MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers



مدى جواز التحكيم في العقود الإدارية

     


أحمد الساقوط
طالب باحث في ماستر القضاء الإداري
بكلية العلوم القانونية والإقتصادية –السويسي- سلا



مدى جواز التحكيم في العقود الإدارية
 
مقدمة
 
عرف التحكيم والتجأ إليه الناس لحل النزاعات التي تنشأ بينهم في العصور القديمة، فقد عرفه السوماريون والرومان واليونان منذ قرون قبل الميلاد، كما عرفه العرب في الجاهلية، وعرفوه بفضل مجيء الإسلام كما عرفته التشريعات الحديثة المختلفة أيضا، مع اختلاف في درجات الأخذ به، لارتباط ذلك باختلاف نظام الحكم السائد في الدولة والنظام القانوني المتبع فيها.[1] وتزايد في الآونة الأخيرة الإقبال على التحكيم كأسلوب لحسم المنازعات الخاصة الدولية، لاسيما من قبل الأطراف في العقود المدنية والتجارية والإدارية ذات الطابع الدولي، وتعاظم الاهتمام به وتنظيمه سواء على صعيد التشريعات الوطنية أو على صعيد الاتفاقيات والمجهودات الدولية؛ ويعزى هذا الاتجاه في اختيار التحكيم إلى ما يعرفه عالمنا المعاصر اليوم من تحولات اجتماعية واقتصادية تدعو بشكل استعجالي إلى التفكير والبحث في عدة قضايا ذات الصلة بهذه التحولات ومنها التفكير في مستقبل العدالة، وتوسيع المنظور إليها، لكي تأخذ بعدا جديدا يتجاوب مع الإضطرار المتواتر في ارتفاع عدد القضايا والوسائل المتاحة لديها، والتفكير في إيجاد وسائل بديلة لفض المنازعات، رغم ما يكلفه القضاء من سيادة القانون وإشاعة الثقة والأمن وتحفيز التنمية والإستثمار.[2] وإذا كانت النظرية العامة للعقود الإدارية تعطي للإدارة عدة سلطات تمثل امتيازات لها في مواجهة المتعاقد معها، فقد طرح إشكال بخصوص جواز التحكيم في منازعات هذه العقود. ومن ثم ظهر تباين في الآراء الفقهية والقضائية ما بين معارض ومؤيد إلى أن تدخل المشرع في عدة دول وحسم الخلاف سواء بإجازة التحكيم في العقود الإدارية أو بعدم إجازته؛ وفي الدول التي أجازت تشريعاتها الوطنية اللجوء إلى التحكيم في هذا النوع من العقود، لم تستبعد تدخل قضاء الدولة بصفة نهائية بل يظل رهن إشارة أطراف التحكيم وهيئة التحكيم لتذليل الصعاب التي قد تعجز هذه الأخيرة عن مواجهتها في كل مراحل التحكيم[3]، إلا أنه يبقي التدخل الأبرز للدولة يكون عند طلب تذييل حكم التحكيم بالصيغة التنفيذية.
فإلى أي حد تباينت آراء الفقه والقضاء والتشريع في مدى إمكانية اللجوء إلى التحكيم؟ وأين يتموقع دور القضاء الإداري في تحقيق فعالية حكم التحكيم في مناعات العقود الإدارية؟
ولمعالجة الموضوع، سنعتمد على التصميم التالي:
المبحث الأول: الموقف الفقهي والقضائي من جواز التحكيم في العقود الإدارية
الفرع الأول: الموقف الفقهي من جواز التحكيم في العقود الإدارية
الفرع الثاني: الخلاف القضائي حول جواز التحكيم في العقود الإدارية
المبحث الثاني: الموقف التشريعي من جواز الاتفاق على التحكيم
المطلب الأوللا: في النظام القانوني المغربي
المطلب الثاني: مدى مشروعية اللجوء إلى التحكيم في منازعات العقود الإدارية بالنظام القانوني المصري، والفرنسي ولبناني
خاتمة
 
المبحث الأول: الموقف الفقهي والقضائي من جواز التحكيم
في العقود الإدارية


مع غياب النص التشريعي الذي ينظم التحكيم في منازعات العقود الإدارية وطنية كانت أم ذات طابع دولي اختلف الفقه؛ فمنهم من يرى عدم جواز التحكيم في العقود الإدارية ومنهم من يرى بجواز الإلتجاء إلى التحكيم في هذا الباب (فرع أول) وتباينت أحكام القضاء ما بين موقف معارض لجواز التحكيم في العقود الإدارية، وموقف مؤيد له (فرع ثاني).

المطلب الأول: الموقف الفقهي من جواز التحكيم في العقود الإدارية.

تضاربت آراء الفقهاء في هذا الصدد بين مؤيد ومعارض.

أولا: الإتجاه المنكر للتحكيم في العقود الإدارية

انطلق أنصار هذا الإتجاه في رفضهم للإقرار التحكيم في العقود الإدارية من مبدأ سيادة الدولة: حيث يرون في هذا التحكيم سلبا للإختصاص القضاء الوطني، الأمر الذي يعد مساسا بسيادة الدولة علاوة على ما فيه من إحلال للقانون الأجنبي محل القانون الوطني.[4]
ذلك أنه باتفاق الخصوم على التحكيم تتجه إرادتهم إلى سلب النزاع من قضاء الدولة، وهو صاحب الولاية الأصلية وإحالته إلى محكم ليقضي فيه وفقا لقواعد يختارها الخصوم أو دون التقيد بأية قواعد وضعية كما هو الحال في التحكيم بالصلح.
وهذا الاتفاق يبدو خروجا على سيادة الدولة من ناحيتين:
 
-الإعتداء على حق الدولة في احتكار توزيع العدالة.
-تجاهل قانونها بمنح المحكم سلطة الفصل في النزاع وفقا لقواعد أخرى أو دون التقيد بأية قواعد.[5]
والواقع أن التمسك بمبدأ سيادة الدولة وسيادة القانون الوطني في هذا المجال تمسك في غير محله، حيث أنه وإن كان القضاء الوطني من مظاهر سيادة الدولة الأمر الذي يعد في سلبه لاختصاصه ماسا بتلك السيادة؛ إلا أن هذا المساس ينتفي إذا صدر قانون يسمح بذلك.
يضاف إلى ما تقدم أن التحكيم ليس منبت الصلة بالقضاء الذي يكون له سلطة التدخل في أعمال المحكمين بالمساعدة أو الرقابة؛ وهي أمور ينظمها المشرع الوطني في النصوص المنظمة للتحكيم والتي يختلف مداها من تشريع للآخر.
كما أنه ليس في التحكيم تنحية للقانون الوطني على الدوام حيث أنه ليس هناك ما يمنع الشخص الطبيعي أو الإعتباري في حال إبرامه للعقد الإداري المدرج به شرط التحكيم كوسيلة لفض المنازعات التي قد تثور بصدده أن يشترط تطبيق القانون الوطني، فلا تلازم إذن بين التحكيم واستبعاد تطبيق القانون الوطني؛ وإنما الأمر يرجع لإرادة طرفا التحكيم المنتمي بجنسيته لهذا القانون.[6]
ويوجد من الجانب الرافض من الفقه لجواز التحكيم في العقود الإدارية من يؤسس إعتراضه على أساس فكرة النظام العام، وعلى اعتبار أن المقصود بهذه الفكرة في القانون الإداري هو تغليب المصلحة العامة على المصلحة الخاصة، وأن العقود الإدارية بطبيعتها تختلف عن العقود المدنية بهيمنة فكرة الصالح العام عليها، ومن ثم فإنه لايجوز اللجوء إلى التحكيم بشأنها إلا بنص صريح من المشرع، لهذا كان لابد من تدخل المشرع ليحسم هذا الخلاف السائد لدى الفقه.[7]

ثانيا: الإتجاه الفقهي المؤيد لجواز التحكيم في العقود الإدارية

ذهب عدد من فقهاء القانون في فرنسا إلى القول بجواز التحكيم في العقود الإدارية وانتقدوا الرأي القائل بعدم جواز الإلتجاء إلى التحكيم في العقود الإدارية.
ومن أولئك المؤيدين لجواز التحكيم في العقود الإدارية الأستاذ "شارل جارسو" الذي انتقد حجج منع التحكيم وسبب ذلك لوجود غموض وعدم وضوح يدعو إلى الأسس لتعارضها مع بعضها وضعفها وكونها ليست قانونية؟ وذهب رأي آخر إلى أن مجلس الدولة الفرنسي يطبق الحظر دون نص.
وإزاء وجود انتقادات موجهة إلى ما هو مستقر في القضاء الفرنسي من منع اللجوء إلى التحكيم في العقود الإدارية، فإن عددا من فقهاء القانون الفرنسي يأملون تطور موقف مجلس الدولة الفرنسي في هذا الموضوع. أما في مصر فقد ذهب بعض فقهاء القانون قبل صدور قانون رقم 9 سنة 1997 إلى جواز التحكيم في العقود الإدارية، وأن أصل اللجوء إلى التحكيم في العقود الإدارية هو الجواز" وأن الإستثناء هو الحظر بنص خاص أو اتفاق الأطراف؛ بناء على المادة 58 من قانون الإجراءات المدنية التي تنص على أنه "لايجوز لأية وزارة أو هيئة عامة أو مصلحة من مصالح الدولة أن تبرم أو تقبل أو تجيز أي عقد أو صلح أو تحكيم أو تنفيذ قرار محكمين في مادة تزيد قيمتها على خمسة آلاف جنيه بغير استيفاء الإدارة المختصة وجه الإستشهاد". من هذه المادة يتضح أن القانون قيد التحكيم في العقود الإدارية إذا كان يزيد عن خمسة آلاف جنيه بشرط استيفاء إدارة الفتوى المختصة بمجلس الدولة قبل إبرام التحكيم ولو كان التحكيم غير جائز لما وضع القانون هذا الشرط؛ وبهذا الرأي أخذ ثلة من الفقهاء بالقانون.[8]
ونستند الجانب المؤيد لجواز التحكيم في العقود الإدارية إلى عدة أدلة وهي:
\ أن المنازعات في مجال العقد الإداري بطبيعتها مثلها مثل غيرها من المنازعات؛ ويجيز كل من القانون المدني والتجاري الإتفاق على الإلتجاء إلى التحكيم ولم يصدر نص صريح يحضر على الجهات الإدارية عملية اللجوء إلى التحكيم ومن ثم لايجوز تقييد النص أو تخصيصه بغير موجب.
\ الاتفاقيات الدولية كجزء من النظام القانوني للدولة تجيز للدولة وأشخاص القانون العام الإلتجاء إلى التحكيم، كما أن انضمام العديد من الدول إلى العديد من الإتفاقيات الدولية كاتفاقية نيويورك لسنة 1958 بشأن الإعتراف وتنفيذ أحكام المحكمين الأجنبية؛ وكذا القانون النموذجي للتحكيم التجاري الدولي (يوسترال) الذي يتناول جميع مراحل عملية التحكيم بدءا من اتفاق التحكيم إلى إصدار قرار التحكيم والإعتراف به وتنفيذه والذي يعبر عن توافق الآراء في العالم بأن ممارسات التحكيم الدولي والمنازعات الهامة المرتبطة به، وغير ذلك من الإتفاقيات الأخرى التي يصدر بها تشريع يقرها فتصبح قول القوانين السارية المفعول الواجبة النفاذ، وهو الأمر الذي يؤكد جواز التجاء الإدارة في منازعات العقد الإداري إلى التحكيم سواء كان محليا أو دوليا.
 
المطلب الثاني: الخلاف القضائي حول جواز التحكيم في العقود الإدارية

سنتناول من خلال هذا الفرع الخلاف القضائي حول جواز التحكيم في العقود الإدارية وذلك بالتطرق للإتجاه المنكر للتحكيم في العقود الإدارية (أولا) وبعده الإتجاه المؤيد. (ثانيا)

أولا: الاتجاه القضائي المنكر للتحكيم في العقود الإدارية

لقد استقر القضاء الفرنسي على اعتبار التحكيم في العقود الإدارية باطلا بطلانا مطلقا لتعلقه بالنظام العام، ويمتد كذلك البطلان إلى شرط التحكيم؛ وقد فرقت أحكام القضاء الفرنسي بين التحكيم في العقود الإدارية الداخلية والعقود الدولية ، فحظر اللجوء إلى التحكيم في العقود الإدارية الداخلية.
واعتنق القضاء الفرنسي الرأي القائل بحظر اللجوء إلى التحكيم في العقود الإدارية، ويعتبر رائد هذا الإتجاه المعارض في اللجوء إلى التحكيم في العقود الإدارية؛ وهذا الحظر المقرر من قبل مجلس الدولة منذ وقت طويل، وقد بين حكم صادر من مجلس الدولة الفرنسي سبب الحظر حيث ذكر أن "الوزراء لايستطيعون اللجوء إلى التحكيم لحل مسائل المتنازع عليها؛ لأن هذا العمل محظور عليهم بمقتضى نصوص المادتين 1004 و83 من قانون الإجراءات المدنية "كما ذكر مجلس الدولة سببا آخر وهو نقص أهلية الجهة الإدارية إلى إبرام اتفاق التحكيم.
كما حكم مجلس الدولة الفرنسي ببطلان شرط التحكيم في عقد أشغال عامة أبرمت بين شركة خاصة صاحبة إمتياز في مجال الطرق السريعة ومجموعة مشروعات.[9]
كما تعرضت محكمة القضاء الإداري مرة أخرى لموضوع مدى جواز التحكيم في منازعات العقود الإدارية وذلك في الدعوى الخاصة بنفق الشهيد أحمد حمدي؛ التزمت بما ذهبت إليه المحكمة الإدارية العليا، وقررت عكس أحد أحكامها وقضت بعدم جواز التحكيم في منازعات العقود الإدارية وذلك تأسيسا على أنه يسلب اختصاص محاكم مجلس الدولة المقرر بالمادة العاشرة من القانون رقم 47 لسنة 1972.[10]
كما أفتت الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع لمجلس الدولة تاريخ 7/1/1970 بعدم جواز التحكيم لحل منازعات العقود الإدارية من دون نص على ذلك صراحة وكذلك فعلت بتاريخ 3/30/1988؛ أما المحكمة العليا فقالت بمنع التحكيم في العقود الإدارية، لنفس التبريرات التي ساقها المعارضون، وذلك بمناسبة نظرها في الطعن المقدم من هيئة قضايا الدولة نيابة عن وزير الإسكان والمرافق ضد حكم محكمة القضاء الإداري بتاريخ 18/5/1986 في قضية الشركة المصرية للمساهمة والتعمير والإنشاءات السياحية ضد وزير الإسكان والمرافق ومن معه، ذلك الحكم الذي ألزم الوزير المذكور بتعيين محكم عنه استنادا إلى البند 5 من الإتفاق المبرم بين الطرفين بتاريخ 14 أبريل 1955، لكن سرعان ما تراجعت المحكمة الإدارية العليا والجمعية العمومية لقسم الفتوى والتشريع لمجلس الدولة عن هذا الرأي في أحكام لاحقة.[11]
وفي لبنان قضى مجلس شورى الدولة اللبناني بعدم صحة التحكيم في قضايا الإدارات العامة، لأن التحكيم يفترض بحد ذاته تنازلا مسبقا من الإدارة عن بعض حقوقها، أو التسليم مقدما للخصم بحقوق قد لا يكون لها نصيب من الصحة؛ وهذا يحظره القانون على الدوائر العامة.[12]

ثانيا: الإتجاه القضائي الذي يجيز التحكيم في العقود الإدارية

ذهب اتجاه في القضاء الفرنسي إلى جواز التحكيم في المنازعات الإدارية، وقد أكدت محكمة النقض الفرنسية على "أن الحظر الوارد في القانون الفرنسي – فيما يتعلق بالتحكيم – يتعلق بالنظام العام الداخلي وليس بالنظام العام الدولي؛ وبالتالي فإنه لا يقف عقبة أمام المؤسسة العامة أو إخضاع الإتفاق الذي دخلت فيه خرق لقانون أجنبي يقبل بصحة شرط التحكيم.[13]
كما أن الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع لمجلس الدولة المصري قالت في مراجعتها لعقد بين وزارة التعمير والمجتمعات العمرانية ومجموعة العمارة والتخطيط الذي تضمن اتفاق الطرفين على اللجوء إلى التحكيم بخصوص النزاعات التي قد تنشأ عن تنفيذ بنوده أو تفسيرها بتاريخ 15/5/1989 على جواز الإتفاق على التحكيم استنادا إلى المادتين 167 و 172 من الدستور المصري ومواد التحكيم من 501 إلى 509 الواردة في قانون المرافعات المدنية والتجارية رقم 13 لسنة 1968، والمادتين 10 و 58 من قانون مجلس الدولة، واستخلصت من كل ذلك أن التحكيم يقوم على ركيزتين، هما: إرادة الأطراف وإقرار المشرع لهذه الإرادة؛ وهو نفس الإتجاه الذي سبق أن سلكته الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع لمجلس الدولة في فتواها بتاريخ 5/12/1988 بمناسب مراجعة عقد مبرم بين جامعة الزقازيق وشركة المقاولات العمومية لاستكمال منشآت المستشفى الجامعي بها.
أما المحكمة الإدارية العليا فقد تراجعت عن موقفها الأول عندما أيدت جواز اللجوء إلى التحكيم في منازعات العقود الإدارية في قرار لها صدر بتاريخ 1/18/1994 استنادا إلى المادة 501 من قانون المرافعات بعلة أن شرط التحكيم لاينزع الاختصاص من القضاء الإداري، وإنما يمنعه من سماع الدعوى، طالما بقي شرط التحكيم قائما.
أما محكمة النقض المصرية، وعملا بالمادة 501 مرفعات، التي نصت على أنه: "يجوز الإتفاق على التحكيم في نزاع معين بوثيقة تحكيم خاصة، كما يجوز الإتفاق في جميع المنازعات التي تنشأ من تنفيذ عقد معين". فقد انتهت إلى أنه بالنظر لعمومية هذا النص، الذي ينطبق على كل العقود، فالتحكيم، بناءا عليه ينبني على إرادة الأطراف، وإقرار المشرع لهذه الإرادة، وهو ما حصل بالفعل، لذا فهو جائز حتى في العقود الإدارية.[14]
 
 
المبحث الثاني: الموقف التشريعي من جواز الاتفاق على التحكيم

سنتطرق في هذا الفرع إلى كل من التشريع المغربي (المطلب الأول) والتشريع المصري والفرنسي واللبناني (المطلب الثاني).

المطلب الأول: في النظام القانوني المغربي

يمكن تقسيم الوضع في النظام المغربي إلى مرحلتين:

مرحلة ما قبل صدور القانون رقم 05.08 وبعد صدوره.
 
 
أولا: مرحلة ما قبل صدور قانون 05.08[15]

تضمن قانون المسطرة المدنية قبل تعديله بقانون 05.08 يقضي بنسخ وتعويض الباب الثامن من القسم الخامس أحكاما يمكن اعتبارها الأساس التشريعي بمبدأ حظر التحكيم بالنسبة لأشخاص القانون العام، فالمادة 306 كانت تنص على ما يلي: "يمكن للأشخاص الذين يتمتعون بالأهلية أن يوافقوا على التحكيم في الحقوق التي يملكون التصرف فيها.
غير أنه لا يمكن الإتفاق عليه:
-في الهبات والوصايا المتعلقة بالأطعمة والملابس والمساكن
-في المسائل المتعلقة بحالة الأشخاص وأهليتهم
-في المسائل التي تمس النظام العام وخاصة النزاعات المتعلقة:
  • بعقود أو أموال خاضعة للنظام يحكمه القانون العام.
  • النزاعات المتعلقة بتطبيق قانون جبائي.
  • النزاعات المتعلقة بقوانين تتعلق بتحديد الأثمان والتداول الجبري والصرف والتجارة الخارجية".[16]
لقد نص المشرع المغربي على جواز التحكيم في قانون المسطرة المدنية القديم الصادر بتاريخ 28 شتنبر 1974 دون أن ينص على إمكانية اللجوء إلى التحكيم في منازعات العقود الإدارية. ومن ثم، فإن سبب حظر التحكيم في العقود الإدارية ومختلف المنازعات الإدارية يرجع في نظر المشرع المغربي وقتئذ إلى اعتبار مثل هذه المنازعات التي تحكمها قواعد القانون العام، تندرج ضمن النظام العام الذي لايجوز التحكيم بشأنه. ولهذا السبب أيضا نكاد لا نعثر على أية دراسة في المغرب تناولت التحكيم في المنازعات الإدارية، قبل صدور القانون رقم 05.08، وبالأحرى منازعات العقود الإدارية، فماذا بعد صدور هذا القانون.[17]

ثانيا: مرحلة بعد صدور قانون 05.08

بمقتضى القانون رقم 05.08 نصت المادة 310 على ما يلي "لايجوز أن تكون محل تحكيم النزاعات المتعلقة بالتصرفات الأحادية للدولة أو الجماعات المحلية أو غيرها من الهيئات المتمتعة باختصاصات السلطة العمومية.
غير أن النزاعات المالية الناتجة عنها، يمكن أن تكون محل عقد التحكيم ما عدا المتعلقة بتطبيق قانون جبائي، وبالرغم من أحكام الفقرة الثانية من الفصل 317 أدناه، يمكن أن تكون النزاعات المتعلقة بالعقود التي تبرمها الدولة أو الجماعات المحلية محل إتفاق التحكيم في دائرة التقيد بالمقتضيات الخاصة بالمراقبة أو الوصاية المنصوص عليها في النصوص التشريعية أو التنظيمية الجاري بها العمل فيما يخص العقود المعنية ".[18]
بإلقاء نظرة خاطفة على مقتضيات هذا القانون، وخاصة في جانبه المتعلق بموضوع التحكيم في منازعات العقود الإدارية الداخلية، يمكن القول بكل اطمئنان أن المشرع المغربي خطا خطوات شجاعة في إقرار التحكيم المذكور لأول مرة، متجاوزا مختلف الإنتقادات التي وجهت لنظيريه الفرنسي والمصري وغيرهما من التشريعات المقارنة، العربية وغير العربية.[19]
كما يعتبر المغرب من الدول المبادرة إلى الإنضمام والمصادقة على الاتفاقيات الدوليات المتعلقة بالتحكيم، فهو ثاني دولة انضمت إلى اتفاقية نيويورك بتاريخ 1958 المتعلقة بالإعتراف وتنفيذ القرارات التحكيمية وكان أيضا من بين أوائل الدول التي انضمت إلى اتفاقية واشنطن بتاريخ 1965 لحل الخلافات المتعلقة بالإستثمارات بين الدول ورعايا الدول الأخرى وأول قضية عرضت على CIRDI لسنة 1972 كانت بين المغرب وشركة أمريكية، وهناك عدة قضايا تحكيمية جارية حاليا بين مؤسسات وطنية ومقاولات أجنبية أمام CIRDI.
إلى جانب هذه الإتفاقيات المتعددة الأطراف فقد وقع المغرب أيضا مع دول كثيرة اتفاقيات في مجال التحكيم، منها اتفاقيات التعاون القضائي تنص على الإعتراف وتنفيذ القرارات التحكيمية بين الدول الموقعة، واتفاقيات حول استثمار تعطي للمتعاقد الأجنبي الخيار بين اللجوء إلى المحاكم الوطنية أو اللجوء إلى التحكيم عن طريق CIRDI أو التحكيم بواسطة CNUDCI.[20]

المطلب الثاني: مدى مشروعية اللجوء إلى التحكيم في منازعات العقود الإدارية بالنظام القانوني المصري، والفرنسي ولبناني.

أولا: في النظام القانوني المصري

نظم المشرع المصري التحكيم الإختياري في قوانين المرافعات منذ وقت مبكر ابتداءا من قانون المرافعات الصادر في 13 نوفمبر 1883 ومرورا بقانون المرافعات رقم 77 لسنة 1949، وأخيرا في قانون المرافعات المدنية والتجارية الحالي والصادر برقم 13 لسنة 1968.
وبجانب هذا التحكيم الإختياري عرف القانون المصري التحكيم الإجباري إلا أن هذا التحكيم لايعنينا في دراستنا الحالية، حيث إن التحكيم في منازعات العقود الإدارية ذات الطرف الأجنبي لايتصور إلا أن يكون رضائيا.
وتنص المادة 501 من قانون المرافعات المدنية الحالي على أنه "يجوز الإتفاق على التحكيم في نزاع معين بوثيقة تحكيمية خاصة، كما يجوز الإتفاق على التحكيم في جميع المنازعات التي تنشأ عن تنفيذ عقد معين..
ولم يحسم المشرع بهذا النص موضوع التحكيم في منازعات العقود الإدارية الوطنية وتلك ذات الطابع الدولي، مما أدى إلى انقسام الآراء الفقهية.
لهذا تدخل المشرع المصري ليحسم الشكوك التي دارت حول مدى خضوع منازعات العقود الإدارية؛ وبتاريخ 18 أبريل 1994 صدر قانون رقم 27 لسنة 1994 في شأن التحكيم في المواد المدنية والتجارية والذي قضى بسريان أحكام هذا القانون على كل تحكيم بين أطراف من أشخاص القانون العام أو القانون الخاص.[21]
وعلى الرغم من ذلك اختلفت وجهات النظر في مدى مشروعية التحكيم في العقود الإدارية بين الفقه والقضاء في مصر.
مما أدى إلى تدخل آخر للمشرع المصري من خلال قانون رقم 9/1997 والذي بموجبه تمت إضافة فقرة ثانية للمادة الأولى من القانون رقم 27/1994 التي تنص على ما يلي "وبالنسبة لمنازعات العقود الإدارية" يكون الإتفاق على التحكيم بموافقة الوزير المختص، أو من يتولى اختصاصه على التحكيم بموافقة الوزير الأول المختص أو من يتولى اختصاصه بالنسبة للأشخاص الإعتبارية العامة، ولا يجوز التفويض في ذلك".
ويمكن القول على أن قانون 9/1997 أجاز الإتفاق على التحكيم في مختلف العقود الإدارية الداخلية، مسماة كانت أو غير مسماة؛ كما لا تكتمل أهلية الأشخاص المعنوية العامة في إدراج شرط التحكيم في العقود الإدارية التي تقبل على إبرامها. إلا بموافقة الوزير المعني بالأمر أو من قبل من يمثل الشخص الإعتباري العام بصفة قانونية بالنسبة لباقي الأشخاص العامة الأخرى، من دون قبول أي تفويض.[22]

ثانيا: في النظام الفرنسي واللبناني

إن أصل التحكيم في العقود الإدارية في القانون الفرنسي الحظر إلا إذا نص القانون على إجازته.
فوفقا لنص المادة 2060 من تقنين المرافعات المدنية الفرنسي المعدلة بقانون رقم 226 في 5 يونيو 1972 والمعدل بقانون الصادر في 1975/7/9 فإن التحكيم في المنازعات المتعلقة بالوحدات والمؤسسات العامة، والتي منها عقودها الإدارية هو الحظر، وهذا الأصل بالحظر يسري ويشمل كل المنازعات التي تكون الأشخاص العامة طرفا فيها حتى ولو تعلق الأمر بعقد من عقود الإدارة.
إلا أن هذا الحظر ليس على إطلاقه بل له استثناءات في بعض العقود الإدارية، ومنها عقود بعض المؤسسات الصناعية والتجارية كما في قانون 9 يوليوز لعام 1975، وكذلك العقود الإدارية المبرمة مع شركات أجنبية. فقد نصت المادة 19 لعام 1986 على أنه "يجوز للدولة والوحدات المحلية والمؤسسات العامة في العقود التي تبرمها مع شركات أجنبية لإنجاز عمليات تتصل بالمصلحة العامة إن تضمنت عقودها شروط التحكيم لتسوية المنازعات المتصلة بتطبيق وتسيير هذه العقود؛ وكذلك العقود المتصلة بالنقل الداخلي من قبل الشركة الوطنية لسكك الحديد، والذي ينص في مادته الخامسة والعشرين على أن المؤسسة العامة "تملك أهلية المصالحة وإبرام اتفاقيات التحكيم..." وكذلك قانون 1990 الخاص بتنظيم مصلحة البريد[23]
أما في لبنان فإنا لأصل هو حظر اللجوء إلى التحكيم في العقود الإدارية إلا أن هناك استثناءات من هذا الحظر، كما هو الشأن في القانون الفرنسي. فالقانون اللبناني يجيز اللجوء إلى التحكيم في العقود الإدارية التي تبرمها المؤسسات العامة الصناعية والتجارية. ويتفق قاضي القضايا الإدارية في لبنان مع الآراء التي تصدرها هيئة التشريع والإستشارات في وزارة العدل اللبنانية على عدم صحة اللجوء إلى التحكيم في العقود الإدارية.
 
 
خاتمة
 
لقد رأينا من خلال هذا البحث أن خضوع العقد الإداري للتحكيم ومن ثم لنظام قانوني وقضائي لايعرف التمايز بين العقد الإداري والعقد المدني يستتبع أن تتجرد الإرادة من امتيازاتها التي تكون لها في مواجهة المتعاقد الآخر، والتي يقرها لها القضاء الإداري، بتطبيقه نظرية العقد الإداري التي هي أساسا من خلقه، إلا إذا اشترطت لجوءها إلى استخدام هذه الامتيازات في مواجهة المتعاقد معها أيا كان النظام القانوني الذي يخضع له العقد، وهو أمر غير متاح في أغلب الأحيان لهذا وجدنا أن العقود الإدارية ليست مناخا مناسب للتحكيم، ولكن من ناحية ثانية، أصبح التحكيم الآن مطلبا من متطلبات التنمية خاصة في الدول التي يعجز فيها رأس المال الوطني عن تلبية حاجاتها وهي تشق طريقها نحو النمو.
ويمكن القول بأن المشرع المغربي وهو ينص على مقتضيات القانون الجديد للتحكيم 08-05 والمعوض للباب الثامن من القانون القضائي الخاص، قد نهج نفس النهج الذي ابتدعه القانون المصري فيما يخص الحجية وموقع الحكم التحكيمي ضمن الأحكام القضائية إذ اعتبره حكما وليس اتفاقا وله نفس حجية الأحكام القضائية، إلا أنه لايمكن أن يرقى إلى مصاف هذه الأخيرة، إلا من خلال تذييله بالصيغة التنفيذية.
أما المشرع الفرنسي فقد اعتبر الحكم التحكيمي كالحكم القضائي وأعطاه قوة التنفيذ الجبري دون المرور بطريق التذييل بالصيغة التنفيذية أخضعه بالتالي إلى جميع طرق الطعن الخاصة بالأحكام القضائية، وهذا دليل قوي على توفر الحكم التحكيمي على القوة الثبوتية المستمدة من التشريع وكذلك من التكوين الثقافي-القانوني للمحكمين، وهذا ما لم يصل إليه بعد المشرع المغربي.

لائحة المراجع

مراجع عامة:
  • عبدالعزيز عبدالمنعم خليفة: الأسس العامة للعقود الإدارية، دار الفكر الجامعي، طبعة 2007
  • عكاشة محمد عبدالعالي، مصطفى محمد الجمالي، التحكيم في العلاقات الخاصة الدولية والداخلية، الجزء الأول، الطبعة الأولى 1998
  • نبيل اسماعيل عمر، التحكيم في المواد المدنية والتجارية الوطنية والدولية، الطبعة الأولى 2004، دار الجامعة الجديدة
  • خالد هشام حدوي، اللجوء إلى التحكيم الدولي، منشأة المعارف الإسكندرية 2005
مراجع متخصصة:
  • عصمت عبدالله الشيخ، التحكيم في العقود الإدارية ذات الطابع الدولي، دار النهضة العربية، طبعة 2003.
الرسائل والأطروحات:
  • جعفر كريشان، التحكيم في العقود الإدارية، بحث لنيل الدبلوم الجامعي العالي في المهن القضائية والقانونية، فوج 2005-2006، جامعة محمد الخامس السويسي، كلية الحقوق الرباط، شعبة القانون الخاص
  • يوسف الساقوط، دور العمل القضائي في تحقيق فعالية حكم التحكيم – دراسة مقارنة – رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص: جامعة محمد الخامس كلية الحقوق-سلا، سنة 2007-2008
  • كريشان جعفر: التحكيم في العقود الإدارية الدولية، بحث لنيل الدبلوم الجامعي العالي في المهن القضائية والقانونية (فوج 2005-2006)
  • أحمد الفلاحي، دور التحكيم في حل منازعات الإستثمار الأحقية –دراسة مقارنة – بحث لنيل الدبلوم الجامعي العالي في المهن القضائية، جامعة محمد الخامس السويسي-الرباط، سنة 2007-2008
المقالات:
  • محمد محجوبي، دور التحكيم في تسوية منازعات العقود الإدارية الداخلية، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، طبعة ماي – يونيو 2009، عدد 86
  • القضاء الإداري المغربي، منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، عدد 88، طبعة 2011
  • عبداللطيف الناصري، "التحكيم وعلاقته بالقضاء"، مجلة المحاكم المغربية، عدد 109 يوليوز / غشت 2007
  • محمد الإدريسي العمراني، إشكالية التحكيم التجاري الدولي، المجلة المغربية للتحكيم التجاري، عدد 2، السنة 2003
المواقع الإلكترونية
-موقف المنظم من جواز اللجوء إلى التحكيم في العقود الإدارية.
www.hrdiscussion.com/h/29429.html
- خالد عبدالله الخضير، قاضي بديوان المظالم بالمملكة العربية السعودية، رسالة الدكتوراه/التحكيم في العقودالإدارية/8221/www.helmylawyers.mktooblog.com
 
الهوامش

[1] - محمد محجوبي، دور التحكيم في تسوية منازعات العقود الإدارية الداخلية، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، طبعة ماي – يونيو 2009، عدد 86، ص 11
[2] - جعفر كريشان، التحكيم في العقود الإدارية، بحث لنيل الدبلوم الجامعي العالي في المهن القضائية والقانونية، فوج 2005-2006، جامعة محمد الخامس السويسي، كلية الحقوق الرباط، شعبة القانون الخاص، ص1.
[3] - يوسف الساقوط، دور العمل القضائي في تحقيق فعالية حكم التحكيم – دراسة مقارنة – رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص: جامعة محمد الخامس كلية الحقوق-سلا، سنة 2007-2008، ص7.
[4] - عبدالعزيز عبدالمنعم خليفة: الأسس العامة للعقود الإدارية، دار الفكر الجامعي، طبعة 2007، ص 378.
[5] - عصمت عبدالله الشيخ، التحكيم في العقود الإدارية ذات الطابع الدولي، دار النهضة العربية، طبعة 2003. ص 157-158.
[6] -عبدالعزيز عبدالمنعم خليفة، مرجع سابق، ص 379-378.
[7] - كريشان جعفر، مرجع سابق، ص 51.
[8] -موقف المنظم من جواز اللجوء إلى التحكيم في العقود الإدارية.
www.hrdiscussion.com/h/29429.html
[9] - خالد عبدالله الخضير، قاضي بديوان المظالم بالمملكة العربية السعودية، رسالة الدكتوراه/التحكيم في العقود الإدارية/8221/www.helmylawyers.mktooblog.com
[10] -عصمت عبدالله الشيخ، مرجع سابق، ص 166.
[11] - محمد محجوبي، مرجع سابق، ص 23
[12] - خالد بن عبدالله الخضير، القاضي بديوان المظالم بالمملكة العربية السعودية، التحكيم في المنازعات الإدارية /8221/www.helmylawyers.mktooblog.com
[13] - كريشان جعفر، مرجع سابق، ص 57.
[14] - محمد محجوبي، مرجع سابق، ص 23-24
[15] - محمد محجوبي، دور التحكيم في تسوية منازعات العقود الإدارية الداخلية في ضوء القانون المغربي والمقارن، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، عدد 86، ص 26.
[16] - محمد الأعرج، نظام العقود الإدارية والصفقات العمومية وفق قرارات وأحكام القضاء الإداري المغربي، منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، عدد 88، طبعة 2011، ص 153.
[17] - محمد محجوبي، مرجع سابق، ص 27.
[18] -محمد الأعرج، مرجع سابق، ص 153.
[19] - محمد محجوبي، مرجع سابق، ص 28.
[20] - كريشان جعفر، مرجع سابق، ص 59.
[21] - عصمت عبدالله الشيخ، مرجع سابق، ص 178-179
[22] - محمد محجوبي، مرجع سابق، ص 26.
[23] - خالد بن عبدالله الخضير القاضي بديوان المظالم بالمملكة العربية السعودية، رسالة لنيل الدكتوراه، "التحكيم في المنازعات الإدارية،" /8221/www.helmylawyers.mktooblog.com



الاثنين 11 فبراير 2013

تعليق جديد
Twitter