MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers




البعد السوسيولوجي في تعديل مدونة الأسرة بين الإعمال والإهمال

     

ذ/ بحسيس مصطفى

باحث في العلوم القانونية.



البعد السوسيولوجي في تعديل مدونة الأسرة  بين الإعمال والإهمال
 
تعتبر الأسرة المؤسسة على الزواج الشرعي بمثابة الخلية والنواة التي ينبني عليها كيان المجتمع ،لذلك عمل المشرع المغربي على حمايتها وصيانة حقوق أفرادها في مختلف نصوص التشريع الأسري بوجه عام .

وقد جاءت مدونة الأسرة المغربية منذ نفاذها قبل عشرون سنة مضت بجملة من التدابير الشكلية والموضوعية لتحقيق هذه الحماية سواء أثناء قيام العلاقة الزوجية وكذا في حالة انحلالها بسبب من الأسباب وما يقتضيه ذلك من العناية الخاصة بحقوق الأبناء.

وعلى الرغم من هذه الحماية ،وعلى مدار المدة المشار إليها بشأن تفعيل مدونة الأسرة إلا أن واقع التطبيق أفرز إشكالات متعددة من حيث الطبيعة والفاعلين والمتدخلين في تنزيلها على ارض الواقع ،الشيء الذي جعل سؤال التعديل ذو طابع آني تفرضه الحاجة الملحة لتدارك هذه الإشكالات وتقديم الإجابات الكفيلة بمعالجتها .

ولعل من أبز هذه الإشكاليات تلك المتعلقة بالجانب السوسيولوجي للقاعدة القانونية الأسرية ،والذي ينصرف من حي المعنى إلى العادات و التقاليد التي تحكم لاوعي المجتمع و تأثيرها إعمالا و إهمالا في نجاح القاعدة القانونية الأسرية من عدمه .

ففي كثير من الأحيان يغفل واضعوا التشريع الأسري عن الإمكانات والنتائج التي تتيحها الدراسات السوسيولوجية  في بناء وصياغة  القاعدة القانونية بصفة عامة و الأسرية بصفة خاصة ،الشيء الذي يؤثر سلبا  في مسار تفعيلها  على ارض الواقع .

ففي مادة الصلح مثلا وكما هو معلوم أن المشرع المغربي في المادة 81 من مدونة الأسرة أقر مسطرة الصلح في حل الخلافات الزوجية وأحاط هذه المسطرة بتدابير رامية إلى إنجاحها ،غير أن تفعيل الصلح من الناحية العملية لم يرقى إلى الصورة التي رسمها النص القانوني و لا يؤدي إلى تحقيق الغاية التي وجد من أجلها ،وهو ما يمكن استبيانه من خلال عدد الملفات التي بوشرت فيها مسطرة الصلح ورغم ذلك انتهت بإنفصال العلاقة الزوجية .

ومن هنا نعتقد أن عدم فاعلية الصلح وفق هذا التصور وكذا بعض المساطر الأسرية يرجع إلى عدم   الانتباه إلى ما يمثله اللجوء إلى المحكمة في الوسط الاجتماعي المحافظ ودلالته الرمزية في المخيال المجتمعي  ومدى تأثير ذلك على نجاحه،وهو ما يمثل احد مظاهر إغفال البعد الاجتماعي لبناء القاعدة القانونية الأسرية وكذا فاعليتها من حيث التطبيق.

ونستحضر في هذا الصدد ما جاء في كتاب علم الاجتماع القانوني لمؤلفه محمد الرمضاني ،ص75 " أن التركيز على إشكالية التطبيق وعلى الطابع الضبطي للقانون و النظر إليه كأداة لضبط المجتمع وتطويعه ،أفرز ممارسات تشريعية في صياغة القوانين ووضعها ،تبتعد عن الهم المجتمعي و عن التفاعلات و العلاقات الاجتماعية ،وتتجاهل حدة الإنفصال و التباعد بين القانون و الواقع المجتمعي ،فضعف إهتمام المشرع بالجانب السوسيولوجي رسخت بشكل متزايد تركيز التوجه و الاهتمام بالنصوص القانونية و أبعادها المستقبلية ،دون الانتباه إلى أهمية الابعاد السوسيولوجية ."

  ويمكن القول وفي مجال الصلح الأسري نموذجا أن إعمال البعد السوسيولوجي يقتضي استحداث مؤسسات و آليات ذات بعد رمزي في المجتمع قريبة من أطراف العلاقة الزوجية توكل لها مهمة معالجة أسباب الخلاف في جو من الاحتواء تنزع فيه الصبغة الإكراهية التي تميز المساطر القانونية .

ومما لا شك أن إغفال هذا البعد  لا يؤثر فقط في طرفي العلاقة الزوجية بل يمتد لا محال إلى الأبناء ،فلا يخفى الأثر السلبي الذي يتولد عن سلوك الأزواج للمساطر القضائية على الأطفال من الناحية الصحية و التحصيل الدراسي،

وحاصل القول مما سبق البيان أن خصوصية التشريع الأسري بصفة عامة ومدونة الأسرة بصفة خاصة يقتضي  استحضار الأبعاد المؤثرة في بناء القاعدة القانونية الأسرية وفي مقدمتها البعد الاجتماعي السوسيولوجي بما يقتضيه من فهم البنية الاجتماعية للأسرة المغربية وتفاعلات العناصر المشكلة لبنيتها ، وعدم فصل هذه القاعدة القانونية عن المحيط الإجتماعي الذي يعتبر منشأ هذه القاعدة وذلك بالانفتاح على الدراسات و الأبحاث الاجتماعية المنجزة في هذا الباب.

ولا شك أن اعتبار البعد السوسيولوجي في صياغة القاعدة القانونية في مدونة الأسرة المقبلة يكتسي أهمية بالغة ومن شأنه  تلافي العديد من الآثار السلبية الناجمة عن الصياغة المجردة للنص القانوني على أطراف العلاقة الزوجية ،ذلك أن هذا النص  لم يكن إلا وسيلة لبلوغ إرادة التشريع في حماية التفاهم و التعايش الأسري وبالتبعية الاستقرار المجتمعي .



الثلاثاء 27 فبراير 2024

تعليق جديد
Twitter