MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers



رفقا بالقضاء، فإنه عِرْضُ الأمة بقلم ذ رشيد جمالي

     

رشيد جمالي
باحث جامعي



 رفقا بالقضاء، فإنه عِرْضُ الأمة بقلم  ذ رشيد جمالي



ما ساءني وساء كل غيور على مصلحة الأمة والدولة والمجتمع، ما طارت به وسائل الإعلام مؤخرا حول عزم إحدى جمعيات المجتمع المدني، على إعداد مشروع يتعلق بنشر "الأحكام القضائية المعيبة" الصادرة عن محاكم المملكة في مختلف المواد والشعب القضائية، وهو مشروع، كما تفيد هذه الأنباء، يروم تحفيز القضاة على الاجتهاد والإبداع، وإلجام أحكامهم بمزيد من التدبر والتبصر، بغية تجويدها والنأي بها عن كل خطل أو إهمال.

وككل مجتمع حي، تفاعلت مع هذه الأخبار العديد من المنابر، وهناك من ادعى أسبقيته في الإعداد لهذا المشروع منذ سنوات خلت، وبالتالي أحقيته بالغنيمة دون غيره، كما خلفت هذه الأنباء سجالا كبيرا داخل الجسم القضائي، حيث نحى فريق يمثله عدد غير يسير من القضاة إلى التهليل والتأييد، بدعوى أن الأحكام القضائية تغدو ملكا للعموم بمجرد النطق بها، علما أن الدستور الجديد يسمو سموا بالحق في الحصول على المعلومة، وأن هذا النشر من شأنه أن يظهر الصالح من الطالح، والشريف من الفاسد، في حين رمى فريق آخر بسهامه في قلب المشروع بغية قبره في مهده، دون تبرير مقنع أو بديل نافع.

وتطايرت أنباء أخرى، حول استعداد هيئة أجنبية، لرصد غلاف مالي معتبر، كفيل بتغطية مصاريف هذه العملية، بشراكة مع الجمعية المعنية، خصوصا وأن القطاع الوصي أبدى توجها ليبراليا تجاه هذا المشروع.

إن كل هذه الأخبار، هي علامات سوء وبوادر شر، وحجة على يأس الحاقدين، وتربص المتربصين للنيل من هيبة القضاء ومكانته، والتبخيس من نزاهة القضاة وشرفهم، وجعلهم موظفين عموميين عاديين دون اعتبار لجسامة مركزهمونبل رسالتهم، وهذا لا يعني أن القضاء معصوم أو منزه، ولكنني أعتبره عِرْضُ الدولة والأمة، والعِرْضُ واجب الحماية من المس والدنس، ومرمى هذا المشروع إنما هو المس بهذا العِرْضِ، والنيل من هذا الشرف، فهل نرضى بأن يستباح عِرْضُنا تحت ذريعة الإصلاح؟

إن القاضي مُصدر الحكم، هو العالِم لظروف إصداره، والخبير بخباياه وملابساته، والمحاكم الأعلى درجة هي الجديرة بالنظر فيه، والقول قولها ولو جانب الحقيقة، أما أن تقوم جهة خارج جسم القضاء بالنظر في الأحكام، وتقييمها، وانتقاء "الطالح" منها ونشره تحت بند "الأحكام المعيبة"، فإنه لعمري عبث فكري وخَرَف حقوقي، واستهتار برفعة القضاء وجلاله.

ولا مراء أن جملة من المسببات كانت وراء هذا التربص، ساهم فيها سلوك القضاة أنفسهم، فالكل شهد على خوض فرق من القضاة لأشكال نضالية غير مسبوقة، وغريبة عن هذا الجسم، ولا تنسجم البتة وهيبة القاضي ومروءته، تشابهت إلى حد كبير مع غيرها من الاحتجاجات المهنية، غير مكترثة بتميز وضع القاضي، وسمو مكانته، وعلو مقامه، فضلا عن تشرذم الجسم القضائي وتقسيمه إلى جسيمات متناثرة، تنوعت تسمياتها بين الودادية والنادي والجمعية والمرصد...، ميزت بين المحنك والمبتدئ، والشريف والدخيل، والذكر والأنثى، وجميعها يهتف بمصالح القاضي، والدود عن حقوقه، وحل مشاكله، وهو تشرذم ألقى بظلاله على الآراء والأفكار والبرامج، فتنوع الخطاب، وتعددت الأبواق، وتلونت المنابر، فلم هذا التفريق؟ وما جدواه؟ ولمصلحة من؟ وهل فعلا
نحن بحاجة إلى قضاة مشتتين بين هيئات لا وفاق بينها ولا وصال؟

إنه لا يجوز بأي حال أن ينصب أصحاب الفضيلة من قضاتنا الشرفاء النزيهين غرضا لكل رام، وأن يوضعوا في موقع المدافع عن عِرْضِه ونزاهته، كما أن الإصلاح لا يكون بإرهاب القضاة، وبخس حقوقهم، والتجني على هيبة القضاء وزعزعتها، ولا يكون ببث روح الشك وسلب الثقة، بل بالتأييد لهم، وحمل العامة والخاصة على احترام هيبتهم وتقديرهم، لا لأشخاصهم، وإنما لجلالة موقعهم وقداسة رسالتهم.     




الاحد 30 مارس 2014

تعليق جديد
Twitter