MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers



الصياغة التشريعية المرتبكة والتطلعات المستقبلية

     

ذة سليمة فراجي
محامية.. نائبة برلمانية



تعتبر الصياغة التشريعية طريقة قانونية يتم من خلالها اصدار كافة انواع التشريعات وتعديلها والغائها بما يتناسب مع المتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، بغية تلبية احتياجات المجتمع ومتطلباته، ومن ثم تتحول المادة الأولية التي يتكون منها التشريع الى قواعد قانونية عامة ومجردة صالحة للتطبيق الفعلي على الاشخاص المعنيين بها على قدم المساواة. وبذلك فهي تمكن من تحويل السياسات والأهداف العامة للدولة الى قواعد قانونية متناسقة ومنسجمة، علما ان جودة صياغة هذه القواعد القانونية تمكن الافراد لا محالة من الاحتجاج بها في مواجهة السلطات العامة في الدولة من جهة، وفي مواجهة بعضهم البعض من جهة اخرى، لذلك يتوقف نجاحها على دقة الصياغة ومدى ملائمة أدواتها للتطبيق على أرض الواقع. ونظرا لاهميتها فان الدول الانكلوساكسونية تولي للصياغة التشريعية أهمية بالغة وتدرسها في جامعاتها نظرا لما يجب أن يتوفر في صاحبها من إلمام بقواعد اللغة والمنطق، والتكوين الأكاديمي، والعلم بجوهر القانون وموضوعه، وصياغته بمضمون يخرج المادة الاولية الى حيز الوجود، والعمل بها من خلال وسائل فنية لأزمة لإنشاء القاعدة القانونية، والتعبير عنها بما يسمى باساليب صناعة اوصياغة التشريع. لكن اثبت الواقع ان عملية الصياغة التشريعية تعترضها عدة مشاكل اهمها عدم وجود سياسة اجرائية وطنية تنظم عملية الصياغة بشكل كامل مما يؤدي إلى صدور تشريعات تتسم بعدم الوضوح وغياب الدقة القانونية في صياغتها ومخالفتها احيانا للمعايير الدولية لحقوق الإنسان، أو مساسها بالأمن القانوني، الشيء الذي دفع بالعديد من الدول إلى اعتماد دليل للصياغة التشريعية . ويعتبر الدليل بمثابة منهل لاعضاء السلطة التشريعية يعرفهم بأصول وقواعد الصياغة التشريعية ومشكلاتها الأساسية والمراحل التي تقطعها والشروط المتطلبة من أجل تيسير ولادة طبيعية لتشريع جيد. علما أن عملية صياغة التشريع واقراره والمصادقة عليه تختلف عن مشاريع ومقترحات القوانين أو مقترح التعديلات ، لكون مشاريع القوانين تصاغ من قبل أجهزة تابعة للسلطة الحكومية، لكن مسوؤلية دقة التشريع وجودته فإنها تقع على عاتق السلطة التشريعية، كما أن اتباع نهج موحد في بناء التشريعات الوطنية من شأنه ان يعزز قيم العدالة، والحكامة الجيدة وسيادة القانون، لأن الانسجام التشريعي يقوي دعائم البناء المؤسسي في الدولة ويشكل احدى آليات تقييم جودة التشريع وقدرته على تحقيق الأهداف المنتظرة بمعايير موحدة. ولعل الاسباب الموجبة للتشريع أو المذكرة الايضاحية وأن كانت لا تدخل في صلبه ولا تناقش ضمن النصوص خلال العملية التشريعية، فإنها تشكل عنصرا أساسيا من عناصر التشريع اذ تشكل المبررات التي يقدمها واضعو التشريع الجديد سواء مشاريع القوانين التي تأتي بها الحكومة أو مقترحات القوانين التي يأتي بها النواب لإقناع الهيئة التشريعية بضرورة اقرار هذه المشاريع أو المقترحات كما يمكن الرجوع إليها لتفسير بعض النصوص الغامضة أو التي تحتمل التأويل. وقد عمدت بعض البرلمانات في العالم إلى نشر الاسباب الموجبة مع نص القانون في الجريدة الرسمية وفي المواقع الالكترونية للمجالس النيابية نظرا لما تتضمنه من شروحات وتفاصيل تفصح عن قصد المشرع ونيته وقصده والهدف المتوخى من سن التشريع. كما أن دراسة الأثر التشريعي والتي تعتبر دراسة مسبقة للتشريع الجديد، تسمح بوضع تقويم مرتقب لنتائجه، ودراسة لايجابيات وسلبيات التشريع الجديد كما أنها تتيح وضع تبريرات منطقية لاستصدار القانون الجديد وأثره على الاشخاص أو الهيئات المعنية به، علما أن المادة 19 من القانون التنظيمي رقم 13-065 المتعلق بتنظيم وتسيير أشغال الحكومة والوضع القانوني لأعضائها تضع على عاتق رئيس الحكومة بموجب قرارإرفاق مشاريع القوانين الرامية الى سن او تشريع جديد او مراجعة تشريع قائم بدراسة حول اثارها، لتقييم جدوى الإصلاحات المقترحة والاثار الاقتصادية والمالية والاجتماعية والبيئية والادارية ومدى احترام تراتبية القواعد القانونية وسهولة فهم النص القانوني وجودته ومتطلبات الأمن القانوني. دراسة الاثر لم تلجأ اليها الحكومة الحالية ولا السابقة بعد دخول دستور 2011 حيز التنفيذ، رغم الفوران التشريعي المرتبك أحيانا، و عدم تفادي المخاطر المهددة للأمن القانوني الناتجة عن تشريع لم يستجمع المعلومات الاساسية المعتمدة قي تقييم مدى الحاجة الى سن تشريعات جديدة او تعديلها، وتفادي النصوص التي تؤدي الى كثرة المنازعات مع التقييم القبلي للمرحلة السابقة على وضع القاعدة القانونية ومدى اهميتها وجودة تحريرها، والتقييم البعدي المرتبط بتضخم القوانين وعدم الانسجام بين النصوص واثر التعديل المفاجئ ، ناهيك عن معضلة تعثرصدور المراسيم التطبيقية التي يؤدي عدم صدورها الى شل القوانين واذا كانت الفلسفة الاساسية لأي تشريع تتجلى في ضبط وتنظيم العلاقات في المجتمع ما بين السلطات الموجودة فيه أو في علاقتها بأفراد هذا المجتمع أو تنظيم العلاقات بين افراد المجمع فيما بينهم، فإن عملية التحول الديموقراطي تتطلب اشكالا ومنهجا مختلفا يعتمد على مبدأ التجرد التشريعي الذي يفرض على المشرع عند صياغته للنص ألا تحكمه العشوائية أو الرغبات الشخصية الرامية الى تحقيق أهداف ذاتية، أو مصالح شخصية أو حزبية، أو وسيلة لهيمنة الأقوى على الأضعف، تناغما مع المبادئ القانونية التي من المفروض أن تكون عامة ومجردة، وتلك هي مسؤولية ممثلي الأمة المتمثلة في الرقابة وتدارك الاثار الجانبية التي لم تكن ظاهرة خلال مرحلة صناعة التشريع. وإذا كان أعضاء البرلمان ليسوا كلهم من رجال القانون وليس من المفروض أن يكونوا كذلك، فإن التوفر على دليل يقدم القواعد العامة وايضاح أدوات الصياغة السليمة والمعاييرالأساسية الواجبة الاتباع لبناء أي تشريع من خلال صياغة تشريعية، مع احتكام الحكومة إلى القانون بإرفاق مشاريع القوانين بدراسة للأثر، فإن ذلك سيكون لا محالة مدخلا للقطع مع زمن الهدر التشريعي وارتباك الصياغة التشريعية.



السبت 6 يونيو 2020

تعليق جديد
Twitter