MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers



ملاحظة في قرار المجلس الدستوري رقم 14/932 بخصوص حيثياته حول البند "ه" من المادة 11 من القانون التنظيمي رقم 128.12 المتعلق بالمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي

     

جابر لبوع
باحث بجامعة محمد الخامس السويسي -سلا



ملاحظة في قرار المجلس الدستوري رقم 14/932 بخصوص حيثياته حول البند "ه" من المادة 11 من القانون التنظيمي رقم 128.12 المتعلق بالمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي

لقد نص  البند "ه" من المادة 11 من القانون التنظيمي رقم 128.12 المتعلق بالمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي على تمثيلية 20 مؤسسة وهيئة من بينها المؤسسات والهيئات المنصوص عليها في الباب الثاني عشر المتعلق بالحكامة الجيدة والمحددة في الفصول من 161 إلى 170 منه. وقسمها الدستور نفسه في عناوين فرعية و نص بشكل عام على المجالات التي يطالها اختصاصها، فضلا عن تنصيصه في الفصل 159 وفي الفصول المتعلقة بهذه الهيئات على تمتعها بالاستقلالية، إضافة إلى تنصيصه في الفصل 171 على أن تحدد بقوانين  تأليف وصلاحيات وتنظيم وقواعد تسيير المؤسسات والهيئات المنصوص عليها في الفصول من 161 إلى 171 وكذا حالات التنافي عند الاقتضاء.

والملاحظة التي تثير الانتباه أول الأمر في قرار المجلس الدستوري بشأن هذه المادة، هي استثناءه جراء فحصه لدستوريتها، ثلاث هيئات واعتبر تمثيليتها غير مطابقة للدستور، وهي الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري ومجلس المنافسة والهيئة المركزية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها بدون، تبرير قوي وواضح لمدى دستورية تمثيلية الهيئات الأخرى من عدمها.

ولتبرير منطوق قراره نص في إحدى حيثياته على ما يلي"  وحيث إن الدستور، فضلا عن اعتباره للمجالس والهيئات الثلاث المشار إليها مؤسسات مستقلة بحكم اندراجها ضمن الهيئات المكلفة بالحكامة الجيدة والتقنين طبقا لأحكام الفصل 159 منه.."  وهذا الشطر من الحيثية يطرح أكثر من سؤال خصوصا عندما ربطها وحدها دون غيرها بالفصل 159 بالصيغة التالية" الحكامة الجيدة والتقنين طبقا لأحكام الفصل 159" بيد أن الفصل 159 جاء عاما ولم يضع فيها أي استثناء ولا يشير إلى "التقنين" بل إلى الحكامة الجيدة كعنوان عام وارد في الباب الثاني عشر وينسحب على كل الهيئات التي منحها الدستور بموجب نفس الفصل الاستقلالية. فإذا كانت القاعدة المعمول بها هي أن النص الخاص يقيد النص العام صائبة فإنها لا تنطبق على ما هو وارد في الدستور، لأن النص يقيد النص وليس الفرع يقيد الأصل، فالأصل هو الحكامة الجيدة أما الفرع فهو العنوان الفرعي الحكامة الجيدة والتقنين، مما يجعل من هذه الحيثية حيثية تثير أكثر من علامة استفهام؟ ليضيف في نفس الحيثية ما يلي:" ...فإنه أسند لها النهوض بمهام مقررة دستوريا تنطوي على صلاحيات الضبط أو التقنين أو الرقابة  أو تتبع التنفيذ وفقا لأحكام فصوله 165 و166 و167، وهو ما يميزها عن باقي الهيئات والمجالس ذات الصلاحيات الاستشارية الواردة بدورها في الدستورولو حاولنا أن نقرأ  بتمعن النصوص الدستورية من 161 إلى 170 سيتضح حقا أن الدستور أسند صلاحيات الضبط والتقنين أو الرقابة والتتبع للهيئات الثلاث بمثل ما أسند صلاحيات محددة للهيئات الأخرى، وهو نفسه ما يدل على التمييز (تمييز أفقي في الصلاحيات وليس هناك تراتبية دستورية  بينها) فيما بينها كلها وليس بعضها وهو ما دعمه الدستور أكثر  في الفصل 164 الذي نص على ما يلي:"تسهر الهيأة المكلفة بالمناصفة ومحاربة كل أشكال التمييز... على احترام الحقوق والحريات....مع مراعاة الاختصاصات المسندة للمجلس الوطني لحقوق الإنسان.

 علاوة على انعدام تبرير منطقي وقوي للتمييز والتراتبية التي وضعها المجلس الدستوري من خلال تفسيره، بين هذه الهيئات عندما اعتبر أن الدستور نص وأسند لها مهام بشكل صريح، بيد أن التمعن البسيط في كل فصول المؤسسات والهيئات المذكورة تبين بأن الدستور أسند لها كلها مهامها وصلاحيات ووضع في بعض منها شرط عدم تداخل الاختصاصات، فنصوص الدستور هي عبارة عن كتلة نصية واحدة متسقة ومتجانسة لا يمكن فهمن الجزء منها إلا في وحدتها وترابط أجزائها، وهو ما تفاداه المجلس الدستوري في هذه الحيثية عندما قام بقراءة أحادية وتجزيئية للباب الثاني عشر المتعلق بالحكامة الجيدة.

بالإضافة إلى ما سبق، فقد جاء في الحيثية الثانية من قراره بشأن المادة 8، ما يلي:" وحيث إنه، لئن كان الاستقلال المخول للمؤسسات المذكورة وطبيعة صلاحياتها لا يحولان، وفق القوانين المنظمة لها، دون إقامة علاقات تعاون مؤسسي، بكل صوره وأساليبه، فيما بينها وكذا بينها وبين المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بالطريقة التي تعين هذا الأخير على النهوض بالمهام الموكولة إليه، فإن هذا التعاون يتعين أن يتم وفق الإجراءات التي يحددها القانون لكل منها بشأن كيفية اتخاذها لقراراتها أو إصدار آرائها، دون قيام تداخل عضوي فيما بينها"، وبالرجوع إلى الدستور وعلى وجه الخصوص الباب الحادي عشر منه يتضح أن المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي كمؤسسة ذات طابع استشاري، في إطار العلاقة مع كل من البرلمان والحكومة، بدون أي تداخل عضوي فيما بينهم، لكن بعدم تنصيصه على أنه يمكن أن يأخذ بالآراء التي يمكن أن تبديها مؤسسات وهيئات الحكامة الجيدة في إطار التعاون، لا يعني أنه لا يجيز ذلك بالرغم من أن الفصل 153 ينص فقط على أن يحدد قانون تنظيمي تأليف وتنظيم وصلاحيات وكيفيات تسيير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، كما أنه ليست هناك أي إشارة إلى التداخل العضوي فيما بين المجلس وهيئات الحكامة المنصوص عليها في الدستور بصريح النص. لكن التفسير الذي أعطاه المجلس الدستوري تفسير ربما يجانب الصواب عندما ينفي التداخل العضوي من جهة بين الهيئات الثلاثة التي أقر عدم دستورية تمثيلية رؤسائها، ويجيز هذا التداخل العضوي من جهة ثانية بالنسبة للهيئات الأخرى وهو ما يفيد أن هناك تناقض في حيثيته، وكان عليه على الأقل وبالموازاة مع ذلك أن يبرر دستورية تمثيلية الهيئات الأخرى. وإذا كان التعاون كما برره المجلس الدستوري  يتعين أن يتم وفق الإجراءات التي يحددها القانون لكل منها بشأن كيفية اتخاذها لقراراتها أو إصدار آرائها، فإنه هو كذلك بالنسبة لكل الهيئات عملا بمقتضى أحكام الفصل 171 من الدستور، لأن المشرع الدستوري عندما يحدث أي مؤسسة أو هيئة ويمنحها امتيازات ويحيل إلى قوانين كي تنظمها وتحدد صلاحياتها، فإنه يضعها لغاية معينة ويحدثها لمقصد تغياه المشرع الدستوري وتطلبتها الضرورة الاجتماعية والسياسية، وعندما يريد أن يخصص ويميز فيما بينها فإنه إما أن يضع استثناءات عليها، أو يحيل إلى مصادر أخرى كي تضفي عليها صبغة الخصوصية.

وعليه فإن ما ذهب فيه المجلس الدستوري في حيثياته هاته لا يمكننا أن نعتبرها خاطئة، ولك يمكن القول بأنها غير متسقة ومتعارضة فيما بينها، وهي على هذا الأساس تطرح أكثر من علامة استفهام واحدة؟؟؟؟؟
 
 
 




الثلاثاء 4 فبراير 2014

تعليق جديد
Twitter