MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers



هل يحق للمتضررين من فيضانات الجنوب مقاضاة الدولة؟

     



هل يحق للمتضررين من فيضانات الجنوب مقاضاة الدولة؟
في إطار ترتيب المسؤولية على مؤسسات الدولة، ومن أجل دفعها إلى القيام بواجباتها على أتم وجه، نصّت دساتير الدول الديمقراطية على مبدأ "ربط المسؤولية بالمحاسبة"، وهو المبدأ الذي تضمّنه الدستور المغربي المعدّل سنة 2011. وبموجب هذا المبدأ تلتزم الدولة من خلال مؤسساته بإتقان أعمالها، وإلا في إنها تتعرض إلى نوعين من المحاسبة؛ الأولى سياسية يمارسها المواطن عندَ كل انتخابات، حيث يكافئ الحكومة التي أحسنت أعمالها، ويعاقب التي أهملت واجباتها. أما المحاسبة الثانية فهي قانونية تتكفّل بها المحاكم الادارية والمالية.
والنوع الثاني من المحاسبة هو الذي يعنينا في هذه المقالة التي تسعى للإجابة عن السؤال الذي طُرِح في العنوان، فإذا كانت قوانين الدول الديمقراطية تُحمّل مؤسسات الدولة مسؤولية التعويض المادي عن تقاعس مصالحها، وترتّب المسؤولية الجنائية عن أخطاء المسؤولين (مثال ذلك، الحكم الذي أصدرته مؤخرا المحاكم الفرنسية ضد رئيس بلدية تقع في غرب فرنسا، حيث حمّلته المحكمة مسؤولية وفاة 29 شخصا، ووجهت له تهمة القتل غير العمد، نظرا لسماح بلديته بإقامة مساكن في منطقة حذّر الخبراء من خطورة البناء فيها. إذ قضت المحكمة في حق المتهم بـ 4 سنوات سجنا نفاذا وغرامة مالية)، فهل يضمن القانون المغربي على الأقل تعويض المتضرّرين من الفيضانات الأخيرة؟ وهل هناك أحكام قضائية سابقة يمكن الارتكان إليها؟

ربما من غير المفيد التذكير بما أحدثته الأمطار التي عرفتها العديد من المناطق المغربية، فالمسألة أضحت معروفة لدى القاصي والدّاني، سيما وأن كاتب هذه السطور سبق له أن رصَد ذلك في مقال بعنوان "ما الذي كشفت عنه الفيضانات"؟ وهو المقال الذي تطرق للعديد من النقط التي تكشّفت نتيجة لتلك الأحداث، خاصة فيما يتعلق بالبنية التحتية، والمسائل القانونية والسياسية، وواقع المجتمع المدني. فلا داعي إذا للاستطراد في التفاصيل إلا إذا اقتضاها التحليل.

إذا ما بدأنا باستقراء نصوص الدستور المغربي بخصوص الموضوع، فإنه يلاحَظ أن نصوصا متعددة تلزم الدولة بتحمّل مسؤوليتها عن الأضرار الناتجة عن إهمال مصالحها، فالفصول: 40، 93، 136 كلها تسير في اتجاه ترتيب المسؤولية على مصالح الدولة، ولهذا أقر قانون المالية العديد من الصناديق الخاصة بمجابهة الكوارث من قبيل " صندوق إنعاش ودعم الوقاية المدنية" و "صندوق مكافحة آثار الكوارث الطبيعية"، حيث ترصد لهما الحكومة حوالي 400 مليون درهم سنويا، إضافة إلى صناديق أخرى يمكن أن تصبّ في هذا السياق.

أما القوانين العادية فإن استقراء نصوصها، يفيد أيضا بأن مسؤولية الدولة قائمة عند حدوث الفيضانات أو أي كوارث متوقّعة، فقانون الالتزامات والعقود لا يعفي المدين من مسؤوليته إلا إذا كن سبب عدم وفائه بالدين عائد إلى قوة قاهرة ( ف268)، والقوة القاهرة كما يعرفها هذا القانون تنتج عن " كل أمر لا يستطيع الانسان أن يتوقعه، كالظواهر الطبيعية (الفيضانات والجفاف، والعواصف والحرائق والجراد) وغارات العدو وفعل السلطة، ويكون من شأنه أن يجعل تنفيذ الالتزام مستحيلا" ( ف269)، فهل الفيضانات التي عرفها المغرب مؤخرا تتسم بصفة القوة القاهرة؟

إن نزول الأمطار في فصل الشتاء لَهو من الأمور العادية جدا، وما صلاة الاستسقاء التي دعت إليها الدولة (وزارة الأوقاف) إلا دليل على ذلك، وإن فرضية نزول أمطار قوية قد تتسبب في مشاكل خطيرة، كانت منتظرة من جميع مؤسسات الدولة، وما النشرات الإنذارية التي عمّمتها وسائل الاعلام العمومية لَتأكيد على ذلك.

فالمسألة لا تتعلق بقوة قاهرة تعفي مؤسسات الدولة من تحمل المسؤولية، لأن الأمطار لم تنزل في فصل الصيف مثلا، وهي لم تكن فجائية من حيث قوتها. وبالتالي كان على مؤسسات الدولة أن تقوم بحماية المواطنين منها، سواء قبل حدوثها وبعد ذلك؛ فقبل حدوث الأمطار كان على السلطات أن ترفض الترخيص للمواطنين بتشييد مساكن في مجاري الأودية المنسية، وإذا شيّدوا مساكنهم الخاصة في تلك الأماكن يُفرض على السلطات منعهم بالقوة التي يخولها لها القانون.

أما محاصرة الأودية للمدن والتسبب في إغراقها فهذا تتحمل مسئولتيه جميع الوزارات المعنية بحماية المدن عن طريق تحويل اتجاهات الأودية، وبناء سدود في تلك المناطق، وتجويف الأرض، وتوفير المضخّات، وغيرها من وسائل الحماية التي ينصح بها الخبراء. وأما العديد من الطرق التي تم جرفها، ومئات القناطر التي تهدّمت، فهذا عائد إلى أخطاء مصالح الدولة بسبب الغش في البناء، أو تشييد طرق في غير أماكنها، وما صمود العديد من القناطر التي عمّرت أكثر من نصف قرن وسقوط قناطر لم تمرّ عليها إلا سنوات او أشهرٍ لَهو دليل على الغش والتحايل وغياب المقارنة.

وبالتالي، وكما ينص على ذلك الفصل 79 من ق.ل.ع فإن "الدولة والجماعات الترابية مسؤولة عن الأضرار الناتجة مباشرة عن تسيير إدارتها وعن الأخطاء المصلحية لمستفيديها"، وهذا ما ينطبق على الفيضانات التي نحن بصدد مناقشتها.

هذا بعضٌ ممّا كان يمكن لمؤسسات الدولة قبل هطول الأمطار القوية القيام به، أما بعد أن غرق المواطنون وتضررّت ممتلكاتهم، فإن مسؤولية الدولة ثابتة أيضا لأنها لم تجر علمية الإنقاذ كما ينبغي.

فهي لم تنقّل المواطنين من الأماكن المهددة بالغرق (نتحدث هنا عن المرحلة الاولى من الفيضانات، لأن الدولة تداركت الأمر في المرحلة الثانية)، ولم تمنع بالقوة حركة السير، إذ لا يكفي أن يتنصّل المسؤول عن حركة السير من المسؤولية بادّعائه أن عناصر الدرك قاموا بإرشاد السائقين إلى عدم سلك بعض الطرق لكنهم لم يستجيبوا، مادامت السلطة ملزمة بحماية المواطنين حتى ضد إرادتهم، وهذا ما تقوم به بالفعل في أحايين كثيرة من قبيل: إلزامهم بحزام السلامة، صيانة السيارة، الأمر الذي قد يترتب عليه حجز العربات، ونفس الشيء بالنسبة للمناسبات التي تستعدي فيها الضرورة غلق بعض الطرق ومنع حركة السير (المواكب المليكة، حوادث السير...).

وبالتالي كان على رجال الدرك اللجوء إلى القوة التي يخولها القانون من أجل منع المواطنين من السير على الممرات الوعرة، وهو ما تم بالفعل خلال المرحلة الثانية من الفيضانات (لقد وقف كاتب السطور شخصيا على عملية منع بالقوة من طرف الدرك لسائق سيارة أجرة متجه إلى نواحي مراكش بدعوى خطورة الموقف).

أما عمليات الإنقاذ فقد اتسمت بنوع من الهواية، إذ لوحظ أن أجهزة الوقاية المدنية محدودة الفعّالية، إذ لا يتوفر على الخبرة والمعدات الضرورية للتعامل مع الأحداث الخطيرة، فما كشفت عنه الفيضانات هو وسائل نجدة محدودة للوقاية المدنية (تسببت المعدات أحيانا في إزهاق الأرواح بدل نجدتها)، فهي تفتقد للمروحيات التي تكون هي محور عملية الإنقاذ خلال الفيضانات، (ظلت قرى محاصرة لعدة أيام نظرا لعدم وجود مسالك)،

كما أن عديد أفراد الوقاية المدنية لا يمكنه أن يلبّي مطالب الإغاثة (أربعة من رجال الوقاية المدنية كان عليهم إنقاذ 12 غريق بنواحي طاطا كما صرّح بعض الناجّين).

على كل حال، كانت هذه فقط بعض الإشارات المقتضبة القمينة بإبراز مسؤولية مصالح الدولة عن الفيضانات، ويمكن في هذا الصدد الإحالة على مقالين متميزين لمزيد من التفصيل في الإجراءات القانونية لمن يرغب في سلك مسطرة الدعوى القانونية من أجل طلب التعويض أو تميل مسؤولية القتل غير العمد للذين تسببوا في إزهاق الأرواح (الترخيص بالبناء في مجاري الأودية المنسية): الدراسة الأولى للمحامي عبد الملك زعزاع: "المسؤولية في الفيضانات .. وجهة نظر قانونية "، والدراسة الثانية هي للأستاذ عبد الكبير الصوصي: "عن المسؤولية في أضرار الفيضانات ".

وفي الختام يجدر التنويه إلى أن المحاكم الادارية المغربية سبق لها أن قضت بالتعويض في قضايا مماثلة لِما هو مطروح الآن، ومن ضمن هذه الأحكام ما أصدرته المحكمة الإدارية بالرباط بتاريخ 23/01/2014، حكم رقم، 251، ملف رقم 807/12/2010، برئاسة القاضي محمد الهيني وعضوية القاضيين أمينة ناوني، ومعاذ العبودي .

إذ يُعتبر هذا الحكم مرجعا قانونيا لكل الفاعلين والباحثين والمهتمين، فلقد تمت صياغته باحترافية عالية، وتم الاستناد إلى العديد من الحيثيات القانونية، والاجتماعية من أجل القضاء للمتضررين بتعويضات مالية، وحمّلت الطّرف المدّعى عليه المسؤولية كاملة عن الأضرار التي لحقت بضيعة المدّعين نتيجة التقصير في الحماية ضد مياه الفيضانات، فكان الحكم على الشكل التالي: أداء الدولة –وزارة الفلاحة (المكتب الجهوي للاستثمار الفلاحي للغرب) في شخص ممثلها القانوني لفائدة المدعين تعويضا عن الأضرار المترتبة عن الفياضانات وقدره 1.000.0000.00 درهم هكذا مليون درهم (نظرا لضيق المجال من أجل عرض كل حيثيات الحكم، يمكن الإحالة إلى نسخته المتوفرة على موقع مجلة العلوم القانونية ).



الخميس 18 ديسمبر 2014

تعليق جديد
Twitter