MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية



المسؤولية العقدية للمهندس المعماري في القانون المغربي والمقارن تحت إشراف الدكتور إدريس الفاخوري

     

ناقش الباحث عبد الرحمان حموش بتاريخ
2011 _ 12 _ 17
بكلية الحقوق بوجدة
أطروحة لنيل دبلوم الدكتوراه الوطنية في القانون الخاص تحت عنوان المسؤولية العقدية للمهندس المعماري في القانون المغربي والمقارن

و تكونت لجنة المناقشة من السادة الأساتذة

- الدكتور إدريس الفاخوري أستاذ التعليم العالي بكلية الحقوق بوجدة مشرفا ورئيسا
- الدكتورة دنيا مباركة أستاذة التعليم العالي بكلية الحقوق بوجدة عضوا
- الدكتور الحسين بلحساني أستاذ التعليم العالي بكلية الحقوق بوجدة عضوا
- الدكتورة لطيفة الداودي أستاذة التعليم العالي بكلية الحقوق بمراكش عضوا
- الدكتور عبد العزيز حضري أستاذ التعليم العالي بكلية الحقوق بوجدة عضوا

حيث قررت اللجنة
قبول الأطروحة و منح الباحث لقب دكتور في القانون الخاص بميزة مشرف جدا



   المسؤولية العقدية للمهندس المعماري في القانون المغربي والمقارن تحت إشراف الدكتور إدريس الفاخوري
      بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى ءاله وصحبه أجمعين.

كلمة شكر

        بداية يشرفني أن أتقدم بخالص الشكر وعظيم الامتنان إلى أستاذي الفاضل الدكتور إدريس الفاخوري على تفضله بقبول الإشراف على هذه الأطروحة وعلى نصائحه وتوجيهاته السديدة التي أغنت هذا العمل ومكنتني من تفادي العديد من الهفوات التي كانت تتخلله.

        كما أتقدم ببالغ الشكر والتقدير إلى أساتذتي الأجلاء أعضاء لجنة المناقشة الذين تفضلوا بقبول قراءة هذه الأطروحة ومناقشتها لتقويم ما قد يعتريها من نقص.
        كما أتوجه بجزيل شكري وعظيم امتناني إلى والدي الكريمين وأفراد عائلتي الأعزاء على تحملهم مشاق السفر من جنوب المملكة إلى شرقها لحضور هذه المناقشة.
        كذلك، أوجه خالص شكري وتقديري العميق إلى الحضور الكريم وكذا أصدقائي الأعزاء الذين شرفوني بحضورهم.

        ولا يفوتني أن أستغل هذه المناسبة العلمية لاستحضار والترحم على روح فقيدنا الغالي أستاذ الأجيال عمي العزيز الحاج محمد حموش الذي وافته المنية قبل أيام، وكم كنت أتمنى أن أتشرف بحضوره معي اليوم ولكن إرادة الله تعالى شاءت أن يرحل عنا إلى الدار الآخرة بعدما قضى ما ينيف عن الأربعة عقود في ميدان التربية والتعليم، فالله أسأل أن يتغمده بواسع رحمته ويسكنه فسيح جناته ويجزيه عنا أحسن الجزاء، وعزاؤنا في فقده أنه ترك من ورائه زوجة فاضلة وأبناء بررة نفتخر بهم ونعتز بأخوتهم أيما اعتزاز.

التقرير
       إن مسؤولية المهندس المعماري مسؤولية ذات جوانب متعددة، فقد تكون مسؤولية جنائية عندما يشكل فعل المهندس المعماري جريمة عمدية أو يكون من قبيل الخطأ، كما قد تكون مسؤولية تأديبية وإدارية في حالة إخلاله بإحدى قواعد الأنظمة الخاصة بالمهندسين، حيث يمكن أن يتعرض لعقوبات تأديبية توقعها عليه الجهات الإدارية المختصة.

     من جهة أخرى، قد يسأل المهندس المعماري مسؤولية نقابية تتمثل في حق النقابة في النظر في الأخطاء التي تصدر عنه وتوقيع الجزاءات التي يتضمنها النظام الخاص بالنقابة.
     إضافة إلى ما تقدم، يسأل المهندس المعماري مسؤولية مدنية تتمثل في جانبين اثنين أحدهما تعاقدي والآخر تقصيري يختلفان باختلاف نوعية ومصدر الضرر الذي لحق رب العمل والغير من جراء الأخطاء التي يرتكبها المهندس المعماري .

      وموضوع هذه الأطروحة وكما يتضح من عنوانها " المسؤولية العقدية للمهندس المعماري في القانون المغربي والمقارن " يتمحور حول المسؤولية العقدية للمهندس المعماري والتي تصنف في إطارين وضع المشرع حدا فاصلا بينهما يتمثل في عنصر التسليم وما يترتب عنه من آثار . 

       فالمهندس المعماري وبحكم ارتباطه مع رب العمل بعقد الهندسة المعمارية يكون خاضعا للأحكام والقواعد العامة للمسؤولية العقدية عند إخلاله بالالتزامات التي يرتبها العقد المبرم بينه وبين رب العمل ، سواء كان هذا الإخلال قد بدر منه قبل البدء في تنفيذ العمل أو أثناء التنفيذ أو بعد الانتهاء منه متى كانت العلاقة بينهما لا تزال قائمة فعلا أو حكما.

       إضافة إلى ما تقدم ذكره، فإن المشرع المغربي وتقديرا منه لما يحدثه انهيار المباني وتهدمها أو حتى المساس بسلامتها من أضرار جسيمة تلحق الأفراد في حياتهم وممتلكاتهم وتصيب الاقتصاد الوطني بخسائر جمة، لم يكتف فقط بإقرار نظام المسؤولية العقدية للمهندس المعماري وفقا للنظرية العامة بشأن إخلاله بالتزاماته العقدية عن الفترة السابقة لإنجاز العمل وتسليمه لرب العمل، وإنما عمل على تدعيمه بنظام الضمان العشري الذي نص عليه الفصل 769 من ق.ل.ع.

       ويمكن اعتبار نظام الضمان العشري ظاهرة حديثة أفرزتها حضارة القرن العشرين نتيجة عوامل المضاربة والأساليب التي يتم بها تشييد المباني، حيث إن من المنعشين العقاريين والمقاولين من يسعون إلى تحقيق أكبر قدر ممكن من الربح في مدة زمنية وجيزة، مع ما يترتب على ذلك من رداءة في العمران وعدم قابليته للتحمل، والذي أصبح مصدر خطر على أرواح الناس وممتلكاتهم، الشيء الذي جعل الكثير من التشريعات المعاصرة تسير نحو التشدد في هذا النوع من المسؤولية، وذلك بافتراض قرينة المسؤولية في جانب هؤلاء المحترفين، ومن بينهم المهندس المعماري، وجعلهم مسؤولين عن الأضرار التي تصيب رب العمل أو الغير، بالإضافة إلى عدم إمكانية إلغاء هذا الضمان أو الإنقاص منه نظرا لارتباطه بالنظام العام.

        ولئن كان الفصل 769 من ق.ل.ع أول نص نظم المسؤولية المعمارية بوجه عام ومسؤولية المهندس المعماري أو المهندس والمقاول بوجه خاص في المغرب، فقد عمل المشرع المغربي وخاصة مع بداية التسعينات من القرن الماضي على إصدار ترسانة من القوانين والتعديلات شملت قطاع الإسكان والتعمير والهندسة المعمارية ويتعلق الأمر على الخصوص بما يلي :

 - القانون رقم 89-16 المتعلق بمزاولة مهنة الهندسة المعمارية وإحداث هيئة للمهندسين المعماريين الوطنية بتاريخ 10 شتنبر 1993.
- القانون رقم 93-30 المتعلق بمزاولة مهنة الهندسة المساحية الطبوغرافية وإحداث الهيئة الوطنية للمهندسين المساحين الطبوغرافيين.
       - القانون رقم 90-12 المتعلق بالتعمير.
       - القانون رقم 90-25 المتعلق بالتجزئات العقارية.
       - القانون رقم 00-18 المتعلق بالملكية المشتركة للعقارات المبنية ذات الشقق.
       - القانون رقم 00-44 المتعلق ببيع العقار في طور الإنجاز.
       - القانون رقم 00-51 المتعلق بالإيجار المفضي إلى تملك العقار.

       ولا شك أن الهدف من سن هذه القوانين هو خدمة قطاع الإسكان وإيجاد السبل الكفيلة بوضع حد أو على الأقل التخفيف من الأزمة الخانقة التي يعاني منها هذا القطاع وتوفير الأرضية الملائمة التي تمكن المنعشين العقاريين من الاستثمار في هذا الميدان، كما أن اتجاه المشرع في هذا المجال أملته عدة عوامل اجتماعية واقتصادية من قبيل ارتفاع معدل النمو الديمغرافي ونزوح سكان البوادي والأرياف نحو المدن وما نتج عن ذلك من ظهور أزمة السكن نظرا لاختلال التوازن بين العرض والطلب في هذا القطاع، فكان لا بد من التدخل لإيجاد حل لهذه الأزمة عن طريق فسح المجال للاستثمار العقاري ، إلا أن المجهودات المبذولة في هذا الإطار لم تكن تخلو من سلبيات سواء على المستوى الاجتماعي أو الاقتصادي ، ذلك أن فتح الباب على مصراعيه لمختلف المستثمرين والمنعشين العقاريين نتج عنه ظهور المضاربات العقارية واحتكار السوق، إضافة إلى الخروقات والتجاوزات في تطبيق قوانين وضوابط البناء مما تسبب في انهيار مجموعة من العمارات والتي خلفت خسائر مادية وبشرية فادحة في العديد من مدن المملكة كمراكش والرباط وفاس والقنيطرة، مما يطرح التساؤل عن المسؤول عن هذه الانهيارات تبعا لاختلاف أسبابها؟.

    سبق القول إن المسؤولية العقدية للمهندس المعماري تصنف في إطارين، مسؤولية عقدية مبنية على خطأ واجب الإثبات وفق قواعد النظرية العامة ، ومسؤولية عشرية مبنية على خطأ مفترض ينظمها الفصل 769 من ق.ل.ع.

    من هذا المنطلق، فإن الإشكالية التي يطرحها هذا الموضوع تتمثل في ازدواجية الأنظمة القانونية التي تحكم المسؤولية العقدية للمهندس المعماري، وما أفرزته هذه الازدواجية من ازدواجية أخرى على مستوى مظاهر وشروط إعمال أحكام المسؤوليتين وكذا ازدواجية الدعاوى المرتبطة بهما.

    وتتفرع عن هذه الإشكالية المحورية عدة إشكاليات فرعية تتعلق أساسا بالطبيعة القانونية لتسلم أعمال البناء والذي يشكل أحد أهم الحدود الفاصلة بين تطبيق قواعد المسؤوليتين، إضافة إلى الطبيعة القانونية للمسؤولية العشرية ومكامن الخلل في هذه المسؤولية والتي تجعل من الأحكام المنظمة لها غير قادرة على مواكبة التطورات المتلاحقة التي يعرفها الميدان المعماري في الوقت الراهن.

        وللوقوف عند مختلف الإشكالات التي يثيرها الموضوع قمت بتقسيم هذه الدراسة إلى بابين، حيث تطرقت في الباب الأول للمسؤولية العقدية للمهندس المعماري في ظل المسؤولية المعمارية بشكل عام، فعملت في فصل أول من هذا الباب على رصد مختلف التطورات التاريخية للعمـارة وعقـد الهندسة المعمارية إضافـة إلى تنظيم مهنة الهندسة المعمارية وذلك من خلال مبحث أول ، كما حاولت الوقوف عنـد باقي المتدخلين في عملية البناء والتشييد من مهندسين استشاريين ومهندسين مساحين طبوغرافيين زيادة على المقاولين والمقاولين من الباطن وذلك في المبحث الثاني من الفصل المذكور .

     أما في الفصل الثاني من هذا الباب فقد حاولت الوقوف عند مختلف مظاهر المسؤولية العقدية للمهندس المعماري في نطاق القواعد العامة للمسؤولية العقدية ثم في نطاق الضمان العشري، حيث خصصت المبحث الأول من هذا الفصل لتوضيح مختلف الإخلالات التي تترتب عنها مسؤولية المهندس المعماري عقديا وفق القواعد العامة سواء أكانت هذه الإخلالات ذات طبيعة تقنية أو فنية ( كما لو تعلق الأمر بعيوب الأرض المزمع إقامة البناء عليها أو بعيوب التصميم ... ) ، أو كانت ذات طبيعة استشارية وإدارية ( كما هو الشأن بالنسبة للتقصير في واجب تبصير رب العمـل أو لسوء إدارة المقاولـة ونقص الإشـراف والرقابة عليها ... ) .

     أما المبحث الثاني من هذا الفصل فقد عالجت من خلاله مظاهر المسؤولية العشرية للمهندس المعماري ، حيث حاولت الوقوف عند معنى تسلم الأعمال وتكييفه القانوني وزمان ومكان حصوله، إضافة إلى توضيح مختلف صوره وكذا الآثار القانونية المترتبة عليه ومن أهمها بداية سريان مهلة الضمان العشري ، وذلك قبل الانتقال لدراسة هذا النظام - أي نظام الضمان العشري - من خلال تحديد طبيعته القانونية ورصد الاختلاف الفقهي حولها وتوضيح شروطه إضافة إلى بيان نطاقه ومدته .

    أما الباب الثاني من هذه الدراسة، فقد حاولت من خلاله الوقوف عند مختلف الأحكام المرتبطة بمسؤولية المهندس المعماري وذلك في الفصل الأول، بينما خصصت الفصل الثاني لرصد آفاق هذه المسؤولية وتوضيح السبل التي تبدو لي كفيلة بإخراج هذه المسؤولية من واقعها الحالي.

    ففي الفصل الأول عملت على معالجة أحكام المسؤولية العقدية للمهندس المعماري من خلال الوقوف عند مجموعة من النقط القانونية تتمثل أساسا في دراسة دعاوى هذه المسؤولية، مادام أن ازدواجية النظام القانوني لهذه المسؤولية قد أفرز ازدواجية أخرى على مستوى الدعاوى المتعلقة بها، إضافة إلى مسألة التعويض وتقادم هذه الدعاوى وذلك في المبحث الأول من هذا الفصل ، بينما خصصت المبحث الثاني لدراسة الوسائل القانونية التي يمكن من خلالها للمهندس المعماري دفع المسؤولية عنه والتي تتمثل في القوة القاهرة والحادث الفجائي وخطأ الغير وخطأ رب العمل إذا توفرت الشروط المتطلبة قانونا لذلك، وذلك قبل أن أتطرق إلى حكم الاتفاقات المعدلة من أحكام هذه المسؤولية.

    أما الفصل الثاني فقد خصصته لتسليط الضوء على الإصلاحات التي يبدو لي أن المشرع المغربي مطالب بإقرارها للخروج من الواقع المتأزم الذي تعيشه هذه المسؤولية ببلادنا وذلك بالاستفادة من تجارب التشريعات المعاصرة التي قطعت أشواطا مهمة في هذا الإطار، ولعل الإصلاحات التي حاولت التركيز عليها تتعلق أساسا بضرورة تقرير التأمين الإجباري عن مسؤولية المهندس المعماري وغيره من المتدخلين في قطاع البناء والتشييد، إضافة إلى تجاوز العيوب الموجهة إلى نظام الضمان العشري وذلك بتوسيع نطاق هذا الضمان من حيث الملتزمون به، وتدعيمه بضمانات إضافية ويتعلق الأمر أساسا بضمان كفاءة الأداء أو الضمان الثنائي، وضمان تمام الإنجاز أو الضمان السنوي.

     وقد تبين لي من خلال هذا البحث أنه وبعد مرور ما يقارب قرنا من الزمن على وضع قانون الالتزامات والعقود المغربي، فإن المقتضيات التي تضمنها أصبحت متجاوزة في عالم اليوم الذي يعرف طفرة نوعية في فن المعمار والتشييد، والذي تعددت فيه الأطراف المتدخلة في عملية البناء، فإلى جانب المقاولين والمهندسين المعماريين برز دور مكاتب الدراسات التقنية والمراقبين الفنيين وكذا المهندسين الطبوغرافيين ومهندسي الإسمنت والحديد وغيرهم، ولا شك أن الفصل 769 من ق.ل.ع بصيغته الحالية يبقى قاصرا في هذا المجال مادام قد اقتصر في تحديده لنطاق الأشخاص الملتزمين بالضمان العشري على المقاول والمهندس دون أن يدخل في التنظيم مختلف هؤلاء المتدخلين في العملية المعمارية الذين اتسعت دائرتهم نتيجة تطور هذا المجال وإفرازه لتخصصات جديدة لم تكن معروفة عند وضع الفصل المذكور.

    وبالرغم من كون المشرع المغربي قد وضع مجموعة من النصوص القانونية همت مجالات التعمير والبناء وكذا الهندسة المعمارية والتي حاول من خلالها ضبط عمل المعماريين وإخضاعهم لمجموعة من المسؤوليات سواء كانت جنائية أو مدنية بشقيها العقدي والتقصيري، إلا أن هذا التدخل لم يرق إلى المستوى المطلوب الذي يتوخاه المجتمع، خاصة وأن هذا الأخير في تطور مستمر ، وفي تزايد سكاني متواصل بفعل ارتفاع وتيرة النمو الديمغرافي ونزوح سكان البوادي والأرياف نحو المدن، مما يستدعي إقامة بنايات ومنشآت ضخمة يمكن من خلالها تلبية الطلب المتزايد في هذا المجال.

    وإضافة إلى ما تقدم، إن تدخل المشرع لم يكن كافيا ولا أدل على ذلك من كونه مازال يخضع نظام الضمان العشري لمقتضيات الفصل 769 من ق.ل.ع الذي بقي على صيغته الأولى دون أن يشمله أي تغيير أو تعديل.

        بناء على ما تقدم، نستنتج أن واقع المسؤولية المعمارية بالمغرب ومسؤولية المهندس المعماري على وجه الخصوص يعرف أزمة عميقة على مستوى النص الذي يؤطرها ضمن قانون الالتزامات والعقود والذي وضع إبان فترة الحماية الفرنسية على المغرب ولازال ساري المفعول رغم النواقص والثغرات الكبيرة التي تعتريه، فالفصل 769 من ق.ل.ع لم يعد قادرا على مواكبة التطورات المتلاحقة التي يعرفها ميدان البناء والتشييد، بل وأصبح عاجزا عن ضمان الحماية لرب العمل وهو الطرف الضعيف في العمليات التعاقدية المرتبطة بالمباني.

       ولا شك أن عمق الأزمة التي يعاني منها واقع المسؤولية المعمارية يستوجب الإسراع بإقرار إصلاح شمولي لهذه المسؤولية يأخذ بعين الاعتبار التطورات الكبيرة التي يشهدها ميدان البناء والمعمار، ولا ضير في هذا المضمار من الاستفادة من التشريعات المقارنة وخاصة التشريع الفرنسي، فقد آن الأوان لتجاوز الوضع الحالي وأصبحت مراجعة قواعد هذه المسؤولية أمرا حتميا.
   وقد أوردت في خاتمة هذه الأطروحة بعض الاقتراحات التي يبدو لي أن من شأنها إصلاح واقع هذه المسؤولية ببلادنا كما يلي:

   أولا:
تفعيل دور المكاتب الاستشارية لتتولى مهام الرقابة الفنية ومراجعة كل ما يتعلق بعمليات البناء والتشييد بدءا بفحص التربة المزمع إقامة البناء عليها ومرورا بمراجعة التصاميم وفحص المواد المقدمة لتنفيذ البناء، مع متابعة أسلوب التنفيذ إلى غاية إتمام الأشغال، مما سيمكن من تدارك الأخطاء والإغفالات التي قد تعتري عمل المهندسين المعماريين وكذا المقاولين فور وقوعها، وهذا من شأنه الحد من ظاهرة انهيار المباني الناجمة عن أخطاء المعماريين.

   ثانيا:
 توسيع نطاق المسؤولين عن عمليات البناء، وجعل الضمان العشري يطال مجموعة من الأشخاص ممن لهم علاقة مباشرة أو غير مباشرة بعملية البناء، فإضافة إلى المهندس المعماري والمقاول يحسن أن يشمل الضمان المهندسين غير المعماريين، ومكاتب الدراسات الهندسية والرسامين والقياسيين، ومهندسي الديكور، والجيولوجيين والطبوغرافيين وكذا التقننين والمراقبين الفنيين والمقاولين من الباطن وكل من يرتبط مع رب العمل بعقد مقاولة، وقد يكون من الأنسب تمديد هذا الضمان ليشمل البائع الذي يبني لحسابه ويعمل على بيع ذلك العقار بغض النظر عما إذا كان العقار مازال في طور البناء أو تام الإنجاز وذلك بهدف وضع حد للتلاعبات التي تصدر عن بعض المنعشين العقاريين الذين يعمدون إلى تشييد منشآت لحسابهم ثم بيعها بعد تمام إنجازها بغرض الإفلات من أحكام الضمان العشري.

     من جهة أخرى، وفي سبيل تقوية الضمان العشري المقرر لفائدة رب العمل، ينبغي توسيع حلقة الضمان ليشمل صناع العناصر التجهيزية والمستوردين وكذا موزعي المواد والأدوات الداخلة في عملية البناء وذلك للحفاظ على حقوق رب العمل أو المالك، من خلال إيجاد مسؤول بديل عن الصانع الحقيقي للمواد المستوردة،  والذي غالبا ما يكون أجنبيا.

    ثالثا:
 التنصيص بشكل صريح على المسؤولية التضامنية للمعماريين المتدخلين في عملية البناء، لأن إقرار هذه المسؤولية التضامنية سيصب في مصلحة رب العمل وسيمكنه بالتالي من الرجوع على المهندسين والمقاولين الذين اشتركوا في عملية البناء أو على أي واحد منهم بمجرد حدوث التهدم أو العيب، دون اشتراط وقوع خطأ من جانب المدعى عليه، مادام أن هذا الأخير بإمكانه الرجوع على الآخرين أو على المخطئ منهم، وفي هذا حماية لرب العمل الذي يمكن اعتباره الطرف الضعيف في العلاقة التعاقدية.

    رابعا:
ينبغي أن يشمل تعديل الفصل 769 من ق.ل.ع النطاق الموضوعي للضمان العشري وذلك بتجاوز التحديد الحصري للأسباب التي تثير المسؤولية العشرية عن طريق تبني معيار أكثر مرونة يستوعب بالإضافة إلى الأسباب الواردة في الفصل كل العيوب والأسباب التي من شأنها أن تهدد متانة البناء أو تجعله غير صالح للغرض الذي أنشئ من أجله.

    خامسا:
تدعيم الضمان العشري بضمانين آخرين تكون مدة الأول منهما سنتين اعتبارا من تاريخ التسلم، يضمن بموجبه المهندس المعماري والمقاول بالتضامن مع من يقوم بتوريد أو تركيب العناصر التجهيزية اللازمة للبناء، كفاءة أداء هذه الأجهزة لوظيفتها التي خصصت لها في العقار المشيد، أما الضمان الثاني فتكون مدته سنة واحدة اعتبارا من تاريخ التسلم، يضمن بموجبه المهندس المعماري والمقاول متضامنين كل ما يظهر خلال هذه المدة في العقار المشيد من عيوب باستثناء ما كان منها راجعا للاستهلاك العادي أو الاستعمال المألوف للعقار. 

    سادسا:
إقرار نظام التأمين الإجباري من مسؤولية المهندسين المعماريين والمقاولين بهدف خلق ضمانات إضافية تمكن رب العمل أو الغير من استحقاق التعويضات العادلة في حالة وقوع كوارث أو انهيار الأبنية، من خلال إدخال شركة التأمين كطرف في النزاع لإرغامها على تحمل الضمان والمسؤولية، مما من شأنه أن يضمن للضحية أو المتضرر ماديا من البناء حقه في الحصول على التعويض من شركة التأمين التي تؤمن مخاطر الورش منذ الشروع في عملية البناء إلى غاية الانتهاء منه، وبالتالي يحول دون تهرب المهندسين المعماريين والمقاولين من المسؤولية مادام أن شركة التأمين تتحمل بالتزام أولي وهو تعويض المتضرر، وبعد ذلك يمكنها الرجوع على الطرف المتسبب في وقوع الفعل الموجب للضمان أو المسؤولية إذا كانت مبالغ التعويضات تفوق حجم أقساط التأمين.

     سابعا:
جعل قواعد التأمين الإجباري من المسؤولية المدنية للمهندسين والمقاولين قواعد آمرة ومتعلقة بالنظام العام، وبالتالي عدم جواز الإعفاء من الخضوع لأحكام قانون التأمين الإجباري من هذه المسؤولية، إضافة إلى عدم جواز الاتفاق على حكم مخالف للقانون يكون فيه ضرر بالمؤمن له أو المضرور.


                                                                   وشكرا
                                                       الباحث عبد الرحمان حموش  

للإطلاع على التقرير أو طبعه المرجو التحميل على الرابط أدناه




السبت 24 ديسمبر 2011


1.أرسلت من قبل خاللد محمد خليف في 13/03/2015 23:34
لي رسالة اريد التوسع فيها في مسئولية المهندس المعماري والمقاول في ظل النظام العشري الجزائري

تعليق جديد
Twitter