MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers




اختصاص القضاء الجنائي الدولي

     


نسرين الرحالي
باحتة في العلوم القانونية
شعبة القانون الخاص
سلك الدكتوراه
جامعة عبد المالك السعدي طنجة




 
مقدمة:

لقد كان القرن العشرين أكثر القرون دموية في التاريخ ,حيث أنه خلال النصف الثاني منه فقط نشبت أكثر من 250 نزاعا مسلحا على مستوى العالم ,التي انتهكت فيها و على نطاق واسع حقوق البشر سواء كانوا من المقاتلين أو من المدنيين العزل , المتواجدين في أماكن النزاعات المسلحة .و أمام هذه الانتهاكات لم تدخر الإرادة الخيرة في هذا العالم الجهد و الوقت للسعي بكل ما أوتيت من قوة و فصل خطاب للو صول إلى وضع آليات قانونية تحد من تلك الانتهاكات التي تفرزها النزاعات المسلحة .
فعلى الرغم من تعدد الاتفاقيات و المواثيق الدولية التي تدين الحرب و تحد من حرية المحاربين سواء فيما يتعلق بنوع الأسلحة أو طبيعة الأهداف إلا أن الآليات المقررة لإنفاذ هذا القانون بقيت عاجزة في مواجهة الإرادات السياسية للدول التي تتخذ متطلبات السيادة للإخلال بمقومات المجتمع الدولي لذلك أصبح من الضروري أن يتدخل فرع آخر من فروع القانون الدولي لملء الفراغ و ذلك من خلال تجريم بعض الأنشطة التي تنتهك الضمير العالمي و هذا الفرع هو القانون الدولي الجنائي الذي بدأت مبادئه تكرس بعد الحرب العالمية الأولى من خلال بنود معاهدة فرساي لسنة 1919 التي نصت على محاكمة مجرمي الحرب ومعاقبتهم عما ارتكبوه من انتهاكات للمعاهدات التي تحدد أصول الحرب و كذلك لما ارتكبوه في حق الإنسانية من جرائم وإذا كانت الحرب العالمية الأولى قد بلورت فكرة إنشاء قضاء دولي جنائي لمحاكمة مرتكبي الجرائم الدولية ,فإن الحرب العالمية الثانية كانت نقطة البداية الحقيقية في إنشاء القضاء الدولي الجنائي و بداية التطبيق العملي للمحاكمات الجنائية الدولية .من خلال المحكمة العسكرية لنورمبرغ و طوكيو لمتابعة مجرمي الحرب الألمان و اليابانيين .
و إثر الحوادث المأساوية التي شاهدتها كل من يوغوسلافيا السابقة ورواندا ,قام مجلس الأمن بإنشاء محكمتين جنائيتين دوليتين من أجل معاقبة مرتكبي جرائم التطهير العرقي و جرائم الإبادة الجماعية في رواندا ,وبالتالي العقاب على الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني ومع ذلك تبقى هذه المحاكم محدودة الاختصاص من حيث الزمان و المكان .
إن الطابع المؤقت لهذه المحاكم ,دفع المجتمع الدولي نحو تنفيذ فكرة لطالما راودت الكثير قبل الحرب العالمية الثانية و المتمثلة في إنشاء قضاء جنائي دولي دائم .وبالفعل تجسدت هذه الفكرة بإنشاء المحكمة الجنائية الدولية بموجب معاهدة روما لعام 1998 ,والتي دخلت حيز التنفيذ , في الفاتح من شهر يوليو عام 2002 ,وهي سنة قرر فيها المجتمع الدولي إعطاء دفعة جديدة للعدالة الجنائية الدولية .
ومن خلال ما تقدم تتضح لنا أهمية القضاء الجنائي الدولي و التي تتجلى بالأساس في معاقبة مرتكبي الانتهاكات الجسيمة إلى جانب رد الاعتبار لقواعد القانون الدولي الإنساني و ذلك بتطبيق الجانب الإجرائي منه على مجرمي الحرب ومنتهكي نصوص القانون الدولي الجنائي ,و على أساس هذا فما الدور المنتظر من العدالة الجنائية الدولية الدائمة في مجال تنفيذ قواعد القانون الدولي الإنساني ؟و ما هي التحديات التي تواجه العدالة الجنائية الدولية و على الأخص المحكمة الجنائية الدولية في القيام بمتابعة منتهكي قواعد القانون الدولي الإنساني بطريقة فعالة و ايجابية ؟
 
المبحث التمهيدي:


  1. تعريف القضاء الجنائي الدولي: يتمثل القضاء الجنائي الولي في تلك الأجهزة التي أنشأها المجتمع الدولي لمتابعة و محاكمة مرتكبي الجرائم الدولية.
وتتمثل الجرائم الدولية في تلك الانتهاكات لمقومات الضمير العالمي التي يجرمها القانون الدولي الجنائي الذي يستمد مصدر التجريم من القانون الدولي العام و القانون الإنساني الذي نشأ حديثا متخذا الإنسان محورا له مقررا له حماية خاصة لشخصه وأملاكه و هذا نظرا لعجز القانون الدولي العام عن توفير هذه الحماية بالنظر إلى فشله في الحرب و ما يترتب عنها من أضرار و كذلك بالنظر لعدم كفاية المسؤولية الدولية السياسية .
  1. وظائف القضاء الجنائي الدولي :
  • حماية مصالح الجماعة الدولية.
  • الوقاية من الجرائم الدولية.
  • إرضاء الشعور بالعدالة.
  • ملاحقة مرتكبي الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني.
  • تحقيق الردع العام والخاص فيما يتعلق بالجرائم الماسة بالقانون الدولي. [1]
  • حماية حقوق الإنسان وحرياته الأساسية خصوصا أثناء النزاعات المسلحة.
  1. نشأة فكرة القضاء الجنائي الدولي:
إنَ فكرة إنشاء قضاء جنائي دولي ليست بفكرة جديدة، وإنما تعود جذورها إلى عصور تاريخية قديمة، وفي هذا الصدد يذهب العديد من الباحثين إلى إنَ أولى تطبيقات القضاء الجنائي الدولي تعود إلى التاريخ المصري القديم حيث أن الاعتقاد سنة 1286 قبل الميلاد، كما أجرى ملك بابل نبوخذ نصر محاكمة ملك يودا المهزوم سيد بيترياس،  كما جرت محاكمتان إحداهما لـ(Cenradin Von Hohenstaufen ) في نابولي عام 1268 والأخرى لمحاكمة ارشيدوق النمساSire Pierre de Hagenbach في إقليم الراين حيث تمت محاكمته وإصدار الحكم علية بالإعدام. ولذلك أخذت فكرة إنشاء محكمة جنائية دولية لمحاكمة مجرمي الحرب تبرز بين أوساط القانونيين في المجتمع، ولكن يلاحظ بان فكره معاقبة مجرمي الحرب ووضع آلية لعقاب منتهكي القانون الدولي الإنساني بدأت بمبادرات فردية أكثر منها رؤى حكومات ودول، ودفعت بها جماعات ومنظمات غير حكوميه لتصبح ابرز انجازات القرن. [2]
فقد نادى السيد ( غوستاف مونييه ) احد مؤسسي اللجنة الدولية للصليب الأحمر عام 1872. أي بعد صدور اتفاقيه جنيف لعام 1864 الخاصة لمعالجة جرحى الحرب، حيث نادى بضرورة إنشاء واستحداث محكمة جنائية دولية لمنع مخالفات الاتفاقية والمعاقبة عليها، وتقدم بمشروعه هذا إلى(اللجنة الدولية لغوث العسكريين الجرحى ) واقترح أن تضم المحكمة في قوامها ممثلا عن كل
طرف من الطرفين المتحاربين وثلاثة ممثلين عن الدول المحايدة ينتخبون بالقرعة، وبين في مقترحه بان المحكمة لا تنظر في قضية ما من تلقاء نفسها بل تنتظر رفع دعوى من قبل دولة متحاربة، أما تنفيذ الحكم فانه يقع على عاتق ألدوله التي صدر الحكم ضد احد رعاياها.
وعلى الرغم من المقترحات التي تقدم بها السيد(غوستاف مونييه) إلا انه يلاحظ بأنها قد بقيت حبرا على ورق ولم تر النور رغم كل الجهود التي بذلها.
ومن خلال ما تقدم عرضه من الجهود والمحاولات الرامية إلى إنشاء قضاء جنائي دولي، وعلى الرغم من إنشاء عدد من المحاكمات الدولية التي سبقت الحرب العالمية الأولى، إلا أنَ هنالك الكثير من الفقهاء والباحثين في إطار القانون الدولي يرون بان فكرة إنشاء محكمه جنائية دوليه تعود إلى الحرب العالمية الأولى.
[3]
ولذلك وتماشيا مع الرأي السابق فإننا سنتناول مراحل تطور وإنشاء المحكمة الجنائية الدولية ابتداءً من فترة ما بعد الحرب العالمية الأولى إلى إنشاء المحكمة الجنائية الدولية بموجب نظام روما الأساسي.
لذا سيتم تناول هذا الموضوع في مبحثين، الأول يتناول القضاء الجنائي الدولي المؤقت و المبحث الثاني القضاء الجنائي الدولي الدائم.

المبحث الأول: اختصاص القضاء الجنائي المؤقت

إن المقصود بالقضاء الجنائي الدولي المؤقت هو تلك المحاكم الجنائية المنشأة بقرارات صادرة عن دول متحالفة  و كذلك الأمم المتحدة  الممثلة في مجلس الأمن  , و هذا من أجل البث في جرائم معينة وقعت في منطقة معينة و في زمن معين , و بخصوص نزاع محدد بذاته و هذا على إثر ما أسفرته الحربين العالميتين و كذا الحروب الأهلية في أقاليم دول معينة من خسائر و مجازر في حق البشرية و أفضع الانتهاكات للقانون الدولي الإنساني .
ومن خلال ما تقدم يمكن أن نستخلص, أن هذه المحاكم تنتهي وظيفتها بانتهاء محاكمة المتهمين بارتكاب الجرائم الدولية التي تختص بها و الأمر الذي سنقف عليه في هذا المبحث  , وذلك من خلال الوقوف و التعرف على أشكال المحاكم المؤقتة و مراحلها و الغاية منها , و على غرار ذكر مراحل القضاء الجنائي الدولي المؤقت نجد مرحلتين لهذا الجهاز مرحلة القضاء الجنائي الدولي العسكري و القضاء الجنائي الدولي الخاص , و لكل مرحلة أنشأت محاكم معينة لمواجهة حالة تلازمها .
[4]
عقب الحربين العالميتين أنشأ المجتمع الدولي محاكم عسكرية خاصة لمحاكمة مجرمي الحرب الألمان و اليابانيين , كما تدخل المجتمع الدولي ممثلا في مجلس الأمن لإنشاء محاكم خاصة اعتمادا على الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة لمحاكمة مجرمي الحرب و مرتكبي الانتهاكات ضد القانون الإنساني في كل من يوغسلافيا  السابقة ورواندا , كما أنشأت الأمم المتحدة المحاكم المدولة بالتوافق مع الدول المعنية .[5]
وعلى ضوء هذا سنقسم هذا المبحث إلى مطلبين :

المطلب الأول: مرحلة المحاكم الدولية العسكرية

لقد أسفرت الحرب العالمية الأولى  عن  ارتكاب أبشع الجرائم و أ فضع الانتهاكات للأعراف و المعاهدات الدولية من قبل القوات الألمانية , و على إثر ذلك قرر الحلفاء و هم بصدد إعداد معاهدة  فرساي لسنة 1919  إنشاء محكمة جنائية لمحاكمة الألمان و على رأسهم الإمبراطور غيوم الثاني و كذلك العسكريين و  السياسيين المتورطين في هذه الحرب .
[6]
و بعد الحرب العالمية الثانية أعدت اتفاقية لندن  في 8 غشت 1945 ونصت على متابعة و معاقبة مرتكبي جرائم الحرب و أنشأت لهذا الغرض محكمة نورمبورغ ,كما أنشأ القائد الأعلى لقوات الحلفاء في الشرق الأقصى محكمة طوكيو لمحاكمة اليابانيين  19 يناير  1946 , و قد أضفت قرارات إنشاء هذه المحاكم الطابع العسكري عليها بالنظر أساسا إلى اختصاصها بمحاكمة العسكريين و إن كان اختصاصها يطال بالتبعية المدنيين الذين ساهموا في ارتكاب الجرائم  وسنعرض في الفقرات التالية نشأة هذه المحاكم إلى جانب اختصاصاتها على ضوء نظامها الأساسي الذي ما هو إلا تجسيد  لأهداف تحددها مصالح الحلفاء المنتصرين في الحرب .

الفقرة الأولى : المحكمة المنشأة بمعاهدة فرساي

أولا: معاهدة فرساي

تبلورت فكرة إنشاء المحكمة الجنائية الدولية عقب الحرب العالمية الأولى نتيجة لما خلفته من خسائر بشرية بلغت الملايين و انتهاكات سافرة لقوانين و أعراف الحرب كاستعمال أسلحة لم يعرفها العالم من قبل , مما دفع  بالمجتمع الدولي إلى ضرورة و ضع قواعد قانونية و اتخاذ إجراءات كفيلة تمنع تكرار ذلك النوع من الانتهاكات , و ذلك من اجل و ضع حد للإفلات من العقاب .
[7]
 و من جملة هذه الإجراءات إنشاء محكمة جنائية عسكرية لمحاكمة مجرمي الحرب , و هذا ما أكدته معاهدة فرساي 1919 المتضمنة لإجراءات استسلام الألمان و إجراءات  محاكمة مجرمي الحرب الألمان بموجب المادة 227 التي نصت على ضرورة إنشاء محكمة جنائية لمحاكمة مجرمي الحرب الألمان من ذلك أن مرتكبي الجرائم ضد رعايا أي دولة من دول الحلفاء و المشاركين تتم محاكمتهم أمام محاكم عسكرية مشكلة من قضاة المحاكم العسكرية في هذه الدول  وفقا للمادتين  (229و228) , من هذه المعاهدة غير أن بنود هذه المعاهدة لم تجد مجالا للتطبيق و هو ما سنلمسه من خلال التعرض لمسؤولية غيوم  الثاني إمبراطور ألمانيا
تضمنت معاهدة فرساي الموقعة في يونيو عام 1919 , في القسم السابع منها و في مادتها 227 التنصيص على تشكيل محكمة جنائية دولية خاصة, لمحاكمة الإمبراطور الألماني السابق غيوم الثاني عن الجرائم التي ارتكبت ضد الأخلاق الدولية و قدسية
المعاهدات لكن نص هذه المادة لم يطبق بأي شكل من الأشكال كما أن المحاكمة المنتظرة للإمبراطور لم تجر أبدا.
ففي 23 يناير 1920 رفضت هولندا طلب الحلفاء تسليم الإمبراطور لجملة من الأسباب منها :تدخل البابا لصالحه و أيضا بدعوى أن التهمة الموجهة للإمبراطور لم تكن معروفة في قانون الإبعاد الهولندي لسنة 1875 , كما أنها لم ترد في التشريع الهولندي استنادا إلى رأي الأستاذ الهولندي SIMONS   ولا في أي من المعاهدات التي كانت هولندا طرفا فيها و لا التي أبرمتها مع كل من الولايات المتحدة , بريطانيا , فرنسا و بلجيكا , زيادة على ذلك أن المحاكمة في ظاهرها قد بدت ذات طبيعة سياسية و ليست جنائية , كما رأت هولندا أن تسليمها للإمبراطور و محاكمته من طرف أعدائه فيه إخلال بمبدأ المحاكمة العادلة . و فوق كل ذلك ترى هولندا أن أراضيها تعتبر أراضي لجوء فضلا على أنها ليست من الدول الموقعة على معاهدة فرساي , بحلول سنة  1921 تخلى الحلفاء عن فكرة محاكمة الإمبراطور غيوم و فكرة إنشاء محاكم جنائية دولية المنصوص عليها في المواد من ( 227 إلى 230 ) من معاهدة فرساي و ترك الأمر إلى المحكمة الألمانية العليا في  (ليبزج  Leipzig) مهمة محاكمة (21) ضابطا عسكريا ساميا ألمانيا متهمين من قبل الحلفاء بارتكاب جرائم الحرب .
[8]
تضمنت المعاهدة في المواد المذكورة سابقا نصوصا تتعلق بالمسؤولية الجنائية للفردية لكبار مجرمي الحرب الألمان مع التمييز بين فئتين من المجرمين : الفئة الأولى تتعلق بمجرمي الحرب الذين ارتكبوا جرائمهم في إقليم إحدى دول الحلفاء أو ضد رعاياها لدى المحاكم العسكرية لهذه الدولة , و أما بالنسبة للفئة الثانية فيتعلق الأمر بأولئك الذين ارتكبوا جرائم ضد مواطني أكثر من دولة حليفة و تقديمهم للمثول أمام محاكم عسكرية تتشكل من أعضاء المحاكم العسكرية للدول المعنية , بالإضافة إلى إجازتها لمحاكمة مرتكبي جرائم الحرب أمام المحاكم الوطنية للدول الحليفة أو المحاكم الألمانية . فقد تضمنت المعاهدة كذلك التزاما تتعهد بموجبه ألمانيا بضرورة تقديم كافة الوثائق و المعلومات التي بحوزتها و التي من شأنها تسهيل مهمة إقامة الدليل على هؤلاء المتهمين أو تسهيل مهمة القبض عليهم أو المساعدة في تقدير مسؤوليتهم بشكل دقيق .
إلا أن ألمانيا قد رفضت تعرض رعاياها للمحاكمة أمام محاكم دول الحلفاء نظرا لاعتبارات سياسية فرضها الواقع الدولي , تم الأخذ بعين الاعتبار الاعتراض الألماني و طلب منها محاكمة رعاياها طبقا لقوانينها الوطنية .
قابل ذلك إصدار هذه الأخيرة تشريعا جديدا في 18 ديسمبر من سنة 1919 يمكن من متابعة مجرمي الحرب الألمان أمام المحكمة الألمانية العليا المنعقدة في ليبزج , عما ارتكبوه من انتهاكات لقوانين و أعراف الحرب داخل ألمانيا و خارجها , فتقدم  دول الحلفاء بقائمة تضم (45) شخصا من بين ( 890) .
[9]
و رغم ذلك لم يمثل أمام المحكمة سوى (12) ضابطا ساميا ألمانيا , فأصدرت المحكمة أحكام صورية تراوحت مابين البراءة و عقوبة سجن لأربع سنوات من بينهم (Cruses)  و ( Stinger) حكم عليهما بسنتين سجنا بتهمة قتل أسرى الحرب و
هي عقوبات لا تناسب أبدا و جسامة ما ارتكبوه من جرائم من وجهة نظر الحلفاء , و من ذلك كذلك قضية الملازم الألماني
ديثمار قائد غواصة ألمانية الذي في سنة 1918 دمر باخرة انجليزية مخصصة لمعالجة الجرحى و المرضى كما دمر قوارب النجاة مما تسبب في مقتل 234 مريض إضافة إلى طاقم الباخرة و الخدمات بحيث أدانته المحكمة الألمانية بأربع سنوات .
إن هذه المعاهدة تعتبر أول مبادرة لمحاولة إرساء أسس القضاء الجنائي الدولي بإقرارها لمسؤولية رئيس الدولة و النص على جرائم الحرب و اعتماد مبدأ التكامل بين القضاء الدولي و الوطني .
[10]

ثانيا: معاهدة سيفر Sévre

بمقتضى هذه المعاهدة ضبط الحلفاء السلام مع تركيا و تعتبر هذه الأخيرة أكثر تشديدا مقارنة بمعاهدة فرساي , حيث تضمنت المادة 226 النص على التزام الدولة العثمانية بتسليم الحلفاء , الأشخاص المتهمين بارتكاب مذابح في الأقاليم التي كانت تشكل جزءا من أراضيها ,لمحاكمتهم بتهمة ارتكاب جرائم ضد قوانين وأعراف الحرب أي الجرائم ضد القوانين الإنسانية  , أما المادة 230 من هذه المعاهدة فقد ضمنت احتفاظ دول الحلفاء بحق تشكيل المحكمة بهذا الخصوص و على الدولة العثمانية الاعتراف بهذه المحكمة ,غير أنه في حالة إنشاء عصبة الأمم محكمة لهذا الغرض يكون للدول الحليفة الحق في إحالة هؤلاء الأشخاص إليها ,و الجدير بالذكر أن هذه المعاهدة لم تنظم إليها تركيا لذلك لم تنشأ المحكمة باستثناء تلك التي تمت سنة 1919 و التي توبع فيها حاكم مقاطعة المدعو كمال باي الذي أكد دفاعه بأنه تلقى الأوامر من رؤسائه و هو ملزم بتنفيذها غير أن المحكمة أدانته وتم إعدامه في 12 ابريل 1919 .
[11]
و ظلت الحال بين شد و مد بين الحلفاء و تركيا إلى أن توصلوا إلى إبرام اتفاقية لوزان لعام 1923 التي خلت من أي إشارة للمحاكمات التي تضمنتها معاهدة سيفر , بل و أكثر من ذلك تضمنت إعلان عفو عام عن كل الجرائم المقترفة مابين 1914و 1922 و هذه الاتفاقية هي الأخرى تشكل أخر مسار دقه الحلفاء في تحالفهم في مواجهة ألمانيا و تركيا .
و عليه فإنه يستخلص انعدام التوافق و الرغبة بين الحلفاء في تنفيذ معاهدة فرساي و كذلك معاهدة سيفر بسبب تضارب المصالح السياسية التي جعلت كلا من ألمانيا و تركيا المهزومتين في مركز أهلهما لعدم الرضوخ إلى شروط الاستسلام بما فيها الشروط المتعلقة بمحاكمة مجرمي الحرب .
[12]
و عليه فهذه الجهود المبذولة لم تحقق أية نتائج نظرا لعدم مصادقة ألمانيا و تركيا على الاتفاقيتين بالإضافة إلى تزامن ذلك مع اندلاع الحرب العالمية الثانية , بالرغم من ذلك فان هاتين الاتفاقيتين تبقيان و بحق من الاتفاقيات التي ساهمت في تطور مفهوم المسؤولية الجنائية الدولية و اعتبرتا فيما بعد من السوابق المهمة التي خدمت تطور القانون الدولي الجنائي

خلاصة:

رغم فشل الحلفاء في تحقيق العدالة الجنائية الدولية , إلا أنه يمكننا القول تلك الترسانة من النصوص لم تكن عديمة الجدوى , حيث تعتبر من أول الوثائق الدولية التي أرست بعض القواعد من أهمها : المسؤولية الفردية لمنتهكي قوانين و أعراف الحرب , فكرة جرائم الحرب التي ورد ذكرها في المادة 228 من معاهدة فرساي ,مسؤولية رؤساء الدول عن مخالفتهم لمبادئ قانون الشعوب و مبدأ التكامل بين القضائيين الوطني و الدولي , وفق المادة السابقة ذكرها  .
إذا كانت الحرب العالمية الأولى هي نقطة البداية التي قادت إلى تحريك فكرة المسؤولية الدولية الجنائية لفردية ضد مرتكبي الانتهاكات الجسمية , وبلورت فكرة إنشاء قضاء جنائي دولي دائم لمعاقبة مرتكبي تلك الانتهاكات  , فان الحرب العالمية الثانية تعتبر نقطة الانطلاق الحقيقية نحو تكريس فكرة المسؤولية الجنائية الفردية و إرساء دعائم قضاء دولي جنائي لتحديد تلك المسؤولية 

الفقرة الثانية : المحكمة الدولية العسكرية لنورمبورغ

إن الأهوال التي وقعت أثناء الحرب العالمية الثانية دفعت بالحلفاء إلى إصدار العديد من التصريحات والإعلانات التي تعبر عن الرغبة الصريحة و الملحة لمعاقبة مجرمي الحرب الألمان ,  أهمها إعلان سان جيمس في 13 يناير 1942 الذي نص على معاقبة الأشخاص الذين ارتكبوا أو أمروا بارتكاب جرائم حرب ، عن طريق هيئة قضائية دولية. وقد وقع هذا التصريح في لندن من طرف تسع دول أصلية و تسع دول مراقبة لكن تعاقب الأعمال الوحشية التي قامت بها ألمانيا زاد من رغبة الحلفاء في العقاب والمحاكمة مما أدى (بروزفلت و تشرشل و ستالين) ، إلى الاجتماع في موسكو في 30 أكتوبر 1943 ، و أصدروا تصريح موسكو و الذي يعتبر أول خطوة لإنشاء المحكمة الجنائية الدولية ، و قد نص على وجوب محاكمة مجرمي الحرب الألمان من ضباط و أعضاء في الحزب النازي .
[13]
و قد تجسدت هذه المبادرات بمجرد انتهاء الحرب العالمية الثانية , بإنشاء المحكمتين الجنائيتين لنورمبرغ و طوكيو بالإضافة إلى إقرار إقامة محاكمات أخرى وطنية أمام محاكم عسكرية .
 تعتبر محكمة نورمبرغ العسكرية نتاج الجهود و التوافقات بين الحلفاء طوال الفترة التي استغرقتها الحرب بحيث ظل الحلفاء يرددون التهديدات و يتوعدون الألمان بمحاكمتهم على الجرائم المرتكبة , و بعد انهيار ألمانيا و انتصار الحلفاء شكلت محكمة نورمبرغ بقرار صادر في 8 غشت 1945  حدد نطاق اختصاصها العام و هو ما سنعمل على توضيحه في النقط التالية :

أولا: نشأتها

بموجب اتفاق لندن الذي وقع عليه الحلفاء في 8 غشت 1945 أنشأت المحكمة العسكرية الدولية لنورمبرغ من أجل محاكمة
مجرمي الحرب الألمان , تتكون هذه الاتفاقية من سبع مواد و من ملحق يتكون من ثلاثين مادة يتعلق بشكل نضام محكمة نورمبرغ و سعيا وراء تفعيل دور هذه المحكمة في تحقيق العدالة الجنائية الدولية بملاحقة مجرمي الحرب , انضمت إلى الاتفاقية فيما بعد تسعة عشر  دولة وفق للمادة الخامسة منها , إلى جانب الدول الأربع الأساسية من الحلفاء .
[14]
و يعود إعلان لندن إلى المواقف المبدئية التي سار عليها رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية روزفلت و ترومان أثناء الحرب العالمية الثانية والتي قوامها وجوب متابعة مجرمي الحرب في محاكم خاصة بعد انتهاء هذه الحرب , و إنهاء النظام النازي في ألمانيا و الانتصار عليه و كذلك النظام الايطالي الفاشي .
هذه المبادئ جعلت الرئيس الأمريكي روزفلت في المراحل الأخيرة للحرب الاستقرار على ضرورة إنشاء قضاء خاص يتولى محاكمة النازيين الفاشيين و بعد  وفاة الرئيس خلفه ترومان الذي لاحظ رغبة الحلفاء في إتباع نظام المحاكمات الخاطفة التي تبنى على السرعة في إصدار الأحكام استجابة لمتطلبات المرحلة لذلك , و خشية من تخلي الحلفاء عن مواقفهم المعلنة و تفاديا للفشل الذي لازم معاهدة فرساي قام ترومان بتكليف القاضي روبرت جاكسون بتاريخ 16 ابريل 1945 لإعداد نظام عام لمتابعة مجرمي الحرب و ذلك بعد التشاور مع روسيا السوفيتية و بريطانيا و فرنسا بما يمكن فتح محاكمة دولية.
[15]
في 6  غشت 1945 قام القاضي جاكسون الذي عينه الرئيس الأمريكي ترومان لتمثيل الولايات المتحدة الأمريكية في المفاوضات مع الحلفاء، بتقديم تقرير عن الملاحقات ضد قادة الدول العدوانية، وهذا التقرير استعمل كقاعدة للنظام الأساسي للمحكمة العسكرية . و تقدم جاكسون بتقريره إلى المؤتمر الذي عقد في لندن في غشت 1945 .
وشكل مضمون هذا التقرير الأساس القانوني الذي جسده نظام المحكمة الملحق بإعلان لندن , و هو التقرير الذي أكد فيه جاكسون بأنه حاول وضع قواعد خاصة بمحاكمة المجرمين الأساسيين و قواعد خاصة بباقي المجرمين و كذلك القواعد التي تسرع المحاكمات ,و قسم الجرائم إلى ثلاث فئات :

  1. الجرائم المرتكبة ضد العسكريين التابعين لدول الحلفاء
  2. الجرائم المرتكبة في الأقاليم المحتلة
  3. جرائم الخونة, و هذه الفئة توكل مهمة محاكمتها إلى الدولة التي ينتمون إليها على ضوء قوانينها .
 
كما تضمن هذا التقرير التأكيد على ضرورة التعاون بين الدول من أجل إنشاء محكمة دولية خاصة و تحديد اختصاصها و صلاحياتها و ضبط قائمة الجرائم و المجرمين الذين يحالون إليها.[16]

ثانيا: اختصاص المحكمة

لقد حددت لائحة المحكمة نطاق اختصاصها الموضوعي و الشخصي بخصوص الجرائم المرتكبة من طرف الألمان في حق الحلفاء و الدول الأخرى و هذا ما أكدته المحكمة , إذ جاء في حكمها بأن نظامها لا يشكل تعديا أو تجاوزا للسلطة من طرف الدول المنتصرة في الحرب و إنما هو تجسيد للقانون الدولي السائد لحظة إنشاء المحكمة بحيث تم تحديد قواعد إنشاء المحكمة و كذلك القواعد الإجرائية و بهذا يكون الحلفاء قد فعلوا مجتمعين ما كان يمكن أن تفعله كل واحدة منفردة.
و بالنظر إلى واقع القانون الدولي في ذلك الوقت و الذي يتأسس على العرف أصلا (أي قانون الشعوب ) و النصوص المكتوبة (أي المعاهدات ) تم ضبط نطاق اختصاص المحكمة الموضوعي و الشخصي.
[17]

  1. الاختصاص الموضوعي:
 
تضمنت المادة السادسة من لائحة لندن نطاق اختصاص المحكمة الموضوعي و ذلك بإدراج الجرائم ضد السلام و جرائم الحرب و الجرائم ضد الإنسانية.
  • الجرائم ضد السلام: لم تعر المادة السادسة الجرائم ضد السلام إنما حددت الأنشطة التي يشكل ارتكابها جرائم ضد السلام و هذه الأنشطة هي:
 
  • التحضير و الإعداد و متابعة الحرب العدوانية المخالفة للمعاهدات و الاتفاقيات الدولية.
  • المشاركة في المخطط العدواني .
 
  • جرائم الحرب: حددت المادة 06 من لائحة لندن الأنشطة التي تشكل جرائم حرب و التي تشكل انتهاكا لقواعد و أصول الحرب و هذه الانتهاكات تشمل الاغتيالات و المعاملة السيئة و النقل الإجباري للسكان للقيام بأعمال شاقة ا ولاية أغراض أخرى و اغتيال و سوء معاملة أسرى الحرب و البحارة و تدمير المدن و نهب الممتلكات .[18]
هذه الانتهاكات لكي تشكل جرائم حرب يجب أن تحدث أتناء الحرب .و تعتبر اتفاقية جنيف لسنة 1864 أول اتفاقية تضمنت حالة ووضع الجرحى و كذلك اتفاقية لاهاي لسنة 1907 التي حددت كيفية معاملة أسرى الحرب و المدنيين و تضمن الملحق بالاتفاقية النص على قواعد و أصول الحرب و من أبرزه ما نصت عليه المادة 50 الذي
يمنع العقاب الجماعي للمدنيين و النقل الإجباري لهم و عدم معاملة الأسرى معاملة سيئة .
و قد تمت محاكمة العديد من الألمان بتهمة جرائم الحرب و من بين هؤلاء المدعو كايتل الذي وجهت له تهمة سوء المعاملة للأسرى و إبادة المدنيين و اغتيال الرهائن .
[19]

  • الجرائم ضد الإنسانية : نصت على هذه الجرائم المادة السادسة من اللائحة محددة الأنشطة التي تشكل جريمة ضد الإنسانية و هي الاغتيال و الإبادة و الاستبعاد و النقل الإجباري و كل فعل غير إنساني ضد السكان المدنيين قبل أو أتناء الحرب و كذلك الاضطهاد لأغراض سياسية أو دينية .
 
و من هنا نستخلص أن نضام المحكمة ينصص على نوعين من الجرائم ضد الإنسانية هما:

  • السلوك اللا إنساني المرتكب في حق المدنيين و هو سلوك مستهجن لتعارضه مع الإنسانية .
  • الاضطهاد لأغراض سياسية أو دينية أو ثقافية أو عرقية.و تعتبر هذه الأغراض متعارضة مع الإنسانية .
  • وهذه الجرائم ترتكب أضرارا بالإنسان و بحقوقه الأساسية .
[20]
  1. الاختصاص الشخصي 
نصت المواد 7, 8, 9 من اللائحة على محاكمة الأشخاص الطبيعيين و المنظمات و الهيئات.
  • الأشخاص الطبيعيين : و فقآ  لاختصاص المحكمة فان الأشخاص المسئولين جنائيا هم القادة الكبار للحرب وقد حددتهما اللائحة و هم المسيرون و المنظمون و المحرضون أو المشاركون في مخطط أو اتفاق لارتكاب إحدى الجرائم المنصوص عليها في المادة السادسة و المرتكبة من قبل دول المحور الأوروبية سواء كان مرتكب الجريمة جنديا عاديا أو قائدا أو حتى رئيسا للدولة .حيث لا يعفى هذا الأخير من المسؤولية وفقا لما قضت به المادة السابعة و لا يتمتع بالحصانة وفيها.كن للجنود الدفع بأن الأمر صدر من الرئيس و يجب إطاعته و تنفيذه حيث لا يمكن له التهرب من المسؤولية و لكن يمكن اعتباره سببا لتخفيف العقوبة و هذا ما جاء في نص المادة الثامنة .أما غير هؤلاء من المجرمين فيحاكمون أمام محاكم الاحتلال أو محاكم الدول التي وقعت الجرائم فيها.
 
  • إسباغ الصفة الجرمية على المنظمات و الهيئات : سمحت اللائحة للمحكمة أن تعلن بأن المنظمات و الهيئات ذات طبيعة إجرامية في حالة نظرها لإحدى الدعاوى المقامة على عضو إحدى هذه الهيئات أو المنظمات و هذا ما قضت به المادة 9  كما جاء في المادة العاشرة من اللائحة أنه في حالة ما إذا قررت المحكمة أن هيئة أو منظمة ما أسبغت بالصفة الجرمية فإنه يمكن لسلطات دولة موقعة  أن تحيل أي شخص ينتمي إلى هذه الهيئة أو المنظمات أمام
المحاكم الوطنية أو العسكرية أو محاكم الاحتلال من ذلك فإن قرار إسباغ الصفة الجرمية على الهيئة أو المنظمة قرار بات و ثابت يحوز قوة الشيء المقضي فيه .و قد تمت متابعة المسئولين في جهاز الاستخبارات و جهاز الأمن الخاص و المسئولين في وزارة الدعاية الإعلانية باعتبارهم أعضاء في هيئات إجرامية.[21]

الفقرة الثالثة: المحكمة الدولية العسكرية للشرق الأقصى

أولا: نشأتها المحكمة

بعد حوالي ستة أشهر من افتتاح المحاكمات في نورمبورغ ، أي في 3 مايو 1946 بدأت محكمة الشرق الأقصى التي اتخذت طوكيو مقرا لها محاكمة 25 مجرم حرب ياباني  .
ففي يناير 1945 عقد مؤتمر موسكو الذي تم الاتفاق فيه على وجوب إنشاء محكمة لمحاكمة مجرمي الحرب اليابانيين ، وأن يكون مقرها في طوكيو . و في 19 يناير 1946 قام الجنرال " دوغلاس ماك آرثر " القائد العام لقوات الحلفاء في الشرق الأقصى بإصدار لائحة أنشأت المحكمة العسكرية للشرق الأقصى و صدق على نظامها التأسيسي.
[22]
إن لائحة محكمة طوكيو لا تختلف في مضمونها عن لائحة محكمة نورمبورغ
. فنجد نفس الاختصاص بين المحكمتين ، ونفس الإجراءات . لكن هناك اختلاف وحيد يتمثل في أن النظام الأساسي لمحكمة طوكيو في المادة 7 نص على أن الصفة الرسمية يمكن اعتبارها ظرفا من الظروف المخففة للعقاب بينما في لائحة نورمبورغ ليس لتلك الصفة أثر على العقاب.
بدأ عمل محكمة طوكيو في 3 مايو 1946 إلى غاية 4 نوفمبر 1948 و قد أصدرت في مجمل أحكامها 7 أحكام بالإعدام ، و 16 حكم بالسجن المؤبد ، و حكم واحد لمدة 20 سنة ، وحكم لسبع سنوات .

ثانيا: اختصاص المحكمة

حدد قرار إنشاء المحكمة نطاق اختصاصها بحيث نصت المادة 05 على الاختصاص المادي للمحكمة و المتمثل في نظر الجرائم ضد السلام , و الجرائم المرتكبة ضد معاهدات الحرب و الجرائم ضد الإنسانية , و هي تتضمن نفس الأفعال المجرمة التي سبق و ذكرناها بخصوص المحكمة العسكرية الدولية في نورمبرغ .
أما بالنسبة للاختصاص الشخصي فإن المحكمة اختصت بمحاكمة الأشخاص الطبيعيين بصفتهم الشخصية لا بوصفهم أعضاء في منظمات أو هيئات على عكس ما سارت عليه محكمة نورمبرغ  , حيث أن محاكمات طوكيو لم تدن أي منظمة كما كان الإمبراطور HIRO HITO  لم يدان و ذلك لأسباب سياسية و أسباب أخرى ترجع إلى تدخل الشعب الياباني حيث ترجى قوات الحلفاء الكبرى لعدم محاكمته .
[23]
و فيما يخص الاختصاص الزمني فان المحكمة تختص بمتابعة الأشخاص الذين ارتكبوا جرائم في الفترة من 01 يناير 1928 حتى 02 ديسمبر 1945 , حسب ما جاء في لائحة الاتهام مع أن نظام المحكمة لم يتضمن الإشارة إلى الاختصاص الزمني الأمر الذي يدل على أن الغاية من هذه المحكمة هي محاسبة اليابان على جرائم لا علاقة لها بالحرب العالمية التي انخرطت فيها الولايات المتحدة التي وجدت الفرصة لاستغلال ذلك للضغط على اليابان .
ويرجع سبب الاختصاص الزمني للمحكمة لما قبل الحرب العالمية الثانية إلى قيام اليابان ف تلك الفترة باحتلال كل من كوريا و جزء من الصين و ماليزيا و هونغ كونغ المستعمرة البريطانية  , لما يوجد في هذه الدول من موارد طبيعية تحتاجها صناعتها و اقتصادها و قد تجلى ذلك بصفة أساسية في سنة 1941 من خلال هجوم القوات الجوية اليابانية على ميناء Pearl Harbor  الذي ترسو فيه السفن الحربية الأمريكية و تم تدمير العديد من و حدات الأسطول البحري الأمريكي , و كانت اليابان تهدف وراء هذه الضربة إلى منع أمريكا من مساندة هذه الدول .
يظهر تطبيق المحكمة لاختصاصها في كونها قامت بمتابعة المتهمين بالمشاركة في التحضير الإجرامي لمخطط إجرامي , وطبقا للاتهام فإن هذا المخطط يهدف إلى ضمان السيطرة العسكرية والبحرية و السياسية والعسكرية لليابان على أسيا الشرقية و المحيط الهادي والهند بالإضافة إلى الدول المجاورة من اجل هدف أساسي بالتوافق مع ألمانيا و ايطاليا للسيطرة على العالم .
و تضمنت لائحة الاتهام  55 تهمة تتعلق بالجرائم المرتكبة مابين 1 يناير 1928 و2 سبتمبر 1945 و تبرر المتابعة من الناحية القانونية بالرجوع إلى ميثاق بريان كيلوج و هو الميثاق الذي بمقتضاه التزمت الدول بتجنب الحرب لحل النزاعات .أما من الناحية التاريخية فان سنة 1928 هي السنة التي تعرض فيها الضابط الصيني زهانغ للاغتيال بحيث اعتبر هذا الاغتيال أول عمل عدواني ترتكبه اليابان .كما انه في سنة 1932 غزت اليابان الجنوب الشرقي للصين و بدأت تجري تجارب بيولوجية على بعض المدنيين بغرض إنتاج أسلحة بيولوجية بحيث تعرض لهذه التجارب العديد من المساجين الصينيين و كذلك بعض اسري الحرب البحرية في المحيط الهادي .
بالإضافة إلى مجزرة Nan kin  في 1937 التي لقي فيها حوالي 300000  مدني حتفهم و أيضا الاعتداءات الجنسية المرتكبة من قبل القوات اليابانية في أسيا عن طريق إنشاء معتقلات خاصة لذلك ,حيث كانت حوالي 200000 امرأة للاعتداءات .
[24]
نخلص في الأخير إلى أن المحكمتين العسكريتين لطوكيو و نورمبرغ هما محاكمات المنتصرين للمنهزمين ,و أنهما جسدتا عدالة انتقائية من خلال إخضاع مجموعة معينة من العسكريين و جرائم معينة تضمنتها لائحة الاتهام كما أنهما محكومتين بمطامع سياسية
و رغم ذلك نجد أن المحكمتين قد صاغت المبادئ و القواعد الأساسية للقانون الدولي الجنائي و القضاء الجنائي الدولي بما تناولته الأنظمة الأساسية للمحكمتين من مبادئ منها مبدأ عدم الأخذ بالحصانة أي معاقبة الرؤساء و الموظفين السامين في الدولة .
[25]
كما مهدت الطريق لإنشاء محاكمات أخرى لمرتكبي جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية و ضد السلام و هي المبادئ التي قننتها لجنة القانون الدولي و أخذت بها عند محاولة وضعها قانون دولي جنائي كما أخذت بها أيضا المحكمتين الدوليتين الخاصتين
بيوغوسلافيا السابقة ورواندا بالإضافة إلى النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية الدائمة .

المطلب الثاني: مرحلة المحاكم الدولية الخاصة

نظرا للأحداث الأليمة و الجرائم المروعة التي وقعت في منطقتي البلقان ورواندا و تدهور الأحوال السياسية ,طالب المجتمع الدولي بمعاقبة مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية و كذلك الإبادة الجماعية و إنشاء محاكم جنائية دولية للقيام بتلك المهمة . و سنتطرق في هذا المطلب إلى كل محكمة على حدى لتحديد دوافع نشأتهما و نطاق اختصاصهما كذلك .

الفقرة الأولى: المحكمة الجنائية الدولية الخاصة بيوغسلافيا السابقة


أولا: نشأتها

سنة 1993 قام مجلس الأمن بإنشاء المحكمة الجنائية الطارئة ليوغسلافيا ، عن طريق القرار 808 الصادر في 22 فيفري 1993، المنشأ لمحكمة يوغسلافيا السابقة. و القرار 827 بتاريخ 25 مايو 1993 المتضمن الموافقة على النظام الأساسي الخاص بتلك المحكمة الذي يضم 34 مادة. و ذلك بعد الطرح الذي تقدمت به فرنسا إلى المجلس لاستصدار قرار منه لإنشاء محكمة دولية لمحاكمة مجرمي الحرب اليوغسلافيين نظرا للأفعال الفظيعة المرتكبة في يوغسلافيا سابقا. وبالتالي تعتبر محكمة يوغسلافيا محكمة جنائية دولية مؤقتة منشأة لغرض خاص، حيث يتحدد اختصاصها العام بحالة أو حالات محددة، فهي هيئة قضائية مكلفة بمهمة خاصة.
[26]

ثانيا: اختصاص المحكمة


يختلف الأساس القانوني لمحكمة يوغسلافيا السابقة عن الأساس القانوني لمحكمة نورمبرغ. في أن الأولى أنشأت بموجب قرار مجلس الأمن الدولي المرقم 808 لسنة 1993 وبذلك فمصدر إنشائها هو مجلس الأمن، في حين أنشأت محكمة نورمبرغ بموجب اتفاقية لندن لسنة 1945. على أن كلا من المحكمتين مؤقتة ومختصة بأحداث معينة. وإذا كان الاختصاص الشخصي لمحكمة نورمبرغ هو محاكمة كبار النازيين الذين ارتكبوا جرائم خلال الحرب العالمية الثانية، وتركت جرائم باقي المتهمين لمحاكم أخرى، فان الاختصاص الشخصي لمحكمة يوغسلافيا تناول كل المتهمين بارتكاب جرائم منذ عام 1991 في يوغسلافيا السابقة ولم تستثن
أحدا ولذلك استعانة بإجراءات التسليم أو الاسترداد والمساعدة القضائية بين الدول خاصة بالنسبة للجرائم غير الجسيمة. على أن ليس كل الجرائم المرتكبة خلال الحرب الأهلية في يوغسلافيا تدخل في اختصاص المحكمة. لهذا نبحث اختصاص محكمة يوغسلافيا في فقرتين نخصص الأولى إلى الاختصاص الموضوعي فيما نفرد الثانية إلى الاختصاص الشخصي.
[27]

أولا – الاختصاص الموضوعي
:

تبنت المواد 3،4،5 من النظام الأساسي تحديد الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة وهي:
1-
جرائم الحرب:
وهي الأفعال التي تشكل انتهاكا لاتفاقيات جنيف لعام 1949، كالقتل العمد، التعذيب، المعاملة اللاإنسانية بما فيها التجارب البيولوجية وغيرها من الجرائم التي ذكرتها المادة الثانية. كذلك الأفعال التي تشكل خرقا لقوانين الحروب وأعرافها، كاستخدام الأسلحة السامة، تدمير المدن، التدمير غير المبرر بالضرورات العسكرية وغيرها من الجرائم التي أوردتها المادة الثالثة.

2 -
جرائم الإبادة الجماعية:
عرفت الفقرة الثانية من المادة الرابعة من النظام جريمة الإبادة بأنها (أيا من الأفعال التالية، المرتكبة بقصد التدبر الكلي أو الجزئي لجماعة لصفتها القومية العنصرية أو الدينية) ، كقتل أعضاء الجماعة أو التسبب في ضرر مادي أو معنوي لها وغيرها من الجرائم التي ذكرتها الفقرتين (2- 3).

3 -
الجرائم ضد الإنسانية:
وقد تناولتها المادة الخامسة من النظام كالقتل العمد ، الإبعاد، الاسترقاق، السجن، التعذيب وغيرها من الأفعال الموجهة ضد السكان المدنيين إذا ارتكبت أثناء النزاع المسلح سواء أكان النزاع دوليا أو محليا.
[28]

ثانيا – الاختصاص
الشخصي:

أشارت المادة السادسة من النظام الاختصاص الشخصي للمحكمة الذي يتناول فقط الأشخاص الطبيعيين وهو بذلك لا يشمل الأشخاص المعنوية. وكان المفروض أن يشمل اختصاصها المنظمات أو الجمعيات التي ينتمي إليها المتهمون لتساير في ذلك محكمة نورمبرغ . إلا أن النظام الأساسي لمحكمة يوغسلافيا كان أكثر بعدا عن العدالة من النظام الأساسي لمحكمة نورمبرغ في هذا الصدد.
وإذا كان الاختصاص الشخصي يشمل الأشخاص الطبيعيين فقط فهو لاقتصر على الفاعلين الأصليين وإنما يشمل من خطط أو حرض ومن اصدر الأوامر لارتكاب الجرائم، ومن ساعد أو شجع على الأفعال التي تضمنها النظام. ويُسال الشخص بصفته الشخصية المادة(7/1). ولا تكون الصفة الرسمية سببا لإعفاء الشخص من المسؤولية أو لتخفيف العقوبة (7/2)، ولا يعفى الرؤساء من المسؤولية عن أعمال مرؤوسيهم إذا كانوا على علم بها أو يمكنه أن يعلم بها ولم يتخذ الإجراءات لمنع وقوعها أو معاقبة من تسبب فيها، كما لاستطيع المرؤوس أن يتذرع بتنفيذ الأوامر كسبب لإعفائه من المسؤولية (7/3،4). وهذه المبادئ اقرها النظام الأساسي لمحكمة نورمبرغ كما رأينا.
[29]
ومما تجدر الإشارة إليه هو أن اختصاص المحكمة متزامن مع اختصاص القضاء الوطني مع شرط الأسبقية إلى المحكمة الدولية. ففي
 أية مرحلة تكون عليها الدعوى في المحاكم الوطنية يحق للمحكمة الدولية أن تطلب من الأولى التوقف عن النظر فيها وإحالتها إليها (9/1،2).

كما أن للحكم الذي تصدره المحكمة الدولية حجية أمام المحاكم المحلية. وبهذا تمتنع الأخيرة من النظر في دعوى سبق وان أصدرت المحكمة الدولية حكما فيها. ونفس الآمر ينطبق بالنسبة للأحكام التي تصدرها المحاكم المحلية إلا أن الأمر ليس مطلقا حيث ترد عليه استثناءات أوردتها المادة العاشرة كأن يكون القضاء الوطني غير محايد، أو أن المحاكمة اتخذت هدفا لتبرئة المتهم .
وإذا كان القضاء يعتبر مظهرا من مظاهر السيادة للدولة، فان إعطاء الأولوية إلى المحكمة الدولية على المحاكم المحلية فيه مساس بسيادة الدول، الأمر الذي تم تلافيه في المحكمة الجنائية الدولية الدائمة كما سنرى. إضافة إلى أن الجانب السياسي له تأثيره الواضح على الجانب القضائي سيما وان مصدر إنشاء المحكمة هو مجلس الأمن وبذلك تعتبر جهازا تابعا له.
على أن إنشاء هذه المحكمة من قبل مجلس الأمن بدلا من الجمعية العامة للأمم المتحدة كان سببا لتوجيه النقد إليها كونها لا تقوم على أساس دولي واسع النطاق. كما أنها أنشأت بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة والذي يبيح لمجلس الأمن اتخاذ التدابير اللازمة لصيانة أو إعادة السلم والأمن الدولي، ومن غير المتفق عليه أن تكون المحكمة مقياسا لذلك.
ورغم ما وجه إليها من انتقادات فهي أول محكمة منذ الحرب العالمية الثانية بعد محكمتي نورمبرغ وطوكيو، ونجاحها كان سببا لإنشاء المحكمة الجنائية الدولية لرواندا عام 1994، وفقا لما قاله القاضي تيودور ميرون ، وقد أثمرت المحكمتان القانون الجنائي أكثر من المحكمتين السابقتين، إضافة إلى إنهما سرعتا في إنشاء المحكمة الجنائية الدولية.
[30]

الفقرة الثانية : المحكمة الجنائية الدولية الخاصة لرواندا


أولا: نشأتها المحكمة

كان هناك نزاع كبير بين قبائل التوتسي و الهوتو في إقليم رواندا ، فقد وقعت اشتباكات كبيرة بين الميليشيات المسلحة وقوات الحرس . خلفت عددا كبيرا من الضحايا المدنيين. فقد كان الأفراد من قبيلة التوتسي يجمعون داخل  الكنائس و المستشفيات بغرض حمايتهم من  الاعتداءات ، لكن يتم ذبحهم و القضاء عليهم من قبل القوات الحكومية ، و كانت الإبادة لا تفرق بين طفل أو امرأة أو شيخ . و قد خلفت هذه الجرائم حوالي 800 ألف ضحية من التوتسي و الهوتو.
و قد تم التحضير لهذه الجرائم حتى من جانب الوسائل، فلأسلحة وردت من جنوب إفريقيا و فرنسا ، و وزعت على أفراد الشعب .و قد استمر مرتكبو الإبادة في رواندا في تلقي الأسلحة رغم قرارات الحظر الدولي على توريد الأسلحة إليهم ، و أيضا من الجانب الإعلامي الداخلي الذي كان يساند هذه الجرائم ، فقد كانت إحدى الإذاعات الداخلية تردد "اقطعوا أرجل الأطفال لكي يسيروا طول حياتهم على أركابهم"، " اقتلوا البنات لكي لا تكون أجيال أخرى في المستقبل "  .
[31]
و بسبب تفاقم الانتهاكات الصارخة لقواعد ومبادئ القانون الإنساني في نزاع رواندا قرر مجلس الأمن إنشاء محكمة خاصة لمحاكمة
الأشخاص المتهمين بارتكاب انتهاكات جسيمة ضد الإنسانية وذلك بموجب القرار الصادر عن مجلس الأمن رقم 955 في 8
نوفمبر 1994 و تختص بمحاكمة الأشخاص المسئولين بارتكاب انتهاكات جسيمة للقانون الدولي الإنساني ، و المرتكبة فوق الإقليم الرواندي ، و أيضا المواطنين الروانديين الذين ارتكبوا نفس الانتهاكات فوق أراضي الدول المجاورة و في الفترة ما بين 1 يناير  و 31 ديسمبر 1994.

و قد أصدر مجلس الأمن النظام الأساسي لمحكمة رواندا الدولية، وذلك ملحقاً بقراره رقم 955 حيث جاء في 32 مادة.

ثانيا: اختصاص المحكمة

حدد نظام المحكمة نطاق اختصاصها الولائي في محاكمة مرتكبي انتهاكات القانون الإنساني و سنوضح هذا في النطاق من خلال تأصيل و تحليل النصوص المحددة له .


  1. الاختصاص الموضوعي : حددت المواد 4,3,2 من نظام المحكمة نطاق الاختصاص الموضوعي للمحكمة بحيث تختص بالنظر في ثلاث جرائم و هي جريمة الإبادة الجماعي و الجرائم ضد الإنسانية و كذلك انتهاكات المادة الثالثة المشتركة من اتفاقيات جنيف لعام 1949 و البروتوكول المضاف لهذه الاتفاقيات ,و التي تدخل ضمنها الإصابات الجسدية و العقلية و المعاملات القاسية , الاغتصاب و التعذيب و تنفيذ الإعدام بدون محاكمة و بتر الأعضاء .
بالإضافة إلى ذلك فإن المحكمة مختصة بمحاكمة الأشخاص المسئولين عن الجرائم التي ترتكب في إطار هجوم عام ضد السكان المدنيين (الشعب المدني الرواندي ) مهما كان سبب انتمائهم السياسي و العرقي أو الديني دون تمييز.[32]

الاختصاص الشخصي: تقضي المادة 5 من نظام المحكمة بأنها تختص بمتابعة و معاقبة الأشخاص الطبيعيين دون الأشخاص المعنويين, حيث أن كل شخص ارتكب أو ساعد أو حرض أو أمر بارتكاب جريمة من الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة, يسأل فرديا على ذلك.
كما أن صفة المتهم لا تعفيه من المسؤولية حتى لو كان رئيس دولة أو حكومة أو من الموظفين السامين في الدولة .و في هذا
تشترك المحكمة مع محكمة يوغوسلافيا السابقة .و كذلك الأمر بالنسبة للمتهم الذي ينفذ أمر رئيسه لا يمكنه الدفع بذلك إلا انه
 
يمكن أن يعتبر سببا لتخفيف العقوبة طبقا للمادة 6.
[33]

  1. الاختصاص المكاني: تختص المحكمة بالنظر في الجرائم التي ارتكبت على كامل الإقليم الرواندي الأرضي و الجوي بالإضافة إلى أقاليم الدول المجاورة التي تعرض أهاليها لأضرار جسيمة من قبل المواطنين الروانديين.
 
  1. الاختصاص الزمني: حدد اختصاص المحكمة الزمني بالفترة مابين 1 يناير إلى 31 ديسمبر 1994.
 
بمعنى لا يمكن للمحكمة أن تنظر في الجرائم التي حدثت قبل هذا التاريخ و لا بعده و أكثر تحديدا تمنع القضاة أن ينطقوا بوجود جرائم ضد الإنسانية و جرائم حرب إبادة جماعية خارج سنة 1994 . و يرجع هذا التحديد الزمني للاختصاص إلى الضوابط التي وضعها مجل الأمن بخصوص عملية السلام مما استوجب غلق الاختصاص الزمني بهذه الكيفية.

  1. الاختصاص المشترك: و نصت عليه المادة 08 من القانون الأساسي للمحكمة حيث أن هناك تداخل في الاختصاص بين المحاكم الوطنية و المحكمة الجنائية الدولية, إلا أن الأولوية تعود إلى المحكمة الدولية كما يحق لها أن تطلب من المحاكم الوطنية التخلي عن الدعوى لصالحها.
 
إن هذا الإجراء يتأكد من خلال ما قامت به المحكمة الجنائية الدولية لرواندا لسحبها لأربع دعوات من المحاكم الوطنية الرواندية .
و لذلك طرحت مسالة رفع اليد الذي هو قرار يصدر عن الغرفة الابتدائية للمحكمة الجنائية الدولية لرواندا فقط و يجوز في الحالات التالية:


  1. عندما يكون سير و عمل المحكمة الوطنية أو غير الوطنية قد يسمح للمتهم بالإفلات من حكم صدر ضده.
  2. إذا صنفت جريمته من الجرائم التابعة للقانون العام أو كون الإجراء يخص وقائع أو مواد من القانون لها تأثير على التحقيقات أو المتابعة الجارية أمام المحكمة الجنائية الدولة لرواندا.
 
ويلاحظ أن الأمر بيد المحكمة التي تقرر فيما إذا كان مستوجبا التخلي لصالحها دون مناقشة أو معارضة من المحكمة الوطنية و هذا بحكم أسبقيتها في تولي الاختصاص.
تناولنا في المبحث الأول بالتحليل نطاق اختصاص القضاء الجنائي المؤقت باعتباره قضاءا مرحليا أوجبت إنشاؤه حالات الحرب و التخريب التي رأى المجتمع الدولي أنها أربكت السلم و الأمن الدوليين .إذ أنشأ المجتمع الدولي العديد من الأجهزة القضائية لمواجهة موقعة معينة تشكل مرحلة من مراحل قيامه .
فقد أنشأ المجتمع الدولي ممثلا في دول الحلفاء قضاءا عسكريا حدد له نطاق اختصاصه زمنيا و مكانيا و موضوعيا في نطاق محدد بحيث أوكلت لهذا القضاء مهمة محاكمة مجرمي الحرب العالمية الأولى و الثانية عن انتهاكات للقانون الدولي العام و قانون الشعوب ,من ذلك الجهاز القضائي الذي نصت على إنشائه معاهدة فرساي و كذلك محكمتي نورمبرغ و طوكيو .
كما أنشأ المجتمع الدولي ممثلا في مجلس الأمن محاكم خاصة اعتمادا على الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة لمحاكمة مرتكبي انتهاكات القانون الدولي اللا إنساني في كل من يوغوسلافيا السابقة و رواندا و هذا باعتبار النزاعات الداخلية الناجمة عن الحرب الأهلية من شأنها تهديد الأمن والسلم الدوليين .إذ أنشأ مجلس الأمن محكمة خاصة بيوغوسلافيا السابقة و أخرى خاصة برواندا و
حدد لكل محكمة نطاق اختصاصها ألولائي بما يتناسب و يستجيب لمقتضيات الوضعية القائمة أخدا بعين الاعتبار مستوجبات إنهاء النزاع و المصالحة الوطنية.
و من خلال تتبعنا بالتحليل و التأصيل لنطاق اختصاص هذه المحاكم استخلصنا أنه بالنظر إلى طبيعتها المؤقتة لم تحقق العدالة المنتظرة للضحايا و لم تحل دون مواصلة و استمرار الجرائم في العديد من مناطق العالم. و هو ما يدل على أن طابعها المؤقت و نطاق اختصاصها المحدود لم يشكل مانعا أمام أصحاب الإرادات الإجرامية في المضي في تنفيذ مخططاتهم .
و عليه فإن القضاء الجنائي الدولي بأنواعه السابقة الذكر هو قضاء يتميز أساسا بالتأقيت و المرحلية و كذلك بالرمزية و الصورية , و لعل المجتمع الدولي الذي ينشد العدالة قد يجدها مع المحكمة الجنائية الدولية الدائمة التي حدد نطاق اختصاصها على ضوء التوازنات السياسية و التي تتحكم كذلك في منهج أدائها لمهامها , و هذا ما سيتضح لنا من خلال تحليلنا في المبحث الثاني لنشأتها و لنطاق اختصاصها .  
 
 
المبحث الثاني: المحكمة الجنائية الدولية الدائمة

 تواصلت الجهود الدولية لإعداد مشروع الاتفاقية المتعلقة بإنشاء المحكمة الجنائية الدولية، إلى أن انعقد المؤتمر الدبلوماسي بالعاصمة الإيطالية روما، وانتهى باعتماد ما يسمى نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية في 17 يوليه عام 1998، بعد موافقة 120 دولة على إنشاء المحكمة، وامتناع 21 دولة عن التصويت، ومعارضة 7 دول من بينها أمريكا وإسرائيل، وفتح باب التوقيع على النظام الأساسي للمحكمة بدءًا من 18 يوليه 1998، حتى 31 ديسمبر 2000 بمقر الأمم المتحدة، وتم اكتمال النصاب المطلوب لعمل المحكمة في 11 أبريل 2002 ودخلت حيز التنفيذ في 1 يوليه 2002، ولا تعد المحكمة أحد الأجهزة التابعة لمنظمة الأمم المتحدة ولكنها شخصية قانونية مستقلة
[34].
وقد كان التحديد الملائم لاختصاصات المحكمة من أهم الأمور الأساسية بالنسبة لمستقبل المحكمة، ولذلك من الطبيعي أن يشكل الباب المتعلق بالاختصاص و المقبولية جوهر نظامها الأساسي لكونه أصل عمل المحكمة ولارتباطه بمسألة الاختصاص الجنائي للدول.
و إذا كان تنازل الدول عن اختصاصها لجنائي المرتبط أوثق الارتباط بمبدأ السيادة
[35] من أهم الأمور التي عرقلت إنشاء المحكمة لوقت طويل ، فان التوصل إلى تحديد الجرائم التي تبلغ من الخطورة الحد الذي يجعل الدول تقبل بإدماجها ضمن اختصاصات المحكمة الجنائية الدولية ، كان أهم منعطف في مسار اعتماد النظام الأساسي و إنشاء المحكمة.
و قبل التطرق عن نوعية الجرائم التي يجب إخضاعها لاختصاص المحكمة ، لا بد أولا من الحديث عن كيفية إسناد الاختصاص إلى هذه الأخيرة في الجرائم الدولية، لذلك آثرنا تقسيم هذا المبحث إلى مطلبين: نخصص الأول لكيفية إسناد الاختصاص على أن نترك الثاني للحديث عن نطاق الاختصاص
 
 
 
المطلب الأول: إسناد الاختصاص للمحكمة في الجرائم الدولية

فكرة المحكمة الجنائية الدولية انبثقت أساسا كمحفل لمقاضاة جرائم الحرب والإبادة التي ترعاها الدول والتي كانت لتبقى مع ذلك بدون عقاب لولا قيام المحكمة  هذه الملاحظة كانت حاضرة طوال مراحل انجاز الفريق العامل المعني بوضع مشروع للنظام الأساسي لمحكمة جنائية  دولية لهذا المشروع
[36].
بيد أن مختلف التقارير والمشاريع المقدمة كانت توسع من نطاق ذلك الاختصاص ليشمل جميع الجرائم ذات الطابع الدولي بحيث سلكت النهج  الذي بموجبه يتم  إسناد اختصاص المحكمة من حيث الموضوع  إلى معاهدات دولية قائمة  ومحددة منشئة لجرائم دولية الطابع  بما في ذلك مدونة الجرائم المخلة بسلم وأمن الإنسانية بعد اعتمادها ودخولها  حيز التنفيذ وذلك عبر اختيار الجرائم ذات الطبيعة الدولية التي تنشئها هذه المعاهدات ويمكن للمحكمة ممارسة ولايتها عليها وإدماجها  بالتالي في النظام الأساسي للمحكمة.

الفقرة الأولى:   إسناد الاختصاص إلي المحكمة بموجب معاهدات قائمة

بناء علي أساس  إسناد الاختصاص للمحكمة من حيث الموضوع إلى اتفاقيات دولية قائمة ومنشئة لجرائم ذات طابع دولي كان المشروع المقترح والمقدم من قبل لجنة القانون الدولي في الدورة السادسة والأربعين والذي أعدته اللجنة بناء علي توصية  الجمعية العامة رقم 47/36/1992 متضمنا وجود إطارين من الاختصاص يرتكز بالأساس علي إسناد اختصاص المحكمة من حيث الموضوع إلى معاهدات دولية وذلك علي النحو التالي 
 أولا: إسناد الاختصاص إلي المحكمة بموجب معاهدات تعرف الجنايات باعتبارها جرائم دولية
ويشمل المعاهدات الدولية التي تعرف الجنايات باعتبارها جنايات دولية بموجب القانون  الدولي العام وهذه الجنايات تدخل ضمن اختصاص المحكمة دون الحاجة للتواصل إلي اتفاق بشأن القائمة  الدقيقة لمعاهدات القانون الدولي الجنائي  وتشمل تلك المعاهدات جرائم الحرب الجسيمة واتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والاتفاقية الدولية لقمع جريمة الفصل العنصري.
وما إلى ذلك من الجرائم التي تضمنتها المادة الثانية والعشرون من الشروع المقترح.
وقد اعتبر الفريق العامل أن المعيارين الأساسيين الذين أديا إلى اعتبار الجنايات التي أوردتها المادة الثانية و العشرون من المشروع المعد جنايات دولية بموجب القانون الدولي هما
1 كون الجنايات المتضمنة في المادة المذكورة معرفة تعريفا دقيقا بحد ذاتها في المعاهدات علي نحو يمكن به لمحكمة جنائية دولية أن تطبق قانونا دوليا اتفاقا أساسيا فيما يتعلق بالجناية المتناولة في المعاهدة.
2 كون المعاهدة نفسها قد أوجدت فيما يتعلق بالجناية المعرفة فيها أما نظاما للاختصاص العالمي يقوم علي مبدأ تسليم المتهم أو محاكمته وطنيا أو إمكانية لان تحاكمه محكمة جنائية دولية أو كلا الأمرين معا.

ثانيا:إسناد الاختصاص بموجب معاهدات لا تنص إلا علي قمع أوجه سلوك غير مرغوب فيه.

ويشمل المعاهدات التي لا تنص علي قمع أوجه سلوك غير مرغوب قيه وتعتبر جناية بموجب القانون الوطني وهذه الجرائم المتضمنة في هذه المعاهدات لا تدخل مباشرة ضمن اختصاص المحكمة ولكي تصبح كذلك يتطلب الأمر من الدولة المضيفة قبولا خاصا عبر إبلاغ المحكمة بهذا القبول كتابة .
والدول التي يتطلب قبولها قبولا خاصا هي الدول التي حدثت تلك تلك الجريمة أو الجرائم موضوع التحقيق في اقليمها، سواء بالفعل أو الامتناع.
أما بالنسبة للجرائم التي تدخل ضمن هذا الإطار ، فبالإضافة إلى الجرائم بموجب القانون الوطني كجريمة المخدرات التي تحمل نصوصا في معاهدة متعددة الأطراف و كاتفاقية الأمم المتحدة 1988م والتي تشكل بالنظر إلى نصوص تلك الاتفاقية جنايات جسيمة بصورة استثنائية ، هناك أيضا كل جنائية دولية أخرى وفقا لقاعدة من قواعد القانون الدولي يقبلها المجتمع الدولي ويسلم بأنها أساسية إلى درجة أن ارتكابها يرتب المسؤولية الجنائية للأفراد,

الفقرة الثانية: خلق نطاق معين من الاختصاص الدولي المشترك

إن أي جناية بمقتضى القانون الدولي العام يقبلها المجتمع الدولي ككل، ويسلم بأنها أساسية إلى درجة إن انتهاكها يرتب المسؤولية الجنائية للأفراد ، تعتبر جرائم جسيمة و أشد خطورة، مما يوجب إدماجها ضمن اختصاصات المحكمة كما ذهب إلى ذلك الفريق العامل المعني بوضع مشروع النظام الأساسي لمحكمة جنائية دولية ، ومن أبرز الأمثلة على ذلك جريمة العدوان مثلا التي ليست معرفة في معاهدة محددة ، في معاهدات دولية ومن بينها جريمة الإرهاب  والتعذيب و المخدرات والفصل  العنصري هي أيضا جرائم خطيرة وذات أهمية دولية مما يستوجب إدماجها ضمن اختصاصات المحكمة ومع ذلك لم يتم  إدماجها  وهي مسألة لاحظتها العديد من تعليقات الدول .

الفقرة الثالثة:قصر اختصاص المحكمة في عدة جرائم يتوفر حولها إجماع دولي

تماشيا مع الرأي  السائد عند إعداد الصيغة  النهائية  للنظام الأساسي والتوجه الدولي العام نحو قصر اختصاص المحكمة علي جرائم بعينها تم اختيارها باعتبارها الأشد خطورة  لارتباطها بمصير البشرية كلها ولكونها تحظي بإجماع عالمي وبأهمية بالغة كونها من الجسامة بحيث تصدم وجدان المجتمع الدولي وتزعزع أمنه واستقراره وتهدد نظامه القانوني
[37].
معيار خطورة هذه الجرائم في الواقع لم يكن ممكنا أن يتضمنها النظام  الأساسي للمحكمة لكن كثيرا من الرؤى التي أبديت داخل اللجنة المتخصصة لإنشاء محكمة جنائية دولية وكذا تعليقات عديد من الدول ركزت علي  ضرورة  الاسترشاد فيما يتعلق بهذه النقطة بفقرات المواد 2-5 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة وكذلك المواد 2-4من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية  الدولية الخاصة برواندا المهم وكما لاحظت (ببلاروس) في تعليقاتها أن يتم إدراج أخطر الجرائم وأكثرها عنفا باعتراف دولي  إلى الحد الذي يكون من المستحيل أن ترفض أي دولة اختصاص المحكمة فيما يتعلق بهذه الجرائم وأن تصبح مع ذلك طرفا في النظام الأساس  ويبدوا أن هذه الفكرة الأخيرة هي التي تحكمت في إقرار الصيغة النهائية المتعلقة بنقطة جوهرية في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية .
وبناء على ما سبق وباستقراء الكثير من تعليقات  الدول وللنقاشات التي دارت حول مواد النظام الاساسي المتعلقة بهذه المسألة يمكن القول أن قصر اختصاص المحكمة على عدد قليل من الجرائم الدولية التي يتوفر اجماع دولي على خطورتها  نقطة مهمة يترتب  عليها عدة أمور ايجابية بالنسبة  لمستقبل المحكمة من أهمها 
1- تيسير النظر في مسائل أخرى ذات أهمية كذلك في عملية إنشاء المحكمة.
2-تنبني نهج موحد ومنسق ازاء مختلف متطلبات الاختصاص بما في ذلك متطلبات موافقة الدول والتزامها بالتعاون مع المحكمة وتقديم المساعدة القضائية .
3-حتى يتم تشجيع أكبر عدد ممكن من الدول على قبول المحكمة مما يعزز مصداقياتها وفعاليتها .
4-تجنب اتقال كاهل المحكمة بقضايا يمكن أن تتناولها المحاكم الوطنية على النحو  المناسب وكذلك التخفيف من  العبء المالي الملقي على المجتمع الدولي.
5-العمل على خلق نطاق معين من الاختصاص المشترك فيما يتعلق بجميع الدول الأطراف وتوسيع نطاق هذا الاختصاص المشترك تدريجيا مع الزمن.
لكل هذه الاعتبارات جاء التشديد في النظام الأساسي للمحكمة منذ الديباجة على ضرورة إنشاء محكمة جنائية دولية دائمة ومستقلة وذات علاقة بمنظومة الأمم المتحدة وذات اختصاص على الجرائم الأشد خطورة والتي تثير قلق المجتمع الدولي بأسره.
ولأهمية المسألة أعيد هذا التأكيد مرة ثانية في المادة الأولى من النظام الأساسي عندما نصت على ويكون لها السلطة لممارسة اختصاصاتها على الأشخاص إزاء أشد الجرائم خطورة موضع الاهتمام الدولي.

الفقرة الرابعة:العمل على توسيع نطاق اختصاص المحكمة مستقبلا

بما أن الهدف ليس فقط إنشاء المحكمة في حد ذاتها وإنما التطوير التدريجي للممارسة القانونية وسن القوانين على الصعيد الدولي كان لابد من العمل على خلق نطاق معين من الاختصاص المشترك بين جميع الدول وتوسيع نطاقه تدريجيا.لذلك كان هناك حرص شديد على إيجاد إلية مناسبة لتمكين الدول الأطرف في النظام الأساسي من النظر في إضافة جرائم أخرى في مرحلة لاحقة وهي مسألة ما انفكت مختلف الرؤى تشدد على أهميتها
[38].
ولدا فقد تم تضمين النظام الأساسي للمحكمة الإشارة إلى تلك الالية عندما نصت المادة 123 منه على أنه بعد انقضاء سبع سنوات على بدء نفاد هذا النظام يعقد الامين العام للامم المتحدة مؤتمرا استعراضيا للدول الاطراف للنظر في أية تعديلات على محتويات هذا النظام  ويجوز أن يشمل الاستعراض قائمة الجرائم المدرجة ضمن اختصاصات المحكمة .
وهي الجرائم الدولية الأشد خطورة و التي اصبحت لا تستمد طابعها الاجرامي بموجب القانون الدولي فحسب،و انما كذلك من التنصيص على تلك الطبيعة في النظام الأساسي نفسه كونها تشكل نظاما مشتركا من الاختصاص فيما يتعلق بجميع الدول الأطراف.فما هي الجرائم الدولية الأشد خطورة والتي ادرجت ضمن اختصاص المحكمة الجنائية؟ وماهو نطاق اختصاص هذه المحكمة؟
هذه التساؤلات هي محور المطلب الموالي.

  المطلب الثاني: نطاق اختصاص المحكمة

الفقرة الأولى: الاختصاص التكميلي :إشكالية السيادة الوطنية وتطوير القواعد الدولية الرامية

                لإزالة إنتهاكات القانون الدولى

أولا: مبدأ مسئولية الدول والأفراد عن إنتهاك القانون الدولي الإنساني :

         يفيد التطور التاريخي بأن الدول تتجه طواعية للخضوع لقواعد مشتركة فى سياق عملية جدلية تتوخى من جانب الحفاظ على السيادات الوطنية ، ومن جانب آخر تطوير القواعد العليا الرامية الى استئصال أنماط السلوك المخالفة للقانون ، وفى إطار هذه العلاقة الجدلية تنمو العدالة والسلام الدولى بغير التضحية المعممة وغير المشروطة بالسيادات الوطنية .
وكان من شأن تطور القانون الجنائي الدولي أن بات ممكناً مساءلة رؤساء الدول والمسئولين السياسيين أثناء شغلهم لوظائفهم على نحو ما يتضمنه النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ، والتي تحاكم الأشخاص المسئولين عن الإنتهاكات الدولية على خلاف محكمة العدل الدولية التى يقتصر إختصاصها على الفصل فى النزاعات بين الدول .فتختص المحكمة الجنائية الدولية بالجرائم المحددة ، حصراً فى نظامها الأساسى والتى تتحصل فى جرائم إبادة الجنس والجرائـم ضد الإنسانية وجرائم الحرب وجرائم العدوان ( متى يتم تعريفها وتحديد أركانها ) ، أيا كان مكان إرتكابها إعتباراً من دخول الإتفاقية حيز النفاذ فى أول يوليو 2002 . أما محكمة العدل الدولية . فتختص بالفصل فى مدى مشروعية اللجوء إلى القوة المسلحة من جانب دولة وإحترام قانون الحرب . فقد نظرت مثلاً الشكوى المقدمة من يوغوسلافيا ضد التدخل الدولى الذىحدث فى كوسوفو فى عام 1999 ، وهو تدخل تم دون الحصول على موافقة مجلس الأمن .
         ومـع ذلك فإن محكمة العدل الدولية لا تتدخل إلا بناء على موافقة من جانب الدول ، والتى يجوز لها إما أن تقبل بهذا الأختصاص بشكل دائم أو أن تقبل بولايتها بمناسبة نزاع بعينه. ويلاحظ أن الولايات المتحدة بعد أن كانت قد قبلت فى عام 1946بولاية محكمة العدل الدولية بصفة دائمة ، سحبت هذا القبول فى عام 1986 بعد إدانتها فى الدعوى المرفوعة ضدها من نيكاراجوا فى القضية المعروفة بالنشاطات العسكرية وشبه العسكرية ضد نيكاراجوا .


ثانيا : جدلية السيادة ونظام المحكمة الجنائية الدولية

 
         بالرغم من التطوير الذى أحدثه إنشاء المحكمة الجنائية الدولية ، فلا يزال النظام القانونى الدولى مبنياً على مبدأ السيادة ،
وتحوز الدول ، كما يحوز الحكام وسائل فعالة للحماية .
         فعلى سبيل المثال ، لا تستطيع المحكمة الجنائية الدولية أن تتدخل إلا إذا كانت الدولة التى إرتكبت الجريمة على اقليمها ، أو التى يحمل المتهم جنسيتها قد صدقت على النظام . ويجوز لمجلس الأمن أن يوقف التحقيقات التى يجريها المدعى العام .
ومع ذلك ، فإن عدم التصديق ليس من شأنه توفير حماية مطلقة للحكام . فمن شأن وقوع الجريمة فى بلد مشمول بولاية المحكمة أن ينعقد إختصاصها . كما أنه يتعين على جميع الدول الأطراف أن تتعاون مع المحكمة الجنائية الدولية ، وأن تقدم لها أى متهم يتواجد على إقليمهـا . وهذا ما دفع الولايات المتحدة إلى إبرام إتفاقيات ثنائية مع العديد من الدول والتى تضفى حصانة لرعاياها من المثول أمام المحكمة الجنائية الدولية .

الفقرة الثانية: الاختصاص الشخصي

أكد النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية على مسؤولية الأفراد عن ارتكاب الجريمة الدولية . إلاّ أنه لم يتجاهل مسؤولية الدولة عن هذه الجرائم ، فقد ورد في الفقرة (4) من المادة (25) من النظام الأساسي للمحكمة ( لا يؤثر أي حكم في النظام الأساسي يتعلق بالمسؤولية الجنائية الفردية في مسؤولية الدولة بموجب القانون الدولي ) .
   غير إن هذا النص لا يعني بشكل من الأشكال إمكان مسائلة الدولة جنائياً ، فلا تعدو مسائلتها أن تكون مدنية عن طريق دفع التعويضات كوسيلة لجبر الضرر المترتب عن الجريمة الدولية التي ارتكبها الشخص الذي ينتمي إليها والذي حكم عليه جنائياً عن هذه الجريمة .
ومن ثم فأن نظام روما الأساسي الخاص بتشكيل المحكمة الجنائية الدولية تبنّى المسؤولية الجنائية للأفراد – دون الدول – في نطاق القانون الجنائي الدولي  ، حيث تنحصر مسؤولية الدولة في دفع التعويضات عن الجرائم التي تُسند إلى الأشخاص المنتمين إليها بجنسيتهم  أعمالاً  لقواعد القانون الدولي .
    وفي ذلك نصت المادة (25) من النظام الأساسي للمحكمة الدولية الجنائية التى ورد فيها 
 1- يكون للمحكمة اختصاص على الأشخاص الطبيعيين عملاً بهذا النظام الأساسي .
2- الشخص الذي يرتكب جريمة تدخل في اختصاص المحكمة يكون مسؤولاً عنها بصفته الفردية وعرضه للعقاب وفقاً لهذا النظام الأساسي .
3- وفقاً لهذا النظام الأساسي ، يُسأل الشخص جنائياً ويكون عرضه للعقاب عن أية جريمة في اختصاص المحكمة حال قيام هذا الشخص بما يلي :
    أ- ارتكاب هذه الجريمة سواء بصفته الفردية أو بالإشتراك مع آخر أو عن طريق شخص آخر بغض النظر عما إذا كان ذلك الآخر مسؤولاً جنائياً .
 ب- الأمر أو الإغراء بارتكاب أو الحث على ارتكاب جريمة وقعت بالفعل أو شرع فيها .
    ج- تقديم العون أو التحريض أو المساعدة بأي شكل آخر لغرض تيسير ارتكاب هذه الجريمة أو الشروع في ارتكابها، بما في ذلك توفير وسائل ارتكابها.
    د- المساهمة بأي طريقة أخرى في قيام جماعة من الأشخاص، يعملون بقصد مشترك بارتكاب هذه الجريمة أو الشروع في ارتكابها، على أن تكون هذه المساهمة متعمدة وأن تقدم:
      (1) – أما بهدف تعزيز النشاط الإجرامي أو الغرض الإجرامي للجماعة، إذا كان هذا النشاط أو الغرض منطوياً على ارتكاب الجريمة تدخل لدى هذه الجماعة.
(2)- أو مع العلم بنسبة ارتكاب الجريمة لدى هذه الجماعة .
       هـ - فيما يتعلق بجريمة الإبادة الجماعية ، التحريض المباشر والعلني على ارتكاب جريمة الإباده الجماعية .
     و- الشروع في ارتكاب الجريمة عن طريق اتخاذ إجراء يبدأ به تنفيذ الجريمة بخطوة ملموسة ، ولكن لم تقع الجريمة لظروف غير ذات صلة بنوايا الشخص ، ومع ذلك فالشخص الذي يكف عن بذل أي جهد لارتكاب الجريمة أو يحول بوسيلة اخرى دون إتمام الجريمة لا يكون عرضةً للعقاب بموجب هذا النظام الأساسي على الشروع في ارتكاب الجريمة إذا هو تخلى تماماً وبمحض إرادته عن الغرض الإجرامي .
    4- لا يؤثر أي حكم في هذا النظام الأساسي يتعلق بالمسؤولية الجنائية الفردية في مسؤولية الدولة بموجب القانون الدولي) .
      وغالباً ما تتقرر مسؤولية الأفراد في القانون الدولي الجنائي بمناسبة مسائلة القادة والرؤساء ، وكان للمحكمة الدولية الجنائية دور مهم في التأكيد على معاملة جميع مرتكبي الجرائم الدولية على قدم المساواة  وعدم الإعتداد بحصانتهم ، فقد نصت المادة ( 27) من نظام روما الأساسي في شأن المحكمة الجنائية الدولية على إنه:

 1- يطبق هذا النظام الأساسي على جميع الأشخاص بصورة متساوية دون تمييز بسبب الصفة الرسمية ، وبوجه خاص فإن الصفة الرسمية للشخص ، سواء كان رئيساً لدولة أو حكومة أو عضواً في حكومة أو برلمان أو ممثلاً منتخباً أو موظفاً حكومياً ، لا تعفيه بأي حال من الأحوال من المسؤولية الجنائية بموجب هذا النظام الأساسي كما أنها لا تشكل في حد ذاتها سبباً لتخفيف العقوبة.
2- لا تحول الحصانات أو القواعد الإجرائية الخاصة التي قد ترتبط بالصفة الرسمية للشخص ، سواء كانت في أطار القوانين الوطنية أو الدولية دون ممارسة المحكمة اختصاصها على هذا الشخص ) .

    يؤكد هذا النص مبدأين مهمين : الأول هو مساواة الأشخاص أمام هذه المحكمة بصرف النظر عن الصفة التي يتمتع بها أيا منهم حتى ولو كانت هذه الصفة رسمية ، بمعنى أن الصفة الرسمية ليست سبباً لتمييز من يتمتع بها عن الآخر الذي لا يحمل هذه الصفة .
   أما الثاني فأنه يخلص إلى عدم الاعتداد بالحصانات أو القواعد الإجرائية سواء نص عليها في القوانين الجنائية الوطنية أو الدولية .
    ويبدو أن المشرع الدولي حاول جاهداً في نص المادة (27) من نظام المحكمة إلى تلافي الدفع بعدم مسؤولية القادة أو الرؤساء أمام القضاء الدولي ، بعد أن أصبحت عائقاً في المحاكمة أمام القضاء الوطني ومن شأنه إفلات المسؤولين من العقاب
[39] .

الفقرة الثالثة : النطاق الموضوعي أو الجرائم التي تخضع لاختصاص المحكمة

  انصرفت نية المجتمع الدولي بالاجماع الى خلق نطاق معين من الاختصاص المشترك بين الدول الأعضاء،يشمل هذا النطاق أربع جرائم أساسية تعتبر أشد الجرائم الدولية خطورة.
هذه الجرائم كما جاء في المادة الخامسة من النظام الأساسي للمحكمة هي:

  • جريمة الإبادة الجماعية[40]
  • الجرائم ضد الإنسانية [41]
  • جرائم الحرب[42]
  • جريمة العدوان[43]
( وهذه الأخيرة قد تم إدراجها مع إيقاف التنفيذ إلى حين توصل المجتمع الدولي إلى تعريف متفق عليه للعدوان، كما يضع الشروط التي بموجبها تستطيع المحكمة أن تمارس اختصاصها فيما يتعلق بهذه الجريمة).

أولا : جريمة الإبادة الجماعية :

تسببت جريمة الإبادة منذ القديم بخسائر كبيرة للبشرية، ووصفت بجريمة الجرائم، وعدت من الجرائم، التي تشكل خطرًا على السلم والأمن الدوليين .
لذلك فقد قامت الجمعية العامة للأمم المتحدة في1948   بإقرار معاهدة منع جريمة الإبادة الجماعية وقمعها.
 و عندما جاء النص على الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة الجنائية الدولية وحصرت بالجرائم الأشد خطورة، لم يكن هناك من إشكالية في إدراج جريمة الإبادة ضمن اختصاص المحكمة حيث إن أكثر الدول وافقت على أن هذه الجريمة تفي بالمعايير المبينة في الديباجة .
وورد جرم الإبادة في المادة السادسة من نظام المحكمة الجنائية الدولية مطابقًا تمامًا للمادة الثانية من معاهدة 1948 . وكان من الضروري تعريف الإبادة لأن عدم تعريفها يتناقض مع المبدأ القائل لا جريمة ولا عقوبة بغير نص قانوني .
وتعني الإبادة الجماعية التي وردت في المادة السادسة من النظام الأساسي أيًا من الأفعال الآتية متى ارتكب بقصد إهلاك جماعة قومية أو أثنية أو عرقية أو دينية، بصفتها هذه، إهلاكًا كليًا أو جزئيًا :

1- قتل أفراد الجماعة .
2إلحاق ضرر جسدي أو عقلي جسيم بأفراد الجماعة.
3إخضاع الجماعة عمدًا لأحوال معيشية بقصد إهلاكها الفعلي كليًا أو جزئيًا.
4- فرض تدابير تستهدف منع الإنجاب داخل جماعة.
5نقل أطفال الجماعة عنوة إلى جماعة أخرى .

6القتل العمد وجرائم إبعاد السكان أو النقل القسري لهم أو السجن أو التعذيب أو الحرمان الشديد

من الحرية البدنية بما يخالف القانون الدولي .
ويمكن أن نقول، أن تعريف هذه الجريمة لم يثر مشكلات كثيرة، والسبب في ذلك هو اعتماد تعريف
جريمة الإبادة الجماعية التي وردت، كما سبق وذكرنا، في اتفاقية 1948.

و علاوة على التعريف الواضح للجريمة في الاتفاقية المذكورة وتحديد عناصرها وصورها فان الاتفاقية نفسها قد تضمنت شروط الملاحقة الدولية ضد مرتكبي هذه الجريمة ،بل شددت كذلك على أن مسألة الاختصاص بالمحاكمة عن هذه الجريمة يمثل الضمانة الأساسية للحيلولة دون إفلات مرتكبيها من العقاب.لذلك سارعت الجمعية العامة الى اصدار توصية مهمة
[44] تضمنت ثلاث مسائل أساسية كانت بمثابة اللبنة الأولى لجهود الامم المتحدة نحو انشاء المحكمة الجنائية الدولية،وهذه الأمور الثلاثة[45] هي:

  • الاعتراف بأنه في مجال تطور المجتمع الدولي،سوف تزداد الحاجة الى وجود قضاء جنائي دولي يختص بالنظر في بعض الجرائم التي تستمد صفتها الدولية من خلال القانون الدولي العام.
  • دعوة لجنة القانون الدولي لدراسة ما اذا كان ممكنا انماء هيئة قضائية دولية لمحاكمة المتهمين بارتكاب جريمة ابادة الجنس أو الجرائم الأخرى التي تصبح من اختصاص هذه الهيئة وذلك بموجب الاتفاقيات الدولية المعقودة.
  • مطالبة لجنة القانون الدولي التي سوف تضطلع بهذا العمل أن تراعي مدى امكانية انشاء دائرة جنائية ضمن دوائر محكمة العدل الدولية.
ورغم أت اتفاقية 9 دسمبر  1948جاءت خالية من العقاب ،و هو الشق الثاني لمبدأ الشرعية وأغفلت الاشارة الى الجماعات الاجتماعية والسياسية  الا أنها بالفعل شاملة في تعريف الجريمة و تحديد عناصرها و الافصاح عن طابعها الجرمي سواء ارتكبت في أوقات السلم أو الحرب ،و بالتااي لم يعد بالامكان تركها ضمن اختصاص الدول لانها تنطوي على مس خطير بالسلم و الأمن الدوليين، وعادة ما تمارس من قبل السلطات العامة أو بمعرفتها بحيث يغدو الاعتماد على المحاكم الدولية عديم الجدوى .
رغم أن المادة 6 من النظام الاساسي لم تشر الى الجماعات الثقافية و السياسية، الا أن هذه المسألة قد تمت معالجتها في سياق الجرائم المرتكبة ضد الانسانية.

ثانيا: الجرائم ضد الإنسانية :

كان الاتفاق في مؤتمر روما تامًا على خطورة الجرائم ضد الإنسانية وعلى وجوب تضمينها في قائمة الجرائم التي تختص بها المحكمة الجنائية الدولية .
كما كان من المهم أن يكون اختصاص المحكمة قاصرًا على الجرائم الدولية الثابتة في القانون الدولي العرفي وعلى تعريف هذه الجرائم، ومن بينها الجرائم ضد الإنسانية، تعريفًا واضحًا ودقيقًا في النظام الأساسي، وذلك حسبما يقضي به مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات. وأسفر المؤتمر عن وضع تعريف عام للجرائم ضد الإنسانية وعن قائمة بالأفعال المكونة لها، وبذلك يكون قد جرى أول مرة في التاريخ تعريف الجرائم ضد الإنسانية في معاهدة دولية اعتمدتها غالبية الدول .
في الحقيقة هناك العديد من الأفعال التي تشكل جريمة ضد الإنسانية. وتعد جريمة ضد الإنسانية تلك التي ترتكب ضد أية مجموعة من السكان المدنيين وعن علم بالهجوم. وعلى الرغم من وجود بعض التشابه بين أفعال الجريمة ضد الإنسانية وجريمة الإبادة الجماعية، فإن الأولى أضيق نطاقًا لأنها ترتكب ضد جماعة عرقية أو أثنية أو دينية ...الخ
وقد نصت المادة 7 من النظام الأساسي على الأفعال اللا إنسانية التي تدخل في اختصاص المحكمة :

1القتل .
2الإبادة .
3الاسترقاق .
4إبعاد السكان أو النقل القسري للسكان .
5- السجن أو الحرمان الشديد على نحو آخر من الحرية البدنية بما يخالف القواعد الأساسية
للقانون الدولي .
6التعذيب .
7الاغتصاب أو الاستعباد الجنسي، أو الإكراه على البغاء، أو الحمل القسري، أو التعقيم القسري،
أو أي شكل آخر من أشكال العنف الجنسي على مثل هذه الدرجة من الخطورة .
8الاختفاء القسري للأشخاص .
9جريمة الفصل العنصري .
10الأفعال اللا إنسانية الأخرى ذات الطابع المماثل التي تسببت عمدًا في معاناة شديدة أو أي
أذى خطير يلحق بالجسم أو بالصحة العقلية أو البدنية .
11اضطهاد أية جماعة محددة أو مجموع محدد من السكان لأسباب سياسية أو عرقية أو قومية
أو أثنية أو ثقافية أو دينية أو متعلقة بنوع الجنس أو لأسباب أخرى من المسلم عالميًا أن
القانون لا يجيزها .

وهنا لا بد لنا من ملاحظة أنه يجب أن تتوافر الأركان الآتية في الجرائم ضد الإنسانية:

أأن تكون هناك سياسة دولية أو سياسة من قبل منظمة غير حكومية المادة 7 فقرة 2
بأن تكون الجريمة من الجرائم الواردة حصرًا في المادة 7 فقرة 1
جأن ترتكب هذه الجرائم على نطاق واسع أو أساسي منهجي المادة 7 فقرة 1

من خلال ذلك نستخلص أن ركن السياسة هو المحك في الاختصاص لأنه يعمل على تحويل الجرائم

من جريمة وطنية إلى جريمة دولية، وتصبح من اختصاص المحكمة الجنائية الدولية، ويصبح بإمكانها حماية الأفراد والجماعات من الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان الأساسية .
وقد تضمنت هذا النوع من الجرائم العديد من الاتفاقيات الدولية التي أعقبت الحرب العالمية الأواى خصوصا تلك التي تعنى بحماية الأقليات، وكذلك التي شكلت بداية للمسألة الجنائية وتقرير المسؤولية الجنائية الشخصية...لكن أغلب هذه الاتفاقيات كانت تنظر لهذا النوع من الجرائم من زاوية ارتباطه بجرائم الحرب.

ثالثا: جرائم الحرب :

لقد جاء في المادة 8 من النظام الأساسي للمحكمة في الفقرة 1 منها:"يكون للمحكمة اختصاص فيما يتعلق بجرائم الحرب ولا سيما عندما ترتكب في إطار خطة سياسية عامة أو في إطار عملية ارتكاب واسعة النطاق لهذه الجرائم" .
وقد أكدت العديد من الدول الحاجة إلى تقديم شرح معين بالنسبة لهذا التعريف للتأكد من التزام المحكمة
بالتركيز على حالات جرائم الحرب الخطيرة التي تمثل قلقًا للمجتمع الدولي ككل. فقد خشيت هذه الدول أن تنشغل المحكمة بالعديد من حوادث الحرب الأقل خطورة نسبيًا، أو أن تلجأ لممارسة السلطة القضائية بالنسبة لهذه الجرائم حتى في الحالات التي تكون فيها الدول نفسها على أتم استعداد لممارسة السلطة القضائية تجاهها  وبعد مباحثات مطولة تم التوصل إلى حل وسط، وهو أن المحكمة يمكنها ممارسة السلطة القانونية في الحالات الفردية من ارتكاب جرائم الحرب وفي الوقت نفسه توفر للمحكمة الحافز لإعطاء الأولوية لأكثر الجرائم انتهاكًا للمادة 8 ، وهذا ما يظهر لنا من الفقرة الثانية من المادة 8 بأن جرائم الحرب تعني : الأفعال المرتكبة ضد الأشخاص، أي الانتهاكات الجسيمة لاتفاقيات جنيف المؤرخة في 1949 ،أو الممتلكات الذين تحميهم أحكام اتفاقيات جنيف ذات الصلة، وأيضًا  الانتهاكات الخطيرة الأخرى للقوانين والأعراف السارية على المنازعات الدولية المسلحة في النطاق الثابت للقانون الدولي ، ومن بين الانتهاكات: "قيام دولة الاحتلال، على نحو مباشر أو غير مباشر، بنقل أجزاء من سكانها المدنيين إلى الأرض التي تحتلها أو إبعاد كل سكان الأرض المحتلة أو نقلهم أو أجزاء منهم داخل هذه الأرض أو خارجها ". وبهذا صار الاستيطان أو إبعاد السكان جرائم حرب. وكذلك الانتهاكات الجسيمة للمادة 3 المشتركة بين اتفاقيات جنيف الأربع المؤرخة 1949
وهي الأفعال المرتكبة ضد أشخاص غير مشتركين اشتراكًا فعليًا في الأعمال الحربية، بما في ذلك أفراد القوات
المسلحة الذين ألقوا سلاحهم وأولئك الذين أصبحوا عاجزين عن القتال بسبب المرض أو الإصابة أو الاحتجاز أو لأي سبب آخر.
وهكذا نلاحظ أن هذه الدول نجحت في إدخال جرائم الحرب المرتكبة في أثناء المنازعات المسلحة ضمن جرائم الحرب، لكنها أخفقت في المقابل في تجريم استخدام أسلحة الدمار الشامل في المنازعات الدولية،لهذا فقد جاءت المادة الثامنة خالية من النص على اختصاص المحكمة باستخدام الأسلحة النووية والأسلحة البيولوجية أو الكيماوية والألغام ضد الأشخاص وأسلحة الليزر المعمية ...
وكان من الأفضل إدراج أسلحة الدمار الشامل في النظام الأساسي لروما، خاصة أن استخدام هذه الأسلحة محظور الآن بمقتضى القانون الدولي. ويمكن الاجتهاد في هذه المسألة بحيث يكون استخدام هذه الأسلحة مادة تخضع للرقابة القضائية لمحكمة الجنايات الدولية المستقبلية غير مباشرة .

رابعا: جريمة العدوان

أجّل اختصاص المحكمة في النظر في الجريمة الرابعة ( جريمة العدوان ) ، بحجة الإتفاق على تعريفها
[46] .    
     وفي ذلك نصت الفقرة (2) من المادة (5) من النظام الأساسي للمحكمة على ( تمارس المحكمة الاختصاص على جريمة العدوان متى اعتمد حكم بهذا الشأن وفقاً للمادتين (121، 123) يعرف جريمة العدوان ويضع الشروط التي بموجبها تمارس المحكمة اختصاصها فيما يتعلق بهذه الجريمة ) .
    ويبدو من ذلك أن النظام قد أجّل إختصاص المحكمة في جريمة العدوان ، حتى يتم الاتفاق على تعريف للعدوان ، ويتم بعد ذلك تعديل النظام الأساسي وفقاً للمادتين (121، 123) الخاصة باتفاق الدول الأطراف على تعريف محدد لهذه الجريمة ، وإجراء التعديل وفقاً للإجراءات المنصوص عليها في المواد أعلا ه . إلاّ أن ذلك لا ينفي إن هذه الجريمة هي من أقسى وأخطر الجرائم الدولية المرتكبة ، ومع إن هذه الجريمة تتسم بالخطورة ، وغالباً ما ترافق ارتكابها الكثير من الانتهاكات الأخرى للقانون الدولي الإنساني ، فأن البعض من الدول لم تقبل إدراج العدوان كجـريمة دولية ضمن النظام الأسـاسي للمحكمة الدولية الجـنائية على أساس عدم وجود تعريف محدد للعدوان والأفعال المكونة له
[47] . ولعل أشد المعارضين لذلك تمثل في دولتي الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل .
    ومن الجدير بالذكر أنه قد أُثير جدل كبير حول ضرورة تعريف العدوان وتحديد مضمونه ، وظهر إتجاهان رئيسيان : أحدهما يرفض تعريف العدوان ، ويرى أن الحل الأنسب هو الإبتعاد عن الخوض في التعريف ، وترك الأمر لتقدير مجلس الأمن والقضاء الدولي عند وجوده ، ويتزعم هذا الإتجاه الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا ، ويستند في وجهة نظره إلى حجج قانونية مضمونها أن التعريف يتعارض مع الأنظمة القانونية للدول التي تعتمد على العرف ، حيث إن تعريف العدوان يستجيب مع المبادئ التي تعتمد وجود قواعد قانونية مكتوبة ، وهو ما يتعارض أيضاً مع قواعد القانون الدولي العام والقانون الدولي الجنائي ذات المصدر العرفي 
[48].
   كما أن نصوص المواد ( 3 ، 4 ، 10 ، 11 ، 14 ) من ميثاق الأمم المتحدة ، والتي تتعلق بالمحافظة على السلم والأمن الدوليين ، وما تفرضه من إلتزامات تغني عن البحث في تحديد معنى العدوان .
   كذلك إن عدم وجود سلطة دولية قضائية تتولى الفصل في المنازعات بين الدول يجعل البحث في تعريف العدوان دون جدوى لأن قرارات محكمة العدل الدولية غير ملزمة ، وإن قرارات مجلس الأمن تعترضه مسالة حق (الفيتو) .
   ويذهب أصحاب هذا الإتجاه إلى وجود حجج عملية إضافة للحجج للقانونية السالفة الذكر تتلخص في صعوبة وضع تعريف دقيق للعدوان بشكل جامع لكل صوره خصوصاً بعد التقدم التكنولوجي في مجال التسلح.
   كما يعتقد هذا الإتجاه إن عدم وجود تعريف للعدوان لن يؤثر على دور الأمم المتحدة عملياً في القيام بحفظ السلم والأمن الدوليين خصوصاً عند اللجوء للقوة لفض المنازعات الدولية ، وهذا ما نصت عليه الفقرة الرابعة من المادة الثانية من الميثاق .
    أما الإتجاه المؤيد لتعريف العدوان والذي يتزعمه الإتحاد السوفيتي السابق في حينها ، يرى ضرورة وضع تعريف للعدوان ، ويستندون إلى مجموعة من الحجج ، تتلخص في أن وضع التعريف هو تأكيد على التمسك بمبدأ الشرعية في مجال القانون الدولي الجنائي ، ويحدد الجريمة العدوانية بشكل واضح ، كذلك يحفز القضاء والمجتمع الدولي على ضرورة إنشاء قضاء جنائي دولي ، وأيضاً يكون بمثابة تحذير بمحاكمة ومعاقبة من يقدم على ارتكاب جريمة العدوان ، ويساهم في تحديد شخص المعتدي تمهيداً لإقرار مسؤوليته الجزائية ، ويساعد المعتدى عليه في حالة استعمال حق الدفاع الشرعي ، أو تأييده عند اللجوء إلى الأمم المتحدة ،  وبالتالي كل ذلك يصب في تحقيق المحافظة على السلم والأمن الدولييــن بفرض مبدأي الحرية والمساواة بين الدول ، وحظر التدخل في الشؤون الداخلية لأي دولة وعدم المساس بسيادتها أو باستقلالها أو بسلامتها الإقليمية
[49] .

الفقرة الثالثة : النطاق الزمكاني

    أولا: الاختصاص الزماني

نصت المادة  11 الفقرة   1 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية على أنه: (( ليس للمحكمة اختصاص إلا فيما يتعلق بالجرائم التي ترتكب بعد بدء نفاذ هذا النظام الأساسي)). هذا يعني أن المحكمة تختص بالنظر في الجرائم التي ترتكب بعد دخول نظامها الأساسي حيز التنفيذ، أي أنه لا اختصاص للمحكمة على الجرائم التي وقعت قبل بدء النظام الأساسي .
كما تنص الفقرة  2  من المادة نفسها على أنه : (( إذا أصبحت دولة من الدول طرفًا في هذا النظام الأساسي بعد بدء نفاذه، لا يجوز للمحكمة أن تمارس اختصاصها إلا فيما يتعلق بالجرائم التي ترتكب بعد بدء نفاذ هذا النظام بالنسبة لتلك الدولة )) ، ما لم تكن تلك الدولة قد أصدرت إعلانًا أودعته لدى سجل المحكمة، تقبل بموجبه (( ممارسة المحكمة اختصاصها فيما يتعلق بالجريمة قيد البحث))، المرتكبة قبل نفاذ النظام بالنسبة لتلك الدولة
[50].
فالنظام الأساسي للمحكمة أخذ بالقاعدة العامة المطبقة في جميع الأنظمة القانونية في العالم والتي تقضي بعدم جواز تطبيق القوانين الجنائية بأثر رجعي. أي أن القانون يطبق بأثر فوري ومباشر ولا يرتد إلى الماضي لكي يطبق على الجرائم التي وقعت قبل نفاذه. وكذلك الحال بالنسبة للدول التي تصبح طرفًا في النظام الأساسي بعد نفاذه فلا يجوز للمحكمة أن تمارس اختصاصها إلا فيما يتعلق بالجرائم التي ترتكب بعد بدء نفاذ النظام بالنسبة لتلك الدولة. وتطبيق القانون بأثر فوري ومباشر من قبل المحكمة يعد  تشجيعًا للدول للانضمام إلى النظام الأساسي للمحكمة دون الخوف من العودة إلى الماضي وإثارة البحث في الجرائم التي تكون الدولة قد ارتكبتها في الماضي .
[51]
وهكذا يمكن القول: إن اختصاص المحكمة الجنائية الدولية هو اختصاص مستقبلي فقط [52] ويسري النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية في اليوم الأول من الشهر الذي أعقب اليوم الستين التالي لإيداع صك تصديق الدولة لدى الأمين العام للأمم المتحدة، وتعد المحكمة قائمة منذ ذلك التاريخ، كما يسري هذا النظام أيضًا على الدولة التي تنضم إلى المعاهدة بعد ذلك، في اليوم الأول من الشهر الذي يلي  60  يومًا على إيداع صك تصديق هذه الدولة [53].
والسؤال الذي يمكن أن يطرح، ما مصير الجرائم التي ترتكب قبل بدء نفاذ نظام روما الأساسي
وصيرورة الدولة طرفًا في المعاهدة ؟
هل تبقى هذه الجرائم الوحشية دون عقاب، نظرًا لأن المحكمة لا تستطيع أن تفصل في الجرائم التي
تقع قبل بدء نفاذ نظامها الأساسي ؟
في الحقيقة يمكن أن يكون هناك استثناء بالنسبة لبعض الجرائم كحالة الانتهاكات المستمرة، كاختفاء
الأشخاص القسري الذي مازال اختفاؤهم قائمًا بعد نفاذ صلاحية المحكمة للنظر في هذه الانتهاكات، على أساس أن مثل هذه الجرائم تتمتع بالاستمرارية، أي جرائم تستمر زمنيًا. ولكن لم يتم تقديم أي اقتراح باتخاذ قرار بهذا الخصوص على الرغم من إمكانيته من حيث المبدأ
[54].
لذلك يمكن القول: إنه في مثل هذه الحالات يمكن أن يسند الاختصاص بالنظر في هذه الجرائم، إلى المحكمة الجنائية بمقتضى قرار يصدر عن مجلس الأمن استنادًا إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، أو تنشأ محكمة خاصة مؤقتة بقرار من مجلس الأمن أيضًا على غرار محكمة يوغوسلافيا السابقة ومحكمة رواندا
[55] أو تقبل الدولة التي يقع على أراضيها تلك الجريمة، أو تلك التي يكون المتهم أحد رعاياها باختصاص المحكمة الدائمة. فإذا لم تتحقق أحد الفروض السابقة فإن مثل هذه الجرائم تبقى خارج اختصاص المحكمة الجنائية الدولية، ويفلت مرتكبوها من العقاب أمامها، حتى لو تم اعتقالهم في أراضي دولة أخرى، بل حتى ولو كانت تلك الدولة الأخرى طرفًا في نظام روما، أو قبلت باختصاص المحكمة إن لم تكن طرفًا في النظام الأساسي [56] وبذلك نخلص إلى القول: إن النطاق الزمني للنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ضيق إلى حد ما، ولابد من إعادة النظر فيه حتى لا يفلت مرتكبو الجرائم الوحشية من العقاب .
 
 
لائحة المراجع:

  1. بسيوني محمد شريف: المحكمة الجنائية الدولية – نشأتها ونظامها الأساسي- مع دراسة لتاريخ لجان التحقيق الدولية والمحاكم الجنائية الدولية السابقة، شيكاغو 2002. وطبعة القاهرة بمطابع روز الجديدة عام 2002.
  2. بندق وائل أنور: المحكمة الجنائية الدولية، مكتبة الوفاء القانونية، الإسكندرية 2009.
  3. حرب علي جميل: القضاء الدولي الجنائي، دار المنهل اللبناني للدراسات، بيروت 2010.
  4. حسن سعيد عبد اللطيف: المحكمة الجنائية الدولية، نظامها الأساسي- اختصاصها التشريعي والقضائي، دار النهضة العربية، القاهرة 2004.
  5. حمودة منتصر سعيد: المحكمة الجنائية الدولية، النظرية العامة للجريمة الدولية، أحكام القانون الدولي الجنائي، دراسة تحليلية، دار الفكر الجامعي الإسكندرية 2009.
  6. الزمالي عامر: العلاقة بين القانون الدولي الإنساني وبين القانون الدولي الجنائي، ورقة عمل مقدمة في ندوة القانون الدولي الإنساني والعلاقات الدولية المنعقدة في رحاب جامعة دمشق بالاشتراك مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر، 27-28/10/2002.
  7. سليمان عبد الله سليمان: المقدمات الأساسية في القانون الجنائي الدولي، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر 1992.
  8. الشكري علي يوسف: القانون الجنائي الدولي في عالم متغير، ايتراك القاهرة 2005.
  9. شناق زكي محمد: مبدأ التكامل في الاختصاص بين القضاء الجزائي الوطني والقضاء الجنائي الدولي وفق النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، مجلة بحوث حلب، سلسلة العلوم الاقتصادية والقانونية العدد () لعام 2004.
  10. ضاري خليل محمود: المحكمة الجنائية الدولية هيمنة القانون أم قانون الهيمنة، نشأة المعارف، الإسكندرية د.ت.
  11. طعيمان يحي الله: جرائم الحرب في نظام المحكمة الجنائية الدولية،دار الكتب اليمنية صنعاء 2010 ط1.
  12. عبد اللطيف براء منذر كمال: النظام القضائي للمحكمة الجنائية الدولية، دار حامد للنشر، الأردن 2008.
  13. القهوجي علي عبد القادر: القانون الجنائي الدولي، أهم الجرائم الدولية- المحاكم الدولية الجنائية، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت 2001.
  14. القهوجي علي عبد القادر:المعاهدات الدولية أمام القاضي الجنائي، ط2، الدار الجامعية، بيروت 1998.
  15. عبد القادر البقيرات , العدالة الجنائية الدولية معاقبة مرتكبي الجرائم ضد الانسانية ديوان المطبوعات الجامعية ,الجزائر 2005 .
  16. فتوح عبد الله الشادلي ,القانون الدولي الجنائي  , الكتاب الأول :أولويات القانون الدولي الجنائي النظرية العامة للجريمة الدولية . 2002 .
  17. محمد عبد المنعم عبد الغني, الجرائم الدولية في القانون الدولي الجنائي, دار الجامعة الجديدة, الإسكندرية 2007.
  18. واسع حرية ,النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية , دراسة تحليلية نقدية ,رسالة ماجستير ,جامعة فرحات عباس ,كلية الحقوق ,سطيف ,2003. 
 
 
 

الهوامش

[1]  بسيوني محمد شريف: المحكمة الجنائية الدولية – نشأتها ونظامها الأساسي- مع دراسة لتاريخ لجان التحقيق الدولية والمحاكم الجنائية الدولية السابقة، شيكاغو 2002. وطبعة القاهرة بمطابع روز الجديدة عام 2002. ص 7,1.
[2]  حرب علي جميل: القضاء الدولي الجنائي، دار المنهل اللبناني للدراسات، بيروت 2010.ص23 .
 
[3]  قيدا نجيب حمد, المحكمة الجنائية الدولية, منشورات الحلبي الحقوقية, بيروت 2006, ص 40
[4]  القهوجي علي عبد القادر: القانون الجنائي الدولي، أهم الجرائم الدولية- المحاكم الدولية الجنائية، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت 2001. ص 225 .
[5]  عامر الزمالي , فكرة إنشاء محكمة جزائية دولية ,جامعة دمشق 2002 , ص 10
[6]  طعيمان يحي الله: جرائم الحرب في نظام المحكمة الجنائية الدولية،دار الكتب اليمنية صنعاء 2010 ط1.
[7]  عامر الزمالي , فكرة إنشاء محكمة جزائية دولية ,جامعة دمشق 2002 , ص 18
 
  [8]  محمد عبد المنعم عبد الغني, الجرائم الدولية في القانون الدولي الجنائي, دار الجامعة الجديدة, الإسكندرية 2007. ص 125
 
[9]  الشكري علي يوسف: القانون الجنائي الدولي في عالم متغير، ايتراك القاهرة 2005. ص14
[10]  الشكري علي يوسف: القانون الجنائي الدولي المرجع السابق ص 18
[11]  بسيوني محمد شريف: المحكمة الجنائية الدولية الرجع السابق ص 14,13
[12]  محمد عبد المنعم عبد الغني, الجرائم الدولية في القانون الدولي الجنائي المرجع السابق ص 216,214
 [13]  الشكري علي يوسف: القانون الجنائي الدولي المرجع السابق ص 26
[14]  عصام عبد الفتاح مطر , القضاء الجنائي الدولي , مبادئه ,قواعده الموضوعية و الإجرائية دار الجامعة الجديدة الإسكندرية 2008 ص 32 .
[15]  القهوجي علي عبد القادر:المعاهدات الدولية أمام القاضي الجنائي، ط2، الدار الجامعية، بيروت 1998. ص 231 .
 
[16]  حسن سعيد عبد اللطيف: المحكمة الجنائية الدولية، نظامها الأساسي اختصاصها التشريعي والقضائي، دار النهضة العربية، القاهرة 2004.ص 20
[17]  الشكري علي يوسف: القانون الجنائي الدولي المرجع السابق ص 35 .
[18]  القهوجي علي عبد القادر: القانون الجنائي الدولي، أهم الجرائم الدولية ص 26 ,27 .
[19]  الشكري علي يوسف: القانون الجنائي الدولي المرجع السابق ص 32
[20]  القهوجي علي عبد القادر:المعاهدات الدولية أمام القاضي الجنائي 252
[21]  حسن سعيد عبد اللطيف: المحكمة الجنائية الدولية ص 119.
[22]  الشكري علي يوسف : المرجع السابق ص 36 .
[23]  عصام عبد الفتاح مطر , القضاء الجنائي الدولي المرجع السابق , ص 42 .
 الدكتور عبد الوهاب هومد " الإجرام الدولي ص 178 . [24]
[25]  القهوجي علي عبد القادر: المرجع السابق ص 264 .
[26]  القهوجي علي عبد القادر: المرجع السابق ص  268 .
[27]  محمد عبد المنعم عبد الغني : المرجع السابق ص 470 .
[28]  القهوجي علي عبد القادر: المرجع السابق ص 277 .
[29]  القهوجي علي عبد القادر: المرجع السابق ص279.
[30]  مرشد أحمد السيد و أحمد غازي الهرمزي ,القضاء الجنائي الدولي  دراسة تحليلية للمحكمة الدولية الجنائية بيوغوسلافيا مقارنة مع محاكم نور مبرغ وطوكيو وراندا دار الثقافة للنشر والتوزيع ودار العلمية الدولية للنشر و التوزيع الاردن 2002 ,ص 116 .
 
[31]  القهوجي علي عبد القادر: المرجع السابق ص 293 .
[32]  عبد القادر البقيرات: المرجع السابق ص 191 .
[33]   القهوجي علي عبد القادر: المرجع السابق ص 297 .
[34] لمزيد من التفصيل حول النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، راجع مركز معلومات المحكمة الجنائية الدولية على الشبكة الدولية للإنترنت.
 - http:// www.icc.arsbic.org/docs.
[35] د.عادل ماجد، المحكمة الجنائية الدولية والسيادة الوطنية، القاهرة 2001
[36] تقرير اللجنة التحضيرية لانشاء اللجنة التحضيرية
[37] ايمان الخمالي ، المحكمة الجنائية الدولية بين قوة القانون و قانون القوة،رسالة ماستر،كلية الحقوق ، طنجة ص 87
[38] د. علي يوسف الشكري، القضاء الجنائي الدولي في عالم متغير ،ص 98
[39] أنظر: خالد محمد خالد – مسؤولية الرؤساء والقادة امام المحكمة الدولية الجنائية-رسالة ماجستير مقدمة الى الاكاديمية العربية  في الدانمارك  ،  2008 . ص 37 ومابعدها .
 
[40] ناظر أحمد منديل ، جريمة ابادة الجنس البشري ، رسالة ماجستير مقدمة الى كلية القانون جامعة بغداد 2000 ص 3
[41] لم يتم تطوير أي معاهدة خاصة بالجرائم ضد الانسنية منذ سنة 1945 على الرغم من تبني العديد من المعاهدات الخاصة بجرائم متنوعة أخرى منذ ذلك الوقت. د. محمود شريف بسيوني ، مدخل لدراسة القانون الانسني الدولي القاهرة 2000 ص 79
[42] د. محمود شريف بسيوني ، مدخل لدراسة القانون الانسني الدولي ، مرجع سابق ، ص 85
[43] د. علي يوسف الشكري ، القضاء الجنائي الدولي في عالم متغير ، ص 132
[44] د.محمد عبد المنعم عبد الخالق ، الجرائم الدولية ،دراسة تأصيلية للجرائم ضد الانسانية و السلام و جرائم الحرب ،دار النهضة،الطبعة الأولى 1989 ص 187
[45] الباحثة ايمان الخمالي، المحكمة الجنائية الدولية بين قوة القانون و قانون القوة،رسالة ماستر مقدمة في كلية الحقوق ، جامعة عبد المالك السعدي بطنجة/2008-2009 ص 90-91
[46] جون ماري هنكرتس ولويز دوزوالد . بك – القانون الدولي الانساني العرفي – مصر ، 2007، ص 496 وما بعدها .
[47] منذ قيام الامم المتحدة اخذت محاولات وضع تعريف للعدوان تتزايد، رغم ان ميثاق الامم المتحدة جاء خالياً من تعريف له، ففي عام 1953 قدم الاتحاد السوفيتي الى الجميعيه العامة مشروعاً لتعريف العدوان وفي عام 1968 اصدرت الجمعية العامة قرارها المرقم 22 / 2330 الخاص بتشكيل لجنة من 35 عضواً لدارسة مسألة تعريف العدوان وقدمت اللجنة ثلاثة مشاريع في هذا الخصوص . وفي عام 1974 أصدرت الجمعية العامة قرارها المرقم 3314 الخاص بتعريف العدوان والذي جاء في المادة الاولى منه (( ان العدوان هو استخدام القوة المسلحة من قبل دولة ما ضد دولة اخرى أو سلامتها الاقليمية أو استقلالها السياسي او باية صورة اخرى تتنافى مع ميثاق الامم المتحدة وفقاً لنص هذا التعريف )). لم يكتف قرار الجمعية العامة بتعريف العدوان وانما ذكر افعالا قال ان كلا منها يكيف بانه فعل عدواني ، حيث نصت المادة (7) من التعريف على تكييف الافعال الاتية بانها عدوانية :أ :غزو او مهاجمة اراض دول ما عن طريق القوات المسلحة لدولة اخرى او احتلال عسكري مهما يكن مؤقتا ، ناجم عن مثل هذا الغزو او المهاجمة او أي ضرر باستخدام القوة ، لأراض دولة اخرى او جزء منها .ب : قصف اراضي دولة اخرى عن طريق القوات المسلحة لدولة ما او استخدام اية اسلحة من جانب دولة ما ضد اراضي دول اخرى .ج :.حصار موانئ او سواحل دولة ما عن طريق القوات المسلحة لدولة اخرى .د : اي هجوم تقوم به القوات المسلحة لدولة ما على القوات البرية او البحرية او الجوية او على الاساطيل البحرية او الجوية لدولة اخرى . ه : استخدام القوات المسلحة لدولة ما الموجودة داخل اراضي دولة اخرى بموافقة الدولة المستقبلة ، على نحو يناقض الشروط المنصوص عليها في الاتفاق او اي مد لوجودها الى مابعد انتهاء الاتفاق
[48] د. عبد الوهاب حومد – المصدر السابق – ص 245
[49] د. علي عبد القادر القهوجي – المصدر السابق – ص 22 – 27 .
[50]  المادة  12 الفقرة 3   من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية . د. محمود شريف بسيوني : المرجع السابق ص 278
[51]   د. أبو الخير أحمد عطية : المرجع السابق ص 39
[52]  د. محمود شريف بسيوني : المرجع السابق ص 151
[53]  المادة  126  فقرة  2 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية .
 
[54]  المحكمة الجنائية الدولية : تحدي الحصانة . المرجع السابق ص 113
[55]  د. وائل أحمد علام : المرجع السابق 108-111
[56]  د. علي عبد القادر القهوجي : القانون الدولي الجنائي الطبعة الأولى منشورات الحلبي ،سنة 2001 ،ص 229-230



الاحد 10 نونبر 2013
MarocDroit منصة مغرب القانون "الأصلية"

تعليق جديد
Twitter