لطالما كان الاعتقال الاحتياطي الذي تباشره النيابة العامة منأصعب و أعقد القرارات التي يتخذها قضاتها__الذين يوجدون في إحتكاك يومي ومباشر و في علاقة دائمة و مستمرة مع موضوع الإعتقال__ ، و ذلك لما يطرحه موضوع تطبيقه من إشكالات تفرض أساساالتطبيق الصارم للقانون بما يحفظ و يوازن بين حقوق وحريات الأفراد المشتبه فيهم والمتهمين من جهة، وضرورات محاربة الجريمة وحماية النظام و الأمن العامين وضمان سلامة المجتمع و أمنه من جهة أخرى ، و لما يطرحه أيضا من إشكالات ذات أبعاد مسطرية إجرائية و موضوعية تحمل بين ثناياها أبعادا حقوقية.
فلما كانت الحرية حق من الحقوق الأساسية و المقدسة للأفراد و أن المواثيق و العهود الكونية ذات الصلة بحقوق الإنسان و الدساتير الوطنية تحمي حريات الأشخاص و كرستها ضمن بنودها و مقتضياتها، فإنها في نفس الوقت أعطت الصلاحية للقانون لإمكانية الإقتناص منها و أجازت له أمر تقييدها و الحد منها في الأحوال وبالشروط التي يحددها ، وهو نفس المنحى الذي سار عليه دستور المملكة لماأجاز للقانون و أباح له أمر تحديد حالات إلقاء القبض والاعتقال والمتابعة الجنائية للأشخاص، من خلال مقتضيات الفقرة الأولى من الفصل 23 منه .
وإعتبارا لكون الاعتقال الاحتياطي إجراء يمس بشكل مباشر حرية الأفراد، فقد عملت غالبية التشريعات الجنائية على إقراره و تنظيم مقتضياته في قوانينها الإجرائيةو أسهبت في تحديد الحالات و الشروط والأسباب المبررة و المنظمة للإعتقال المباشر من طرف النيابة العامة في نصوصإجرائية و مسطرية،و أسندتلقضاتها سلطة تقديره وتدبيرهو مراقبة ظروفه و أسبابه ومبرراته بالشكل الذي يحفظ سلامة المجتمع و أمنه .
فبالرجوع إلى المقتضيات القانونية المنظمة للإعتقال الذي تباشره النيابة العامة و نذكر هنا على الخصوصالمواد 47 و 73 و 74 من قانون المسطرة الجنائية ، نجدها قد أعطت الصلاحية لقضاة النيابة العامة سواء في حالة التلبس أو غير حالة التلبس بجناية أو جنحة معاقب عليها بالحبس ، أن يصدروا أمرا بالإيداع بالسجن في حق المشتبه فيه الذي إعترف بالأفعال المنسوبة إليه أو ظهرت معالم أو أدلة قوية على إرتكابه لها ، و الذي لا تتوفر فيه ضمانات الحضور أو ظهر أنه خطير على النظام العام أو على سلامة الأشخاص أو الأموال ، أو كانت الجناية ليست من الجنايات التي يكون فيها التحقيق إلزاميا _ مع وجوب تعليل قراراتهم_.
و بإستقراءالموادأعلاه من قانون المسطرة الجنائية، و ما جرى عليه العمل لدى النيابات العامةبالمحاكم ، فإن الحالات المبررة للإعتقال لا تخرج عن الحالات التالية :
كما جاء في إحدى علل حكم صادر عن المحكمة الإبتدائية بسلا في جوابها على أحد الدفوع التي تقدم بها دفاع أحد المتهمين ما يلي : "و حيث إن حالات التلبس بالجريمة من عدمها من الأمور المتعلقة بالموضوع و بإثبات الوقائع و التي يرجع أمر تقديرها إلى المحكمة ، إلا أن الإجراءات المتعلقة بها يمكن أن تكون محلا لدفوع شكلية، و أن ماعابه دفاع الظنين من كون مؤازره إستمع إليه في البداية أمام الشرطة القضائية كضحية ليجد نفسه في وضعية إستنطاق أمام السيد وكيل الملك الذي قرر متابعته و إستنطاقه لا يجد له أساسا في القانون بل على العكس من ذلك ، و بصرف النظر عن كون النازلة تتعلق بجريمة متلبس بها أم لا ، فإن المادة 47 من قانون المسطرة الجنائية في فقرتها الرابعة أجازت لوكيل الملك أن يستنطق المشتبه فيه في غير حالة التلبس و يطبق المسطرة المنصوص عليها في الفقرتين الأولى و الثانية من نفس المادة (المتعلقة بالتلبس) في الأحوال المنصوص عليها في نفس الفقرة ، و هو الأمر الذي سلكه وكيل الملك و طبقه بشكل موافق للقانون مما يبقى معه ما أثير بهذا الشأن غير مبني على أساس قانوني و يتعين رده."حكم صادر عن المحكمة الإبتدائية بسلا بتاريخ 26/03/2019 في الملف جنحي رقم 1827/2103/2018 غير منشور.
فإذا كانالقانون قد أسهب في تحديد مبررات الإعتقال من خلال ما تضمنته مقتضيات المواد 47 و 73 و 74 المشار إليها أعلاه ، فإن هناك مبررات واقعية لا تقل شأنا عن نظيرتها القانونية ،أولها :ما أفرزته و كشفت عنه مرحلة البحث و التحري بخصوص الفعل الجرمي المرتكب ، و ثانيها : لحماية النظام و الأمن العامين ، و ثالثها : لحماية مرتكب الجريمة نفسه من تبعات فعل الجرمي و ما قد يستتبعه من ردة فعل من الضحية أو ذويه أو باقي أفراد المجتمع ، ورابعها : لمنع المشتبه فيهم من محو أدلة الجريمة أو إخفاء معالمها أو التأثير على من عاينوها و حضروها من شهود، غير أن الرافضين لهذه المبررات سواء القانونية أو الواقعيةمنها يحملون قضاة النيابة العامة ما لا يطيقون و يربطون الإعتقالبمبررات و مؤيدات خاصة بهم، فبعضهم إعتمد على مبررات واهية لا تجد لها سندا و لا أساسا لا في القانون ولا في الواقع العملي ، حيث تربط فئة منهم الأمر بالإيداع بالسجن بمزاج قاضي النيابة العامة الذي أصدره، و تربطه فئة أخرى بضعف التخليق داخل منظومة العدالة مما يدفع قضاة النيابة العامة إلى استخدام الاعتقال الاحتياطي كوسيلة لإبعاد الشبهات عنهم،في حينأن البعض الأخر يبرر رفضه للإعتقال و يعتبره بأنه فيه مس لحريات الأشخاص و قرينة براءتهم قبل إثبات الفعل الجرمي ، و أن كل شك وجب أن يفسر لصالحهم.
و لعل ما يزيد من الأعباء الملقاة على قضاة النيابة و يثقل كاهلهم، نظرة المواطنين عامة و المتقاضين خاصة للعدالة و تقييمهم لها ، ذلك أن كثيرا منهملا يعترفون بنجاعة العدالة ولا يعتبرونها فعالة إلا إذا تم الإعتقال الفوري لخصومهم و إيداعهم بالمؤسسات السجنية، و أن أي إجراء غير ذلك يقابل بعدم الرضا من طرفهم، بل أكثر من ذلك فهناك من يعتبر ذلك مؤشرا على عدم نزاهة العدالة و نجاعتها أو انحيازها لطرف عن أخر ، كما أن إنتصارهم لمصالحهم الشخصية على حساب القانون يبقى المحرك الأساسي لسوء فهم بعض قرارات النيابة العامة و بالتالي تبني ردود أفعال قد توصف بالعنيفة و المتشددة اتجاه هذه القرارات.
وإذا كان الاعتقال الاحتياطي يبقى تدبيرا مشروعاشُرع ليتخذ في أضيق الحالات__باعتباره آلية قانونية ذات حمولات و تبعات حقوقية واجتماعية ثقيلة يتخذ في حق أشخاص ُتفترض دستوريا و مسطريا قرينة براءتهم__كل ما توفرت ظروفه و شروطه و يحق لقضاة النيابة العامة إيقاعه على من توفرت فيهم حالاته من الأشخاص المشتبه فيهم أو المتهمين، فإنه وجب على قراراتهم أن تكون في منأى عن كل تجاوز أو تعسف أوإنعدام للشرعية و أن يتقيدوا بشروط تطبيقه و مراقبة ظروفه و أسبابه ومبرراته بالشكل الذي يحفظ سلامة المجتمع و أمنه ، و في هذا الصدد جاء في إحدى علل حكم صادر عن المحكمة الإدارية بالرباط" و حيث ............... لئن كانت سلطة النيابة العامة تقديرية عند إتخاذ قرار الإعتقالالإحتياطي ، فإن هذا التقدير لا ينبغي أن يتسم بالتجاوز أو عدم المشروعية ، بل ينبغي أن يتقيد بشروط تطبيقه بالشكل الذي يحفظ سلامة المجتمع و أمنه دون الإخلال بقرينة البراءة التي تعتبر مبدأ دستوريا واجب الإحترام....... " حكم عدد 2605 صادر عن المحكمة الإدارية بالرباط بتاريخ 11/07/2017 في الملف عدد 182/7112/2017.
فلما كان الإعتقال يخضع للسلطة التقديرية لسلطة الملائمة المخولة للنيابة العامة وفقا لماتم بسطه و تبيانه أعلاه،و هو الأمر الذي أكدته محكمة النقض من خلال أحد قراراتها "و حيث إن إحالة الطاعن على المحكمة في حالة إعتقال يخضع للسلطة التقديرية لسلطة الملائمة المخولة للنيابة العامة كلما إرتأت أنه لا يتوفر على ضمانات الحضور و بالنظر لطبيعة الأفعال المنسوبة إليه." _قرار صادر عن محكمة النقض بتاريخ 19/11/03 تحت عدد 3288 في الملف عدد 117495 منشور بالمجلة المغربية لقانون الأعمال والمقاولات عدد 5 ص 137 و ما يليها_ ، فإن ذلك لا يمكن أن يكون أبدا مبررا للغلو و التمادي في اللجوء إليه، ولذلك فإن من الأولويات التي تضعها السياسة الجنائيةمسألة ترشيد الاعتقال الاحتياطي و عقلنته ، و هو ما يظهر بجلاءمن مختلف المناشير و الدوريات التي ما فتئت رئاسة النيابة العامة توجهها لجميع النيابات العامة لدى مختلف محاكم المملكة، لعل أخرها الدورية عدد 44 س/ ر ن ع بتاريخ 16 شتنبر 2020 و التي حثت من خلالها على ضرورة ترشيد الإعتقالالإحتياطي ، و كذا من خلال الندوات التي تشارك فيها أو يشارك فيها قضاتها و التكوينات المستمرة التي تبرمجها لفائدتهم ذات الصلة بالموضوع.
فصحيح أن النيابات العامة مطالبة الآن أكثر من أي وقت مضى بتحمل مسؤوليتهاالمهنية أثناء اتخاذ قرار الإيداع بالسجن بمعزل عن أي مؤثرات معنوية كانت أو مادية ، وجعل هاجس الموازنة بين حقوق وحريات الأفراد المشتبه فيهم والمتهمين من جهة، وضرورات مكافحة الجريمة وحماية النظام و الأمن العامين وضمان سلامة المجتمع و أمنه من جهة أخرى نصب أعينها، إلا أنه ينبغي التأكيد على أن هناك العديد من الأسباب التي تحول دون عقلنة الإعتقالو ترشيده و تقييده وضبط حالات اللجوء إليه في حالة عدة ، وهي أسباب تعزى بدرجة أولىو بصفة أساسية إلى النصوص القانونية، و يتجلى ذلك في محدودية بدائل الاعتقال بالنسبة للنيابة العامة ، ذلك أن هذه الأخيرة لا تتوفر من البدائل إلا على الكفالة المالية أو الضمانة الشخصية ، فضلا على أن المشرع و من خلال المنظومة القانونيةيركز على المقاربة الزجرية في تعامله مع الأفعال الجرمية و يفرد لهاعقوبات زجرية سالبة للحرية ، بالإضافة إلى تشبت المتقاضين خصوصا الضحايا منهم أو ذويهمبضرورة الاعتقال الفوري والعقوبات السالبة للحرية، كمعيار ومؤشرللثقة في العدالة و نزاهتها و تقييم جودتها و نجاعتها.
فبين النصوص التشريعية و النظرة الاجتماعية غير المنصفة لعمل النيابة العامة تبقى هذه الأخيرة بين المطرقة و السندان ، مطرقة النصوص التشريعية و سندان النظرة الاجتماعية ، لذلك سيكون من العبث بل عدم الموضوعية حصر مسؤولية ارتفاع عدد المعتقلين في نطاق مؤسسة النيابة العامة خاصة و القضاء عامة بل إن هناك مجموعة من العوامل الأخرى التشريعية و المؤسساتية التي تتداخل فيما بينها لتشكل من جهتها أحد الأسباب الرئيسية لعدم عقلنة و ترشيد الإعتقال في أحايين كثيرة ، و أن فهم هذه العوامل سيساعد على فهم مجموعة من القرارات التي تتخذها النيابات العامة التي تعمل في ظل سلطة الملاءمة.
فلما كانت الحرية حق من الحقوق الأساسية و المقدسة للأفراد و أن المواثيق و العهود الكونية ذات الصلة بحقوق الإنسان و الدساتير الوطنية تحمي حريات الأشخاص و كرستها ضمن بنودها و مقتضياتها، فإنها في نفس الوقت أعطت الصلاحية للقانون لإمكانية الإقتناص منها و أجازت له أمر تقييدها و الحد منها في الأحوال وبالشروط التي يحددها ، وهو نفس المنحى الذي سار عليه دستور المملكة لماأجاز للقانون و أباح له أمر تحديد حالات إلقاء القبض والاعتقال والمتابعة الجنائية للأشخاص، من خلال مقتضيات الفقرة الأولى من الفصل 23 منه .
وإعتبارا لكون الاعتقال الاحتياطي إجراء يمس بشكل مباشر حرية الأفراد، فقد عملت غالبية التشريعات الجنائية على إقراره و تنظيم مقتضياته في قوانينها الإجرائيةو أسهبت في تحديد الحالات و الشروط والأسباب المبررة و المنظمة للإعتقال المباشر من طرف النيابة العامة في نصوصإجرائية و مسطرية،و أسندتلقضاتها سلطة تقديره وتدبيرهو مراقبة ظروفه و أسبابه ومبرراته بالشكل الذي يحفظ سلامة المجتمع و أمنه .
فبالرجوع إلى المقتضيات القانونية المنظمة للإعتقال الذي تباشره النيابة العامة و نذكر هنا على الخصوصالمواد 47 و 73 و 74 من قانون المسطرة الجنائية ، نجدها قد أعطت الصلاحية لقضاة النيابة العامة سواء في حالة التلبس أو غير حالة التلبس بجناية أو جنحة معاقب عليها بالحبس ، أن يصدروا أمرا بالإيداع بالسجن في حق المشتبه فيه الذي إعترف بالأفعال المنسوبة إليه أو ظهرت معالم أو أدلة قوية على إرتكابه لها ، و الذي لا تتوفر فيه ضمانات الحضور أو ظهر أنه خطير على النظام العام أو على سلامة الأشخاص أو الأموال ، أو كانت الجناية ليست من الجنايات التي يكون فيها التحقيق إلزاميا _ مع وجوب تعليل قراراتهم_.
و بإستقراءالموادأعلاه من قانون المسطرة الجنائية، و ما جرى عليه العمل لدى النيابات العامةبالمحاكم ، فإن الحالات المبررة للإعتقال لا تخرج عن الحالات التالية :
- حالة التلبس بجناية لا يكون فيها التحقيق إلزاميا أو جنحة معاقب عليها بالحبس ؛
- إعتراف المشتبه فيه بالأفعال المنسوبة إليه أو ظهرت معالم أو أدلة قوية على إرتكابهلها ؛
- خطورة الأفعال المرتبكة على النظام العام أو على سلامة الأشخاص أو الأموال ؛
- إنعدام ضمانات الحضور.
كما جاء في إحدى علل حكم صادر عن المحكمة الإبتدائية بسلا في جوابها على أحد الدفوع التي تقدم بها دفاع أحد المتهمين ما يلي : "و حيث إن حالات التلبس بالجريمة من عدمها من الأمور المتعلقة بالموضوع و بإثبات الوقائع و التي يرجع أمر تقديرها إلى المحكمة ، إلا أن الإجراءات المتعلقة بها يمكن أن تكون محلا لدفوع شكلية، و أن ماعابه دفاع الظنين من كون مؤازره إستمع إليه في البداية أمام الشرطة القضائية كضحية ليجد نفسه في وضعية إستنطاق أمام السيد وكيل الملك الذي قرر متابعته و إستنطاقه لا يجد له أساسا في القانون بل على العكس من ذلك ، و بصرف النظر عن كون النازلة تتعلق بجريمة متلبس بها أم لا ، فإن المادة 47 من قانون المسطرة الجنائية في فقرتها الرابعة أجازت لوكيل الملك أن يستنطق المشتبه فيه في غير حالة التلبس و يطبق المسطرة المنصوص عليها في الفقرتين الأولى و الثانية من نفس المادة (المتعلقة بالتلبس) في الأحوال المنصوص عليها في نفس الفقرة ، و هو الأمر الذي سلكه وكيل الملك و طبقه بشكل موافق للقانون مما يبقى معه ما أثير بهذا الشأن غير مبني على أساس قانوني و يتعين رده."حكم صادر عن المحكمة الإبتدائية بسلا بتاريخ 26/03/2019 في الملف جنحي رقم 1827/2103/2018 غير منشور.
فإذا كانالقانون قد أسهب في تحديد مبررات الإعتقال من خلال ما تضمنته مقتضيات المواد 47 و 73 و 74 المشار إليها أعلاه ، فإن هناك مبررات واقعية لا تقل شأنا عن نظيرتها القانونية ،أولها :ما أفرزته و كشفت عنه مرحلة البحث و التحري بخصوص الفعل الجرمي المرتكب ، و ثانيها : لحماية النظام و الأمن العامين ، و ثالثها : لحماية مرتكب الجريمة نفسه من تبعات فعل الجرمي و ما قد يستتبعه من ردة فعل من الضحية أو ذويه أو باقي أفراد المجتمع ، ورابعها : لمنع المشتبه فيهم من محو أدلة الجريمة أو إخفاء معالمها أو التأثير على من عاينوها و حضروها من شهود، غير أن الرافضين لهذه المبررات سواء القانونية أو الواقعيةمنها يحملون قضاة النيابة العامة ما لا يطيقون و يربطون الإعتقالبمبررات و مؤيدات خاصة بهم، فبعضهم إعتمد على مبررات واهية لا تجد لها سندا و لا أساسا لا في القانون ولا في الواقع العملي ، حيث تربط فئة منهم الأمر بالإيداع بالسجن بمزاج قاضي النيابة العامة الذي أصدره، و تربطه فئة أخرى بضعف التخليق داخل منظومة العدالة مما يدفع قضاة النيابة العامة إلى استخدام الاعتقال الاحتياطي كوسيلة لإبعاد الشبهات عنهم،في حينأن البعض الأخر يبرر رفضه للإعتقال و يعتبره بأنه فيه مس لحريات الأشخاص و قرينة براءتهم قبل إثبات الفعل الجرمي ، و أن كل شك وجب أن يفسر لصالحهم.
و لعل ما يزيد من الأعباء الملقاة على قضاة النيابة و يثقل كاهلهم، نظرة المواطنين عامة و المتقاضين خاصة للعدالة و تقييمهم لها ، ذلك أن كثيرا منهملا يعترفون بنجاعة العدالة ولا يعتبرونها فعالة إلا إذا تم الإعتقال الفوري لخصومهم و إيداعهم بالمؤسسات السجنية، و أن أي إجراء غير ذلك يقابل بعدم الرضا من طرفهم، بل أكثر من ذلك فهناك من يعتبر ذلك مؤشرا على عدم نزاهة العدالة و نجاعتها أو انحيازها لطرف عن أخر ، كما أن إنتصارهم لمصالحهم الشخصية على حساب القانون يبقى المحرك الأساسي لسوء فهم بعض قرارات النيابة العامة و بالتالي تبني ردود أفعال قد توصف بالعنيفة و المتشددة اتجاه هذه القرارات.
وإذا كان الاعتقال الاحتياطي يبقى تدبيرا مشروعاشُرع ليتخذ في أضيق الحالات__باعتباره آلية قانونية ذات حمولات و تبعات حقوقية واجتماعية ثقيلة يتخذ في حق أشخاص ُتفترض دستوريا و مسطريا قرينة براءتهم__كل ما توفرت ظروفه و شروطه و يحق لقضاة النيابة العامة إيقاعه على من توفرت فيهم حالاته من الأشخاص المشتبه فيهم أو المتهمين، فإنه وجب على قراراتهم أن تكون في منأى عن كل تجاوز أو تعسف أوإنعدام للشرعية و أن يتقيدوا بشروط تطبيقه و مراقبة ظروفه و أسبابه ومبرراته بالشكل الذي يحفظ سلامة المجتمع و أمنه ، و في هذا الصدد جاء في إحدى علل حكم صادر عن المحكمة الإدارية بالرباط" و حيث ............... لئن كانت سلطة النيابة العامة تقديرية عند إتخاذ قرار الإعتقالالإحتياطي ، فإن هذا التقدير لا ينبغي أن يتسم بالتجاوز أو عدم المشروعية ، بل ينبغي أن يتقيد بشروط تطبيقه بالشكل الذي يحفظ سلامة المجتمع و أمنه دون الإخلال بقرينة البراءة التي تعتبر مبدأ دستوريا واجب الإحترام....... " حكم عدد 2605 صادر عن المحكمة الإدارية بالرباط بتاريخ 11/07/2017 في الملف عدد 182/7112/2017.
فلما كان الإعتقال يخضع للسلطة التقديرية لسلطة الملائمة المخولة للنيابة العامة وفقا لماتم بسطه و تبيانه أعلاه،و هو الأمر الذي أكدته محكمة النقض من خلال أحد قراراتها "و حيث إن إحالة الطاعن على المحكمة في حالة إعتقال يخضع للسلطة التقديرية لسلطة الملائمة المخولة للنيابة العامة كلما إرتأت أنه لا يتوفر على ضمانات الحضور و بالنظر لطبيعة الأفعال المنسوبة إليه." _قرار صادر عن محكمة النقض بتاريخ 19/11/03 تحت عدد 3288 في الملف عدد 117495 منشور بالمجلة المغربية لقانون الأعمال والمقاولات عدد 5 ص 137 و ما يليها_ ، فإن ذلك لا يمكن أن يكون أبدا مبررا للغلو و التمادي في اللجوء إليه، ولذلك فإن من الأولويات التي تضعها السياسة الجنائيةمسألة ترشيد الاعتقال الاحتياطي و عقلنته ، و هو ما يظهر بجلاءمن مختلف المناشير و الدوريات التي ما فتئت رئاسة النيابة العامة توجهها لجميع النيابات العامة لدى مختلف محاكم المملكة، لعل أخرها الدورية عدد 44 س/ ر ن ع بتاريخ 16 شتنبر 2020 و التي حثت من خلالها على ضرورة ترشيد الإعتقالالإحتياطي ، و كذا من خلال الندوات التي تشارك فيها أو يشارك فيها قضاتها و التكوينات المستمرة التي تبرمجها لفائدتهم ذات الصلة بالموضوع.
فصحيح أن النيابات العامة مطالبة الآن أكثر من أي وقت مضى بتحمل مسؤوليتهاالمهنية أثناء اتخاذ قرار الإيداع بالسجن بمعزل عن أي مؤثرات معنوية كانت أو مادية ، وجعل هاجس الموازنة بين حقوق وحريات الأفراد المشتبه فيهم والمتهمين من جهة، وضرورات مكافحة الجريمة وحماية النظام و الأمن العامين وضمان سلامة المجتمع و أمنه من جهة أخرى نصب أعينها، إلا أنه ينبغي التأكيد على أن هناك العديد من الأسباب التي تحول دون عقلنة الإعتقالو ترشيده و تقييده وضبط حالات اللجوء إليه في حالة عدة ، وهي أسباب تعزى بدرجة أولىو بصفة أساسية إلى النصوص القانونية، و يتجلى ذلك في محدودية بدائل الاعتقال بالنسبة للنيابة العامة ، ذلك أن هذه الأخيرة لا تتوفر من البدائل إلا على الكفالة المالية أو الضمانة الشخصية ، فضلا على أن المشرع و من خلال المنظومة القانونيةيركز على المقاربة الزجرية في تعامله مع الأفعال الجرمية و يفرد لهاعقوبات زجرية سالبة للحرية ، بالإضافة إلى تشبت المتقاضين خصوصا الضحايا منهم أو ذويهمبضرورة الاعتقال الفوري والعقوبات السالبة للحرية، كمعيار ومؤشرللثقة في العدالة و نزاهتها و تقييم جودتها و نجاعتها.
فبين النصوص التشريعية و النظرة الاجتماعية غير المنصفة لعمل النيابة العامة تبقى هذه الأخيرة بين المطرقة و السندان ، مطرقة النصوص التشريعية و سندان النظرة الاجتماعية ، لذلك سيكون من العبث بل عدم الموضوعية حصر مسؤولية ارتفاع عدد المعتقلين في نطاق مؤسسة النيابة العامة خاصة و القضاء عامة بل إن هناك مجموعة من العوامل الأخرى التشريعية و المؤسساتية التي تتداخل فيما بينها لتشكل من جهتها أحد الأسباب الرئيسية لعدم عقلنة و ترشيد الإعتقال في أحايين كثيرة ، و أن فهم هذه العوامل سيساعد على فهم مجموعة من القرارات التي تتخذها النيابات العامة التي تعمل في ظل سلطة الملاءمة.