يتحدّد النّشاط الإداري الذي تقوم به الإدارة العمومية في مجالين اثنين أوّلهما الحفاظ على النّظام العام (Ordre public)، والذّي تمارسه عن طريق الشرطة الإداريّة (Police Administrative)، وثانيهما تلبية الحاجات الأساس للمواطنين والمواطنات، والتي تمارسها عن طريق المرافق العامة (Services publics) وهي في كل هذا وذاك تسعى إلى تحقيق المصلحة العامة، وكما هو معلوم فالمرفق العام يخضع لمبادئ توصف بالأساس، مبادئ يكاد يتفق بشأنها كلّ فقهاء القانون الإداري وتنص عليها مختلف الأنظمة القانونية وتأكدها جلّ الاجتهادات القضائية وهي:
وجدير بالذكر أنّ الإضراب عُرّف بتعاريف عديدة ومتعددة تجمع غالبيتها على أنّه "توقّف عن العمل" وتصفه بكونه "مقصودا" و"مؤقتا" و"جماعيا" و"مدبّراً له مسبقا" و"يهدف إلى تحقيق مطالب مادية أو قانونية"، وقد كان أوّل إضراب في التاريخ في عهد الفراعنة وبالضبط في دير المدينة 1152 قبل الميلاد ضد رمسيس الثالث، أشهر حاكم في الأسرة العشرين،[2] كما أنّ الدستور المكسيكي كان هو أوّل دستور في العالم يضمن الحق القانوني في الإضراب وذلك عام 1917[3] ثم أقرته بعد ذلك دساتير جلّ الدول.
وسنحاول في هذا المقال مقارنة المعاجلة القانونية لحق الإضراب في النظام الأنجلوسكسوني والنظام الماركسي-الليليني كمبحث أول ثم في النظام الفرنكفوني كمبحث ثان وأخير.
وفي هذا الإطار أصبح لكل الأجراء الحق في اللجوء إلى الإضراب شريطة ألاّ يُتعسف في استعماله لاسيما لأسباب غير مهنية، وقد أخذ مجلس الدولة الفرنسي بهذه القاعدة بالنسبة للموظفين العموميين رغم أنّه من الصعوبة بمكان التأكد من الطابع المهني للإضراب، أمّا إذا استهدف الإضراب أغراضا سياسية أو حزبية فإنّه يصبح غير مشروعٍ البتة، وهذا ما استقر عليه مجلس الدولة الفرنسي منذ حكم (Dehaen)، وقد جاءت بعد ذلك مجموعة من الاجتهادات القضائية تؤكد أنّ الإضراب وإن كان معترفا به في فرنسا منذ عام 1946 إلا أنّه يمكن أن ترد عليه قيودا بسبب مقتضيات سير المرافق العامة، ومع كل هذا وذاك تعتبر فرنسا من البلدان التي يُمارس فيها حق الإضراب بصفة واسعة رغم القيود الدستورية والقانونية والإدارية والقضائية التي تحيط مسطرة الترخيص للإضراب عن العمل.
وكخلاصة يمكننا القول إنّ حق الإضراب في الوظيفة العمومية الفرنسية مقيّد بضرورة التوفيق بين مقتضيات الاستمرارية الإدارية والنظام العام من جهة وبالسهر قدر الإمكان على احترام الحريات العامة المعترف بها للموظفين من جهة أخرى، الأمر الذي ينتج عنه حضر الإضراب بالنسبة لفئات معينة من الموظفين إمّا بناء على طبيعة المهام المسندة إليهم أو الرتبة التي يحتلونها في الهرم الإداري أو إلزامية ضمان الحد الأدنى من الخدمة العمومية وتحديد قائمة المناصب التي ينقطع بها العمل وبالتالي أن يمكن لأصحابها ممارسة حق الإضراب، وفى كل الأحوال يرجع إلى القضاء السهر على التوازن الذي ينبغي أن يسود باستمرار بين متطلبات السير العادي للمرافق العمومية وبين احترام حريات وحقوق الأفراد والجماعات.
ورغم عدم صدور القانون التنظيمي الذي يحدد الشروط والإجراءات التّي يجب أن يُمارس فيها الإضراب، يحرص الموظفون بالمغرب على ممارسة هذا الحق في عدة مناسبات للضغط على الحكومة للاستجابة للملفات المطلبية المطروحة من طرف منظماتهم النقابية، كما أنّ النقاش القانوني والفقهي حول هذا الحق يعرف انتعاشا حقيقا عند حدوث إضراب أو اقتطاع الإدارة من أجور الموظفين، وعموماً فإنّ النقاش في هذا الباب يحتدم حول نقطتين اثنتين أولاهما مدى قانونية ممارسة حق الإضراب في ضل غياب قانونه التنظيمي وثانيهما مدى قانونية الاقتطاع من أجور المضربين عن العمل.
وأمام هذا الفراغ القانوني كان لزاماً على القضاء الإداري، استناداً إلى دوره الإنشائي عندما يخلو المجال من النّص، أن يخلق ضوابط كفيلة بتأمين الحق في ممارسة الإضراب مع الأخذ بعين الاعتبار الحفاظ على سير المرافق العامة بانتظام واضطراد، وسنكتفي هنا بذكر حكمين قضائيين الأول يحسم في مدى قانونية الإضراب في ضل غياب القانون التنظيمي والثاني يحسم في مدى قانونية الاقتطاع من أجور المضربين عن العمل.
- مبدأ استمرارية المرفق العام Principe de continuité؛
- مبدأ المساواة أمام المرفق العام Principe d’égalité؛
- مبدأ قابلية المرفق العام للتغيير والتبديل Principe d'adaptabilité/mutabilité؛
- وقد أضاف الدستور المغربي إلى هاته المبادئ الثلاثة مبدأي الجودة والإنصاف في تغطية التراب الوطني.[1]
وجدير بالذكر أنّ الإضراب عُرّف بتعاريف عديدة ومتعددة تجمع غالبيتها على أنّه "توقّف عن العمل" وتصفه بكونه "مقصودا" و"مؤقتا" و"جماعيا" و"مدبّراً له مسبقا" و"يهدف إلى تحقيق مطالب مادية أو قانونية"، وقد كان أوّل إضراب في التاريخ في عهد الفراعنة وبالضبط في دير المدينة 1152 قبل الميلاد ضد رمسيس الثالث، أشهر حاكم في الأسرة العشرين،[2] كما أنّ الدستور المكسيكي كان هو أوّل دستور في العالم يضمن الحق القانوني في الإضراب وذلك عام 1917[3] ثم أقرته بعد ذلك دساتير جلّ الدول.
وسنحاول في هذا المقال مقارنة المعاجلة القانونية لحق الإضراب في النظام الأنجلوسكسوني والنظام الماركسي-الليليني كمبحث أول ثم في النظام الفرنكفوني كمبحث ثان وأخير.
- الإضراب في النظام الأنجلوسكسوني والنظام الماركسي-الليليني كمبحث أول.
- الإضراب في قوانين الولايات المتحدة الأمريكية كمطلب أول.
- الإضراب في قوانين المملكة المتحدة كمطلب ثان.
- الأول يرى أنّ الأصل في الأمور الإباحة وكلّ ما هو غير محضور فهو مباح، وبما أنّ القانون البريطاني لا يمنع الإضراب صراحة فهو يجيزه ضمنيا.
- وأمّا الثاني فيري أنّ الإضراب سلوك لا يليق بكل بمن يحمل صفة "موظف عمومي" نظراً لطبيعة المهام المسندة إليه، وعليه فانّ ممارسته تبقى مرهونة بترخيص صريح تمنحه السلطة القضائية.
- الإضراب في القانون المصري كمطلب ثالث.
- الإضراب في قوانين الأنظمة الماركسية- اللينينية كمطلب رابع.
- الإضراب في النظام الفرنكفوني كمبحث ثان.
- الإضراب في القانون الفرنسي كمطلب أول.
وفي هذا الإطار أصبح لكل الأجراء الحق في اللجوء إلى الإضراب شريطة ألاّ يُتعسف في استعماله لاسيما لأسباب غير مهنية، وقد أخذ مجلس الدولة الفرنسي بهذه القاعدة بالنسبة للموظفين العموميين رغم أنّه من الصعوبة بمكان التأكد من الطابع المهني للإضراب، أمّا إذا استهدف الإضراب أغراضا سياسية أو حزبية فإنّه يصبح غير مشروعٍ البتة، وهذا ما استقر عليه مجلس الدولة الفرنسي منذ حكم (Dehaen)، وقد جاءت بعد ذلك مجموعة من الاجتهادات القضائية تؤكد أنّ الإضراب وإن كان معترفا به في فرنسا منذ عام 1946 إلا أنّه يمكن أن ترد عليه قيودا بسبب مقتضيات سير المرافق العامة، ومع كل هذا وذاك تعتبر فرنسا من البلدان التي يُمارس فيها حق الإضراب بصفة واسعة رغم القيود الدستورية والقانونية والإدارية والقضائية التي تحيط مسطرة الترخيص للإضراب عن العمل.
وكخلاصة يمكننا القول إنّ حق الإضراب في الوظيفة العمومية الفرنسية مقيّد بضرورة التوفيق بين مقتضيات الاستمرارية الإدارية والنظام العام من جهة وبالسهر قدر الإمكان على احترام الحريات العامة المعترف بها للموظفين من جهة أخرى، الأمر الذي ينتج عنه حضر الإضراب بالنسبة لفئات معينة من الموظفين إمّا بناء على طبيعة المهام المسندة إليهم أو الرتبة التي يحتلونها في الهرم الإداري أو إلزامية ضمان الحد الأدنى من الخدمة العمومية وتحديد قائمة المناصب التي ينقطع بها العمل وبالتالي أن يمكن لأصحابها ممارسة حق الإضراب، وفى كل الأحوال يرجع إلى القضاء السهر على التوازن الذي ينبغي أن يسود باستمرار بين متطلبات السير العادي للمرافق العمومية وبين احترام حريات وحقوق الأفراد والجماعات.
- الإضراب في القانون المغربي كمطلب ثان.
ورغم عدم صدور القانون التنظيمي الذي يحدد الشروط والإجراءات التّي يجب أن يُمارس فيها الإضراب، يحرص الموظفون بالمغرب على ممارسة هذا الحق في عدة مناسبات للضغط على الحكومة للاستجابة للملفات المطلبية المطروحة من طرف منظماتهم النقابية، كما أنّ النقاش القانوني والفقهي حول هذا الحق يعرف انتعاشا حقيقا عند حدوث إضراب أو اقتطاع الإدارة من أجور الموظفين، وعموماً فإنّ النقاش في هذا الباب يحتدم حول نقطتين اثنتين أولاهما مدى قانونية ممارسة حق الإضراب في ضل غياب قانونه التنظيمي وثانيهما مدى قانونية الاقتطاع من أجور المضربين عن العمل.
وأمام هذا الفراغ القانوني كان لزاماً على القضاء الإداري، استناداً إلى دوره الإنشائي عندما يخلو المجال من النّص، أن يخلق ضوابط كفيلة بتأمين الحق في ممارسة الإضراب مع الأخذ بعين الاعتبار الحفاظ على سير المرافق العامة بانتظام واضطراد، وسنكتفي هنا بذكر حكمين قضائيين الأول يحسم في مدى قانونية الإضراب في ضل غياب القانون التنظيمي والثاني يحسم في مدى قانونية الاقتطاع من أجور المضربين عن العمل.
- الحكم الأول: حكم صادر عن إدارية مكناس تحت عدد 63/2001/3-غ، بتاريخ 12 يوليوز 2002، قضى بإلغاء القرار الصادر عن وزير التربية الوطنية القاضي باتخاذ عقوبة الإنذار في مواجهة الطاعن "محمد شيبان" وقد جاء هذا الحكم معلّلاً كما يلي: " الإضراب حق دستوري أكدته جميع الدساتير المتعاقبة وعدم صدور تشريع تنظيمي يحدد كيفية ممارسة حق الإضراب لا يعني إطلاق هذا الحق بلا قيود، بل لابد من ممارسته في إطار ضوابط تمنع من إساءة استعماله وتضمن انسجامه مع مقتضيات النظام العام والسير العادي للمرافق العمومية على نحو لا يمسّ سيرها المنتظم بشكل مؤثر، كما أنّ عدم ثبوت أنّ الإضراب الذي خاضه الطاعن فيه خروج عن الضوابط المذكورة (الإخلال بسير المرفق العام)، لذلك لا يمكن اعتباره تقصيرا في الواجب المهني وبالتالي تكون عقوبة الإنذار المؤسسة على هذه الواقعة لاغية"
- الحكم الثاني: حكم صادر عن المحكمة الإدارية بالرباط بتاريخ 7/02/2006، في الملف عدد:107/2005، قضت فيه برفض طلب تقدم به أحد المضربين يطعن بواسطته في القرار القاضي باقتطاع من أجرته عن التغيب المبرر، موضحة في حيثيات الحكم: "إنّ حق الإضراب حق أصيل ومكفول دستوريا، وغياب النص التنظيمي ووجود فراغ تشريعي بخصوص تنظيم هذا الحق يعطي القضاء الإداري استنادا إلى دوره الإنشائي، إمكانية خلق ضوابط كفيلة بتأمين ممارسته بشكل يضمن الحفاظ على سير المرافق العامة بانتظام وباضطراد "، وأضافت المحكمة أنّ " ثبوت عدم التزام الجهة المضربة بالضوابط المقررة لممارسة هذا الحق أدى إلى عرقلة سير المرفق العام، ولجوء الإدارة إلى تطبيق مقتضيات المرسوم الصادر بتاريخ 10 مايو 2005 باعتبار أنّ الأجر يؤدى مقابل العمل يجعل قرار الاقتطاع من الراتب قرارا مشروعا".
- الإضراب، إذا مورس في إطار ضوابط تمنع من إساءة استعماله وتضمن انسجامه مع مقتضيات النظام العام والسير العادي للمرافق العمومية يعدّ أمرًا مشروعا ولا يحق لأي كائن كان أن يصف غياب المضرب بالتغيب غير المشروع عن العمل، كما لا يحقّ لأيّ كائن كان أن يعيق الممارسين للإضراب من ممارسة حقهم الدستوري.
- الاقتطاع من أجور المضربين عن العمل إجراء مشروع تطبيقا لقاعدة الأجر مقابل العمل، شريطة ألاّ يكون مشوبا بعيب من العيوب التّي تشوب القرارات الإدارية وتجعلها تحت طائلة الإبطال أو البطلان، وهنا تجدر الإشارة إلى أنّ العيب الإداري الأكثر شيوعاً في هذا الباب هو عيب عدم استيفاء الشروط الشكلية والإجراءات المسطرية، الناتج أساساً عن عدم الاستفسار عن سبب التغيب وعدم الإشعار بالاقتطاع من الأجرة.
[1] الفصل 154 من دستور المملكة المغربية المنشور بالجريدة الرسمية عدد 5964 مكرر بتاريخ 28 شعبان 1432 موافق 30 يوليوز 2011.
[2] https://ar.wikipedia.org
[3] نفس المرجع.
بتصرف. https://ar.wikipedia.org [4]
[5] قانون 31 يوليوز 1963 المتضمن لبعض الأحكام المتعلقة بالإضراب في المرافق العمومية وقانون 6 يوليوز 1966 في فرنسا.