب هيئة تنظيم الاتصالات دورًا مهمًا في الإشراف على مزودي خدمات الإنترنت، والتأكد من امتثالهم للأنظمة والقوانين المتعلقة بالأمن السيبراني. كما تساهم في وضع سياسات لحماية البنية التحتية الرقمية في الدولة، وضمان توفير بيئة إلكترونية آمنة للمستخدمين.
رابعًا: التحديات التي تواجه تطبيق الإطار القانوني لمكافحة الجرائم الإلكترونية
على الرغم من أن قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية في قطر يمثل خطوة متقدمة في التصدي لهذه الظاهرة، إلا أن هناك عددًا من التحديات التي تواجه تطبيقه بفعالية، ومن أبرزها:
  1. الطبيعة المتغيرة للجرائم الإلكترونية
تتطور أساليب ارتكاب الجرائم الإلكترونية بسرعة تفوق قدرة القوانين على مواكبتها، مما يستلزم تحديث مستمر للتشريعات الوطنية، واعتماد نهج قانوني مرن يمكنه التكيف مع التطورات التكنولوجية.
  1. التحديات المرتبطة بالأدلة الرقمية
تعد الأدلة الرقمية من أهم عناصر الإثبات في الجرائم الإلكترونية، إلا أن التعامل معها يواجه تحديات تقنية وقانونية، تتعلق بطرق جمعها وتحليلها وحفظها لضمان عدم التلاعب بها أو فقدانها أثناء التحقيقات[[11]] .
  1. التعاون الدولي في مكافحة الجرائم السيبرانية
نظرًا لأن الجرائم الإلكترونية غالبًا ما تتجاوز الحدود الوطنية، فإن التعاون الدولي يصبح ضروريًا لتعقب المجرمين وتقديمهم للعدالة. وعلى الرغم من انضمام قطر إلى عدد من الاتفاقيات الدولية ذات الصلة، إلا أن التنسيق مع الدول الأخرى يظل تحديًا، خاصة في ظل الاختلافات القانونية بين الأنظمة القضائية للدول المختلفة[[12]] .
يتضح مما سبق أن الإطار القانوني لمكافحة الجرائم الإلكترونية في قطر يعتمد على قانون متكامل يواكب التطورات الرقمية، ويضع قواعد صارمة لمواجهة الجرائم السيبرانية. كما أن نطاق تطبيق هذا القانون يمتد ليشمل مختلف أنواع الجرائم الإلكترونية، سواء ارتُكبت داخل الدولة أو استهدفت مصالحها من الخارج. ومع ذلك، فإن التطبيق الفعلي لهذا القانون يواجه تحديات تتطلب تعزيز القدرات التقنية والقانونية للجهات المختصة، وتكثيف التعاون الدولي لضمان مواجهة فعالة للجرائم الإلكترونية في العصر الرقمي.
وفي المطلب التالي، سيتم تحليل العقوبات المقررة للجرائم الإلكترونية في قطر، ومدى كفاءتها في تحقيق الردع وحماية المجتمع من المخاطر الرقمية المتزايدة.

المطلب الثاني

 المسؤولية الجنائية والعقوبات المترتبة على الجرائم الإلكترونية في القانون القطري

يُعتبر التعدي على أنظمة وبرامج وشبكات المعلومات والمواقع الإلكترونية من الجرائم المستحدثة التي نشأت مع التطور التكنولوجي واستخدام الإنترنت في مختلف مجالات الحياة، ولما كانت هذه الجرائم تمثل تهديدًا خطيرًا لأمن المعلومات والبيانات الإلكترونية، فقد حرص المشرّع القطري على تجريمها وتحديد العقوبات المناسبة لها من خلال قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية، حيث وضع مجموعة من الأحكام التي تهدف إلى حماية أنظمة المعلومات من الاختراق، والتعدي غير المشروع، وسرقة البيانات، وإلحاق الضرر بالمواقع الإلكترونية.
أولًا: نطاق المسؤولية الجنائية عن الدخول غير المشروع إلى الأنظمة الإلكترونية
تؤكد المادة (2) من قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية أن أي شخص يدخل بغير وجه حق إلى موقع إلكتروني أو نظام معلوماتي تابع لأحد أجهزة الدولة أو مؤسساتها أو هيئاتها أو الجهات أو الشركات التابعة لها، يُعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز ثلاث سنوات، وبغرامة لا تزيد على خمسمائة ألف ريال. وتشدد العقوبة في حالة تمكن الجاني من الحصول على بيانات أو معلومات إلكترونية تمس الأمن الداخلي أو الخارجي للدولة أو الاقتصاد الوطني، أو في حال إلحاق الضرر بالبيانات والمستخدمين أو الحصول على أموال أو خدمات غير مستحقة[[13]].
كما تطرقت المادة (3) إلى المسؤولية الجنائية عن الدخول العمدي إلى المواقع أو الأنظمة المعلوماتية بغير وجه حق، مشيرة إلى أن مجرد التواجد غير المصرح به داخل هذه الأنظمة يشكل جريمة، حتى وإن لم يقم الجاني بسرقة أو حذف البيانات. وتتضاعف العقوبة إذا ترتب على هذا الدخول إتلاف أو تعديل أو إفشاء بيانات إلكترونية أو تغيير محتوى المواقع الإلكترونية أو تعطيلها أو انتحال شخصية مالكها.
ثانيًا: اعتراض البيانات والتنصت الإلكتروني كجريمة يعاقب عليها القانون
حرص المشرّع القطري على تجريم أي فعل من شأنه انتهاك سرية المراسلات الإلكترونية أو اعتراض البيانات المنقولة عبر الشبكة المعلوماتية، حيث نصت المادة (4) من القانون على معاقبة كل من يقوم بالتقاط أو اعتراض أو التنصت على أي بيانات مرسلة عبر الشبكة المعلوماتية دون وجه حق، وذلك بعقوبة الحبس لمدة لا تتجاوز سنتين، وبغرامة لا تزيد على مائة ألف ريال. ويهدف هذا النص إلى حماية خصوصية الأفراد وضمان عدم التعدي على بياناتهم الشخصية.
ثالثًا: العقوبات المقررة على التعدي على المواقع الإلكترونية ونشر الأخبار الكاذبة
لم يقتصر المشرّع القطري على تجريم الدخول غير المشروع أو التنصت على البيانات، بل توسع ليشمل الجرائم المرتبطة بالمحتوى الإلكتروني غير القانوني، كما ورد في المادتين (5) و(6)، حيث يعاقب القانون بالسجن مدة تصل إلى ثلاث سنوات وبغرامة تصل إلى خمسمائة ألف ريال لكل من أنشأ أو أدار موقعًا إلكترونيًا لجماعة إرهابية، أو سهّل الاتصال بها، أو روّج لأفكارها، أو نشر تعليمات عن كيفية تصنيع الأجهزة المتفجرة.
كذلك، شدد المشرّع العقوبة على كل من يستخدم المواقع الإلكترونية أو وسائل تقنية المعلومات لنشر أخبار كاذبة بقصد الإضرار بأمن الدولة أو نظامها العام، حيث يعاقب بالسجن لمدة تصل إلى ثلاث سنوات، وتصل العقوبة إلى سنة واحدة لكل من قام بالترويج أو النشر لهذه الأخبار بوسائل مختلفة.
رابعًا: المسؤولية الجنائية عن نشر المحتوى غير الأخلاقي والتعدي على الخصوصية
تشمل الجرائم الإلكترونية أيضًا نشر المحتوى غير الأخلاقي أو التعدي على حرمة الحياة الخاصة للأفراد عبر الإنترنت. فقد نصت المادة (7) على تجريم إنتاج أو توزيع المواد الإباحية المتعلقة بالأطفال باستخدام وسائل تقنية المعلومات، مع فرض عقوبة السجن حتى خمس سنوات وغرامة تصل إلى خمسمائة ألف ريال، مع التأكيد على أن رضا الطفل في هذه الجرائم لا يُعتد به قانونيًا.
كذلك، عاقبت المادة (8) كل من نشر أخبارًا أو صورًا أو تسجيلات تتصل بحرمة الحياة الخاصة أو العائلية للأشخاص، حتى وإن كانت هذه المعلومات صحيحة، وذلك بالحبس لمدة تصل إلى ثلاث سنوات وغرامة لا تزيد على مائة ألف ريال، وهو ما يعكس حرص المشرّع على حماية الحياة الخاصة للأفراد من الانتهاكات الإلكترونية.
خامسًا: جريمة التهديد والابتزاز الإلكتروني
تُعد جريمة التهديد والابتزاز باستخدام الشبكة المعلوماتية أو وسائل تقنية المعلومات من أخطر الجرائم الإلكترونية التي تستهدف الأفراد بغرض الضغط عليهم لتنفيذ أفعال معينة. وبناءً على المادة (9)، يُعاقب الجاني بالحبس لمدة تصل إلى ثلاث سنوات، وبغرامة لا تزيد على مائة ألف ريال، إذا استخدم الوسائل الإلكترونية لتهديد شخص أو ابتزازه لحمله على القيام بفعل أو الامتناع عنه[[14]] .
سادسًا: التزوير والاحتيال الإلكتروني كجرائم ماسة بالثقة الرقمية
لم تغفل التشريعات القطرية معالجة جرائم التزوير والاحتيال الإلكتروني، حيث تناولت المادة (10) تجريم تزوير المحررات الإلكترونية الرسمية، مقررة عقوبة تصل إلى عشر سنوات وغرامة مائتي ألف ريال. أما في حال كان التزوير يخص محررًا إلكترونيًا غير رسمي، فتكون العقوبة الحبس حتى ثلاث سنوات، وغرامة لا تتجاوز مائة ألف ريال.
كما تناولت المادة (11) الاحتيال الإلكتروني وانتحال الهوية عبر الإنترنت، موضحة أن كل من يستولي على أموال أو بيانات عن طريق الخداع باستخدام الشبكة المعلوماتية أو ينتحل هوية شخص آخر يُعاقب بالسجن حتى ثلاث سنوات وبغرامة تصل إلى مائة ألف ريال.
سابعًا: العقوبات المقررة على التعدي على حقوق الملكية الفكرية
في إطار حماية الحقوق الفكرية في البيئة الرقمية، نصت المادة (13) على معاقبة كل من يستخدم وسائل تقنية المعلومات للتعدي على حقوق المؤلف والحقوق المجاورة، أو براءات الاختراع، والعلامات التجارية، والأسرار التجارية، وغيرها من الحقوق المحمية قانونًا، بالحبس لمدة تصل إلى ثلاث سنوات، وبغرامة لا تزيد على خمسمائة ألف ريال.

الخاتمة

تناولت هذه الدراسة جرائم التعدي على أنظمة وبرامج وشبكات المعلومات والمواقع الإلكترونية في ضوء قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية القطري، وذلك من خلال تحليل النصوص القانونية ذات الصلة، وبيان مدى ملاءمتها لمواجهة التحديات الرقمية المعاصرة. وقد تم تسليط الضوء على الجرائم المتعلقة بالاختراق غير المشروع، وسرقة البيانات، والتزوير الإلكتروني، والاحتيال، بالإضافة إلى الجرائم المرتبطة بالمحتوى، مثل نشر الأخبار الكاذبة، وانتهاك الخصوصية، والابتزاز الإلكتروني. كما ناقشت الدراسة التعدي على حقوق الملكية الفكرية عبر الوسائل الرقمية، موضحةً العقوبات التي فرضها المشرع القطري لمواجهة هذه الأفعال الإجرامية.
ومن خلال التحليل القانوني، اتضح أن القانون القطري يسعى إلى توفير حماية شاملة للفضاء الإلكتروني، إلا أن التطور السريع للتكنولوجيا يفرض تحديات مستمرة تتطلب مراجعة دورية للتشريعات لضمان فاعليتها في الحد من الجرائم الإلكترونية.

نتائج الدراسة

  1. شمولية القانون: أثبت قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية القطري شمولية في تغطيته لمختلف الجرائم الرقمية، بدءًا من الاختراق غير المشروع وصولًا إلى التعدي على الملكية الفكرية.
  2. تصاعد العقوبات وفقًا لخطورة الجريمة: يعتمد المشرع القطري على مبدأ تصاعد العقوبة في حال تفاقم الجريمة أو تسببها في أضرار جسيمة، مما يعزز من أثر الردع العام والخاص.
  3. تركيز القانون على الجرائم ذات البعد الأمني: أعطى القانون اهتمامًا خاصًا بالجرائم التي تمس الأمن الداخلي والخارجي للدولة، وفرض عقوبات مشددة عليها، خاصة فيما يتعلق بالحصول على بيانات حساسة أو نشر أخبار مضللة.
  4. معالجة قضايا الاحتيال والتزوير الإلكتروني: عالج القانون بشكل دقيق حالات الاحتيال عبر الإنترنت والتزوير الإلكتروني، مما يعكس استجابة المشرع للتهديدات المتزايدة في مجال التعاملات الرقمية
  5. حماية القيم الاجتماعية والأخلاقية: شملت نصوص القانون عقوبات على الأفعال التي تمس القيم الأخلاقية والاجتماعية، مثل نشر المواد الإباحية أو التشهير أو انتهاك الخصوصية.
  6. أهمية المراجعة الدورية للقانون: على الرغم من شمولية القانون، إلا أن التطور السريع في التقنيات الرقمية يتطلب تحديثًا مستمرًا للنصوص التشريعية لضمان مواكبتها للمستجدات.

توصيات الدراسة

  1. تعزيز التعاون الدولي في مكافحة الجرائم الإلكترونية: نظرًا للطابع العابر للحدود للجرائم الرقمية، من الضروري تعزيز التعاون بين قطر والدول الأخرى في مجال تبادل المعلومات وتنسيق الجهود لمكافحة الجرائم الإلكترونية.
  2. تحديث التشريعات بشكل دوري: ينبغي مراجعة القانون بشكل دوري لمواكبة التطورات التكنولوجية المستمرة وضمان فاعلية النصوص القانونية في التصدي للمستجدات الرقمية.
  3. توعية المجتمع بمخاطر الجرائم الإلكترونية: يوصى بإطلاق حملات توعوية لتعريف الأفراد بمخاطر الجرائم الإلكترونية، وسبل الوقاية منها، وحقوقهم القانونية في حال التعرض لمثل هذه الجرائم.
  4. تعزيز القدرات التقنية للجهات المختصة: يجب توفير برامج تدريب متقدمة لجهات إنفاذ القانون والقضاء لمساعدتهم في التعامل بفعالية مع القضايا المتعلقة بالجرائم الإلكترونية.
  5. دعم البحث العلمي في مجال الأمن السيبراني: يوصى بتشجيع الأبحاث العلمية المتخصصة في مجال الأمن السيبراني والجرائم الإلكترونية، لضمان تطوير استراتيجيات فعالة لحماية الفضاء الرقمي.
  6. تشديد العقوبات على الجهات التي تسهل الجرائم الإلكترونية: ينبغي تعزيز الرقابة القانونية على الجهات التي قد تساهم بشكل غير مباشر في تسهيل الجرائم الإلكترونية، مثل منصات التواصل الاجتماعي وشركات تكنولوجيا المعلومات.
بهذا تكون الدراسة قد سلطت الضوء على أحد أكثر المجالات القانونية تعقيدًا وأهمية في العصر الرقمي، مؤكدةً ضرورة تعزيز الإطار التشريعي لحماية الأفراد والمؤسسات من المخاطر المتزايدة في الفضاء الإلكتروني.

المراجع

الكتب
  1. احليحل، كريم. "الجريمة السيبرانية والجهود الدولية في مواجهتها." المجلة الإلكترونية الدولية لنشر الأبحاث القانونية مج1, ع3 ، المغرب ، 2023.
  2. حيمي، سيدي محمد. "معوقات التحقيق الجنائي في الجرائم الإلكترونية." المجلة الأكاديمية للبحوث القانونية والسياسية مج6, ع1 ، الجزائر ، 2022.
  3. دراجي، شهرزاد، و جديدي ضياء الدين رمضان. "تهديد الجرائم الإلكترونية عبر الحدود: التحديات والاستراتيجيات الدولية لمواجهتها." المجلة الأكاديمية للبحوث القانونية والسياسية مج7, ع2 ، الجزائر ، 2023.
  4. ليمان، الطيب، عبدالرؤوف مجول، و السعيد خويلدي. "القصد الجنائي في الجرائم الإلكترونية" رسالة ماجستير. جامعة قاصدي مرباح – ورقلة، ورقلة، 2018.
  5. محمد، عمار على. "التصدي الجنائي للإرهاب الإلكتروني: دراسة مقارنة." مجلة دراسات إقليمية مج17, ع58 ، العراق ، 2023.
  6. سعيد، أحمد المرضي، و محمد النذير الزين عبدالله محمد. "مكافحة الجرائم الإلكترونية وعقوباتها: دراسة فقهية مقارنة بأحكام القانون الجنائي الإماراتي والمصري." مجلة جامعة الوصل ع62 ، الامارات، 2021، ص ٣٧٨ – 401.
  7. عبدالحميد، زهراء عادل، و عماد محمد أحمد ربيع. "جريمة الابتزاز الإلكتروني: دراسة مقارنة" رسالة ماجستير. جامعة عمان الأهلية، السلط، 2019.
  8. الفقي، عبد الحلیم فؤاد. "جريمة تزوير التوقيع الالكتروني." مجلة كلية الشريعة والقانون بتفهنا الأشراف ع19, ج6 ، مصر، 2017.
  9. الكساسبة، راشد عمر مثقال. "المسؤولية الجزائية المترتبة في الاعتداء على الأمن السيبراني." مجلة المنارة للدراسات القانونية والإدارية ع58 ، مصر، 2024.
  10. نصار، مصعب تركي إبراهيم. "واقع الحماية الجزائية للأمن السيبراني: دراسة مقارنة الأردن وقطر." المجلة العربية للمعلوماتية وأمن المعلومات ع14 ، مصر، 2024.
  11. المطيري، خالد ظاهر عبدالله جابر السهيل. "دور التشريعات الجزائية في حماية الأمن السيبراني بدول مجلس التعاون الخليجي." مجلة البحوث الفقهية والقانونية ع38, ج1 ، مصر ،2022 .
القوانين
  1. قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية رقم (14) لسنة 2014
  2. قانون المعاملات والتجارة الإلكترونية رقم (16) لسنة 2010.
  3. قانون حماية البيانات الشخصية رقم (13) لسنة 2016

جدول المحتويات

مقدمة. 1
أهمية الدراسة. 2
إشكالية الدراسة. 2
أهداف الدراسة. 2
منهجية الدراسة. 3
خطة الدراسة. 3
المبحث الأول. 3
الإطار المفاهيمي للجرائم الإلكترونية في قطر. 3
المطلب الأول. 4
مفهوم الجرائم الإلكترونية وخصائصها 4
المطلب الثاني. 7
تصنيفات الجرائم الإلكترونية في القانون القطري. 7
المبحث الثاني. 9
الأسس التشريعية لمكافحة الجرائم الإلكترونية في قطر. 9
المطلب الأول. 10
الإطار القانوني لمكافحة الجرائم الإلكترونية في قطر. 10
المطلب الثاني. 13
المسؤولية الجنائية والعقوبات المترتبة على الجرائم الإلكترونية في القانون القطري. 13
الخاتمة. 16
نتائج الدراسة. 16
توصيات الدراسة. 17
المراجع. 17
جدول المحتويات. 19
 
 
 
[[1]] ليمان، الطيب، عبدالرؤوف مجول، و السعيد خويلدي. "القصد الجنائي في الجرائم الإلكترونية" رسالة ماجستير. جامعة قاصدي مرباح – ورقلة، ورقلة، 2018، ص٢٢.
[[2]] سعيد، أحمد المرضي، و محمد النذير الزين عبدالله محمد. "مكافحة الجرائم الإلكترونية وعقوباتها: دراسة فقهية مقارنة بأحكام القانون الجنائي الإماراتي والمصري." مجلة جامعة الوصل ع62 ، الامارات، 2021، ص ٣٧٨
[[3]] سعيد، أحمد المرضي، و محمد النذير الزين عبدالله محمد. "مكافحة الجرائم الإلكترونية وعقوباتها:، مرجع سابق ، ص ٣٨٠
[[4]] ليمان، الطيب، عبدالرؤوف مجول، و السعيد خويلدي. "القصد الجنائي في الجرائم الإلكترونية" ، مرجع سابق ، ص٣٤
[[5]] حيمي، سيدي محمد. "معوقات التحقيق الجنائي في الجرائم الإلكترونية." المجلة الأكاديمية للبحوث القانونية والسياسية مج6, ع1 ، الجزائر ، 2022، ص 1734.
[[6]] محمد، عمار على. "التصدي الجنائي للإرهاب الإلكتروني: دراسة مقارنة." مجلة دراسات إقليمية مج17, ع58 ، العراق ، 2023، ص 19٩
[[7]] الفقي، عبدالحلیم فؤاد. "جريمة تزوير التوقيع الالكترونى." مجلة كلية الشريعة والقانون بتفهنا الأشراف ع19, ج6 ، مصر، 2017، ص 3717.
[[8]] عبدالحميد، زهراء عادل، و عماد محمد أحمد ربيع. "جريمة الابتزاز الإلكتروني: دراسة مقارنة" رسالة ماجستير. جامعة عمان الأهلية، السلط، 2019، ص٢٤
[[9]] المطيري، خالد ظاهر عبدالله جابر السهيل. "دور التشريعات الجزائية في حماية الأمن السيبراني بدول مجلس التعاون الخليجي." مجلة البحوث الفقهية والقانونية ع38, ج1 ، مصر، 2022، ص ١٠١١ .
[[10]] نصار، مصعب تركي إبراهيم. "واقع الحماية الجزائية للأمن السيبراني: دراسة مقارنة الأردن وقطر." المجلة العربية للمعلوماتية وأمن المعلومات ع14 ، مصر، 2024، ص 129
[[11]] حيمي، سيدي محمد. "معوقات التحقيق الجنائي في الجرائم الإلكترونية."  مرجع سابق، ص  ١٧٤٤.
[[12]] احليحل، كريم. "الجريمة السيبرانية والجهود الدولية في مواجهتها." المجلة الإلكترونية الدولية لنشر الأبحاث القانونية مج1, ع3 ، المغرب ، 2023، ص ٣٣ .
[[13]] الكساسبة، راشد عمر مثقال. "المسؤولية الجزائية المترتبة في الاعتداء على الأمن السيبراني." مجلة المنارة للدراسات القانونية والإدارية ع58 ، مصر، 2024، ص ٦٣.
[[14]] دراجي، شهرزاد، و جديدي ضياء الدين رمضان. "تهديد الجرائم الإلكترونية عبر الحدود: التحديات والاستراتيجيات الدولية لمواجهتها." المجلة الأكاديمية للبحوث القانونية والسياسية مج7, ع2 ، الجزائر ، 2023، ص ١٤٢٠ .



الاربعاء 24 ديسمبر 2025
MarocDroit منصة مغرب القانون "الأصلية"

تعليق جديد
Twitter