MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers





حكومة حزب العدالة والتنمية وسؤال التجربة

     


د. محمد لكموش
باحث في العلوم السياسية



حكومة حزب العدالة والتنمية وسؤال التجربة
 
لا شك أن تجربة العدالة والتنمية في التسيير الحكومي تعد إحدى المحطات المهمة في التاريخ السياسي المغربي للحكومات المتعاقبة، بالنظرلاعتلاء جزء من الإسلاميين لمواقع المسؤولية في حكومة ائتلافية تضم أربعة أحزاب سياسية، ويأتي ذلك بعد تجربة اليساريين مع حكومة عبد الرحمن اليوسفي ومشاركة حزبي الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والتقدم والاشتراكية في حكومة ادريس جطو.

إلا أن التجربة الحكومية لحزب العدالة والتنمية تسترعي مجموعة من الملاحظات ، وذلك في ضوء الخطابات المتتالية لرئيس الحكومة من كون جزء عريض من المعارضة ومن الصحافة تريد إفشال المشروع الإصلاحي للحكومة، زيادة على قوى مناهضة الإصلاح والتغيير(التماسيح والعفاريت حسب تعبير عبد الاله بنكيران رئيس الحكومة).

-الملاحظة الأولى: لا أحد يشك أن السياق الذي أنتجته تجربة حكومة التناوب مع عبد الرحمن اليوسفي ليس هو سياق الذي أنتج حكومة العدالة والتنمية بالنظر إلى أن تشكل الاولى كان تحت وطأة تدبير انتقال العرش من الملك الحسن الثاني إلى خلفه محمد السادس، زيادة على أن المغرب كان مهددا بالسكتة القلبية، أما الثانية فقد كانتلرياح الربيع الديمقراطي الفضل الكبير في إنتاج حكومة الاسلاميين بالنظر للخطاب المبسط  والأخلاقي الذي تحمله في حل المشكلات الاقتصادية والاجتماعية.

-الملاحظة الثانية: إن كثرة التشكي  من الانتقادات الموجهة لحزب العدالة والتنمية باعتباره النواة الصلبة للحكومة ، وعدم ايلاء الأهمية البالغة لها من قبل الأحزاب السياسية المشكلة للحكومة يوحي بأنها لا توليلنجاح التجربة الحكومية الأهمية البالغة بالنظر إلى كون الدخول للحكومة ليس المحدد فيه هو التسيير من عدمه وإنما المسألة لها تعقيدات أخرى تتعلق بالأساس في نظام الاقتراع الذي لا يساعد على بروز أقطاب حزبية قوية تجعل الحكومة مشكلة من حزبين على الأكثر ، لذا نرى على مر الحكومات المتعاقبة بالمغرب تكون مشكلة من أربع أو خمسة أحزاب سياسية، هذا بالإضافةلمعطى آخر يتمثل في كون  البرنامج الملكي والتوجيهات التي تعطى للحكومات بالمجلس الوزاري والخطب الملكية أثناء افتتاح الدورات البرلمانية، تعد بمثابة خارطة طريق للحكومات التي توليها أهمية بالغة، وبالتالي فالحديث عن كون البرنامج هو المحدد في نجاح الحكومات هو حديث سابق لأوانه مع دستور 2011، وبالتالي يمكن القول أن مسألة التضامن الحكومي مسألة لها محددات أخرى تدخل في منطق الحفاظ على التوازنات الكبرى للدولة والقائمين على صناع القرار.

-الملاحظة الثالثة: مازال السؤال مطروحا بالنسبة للخلفية التي جعلت حزب العدالة والتنمية ينأي بنفسه عن تسييروزارات ذات بعد اقتصادي واجتماعي باستثناء وزارة التجهيز والنقل للخلاف الذي كان حولها بينه وبين حزب الاستقلال ، واقتصر الاشراف على وزارات ذات لمسة تقنية ( الاتصال، العلاقة مع البرلمان، الوزارة المكلفة بالميزانية، الحكامة) إضافة للوزارة المكلفة بالتضامن الاجتماعي حيث مردوديتها ضعيفة بالنظر للميزانية المتواضعة المرصودة لها،(إلا أن هناك من يذهب إلى أن الحزب لديه رغبة في اكتساح مجال المجتمع المدني من خلال الإشراف عليه عبر الوزارة المكلفة بالعلاقة مع المجتمع المدني وذلك وفق رؤية بعيدة لتصريف خطابه)، بالإضافة إلى كل من وزارتي العدل والخارجية التي كانتا في عهد سابق من وزارات السيادة وستظلان كذلك بالنظر لكون المجال الخارجي من المجالات المحفوظة للملك باعتباره الممثل الأسمى للدولة، أما العدل وفي إطار الحوار الوطني لإصلاح منظومة العدالة يمكن أن ينتهي به المطاف –الحوار-على جعل الوزارة تشرف على كل ما هو إداري وتقني بعيدا عن كل ما يتعلق بالسلطة القضائية والسياسة الجنائية لتجنب أي تسييس لهذا القطاع الذي كان منذ فجر الاسلام وفي عهد حكم السلاطين العلويين ولاية عامة من اختصاصات أمير المؤمنين، الأمر الذي جعل كل الوزراء الاتحاديين الذين أشرفوا على هذه الوزارة لم يذهبوا بعيدا في إصلاح القضاء للاعتبارات السالفة الذكر.

-الملاحظة الرابعة: إن ما يجنيه حزب العدالة والتنمية حاليا يبتدأ مسلسله من أيام كان في المعارضة، حين كان يضخم من خطابه الأخلاقي والشعبوي التبسيطي وهو ما زال يتمادى فيه من خلال البطء في الانجازات والتشريع، وجعل معركته مع حزب الأصالة والمعاصرة  كمشجب يعلق عليه قوة معارضة مشروعه الإصلاحي، عوامل ساعدت الحزب على مده الجماهيري دون أن يلتفت إلى بناء مؤسسة حزبية قوية ومتينة تنتج نخبة  تكون قادرة على فك المعضلات الاقتصادية والاجتماعية بعيدا عن الخطابات الرنانة، ولو اقتضى الأمر التضحية بكتلته الناخبة العريضة والرهان على طبقة متوسطة يمكن أن تحتضن مشروعه في الإدارة والمقاولة والفن والثقافة.

-الملاحظة الخامسة: إن تهديد حزب العدالة والتنمية بالنزول للشارع مسألة فيها مغالطات سياسية ومؤسساتية وتمس جوهر الممارسة الديمقراطية، إذ لم يثبت في مجال الديمقراطيات الحديثة أن نزلت الاغلبية للشارع للتعبير عن التضامن مع نفسها أو الاحتجاج ضد المعارضة، وإنما هي من الحقوق المكفولة دستوريا للأقليات ، وبالتالي فإن هذه الدعوة تتحقق من موقع المعارضة وليس من موقع الأغلبية.

-الملاحظة السادسة: الملاحظ على حزب العدالة والتنمية أنه يخلط بين عملية تصريف برنامجه الحكومي داخل الإدارة ومواقفه الحزبية التي قد تخدم أجندة حزبية ضيقة، وهو ما قد تسقط فيه الحكومة من خلال مرسوم التعيين في المناصب السامية (الكتاب العامون للوزارات، والمدراء المركزيين بها)،إذ ستصبح الإدارة مسيسة من خلال التعيين في مناصب المسؤولية للموالين للون السياسي للوزير المشرف على القطاع الوزاري، مما سيخلق مشكل التداخل بين الإداري والسياسي داخل أجهزة الدولة وأثره على السير الحسن لدواليب الدولة.

غير أن هذا الطموح الإصلاحي لدى حزب العدالة والتنمية لن يقوى على السير فيه قدما في مخططه الاصلاحي بالنظر لوجود مجموعة من المعوقات لا بد من الوقوف عندها وأهمها:

أولا:هناك تخوف لبعض الجهات داخل مراكز القرار سواء السياسي أو الاقتصادي مننجاحتجربةحزبالعدالةوالتنمية، مما قد تكون له مضاعفات مستقبلية على باقي الأحزاب السياسية، على مستوى مسارها الانتخابي و كذا قدراتها على التأثير و الفعل مستقبلا، لذا فإن كبح جماح الحزب على مستوى طموحه، فيه ضبط و مراقبة لا تود هذه الجهات في الدولة أنيكون خارج المراقبة.

 ثانيا : كيف يمكن للحكومة تحقيق مطلب الاصلاح الشمولي الذي تنادي به، وهي لا تمتلك أذرعا قوية على مستوى المجتمع المدني ، والحديث لا ينصرف على حركة التوحيد والاصلاح وإنما على الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين والحقوقيين، بالنظر على أنموازين القوى في السياسية تتمثل في جبهة الاصلاح العريضة التي يجب أن تغطيها الحكومة، لذا على الحزب أن ينفتح على قوى متنوعة تناصر مطلبه الاصلاحي بعيدا عن الخلفية الايديولوجية التي لا يجب أن يوليها اهتماما كبيرا في المرحلة الحالية، باعتبار المرحلة هي مرحلة بناء الثقة وفقط داخل المجتمع، ومرحلة تجسير التواصل للتغطية على هواجس الخوف والتوجس التي تزداد مساحتها على المستوى الحقوقي والاعلامي والفني ولتشمل حتى الفضاء الاقتصادي والاجتماعي.

ثالثا: يبدو أن الحزب لديه قصور في كيفية قراءة الواقع السياسي من زاوية إدارة الصراعات السياسية، التي أصبحت تتسع كما أشرنا سابقا، وهو ما ينعكس على مسألة إدارة الاختلافات السياسية التي يجب على الحزب أن يستحضر المنهج البراغماتي في تدبير الاختلاف دون الدخول في مواجهات بدأت تتضح أطرافها والفاعلين فيها (الباطرونا ، النقابات، المثقفون ، الفنانون، ..).

رابعا: لم يبذل الحزب جهدا كبيرا على مستوى التواصل بعد دخوله للحكومة قصد توضيح تصوره الاصلاحي، فهي مهام هياكل الحزب عبر ديمقراطية تشاركية مع جميع الفاعلين السياسيين والحزبيين والنقابيين والحقوقيين والاقتصاديين، قصد استطلاع وجهات نظرهم في تدبير المرحلة وجعل التجربة الحكومية كأنها حكومة وحدة وطنية ،دون الانزلاق في التصرف من منطق أحادي.

خامسا: الحزب يتصرف أحيانا من موقع تجربته الحكومية وكأنه يدير السلطة التنفيذية التي خولها له الدستور من مفهوم القوة، في حين كان عليه أن يتعامل مع هذه السلطة من زاوية المصلحة وإشراك الجميع على تقاسم المنافع ،وبناء أرضية متوافق حولها .

سادسا: هل الاصلاح الذي يعيشه المغرب يجب أن يمر عبر القناة الدينية أم عبر قناة تدبير الدولة، إذ أن المتتبع لتصريحات أحمد الريسوني يلاحظ عليها أن الحركة الدينية بدأت تدخل على خط دعم حكومة بنكيران في مواجهة معارضي الاصلاح ملوحا بالتظاهر والاحتجاج دعما للاصلاح، وهذا تعبير عن منزلق له مخاطر على الرؤية الدينية والدنيوية للاصلاح وتبعاته السياسية على شؤون المجتمع والهيئة الناخبة مستقبلا التي قد تتوسع بمنطلق ديني ايديولوجي وليس بمرجية النتائج والمردودية.



الخميس 27 ديسمبر 2012

تعليق جديد
Twitter