MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers



حماية البيئة في الدستور المغربي

     

ياسين تمورت
طالب – حاصل على الاجازة في القانون العام




 
يستعد المغرب للموافقة على اتفاق باريس بشأن تغير المناخ، المعتمد بباريس في 12 دجنبر 2015. والذي يهدف إلى تحسين تنفيذ اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ التي اعتمدت بنيويورك في 9 من ماي 1992. في ذات الوقت الذي يستعد فيه لتنظيم محطة دولية جديدة تنضاف الى رصيد محطات استقبال المنتظم الدولي المعني بالشأن البيئي، حيث تجري التحضيرات لاستقبال الدورة 22 لمؤتمر الامم المتحدة بشأن التغيرات المناخية، والتي ستنعقد بمدينة مراكش، حيث ينتظر أن ينضَمَّ المغرب الى مصاف الدول المصدرة للوثائق الدولية بدل استقبالها.
 
فما هي اذا المجهودات التي بذلها المغرب على مستوى الوثائق الوطنية ؟ وأي مستجدات حملها دستور 2011 بشأن حماية البيئة ؟ وإلى مدى استطاع المشرع الدستوري المغربي أن يبني حماية دستورية للبيئة ؟ وإلى أي حد يمكننا اعتبار الدستور المغربي دستورا بيئيا ؟
 
في التاسع من مارس 2011، أعلن الملك محمد السادس، من خلال خطاب رسمي[1]، عن قرار تكوين اللجنة الاستشارية لمراجعة الدستور، إثر اتخاذ الملك لمبادرة إجراء تعديل دستوري شامل[2]، يستند الى مرتكزات من بينها تعزيز منظومة حقوق الانسان بأبعادها المتعددة ومن ضمنها البعد البيئي.
وسيتجسد هذا المرتكز من خلال التنصيص في تصدير الدستور الجديد على : "إن المملكة المغربية، وفاء لاختيارها الذي لا رجعة فيه، في بناء دولة ديمقراطية يسودها الحق والقانون، تواصل بعزم مسيرة توطيد وتقوية مؤسسات دولة حديثة، مرتكزاتها المشاركة والتعددية والحكامة الجيدة، وإرساء دعائم مجتمع متضامن، يتمتع فيه الجميع بالأمن والحرية والكرامة والمساواة، وتكافؤ الفرص، والعدالة الاجتماعية، ومقومات العيش الكريم، في نطاق التلازم بين حقوق وواجبات المواطنة"[3].

ذلك أن حماية منظومتي حقوق الانسان والقانون الدولي الانساني، تشكل مدخلا لاعتماد القواعد القانونية لحماية البيئية، رغم أنه ليس من السهل اعتماد قواعد بيئية دستورية تسمو على باقي التشريعات والقوانين الوطنية.

لقد اعتمد دستور المملكة قواعد -بيئية- تهدف الى وضع الأساس القانوني لحماية البيئة على المستوى الوطني، وهو تجاوب وانعكاس قوي للقواعد الدولية على القوانين الوطنية، حيث أنه من خلال السياقات الدستورية التي ورد فيها اصطلاح البيئة؛ يتبين لنا أنه (المشرع الدستوري) يستلهم مضامينه مما ورد في المبدإ الأول لتصريح استوكهولم[4] (1972) وكذا المبدأ الأول من تصريح قمة الأرض[5] (ريو 1992)[6].

واستقراء للوثيقة الدستورية نجد أنه تم التنصيص على حماية البيئة بصيغ جعلتها حاضرة في مستويات، نعرضها كما يلي :
 
  • المستوى الحقوقي :
لقد خص المشرع بابه الثاني للحريات والحقوق الأساسية، حيث نص الدستور في الفصل 19 منه، على مساواة الرجل والمرأة في التمتع بالحقوق والحريات [..] البيئية، التي وردت في الوثيقة الدستورية وتلك المنصوص عليها في الاتفاقيات والمواثيق الدولية [..] كما نص على الحق في الحياة من خلال الفصل 20، فالحياة هي مناط الانشغال المشترك بحماية البيئة. وفي الفصل 27 ينص على الحق في الحصول على المعلومة وهنا ينبغي أن نشير إلى أن المعلومة البيئية مهمة في هذا الصدد، إذ الحديث في مجال البيئة يقتضي توافر معلومات والاطلاع على التقارير المنجزة وأرقام وإحصائيات لأجل بلوغ الأهداف التنموية المرتبطة أساسا باحترام البيئة. ولأول مرة ينص دستور المغرب على استفادة المواطنات والمواطنين من الحق في : [..] الحصول على الماء، والعيش في بيئة سليمة، والتنمية المستدامة. وذلك وفق قاعدة المساواة، بمعنى أن السياق هو سياق حقوقي بامتياز ينسجم كما سبق القول مع مضامين تصريحي المحطتين الدوليتين الهامتين (المبادئ الأولى من تصريحي استوكهولم وريو)، وفي ذات الباب من الدستور ينص الفصل 40 على ما يقابل الحق أي واجب التضامن في تحمل تكاليف تنمية البلاد، والأعباء الناجمة عن الآفات والكوارث الطبيعية، وذلك يفيد حماية البيئة المشيدة من معمار وإسكان ..  من طرف الإنسان فوق الأرض، وهو تفاعل ايجابي مع التغيرات التي تطرأ على البيئة الطبيعية. وبالرجوع الى الفصل 35 نجد أن تطور اللغة الدستورية، باعتماد المشرع لقواعد ذات نتائج مستقبلية حيث جاء فيه ما نصه : "تضمن الدولة [..] كما تعمل على تحقيق تنمية بشرية، من شأنها تعزيز [..] الحفاظ على الثروات الطبيعية الوطنية، وعلى حقوق الأجيال القادمة" وهذا نص صريح بشأن الحفاظ على عناصر البيئة الطبيعية، وضمان تنمية مستدامة تكفل مراعاة ما سنخلف للأجيال القادمة وليس جيلا واحد ..
 
  1. على المستوى التشريعي : أناط المشرع صلاحية التشريع في المجال البيئي بالسلطة التشريعية [البرلمان]، وهذا كذلك مؤشر من مؤشرات تمييز القواعد المتعلقة بالبيئة في الهرم القانوني الوطني، حيث نص الفصل 71 من الدستور على : "يختص القانون [..] بالتشريع في الميادين التالية : [..] القواعد المتعلقة بتدبير البيئة وحماية الموارد الطبيعية والتنمية المستدامة – نظام المياه والغابات، التعمير وإعداد التراب" وأضاف المشرع الدستوري في ذات الفصل بأنه : "للبرلمان [..] صلاحية التصويت على قوانين تضع إطارا للأهداف [..] في الميادين [..] والبيئية والثقافية".
  2. على المستوى الحكومي : ألزم الفصل 88 من الدستور رئيس الحكومة –خلال التنصيب البرلماني- بعرض برنامج يتضمن الخطوط الرئيسية في ميادين عمل الحكومة وعلى الخصوص في ميدان السياسة البيئية بالإضافة الى عدد من الميادين[7]، وهذا إلزام متقدم بالنظر الى المرحلة التي يتم فيها التأسيس لقواعد دستورية لحماية البيئة.
  3. الهيئات الدستورية : خص الدستور الباب الحادي عشر للمجلس الإقتصادي والاجتماعي والبيئي الذي يقدم الاستشارة للحكومة والبرلمان في القضايا التي لها طابع اقتصادي واجتماعي وبيئي، كما يدلي برأيه في التوجهات العامة للتنمية المستدامة، وهنا نستحضر كذلك دسترة البعد البيئي الى باقي الاختصاصات الأساسية المجلس. وقد نص الدستور كذلك على هيئات أخرى كالمجلس الوطني لحقوق الانسان والذي يقارب قضايا البيئة من الزاوية الحقوقية، وكذا هيئات الحكامة الجيدة والتنمية البشرية والمستدامة.

إن أهم ما يمكن استخلاصه من هذه الفقرة : أن المغرب، بذل جهدا دستوريا ليلحق بركب الدول التي اعتمدت البعد البيئي وعبرت عن ذلك بما يدعى "اعتماد الدساتير البيئية أو الصديقة للبيئة"، بالرغم من اختلاف هذه الدساتير في طبيعتها البرنماجية أو المبادئية العامة[8].

ولقد تباينت مواقف الدول بين التصريح والاشارة الضمنية للقضية البيئية في دساتيرها؛ إذ منها ما نص بشكل صريح على تقرير وحماية حق الانسان في بيئة سليمة مثل الدستور الاسباني لسنة 1978، في مادته 45 الفقرة 1، إذ نص على أن : « كل إنسان له الحق في التمتع ببيئة ملائمة للتقدم الانساني مثلما أيضا عليه واجب المحافظة عليها »، و أما فرنسا التي يعد دستورها ثالث أقدم دستور في العصر الحديث، فقد عدلت دستورها ليتضمن "الحقوق والالتزامات" التي يحددها ميثاق البيئة لعام 2004، ووفقا لهذا الميثاق فإن « لكل شخص الحق في أن يعيش في بيئة متوازنة ومراعية لصحته[9] »[10].
 
الهوامش
[1] نص خطاب الملك محمد السادس، الموجه لعموم المغاربة، يوم الأربعاء 9 مارس 2011، الذي يتضمن الاعلان عن تشكيل لجنة استشارية لمراجعة الدستور برئاسة السيد عبد اللطيف المنوني.
[2] حيث جاء في نص الخطاب : [.. قررنا إجراء تعديل دستوري شامل ..]
[3] انظر تصدير الدستور المغربي، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.11.91 بتاريخ 27 شعبان 1432 الموافق ل 29 يوليوز 2011، بالجريدة الرسمية عدد 5964 مكرر، بتاريخ 28 شعبان 1432 (30 يوليوز 2011).
[4] ينص المبدأ الأول من تصريح استوكهولم على : "للإنسان حق أساسي في الحرية والمساواة، وفي ظروف معيشية مرضية، وفي ظل بيئة تتيح له نوعيتها العيش في كرامة ورفاهية. وله واجب صريح في حماية البيئة وتحسينها لصالح الأجيال الحاضرة والمستقبلية".
[5] ينص المبدأ الأول من تصريح ريو (قمة الأرض) على : "يحتل الإنسان مركز الاهتمامات المتعلقة بالبيئة المستدامة ولهم الحق في حياة سليمة ومنتجة في انسجام مع الطبيعة".
[6] كجي حسنة، الأساس الدستوري لحماية البيئة بالمغرب، مداخلة قدمت في إطار المؤتمر الدولي الأول للبيئة والتنمية المستدامة، كلية العلوم القانونية والإقتصادية والإجتماعية بالدار البيضاء، أيام 4، 5 و 6 ماي 2016.
[7] انظر الفصل 88 من الدستور المغربي، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.11.91 بتاريخ 27 شعبان 1432 الموافق ل 29 يوليوز 2011، بالجريدة الرسمية عدد 5964 مكرر، بتاريخ 28 شعبان 1432 (30 يوليوز 2011).
[8] ذلك أن العديد من الباحثين يصنف الدستور المغربي دستور برنامج.
يراجع في هذا الباب مؤلفات النظرية العامة للقانون الدستوري.
[9] كجي حسنة، الأساس الدستوري لحماية البيئة بالمغرب، مرجع سابق.
[10]  الشناوي وليد محمد، "الحماية الدستورية للحقوق البيئية – دراسة مقارنة، دار الفكر والقانون، المنصورة، 2013، ص 9.
وارد بـ :  كجي حسنة المرجع نفسه.



الاربعاء 13 يوليوز 2016

تعليق جديد
Twitter