MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers



القضاء والدولة: وهم الإيديولوجيا السياسية وتأثيرها على إستقلال القضاء بالمغرب

     



أحمد السكسيوي
باحث في العلوم القانونية والقضائية
ومهتم بالبحث في القانون الإداري



القضاء والدولة: وهم الإيديولوجيا السياسية وتأثيرها على إستقلال القضاء بالمغرب
 
مقدمة

أنطلق لهاته المقالة من الملاحظات التالية:

الملاحظة الأولى: إن البناء الحقيقي للدولة يتأتى ببناء المؤسسات، وليست دولة يختلط بها الحابل بالنابل، وأن تكون هاته المؤسسات معلن عنها دستوريا، من خلال اختصاصاتها وعلاقتها بالمؤسسات الأخرى، وإضافة لوجود قانون حقيقي يضمن الحق.

الملاحظة الثانية: يعتبر المغرب دولة مؤسسات ودولة القانون والحق لكن المشكلة الأساسية هو إجاد تناغم حقيقي بين المكونات الثلاثة المذكورة، فالمؤسسة إما أن أنها لا تطبق القانون، أو أن القانون لا يضمن الحق، وبهذا يبقى الإصلاح في حلقة مفرغة، ونفس الشيء يعاني منه القضاء في إستقلاله عن السلطة الأخرى.

الملاحظة الثالثة: أنني لم أكن أعلم أنني سأباشر في كتابة جزء ثاني للمقالة التي سبقت وأن نشرتها في موقع العلوم القانونية بعنوان القضاء والدولة: إشكالية السلطة القضائية بالمغرب، وما أكتبه ألان إنما يشكل تكملة لسلسلة من المواقف الغاضبة تجاه وضعية القضاء المغربي، والذي لا نريده إلا أن يكون مستقلا، في أحكامه لا تملي عليه أي جهة كيف ما كان شأنها، لقد توفقنا في ما كتبناه في المقالة السابقة الذكر إلى محورين:

  الأول منه ذكرنا فيه مختلف الإشكالات التي يعاني منها الجسد القضائي، والتي تؤثر تأثيرا، واضحا في أن يصبح سلطة حقيقية وفاعلة، أهمها التبعية لوزارة العدل، كالسلطة تنفيذية، وإشكالية تنفيذ أحكامه وخصوصا من طرف الدولة.
  أما المحور الثاني، فتحدثنا فيه عن مختلف سبل الإصلاح، من خلال الاستقلال عن السلطة التنفيذية، ومراجعة وضعية القضاة، المادية والمعنوية.
 وما أكتبه اليوم فهو سيكون موضوعا تراكميا، بحيث نناقش في هاته المقالة إشكالية أخرى منطلقين مما استنتج في ما سبق، والسؤال المركزي الذي يتبادر إلى الذهن هو:

كيف يتعارض العمل السياسي بالعمل القضائي؟ وهل تؤثر الإيديولوجية السياسية على استقلالية القضاء؟

لكن قبل أن نناقش تأثير الإيديولوجية السياسية على إستقلال القضاء، فإننا وجب علينا أن نتناول وهم الإيديولوجيا بشكل عام، وكل ذلك نراعي فيه التصميم التالي:

المطلب الأول: وهم الأيديولوجيا السياسية بالمغرب.
    الفقرة الأولى: من الإيديولوجيا إلى الإيديولوجيا السياسية
    الفقرة الثانية: وهم الأيديولوجيا السياسية بالمغرب
المطلب الثاني: تأثير الأيديولوجيا السياسية على استقلال القضاء بالمغرب.
    الفقرة الأولى: السياسي وتسويق الوهم على حساب القضاء     
    الفقرة الثانية: أفاق تطوير العمل السياسي في أفق استقلال القضاء
 
 
 
المطلب الأول:
 وهم الأيديولوجيا السياسية بالمغرب

 
لقد اخترت هذا العنوان تعبيرا، عن الحالة المتردية التي وصلت إليها السياسة بالمغرب، فسدت السياسة، وفسد السياسيون، وانحرفت الأحزاب بالمغرب عن السكة الصحيحة، وإن الغرض الوحيد من الأحزاب هي تمثيل إرادة الأمة، وليس اللعب بأوراق صفراء، وكلام خشبي، ليس له من الصحة بالمكان، وأضحى الانتفاع الشخصي هدف السياسي، هذا الانتفاع يمكن التمييز فيه بين المالي والفكري، وإن هذا الأخير لأصعب وأخطر على مجتمعنا وبلدنا، ويرتبط بما يسميه الأكاديميون والمفكرون والسياسيون بالأيديولوجيا السياسية.
 
    الفقرة الأولى: من الإيديولوجيا إلى الإيديولوجيا السياسية

 أولا: مفهوم الأيديولوجيا وتاريخها.

أول من وضع مفهوم الأيديولوجيا هو الفيلسوف الفرنسي ديتوت دى تراسي tracy De 1754 - 1836. وكلمة  أيديولوجيا Ideology كلمة يونانية تتكون من مقطعين ، المقطع الأول Idea ويعنى الفكرة والمقطع الثاني Logos يعني العلم فتكون  الترجمة الحرفية ( علم الأفكار) وقد تأثر دي تراسي بنظرية الفيلسوف الإنجليزي جون لوك التجريبية، كما تأثر بمذهب الفيلسوف الفرنسي كوندياك الذي يرد كل معرفة أو إدراك إلى أصول حسية بحت"[1].
والإيديولوجيا هي علم الأفكار وأصبحت تطلق الآن على علم الاجتماع السياسي تحديدا ومفهوم الإيديولوجيا مفهوم متعدد الاستخدامات والتعريفات، هي منظومة من الأفكار المرتبطة اجتماعيا بمجموعة اقتصادية أو سياسية أو عرقية أو غيرها، منظومة تعبر عن المصالح الواعية -بهذا المقدار أو ذاك- لهذه المجموعة، على شكل نزعة مضادة للتاريخ، ومقاومة للتغير، ومفككة للبنيات الكلية. إن الإيديولوجيا تشكل إذن التبلور النظري لشكل من أشكال الوعي الزائف[2].
 
ثانيا: الإيديولوجيا السياسية وحقيقتها

والأدلوجة في الميدان السياسي، هي مجموعة من القيم، والمبادئ والأهداف التي ينوي أن يقوم الحزب الفائز، بتنفيذها على أرض الواقع، وتحقيقها، لكن الطامة الكبرى والتي وقعنا فيها اليوم هي أن جل الأحزاب إستخدمت إيديولوجيات خاطئة وهمت الشعب بالأفعال وهمية نابعة من إيديولوجيتهم، لكن عند الفوز يفعل العكس، ولا يبقى إلى لغة الكلام، فيدخل عليها بعضا من الأيديولوجيا، لتعطينا كلاما خشبيا وهميا، يظلل به عامة الشعب، الغير واعي سياسيا، وهكذا رغم ما لم يحققه الحزب الحاكم من نجاح في تدبير الشأن العام، تجد البعض من الشعب، يدافعون عنه، وعند سؤالك له ما حجتك؟.
يقول لك وهو شبه متأكد أن الوزير الفلاني قال هذا الكلام، إن هذا الوزير بالطبيعة الحال لن يقوم بالانتقاد لفشلهم بل سيمدح، وهذا تلميعا لصورة الحزب، ومستخدما في ذلك لوهم الإيديولوجيا السياسية.
 
   الفقرة الثانية: وهم الأيديولوجيا السياسية بالمغرب.

إن الأيديولوجيا في الواقع وفي نظرنا المتواضع، كذب وتزييف للواقع وقلبه، من أجل إقناع الأخر بنقيض الواقع، فيتوهم الأخر بالعالم مزيف، غير ماهو موجود في الحقيقة.
ولن يمتلك قدرة على الإقناع إذا لم تتم إقامته على جسر «الانتقاء الأيديولوجي»، بحيث تعمل هنا آليات غير موضوعية وغير علمية في سبيل فرز الأولويات أولا وفي سبيل اتخاذ المواقف من المخالف والموالي ثانيا [3].
ويلاحظ أن الأحزاب السياسية بالمغرب، تستعمل الأيديولوجيا السياسية كثيرا، وبشكل مفرط جدا، حتى أصبح السياسي يمارس التضليل في خطابه أمام الأمة، إن الحديث عن الحكومة فهي مجرد أداة من المفترض أن يتحكم بها الشعب، من خلال تنزيل الأفكار التي نادى بها فلاسفة الأنوار، فالسيادة للشعب، وهذا ما يجب أن يكون، أما ماهو كائن في المغرب فإن السياسي يجمل قبحه، من خلال استعمال الأيديولوجيا السياسية وربط ممارساته بأفكار لا منطق لها، وهذا من أجل الإنتخابات التشريعية الأخرى، فتصبح ولايتهم الحكومية مجرد حملة انتخابية طويلة الأمد، لكن نحن لا ندعي أن الأيديولوجيا لا وجود لها، بل هي موجودة في كل عصر وفي كل زمان ومكان، رغم أنها كلمة دخيلة عن جميع اللغات[4].
وتتمظهر هذه الإيديولوجية الوهمية في تخلف الأحزاب سياسيا، فتفقد بذلك قيمتها، والتخلف عموما له مجموعة من الخصائص حصرها الأستاذ أسامة الغزالي حرب[5] في ثلاثة هي:
  • الخاصية الأولى: أن تخلف حقيقة كلية وشاملة، تتناول كافة جوانب ونواحي الحياة في المجتمع، ومن بين الأنواع نجد التخلف السياسي.
وقد عرف البعض التخلف السياسي بأنه تخلف بعض الأنظمة عن تحقيق أهداف الأمة[6]، وعموما يرتبط التخلف السياسي، بالتردي المنظومة القانونية، المتعلقة بالانتخابات، وكذلك ضعف الأحزاب السياسية، وهزالتها.
  • الخاصية الثانية: أن تخلف لا يمكن فصله عن السياق التاريخي، أي عن العوامل التاريخية والمؤثرة في تخلف أحد المجتمعات.
  • الخاصية الثالثة: أن فهم التخلف يستلزم ربطه بكل العلاقات التي تجمع بين المجتمع المتخلف والمحيط الدولي.
وإن أهم سبب لوجود التخلف السياسي هو عدم التصرف بالعقلانية في إتخاد القرار السياسي، وهذا يرتبط ويتعزز أساسا بتوظيف الأدلوجات السياسية، والتي هي عبارة عن مصلحة الأحزاب الحاكمة، كما تحدث عن هذا كارل منهايم.[7]
وهذا ما يلاحظ وبشكل متفشي في الحياة السياسة المغربية، تلك الحياة التي هي جسد بلا روح، إن هذا المنطق يجب أن يغير، وإلا سيقضي على كل المؤسسات، وكل ما حققه المغرب مع دستور 2011، من مؤسسات وحقوق وحريات إكتسبها الشعب المغربي، ومن بين ما سيتم التأثير عليه، هو إستقلال القضاء، وإكتسابه لصفة السلطة القضائية المعلن عنها في الدستور المغربي لفاتح يوليوز 2011. 
 
 
المطلب الثاني:
تأثير الأيديولوجيا السياسية على استقلال القضاء بالمغرب.

 
العدل أساس الملك، وتعتبر العدالة محورا أساسيا من أجل تحقيق دولة الحق بالقانون، وهكذا فإن المدخل الأساسي لتحقيقها هو السلطة القضائية لما لها من وسائل في بسط العدالة، وإحقاق الحق لأصحابه، لكن لا يمكن الوصول إلى هذا الهدف دون أن تقدم الدولة ضمانات أساسية وغير مزايدة فيها للقضاة، من خلال إستقلاله، ويعني هنا الإستقلال هو الفصل المرن عن كل من السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية، لكن بالمغرب الدولة تمارس نهجا معاكسا لوضع إستقلال القضاء على المحك وهو أمر غير معقول وغير مرغوب فيه، وهذا نابع بالأساس من خلال تسويق صورة خاطئة للمواطنين عن قضائهم، وهي إنما إيديولوجيا  وهمية يهيمن بها السياسي.
 
    الفقرة الأولى: السياسي وتسويق الوهم على حساب استقلال القضاء

من المعلوم أن السياسي عندما يفشل في تدبير ملف أو قطاع ما فإنه يبدأ في إستخدام خطاب يزين فيه أعماله، ويضع اللوم على الظروف أو الأسباب التي تعيق عمله، ولكن هذا الخطاب الأيديولوجي، لا يمكن قبوله على مستوى قضية إصلاح منظومة العدالة بالصفة عامة، وإستقلال القضاء على وجه الخصوص.
وهذا وإن القاضي المغربي خاضع خضوعا غير مرغوب فيه لوزارة العدل باعتبارها سلطة تنفيذية، ويمكن الاستدلال على ذلك بقول الأستاذ عبد العزيز بناني:
"... من الملامح الأساسية للدولة التسلطية خضوع قضاتها لسلطتها السياسية، من ثم فإنه لا يمكن الفصل بين الديمقراطية واستقلال القضاء عن السلطة السياسية..."[8]  
والغريب في الأمر أنه ليس هناك تحرك من طرف الشعب من أجل المطالبة بإستقلال القضاء عن السلطة التنفيذية، بحيث إن المواطن لا ملجأ له إلا القضاء من أجل أخد حقوقه، وهذا أمر لابد أن يدفعه لدفاع عنه.
 ويستنتج من خلال هذه الملاحظة ضعف الوعي القانوني عند المواطنين، وهذا الضعف ناتج بالأساس من التفكير السلبي للمواطن نحو القضاء، وإنطباعه نحو فساد القضاء، وهو أمر لا ننكره، كما هو الحال في جميع مجالات الحياة، لكن ليست بالصورة التي في ذهن المواطن المغربي.
 ويرجع في تقديرنا هذا التصور الذي يعتنقه الشعب عن فساد القضاء، هو تسويق إيديولوجي، يحاول أن يوهم المواطنين بأهمية محاربة الفساد القضائي، وإصلاحه وهي كلمات رنانة لا تمت للواقع بالصلة، وهي إنما لعبة سياسية لتضليل الشعب عن حقيقة قضائهم، وبذلك التحكم بالقضاء والقضاة، وإرسال التعليمات لهم كما هو الحال بالنسبة للنيابة العامة، والتي تملي عليها وزارة العدل المهام، وأعتبر هذا التسويق هو إستثمار سياسي على حساب جودة القضاء وإستقلاله، ومفهوم الإستقلال له دلالات واسعة، على مستوى إصدار الأحكام، وعدم خوف القاضي من أي جهة، ثم تحقيق بعض من مكتسباتهم الشخصية.
لكن الوضع المتواجد حاليا ومواقف وزير العدل من قضاة المغرب، تنبني على إديولوجيا سياسية مسوقة للشعب الغير واعي سياسيا وقانونيا، وينتج لنا هذا الأمر مجموعة من نتائج الخطيرة وتقضي على استقلال القضاء بالمغرب:
  1. وجود فساد في البلاد والذي يعمل القضاء في ظله متأثرا به ومؤثرا فيه والمتجسد في التعتر في تنزيل ما جاء به دستور 2011 على مستوى السلطة القضائية، وبذلك ينقصه التفعيل بدعوى محاربة فساد القضاة وتأديبهم من طرف وزارة العدل.
  2. عدم احترام السلطة التنفيذية لمبدأ سيادة القانون وأن بعض مسؤوليها النافدين يتدخلون، بكيفية مباشرة وغير مباشرة في أعمال السلطة القضائية ( الفصل 238 من القانون الجنائي يعاقب على هذا التدخل ).                     
  3. الحسابات المصلحية في تعيين القضاة وفي ترقيتهم، إدخال قضاة لا تتوفر فيهم الشروط الكافية الأمر الذي يسمح بالتسرب لمؤسسة القضاء وتحمل المسؤولية فيه لنوع من القضاة لا تتوفر فيه الكفاءة والنزاهة والجرأة الأدبية والشعور بالمسؤولية وبالأمانة المفروض توفرها في القضاة والتي من شانها أن تؤهلهم لمقاومة أي تدخل قد يمس باستقلالهم وبكرامتهم، بل أن بعض هذا النوع من القضاة، يستجيبون بصفة تلقائية لتوجهات الدولة وحتى في الحالات التي لا يتلقون فيها تعليمات بشأن ما يجب عليهم عمله[9].         
  4. تعمد الدولة في عدم توفير الإمكانيات المادية الكافية والبشرية المكونة التي من شأنها أن ترفع من حرمة القضاء وفعاليته وإنتاجه الكمي والنوعي ومن مناعته وحصانته وبالتالي من قدرته على مقاومة كافة الضغوطات والإغراءات.
 
 
الفقرة الثانية: أفاق تطوير العمل السياسي في أفق إستقلال القضاء

إن الحديث عن هاته الإشكالية، تستدعي منا أن نتطرق إلى الأفاق الممكنة من أجل الوصول إلى إصلاح سياسي قد يفيد في إستقلال القضاء.

أولا: سبل الإصلاح السياسي

الإصلاح لغة من فعل أصلح يصلح إصلاحًا، أي إزالة الفساد بين القوم، والتوفيق بينهم، وهو نقيض الفساد، فالإصلاح هو التغير إلى استقامة الحال على ما تدعو إليه الحكمة، ومن هذا التعريف يتبين أن كلمة إصلاح تطلق على ما هو مادي، وعلى ما هو معنوي، فالمقصود بالإصلاح من الناحية اللغوية، الانتقال أو التغير من حال إلى حال أحسن، أو التحول عن شيء الانصراف عنه إلى سواه[10].
والإصلاح السياسي جزء لا يتجزأ من الإصلاح العام، بل إن له موقع أساسي واستراتجي، على مستوى تحقيق رهانات دولة الحق بالقانون، والسبب في ذلك أن الممثل الأساسي للأمة هم الأحزاب السياسية والتي هي الجزء الذي لا يتجزأ من العمل السياسي، ثم إن نهج الدولة للديمقراطية التمثيلية يحتم عليها أن تصلح الحياة السياسية، ويبدأ الإصلاح في نظرنا من خلال النقط التالية:
أ: الإصلاح الدستوري: من خلال وضع سبل للمشاركة السياسية وترقية العمل الحزبي، بما في ذلك الانتخابات، وسبل تخليقها، ووضع أهم الركائز الأساسية للنظام السياسي للدولة.
ب: إصلاح مدونة الانتخابات: من أهم الإشكالات التي تعاني منها أهمها شروط الترشح، لما تشكلها الانتخابات من طقس ديمقراطي، من شأنه أن يوسع أو يقلص من المشاركة السياسية، من خلال الاعتماد القانون للظاهرة الانتخابية[11].
ج: إحترام السياسي لمفهوم المصلحة العامة: أي الوصول إلى ثقافة تحقيق المصلحة العامة، دون أي إنتفاع شخصي، عندما يصدر السياسي قرارا يستهدف منفعة شخصية، تضر بالمواطنين، وهذا مرتبط أساسا بعدم وجود النزاهة والعدالة، كيف يمكننا المنداة بالتحقيق العدالة القضائية؟، دون الحديث عن أي عدالة في تسيير الإدارات والتي أصبحت وبمرور الوقت قنطرة من أجل كسب الثروات.
ح: فصل السلط: أي توزيع السلطات الأساسية في الدولة على هيئات مختلفة بحيث لا يجب أن تتركز هذه السلطات في هيئة واحدة[12]، بما ينجم عن ذلك من آثار قانونية بالغة الخطورة، حيث إذا ثم احتكار السلط من طرف هيئة أو شخص واحد، سيتم الوقوع في التعسف، فلا يعقل أن يحاسب المشرع، وهو في حد ذاته القاضي والمنفذ للقانون.
 
ثانيا: أفق إستقلال القضاء بالمغرب

يحيلنا ما ذكرناه سابقا للفكرة الأساسية والتي تتمحور عليها كل الكتابات المهتمة بالشأن القضائي المغربي، وهي فكرة إصلاح منظومة العدالة، ومركز هذا الإصلاح هو إستقلال القضاء، عن كل ما يمكن أن يوجه إرادة القاضي وأن يقيد سلطته، وأبرز ما يمكن القول في هذا الباب.
   أن السياسي في إطار علاقته مع الشعب، أن لا يجعل من القضاء قنطرة للركوب فوقه، بل إن ثقافة إحترام القضاء ضرورية، كما أن التخلص من قبضة وزارة العدل أمر أساسي لإستقلال القضاء، بحيث تتخلص السلطة القضائية من تبعيتها للسلطة التنفيذية، وعدم تضييق الخناق على السادة القضاة، والمغرب صار في هذا التوجه من خلال التنصيص الدستوري على استقلال القضاء صراحة عن باقي السلط، وبإعادة النظر في تركيبة المجلس الأعلى للقضاء( المجلس الأعلى للسلطة القضائية ) وذلك بإلغاء عضوية وزير العدل في المجلس والتي كانت محل انتقاد باعتبار وزارة العدل مؤسسة تنفيذية ومن شان ذلك ان يؤثر على استقلال سلطة القضاء، هذا بالإضافة إلى بعض المبادئ والضمانات الدستورية التي من شانها تعزيز هذه الاستقلالية وترسيخها.[13] 
وليس هذا فحسب بل إن الاستقلال القضائي بمعناه الواسع يتجاوز كل ما ذكرناه سابقا، إلى الحديث عن حماية القاضي من أي إعتداء، جراء تنفيذ عمله، وتظهر أمامنا طريقتان لضمان ذلك الاستقلال:
الأولى، حماية القضاة من التهديد بالانتقام، وذلك حتى لا يؤثر الخوف في عملية اتخاذ قراراتهم.
والثانية، هي طريقة اختيار القضاة، وعملية تحديد المبادئ الأخلاقية المفروضة عليهم، على أساس منهجية تقلل إلى الحد الأدنى من خطر الفساد والتأثيرات الخارجية.[14]
ووجب كذلك التفكير في مجلس الدولة أو المحكمة الإدارية العليا لتتوج التنظيم القضائي وتقوي استقلالية السلطة القضائية، وتعزيز مراقبة أعمال الإدارة، لأن دولة الحق بالقانون يجب أن تراقب أعمالها أولا، قبل أي تقييد أو مراقبة لأفراد المجتمع، وليس هدا فحسب بل التوجه نحو تأسيس محكمة تجارية عليا توحد مختلف الاجتهادات القضائية في المادة التجارية، ومحاولة إجاد لبنات أساسية لتوزيع المحاكم التجارية و الإدارية، حتى يتمكن المتقاضون من الاستفادة من حق التقاضي، دون أي عناء مادي ومعنوي.

 
خلاصة واستنتاجات
 
رغم كل النداءات العالية التي تنتشر في الأفق، استنكارا للوضعية المزرية للقضاء بالمغرب، وضعية خلفتها مجموعة من الأسباب والتراكمات، التي جعلت القضاء المغربي يعيش مرحلة إنتقالية، أملا في تجاوز كل الكبوات، والسبب الأهم في نظرنا والذي يقيد إستقلال القضاء هي:
الإيديولجيا السياسية والتي ترهن إصلاح القضاء على حساب تلميع صورة الحكومات، وإستمرارية العمل السياسي، أرى أنه لا مجال للسياسية في تسيير القضاء والقضاء.
لذلك وجب التفكير جدريا إلى إصلاح القضاء وتسييره بعيدا عن العمل السياسي، فالأمر مهم ولا محيد عنه من اجل ضبط المجال الحساس، فأن نطلق على القضاء، السلطة القضائية، ومازالت وزارة العدل تدبره، هذا هراء وضحك على الذقون لا يمكن قبوله.
 
 
 
 
لائحة المراجع المعتمدة:
 
  • هنري ايكن، عصر الأيديولوجية، ترجمة فؤاد زكريا، مكتبة الأنجلو المصرية، 1963، ص 63.
 
  • أحمد أنور النظرية والمنهج في علم الاجتماع، محاضرات في كلية التربية جامعة عين شمس، غير مذكور   سنة الدراسة. ص: 3.
 
  • موقع ويكيبديا.
 
  • عبدالله بن بجاد العتيبي، مسارات الأيديولوجيا بين وهم التأويل وتأويل الوهم، منشور بالموقع جريدة الرياض: http://www.alriyadh.com
 
  • عبد الله العروي، مفهوم الأيديولوجيا، المركز الثقافي المغربي، الدار البيضاء، الطبعة الخامسة، 1993، ص: 9.
 
  • أسامة الغزالي حرب، الأحزاب السياسية في العالم الثالث، سلسلة عالم المعرفة، عدد 177، شتنبر 2009، ص:12
 
  • الندوة المنظمة من طرف مهرجان القرين في دورته العشرين بالكويت خلال الفترة الممتدة من 14 إلى 16 من يناير 2014، وخصصت لمناقشة موضوع " التخلف السياسي وأبعاده الحضارية "، نشر تقرير هذه الندوة عبر موقع اليوم: www.alyaum.com
 
  • كارل منهايم، الإديولوجيا والطوبى، ترجمة إنجليزية، نيويورك، 1936، ص: 44
 
  • عبد العزيز بناني، أزمة استقلال القضاء في المغرب... تحد خطير لدعم دولة القانون،  قدّمت خلال فعاليات مؤتمر “دور القضاة في الإصلاح السياسي في مصر والعالم العربي”، والذي نظّمه مركز القاهرة في الفترة من 1-3 إبريل (نيسان) 2006، جمعت في كتاب القضاء والإصلاح السياسي، تحرير نبيل عبد الفتاح، ص 545.
 
  • عبد الرحمن بن عمرو، إستقلال القضاء، منشورة في الحوار المتمدن-العدد: 987 - 2004 / 10 / 15 - 08:34.
 
  • سفيان فوكة ومليكة بوضياف، مداخلة بعنوان: الحكم الراشد والإستقرار السياسي ودوره في التنمية، غير مذكور الندوة أو المجلة التي تم الإعداد لصالحها، ص 2.
 
  • أحمد حضراني، القانون الدستوري والمؤسسات السياسية، المفاهيم الأساسية: الدولة والدستور والديمقراطية  واليات المشاركة السياسية، مطبعة سجلماسة، مكناس، الطبعة الثانية، 2010، ص: 338.
 
  • عبد الرزاق أيت مولاي، موقع النيابة العامة في استقلال السلطة القضائية، بحث مشروع نهاية الدراسة لنيل شهادة الإجازة، تخصص القانون الخاص، الكلية المتعددة التخصصات بأسفي، سنة الدراسية: 2012-2013، ص 13. 
  • مسعود كربوب، استقلال القضاء بين الاستقلال المؤسساتي والاستقلال الفردي، نشر في هسبريس يوم 16 - 02 – 2012
 

-ساندرا داي اوكونور، أهمية استقلال النظام القضائي، المنتدى القضائي العربي في المنامة، البحرين 15  أيلول/سبتمبر، 2003، ص 2 ومايلي.

 
 
 


 [1] لتوسع راجع:
  هنري ايكن، عصر الأيديولوجية، ترجمة فؤاد زكريا، مكتبة الأنجلو المصرية، 1963، ص 63.
  أحمد أنور النظرية والمنهج في علم الاجتماع، محاضرات في كلية التربية جامعة عين شمس، غير مذكور   سنة الدراسة. ص: 3.
[2] موقع ويكيبديا,
[3] عبدالله بن بجاد العتيبي، مسارات الأيديولوجيا بين وهم التأويل وتأويل الوهم، منشور بالموقع جريدة الرياض: http://www.alriyadh.com
[4] عبد الله العروي، مفهوم الأيديولوجيا، المركز الثقافي المغربي، الدار البيضاء، الطبعة الخامسة، 1993، ص: 9.
[5] أسامة الغزالي حرب، الأحزاب السياسية في العالم الثالث، سلسلة عالم المعرفة، عدد 177، شتنبر 2009، ص:12
[6] ورد هذا التعريف ضمن مقترحات الندوة المنظمة من طرف مهرجان القرين في دورته العشرين بالكويت خلال الفترة الممتدة من 14 إلى 16 من يناير 2014، وخصصت لمناقشة موضوع " التخلف السياسي وأبعاده الحضارية "، نشر تقرير هذه الندوة عبر موقع اليوم: www.alyaum.com
[7] كارل منهايم، الإديولوجيا والطوبى، ترجمة إنجليزية، نيويورك، 1936، ص: 44
[8]  عبد العزيز بناني، أزمة استقلال القضاء في المغرب... تحد خطير لدعم دولة القانون،  قدّمت خلال فعاليات مؤتمر “دور القضاة في الإصلاح السياسي في مصر والعالم العربي”، والذي نظّمه مركز القاهرة في الفترة من 1-3 إبريل (نيسان) 2006، جمعت في كتاب القضاء والإصلاح السياسي، تحرير نبيل عبد الفتاح، ص 545.
[9]  عبد الرحمن بن عمرو، إستقلال القضاء، منشورة في الحوار المتمدن-العدد: 987 - 2004 / 10 / 15 - 08:34.
[10] سفيان فوكة ومليكة بوضياف، مداخلة بعنوان: الحكم الراشد والإستقرار السياسي ودوره في التنمية، غير مذكور الندوة أو المجلة التي تم الإعداد لصالحها، ص 2.
[11]  أحمد حضراني، القانون الدستوري والمؤسسات السياسية، المفاهيم الأساسية: الدولة والدستور والديمقراطية  واليات المشاركة السياسية، مطبعة سجلماسة، مكناس، الطبعة الثانية، 2010، ص: 338.
[12] عبد الرزاق أيت مولاي، موقع النيابة العامة في استقلال السلطة القضائية، بحث مشروع نهاية الدراسة لنيل شهادة الإجازة، تخصص القانون الخاص، الكلية المتعددة التخصصات بأسفي، سنة الدراسية: 2012-2013، ص 13. 
[13] مسعود كربوب، استقلال القضاء بين الاستقلال المؤسساتي والاستقلال الفردي، نشر في هسبريس يوم 16 - 02 - 2012

[14] ساندرا داي اوكونور، أهمية استقلال النظام القضائي، المنتدى القضائي العربي في المنامة، البحرين 15  أيلول/سبتمبر، 2003، ص 2 ومايلي.




الاحد 12 أكتوبر 2014


1.أرسلت من قبل Imane Kacimi Alami في 12/10/2014 20:18
Je veux un sujet qui parle de la gouvernance

2.أرسلت من قبل Ahmed Qanouni في 12/10/2014 20:19

اشكركم على النشر اساتذتي الكرام

3.أرسلت من قبل Ali Zergou في 12/10/2014 20:19

الاصلاح الحقيقي يكون في اقرار دولة المؤسسات كما ان ا ستقلال السلطة القضائية يعدضمانة حقيقية لتحول ديمقراطي سليم وامن.ان ما يجعل مقولات الاصلاح واخص هنا ماسمي اصلاح منظومة العدالةموضع شك هو تقرير مؤسسة الوسيط والتي اعلنت صراحة ان الدولة تشكل عائقا كبيرا امام تنفيذ الاحكام القضائية المتعلقة بمؤسساتها وهو ما يضعف السلطة القضائية بل يضرب مصداقية التحول الديمقراطي المنشود التي تعلنه الدولة منذ مدة واعتباره خيارا لارجعة فيه في حين الواقع يبدو ابعد في الوقت الراهن من كل تلكم المقولات المرتبطة بالتحول المنشود.ومن تجربة شخصية كموظف بوزارة التجهيز فقد حصلت على جكم قضائي نهائي ومررت من كل درجات التقاضي كان اخرها حكم محكمة النقض في شهر06/2014 وقدكلفت مسطرة التقاضي 4 سنوات اي من1 نونبر2010.ولازلنا ننتظر تنفيذالقرارات القضاء في ظل حكومة تقول بالاصلاح و تقدم مشاريع لاصلاح منظومة العدالة.والغريب ان وزير التجهيز والنقل كان قد اصدر مذكرة في 2012 تؤكد على ضرورةتنفيذ الاحكام النهائية مما يطرح التساؤل حول جدية القرارات ذات التوجه الاصلاحي وما اذا كان ذلك في اطار الاستهلاك الخارجي الداخلي وتلميع الصورة للظهور بمظهر المصلح .خلاصة القول ان دولة المؤسسات هي الكفيلة بتثبيت دعائم الدولة وصمام امنها وامانها غير ذلك فالتجارب الانسانية لاتقدم سوى صور لماساة لن يتمناها اي احد .

تعليق جديد
Twitter