MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers



تعليق على قرار المجلس الدستوري عدد 14/938 المتعلق بنظام موظفي مجلس المستشارين.

     

محمد البوشوكي
دكتور في القانون العام




 
بمناسبة مراقبته لأحكام النظام الداخلي لمجلس المستشارين أصدر المجلس الدستوري قرارا بتاريخ 14 يونيو 2014 تحت عدد 14/938 يقضي بمطابقة أمام النظام الداخلي المذكور للدستور باستثناء بعض المقتضيات التي اعتبرها غير مطابقة للدستور.

ومن بين المقتضيات التي اعتبرها المجلس الدستوري غير مطابقة للدستور، نجد المادة 40 من النظام الداخلي السالف الذكر. وهي المادة التي تشكل موضوع هذا التعليق، حيث تنص على ما يلي: يمكن لأعضاء مجلس المستشارين تقديم اقتراح قانون حول النظام الأساسي الخاص بموظفي المجلس أو تعديله حسب النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية" وقد اعتبر المجلس أن مقتضيات هذه المادة غير مطابقة للدستور معللا قراره بخصوصها بما يلي: "حيث إن هذه المادة نصت على أنه: "يمكن لأعضاءمجلس المستشارين تقديم اقتراح قانون حول النظام حول النظام الاساسي الخاص بموظفي المجلس أو تعديله حسب النظام الاساسي العام للوظيفة العمومية"وحيث إن الفصل 71 من الدستور لا يدرج في مجال القانون بخصوص الوظيفة العمومية, سوى النظام الاساسي العام للوظيفة العمومية و الضمانات الأساسية الممنوحة للموظفين المدنيين و العسكريين، تكون المادة 40 المذكورة غير مطابقة للدستور."

إن دراسة الحيثيات التي أدلى بها المجلس الدستوري بخصوص المادة 40 تستوقفنا لمناقشة هذه الحيثيات على مستويين، المستوى الأول يتعلق بأوجه اللادستورية في مقتضيات هذه المادة والمستوى الثاني يتعلق بحدود مجال التنظيم  ومجال التشريع في النظام الأساسي الخاص بموظفات وموظفي مجلس المستشارين.
 
  • أوجه اللادستورية في مقتضيات المادة 40 من النظام الأساسي الخاص بموظفي وموظفات مجلس المستشارين.
     
لقد أثارت هذه المادة 40 من النظام الداخلي لمجلس المستشارين تعليقات متباينة ومتعارضة بين مجموعة من المهتمين والخبراء القانونيين، واتخذ النقاش حول هذا الموضوع منحا تصاعديالحد اتهام الحكومة والبرلمان بالتواطؤ على خرق الدستور (انظر مقال الأستاذ عبد اللطيف وقي بالجريدة الالكترونية هسبريس بتاريخ 2015/06/08) على اعتبار أن القول بتمكين أعضاء مجلس المستشارين من تقديم اقتراح قانون حول النظام الأساسي للموظفين التابعين له يعتبر خرقا سافراللدستور لعدم اندراج هذا النظام الأساسي ضمن لائحة الفصل 71 من الدستور المحددة، علاوة على نصوص أخرى منه، لمجال القانون على سبيل الحصر.

من جهة أخرى انبرى اتجاه آخر يبرر هذه الامكانية التي نصت عليها المادة 40 وينتقد قرار المجلس الدستوري بشأنها استناد لمبدأ الفصل بين السلطتين التشريعية والتنفيذية وأن موظفي وموظفات البرلمان يقومون بأعمال مساندة لأعضاء البرلمان، مما يقتضي وضعهم في مركز قانوني متميز خشية من أي تحكم قد تنزع إليه السلطة التنفيذية من خلال التأثير أو الضغط على المراكز النظامية والقانونية لهذه الشريحة من الموظفين من خلال التنصيص على مقتضيات تنظيمية تحول دون القيام بوظيفتهم بالشكل المطلوب (انظر الاستاذ خالد الشرقاوي السموني في الجريدة الرسمية هسبريس بتاريخ 12 يونيو 2015) .

إن النقاش الذي أحاط بهذه المادة والجدال القانوني الذي أثارته لعله لم يكن موفقا، فأهمية وحساسية الموضوع الذي تضمنته أحكام المادة 40 المذكورة المتمثل في إتاحة الامكانية لتمييز فئة من الموظفين العموميين وتفردهم بنظام أساسي خاص صادر بموجب قانون ينظم وضعيتهم الادارية والمالية وكل ما يتعلق بحياتهم المهنية خلافا لباقي أصناف الأنظمة الأساسية الخاصة الصادرة بموجب مرسوم،لعله كان السبب في تحويل النظر عن النقاش الذي كان يجب أن ينصب على قرار المجلس الدستوري وبالتالي اتخاذه المنحى الذي اتخذه.

ولعله نفس السبب الذي دفع المجلس، حين فحصه للمادة 40 المذكورة من النظام الداخلي،للانجرار نحو إحدى وظائفه التقليدية التي تجعل منه حاميا وحارسا أمينا للخيط الفاصل بين مجال التنظيم والتشريع.

إن المسألة التي كان يجب استحضارها بخصوص المادة 40 المذكورة سواء بالنسبة للمجلس الدستوري أوما تلى قراره هذا من تعاليق، أن المجلس حين بثه في عدم دستورية المادة 40 قد كان بصدد رقابة النظام الداخلي لمجلس المستشارين تطبيقا لأحكام الفقرة 2 من الفصل 132 من الدستور التي منحته هذا الاختصاص وكذا لأحكام المواد 22 و25 و26 من القانون التنظيمي المتعلق بالمحكمة الدستوريةبالمجلس الدستوري لتنظيم ذلك الاختصاص، وبالتالي فإن الخوض في أية مخالفة موضوعية لأحكام الدستور كان ينبغي أولا التأكد من مدى تقيد هذا النظام الداخلي لمجلس المستشارين بالنقاط والعناصر التي ينبغي أن تشتملها وتنظمها أحكامه، ولا سيما أن أحكام الدستور قد حددت مشتملات هذا النظام الداخلي، حيث نجد مثلا إحالة الفصلين 10 و 69 من الدستور على النظام الداخلي لكل مجلس من مجلسي البرلمان لأجل تحديد قواعد تأليف وتسيير الفرق والمجموعات البرلمانية والانتساب إليها والحقوق الخاصة المعترف بها لفرق المعارضة وكذا واجبات الأعضاء في المشاركة الفعلية في أعمال اللجان والجلسات العامة والجزاءات المطبقة في حالة الغياب وعدد اللجان الدائمة واختصاصها وتنظيمها. وبالتالي فإن كل مقتضىمضمن فيهذا النظام الداخلي يتجاوز القضايا والنقاط التي جعلها الدستور من مشتملاتههذا النظامتعتبر مخالفة لأحكام الدستور.

ولعله لم يكن من المطابقة للدستور أن يتضمن النظام الداخلي لأحد مجلسي البرلمان مقتضيات تحدد المجالات والميادين التي يجب أن يشرع فيها بقانون.
إن المادة 40 من النظام الداخلي لمجلس المستشارين، وبغض النظر عن صحة أو رجاحة المقتضى الوارد بها والقاضي بإمكانية اتخاذ مقترح قانون حول النظام الأساسي بموظفي المجلس، فإنها بصورة أو بأخرى تحدد المجالات والميادين التي ينبغي تنظيمها بقانون،غير أن تحديد مجال القانون ومجال التنظيم منصوص عليه بصريح أحكام الفصل 71 من الدستور ولا مجال لأي جهة كانت أن تضيف أو تنتقص منه، فحق المبادرة التشريعية مكفولة لأعضاء البرلمان بمجلسه بموجب الفصل78من الدستور شريطة التقيد في هذه المبادرة بمجال القانون المنظم بموجب الفصل 71 المذكور.
والنائب أو المستشار البرلماني ليس في حاجة إلى تأهيل أو ترخيص كما جاء في المادة 40 المذكورة حتى يتقدم بمقترح قانون في مجال معين،بل له أن يقترح في أي مجال شريطة إخضاع مقترحة لمعيار ضابط يتأكد من خلاله أن ما اقترحه يندرج ضمن اختصاص القانون.
وعليه فإن مقتضيات المادة 40 التي أثارت كثير من النقاش، تتضمن مقتضيات ليست من مشتملات النظام الداخلي لمجلس المستشارين وبذلك تكون غير مطابقة لأحكام الدستور.
  • حدود مجال التنظيم ومجال التشريع في النظام الأساسي الخاص بموظفات وموظفي مجلس المستشارين.
إن قرار المجلس الدستوري الذي اعتبر أن النظام الأساسي الخاص بموظفي مجلس المستشارين يندرج في مجال التشريع، قد نص كذلك على جواز تغييره بمرسوم في حال صدوره في شكل قانون باستثناء ما قد يرد في هذا القانون من ضمانات أساسية.

هذه الامكانية التي أعطاها المجلس الدستوري لتغيير النظام الأساسي الخاص بموظفي مجلس المستشارين بموجب مرسوم في حالة صدور النظام المذكور في شكل قانون تثير ملاحظتين أساسيتين، تتعلق الأولى بمدى قانونية تغيير النظام المذكور دون التقيد بمسطرة تغيير النصوص التشريعية من حيث الشكل بمرسوم، المنصوص عليها في الفصل 73 من الدستور والمنظمة بأحكام المادة 25 و26 من القانون التنظيمي رقم 29.93 المتعلق بالمجلس الدستوري، فهذا الاختصاص ممنوح لرئيس الحكومة الذي له صلاحية إحالة النصوص التشريعية من حيث الشكل إلى المجلس الدستوري قصد تغييرها بمرسوم بعد موافقة المجلس إذا كانت هذه النصوص تدخل في مجال من المجالات التي تمارس فيها السلطة التنظيمية اختصاصاتها.

فهل سبقية بت المجلس الدستوري في طبيعة النظام الأساسي المتعلق بموظفي مجلس المستشارين واعتباره من مجال التنظيم، تعفي رئيس الحكومة من إحالة النظام المذكور على المجلس طبقا للكيفيات والمسطرة المنصوص عليها في الدستور والقانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الدستوري حتى وإن كان هذا البت قد كان بمناسبة مراقبة المجلس الدستوري للنظام الداخلي لمجلس المستشارين؟ وهل يمكن القول أن المجلس الدستوري قد بت دون طلب من
رئيس الحكومة صاحب الاختصاص المذكور؟

الملاحظة الثانية تتعلق بكون المجلس الدستوري، حتى وإن اعتبرنا أن بته في طبيعة النظام الأساسي لموظفي مجلس المستشارين لا تستدعي التقييد بمسطرة إحالة هذا النظام من قبل رئيس الحكومة لطلب تغييره بمرسوم لأن المجلس سبق وأبدى موقفه من ذلك، فإن نصه في قراره على جواز تغيير النظام السالف الذكر باستثناء من قديرد في هذا القانون من ضمانات أساسية دون تحديد لهذه الضمانات،يطرح التساؤل من جديد حول الجهة المؤهلة لتحديد ذلك، فهل هو تأهيل للحكومة لتختار ما يعتبر ضمانات أساسية وبالتالي لا يجوز المساس به وما يعتبر دون ذلك وبالتالي يمكن تغييره بمرسوم؟ أم أن الأمر يقتضي الرجوع إلى صاحب الشأن، أي المجلس الدستوري، ليقرر ذلك ولتطبق آنذاك المقتضيات الدستورية وتلك المنصوص عليها في القانون التنظيمي المتعلق بالمحكمة الدستورية المنظمة لتغيير النصوص التشريعية من حيث الشكل.
 



السبت 6 غشت 2016

تعليق جديد
Twitter