MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers




العدالة الجنائية الذكية.. الكاميرات المحمولة على الجسم

     

بقلم: الدكتور أحمد عبد الظاهر

أستاذ القانون الجنائي بجامعة القاهرة




تتطلب قوانين الإجراءات الجنائية تحرير محضر في شأن أعمال الاستدلال. فعلى سبيل المثال، ووفقاً للمادة الرابعة والعشرين من قانون الإجراءات الجنائية المصري، «يجب أن تثبت جميع الإجراءات التي يقوم بها مأمور الضبط القضائي في محاضر موقع عليها منهم يبين وقت اتخاذ الإجراءات ومكان حصولها. ويجب أن تشتمل تلك المحاضر زيادة على ما تقدم توقيع الشهود والخبراء الذين سمعوا، وترسل المحاضر إلى النيابة العامة مع الأوراق والأشياء المضبوطة». وفي الإطار ذاته، وطبقاً للمادة السادسة والثلاثين من قانون الإجراءات الجزائية الاتحادي لدولة الإمارات العربية المتحدة رقم (35) لسنة 1992م، معدلة بموجب القانون الاتحادي رقم (29) لسنة 2005م، «يجب أن تثبت جميع الإجراءات التي يقوم بها مأمورو الضبط القضائي في محاضر موقع عليها منهم يبين بها وقت اتخاذ الإجراءات ومكان حصولها، ويجب أن تشتمل تلك المحاضر زيادة على ما تقدم تواقيع المتهمين والشهود والخبراء الذين سئلوا. وفي حالة الاستعانة بمترجم يتعين توقيعه على المحاضر المذكورة. وترسل المحاضر إلى النيابة العامة مع الأوراق والأشياء المضبوطة». واشتراط تحرير محضر جمع الاستدلالات يجد علته في المبدأ الإجرائي الحاكم للإجراءات الجنائية كافة، وهو «تدوين الإجراءات» أو على حد قول الفقه «إثبات الإجراء كتابة»، وذلك حتى يتسنى فيما بعد الاحتجاج به حينما يقتضي الأمر ذلك. فالغاية من أعمال الاستدلال هي إمداد سلطة التحقيق بالمعلومات التي تتيح لها اتخاذ قرار في شأن تحريك الدعوى، الأمر الذي يقتضي تدوين هذه المعلومات، كي تعرض بعد ذلك على سلطة التحقيق، فيتاح لها التأمل فيها واتخاذ قرارها في هذا الشأن عن بينة.

وخلافاً لما هو مقرر بالنسبة لمحاضر التحقيق، والتي يلزم القانون تحريرها بمعرفة أحد كتاب التحقيق، لم يتطلب القانون حضور كاتب مع مأمور الضبط القضائي لتحرير محاضر جمع الاستدلالات. بل إن الأصل أن يتم تحريرها بمعرفة مأمور الضبط القضائي نفسه. ومع ذلك، لا يوجد ما يمنع من استعانة مأمور الضبط القضائي بكاتب لتحرير محضر جمع الاستدلالات. ومن ثم، فإن هذا المحضر يمكن تحريره بواسطة مأمور الضبط القضائي نفسه أو بواسطة كاتب يستدعى لذلك. وقد يتم تحرير المحضر بخط اليد، وقد يتم تحريره آلياً من خلال الكتابة المباشرة على الحاسبات الآلية، ما دام المحضر قد حرر وطبع من الحاسب تم إشرافه وذيل بتوقيعه. بل إن التوقيع قد يتم إلكترونياً على النسخة الإلكترونية، دون حاجة إلى طباعتها ورقياً وتوقيعها. ويمكن بالتالي إرساله بالبريد الإلكتروني إلى سلطة التحقيق.

أكثر من ذلك أن محكمة النقض المصرية قضت بأنه لا يترتب البطلان، إذا لم يثبت مأمور الضبط القضائي كل ما يجريه في الدعوى من استدلالات، وما نص عليه القانون في هذا الشأن لم يرد إلا على سبيل الاسترشاد والتنظيم. بل إن محكمة النقض المصرية ذهبت إلى أن «القانون وإن كان يوجب أن يحرر مأمور الضبطية القضائية محضراً بكل ما يجريه في الدعوى من إجراءات قبل حضور النيابة العامة إلا أن إيجابه ذلك ليس إلا لغرض تنظيم العمل وحسن سيره، فلا بطلان إذا لم يحرر المحضر» (نقض 18 أبريل 1949م، مجموعة القواعد القانونية، ﺠ 7، رقم 874، ص 838). ومن باب أولى، فإن التأخير في تحريره أو عدم توقيعه لا يرتب بطلانه. وقد يبرر البعض هذا القضاء بأن أعمال الاستدلال لا يتولد عنها دليل قانوني، يمكن أن يعتمد عليه حكم الإدانة. ذلك أن حصيلة الاستدلال مجرد معلومات مطروحة أمام سلطة التحقيق الابتدائي أو أمام المحكمة لتمحيصها وتقييمها الذي يجعل منها دليلاً. ويمكن القول في هذا الصدد بأن الاستدلال لا يتولد عنه دليل، ولكن قد تتكون فيه نواة الدليل.

 

ومع ذلك، ينتقد الفقه الجنائي المصري هذا القضاء، داعياً إلى التشدد في شكلية الإجراءات الجنائية ومظهرها. فعلى حد قول بعض الفقه، إن تحرير محضر الاستدلالات واجب وظيفي له أثره في الإثبات. وما دامت المحكمة تقر بأن إجراءات الاستدلال يصح الاستناد إليها في الحكم، إذا اقتنع بحصولها قاضي الموضوع، وجب لكي تكون لها قيمتها القانونية من حيث الإثبات أن تدون في محضر مستوفي للشكليات التي تطلبها القانون. ويظل هذا الأمر صحيحاً، حتى ولو اعتمد عليها الحكم على سبيل الاستدلال. أما أن تكتفي المحكمة بأن يدلي مأمور الضبط القضائي بالإجراءات التي اتخذها في محضر تحقيق النيابة، أو أن تكتفي – على حد قولها – بأن تقتنع محكمة الموضوع من الأدلة المقدمة إليها بأن التفتيش أجرى وأنه أسفر عما قيل إنه تحصل منه، فهو تفريط.

 

والواقع أن العدالة تتحقق عند اقتناع الناس بصحة الإجراءات التي تمت وصدق الأقوال التي تم الإدلاء بها وأمانة ودقة القائمين بهذه الإجراءات، الأمر الذي يستوجب من القائمين على منظومة العدالة الجنائية سد كل الأبواب التي قد يستغلها الباب للتشكيك فيها. ففي العام 1829م، طوّر السير روبرت بيل – الذي يعتبره الكثيرون مؤسس الشرطة الحديثة – ما أصبح يعرف اليوم باسم «المبادئ التسعة لإنفاذ القانون»، والتي تم نشرها على ضباط إنفاذ القانون البريطانيين، لتكون بمثابة تعليمات عامة. وينص المبدأ الثاني للسير بيل على أن «قدرة الشرطة على أداء واجباتها مقترنة بموافقة الجمهور على وجود الشرطة وأفعالها وسلوكها وعلى تأمين الاحترام العام والحفاظ عليه». وبعد ما يقرب من مائتي عام، لا يزال مبدأ بيل صحيحاً. إذ لا تزال قدرة وكالات إنفاذ القانون على مكافحة الجريمة بشكل فعال مقترنة بما يتصوره الجمهور حيال شرعية تصرفات ضباط الشرطة وغيرهم من مأموري الضبط القضائي ومعاونيهم من رجال السلطة العامة. وللتدليل على ذلك، يكفي أن نشير إلى الاضطرابات المدنية التي حدثت مؤخراً في جميع أنحاء الولايات المتحدة الأمريكية، على إثر بعض حالات الاستخدام المميت للقوة من قبل ضباط الشرطة، حيث سلطت هذه الأحداث الضوء على التحديات المستمرة في الحفاظ على تصور الجمهور لشرعية مهام إنفاذ القانون، لاسيما فيما يتعلق باستخدام القوة.

 

وللحفاظ على ثقة الجمهور والمواطنين في الأداء الشرطي، اتجهت الأجهزة الشرطية في العديد من دول العالم إلى وضع كاميرات على صدر البدلة التي يرتديها رجال الشرطة. وتعد الولايات المتحدة الأمريكية من الدول الرائدة في هذا المجال. ولعل من يشاهد أفلام السينما الأمريكية، يلحظ بوضوح وجود كاميرا مثبتة على البدلة التي يرتديها رجل الشرطة. كذلك، قام مركز العدالة الجنائية الأمريكي بتمويل العديد من الدراسات والأبحاث حول هذه التقنية الجديدة، والمنشورة باللغة الإنجليزية على موقع المركز.


وتشير الأبحاث إلى أن كاميرا الجسم (Body-Worn Camera) قد تعود بالفائدة على تطبيق القانون، وتجعل الإجراءات الشرطية أكثر مصداقية ومبعثاً على الثقة والاحترام. وتعتبر الكاميرات المحمولة إحدى الطرق المتاحة لمواجهة التحديات المرتبطة بالعمل الشرطي وتحسين ممارسات إنفاذ القانون بشكل عام. إذ من شأن هذه التقنية، التي يمكن تركيبها على نظارات رجل الشرطة أو منطقة الصدر، عرض المعلومات في الوقت الفعلي عند استخدامها من قبل ضباط أو رجال الدورية أو عند أداء أي مهام أخرى بالاتصال مع أفراد المجتمع. وهناك فائدة أخرى للكاميرات المحمولة، وهي تزويد موظفي إنفاذ القانون بأداة مراقبة لتعزيز سلامة رجال الشرطة وكفاءتهم ومنع الجريمة. وقد انتشرت هذه التكنولوجيا بسرعة في جميع أنحاء الولايات المتحدة الأمريكية. ففي العام 2013م، تبنى الثلث تقريباً من دوائر شرطة البلدية الأمريكية استخدام الكاميرات المحمولة، مع استمرار عامة المجتمع بتقبل واحتضان هذه التكنولوجيا. لكن إلى ماذا توصلت الأبحاث ذات الصلة؟ تشير الدراسات الحالية إلى أن الكاميرات المحمولة تقدم فوائد لإنفاذ القانون، ولكن هناك حاجة إلى مزيد من البحث لفهم قيمة التكنولوجيا في هذا المجال.

الفوائد المحتملة لاستخدام مأموري الضبط القضائي الكاميرات المحمولة على الجسد

يشير مؤيدو الكاميرات المحمولة إلى عدد من الفوائد المحتملة، يمكن حصرها في فوائد، هي: شفافية أفضل، زيادة درجة التحضر في تصرفات المواطنين ورجال الشرطة، وسرعة اتخاذ القرارات بشأن شكاوى المواطنين، وزيادة قوة الأدلة الجنائية، وتحديد الاحتياجات التدريبية بشكل علمي ودقيق. وسنحاول إلقاء الضوء على هذه الفوائد، وذلك من خلال العرض التالي:

شفافية أفضل: أولاً، يمكن للكاميرات المحمولة أن تؤدي إلى شفافية ومساءلة أفضل وبالتالي تحسين شرعية وكالات إنفاذ القانون. إذ تعاني العديد من المجتمعات من مشكلة غياب الثقة في وكالات إنفاذ القانون، وتتفاقم مشكلة الثقة هذه عند طرح الأسئلة المتعلقة بتواصل الضباط مع أفراد المجتمع والتي غالبا ما تنطوي على استخدام القوة المفرطة أو المميتة. إلا أن مشاهد الفيديو التي يتم التقاطها خلال هذه اللقاءات قد توفر توثيقاً أفضل للحوار الذي تم بين الضابط والفرد، مما يساعد في تأكيد طبيعة الأحداث وتأييد الروايات التي يقدمها ضابط الشرطة وأفراد المجتمع.

زيادة التحضر: قد تؤدي الكاميرات المحمولة أيضًا إلى ارتفاع معدل امتثال المواطنين لأوامر الضباط خلال اللقاءات وانخفاض عدد الشكاوى المرفوعة ضد وكالات إنفاذ القانون. وفي كثير من الأحيان يغير المواطنون سلوكهم تجاه الضباط عند ابلاغهم أنه يتم تسجيل اللقاء. إن «تأثير التحضر الأخلاقي» سالف الذكر يمنع تصعيد بعض المواقف إلى مستويات تتطلب استخدام القوة ويحسّن التواصل بين الضباط والمواطنين أيضاً.

قرار أسرع: قد تؤدي الكاميرات المحمولة إلى اتخاذ قرارات أسرع بشأن شكاوى ودعاوى المواطنين التي تدعي الاستخدام المفرط للقوة وأشكال أخرى لسوء سلوك رجال الشرطة. وفي تحقيقات القضايا التي تتضمن روايات غير متسقة للقاء الحاصل ما بين الطرفين غالباً ما تفتقر هذه التحقيقات إلى «أدلة مؤيدة»، ويتم إغلاقها لاحقاً عند عدم وجود مقطع فيديو أو شهود عيان مستقلين أو متعاونين. ومن شأن ذلك أن يقلل من ثقة المواطنين في تطبيق القانون ويعطي شعوراً لدى الأفراد بأن مزاعم سوء المعاملة المقدمة ضد ضباط الشرطة لن يتم التعامل معها بالشكل الملائم. ومن هنا، تأتي أهمية الفيديوهات التي تلتقطها الكاميرات المحمولة، حيث تساعد في تأكيد وقائع اللقاء بين رجل الشرطة والشاكي، مما يؤدي إلى اتخاذ قرار أسرع.

أدلة مؤيدة: يمكن استخدام الفيديوهات التي يتم التقاطها كدليل في الاعتقالات أو الملاحقات القضائية. أشار المؤيدون إلى أن الفيديوهات التي تلتقطها الكاميرات المحمولة قد تساعد في توثيق اللقاء وتوثيق طبيعة أنواع مختلفة من الجرائم، مع تقليل إجمالي الوقت المطلوب من الضباط لاستكمال الأعمال الورقية في ملفات القضايا وتأكيد الأدلة المقدمة من قبل النيابة، وارتفاع عدد الإقرار بالذنب في إجراءات المحكمة.

تحديد الاحتياجات التدريبية بشكل دقيق: إن استخدام الكاميرات المحمولة يوفر أيضاً فرصاً محتملة لتقدم ونهوض الشرطة من خلال التدريب. إذ يمكن للمدربين والمدراء التنفيذيين في وكالات إنفاذ القانون تقييم أنشطة رجال الشرطة وسلوكهم المسجل عبر الكاميرات المحمولة – إما من خلال التحقيقات الذاتية أو تلك الناتجة عن الاتصال بمراكز الخدمة – لتعزيز المهنية بين الضباط والمجندين الجدد. ويمكن للفيديوهات المسجلة كذلك أن تزود مسؤولي إنفاذ القانون بالفرص لتنفيذ استراتيجيات جديدة ولتقييم مدى التزام الضباط أثناء أداء واجباتهم بالمبادرات والمهام الموكلة لهم.

الجدل حول منهجية البحث المستخدمة في تقييم أثر الكاميرات

إن الاستخدام المتزايد للكاميرات المحمولة من قبل وكالات إنفاذ القانون قد تخطى بشكل ملحوظ هيكل البحث الذي يدرس العلاقة بين التكنولوجيا ونتائج إنفاذ القانون. وعلى الرغم من القيود الموجودة في التقييمات المبكرة لهذا التكنولوجيا، إلا أن بعض الأبحاث التي جرت في الآونة الأخيرة قد ساعدت في تعزيز معرفتنا بمدى فوائد وتأثير الكاميرات المحمولة. ففي دراسة أجريت عام 2014م، بتمويل من مكتب العدل وتحديداً مركز تشخيص البرامج، لاحظ الباحث مايكل وايت أن التقييمات السابقة للكاميرات المحمولة وجدت عدداً من النتائج المفيدة لوكالات إنفاذ القانون. وأشارت دراسات قديمة في المملكة المتحدة إلى أن الكاميرات المحمولة أدت إلى تفاعلات إيجابية بين رجال الشرطة والمواطنين وجعلت الناس يشعرون بأمانٍ أكثر. كما لوحظ انخفاض في شكاوى المواطنين، وانخفاضات مماثلة في الجريمة. ووجدت الدراسة أن الكاميرات المحمولة أدت إلى زيادة عمليات الاعتقال والملاحقات القضائية والإقرار بالذنب. أما من حيث الكفاءة، فإن استخدام التكنولوجيا مكّن ضباط الشرطة من حل القضايا الجنائية بشكل أسرع، وتخصيص وقت أقل في تحضير الأعمال الورقية، كما أدى إلى انخفاض عدد القضايا المرفوعة أمام المحاكم. وأيدت الدراسات التي تلت ذلك في الولايات المتحدة الأمريكية منافع الكاميرات المحمولة أيضاً.

وفي المقابل، فإن بعض الدراسات كانت مشوبة بنهج مشكوك فيه أدت إلى التشكيك في النتائج. ووفقاً لوايت، فإن الدراسات القليلة التي أجريت بين عامي 2007م و2013م كانت مقيدة منهجياً أو أجريت بطريقة تثير مخاوف بشأن استقلالية البحث. فعلى سبيل المثال، شملت العديد من الدراسات عينات صغيرة الحجم أو افتقرت إلى مجموعات مراقبة مناسبة للمقارنة بين ضباط الشرطة الذين يرتدون الكاميرات المحمولة والذين لا يرتدونها. إذ أن بعض الدراسات أجرتها سلطات إنفاذ القانون المشاركة، أي أنها كانت تفتقر إلى التقييم المستقل. وأخيراً، ركزت بعض الدراسات بشكل ضيق على تصورات ضباط الشرطة أو المواطنين حيال الكاميرات المحمولة، بدلاً من التركيز على النتائج الهامة الأخرى، مثل امتثال المواطنين، وسلوك ضابط الشرطة أو المواطن في الحالات التي تنطوي على استخدام القوة.

ومع مرور الوقت، تحسنت الدقة العلمية، وخلصت الدراسات الجارية في وكالات إنفاذ القانون الأمريكية إلى نتائج واعدة تدعم وتؤيد الكاميرات المحمولة. فعلى سبيل المثال، وفي العام 2014م، وجد باحثون في جامعة أريزونا الحكومية (بتمويل من مكتب دعم العدالة – مبادرة الشرطة الذكية) أن ضباط الشرطة الذين يرتدون الكاميرات كانوا أكثر إنتاجية من حيث عمليات الضبط وأن الشكاوى المقدمة ضدهم أقل عدداَ، مقارنة مع ضباط الشرطة الذين يحجمون عن ارتدائها، كما حصلوا على عدد أعلى من القرارات الصادرة لصالحهم فيما يخص شكاوى المواطنين. وفي دراسة أخرى أجرتها إدارة شرطة ريالتو (كاليفورنيا)، لوحظ انخفاض مماثل في عدد الشكاوى المقدمة من المواطنين ضد الضباط الذين يرتدون الكاميرات، وكذلك انخفاض في حوادث استخدام القوة من قبل الشرطة. بالإضافة إلى ذلك، وجد جاستن ريدي وجاكوب يونج من جامعة أريزونا الحكومية أن ضباط الشرطة الذين يرتدون الكاميرات كانوا أكثر حذراً في تصرفاتهم وأكثر تحسساً للتدقيق المحتمل في لقطات الفيديو من قبل رؤسائهم. علاوة على ذلك، وخلافاً للمخاوف الأولية، تبين أن ضباط الشرطة الذين يرتدون الكاميرات يجرون عددًا أكبر من التعاملات أو الاتصالات مع سكان المجتمع بالمقارنة مع الضباط الذين لا يرتدوا الكاميرات.

كما تم مؤخراً إجراء تجارب عشوائية مراقَبَة على الكاميرات المحمولة – وهي تعتبر المعيار الذهبي العلمي لتقييم البرامج. وهكذا، من مختلف الأساليب العلمية المتاحة، من المحتمل على الأكثر أن هذه التجارب ستخلص إلى دليل سليم لأن التخصيص العشوائي قادر على عزل المعاملة الخاصة لفائدة ما عن كافة العوامل الأخرى التي تؤثر على أي نتيجة معينة.

وفي تجربة عشوائية مراقَبَة أخرى تم إجراءها عام 2016م عالمياً في عدة مواقع، وجد باراك أرييل وزملاؤه أن حوادث استخدام القوة المفرطة ترتبط بممارسة السلطة التقديرية الممنوحة للضباط فيما يتعلق بارتداء الكاميرات من عدمها أثناء التعاملات الحاصلة بين الضباط والمواطنين. إذ وجد الباحثون انخفاضاً في حوادث استخدام القوة عندما يقوم الضباط بتشغيل كاميراتهم عند الوصول إلى مكان الحادث. بالمقابل، ازدادت حالات استخدام القوة من قبل الضباط الذين يرتدون الكاميرات عندما يكون لديهم السلطة التقديرية لتقرير متى يشغلون كاميراتهم أثناء تعاملهم مع المواطنين.

وفي العام 2017م، وبدعم من المركز الوطني للعدالة في الولايات المتحدة الأمريكية (NIJ)، أجرى باحثون تجربة عشوائية مراقَبَة على أربعمائة فرد من ضباط الشرطة في شرطة العاصمة لاس فيجاس. وقد وجد فريق البحث أن الضباط الذين يستخدمون الكاميرات المحمولة يتلقون عدداً أقل من تقارير وشكاوى المواطنين المتعلقة باستخدام القوة المفرطة، بالمقارنة مع المواطنين الذين لا يرتدون كاميرات محمولة. وبالإضافة إلى ذلك، سجل الضباط الذين يستخدمون الكاميرات المحمولة عدداً أكبر من المخالفات والاعتقالات بالمقارنة مع الضباط الذين لا يرتدون كاميرات محمولة.

الحاجة إلى مزيد من البحث

ظهر عدد متزايد من الدراسات للمساعدة في سد الفجوات المعرفية في هيكل البحث الحالي المتعلق بالكاميرات المحمولة. فقد لاحظ الباحثون في جامعة جورج ميسون أنه تم الانتهاء من 14 دراسة في هذا المجال، وأن هناك ما لا يقل عن ثلاثين دراسة أخرى تُجرى حالياً لفحص آثار الكاميرات المحمولة ونتائجها المختلفة. ومن بين أكثر النتائج شيوعاً التي تم فحصها هو تأثير الكاميرات المحمولة على جودة التعاملات بين الضباط والمواطنين، والتي يتم قياسها حسب ما يلي: طبيعة الاتصال، عرض الإجراءات القضائية المتبعة والمهنية، سوء السلوك أو الفساد، واستخدام القوة من قبل الضباط، مواقفهم حيال الكاميرات المحمولة؛ ومعدل رضا المواطنين عن تعاملهم مع وكالات إنفاذ القانون، وتصورهم حيال إنفاذ القانون والشرعية؛ وامتثال المتهمين بأوامر الضباط؛ والتحقيقات الجنائية، والأعمال التي يبادر بها رجال تنفيذ القانون.

ومع ذلك، لا تزال هناك فجوات معرفية؛ إذ أن الباحثين في جامعة جورج ميسون سلطوا الضوء على الحاجة لفحص المخاوف التنظيمية المتعلقة بالكاميرات المحمولة. فعلى سبيل المثال، ووفقاً لرأي البعض، فقد تم التركيز بشكل ضئيل على تحسين التدريب والسياسات التنظيمية. وهناك أيضاً حاجة لمعلومات إضافية حول مدى مساهمة الكاميرات المحمولة في تسهيل التحقيقات المتعلقة بعمليات إطلاق النار التي يتورط فيها ضباط الشرطة أو غيرها من الحوادث الخطيرة وحول قيمة مشاهد الفيديو التي يتم التقاطها بالكاميرات المحمولة في سياق الإجراءات القضائية.

وتختلف الأبحاث الحالية حسب مستوى الدقة والنهج المستخدمة، إلا أن النتائج المستخلصة ما تزال تساعد التنفيذيين في وكالات تطبيق القانون من حيث البت في مسألة تبني هذه التكنولوجيا في وكالاتهم من عدمها. ولكن، بالإجمال، تشير الأبحاث القائمة على الكاميرات المحمولة إلى أن هذه التكنولوجيا قد تقدم الفوائد المحتملة لوكالات إنفاذ القانون. ومع ذلك، فإن المدى الحقيقي لقيمتها يعتمد على الدراسات البحثية المتواصلة لمواكبة التطور في تبني واعتماد الكاميرات المحمولة من قبل وكالات إنفاذ القانون في الولايات المتحدة الأمريكية.

وأخيراً، ولمزيد من التفاصيل حول هذا الموضوع، يمكن أن نحيل القارئ العزيز إلى العديد من المقالات التي تتناول موضوع «الكاميرات المحمولة على الجسد»، نذكر منها هذه الدراسة التي تم الاعتماد عليها إلى حد كبير في هذا المقال، وبياناتها كالتالي:

Brett Chapman, Body-Worn Cameras: What the Evidence Tells Us, NIJ Journal, November 14, 2018, published at: https://nij.ojp.gov/topics/articles/body-worn-cameras-what-evidence-tells-us



الخميس 7 مارس 2024

تعليق جديد
Twitter