MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers





سحب دعوى نزع الملكية: قراءة في الفصلين 42 و43 من القانون رقم 81.7 على ضوء قضاء محكمة النقض.

     

الأستاذ: الحسين العسري
عضو منتدى الباحثين بوزارة الاقتصاد والمالية.



ملاحظة: سينشر هذا المقال المحكم علميا بهوامشه في العدد الذي سيصدر برسم الفصل الرابع من سنة 2022 من السلسلة الورقية "مؤلفات إحياء علوم القانون" التي تصدر عن المنصة العلمة ماروك دروا

سحب دعوى نزع الملكية: قراءة في الفصلين 42 و43 من القانون رقم 81.7 على ضوء قضاء محكمة النقض.

 

تمهيد

تعتبر مسطرة نزع الملكية من المساطر التي تلجأ إليها السلطة الادارية[1]، والتي تؤدي إلى حرمان المالك من عقاره والحقوق المرتبطة به جبراً[2] لتخصيصه للمنفعة العامة التي تتطلبها التنمية الاقتصادية أو الاجتماعية للبلاد، مقابل تعويض عادل[3].

ويشكل القانون رقم 7.81 المتعلق بنزع الملكية من أجل المنفعة العامة وبالاحتلال المؤقت، وكذا المرسوم التطبيقي له[4]، خارطة طريق للسلطات المختصة، من أجل سلوك مسطرة نزع المكية، وفق ضوابط قانونية صارمة يتعين احترامها، تخضع لرقابة القضاء. ومؤدى ذلك أن العقار المنزوع ملكيته لا ينتقل في اسم السلطة نازعة الملكية إلا بمقتضى حكم قضائي[5]، ومقابل تعويض المنزوع ملكيته[6].

ومهما يكن، فإن مسطرة نزع الملكية تمر عبر مرحلتين[7] الأولى إدارية تستلزم الإعلان عن المنفعة العامة عن طريق وسائل الاشهار المنصوص عليها في الفصول 8 و9 و10 و12 من القانون المذكور، ثم القيام بتقييم العقارات والحقوق العينية المرتبطة بها المنزوع ملكيتها عن طريق اللجنة الإدارية للخبرة[8]، لتحديد قيمة التعويض المقترح للعقار أو الحق العيني موضوع نزع الملكية عن طريق اللجنة الإدارية للخبرة، الذي تقترحه في الأخير على المنزوع ملكيته[9].

وفي مقابل ذلك نجد المرحلة القضائية، التي تعتبر من بين أهم المراحل التي تمر منها مسطرة نزع الملكية، إذ يجب على نازع الملكية إيداع مقالي الإذن بالحيازة، ونقل الملكية، لدى المحكمة الإدارية الواقع العقار في دائرة نفوذها، طبقاً لمقتضيات الفصل 18 من القانون رقم 7.81.

غير أنه، وأثناء سريان المسطرة القضائية المذكورة، يمكن لنازع الملكية أن يتراجع عن نزع ملكية العقار كلاً أو بعضاَ، كما يمكن أن يحصل الإتفاق بينه وبين المنزوع ملكيته على نقل الملكية مقابل الثمن الذي حددته اللجنة الإدارية للخبرة، مما يترتب عليه في هاتين الحالتين سحب الدعوى من قاضي نزع الملكية.

وفي هذا الإطار فقد نظم المشرع المغربي سحب دعوى نزع الملكية، في الفصلين 42 و43 من القانون المتعلق بنزع الملكية، وحدد حالتين يمكن لنازع الملكية على أساسهما، إمكانية طلب سحب الدعوى من المحكمة المختصة.

من هذا المنطلق، يمكن القول إن سحب دعوى نزع الملكية، هو بمثابة إعلان نازع الملكية بإرادته أو عن طريق الإتفاق، إنهاء الخصومة مع المنزوع ملكيته أمام القضاء، إذ تنطبق عليه بهذا المعنى نفس فلسفة التنازل عن الدعوى[10]، غير أنه لا يمكن تصور والحالة هاته التنازل في دعوى نزع الملكية، وتنطوي وجهة النظر هذه، على كون الغرض مرتبط بطبيعة دعوى نقل الملكية مقابل التعويض، على اعتبار أن نقل أو نزع الملكية يتم لأجل المنفعة العامة، ولا يمكن استخدام مصطلح (التنازل) عن قضية مرتبطة بالمنفعة العامة[11].

انطلاقا مما سبق فإن هذا الموضوع يثير العديد من التساؤلات التي سنحاول الإحاطة بها ومن بينها:

-     ماهي حالات سحب دعوى نزع الملكية؟

-     ماهي الشروط الواجب توفرها لسحب لدعوى نزع الملكية؟

-     وأخيراً ما هي الآثار المترتبة عن سحب دعوى نزع الملكية؟

وتأسيساً على ذلك، فإن لإجابة عن هذه الإشكالات وأخرى التي سنحاول إثارتها في هذا الموضوع، تقتضي منا العمل على دراسة تحليلية نقدية لمقتضيات الفصلين 42 و43 من قانون نزع الملكية، وكذا الإحاطة بالإشكالات التي تثار بشأنهما خاصة على مستوى القضاء، إذ سنحاول في هذا الصدد دراسة القرارات الصادرة عن محكمة النقض، بالشكل الذي يمكننا من وضع تصور خاص لهذا الموضوع.

ولأجل مقاربة هذا الموضوع سوف نعتمد على التصميم التالي:

المحور الأول: حالات سحب دعوى نزع الملكية.

المحور الثاني: الآثار المترتبة عن سحب دعوى نزع الملكية.

 

 

 

 

 

 

المحور الأول: حالات سحب دعوى نزع الملكية:

لقد خول المشرع المغربي لنازع الملكية إمكانية الطلب من قاضي نزع الملكية سحب الدعوى، وفق مقتضيات الفصل 42 من القانون رقم 7.81 المتعلق بنزع الملكية لأجل المنفعة العامة وبالاحتلال المؤقت، وذلك في حالة الإتفاق بالتراضي بين نازع الملكية والمنزوعة ملكيته على الثمن المقترح من طرف اللجنة الإدارية للخبرة (أولا)، وكذا أيضا في الحالة التي يتراجع فيها نازع الملكية لأي سبب من الأسباب عن نزع ملكية عقار كلا أو بعضا تطبيقا لمقتضيات الفصل 43 من القانون السالف الذكر (ثانيا).

أولا: حالة اتفاق نازع الملكية والمنزوع ملكيته على الثمن الذي حددته اللجة الإدارية للخبرة[12].

تعد سحب دعوى نزع المكية من المحكمة المختصة، كما سبق الإشارة إلى ذلك من الآثار المترتب على الإتفاق بين نازع الملكية والمنزوع ملكيته على الثمن الذي حددته اللجنة الإدارية للخبرة في المرحلة الإدارية، بعد نشر مقرر التخلي أو مرسوم القاضي بنزع ملكية القطعة أو القطع الأرضية اللازمة لإحداث المنشآت أو العمليات المعلن أنها ذات منفعة عامة[13]، وهذا ما نص عليه الفصل 42 من القانون 7.81 إذ جاء فيه أنه" إذا اتفق نازع الملكية والمنزوعة ملكيته على الثمن الذي حددته اللجنة بعد نشر مقرر التخلي وعلى كيفيات تفويت العقار أو الحقوق العينية المنزوعة ملكيتها، فإن هذا الإتفاق الذي يجب أن يبرم طبقا لمقرر التخلي، يدرج في محضر أمام السلطة الإدارية المحلية التابع لها موقع العقار إذا كان المنزوعة ملكيته يقيم بالمكان المذكور.

أما إذا كان المنزوعة ملكيته غير مقيم بذلك المكان فإن هذا الإتفاق يبرم وفق مقتضيات القانون الخاص بواسطة عقد عرفي أو عدلي ويبلغ إلى السلطة الإدارية المحلية وتترتب عليه ابتداء من تاريخ إيداعه لدى المحافظة على الأملاك العقارية جميع الآثار المنصوص عليها في الفصل 37 وكذا سحب الدعوى عند الاقتضاء من قاضي نزع الملكية أو محكمة الاستئناف أو محكمة النقض".

من خلال القراءة المتأنية لمقتضيات الفصل المذكور، يتبين على أن المشرع المغربي اشترط من أجل سحب دعوى نزع الملكية، شرطين أساسين أولهما ضرورة تحرير محضر اتفاقي بين نازع الملكية والمنزوع ملكيته، وثانهما أن تكون دعوى نزع الملكية لا زالت رائجة أمام القضاء، وهذا ما سنحاول التفصيل فيه.

أ-تحرير محضر الإتفاق

إن مقتضيات الفصل 42 المذكور منحت للأطراف حق الإتفاق على الثمن الذي حددته اللجنة الإدارية للخبرة خلال المرحلة الإدارية، غير أنه أوجبت ذلك بضرورة تحرير محضر الإتفاق، حتى يكون صحيحاً ومحدثا للأثر القانوني، الذي يمكن على أساسه لنازع الملكية طلب من المحكمة المختصة سحب الدعوى.

غير أن التساؤل يبقى مشروعاً حول طريقة ابرام وتحرير الإتفاق المذكور؟ للإجابة على هذا التساؤل يقتضي الرجوع لمقتضيات الفصل 42 المذكور أعلاه، إذ نجده ميز بين الحالة التي يكون فيها المنزوع ملكيته يقيم بمكان العقار المراد نزع ملكيته؛ وبين تلك التي يكون فيها مقيم خارج دائرة نفوذ العقار.

فبالنسبة للحالة التي يكون فيها المنزوع ملكيته مقيم بالدائرة التابع لها العقار المراد نزع ملكيته، فقد أوجب المشرع ضرورة تحرير محضر إتفاق بين نازع الملكية والمنزوع ملكيته، في شكل محرر عرفي أمام السلطات الإدارية المحلية التابع لها موقع العقار، وهذا ما نصت عليه الفقرة الأولى من الفصل 42 المذكور إذ جاء فيه أنه "إذا اتفق نازع الملكية والمنزوعة ملكيته على الثمن الذي حددته اللجنة... ، فإن هذا الإتفاق الذي يجب أن يبرم طبقا لمقرر التخلي، يدرج في محضر أمام السلطة الإدارية المحلية التابع لها موقع العقار إذا كان المنزوعة ملكيته يقيم بالمكان المذكور".

فتأسيساً على ذاك، يمكن لنازع الملكية بناء على الإتفاق المذكور، المطالبة بسحب الدعوى من قاضي نزع الملكية، لكون أن الدعوى أصبحت غير ذي موضوع، وهو ما قضت به محكمة النقض في قرار عدد 19 الصادر بتاريخ 04/01/2000[14] إذ جاء فيه "وحيث يستفاد من محضر الإتفاق الموقع من طرف المنزوعة منه ملكيته والمشهود بصحة توقيعه أمام السلطة المحلية بتاريخ 28/03/2000 أنه قبل التعويض المقترح عليه من طرف اللجنة الإدارية للتقييم مقابل نزع ملكية القطعة الأرضية المذكورة أعلاه، لذلك يتعين الاستجابة لطلب المستأنفة الرامي إلى سحب دعواها"

نفس التوجه استقرت عليه محكمة النقض في جل قراراتها إذ أكدت في قرار أخر عدد 580 الصادر بتاريخ 20/10/2004[15] إذ جاء فيه "وحيث يستفاد من محضر الإتفاق بالمراضاة المصادق على توقيع السلطة المحلية بتاريخ 29/09/2000، وكذا محضر التراضي المدلى به والمصادق عليه بتاريخ 29/09/2000، والذي يقر من خلاله وكيل الورثة بقبوله التعويض المقترح عليه من طرف الجهة نازعة الملكية.

وحيث إن التفويت الذي تم عن طريق المراضاة ينقل الملكية لفائدة الطرف نازع الملكية ويضع حداً لأي منازعة قضائية، وأنه لا شيء يمنع من الاشهاد على المستأنفة الفرعية بسحب دعواها".

ومجمل القول، فإن لسحب دعوى نزع الملكية بناء على الإتفاق المبرم بين نازع الملكية والمنزوع ملكيته، يجب– الإتفاق - أن يحرر وفقاً للضوابط الشكلية التي أطرها المشرع في الفصل 42 كما سبق توضيح ذلك، الأمر الذي يبقي معه طلب سحب الدعوى في حالة مخالفة الفصل المذكور، غير مقبول، وهو ما قضت به محكمة النقض في قرار عدد 416/2 الصادر بتاريخ 24/04/2014[16]، إذ جاء فيه "لكن حيث سبق للطالبة أن تمسكت أمام محكمة الاستئناف بسحب الدعوى في مواجهة المنزوعة ملكيته تطبيقا للفصل 42 من قانون 7/81 بعد أن أبرمت مع هذا الأخير اتفاق بالتراضي والمعتبر وثيقة رسمية لا يصح الطعن فيها إلا بالزور، والمحكمة ردت هذا الطلب بعلة مفادها "لكن من جهة وإعمالا لنص الفصل 42 المذكور فان الإتفاق بالتراضي المتمسك به ينبغي أن يبرم وفق شكليات تم التنصيص عليها في المقتضى القانوني المذكور ومنها أن يدرج في محضر أمام السلطة الإدارية المحلية التابع لها موقع العقار إذا كان المنزوعة ملكيته يقيم بالمكان المذكور، وبالاطلاع على نسخة محضر الإتفاق بالتراضي المدلى بها في الملف يتبين بأنه غير موقع من طرف السلطة المحلية المعنية مما يبقى معه هذا الشق من الاستئناف لا يرتكز على أساس فالتعليل الذي أوردته المحكمة سائغ وينسجم مع مقتضيات الفصل 42 من قانون7/81 المحتج به من الطالبة مما يكون معه القرار معللا بكيفية سليمة ومرتكزا على أساس قانوني وما أثير بالوسيلة بدون أساس"

أما في الحالة التي يكون فيها المنزوع ملكيته يقيم خارج دائرة العقار موضوع نزع الملكية، فإن المشرع تطلب ضرورة ابرام الإتفاق المذكور، بواسطة عقد عرفي أو عدلي، وهذا ما نصت عليه الفقرة الثانية من الفصل 42 من القانون رقم 7.81 "أما إذا كان المنزوعة ملكيته غير مقيم بذلك المكان فإن هذا الإتفاق يبرم وفق مقتضيات القانون الخاص بواسطة عقد عرفي أو عدلي ويبلغ إلى السلطة الإدارية المحلية".

وبالتالي فإن الإتفاق المبرم بهذه الشكلية المذكورة، ينقل الملكية من المنزوع ملكيته إلى نازع الملكية، ويترتب عنه لا محال مطالبة نازع الملكية من المحكمة المختصة سحب الدعوى، وهو التوجه الذي كرسته محكمة النقض في عدة قرارات ومنها القرار عدد 55 صادر بتاريخ 18/01/2001[17] إذ جاء فيه "وحيث طلب المستأنف سحب الدعوى لإبرامه اتفاق بالمراضاة مع المنزوع ملكيته بتاريخ 2000.4.18 قبل بموجبه مبلغ التعويض المقترح عليه والمحدد في مبلغ 8500 درهم، وأدلى بأصل هذا الإتفاق.

وحيث إن الإتفاق المذكور قد ابرم بين المدير الإقليمي للتجهيز والمنزوع ملكيته بحضور ممثل السلطة المحلية وتم طبقا لمقرر التخلي بعد تحديد ثمن الملك في المبلغ الذي قررته لجنة التقويم، مما توفرت معه الشروط المنصوص عليها في الفصل 42 من القانون 7/81 المتعلق بنزع الملكية لأجل المنفعة العامة، ويتعين لذلك الاستجابة لطلب المستأنف بهذا الخصوص".

نفس المنحى أخذت به أيضا في قرار آخر صادر بتاريخ 15/03/2001[18] إذ جاء فيه "حيث تقدمت المستأنفة بطلب يرمي إلى سحب الدعوى طبقا لمقتضيات الفصل 42 من قانون نزع الملكية للمنفعة العامة، لأنها أبرمت مع المستأنف عليه اتفاق بالتراضي قبل بمقتضاه التعويض المقترح عليه مقابل نقل ملكية القطعة الأرضية موضوع النزع للمستأنفة.

وحيث إنه لا شيء يمنع من الإشهاد على الوزارة المستأنفة بسحب دعواها".

وبناء على ما يقره الفصل 42 من قانون نزع الملكية، وما استقر عليه قضاء محكمة النقض، فإن الإتفاق بين السلطة النازعة للملكية والمنزوع ملكيته، ينتج جميع الآثار التي تترتب على الحكم القاضي بنقل الملكية، خاصة فيما يتعلق بتفويت العقار لنازع الملكية[19]. غير أن الاشكال الذي يثار في هذا الصدد يتعلق حول ما إذا كان هناك تعارض أو تناقض بين مقتضيات الفصل 42 المذكور والمادة 4 من مدونة الحقوق العينية[20] ؟.

إن القراءة التفصيلية لمقتضيات المادة الرابعة من مدونة الحقوق العينية تبين على أن المشرع أوجب ضرورة تحرير جميع التصرفات الناقلة للملكية أو انشاء الحقوق العينية أو نقلها او تعديلها أو اسقاطها، بموجب محرر رسمي أو ثابت التاريخ تحت طائلة البطلان، مالم ينص قانون خاص على خلاف ذلك.

وحيث تأسيساً على ذلك فإن الإتفاق الذي يبرم بين نازع الملكية والمنزوع ملكيته الذي يكون غير مقيم بدائرة العقار، بواسطة عقد عدلي، يعتبر عقداً رسمياً، يخضع في تطبيقه لمقتضيات المادة 4 المذكورة، ما دام انه محرر من طرف عدل. أما بالنسبة للحالة التي يتم فيها ابرام العقد عرفياً أمام السلطات المحلية، فإنه يعتبر والحالة هاته صحيحاً يرتب جميع الأثار، لكونه مستثنى من تطبيق مقتضيات المادة 4 من مدونة الحقوق العينية، إذ نصت بشكل صريح في ختام الفقرة الأولى على أنه "مالم ينص قانون خاص على خلاف ذلك"[21] وهو ما عليه الحال بالنسبة للفصل 42 من القانون رقم 7.81.

ب-أن تكون الدعوى رائجة أمام القضاء

إن المنطق القانوني يفرض عند الحديث عن سحب دعوى نزع الملكية بالضرورة أن تكون لازالت معروضة على القضاء، سواء أمام المحكمة الابتدائية أو الاستئناف أو النقض، وهذا ما نصت عليه مقتضيات الفصل 42 من القانون رقم 7.81 إذ جاء فيها " وتترتب عليه ابتداء من تاريخ إيداعه لدى المحافظة على الأملاك العقارية جميع الآثار المنصوص عليها في الفصل 37 وكذا سحب الدعوى عند الاقتضاء من قاضي نزع الملكية أو محكمة الاستئناف أو محكمة النقض."

وتماشيا مع ذلك، فإن نازع الملكية يحق له مطالبة المحكمة المختصة - حسب درجة التقاضي-  بسحب الدعوى عند توفر الشرط الأول السالف الذكر، الأمر الذي يدفعنا إلى التساؤل حول المنطق الذي جعل المشرع المغربي يخول هذه الامكانية لنازع الملكية في كل مراحل التقاضي؟

بالرجوع إلى مقتضيات الفصل 23 من القانون رقم 7.81 ينص على أنه "لا يمكن التعرض على القرارين القضائيين المنصوص عليهما في الفصل 24 أعلاه، ... أما الحكم الصادر بنقل الملكية وتحديد التعويض فيمكن استئنافه فيما يتعلق بتحديد التعويض فقط".

 تأسيساً على ذلك، يتبين أن الحكم الصادر في نزع الملكية، يمكن الطعن فيه بالاستئناف في الشق المتعلق بالتعويض فقط، أما في الشق المتعلق بنقل الملكية فهو محصن من الطعن المذكور[22]، وبالتالي فإن الشق المتعلق بالتعويض يستفيد من كل مراحل التقاضي بما فيها النقض، وهذا ما قضت به محكمة النقض في قرار عدد 265 الصادر بتاريخ 26 فبراير2015[23]، إذ جاء فيه "حيث صح ما عابته الطاعنة على القرار المطعون فيه، ذلك أن الفصل 32 من القانون رقم 7.81 نص على أنه لا يمكن التعرض على القرارين القضائيين المنصوص عليهما في الفصل 24 أعلاه، ولا يمكن استئناف الأمر الصادر بالحيازة. أما الحكم الصادر بنقل الملكية وتحديد التعويض، فيمكن استئنافه فيما يتعلق بتحديد التعويض فقط"

وتماشيا مع ذلك، فإن النزاع يكون في الشق المتعلق بالتعويض فقط، الأمر الذي جعل المشرع المغربي يخول للمنزوع ملكيته حق الاختيار بين مطالبة المحكمة بمختلف درجاتها بتعويض عادل عن العقار موضوع نزع الملكية، أو الاكتفاء بالثمن الذي قدمته اللجنة الإدارية للخبرة، والإتفاق عليه مع نازع الملكية، وفي هذه الحالة يستوجب احترام الضوابط التي أشرنا إليها سلفاً، وبالتالي على أساسها يحق لنازع الملكية مطالبة بسحب الدعوى من المحكمة التي تنظر في النزاع حتى ولو كان النزاع معروض أمام محكمة الاستئناف أو النقض، وترتيب الآثار القانونية. وهو ما قضت به محكمة النقض في قرار صادر بتاريخ 11 أكتوبر 2006[24] إذ جاء فيه "وحيث إنه اعملاً للأثر الناشر للاستئناف باعتبار أن محضر الإتفاق بالتراضي المستدل به من لدن المستأنفة محرر وفق مقتضيات الفصل 42 من القانون رقم 7.81 المتعلق بنزع الملكية، فإنه يتعين تبعا لذلك ترتيب الاثار القانونية المترتبة عليه، والتصريح بسحب الدعوى"

وهو التوجه الذي استقرت عليه محكمة النقض، إذ أكدت على أنه يمكن سحب الدعوى، حتى ولو كان النزاع معروض على أنظار محكمة النقض، ما دام تم الإتفاق بين نازع الملكية والمنزوع ملكيته وفق الضوابط المنصوص عليها في الفصل 42 من قانون 7.81، وهو قضت به في قرار عدد 528 الصادر بتاريخ 01/11/2012[25]، إذ جاء فيه "حيث التمست الطالبة الإشهاد عليها بسحب الدعوى بالنسبة للوارث ... بعد إبرام محضر اتفاق بالتراضي تنازل بموجبة المطعون ضده المذكور لفائدة الطالبة عن القطعة الأرضية المدعى فيها مقابل التعويض المحدد في مبلغ 6210 درهم كما هو ثابت من خلال أصل محضر الإتفاق بالتراضي المحرر بشكل رسمي أمام السلطة المحلية لمكان وجود العقار المدعى فيه وتمت المصادفة على توقيعه، وأن محضر الإتفاق بالتراضي نهائي ويعتبر وثيقة رسمية.

وحيث إنه عملاً بمقتضيات المادة 42 من القانون 07.81 المتعلق بنزع الملكية لأجل المنفعة العامة بالاحتلال المؤقت فإنه يحق لنازع الملكية طلب سحب الدعوى في أي مرحلة من مراحلها، وما دام أن الطاعنة نازعة الملكية قد أدلت باتفاق بالتراضي مع (...) حول نفس القطعة الأرضية محل النزاع مصادق على توقيعه بتاريخ 29/7/2011 باعتبارها كذلك أن باقي ورثة الهالك (...) قد سبق الإشهاد بسحب الدعوى بالنسبة لهم.

فإنه لا يسع محكمة النقض سوى الإشهاد للطالبة بسحب الدعوى".

وصفوة القول، فإن محكمة النقض قد وضحت بشكل لا لبس فيه، على أنه يمكن لنازع الملكية مطالبة المحكمة المختصة التي تنظر في النزاع بسحب الدعوى في أي مرحلة من مراحل التقاضي، مادام تم الإتفاق بينه وبين المنزوع ملكيته، وتم احترام الضوابط القانونية لمحضر الإتفاق تطبيقا لمقتضيات الفصل 42 من قانون نزع الملكية. غير أن الاشكال الذي يثار في هذا الصدد يتعلق حول ما إذا كان بالإمكان الإتفاق، بعد صدور الحكم القاضي بنقل الملكية، وقبل استئنافه، هل يمكن والحالة هاته الطعن في الحكم للمطالبة بسحب الدعوى؟ للإجابة على هذا الاشكال نستحضر ما قضت به محكمة النقض في قرار عدد 237/3 بتاريخ 27/03/2014 إذ جاء فيه "حيث إن سحب الدعوى المنصوص عليه في الفصل 42 من القانون رقم 7/81 المشار إليه، هو التعبير عن إرادة وضع حد للترافع بشان دعوى مرفوعة سلفا لحقها اتفاق الأطراف حول موضوع الحق، ومن ثم فان السحب لا يطلب بدعوى إنما ينصب على دعوى قائمة، مما مؤداه انه إذا اتفقت الإدارة نازعة الملكية والمنزوعة ملكيتهم على التفويت بالتراضي أثناء سير الخصومة، وضعوا لها حدا بسحبها، وإن حصل الإتفاق المذكور بعد صدور الحكم بنقل الملكية وقبل استئنافه فان اتفاقهم الذي أصبح قانونهم يحل محل الحكم الصادر بينهم، ولن يكون أذاك من مصلحتهم استئناف الحكم بهدف استصدار قرار يشهد عليهما بسحب الدعوى أو طلب نقض القرار لهذه الغاية إذا كان الإتفاق قد تم بعد صدور قرار استئنافي. وفي نازلة الحال، فان الإتفاق بين الطرفين تم بتاريخ 20/03/2009، قبل صدور الحكم المستأنف بتاريخ 29/05/2009 وقبل رفع الاستئناف (15/09/2009) وصدور القرار المطعون فيه 011/10/20119)، وبصرف النظر عن أن الطالبة لم تكن في حاجة إلى استصدار حكم في الموضوع، بعد إبرام الإتفاق المذكور، فإنها استمرت في التقاضي دون طائل، مما لا يسوغ معه القول بوجود تناقض بين الإتفاق والقرار المطعون فيه الذي لم يطلب نقضه على أساس عيب فيه وإنما اقتصر الطلب على سحب الدعوى فحسب، غير انه لا يمكن كما سلف، رفع طلب للنقض غير مبني على أي سبب من أسباب الفصل 359 من القانون المشار إليه، الهدف منه طلب الإشهاد على سحب دعوى لم تكن مرفوعة قبل الإتفاق، فمثل هذا الطلب تنأى عنه وظيفة محكمة النقض وغير مقبول[26]".

هكذا إذاً، يمكن القول إنه في حالة الإتفاق بعد صدور الحكم القاضي بنقل الملكية، إما تنفيذ الإتفاق المبرم بين نازع الملكية والمنزوع ملكيته، مع ما يترتب ذلك من آثار؛ أو لهم الحق في الاستغناء عنه وبالتالي تنفيذ الحكم القاضي بنقل الملكية. ولا يمكن له بأي حال من الأحوال والحالة هذه مطالبة المحكمة بالسحب بمقتضى دعوى جديدة، على اعتبار أن ممارسة هذا الحق يكون رهينا بدعوى قائمة أمام القضاء.

ثانيا: تراجع نازع الملكية عن نزع ملكية العقار كلا أو بعضا[27] :

يعد تراجع نازع الملكية عن نزع ملكية العقار كلا أو بعضاً، لأي سبب من الأسباب، من بين الحالات التي يمكن أن تسحب فيها الدعوى من قاضي نزع الملكية، وهذا ما نص عليه الفصل 43 من القانون رقم 7.81 المتعلق بنزع الملكية لأجل المنفعة العامة وبالاحتلال المؤقت إذ جاء فيه "إذا تراجع نازع الملكية لأي سبب من الأسباب خلال أية مرحلة من مراحل المسطرة الإدارية أو القضائية قبل الحكم بنقل الملكية عن نزع ملكية عقار كلا أو بعضا وكان العقار المذكور واقعا في المنطقة المطلوب نزع ملكيتها أو معينا في مقرر التخلي ترتب على هذا التراجع، بشرط مراعاة أحكام الفصل 23، استصدار نازع الملكية لمقرر معدل للمقرر القاضي بإعلان المنفعة العامة أو لمقرر التخلي.

وتتخذ بشأن هذا القرار المعدل تدابير الإشهار المنصوص عليها في الفصل 8 ويترتب على نشره في الجريدة الرسمية بحكم القانون، حسب الحالة، رفع الارتفاقات المنصوص عليها في الفصول 15 و16 و17 وسحب الدعوى من المحكمة الإدارية وإعادة الحيازة للملاك المعنيين بالأمر فيما يخص العقار أو جزء العقار المسقط من نزع الملكية".

من خلال تحليلنا للفصل المذكور، يتبن أن هذه الحالة تختلف تمام الاختلاف عن الحالة الأولى التي تطرقنا لها في النقطة السالفة، على اعتبار أنها تتعلق بعدول نازع الملكية - بمحض إرادته أو بدون ذلك، لأي سبب كان، كأن يغير رأيه حول الموقع الذي يجب أن يشيد عليه المشروع موضوع نزع المكية، أو في حالة العدول عن المشروع المزمع إنجازه بشكل كلي...- عن متابعة الاجراءات اللازمة، وبالتالي تراجعه عن نزع ملكية العقار سواء بشكل كلي أو جزء منه فقط. الأمر الذي يخول له –نازع الملكية- إمكانية سحب الدعوى من قاضي نزع الملكية، غير أن ذلك مشروط بضرورة عدم صدور الحكم القاضي بنقل الملكية من طرف المحكمة الادارية المختصة؛ وكذا اصدارها لمرسوم أو مقرر معدل[28] يلغي المقرر أو المرسوم القاضي بإعلان المنفعة العامة، وهو ما سنحاول التفصيل فيهما بشكل دقيق.

أ- عدم صدور الحكم القاضي بنقل الملكية.

إن مطالبة نازع الملكية بسحب الدعوى من قاضي نزع الملكية، في الحالة التي يتراجع عن نزع ملكية العقار كلا أو بعضاً، تستوجب أن تكون قبل صدور حكم قاضي بنقل الملكية صادر عن المحكمة الإدارية المختصة، وهذا ما نصت عليه الفقرة الأولى من الفصل 43 من قانون نزع الملكية إذ جاء فيه بشكل صريح لا لبس فيه، على أنه " إذا تراجع نازع الملكية لأي سبب من الأسباب خلال أية مرحلة من مراحل المسطرة الإدارية أو القضائية قبل الحكم بنقل الملكية عن نزع ملكية عقار كلا أو بعضا...".

وتفسيراً لذلك فإنه لا يمكن بأي حال من الأحوال مطالبة نازع الملكية الذي تراجع عن نزع ملكية العقار، بسحب الدعوى بعد صدور الحكم القاضي بنقل الملكية، غير أن ما يثير الانتباه في هذا الصدد حول المقصود بالحكم القاضي بنقل الملكية، هل ينصرف إلى مجرد النطق به؟ أم ضرورة أن يكون نهائيا؟

في اعتقادنا الحكم المقصود في الفصل 43 من قانون نزع الملكية، هو الحكم النهائي الذي لا يقبل أي طعن، بعد تبليغه من طرف كاتب الضبط لدى المحكمة المختصة إلى نازع الملكية والمنزوع ملكيته طبقا لمقتضيات الفصل 26 من قانون نزع الملكية[29]، غير أن الاشكال الذي يثار في هذا الصدد يتجلى فيما إذا تم الطعن في الحكم المذكور بالنقض، هل يمكن لنازع الملكية ممارسة حق سحب الدعوى أمام محكمة النقض؟ وكذا أيضا هل يمكن له ممارسة هذا الحق أمام محكمة الإحالة –المحكمة الادارية- في حال تم نقض الحكم وإحالته عليها للبت فيه من جديد؟

بداية يجد هذا الاشكال مصدره في القراءة المخالفة لمقتضيات الفصل 32 من القانون رقم 7.81 الذي أكد على أنه لا يمكن الطعن في الحكم القاضي بنقل الملكية بالاستئناف، وعليه فإن كل مالم يمنعه المشرع بنص صريح فهو يجيزه، ومن ثمة ليس هناك ما يمنع من الطعن بالنقض في الشق المتعلق بنقل الملكية[30] طبقا لأحكام الفصل 353 وما يليه قانون المسطرة المدنية[31]، وهذا ما قضت به محكمة النقض في قرار لها بتاريخ 3 أكتوبر 1984[32] إذ جاء فيه "كل حكم أو قرار انتهائي غير قابل للطعن بالتعرض أو الاستئناف يكون قابلا للطعن بالنقض ...".

بالرجوع إلى مقتضيات الفصل 43 من القانون المذكور نجد أن المشرع المغربي أوجب على نازع الملكية الذي تراجع عن نزع ملكية العقار المطالبة بسحب الدعوى، قبل الحكم بنقل الملكية، ومن ثمة فإن نازع الملكية يبقى له الحق في ممارسة سحب الدعوى، مادام أن الحكم القاضي بنقل الملكية لم يصبح بعد نهائيا، بمعنى دقيق نعتقد أن له الحق في سحب الدعوى أمام محكمة النقض حتى في الحالة التي يتم الطعن في الحكم بالنقض[33]، وذلك قبل اصدارها قراراً برفض الطلب.

وعلاوة على ذلك، في نفس سياق الإجابة عن الاشكال يحق له أيضا المطالبة بسحب الدعوى أمام المحكمة الإدارية المحال عليها الملف عندما تقرر محكمة النقض، نقض الحكم واحالته عليها للبت فيه من جديد، على أساس أن موضوع نقل الملكية يكون والحالة هذه مازال رائجاً، ما دام أن محكمة الإحالة لم تصدر حكمها الانتهائي بعد.

ب-إصدار نازع الملكية لمقرر التخلي أو مرسوم معدل

إن المشرع المغربي قد اشترط على نازع الملكية الذي تراجع عن نزع ملكية العقار كلا أو بعضا لأي سبب من الأسباب، من أجل ممارسة حق سحب الدعوى بالإضافة إلى الشرط الأول، أيضا شرطاً غاية في الأهمية والذي يتجلى في ضرورة إصداره لمقرر معدل للمقرر القاضي بإعلان المنفعة العامة أو لمقرر التخلي، وهذا ما نص عليه الفصل 43 من قانون نزع الملكية، إذ جاء فيه "إذا تراجع نازع الملكية لأي سبب من الأسباب خلال أية مرحلة من مراحل المسطرة الإدارية أو القضائية قبل الحكم بنقل الملكية عن نزع ملكية عقار كلا أو بعضا وكان العقار المذكور واقعا في المنطقة المطلوب نزع ملكيتها أو معينا في مقرر التخلي ترتب على هذا التراجع، بشرط مراعاة أحكام الفصل 23، استصدار نازع الملكية لمقرر معدل للمقرر القاضي بإعلان المنفعة العامة أو لمقرر التخلي".

وتجدر الاشارة في هذا المقام أن مقرر معدل للمقرر القاضي بإعلان المنفعة العامة أو لمقرر التخلي، يخضع في إجراءاته لتدابير الاشهار[34] المنصوص عليها في الفصل 8 من قانون نزع الملكية[35].

وبالتالي يمكن لنازع الملكية أن يطلب بسحب الدعوى من المحكمة المختصة، بعد إصداره لمقرر معدل يلغي المقرر القاضي بإعلان المنفعة العامة أو لمقرر التخلي، غير أن الاشكال الذي يثار في هذا الصدد يتجلى حول ما إذا كان بالإمكان لنازع الملكية، المطالبة بسحب الدعوى دون إصداره لمقرر معدل يلغي المقرر القاضي بإعلان المنفعة العامة أو لمقرر التخلي؟

إن مقتضيات الفصل 43 المذكور تنص بشكل صريح أن ممارسة نازع الملكية لحق سحب الدعوى من قاضي نزع الملكية رهين بإصداره لمقرر معدل، وبالتالي لا يمكن بأي حال من الأحوال الاستجابة لطلبه في ظل عدم الادلاء بما يثبت استصداره لمقرر يعدل المقرر الأول المعلن عن المنفعة العامة، وهذا ما قضت به محكمة النقض في عديد من قراراتها[36] ومن بينها قرار عدد 375 الصادر بتاريخ 05/09/2007[37]، إذ جاء فيه "وحيث عن الفصل 43 من نفس القانون يقضي بأنه إذا تراجع نازع الملكية لأي سبب من الأسباب خلال أية مرحلة من مراحل المسطرة الإدارية أو القضائية قبل الحكم بنقل الملكية عن نزع ملكية عقار كلا أو بعضا ترتب عن ذلك استصدار نازع الملكية مقرر معدل للمقرر القاضي بإعلان المنفعة العامة أو لمقرر التخلي وتباشر بشأن ذلك المقرر نفس تدابير الاشهار المنصوص عليها في الفصل 8 أعلاه.

وحيث إن محضر الاجتماع المؤرخ ب 08/01/2004 والذي بمقتضاه تم إبلاغ المالكين بقرار المكتب الوطني للماء الصالح للشرب عن تخليه عن نزع ملكية عقاراتهم المنزوعة بموجب المرسوم المذكور أعلاه، لا يعفي نازع الملكية من اتباع الاجراءات الواردة بالفصل 43".

نفس التوجه استقرت عليه في قرار أخر بتاريخ 29/11/2006[38]، إذ جاء فيه "وبخصوص عدم الاستجابة لطلب المستأنفة الرامي إلى التنازل فانه كان على المستأنفة سلوك مسطرة الفصل 43 من قانون نزع الملكية الذي يلزمها باستصدار مرسوم للتراجع إذ لا يمكنها أن تتنازل خارج إطار الفصل المذكور وفيما يهم الشق المتعلق بنقل الملكية فهو غير قابل للاستئناف أما في الشق المتعلق بالتعويض فلا يمكنها التنازل عنه لأنه ليس في ملكها وبالتالي ليس من حقها التنازل عنه مما لاحق لها بالتنازل عن الدعوى ويكون السبب على غير أساس".

من هذا المنطلق، واستناداً لمقتضيات الفصل 43 من القانون رقم 7.81 والقرارات القضائية الصادرة عن محكمة النقض المستدل بها، فإن نازع الملكية لا يمكن الاستجابة لطلبه الرامي إلى سحب الدعوى من قاضي نزع الملكية إلا قبل صدور الحكم القاضي بنقل الملكية، وبعد إثباته لإصدار مقرر معدل للمقرر القاضي بإعلان المنفعة العامة أو لمقرر التخلي.

المحور الثاني: الآثار المترتبة عن سحب دعوى نزع الملكية.

إن الحكم القاضي بالإشهاد لنازع الملكية بسحب الدعوى، يترتب عليه لا محالة ضرورة التشطيب على الدعوى (أولا) ثم بعد ذلك ارجاع حالة العقار إلى ما كانت عليه قبل سلوك مسطرة نزع الملكية (ثانيا).

أولا: التشطيب على الدعوى:

  عندما يطلب نازع الملكية من المحكمة المختصة سحب الدعوى، سواء في الحالة التي يتم فيها الإتفاق بين المنزوع ملكيته تطبيقا لمقتضيات الفصل 42 من القانون رقم 7.81 أو في حالة تراجعه عن نزع ملكية عقار كلاً أو بعضاً تطبيقاً لمقتضيات الفصل 43 من القانون المذكور، فإن قاضي نزع الملكية ينظر في توفر الشروط القانونية الواجبة التي سبق بسطها أعلاه، وعند توفرها يصدر حكم أو قرار حسب الحالة، بالإشهاد لنازع الملكية على سحب الدعوى.

غير أن المشرع المغربي لم ينص في أي مقتضى قانوني عن الآثار المترتبة على سحب الدعوى، بل تناول فقط التنازل عن الدعوى، وذلك في مقتضيات الفصل 2 والفصول من 119 إلى 123 من قانون المسطرة المدنية، غير أن الاشكال الذي يثار في هذا المقام يتعلق حول ما إذا كان بالإمكان تطبيق القواعد المتعلقة بالتنازل على سحب الدعوى؟

إن القراءة المتأنية في الفصول المنظمة للتنازل عن الدعوى، توضح على أن من بين الآثار المترتبة عن التنازل، التشطيب على القضية، بعد صدور حكم يشهد على الأطراف بالتنازل وتضمينه بمحضر الجلسة، وبالتالي محو الترافع أمام القضاء بالنسبة للقضية.

إلا أنه بالرجوع إلى التشريع المقارن نجد المشرع الفرنسي قد تطرق لسحب الدعوى في الفصل 382 من قانون المسطرة المدنية[39] إذ نص على أنه "يتم طلب السحب من القائمة عندما يطلبها جميع الأطراف كتابة". وتأسيساً عليه فإن المحكمة تحكم بسحب الدعوى بعد طلب كتابي من الأطراف.

وتماشياً مع ذلك، فإن قاضي نزع الملكية عندما يشهد بسحب الدعوى، يرفع يده عن القضية ويضع حداً للمنازعة القضائية، وهذا ما قضت به محكمة النقض في قرار لها عدد 625 الصادر بتاريخ 03/05/2001[40] إذ جاء فيه "حيث إن الإتفاق المذكور رغم المعارضة الغير الجدية من طرف المستأنف عليه في صحته، لا يمكنه أن ينصب إلا على التعويض المتعلق بتغطية الاضرار الناتجة عن نزع الملكية ويعني في حقيقته طبقا لمقتضيات الفصل 42 المذكور انهاء النزاع في خصوص موضوع التعويض ورفع يد المجلس الأعلى كجهة استئنافية عن الاستمرار في البت في الدعوى".

هكذا إذاً، فإن من بين الأثار الهامة التي تترتب عن سحب نازع الملكية لدعواه بناء على مقتضيات الفصلين 42 و43 من القانون رقم 7.81، وضع حداً للمنازعة بينه وبين المنزوع ملكيته. وبالتالي التشطيب على القضية، وحفظها بسجل الأرشيف لدى المحكمة[41].

ثانيا: إرجاع الحالة إلى ما كانت عليه[42] :

بداية لابد من التأكيد على أن الحالة التي يتم فيها الاستجابة لطلب نازع الملكية في سحب الدعوى عند الإتفاق بينه وبين المنزوع ملكيته لا تثير أي إشكال، وذلك لكون أن الأطراف تنصرف إرادتهم إلى تطبيق وتنزيل ما ضمن في الإتفاق فقط، والاستغناء عما راج أمام القضاء.

إلا أنه في الحالة التي يتراجع نازع الملكية لأي سبب من الأسباب، عن نزع ملكية عقار كلا أو بعضا، ويتم سحب الدعوى على إثر ذلك، فإنه يترتب عن ذلك مجموعة من الأثار التي سنحاول الإحاطة بها بدقة.

هكذا إذا، فإن الحكم القاضي بسحب الدعوى يترتب عنه آثار غاية في الأهمية سواء بالنسبة لنازع الملكية أو المنزوع ملكيتهم، إذ يقتضي إرجاع حالة العقار إلى ما كانت عليه قبل سلوك مسطرة نزع الملكية.

وصفوة القول، يمكن للمنزوع ملكيته مطالبة السيد المحافظ على الأملاك العقارية، بناء على الحكم القاضي بسحب الدعوى، وكذا أيضا بناء على محضر الإتفاق أو مقرر المعدل للمقرر القاضي بإعلان المنفعة العامة أو لمقرر التخلي[43] حسب الحالة، بالتشطيب[44] على مشروع مرسوم أو مقرر التخلي القاضي بإعلان المنفعة العامة[45] من الرسم العقاري موضوع العقار، إذا تعلق الأمر بعقار محفظ. أو من سجل التعرضات بالنسبة للعقار في طور التحفيظ.[46]

أما إذا تعلق الأمر بعقار غير محفظ[47]، له – المنزوع ملكيته - أن يطلب السيد رئيس كتابة الضبط لدى المحكمة الابتدائية التابع لها موقع العقار، بالتشطيب على مشروع مرسوم أو مقرر التخلي القاضي بإعلان المنفعة العامة من السجل الخاص.

ومما لا شك فيه، فإن المنزوع ملكيته بعد صدور الحكم القاضي بسحب الدعوى بناء على الفصل 43، يسترجع جميع الحقوق على العقار، من خلال رفع الارتفاقات المنصوص عليها في الفصول 15 و16 و17 من القانون رقم 7.81، لكن ذلك رهين بعدم شمول العقار بتصميم التهيئة[48]، وتخصيصه ادارة أو مؤسسة أو منشأة لها طابع المنفعة العامة، إذ أن الارتفاقات المذكورة، تبقى سارية المفعول[49] إلى حين مرور مدة 10 سنوات من تاريخ نشر النص القاضي بالموافقة على تصميم التهيئة في الجريدة الرسمية[50] 

وعلاوة على ذلك، فإنه عند صدور الحكم القاضي بسحب الدعوى، يقتضي من نازع الملكية إرجاع حيازة العقار  للمالكين المعنيين، وهذا ما نصت عليه الفقرة الأخيرة من مقتضيات الفصل 43 من القانون رقم 7.81 إذ جاء فيه "وتتخذ بشأن هذا القرار المعدل تدابير الإشهار المنصوص عليها في الفصل 8 ويترتب على نشره في الجريدة الرسمية بحكم القانون، حسب الحالة، رفع الارتفاقات المنصوص عليها في الفصول 15 و16 و17 وسحب الدعوى من المحكمة الإدارية  وإعادة الحيازة للملاك المعنيين بالأمر فيما يخص العقار أو جزء العقار المسقط من نزع الملكية" وذلك في حالة صدور الأمر بالحيازة وتم تقييده في المحافظة العقارية أو كتابة الضبط لدى المحكمة الابتدائية التابع لها العقار حسب طبيعة العقار. غير أن التساؤل يبقى مشروعاً[51]حول مآل التعويض الاحتياطي في حالة تسلمه من طرف المنزوع ملكيته بعد صدور الأمر بالحيازة [52] .

بداية وجب الاشارة إلى أن هذا الاشكال لا يمكن تصوره في حالة وجود الإتفاق بين نازع الملكية والمنزوعة ملكيته، على أساس أنه في هذه الحالة يكون المنزوع ملكيته تسلم تعويضاً نهائيا[53]، مقابل نقل ملكية العقار لنازع الملكية، وأن جميع الآثار المشار إليها في الفصل 37 من القانون رقم 7.81، تصبح سارية المفعول ابتداء من تاريخ ايداع محضر الإتفاق المذكور لدى المحافظة العقارية[54].

وعلى عكس ذلك، فإن هذا الاشكال يجد أساسه في حالة تراجع نازع الملكية تطبيقا لمقتضيات الفصل 43 من القانون رقم 7.81، إذ أنه في هذه الحالة يمكن لنازع الملكية مطالبة المنزوع ملكيته برد التعويض الاحتياطي الذي دفع له، وتنطوي وجهة النظر هاته في كون أن محل التعويض أصبح منعدم. غير أنه إذا لم يستجيب لذلك، نرى بأنه يمكن لنازع الملكية رفع دعوى أمام المحكمة المختصة في مواجهته لمطالبته بالثمن الذي تسلمه بدون موجب حق، استنادا لقواعد الاثراء بلا سبب، تطبيقاً لمقتضيات الفصل 66 وما يليها من قانون الالتزامات والعقود[55].

خلاصة

لقد حاولنا في هذا الموضوع، الإحاطة بالحالات التي يمكن لنازع الملكية سحب الدعوى من المحكمة المختصة في حالتين، وذلك من خلال دراسة تحليلية نقدية لمقتضيات الفصلين 42 و43 من القانون رقم 7.81، وكذا الإشكالات المحيطة بهما، على ضوء القرارات القضائية الصادرة عن محكمة النقض.

 وفي الختام لا يسعنا إلا ابداء بعض الملاحظات والاستنتاجات:

ü    إن سحب دعوى نزع الملكية، لا يمكن تصورها خارج مقتضيات الفصل 42 و43 من قانون نزع الملكية؛

ü    إن مطالبة نازع الملكية بسحب الدعوى امام القضاء رهين باحترام الضوابط الشكلية المنصوص عليها في الفصلين 42 و43 من قانون نزع الملكية؛

ü    إن المطالبة بسحب دعوى نزع الملكية، يجب أن تنصب على دعوى قائمة أمام المحكمة، ولا يمكن بأي حال من الأحوال مطالبتها بدعوى جديدة؛

ü    إن سحب دعوى نزع الملكية يمكن أن تكون في مواجهة جميع الأطراف، كما يمكن أن تكون في مواجهة طرف دون الأخر؛

ü    الأكيد بأن نازع الملكية يمكن له المطالبة بسحب الدعوى في حالة تراجعه عن نزع ملكية العقار، أمام المحكمة الإدارية، ونعتقد بأن له نفس الحق سواء أمام محكمة النقض، أو محكمة الإحالة بمناسبة بتها من جديد في القضية؛

ü    إن الحكم القاضي بالإشهاد على نازع الملكية بسحب الدعوى، نرى أنه يجب أن يوضع حداً فورياً لأي منازعة قضائية؛

ü    إن سحب دعوى نزع الملكية –في حالة التراجع- يترتب عنها ارجاع الحالة إلى ما كانت عليها قبل سلوك مسطرة نزع الملكية.

ü    إن الحكم القاضي بالإشهاد على نازع الملكية بسحب الدعوى، يُمَكِنُ المنزوع ملكيته من التشطيب على مشروع مرسوم نزع الملكية المقيد بالرسم العقاري.

الهوامش
 
يراجع المؤلف الجماعي الذي سيصدر ورقيا من مؤلفات إحياء علوم القانون برسم الفصل الرابع من سنة 2022 حول فقه قضاء المنازعات الإدارية



الخميس 21 يوليوز 2022

تعليق جديد
Twitter