MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers





القضاة تحت المجهر

     

بقلم : إدريس فجر

الـــــــمستشار بالنقــــــــض

دكتور في الحقوق



القضاة تحت المجهر


(1)

كتبت يوم الثلاثاء 11دجنبر2012 على صفحات نادي قضاة المغرب وبحسب ما كان متوفرا لدي من معطيات ما معناه :

طيلة سنة 2012 عرفت محاكم : طنجة وبني ملال و تازة و استئناف الرباط الإدارية أحداث وشكايات موجهة ضد قضاة ، تضاف إليها رسالة النقيب بشأن إدارية الرباط أيضا و حالة مستشار سابق بالقنيطرة بسبب سلوك إبنه وأخيرا شكاية - قيل في الأول أنها- كيدية ضد قاضيين بسلا والرباط ، بعض هذه الشكايات تم حفظه ، والبعض الآخر حركت فيه المتابعة أو لازال في طور البحث والتحقيق، ولكن في نهاية المطاف فان المتضرر من كل هذه الأحداث هو الصورة الجميلة والمثالية التي يكونها كل مواطن عن القضاء الذي في الواقع لم يدافع عنه القضاة و شرفاء المجتمع بالشكل المطلوب ، وفي أحسن الأحوال كان الدفاع عن حالات فردية أو شخصية ، لازلنا لم نصل بعد إلى التمييز بين الدفاع عن القاضي كشخص وبين الدفاع عن القضاء كمؤسسة دستورية لها كرامتها وهيبتها واستقلالها ، كل من يشتكي ضد القاضي من حقه أن يفعل ذالك ، لأنه لا مسؤولية دون محاسبة ، ولكن عليه أن يدرك – أي المشتكي - أيضا بأنه لما يطعن في سلوك أو حياد قاضي معين فهو يمس بمؤسسة القضاء كلها ، ولهذا إذا كانت شكايته كيدية فعليه أن يسأل بدوره ويحاسب لأن حق التشكي مسؤولية أيضا وعليه أن يدفع الحساب حتى ولو كان... درهما رمزيا يجب ان تطالب به كل جمعية قضائية غيورة على هيئة القضاء وبصفتها مطالبة بالحق المدني ، ثم إن السيد وزير العدل والحريات يطالب المواطنين أن يمدونه بالوقائع والإثباتات والملفات الحقيقية للفساد وليس بالشكايات المجهولة أو الفارغة أو الكيدية ، متى سيتوقف هذا التدهور في سمعة القضاء كمؤسسة قبل سمعة القاضي كشخص ...، كان بودي أن احكي لكم قصة تشرشل مع القضاء البريطاني إبان الحرب العالمية الثانية ومدى ثقته فيه كمؤسسة ، ولكن لا داعي لأنكم كلكم تعرفونها ، وما أثرتها إلا من باب وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين ، القضاء مهنة شريفة ونبيلة وكل من لم يحترمها كيفما كان عليه أن يحاسب سواء كان قاضيا أو موظفا أو مساعدا للقضاء أو صحافيا أو مواطنا ، هذه الأحداث المتسارعة قضائيا تدفعنا إلى أن نتوقف وقفة تأمل حيال ما أصبح يعرف بأزمة القضاء الذي أصبح يتصدر مشهد محاربة الفساد والتخليق .

(2)

ولم تمض على ما كتبت يوم الثلاثاء أكثر من 48 ساعة حتى عدت للكتابة من باب الموضوعية والتجرد والجهر بالحق يوم الخميس 13 دجنبر 2012وعلى نفس الصفحات لنادي قضاة المغرب بعد أن تغير وجه المعطيات لدي بشكل كبير على النحو التالي :

في الوقت الذي كان فيه بعض الزملاء يرقصون فرحا وابتهاجا بصدور العدد رقم 1 من مجلة نادي قضاة الدار البيضاء –وهذا من حقهم ولا جدال فيه – كانت سلا مسرحا لأحداث ووقائع خطيرة مست في الماضي مدنا أخرى ، ولا زالت تمس مع الأسف الجسم القضائي وأضواء الصحافة مسلطة عليه للمرة السابعة أو الثامنة خلال سنة 2012، قد يقول البعض بأنه رقم قياسي، الضربات في جسم القضاء متوالية الواحدة بعد الأخرى ، ولا أحد يستطيع أن يتنبأ بتوقف هذه الضربات أو بانفراج أزمة القضاء ومحنة القضاة .

بعض الصحف الرقمية ، موقع كواليس مثلا ، قالت بان مفتشي قصر المامونية أخطئوا في العنوان وربما الوقائع غير صحيحة مئة بالمائة وذالك بعد الاستماع إلى المعنيين بالأمر من الساعة 9 ليلا إلى الساعة 6 صباحا بحضور ممثلين عن هيئة عبد السلام بودرار للوقاية من الرشوة ، لكن الصحف الورقية الصادرة "صباح " يوم (13-12-2012) تقول عكس ذالك وبان الوقائع ربما أنها ثابتة وبأنه لا دخان بدون نار ، بل حتى موقع كواليس نفسه تراجع يوم 13 دجنبر 2012 وقال أشياء متناقضة مع سبق أن عبر عنه ، إذ قال : (( ... بلغ إلى علم موقع “كواليس اليوم” أن الأستاذ ... الذي تم توقيفه مؤقتا على خلفية شكاية من امرأة متقاضية، رفقة مستشار ... بالرباط، يحظى بتعاطف كبير لدى مختلف القضاة وموظفي هيأة كتابة الضبط في الدائرة القضائية ...

وأفادت مصادر موثوقة للموقع أن الدعم والتعاطف اللذين يحظى بهما ... “ك”، يعودان إلى سمعته الطيبة لدى مختلف الهيآت القضائية وكذا مساعدي القضاء، مشيرة إلى أن الجميع ما يزال في حالة صدمة قصوى، وغير مصدقين لما نسب إلى ... الأستاذ المذكور كما يحظى ... “ك” بتعاطف عدد من كبار قضاة المجلس الأعلى للسلطة القضائية.

وذكرت هذه المصادر لـ”كواليس اليوم” أن الأستاذ “ك” توجه زوال اليوم الخميس ... لأخذ بعض أغراضه الشخصية، مشيرة إلى أن الموظفين و... استقبلوه بتعاطف كبير، إلى درجة أن بعض الموظفات انخرطن في البكاء.

ومن تداعيات القضية، تطوع عدد من موظفي هيأة كتابة الضبط بالمحكمة لإنجاز عريضة تضامنية مع ...(الأستاذ " ك " )والتي شرع موظفو وموظفات كتابة الضبط في التوقيع عليها، منذ زوال اليوم الخميس....))

إذا كان البعض منا مشغولا بالدفاع عن استقلال القضاء ، وعن إرجاع المصداقية لعمل الجمعيات العامة للمحاكم ،ويتطلع إلى حوار وطني بناء حول القضاء، أو يصفق للعدد 1 من مجلة النادي ، أو إعادة تنظيم و هيكلة الجمعيات القضائية، فإنني أعتبر أن الشغل الشاغل الآن هو ما حدث بسلا من أحداث سلا تلقي بظلالها على مؤسسة القضاء ومصداقيته، وأنا شخصيا استخلص منها العبر التالية :

1- عدم الشفافية في التواصل مع الرأي العام القضائي لأخباره بما جرى بالضبط وكان الأحداث تجري في جزيرة الواقواق ، حسب علمي لا نادي ولا جمعية ولا ودادية أصدروا بلاغا أو بيانا في الموضوع وفي حدود ما هو مسموح به من معلومات التي ظلت تحتكرها وسائل الإعلام الرقمية والورقية

2- أصبح واضحا للعيان مدى الارتباط العضوي بين استقلال القضاء والتخليق ، ولكن أين تكمن الوصفة السحرية للعلاج؟ أليس في : جعل استقلال القضاء يتصدر الأولويات ، ومراجعة عاجلة لأجور الدرجات الصغرى للقضاة ، وضع خطة ناجعة لتخليق القضاء ولمحاربة الفساد والوقاية منه ، تنفذها الوزارة والمعهد والمسؤولون القضائيون كل حسب اختصاصه ،و إن كان من الصعب الفصل بين خطة تخليق القضاء وبين الخطة الشاملة والوطنية لتخليق الحياة العامة بالمملكة – إن وجدت -، ثم ما نصيب هذه المؤسسات في مسؤولية ما حصل حتى الآن؟

3- أصبح كذالك الملف رقم 1 على آجندا و طاولة الإصلاح القضائي هو التخليق بعد الوقوف على الحصيلة المؤسفة والمخيبة للآٍمال في هذا المجال خلال هذه السنة2012

4- حضور ممثلين عن هيئة بودرار للوقاية من الرشوة جلسة الاستماع تعد سابقة ثمنها البعض ورحب بها توخيا للشفافية، كما انتقدها في نفس الوقت البعض الآخر متسائلا عن أساسها القانوني ؟

5- الإصلاح والتقدم الحقيقيين للقضاء لن يتحققا إلا على يد القضاة أنفسهم أولا بقيامهم بعملهم اليومي مطبقين في ذالك القاعدتين القانونية والأخلاقية تطبيقا سليما ، وثانيا بانخراطهم في عملية نقد الذات و أخذا بمبدأ التناصح و بقاعدة " قل الحق ولو على نفسك " ، ولم يعد من الممكن إخفاء الشمس بالغربال، وإن كان علي الاعتراف بان ما تقوم بعض الجمعيات القضائية – مشكورة - من مجهودات لتخليق القضاة لم تؤت أكلها بعد ، والدليل على ذالك هو نتائج الحصيلة السلبية خلال هذه السنة 2012بشأن تخليق القضاء

بعد كل هذا لا ادري هل ما زالت للإنسان - ولي أنا شخصيا - قدرة على التعبير وإيجاد المفردات المناسبة ليعبر أو يكتب في الشأن القضائي والأفضل أن أصمت و أن أتوقف عن ذالك لبعض الوقت احتجاجا على ما أصاب مؤسسة القضاء في بعض المناطق من تدهور بسبب تهور البعض...(إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) صدق الله العظيم

(3)

في مناظرة تلفزية لإحدى القنوات الوطنية منذ أيام تناولت موضوع محاربة الرشوة ببلادنا وصنف المتدخلون الرشوة بالمغرب إلى 3 أو 4 مستويات وحددوا أربع قطاعات من القطاعات الوزارية التي تتفشى فيها ظاهرة الرشوة ،ولكن في المقابل نجد أن التركيز أو الضغط الإعلامي جاثم على صدر القضاة فقط وهو ما اعتبره نوعا من التمييز، وحتى لا يفهمني البعض غلطا فالقضاة و باعتراف المسئولين كانوا دائما كانوا دائما نزهاء وبنسبة كبيرة منهم في مقدمة مناهضي الرشوة والفساد، ولكن تركيز البعض على فئة القضاة فيه نوع من التمييز وهو أمر مخالف لمبادئ حقوق الإنسان التي تجعل الجميع سواسية أمام القانون و السلط بما فيها السلطة الرابعة التي تقتني مواضيعها بعناية فائقة وكل ما فيه لفظ"قاضي"وتسير خلفها بعض الجمعيات مع الأسف، وفي المدة الأخيرة تم التشهير في إحدى الصحف بقاض في الجنوب و بآخر في الشمال لا لشيء إلا لكون أحد أولاده كانت له "احتكاكات "معينة مع الشرطة ، بمعنى أن القاضي ملزم بإنجاب الأبناء الصالحين لا الطالحين – لا قدر الله- و إلا تم تأديبه لهذا السبب ، مع أن هذه حكمة ربنا ، ولا تزر وازرة وزر أخرى ، صدق الله العظيم ، العجيب في الأمر أن السلطة الرابعة- يعني الصحافة -هي الآن بصدد خلق متابعات مهنية جديدة للقضاة غير منصوص عليها في نظامهم الأساسي ، مع أن فئات أو مهن معينة تقوم بأضعاف ما يقوم به القضاة من تصرفات إرادية أو غير إرادية ، مقبولة أو غير مقبولة وكيفما كان الحكم عليها ومع ذالك لا تتناولها وسائل الإعلام بنفس الحدة أو لا تكرمهم بنفس الرعاية والتغطية الصحفية أو تفرد لهم مقالات قصيرة وربما في الصفحات الداخلية وليس في الصفحة الأولى وفي نفس الوقت أنا لا أنكر على الصحافة حقها في القيام بواجبها الإعلامي ، ولكن في الأمر شيء ...ما ، و إن كنت لست من أنصار نظرية المؤامرة .

صحيح أن القاضي يوجد في ٌقلب اهتمامات المواطنين و المتقاضين بصفة خاصة والصحافة تلاحقهم بأخبارها عنهم بوصفها سلطة رابعة ، أما السلطة الأخرى ونعني بها السلطة السياسية المكونة من أحزاب ومنتخبين وبرلمانيين ووزراء ومعهم بعض المقاولين أو مدراء مقاولات صحفية وفي كل دول العالم(أمريكا ،أوروبا ، آسيا ، العالم العربي ) كانت لها دائما علاقات متشنجة مع القضاة نظرا لتضارب المصالح لدى الطبقة السياسية وتريد ((حل مشاكلها )) باستصدار أحكام القضاء بينما هذا الأخير لا ينظر إلى المسالة من الناحية الحزبية أو السياسية بل من الناحية القانونية الصرفة ، ونحمد الله على أن الدستور المغربي منذ سنة 1962 وهو ينص صراحة على مبدأ استقلال القضاء و إذا لم يعرف القضاة تفعيل هذا المبدأ منذ ذالك الحين فهذه مشكلتهم ومسؤوليتهم الشخصية ، وعلى العموم كان دائما بين الطرفين أي القضاء والطبقة السياسية حذر متبادل وهو ما يفسر وجود القضاة قبل القضاء تحت المجهر ،ولكن بعض المتهورين منهم إما لضعف التجربة أو لضعف الإيمان بالاستقلال لديهم أو لعدم توفرهم على الحاسة السادسة لا يستشعرون الخطر الذي يتهددهم ويتهدد القضاء كمؤسسة في سمعتها وكرامتها ، ولهذا نسمع من حين لآخر بأن هذا القاضي أو ذاك يضع نفسه في أماكن مشبوهة أو مواقف محرجة لهم ولزملائهم ولمؤسسة القضاء ، حتى أنه قال لي بعض الزملاء: كلما انطلقت وسرت مثل هذه الشائعات أو الفضائح يخجل بعض القضاة من التعريف بأنفسهم في بعض المواقف أو الحالات ويقولون شيئا آخر غير القضاء

على القضاة وهم يقومون بعملهم اليومي وفي حياتهم العامة أو الخاصة أن يستحضروا دائما الالتزامات المهنية التي يفرضها عليهم قانون التنظيم القضائي والنظام الأساسي لرجال القضاء ( ظهير 11نونبر 1974) وقوانين جمعياتهم المهنية ومدونة القيم الأخلاقية كما اتفق عليها القضاة عالميا ، ليحافظوا على ماء وجههم ويصونوا الصورة المثالية التي لازالت للمواطن عن القضاة والقضاء ، لأن الصورة اهتزت بعض الشيء ولكنها لم تنكسر بعد

والأمل معقود على نتائج الحوار الوطني لإصلاح القضاء والعدالة ببلادنا ، وكذالك على مشاريع القوانين التنظيمية للسلطة القضائية والنظام الأساسي للقضاة لإخراج القضاء من الأزمة التي هو فيها الآن ، حتى لا يبقى القضاة وحدهم ...تحت المجهر ، بل لا أتمنى لأحد أن يكون تحت مجهر من هذا النوع في ظل دولة الحق والقانون والرعاية الاجتماعية ، ويبقى استقلال القضاء ...هو الحل.


الدار البيضاء في 14 دجنبر 2012



الجمعة 28 ديسمبر 2012

تعليق جديد
Twitter