MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers



الملف الشهري: قراءة في بعض مفاهيم التقرير التركيبي للحوار الوطني حول المجتمع المدني

     



الملف الشهري: قراءة في بعض مفاهيم التقرير التركيبي للحوار الوطني حول المجتمع المدني

لايخفى على الجميع أهمية المقتضيات الدستورية الجديدة التي تضمنت أحكام خاصة تضبط عمل المجتمع المدني الذي ظل يخضع للإرادة الفردية  والتنظيم الذاتي، وبعد ازدياد محورية أدوار الجمعية داخل نسق المجتمع، برزت ضرورة إعادة تنظيم هذا المجال وحمايته دستوريا بأحكام مختلفة تجعل من الممارسة المدنية تكريسا للحقوق ومشاركة حقيقية في تدبير الشأن العام.

وفي نفس السياق يأتي الحوار الوطني حول المجتمع المدني (13 مارس 2013-13 مارس 2014) كإجراء تجسيدي لواقع التكريس الدستوري لدوره والذي يحمل بين طياته مسألتين مهمتين تتعلق الأولى في الرغبة في تجسيد مفهوم المشاركة الذي يعتبر المجتمع المدني قاعدة له والثانية تتعلق بكون الحوار المذكور خطوة نحو الأمام لتعميق النقاش  وتوسيعه، بتفصيل أعمق وأدق للمقتضيات الدستورية الناظمة لدور حول المجتمع المدني داخل النسق الاجتماعي،  وقصد فهمها بتفسير وطني يبتعد عن التعريف التحكمي الذي تنفرد بها جبهة معينة دون أخرى، فلهذه الأهمية ارتأينا أن نكتب هذا المقال قصد استبيان بعض خلاصات التقرير التركيبي المنشور من قبل الوزارة المكلفة بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني، وذلك بشكل تركيبي  بين ما هو إيجابي وسلبي، على أن يبقى الشق السلبي دعوة هادئة إلى الانتباه إليه في أفق إعداد الأرضيات القانونية المنبثقة عن التقرير.

وبعد أن كثرت المقولات التي تذهب إلى كون انبثاق  المجتمع المدني نابع من طبيعة الدول الديمقراطية  وطبيعة المجتمع الذي يأخذ من من عدة قيم (كالعلمانية) آلية لتدبير التنافس المدني والسياسي، وبالتالي فالحديث عن نجاح دوره رهين بتوفر هذه البيئة، ولتجاوز هذه المقولات نثمن ما قام به الحوار الوطني الذي حاول استنبات مفهوم جديد للمجتمع المدني في إطار ثقافة عملية ووطنية ترتكز على عدة معطيات أهمها:

المعطى التاريخي: جاء في التقرير أن أدوار المجتمع المدني هي إرث كبير في المغرب تتجلى في تدخلاتها المدنية  عبر حقب التاريخ المتلاحقة عوضت فيه دور الدولة في عدة ميادين، ومنه فيمكن اعتبار التنصيص الدستوري الجديد هو تتويج لمسار التطور الذي لحق الحياة الجمعوية قصد الحسم في ضوابط اشتغال وتقنين وتنظيم العمل المدني.

المعطى الواقعي: تجلى في كون المجتمع المدني المأمول هو الذي يتجاوز فيه جميع الإكراهات المالية والبشرية، وتحضر فيه قواعد الحكامة تتضح فيه العلاقات الملتبسة داخله وخارجه، وتضع حدودا بين ما هو تمثيلي وتشاركي وتحضر فيها نزاهة وشفافية التدبير الداخلي وتوحد فيه الجهود.

المعطى الدستوري: ويتعلق الأمر بالأحكام الدستورية التي تطرقت إلى المجتمع المدني مع الإشارة إلى عدة أدوار دستورية له، وجعل منه الوسيط بين سلطة القرار والديمقراطية التشاركية.

ونود الإشارة في هذا الصدد إلى مسألة مهمة جاء بها التقرير (ص:46) وتتجلى في محاولة تعريف المجتمع المدني أو أعطى له مدلولا تنظيميا وتوسطيا داخل النسيج الاجتماعي والاقتصادي وأعطى له دور رقابي (ص: 47) وذلك بشروط تدور وجودا وعدما حول ضرورة منح المجتمع المدني قدرا من الإستقلالية التي لا يمكن الحد منها تحت أي ظرف كان، وهنا نستحضر بعض الحدود التي أقامه التقرير لممارسة رفع الملتمسات من قبل هيئات المجتمع المدني للسلطة العمومية (ص: 52) والتي نعتبرها نحن معقدة والمتمثلة في جمع  التوقيعات المدعمة للملتمس لا يقل عن 25.000 مواطنين موزعين بشكل متوازن على مختلف جهات المملكة على اعتبار القانون يسري على مجموع التراب الوطني وعلى ألا يقل عدد الجهات عن الثلث ويعتبر هذا الشرط تقييد لحرية تقديم ملتمسات التشريع من قبل المواطنين، ويقتلل المبادرة المواطنة لأن قيمة الملتمس لا توازن بعدد المدعمين له أو المجالات الترابية والجهوية الذي يستغرقها وهذا ما يثير إشكالا على المستوى النظري لحدود الساعة ولا أدل على ذلك الأمثلة الآتية:

ـ تقديم ملتمس التشريع من قبل مواطنين يهم جهة ترابية في قضايا لا تعتبر أولية لدى جهة أخرى، مثلا كيف يمكن للمجتمع المدني في شمال المغرب أن يجمع 25.000 مدعم حول ملتمس تشريعي يقضي بتقنين زراعة الكيف للاستعمالات الطبية، وأن يشمل هؤلاء الموقعين الداعمين على الأقل ثلث الجهات.

ـ الحد القيمي ل 25.000 توقيع لم يستحضر خصوصيات بعض هيئات المجتمع المدني المتجلية في الجمعيات العملية ومراكز البحث التي تشمل عدة تخصصات، فكيف يمكن أن تقيد ملتمس للتشريع يقدم من جمعية البحث في أمراض العيون أو العظام أو الدماغ بدعوى عدم توقيع ملتمسا من طرف عدد المواطنين المطلوبين، وإن كانت ملتمساتهم قيمة مضافة للمشرع الذي سيجد مادة خام من قوانين تهم المجالات الدقيقة. وكذلك الشأن مثلا مع جمعيات البحث في ميدان القانون لذا نناشد أن يتم التنصيص على استثناء هذه الجمعيات من هذا الشرط  في أفق إعداد أرضيات القوانين ذات الصلة.

في المقابل يعتبر التجديد الدستوري على مستوى دور المجتمع المدني في الحياة اليومية للمواطن أمرا بالغا الأهمية خصوصا عند اقترانه بالسياسات العمومية والقرار العمومي والتشاركية، يحق لنا التساؤل معه حول الوساطة المرجوة منه داخل نسق المجتمع وأثار الفعل التشاركي  الديمقراطي  على توجهات الدولة في القرارات والسياسات العمومية والذي يصطدم  بالالتزام السياسي التمثلي للتنظيمات السياسية أمام المواطنين فهل دور المجتمع المدني يقتضي منها التعاون مع المؤسسات الرسمية وهيآتها مع الحفاظ على مسافة  الأمان  معها، أم أن الأمر يتعلق بمشاركة في بلورة وصياغة مضامين القرار العمومي، أم أنه يراد للمجتمع المدني أن يلعب دور تعويضيا للدولة كما هو الشأن في الماضي  القريب في المجالات التي تعجز الدولة عن تلبيتها؟ ومنه نلاحظ أن  المجتمع المدني في قلب دائرة من العلاقات الملتبسة يصعب معها الحسم في طبيعة وموقع الفعل المدني داخل بنية اقتصادية واجتماعية وسياسية تتنازعها المصالح والمكاسب قد يصل بها الأمر أن تجل من إشراك الهيئات المدنية أمرا ثانويا أو شكليا فالتمثيلية المدنية يجب أن توضع في إطار بنية من التمثيليات لنبحث عن موقعها الحقيقي فنجد:

ـ الأحزاب التي تمثل التأطير السياسي المقترن بالاستجابة للمطالب وإشباع الحاجة العامة بالتزام سياسي نابع من مضمون البرنامج المقترح من قبلها. وبالتالي فهل يعتبر وجود المجتمع المدني إلى جانبها في هذا الإطار الذي يجب أن يطبعه الاستقلالية المرنة لا الجامدة ؟ قصد التعاون و المشاركة في بلورة التوجهات الأساسية في السياسات العمومية على مستوى الإعداد والرقابة على مستوى التنفيذ فكيف لمشارك في إعداد قرار عمومي أن يعقب على مشارك معه بالتنفيذ ببعد رقابي، أم أن الأمر يتعلق بمركزة صياغة التوجهات العامة من قبل الأحزاب  على أن يقوم المجتمع المدني بتجسيد لا تركيز التنفيذ على المستوى العملي.

وما يثير الانتباه في التقرير هو كثرة الضوابط المتحكمة في دور المجتمع المدني (الرقابة، الاستقلالية، الحرية،...) دون نسيان الحدود الفاصلة في هذا الشأن بين التمثيلية السياسية (الديمقراطية التمثيلية) والتمثيلية المدنية (الديمقراطية التشاركية) فهل يمكن الحديث في هذا الصدد عن تكامل ام تعويض التمثيلية المدنية للتمثيلية السياسية  عندما تعجز عن اداء مهامها دورها.

ـ النقابات والتنظيمات التي تملك التمثيلية الحقوقية الاجتماعية والتمثيلية الفئوية المهنية والتي تهم مشاكل حساسة داخل المجتمع وفئة عريضة من المواطنين، والتساؤل عن حدود التشاركية في هذا الإطار مهم بالنظر إلى حساسية القضايا التي تنسحب إليها هذه التمثيليات واختلاط مطالبها مع ما هو سياسي صرف وبالتالي فنحن ندافع على ضرور الفصل المرن بين التمثيليات داخل المجتمع بحيث لا يمكن تقليص مدى وقوة أي تمثيلية، ولا يمكن أن نجعل من استقلاليتها عن بعضها يضرب مبدأ التكامل في العمق في أداء الأدوار الدستورية لتحقيق المصلحة العامة.

ومن بين المحاسن التي أتى بها التقرير التركيبي هي محاولته إعادة بناء الثقة داخل نسقي الدولة والمجتمع بين المجتمع المدني والفاعل العمومي، وجعل العلاقة التي تربطهم مضبوطة بمساطر قانونية وإدارية دقيقة وفاصلة تمنع أي إخلال من أي طرف في تكريس مضامين الديمقراطية التشاركية (ص 44) وهي علاقة بين مجتمع مدني ومرفق عمومي مؤطرة بالفصل 175 من الدستور الذي يقر بمبدأ المساواة في الولوج إلى المرافق العمومية والاستمرارية في أداء الخدمات والإنصاف الترابي وبالتالي فالضوابط والمساطر الإدارية التي تحدث عنها التقرير وجب أن تضمن المساواة بين هيئات المجتمع المدني من الاستفادة من خدمات المرفق العمومي (كالدعم وتوفير اللوجستيك) وكذلك الإنصاف الترابي وجعل المجتمع المدني داخل جميع التراب الوطني لا يتمايز وجعل البعض منه يحظى بمكانة لائقة داخل الفعل المدني إنصافا له إما على مجهوداته ومبادراته وإما على أساس الحرمان الخدماتي الذي لقيه في العقود الماضية.

و أكد التقرير على أن الدعم يجب أن يكون خاضعا لمبدأ النجاعة والحكامة ومبدأ المساءلة والمحاسبة إلا أن المهم يبقى في كون الدعم سيأخذ طابعا تعاقديا مرتبط بتتبع النتائج ودراسة مدى الوصول إليها وفق العقد التشاركي وهذا ما يبادر إلى الذهن سؤال الكامن في  اعتبار الدعم المقرون بالنتائج نوع من توجيه الأهداف وتقييد لحرية المبادرة وذلك بالاقتصار على المتعاقد حوله واختيار انتقائي للفاعلين المدنين الذين تتوفر فيهم شروط التعاقد فكثرة القضايا والحاجيات المجتمعية تفرض تعاقدا تشاركيا وليس تعاقدا انتقائيا بمعايير محددة من قبل السلطة المعنية بفتح المجال أمام الفاعلين المدنيين لاقتراح المشاريع والبرامج الممكن التعاقد فيها.

وفي جانب أخر نجد أن التقرير فعلا حسنا حينما عرف معنى المجتمع المدني والملتمس التشريعي والعريضة والسلطة العمومية إذا أن الحوارات وجلسات الاستماع والمناظرات المفتوحة آلية من آليات التأويل الديمقراطي للدستور دونما اقتصار على وجهة نظر معينة قد تتحكم فيها الاعتبارات السياسية، وقد عالج التقرير مسألة رفض الملتمس والعريضة فأقر بإعفاء قرار الملتمس من التعليل (ص 53 السطر 13 و 14 من قبل لجنة الملتمس وهذا ما يخالف مقتضيات الدستور في عدة مضامين منها الحق في الحصول على المعلومة ومبدأ الشفافية الذي يحكم المؤسسات الدستورية كيفما كانت طبيعتها، بالإضافة إلى إمكانية الطعن في قرار رفض العريضة من قبل السلطة الموجهة إليه وذلك باللجوء على التظلم الرئاسي  لدى السلطة المعنيةوالذي لا يمكن ان تمع بين الحكم والخصم فالرافض من عريضة تظلمية كيف يمكن ان يقبل بتظلم من أجل رفض تظلم ، وكذا اللجوء إلى الوسيط والمجلس الوطني كلما تعلق الأمر بحق يجسده الدستور أو القضاء المختص، وهنا ننادي بجعل القضاء الإداري هو المختص في القوانين المقبلة على اعتبار توفر مقومات القرار الإداري في رفض العريضة ولاجتماع الشروط المتعلقة باختصاصه بالنظر إلى المعيار العضوي انطلاقا من التعريف الذي أعطاه التقرير للسلطة العمومية أو بالنظر إلى المعيار المادي أن قرار رفض العريضة يدخل في نطاق ممارسة الوظيفة الإدارية وكذا الفصل في العرائض كلما اكتست طابعا تظلميا طبقا للفصل 118 من الدستور الذي يتيح إمكانية الطعن بالإلغاء في القرارات التي اتخذت في المجال الإداري.

لا يسعنا في الأخير أن نبدي الارتياح للكثير من مضامين التقرير في أفق أخذ طريقها إلى التطبيق، وهذا لا يعني أن هناك بعض المقتضيات تحتاج إلى تدقيق وأخرى إلى المراجعة والتعديل.




الاحد 22 يونيو 2014

تعليق جديد
Twitter