قضت المحكمة الإدارية بالرباط في حكم رقم: 1976 بتاريخ 2012/5/24[[1]]url:#_ftn1
بالآتي :
إن إشراف النيابة العامة على أعمال الشرطة القضائية طبقا للمادة 16 وما يليها من قانون المسطرة الجنائية لا يمكن أن يرتب مسؤوليتها بصفة آلية عن الخطأ القضائي الذي تتحمله الدولة طبقا للفصل 122 من الدستور ،[[2]]url:#_ftn2 ما دامت لم يصدر عنها تعليمات مباشرة كانت سببا في وقوع الخطأ المدعى بشأنه ،لأن ضياع المحجوز بين يدي الضابطة القضائية يعتبر فعلا ماديا يتحمل مرفق الأمن المسؤولية الإدارية المباشرة عنه ،تبعا للمادة 23 من قانون المسطرة الجنائية .
ورفع الدعوى مباشرة في مواجهة الدولة دون إدخال كل من الجهة الوصية على مرفق الأمن و الوكيل القضائي للمملكة في دعوى المسؤولية الإدارية يجعل الدعوى مختلة شكلا طبقا للفصلين 1 و 515 من قانون المسطرة المدنية وحليفها عدم القبول .
يثير حكم المحكمة الإدارية بالرباط مسألة تحديد الأساس الذي يمكن بموجبه إثارة مسؤولية الدولة عن عمل النيابة العامة في إشرافها على أعمال الضابطة القضائية ، هل هو الخطأ القضائي و الذي يتم بموجبه إثارة مسؤولية النيابة العامة كهيئة قضائية، أم الخطأ المرفقي وبالتالي يتم الإكتفاء بإثارة مسؤولية مرفق الأمن منفردا .
للتعليق على هذا الحكم لابد من استعراض الوقائع و الحيثيات ،وكذا التعليل الذي اعتمدته المحكمة .
- الوقائع
- التعليل
2072/2001 بتاريخ 2001/6/6 تحت رقم 29/6/21 ،طالما أنه يقع على عاتق الشرطة القضائية عبئ إثبات تسليم المحجوز.
وحيث أن إشراف النيابة العامة على أعمال الشرطة القضائية طبقا للفصل 16 وما يليها من قانون المسطرة الجنائية لا يمكن أن يرتب مسؤوليتها بصفة آلية عن الخطأ القضائي الذي تتحمله الدولة طبقا للفصل 122 من الدستور ما دامت لم يصدر عنها تعليمات مباشرة كانت سببا في وقوع الخطأ المدعى بشأنه ، لأن ضياع المحجوز بين يدي الضابطة القضائية يعتبر فعلا ماديا يتحمل مرفق الأمن المسؤولية الإدارية المباشرة عنه تبعا للمادة 23 من قانون المسطرة الجنائية.
وحيث أن رفع الدعوى مباشرة في مواجهة الدولة دون إدخال كل من الجهة الوصية على مرفق الأمن و الوكيل القضائي للمملكة في دعوى المسؤولية الإدارية يجعل الدعوى مختلة شكلا طبقا للفصلين 1 و 515 من قانون المسطرة المدنية وحليفها عدم القبول .
- منطوق الحكم
حكمت المحكمة الإدارية علنا ابتدائيا و حضوريا :
بعدم قبول الطلب وإبقاء الصائر على عاتق رافعيها.
- التعليق
وقد كانت المحكمة الإدارية محقة في هذا التوضيح إذ من شأن مقتضيات الفصل 122 من دستور 2011 أن تحدث خلطا في الأذهان، يعتقد بموجبه أن أي خطأ صادر عن الهيئات القضائية يتم النظر فيه بناء على أساس الخطأ القضائي طبقا لمقتضيات الفصل 122 ،في حين أن الأعمال الصادرة عن الهيئات القضائية لا تحمل كلها صبغة قضائية بل تحمل أحيانا الصبغة الإدارية ،و بالتالي يتم إعمال قواعد المسؤولية الإدارية بشكل عادي طبقا للفصلين 79 و 80 من ق ل ع و مقتضيات القانون 41-90[[4]]url:#_ftn4 دون استحضار مضمون الفصل 122 من الدستور،ولمزيد من التوضيح يجب معرفة متى يعتبر العمل الصادر عن الهيئات القضائية عملا إداريا تسأل عنه الدولة طبقا لقواعد المسؤولية الإدارية ومقتضيات الفصلين 79 و 80 ،و متى يعتبر قضائيا فتسأل عنه الدولة طبقا للفصل 122 من دستور 2011 المتعلق بمسؤولية الدولة عن الخطأ القضائي ،ثم بعد ذلك يمكن أن نطرح السؤال التالي ،ما فائدة التمييز بين العمل الإداري و العمل القضائي بالنسبة لأعمال الهيئات القضائية ما دام النص الدستوري قد جاء صريحا ليساوي بين الأعمال الإدارية و الأعمال القضائية في المسؤولية أمام القاضي الإداري ؟
للإجابة عن هذه التساؤلات يجب أن نميز أولا بين الأعمال الإدارية و الأعمال القضائية الصادرة عن الهيئات القضائية ثم ثانيا نحاول إبراز الهدف أو الفائدة التي يمكن الوصول إليها من خلال هذا التمييز؟
1 – التمييز بين الإداري و القضائي في أعمال الهيئات القضائية :
يمكن تعريف العمل الإداري بكونه عملا قانونيا يصدر عن الإدارة بما لها من سلطة عامة بحيث يحدث هذا العمل مركزا قانونيا جديدا أو يؤثر في مركز قانوني سابق ويمكن تعريفه كذلك بكونه عملا صادرا عن الإدارة يحدث تغييرا في الأوضاع القانونية القائمة[[5]]url:#_ftn5 .
وقد استقر قضاء مجلس الدولة الفرنسي على تعريف القرار الإداري بأنه إفصاح الإدارة عن إرادتها الملزمة بما لها من سلطة بمقتضى القوانين واللوائح بقصد إحداث أثر قانوني معين ابتغاء تحقيق مصلحة عامة.
ويبدو أن تمييز العمل الإداري عن العمل القضائي يبدو يسيرا عندما يعلن المشرع صراحة عن كون عمل ما عملا إداريا أو تكون الهيئة التي صدر عنها العمل قد أعطاها المشرع صراحة الصفة الإدارية، لكن الإشكال يطرح عندما يوكل إلى بعض المؤسسات القيام بأعمال إدارية رغم كونها تحمل الصبغة القضائية كما هو الشأن بالنسبة للنيابة العامة، فقد يحدث بعض الالتباس في تمييز أعمالها بين الأعمال التي تعتبر أعمالا إدارية وتلك التي تعتبر أعمالا قضائية، لذلك فقد عمل الفقه على ابتكار المعيار الموضوعي في تمييز العمل الإداري عن العمل القضائي، وهو معيار لا يركز على طبيعة الجهة الصادر عنها العمل بقدر ما يركز على طبيعة العمل ذاته، وقد ذهب بعض الفقه إلى أن الأعمال والقرارات الإدارية تستند إلى فكرة السلطة التقديرية، حيث أن هذه الأعمال تصدر عن سلطة تتمتع باختصاص تقديري، بينما تصدر الأحكام وباقي الأعمال القضائية عن سلطة ذات اختصاص مقيد، وهناك من يذهب إلى أن القرارات الإدارية تصدر عن تصرف تلقائي أما الأحكام القضائية فإنها لا تصدر إلا بطلب من الأفراد، ولم يقتصر القاضي الإداري المغربي على المعيار الشكلي في تمييز العمل الإداري عن العمل القضائي،أي لم يركز على طبيعة الجهة الصادر عنها العمل بقدر التركيز على طبيعة العمل ذاته، فالقرارات مثلا التي تصدرها النيابة العامة والتي يمكن إدخالها في زمرة الأعمال القضائية هي الأعمال التي يجب أن تصدر في حدود سلطتها القضائية وليس في نطاق سلطتها الإدارية، والفيصل بين الحالتين كقاعدة عامة هو تعلق القرار بجريمة من الجرائم المنصوص عليها في القانون من عدمه.
ففي حالة تعلق القرار بجريمة فقط يكون القرار الصادر عن النيابة العامة مشمولا بالصفة القضائية، وإلا فإنه يكون ذا طبيعة إدارية.
وقد كرست إدارية وجدة هذه التفرقة بين الأعمال الإدارية والأعمال القضائية من خلال حكم عدد 774/97 بتاريخ 1/10/[[6]]url:#_ftn6 1997.
ورثة ,,,, ضد وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية بالناضور حيث طعن المدعي بالإلغاء ضد قرار وكيل الملك برفض تسخير القوة العمومية لتنفيذ حكم قضائي صادر لصالحه، وقد استجابت إدارية وجدة لهذا الطعن معتبرة قرار وكيل الملك برفض تسخير القوة العمومية بمثابة قرار إداري قابل للطعن بالإلغاء وقد جاء في تعليل حكمها: "حيث إن النيابة العامة باعتبارها جزءا من الهيئة القضائية تخضع ضمن تسلسلها لإشراف السيد وزير العدل طبقا لأحكام الفصل 56 من ظهير 11/11/1974 فإنها وإن كانت مهمتها تنحصر أساسا في القيام بإجراءات الدعوى العمومية من تحقيق واتهام وتنفيذ الأحكام القضائية الصادرة في المادة الزجرية وغيرها من الإجراءات المنصوص عليها في قانون المسطرة الجنائية، فإنها تصدر قرارات إدارية تخضع في ذلك لرقابة القضاء الإداري وحيث إنه تطبيقا لقاعدة قابلية كل القرارات الإدارية للطعن فإن القرار المتخذ من طرف وكيل الملك بتسخير القوة العمومية وخارجا عن وظيفته الأساسية المذكورة أعلاه يقبل بدوره الطعن الإداري أمام المحاكم الإدارية مادام أن قانون المسطرة الجنائية وكذا قانون المسطرة المدنية خالية كل منهما من إسناد الاختصاص في هذا الشأن للقضاء العادي".
يتضح جليا أن الإجتهاد القضائي كان دائما يحاول التمييز بين العمل الإداري و القضائي في الأعمال الصادرة عن الهيئات القضائية، لكن ما مدى أهمية هذا التمييز بعد اعتراف المشرع صراحة بمسؤولية الدولة عن الخطأ القضائي ؟
2- أهمية التمييز بين القضائي و الإداري في عمل الهيئات القضائية:
قبل الإعتراف بإمكانية إثارة مسؤولية الدولة عن الأخطاء القضائية بموجب الفصل 122 من دستور 2011 كان التمييز بين الأعمال الإدارية و الأعمال القضائية بالنسبة للهيئات التي تحمل الصبغة القضائية يكتسي أهمية بالغة، وذلك لسب بسيط ،وهو أن اللجوء إلى المحاكم الإدارية لإثارة مسؤولية الدولة كان يمكن فقط عند إثبات أن العمل الصادر عن الهيئة القضائية هو عمل إداري، بينما بقيت الأعمال ذات الطبيعة القضائية في منأى من إمكانية إثارة مسؤولية الدولة عنها نظرا للمبدأ السائد أنذاك وهو مبدأ عدم مسؤولية الدولة عن الأعمال القضائية، إلا ما استثني بموجب نصوص خاصة، و الأمر يتعلق بمسطرة مراجعة الأحكام القضائية الذي نظمته مقتضيات قانون المسطرة الجنائية من خلال الفصول 573 و563 و 574 و 565 و566[[7]]url:#_ftn7 ، ومسطرة مخاصمة القضاة الذي نظمته مقتضيات قانون المسطرة المدنية من خلال الفصول من 391 إلى 401 [[8]]url:#_ftn8 ،إذن كانت أهمية تحديد طبيعة العمل هل هو عمل إداري أم عمل قضائي تتجلى في تحديد الجهة القضائية المختصة، فإذا ثبت أن العمل يحمل صبغة إدارية انعقد الإختصاص للقضاء الإداري، وإذا ثبت أن العمل يحمل صبغة قضائية خرج من نطاق الإختصاص المخول للمحاكم الإدارية، مع امكانية الطعن فيه بالطرق العادية المنصوص عليها في القانون كالإستيناف و التعرض.
ومع مجيئ المقتضى الدستوري الجديد المتمثل في الفصل 122 من دستور 2011 فإن الأعمال القضائية أصبحت شأنها شأن الأعمال الإدارية من حيث إمكانية انعقاد مسؤولية الدولة عند وقوع خطأ من المرفق الصادر عنه العمل، وهذا قد يدفعنا إلى التساؤل، ما فائدة التمييز بين العمل القضائي و العمل الإداري بالنسبة للأعمال الصادرة عن الهيئات القضائية مادام كلا العملين يمكن أن تثار بخصوصهما مسؤولية الدولة في حالة وجود الخطأ أو حتى وقوع ضرر على الغير عند تعذر إثبات الخطأ، بمعنى أن القضاء قد أصبح مرفقا كبقية مرافق الدولة لا يستثنى من إمكانية إثارة مسؤولية الدولة عن أعماله في حالة وجود الخطأ.
إن هذا التحليل ورغم ما يوحي به من تماسك فإنه لا يخلو من خطورة، ذلك أن التمادي في اعتبار القضاء كمرفق عادي يسري عليه ما يسري على بقية المرافق من شأنه أن يفتح الباب على مصراعيه أمام القاضي الإداري لممارسة رقابته سواء بطريق دعوى المسؤولية الإدارية التي تم تكريسها فعلا بناء على مقتضيات الفصل 122 من الدستور، أو عن طريق دعوى الإلغاء إذا تم الإستغناء عن التمييز بين الإداري و القضائي في عمل الهيئات القضائية، ذلك أنه بتسليمنا بعدم جدوى التمييز بين الإداري و القضائي في عمل القضاء فإننا نسلم بأن مرفق القضاء هو مرفق كبقية المرافق، ويصبح القرار القضائي كالقرار الإداري، وبالتالي فلا مانع من أن تمتد رقابة القاضي الإداري من خلال دعوى المشروعية لتشمل القرارات القضائية، وهذا من شأنه خلق نزاع حقيقي بين اختصاص القضاء العادي واختصاص القضاء الإداري، لذلك فإن المحكمة الإدارية بالرباط كانت محقة عندما ذهبت في تعليلها إلى أن إشراف النيابة العامة على أعمال الشرطة القضائية طبقا للمادة 16 [[9]]url:#_ftn9 وما يليها من قانون المسطرة الجنائية لا يمكن أن يرتب مسؤوليتها بصفة آلية عن الخطأ القضائي الذي تتحمله الدولة طبقا للفصل 122 من الدستور، ما دامت لم يصدر عنها تعليمات مباشرة كانت سببا في وقوع الخطأ المدعى بشأنه، أي تعليمات تدخل في نطاق وظيفتها القضائية.
لذلك سيكون محبذا دائما تحديد نوع المسؤولية من طرف القضاء الإداري هل هي مسؤولية تستند على الخطأ القضائي تفعيلا لمقتضيات الفصل 122 من الدستور، أم مسؤولية مرفقية تستند على قواعد المسؤولية الإدارية كما هي مضمنة في الفصلين 79 و 80 من قانون الإلتزامات و العقود وكذا القانون 90/41.
وبخصوص ما ذكرناه سابقا بشان التخوف من إمكانية تمديد رقابة المشروعية لتشمل القرارات القضائية فإن الأمر لن يكون بهذا اليسر،نظرا للفرق الجوهري بين القرارات الإدارية والقرارات القضائية، ذلك أن القرار القضائي يختلف عن القرار الإداري من عدة جوانب، فالقرار الإداري هو تعبير عن رغبة الإدارة في إحداث أثر قانوني لتحقيق مصلحة عامة، فالذي يطعن في القرار الإداري بالإلغاء يهدف إلى تراجع الإدارة عن تنفيذ إرادتها الذاتية بإحداث أثر قانوني معين رأت فيه هي تحقيقا لمصلحة عامة ورأى فيه الطاعن إضرارا بمصلحته ،في حين أن القرار القضائي ليس تعبيرا عن إرادة المحكمة بإحداث أثر قانوني بقدر ما هو استجابة لطلب المتقاضين ذوي المصلحة للبث في النزاع ،وتحديد صاحب الحق، فهي لا تنطلق من إرادتها الذاتية بل تستجيب لطلب الخصوم للبث في النزاع، و بالتالي لا يمكننا القول بأن القرار القضائي هو قرار إداري.
المراجع
- حكم المحكمة الإدارية بالرباط بتاريخ 24/5/2012، حكم رقم :1976، ملف رقم :282/12/2011، حكم منشور بموقع العلوم القانونية، marocdroit.com
- حكم المحكمة الإدارية بوجدة، بتاريخ 1/10/1997 ملف عدد 774/97، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، عدد 27، سنة 1999.
- مليكة الصروخ: القانون الإداري، دراسة مقارنة، الطبعة السابعة، 2010، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء
الهوامش
-1حكم المحكمة الإدارية بالرباط بتاريخ 24/5/2012، حكم رقم :1976، ملف رقم :282/12/2011، حكم منشور بموقع العلوم القانونية،marocdroit.com
[[2]]url:#_ftnref2 - الفصل 122 من دستور المملكة المغربية 2011، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.11.91 بتاريخ 29 يوليوز 2011.
[[3]]url:#_ftnref3 - الفصل 79 و الفصل 80 من قانون الإلتزامات و العقود المغربي
[[4]]url:#_ftnref4 - قانون 90-41 المنشئ للمحاكم الإدارية القاضي بتنفيذه الظهير الشريف رقم 225.91.1 الصادر في 10 سبتمبر 1993
[[5]]url:#_ftnref5 - مليكة الصروخ: القانون الإداري، دراسة مقارنة، الطبعة السابعة، 2010، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء،ص:424
[[6]]url:#_ftnref6 - حكم المحكمة الإدارية بوجدة، بتاريخ 1/10/1997 ملف عدد 774/97، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، عدد 27، سنة 1999،ص:145.
[[7]]url:#_ftnref7 - الفصول 573 و563 و 574 و 565 و566 من قانون01-22 المتعلق بقانون المسطرة الجنائية والمتمم بالقانون 11-35
[[8]]url:#_ftnref8 - الفصول من 391 إلى 401 من قانون المسطرة المدنية المغربي
[[9]]url:#_ftnref9 - المادة 16 من القانون 01-22 المتعلق بقانون المسطرة الجنائية المغربي و المتمم بالقانون 11-35