MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers



الضرورة الإستراتيجية للتنمية الإدارية كأساس للتنمية الشاملة

     

الباحث بليغ بشر

إشراف الدكتور: محمد يحيا



الضرورة الإستراتيجية للتنمية الإدارية كأساس للتنمية الشاملة
مقدمة

خلال منتصف القرن الماضي حدثت مرحلة هامة، نتيجة للتطورات الاقتصادية والاجتماعية التي أعقبت الحربين العالميتين، وحصول العديد من دول العالم الثالث على استقلالها، وجدت هذه الدول نفسها أمام تحديات ورهانات جديدة، حيث اتجهت أنظار هذه الدول إلى التنمية الشاملة، التي تشمل جميع قطاعات الدولة وأوجه نشاطها، وهو ما يتطلب من هذه الدول القيام بمجهودات كبيرة على كافة المستويات، مما جعل الإدارة في هذه الدول لا تكفي بمجرد القيام بالأدوار التقليدية للإدارة العامة المتمثلة في الحفاظ على النظام والأمن والصحة، بل جعلها تتصدى لاحتياجات جديدة وتتمثل في وظيفة الدولة المعاصرة، والتي تقوم على الكفاءة، إذا تعبأ كافة طاقتها البشرية والمادية وتوجهها نحو زيادة الإنتاج القومي، والتوسع في الخدمات العامة .
وتجدر الإشارة إليه أن الدول النامية ليست في وضع متماثل ذلك أن لكل دولة منها خصائص معينة تتمثل في إطارها الثقافي والذي يضم عناصر ومتغيرات عديدة تعليمية واقتصادية واجتماعية وتاريخية وغيرها، كما أن لكل دولة في درجة معينة من النمو، كما أنها ليست في وضع واحد تمتلك معه قدرات وأدوات محددة لتحقيق التنمية وقهر التخلف غير أن هناك يلاشك قاسم مشترك يجمع الدول التي في سبيل النمو ويتمثل في الآتي :
1- الرغبة في تحقيق التنمية.
2- الحاجة إلى جهاز إداري قادر على تحقيق التنمية.
3- الحاجة إلى عنصر إنساني مدرب وقادر على تحقيق أهداف إدارة التنمية.
4- ضرورة الوضوح الكامل أمام هذه الدول فيما يتعلق بالمرحلة التالية للنمو وإحداث التغير الاجتماعي المطلوب.
وهذا ما جعل هذه الإدارة تأخذ مسمى حديدا هو "إدارة التنمية"؛ لأن الجهاز الإداري في هذه الدول يقوم بدور متميز في إحداث التنمية، وتوفير أكبر قدر وأحسنه من الخدمات للمواطنين، بالإضافة إلى رفع الإنتاج ومستوى كفاءته.
ويصفها البعض الآخر بدولة الرفاهية ودولة الرخاء لأنها تهدف إلى رفاهية المواطنين ورخائهم.
وآخرون يسمونها دولة الإدارة؛ لأن الإدارة العامة هي أداة تحقيق هذه التنمية، إذ تقوم بتنظيم مشروعات التنمية في مختلف قطاعاتها وكافة صورها إعدادا وتنفيذا وتقويما.
وآخرون يسمونها "إدارة الخدمات"، وذلك نظرا لقيامها بتقديم الخدمات العامة إلى كافة المواطنين، بوصفها حقا لهم لا بوصفها إحسانا عليهم.
وإدارة الإنسانية: باعتبارها تتعامل مع المواطنين كبشر لهم مشاعر وأحاسيس ورغبات وتفضيلات ومطالب واجبة الإشباع، ويقوم الجهاز الإداري بدور رئيسي في عمليات التنمية في الدول النامية، ومعنى ذلك أن الجهاز الإداري هو أداة التنمية وأن ظهور مفهوم إدارة التنمية هو تعبير عن واقع الإدارة العامة في الدول النامية .
وهكذا فإن إدارة التنمية تختلف وتتميز عن الأوجه والاهتمامات الأخرى للإدارة العامة، ذلك أن "إدارة التنمية هي التعبير الذي يستخدم ليدل على مجموع وكالات وأجهزة وعمليات الإدارة التي تنشئها الحكومة لتحقيق أهدافها" .
وظهرت الدعوى إلى "إدارة التنمية" في الدول النامية بعد أن عجزت الإدارة العامة فيها، بشكلها التقليدي، عن القيام بأعباء ومتطلبات تنفيذ خطط التنمية المدعمة لاستقلالها السياسي.
فلقد أثبتت التجربة أن أداء مثل هذه المهمة الكبيرة والمتواصلة، تقتضي وجود إدارة فعالة، تقوم بتهيئة الموارد والمهارات البشرية والإمكانات المادية المتاحة، واستخدامها بأسلوب علمي منظم من أجل تحقيق التنمية القومية على أكمل وجه .
لكن رغم ذلك فإن إدارة التنمية ليست منفصلة تماما عن الإدارة العامة.
ويقول جورج – ف- جانت- إن إدارة التنمية ليست منفصلة تماما عن الإدارة العامة، وبعبارة أخرى فإن هناك تكاملا بين الاثنين ذلك أن "المحافظة على القانون والنظام وظيفة أساسية للحكومة وضرورية للتنمية، رغم أنها سابقة على تعريف إدارة التنمية وعادة ما تشمل عليها، وبالمثل فإن تقديم تلك الخدمات الضرورية مثل الطرق، نظم المواصلات والتسهيلات الصحية والتعليمية وكذلك والمياه وأجهزة المرافق الأخرى، وتحصيل الضرائب لا تختلف عن إدارة التنمية، لأنها كانت المسؤولية التقليدية للحكومة، ومع ذلك فإن شمول وفعالية هذه الخدمات تدعم وتقوي البيئة التنموية، كما أن تقديمها بدرجة كافية ضروري للتنمية .
إن أجهزة الإدارة الحكومية المركزية منها والمحلية، ومختلف منظماتها الإدارية العامة تشكل الأساس المادي والبشري والقانوني المنظم، الذي تعتمد عليه الدولة في ترجمة سياستها القومية الإنمائية بشكل مخطط.
وتؤدي الدولة دورها الريادي من خلال أجهزتها السياسية والتنفيذية والفنية، ممثلة في الوزارات والمصالح والمؤسسات والأجهزة الإدارية المحلية، وقد أصبحت السمة الأساسية اللازمة المميزة للدولة الحديثة "أنها دولة مؤسسات حيث أصبح بناء الدولة وتحقيق سبل النمو والتطور فيها يعتمد اعتمادا كليا على فعالية مؤسساتها السياسية الاقتصادية والاجتماعية .
وإذا كانت الإدارة الحكومية تبرز كأجهزة وهيئات تنفيذية بصفتها مؤسسات تترتب على قاعدة نفوذ الدولة وسلطتها، فمن الطبيعي أن تكون هذه المؤسسات مطالبة بحسن تنفيذ إرادة الدولة وتحقيق أهدافها الإنمائية، من خلال الاضطلاع بدورها المرسوم نتيجة التوزيع السليم للنشاطات فيما بينها، ضمن إطار خطط إستراتيجية متكاملة للتنمية.
إن الدولة اليوم من خلال الإدارة العامة لا تزال "تتموقع في قلب فضاءات التنمية ومجالات التطور فهي بالتأكيد نقطة لانطلاق التي يجب أن يمر منها مسلسل التنمية اعتبارا لمكانتها الواعدة في الحياة العامة .
وهذا الدور لا يحتاج إلى مزيد من الإيضاح والتأكيد، بل يكفي أن نورد هنا ما قاله أحد الخبراء الإداريين "إذا كان هناك عامل واحد أساسي لإطلاق قوى النمو الاقتصادي في المجتمعات المختلفة من العالم فإن هذا العامل هو الإدارة" .
هذا الدور التنموي للدولة الذي تمثله الإدارة العامة، وهو الجهاز التنفيذي للدولة، مازال مستمرا ولم يختف ذلك، أنه حتى في ظل تخلى الدولة عن تسيير العديد من المرافق، لصالح القطاع الخاص عن طريق الخوصصة أو طريق التدبير المفوض، فإن دور الدولة لا يزال حاضرا بقوة "فوظيفة الدولة ستظل طلائعية بالرغم من تخليها عن بعض الأنشطة الاقتصادية ، بل أن هذه التدخل للدولة في شتى الميادين يتعاظم يوما بعد يوم لدرجة أنه أصبح حقيقة لا تقبل المعارضة.
هذا الدور الذي تلعبه الإدارة العامة لا يقتصر على دول العالم الثالث، بل أن الدول الغربية أيضا لا تزال الإدارة العامة فيها الجهاز الأكثر تأثيرا في مختلف مجالات الحياة، فبرغم انخراط هذه الدول في نظام السوق، إلا أن دورها لا يزال جوهريا، فهي التي تسهر على تأطير الحياة الاقتصادية: تنظيم المنافسة، الاحتكار، حماية العمال، حماية حقوق الوطنية والمستثمرين المحليين، كما لا يخفى دورها الاجتماعي بل إن دورها في هذا المجال لا يمكن تعويضه: التضامن الاجتماعي، حماية ذوو الدخل المحدود، تكافؤ الفرض، محاربة الفقر...
وقد أكد هذا الدور خبراء الأمم المتحدة في إحدى التقارير الصادر عن الأمم المتحدة بعنوان "دور الإدارة العامة في التنمية"، حيث جاء فيه :
"من المؤكد أنها عندما تفشل الأسواق حتى في البلدان ذات التوجه القوى نحو السوق، أو عندما تؤدي الأسواق إلى نشوء مناخ غير صحي للعمل، يتعين على الإدارة العامة أن تضطلع بدورها في رسم السياسات والتنظيم والتوسط، فضلا عن ذلك، فإنه طالما توجد حاجة إلى تحديد مستقبل البلد من خلال عملية التنمية، والموازنة بين القيم المجتمعية السائدة والالتزام بالقيم الناشئة، سوف يكون للدولة وللإدارة دور هام .
ولما كانت تعتبر الإدارة بمثابة القطب الروحي في النظام الإنتاجي والاقتصادي لأي مجتمع كيفما كانت درجة تقدمه، فإنها بقدر ما تساهم في الدفع بعجلة التقدم نحو الأمام والرفع من درجات النمو حال تقدمها وتطورها، بقدر ما تكرس التبعية والتخلف وتدني مستويات العيش حال تعثرها وفشلها.
والدول المتخلفة تدخل في إطار الترتيب الاقتصادي العالمي الجديد، وهي في حاجة ماسة إلى الإدارة الكفؤة التي تفتقر إليها، ولا يمكنها الحصول على منافع أو تنظيم هذه المنافع إلا بالإدارة الجيدة.
هذا بالإضافة إلى أن هذه الدول المتخلفة في الوقت الذي تفتقر فيه في غياب تلك الإدارة اى الإدارة الكفؤة فإنها تواجه عوائق مالية وعجوزات في الميزانية، وإذا كانت هذه الدول غير قادرة على تطوير الإدارة والتغلب على العوائق والعجوزات، فإنها لن تحقق أهدافا فاعلة في هذا الترتيب العالمي الجديد وستتلاشى قدرتها على تحقيق أي منافع .
إن النظام الاقتصادي الجديد يؤكد على أهمية الإدارة، وهو في هذا السياق ينظر إلى أهمية الإدارة كمرتكز للإصلاح الاقتصادي وتصحيح الهياكل، والخصخصة، وتحسين الموازنة، بمعنى التغلب على العجوزان والديون.
ويؤكد صندوق النقد الدولي أن الدول المتخلفة: عليها أن تحسن الأداء الإداري والقدرة الإدارية لكي تعظم منافعها من النظام الاقتصادي العالمي الجديد، ويوضح أن العديد من الدول المتخلفة يفتقر إلى القدرة الإدارية، ويواجه عوائق مالية تتعلق بالموازنة، وأنه ما لم تقم الدول المتخلفة برفع قدرتها الإدارية وإصلاح وتحرير تجارتها خلال الفترات المحددة وفقا لاتفاقية الجات أو تحرير التجارة، فإن مقدرة هذه الدول على أداء دور فاعل لنظام التعامل التجاري المتعدد وقدرتها عل المشاركة في منافع النظام العالمي الاقتصادي العالمي الجديد تتلاشيان .
فالمطلوب من الجهاز الإداري لتحقيق دوره في إدارة التنمية أن يقوم بالدور الذي قامت به مؤسسات الأعمال في أوروبا في القرن قبل الماضي، وأن يقوم بدور شبيه بالدور الذي قامت به أجهزة الإدارة العامة السوفيتية في القرن الماضي.

وكما أكد على ذلك وزراء الوظيفة العمومية الأفارقة بطنجة، في أعقاب الانكباب على موضوع التعاون الإفريقي، في مجال الوظيفة العمومية والإصلاح الإداري، وبعد استعراض ودراسة مجمل القضايا التي يثيرها تسير المرافق العمومية في إفريقيا، وتدبير الموارد البشرية، والمحيط العام للإدارة "لهذا الغرض، يعتبر المؤتمر بأن أي تنمية اقتصادية واجتماعية مستديمة، ينبغي أن تستند إلى إدارة كفئة وفعالة ومسئولة" .
لقد أصبح من المؤكد اليوم أن رفع المستوى الاقتصادي والاجتماعي لدولة من الدول رهين بكفاءة وقدرات الإدارات العامة ، لأهميتها القصوى في تدبير الشأن العام في خضم التحولات التي ما فتئت تعرفها منظومة الإنتاج، ضمن محيط العولمة في أفق الألفية الثالثة فلسفة وتنظيما وأداءً.
صفوة القول إن الإدارة العامة هي الدعامة الأساسية للتنمية الشاملة، وإذا كان الأمر كذلك فإن هذه الإدارة بدورها في حاجة إلى تنمية إدارية، وذلك حتى تكون قادرة عن القيام بدورها التنموي.
فما مدى حاجة الإدارة إلى التنمية الإدارية؟

إن الدور الأساسي والهام الذي تلعبه الإدارة في عملية التنمية، يستلزم أن تكون هذه الأخيرة لديها القدرة الكافية والمؤهلات والإمكانيات اللازمة لإنجاح هذا الدور الهام .
لذلك يتحتم رفع مستوى كفاءة الجهاز الإداري للدولة، وتحقيق فعالية النمو والتطور أو بمعنى أدق يجب أن يكون الجهاز الإداري موضوع التنمية الإدارية ولا فسيبقى أسير التخلف وعاجزا عن إدارة التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
ولما كانت التنمية الإدارية تعني تطوير الجهاز الإداري، على صعيد الدولة والمنظمات (المؤسسات) و على رفع كفاءتها وفعاليتها، بالقدر اللازم، لتحقيق أهدافها الإنمائية، وتمكينها من تحمل أعباء تنفيذ خطط التنمية الشاملة، وزيادة تأثيرها في إحداث التغير، وإحراز التقدم الاقتصادي والاجتماعي المطلوب .
فمن الطبيعي ألا تستقيم هذه العلاقة، إلا إذا اكتسبت المؤسسات القدرة المطلوبة على التصدي لأوجه التخلف في بيئاتها، وذلك من خلال رفع مستوى نشاطها، وزيادة فعالية تنظيمها باستمرار، بما يخدم أفضل استثمار لطاقات العنصر البشري، وأرشد استخدام للإمكانات المادية المتاحة، وتحقيق حاجيات المجتمع، لقد أصبح من المؤكد اليوم أن رفع المستوى الاقتصادي والاجتماعي لدولة من الدول رهين بكفاءة وقدرات الإدارة العامة، لذلك تتطلع الدول النامية إلى وجود إدارة عمومية فعالة قادرة على تحقيق التنمية الشاملة والرفاه للمواطنين ،على أساس أن إصلاح الإدارة هو مفتاح لإصلاح الشمولي المتعلق بالقطاعات الحيوية الأخرى، وذلك من خلال إرساء دعائم إدارة حديثة فعالة في أدائها حريصة على مواردها، ودائمة الإنصات لمحيطها، فالعالم أصبح يفرض على المغرب واليمن مجهودا كبيرا لتقليص الهواة التي تفصله عن الدول المتقدمة ، وهذا لا يمكن أن يتم إلا بمعالجة محكمة لكل الاختلالات والنواقص المتراكمة.
وهذا بالطبع يتطلب من أية حكومة - أن تولي عنايتها لأهداف تنموية متعددة- وجود أجهزة إدارية فعالة وقوى عاملة مدربة ونظم مرنة لتتمكن الدولة من رسم خطط اقتصادية واجتماعية سليمة ومن ثم وضعها موضع التنفيذ .
كما أكد بذلك تقرير الأمم المتحدة للإصلاح الإداري في الدول النامية، الذي جاء فيه "إن السياسات التنموية الجيدة يمكن أن تفشل بالإدارة السيئة، والسياسات الضعيفة يمكن إنقاذها بالمديرين الأكفاء .
ونظرا لما للإدارة من تأثير مباشر على مسار التنمية الاقتصادية والاجتماعية، لابد لهذه الدول أن تولي الاهتمام اللازم لعمليات التنمية الإدارية، حتى تكون الإدارة قادرة على تحويل برامج وخطط وأهداف التنمية إلى حقائق الحياة في المجتمع .
إن قيام القطاع العام في الدولة المعاصرة – التي اتخذت الاتجاه الرأسمالي مسار لها- بدور فعال لتحقيق التنمية الشاملة سيما في الدول الآخذة بالنمو، يتحتم عليها الأخذ بأسباب التنمية الإدارية والإصلاح الإداري، وهذا يتطلب إتباع لأصول العلمية ولأساليب الفنية حتى تستطيع أن تكون الإدارة الأداة الفعالة لتحقيق هذه التنمية .
يتبين عن ذلك جليا أن التنمية الإدارية، ليس هدفا في حد ذاتها بل حاجة مستمرة تمليها ضرورات تحقيق أبعاد التنمية الشاملة الأخرى: السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ذلك أنها مترابطة فيما بينها ترابطا وثيقا، ويتطلب تحقيق أي منها تحقيق الأبعاد الأخرى من أجل تحقيق التنمية الشاملة.
إن أهمية التنمية الإدارية لتفعيل دور الإدارة، جعل العديد من الباحثين والمهتمين يؤكدون بشكل لا مواري فيه أنه يستحيل تحقيق التنمية بدون توفر تنمية إدارية، وأن التنمية الإدارية هي القاطرة التي يتم العبور منها نحو التنمية.
فما مفهوم التنمية الإدارية وبماذا تتميز عن المفاهيم الاخري المتشابة معها كالإصلاح الإداري والتطوير الإداري والنمو الإداري والثورة الإدارية ؟
تعتبر التنمية الإدارية من المفاهيم المستحثة في الإدارة، وهو مازال في طفولته المبكرة، ويحتاج إلى جهود علمية كبيرة لتأصيلية ولبحث كل الظواهر والنماذج المتعلقة بإدارة التنمية سواء هذه الدراسة على شكل حالات أم تأخذ شكل الدراسات المقارنة.
وقد يبدو المفهوم للوهلة الأولى، متداخلا أو حتى مرادفا – كما يتصور البعض- لكثير من المفاهيم الإدارية الأخرى مثل التطوير الإداري – النمو الإداري- الثورة الإدارية، إدارة التنمية، الإصلاح الإداري... الخ.
ويستخدم كل من هذه المفاهيم والمصطلحات للإشارة إلى موضوع واحد وهو إعادة تنظيم الجهاز الإداري للدولة لحل المشكلات التي تعترض إدارته للتنمية ،من أجل تحقيق المزيد من الكفاءة في أداء سياساته العامة للدولة .
كما يعني جميعا إحداث تغيرات إيجابية متفاوتة الأبعاد في الجهاز الإداري القائم، فهيا تتناول التنظيم والنظم أساليب العمل، سلوك العاملين واتجاهاتهم ... الخ.
إلا إن ما يميز التنمية الإدارية على المصطلحات المرادفة حجم ونوع وحدة التغير والتطوير، واستخدام وسائل وأساليب ذلك التغير،وتحقيق ما يتوخاة من أهداف، حيث إن هناك تسلسلا زمنيا لهذه العمليات ابتدئ من الإصلاح الإداري ثم التطوير الإداري ثم التحديث الإداري ثم التنمية الإدارية.

فتعرف التنمية الإدارية: كعملية شمولية ومستمرة تستهدف رفع كفاية الأداء وزيادة الإنتاجية في مجالات التنظيم الإداري وترقية العنصر البشري صقلا وتدريبا وتحفيزا .
ويعرف البعض التنمية الإدارية هي: الأنشطة والعمليات المستخدمة لاستثمار الموارد البشرية والمادية المتاحة بأساليب علمية في ضوء محددات ومعطيات الظروف البيئية المحيطة (أساسية واقتصادية واجتماعية وقانونية)، لتحقيق الأهداف العامة المتمثلة في توفير السلع والخدمات بالكم والنوع (كطلبات عامة للمجتمع) من قبل الجهاز الإداري للدولة، بعد إحداث التغيرات والتطويرات في الأنماط والضوابط السلوكية التي يتضمنها .
ويعرفها أبشر الطيب من خلال مناقشة لمصطلح التنمية الإدارية وإدارة التنمية إلى أن التنمية الإدارية هي:
"جهد هادف لتطوير وتنمية القدرات الإدارية، في المؤسسات والأجهزة المعنية بتنفيذ المشروعات الإنمائية، بالقدر الذي تصبح فيه "إدارة التنمية" ذات كفاءة وفعالية مميزة في تحديد الأهداف، واختيار البدائل، ورصد الأسبقيات اللازمة للخطط والبرامج الإنمائية، ووضعها على ضوء نظم متكاملة موضع التنفيذ الفعلي" .
وتبرز التنمية الإدارية هنا فيما يطرحه الدكتور "حسن أبشر" أكثر وضوحا وتكاملا وشمولا فهي:

- جهد هادف ومخطط ومبرمج، قائم على التنظيم والقيادة والتوجيه، والمتابعة والرقابة التقييم.
- تهدف إلى تنمية القدرات الإدارية (الهدف المباشر) في المؤسسات والأجهزة الإدارية بما يساعد على إبقائها في حالة كفاءة، وفعالية منطلق (الهدف الأساسي).
- تستوجب التفاعل الإيجابي مع الظروف والمتغيرات البيئة سواء كانت داخل المؤسسات أو خارجها.
- تؤكد ترشيد استخدام الإمكانات بفعالية في تحقيق الأهداف التنموية وإحداث التغير، والتطور المطلوب.

كل ذلك يحتم مواطنيه التنمية الإدارية، وهويتها وخصوصيتها، فهي غير قابلة للاستيراد، إذ يجب أن تتبع أساسا من الواقع موضوع التغير والتنمية، فتتوجه بما اكتسبته من معرفة علمية وعملية إلى إيجاد الحلول المثلى لمشاكله وتلبي متطلبات تقدمه، وتطوره تطويرا متكاملا .
ويعرفها الدكتور عمر صالح علي والأستاذة دلال بركات سعود التنمية الإدارية بأنها : "جملة من الجهود والتدابير الواعية، المخططة والمبرمجة التي تترجم من خلال النشاط المؤسسي إلى تنمية هادفة لقدرات ومهارات المسئولين: تخطيط وتنظيم وقيادة وتوجيه هذا النشاط ومتابعة تنفيذه، ومراقبة وتقويم أداءه، وتشغيله وتقييمة باستمرار، استجابة لحاجيات التنمية الشاملة في مختلف ميادين حياة المجتمع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية" .
ويلاحظ من التعريفات السابقة المذكورة انعكاس مدى اختلاف الكتاب والباحثين في تعريف التنمية الإدارية، ولقد سبقت الإشارة إلى بعض أسباب هذا الاختلاف، لا يمكن القطع بخطأ أي منها بشكل مطلق، باعتبارها زوايا رؤية متكاملة لتنمية الإدارية إذ يلقي كل منها الضوء على جانب معين أو أكثر من جوانبها، ويساعد على فهمها بدرجة أكمل وأشمل.
ومن التعريفات الشاملة التي أعطيت للتنمية الإدارية هي أن التنمية الإدارية : عملية تغير مستمر، مخطط، مبرمج، تتوجه وفقا لمنهاج محددة وبصورة منظمة، إلى تنمية القدرات الإدارية وتدعيمها بتطوير النظم والهياكل التنظيمية، وأساليب العمل، وصقل دوافع وسلوك العاملين واتجاهاتهم، ورفع مستواهم القيادي والوظيفي والثقافي، وخلف المناخ التنظيمي والاجتماعي الملائم للإبداع والابتكار، وحل المشاكل، وتعزيز الثقة المتبادلة والتعاون بين الأفراد وجماعات العمل، والتفاعل الإيجابي بين المؤسسات وبيئتها، بهدف تطوير الجهاز الإداري للانتقال به من حالته الراهنة إلى حالة مستقبلية، يصبح فيها أرفع كفاءة في أداء مهامه وممارسة وظائفه، ويصبح التنظيم أعلى فعالية في تحقيق أهدافه الإنمائية، وأوفر مقدرة على تحمل أعباء ومتطلبات تنفيذ خطط التنمية الشاملة، وأكثر تأثير في إحداث التغيير وإحراز التقدم الاقتصادي والاجتماعي المطلوب.
يمثل هذا المفهوم للتنمية الإدارية: كعملية تغير شاملة ومستمرة، وكأداة تنمية وتطوير، يتعين أن تسري روحها – أي روح التنمية الإدارية- في أوصال الوحدات التنظيمية في المجتمع المعين بصفة عامة والوحدات التابعة للدول بصفة خاصة.
وعلى أن لا يقتصر التنمية الإدارية على الإدارة العامة فحسب علما أنها وإدارة الأعمال متكاملتان وفق منظور التنمية الإدارية . فالتفاعل بين الجهاز الإداري، ووحدات القطاع العام، والمختلط والخاص قائم موضوعيا ومستمر في إطار المجتمع الواحد، وهذا يعني أن كلا منهما يشكل بطريقة أو بأخرى عنصرا من عناصر بيئة غيرها.

وهكذا يمكن من التعاريف السابقة أن نستنتج:
1- أن التنمية الإدارية هي عملية تغير مستمر ومخطط، باعتباره نتيجة لتلك الحركة الهادفة للتنمية.
2- إن التنمية الإدارية هي جهود مجتمعية متكاملة، تتمثل في نمو إداري مقصود لا يأتي من فراع، بل من القدرات المتجددة، المتطورة التي تنبع من نفس الواقع المراد إنماؤه، أي من الأجهزة الكيانات الإدارية في إطار علاقتها الدينامية مع بيئتها.

- إن التنمية الإدارية تعني تنمية القدرات الإدارية في أجهزة الدولة، ومؤسسات القطاع العام وغيرها، وتدعيمها بالمهارات والكفاءات الأدائية لدى جميع العاملين وفقا لاحتياجات العمل، إضافة إلى صقل دوافعهم، وتغير سلوكهم واتجاهاتهم، ورفع مستواهم الثقافي والتربوي والأخلاقي، وتعزيز كل ذلك تنظيم ديناميكية للتعين والترفيع والتقدم الوظيفي، وتقويم لأداء الحوافز المادية والمعنوية... بما يساعد على تعميق الشعور بالانتماء، ورفع درجة الرضاء عن العمل المؤدى، وترشيد استعمال الإمكانات المادية والبشرية المتاحة.
- إن التنمية الإدارية تعني تطوير الجهاز الإداري، على صعيد الدولة والمنظمات (المؤسسات) و رفع كفاءتها وفعاليتها بالقدر اللازم لتحقيق أهدافها الإنمائية، وتمكينها من تحمل أعباء تنفيذ خطة التنمية الشاملة وإحراز التقدم الاقتصادي والاجتماعي المطلوب.
-أن التنمية الإدارية تعني زيادة فعالية النشاط الاقتصادي والاجتماعي للدولة الأمر الذي يجعلها أكثر قدرة على التفاعل مع بيئتها الدولية المعاصرة.
- أن التنمية الإدارية تستهدف الارتفاع بمستوى الكفاءة الإنتاجية للعنصر البشري في المنظمة، ولن يتأتى لعمليات التنمية الشاملة أن ترقى إلى أهدافها من حيث الارتفاع المادي والمعنوي للمجتمع بدون إحداث تنمية إدارية، ومن أجل ذلك أصبحت تنمية الموارد البشرية واقتصاديات العمل مطلبا لا محيص عنه في أي عملية من عمليات التنمية.
ولما كانت تعتبر الإدارة بمثابة القطب الروحي في النظام الإنتاجي والاقتصادي لأي مجتمع كيفما كانت تقدمه، فإنها تساهم في الرفع بعجلة التقدم نحو الأمام والرفع من درجات التبعية والتخلف وتدني مستوى العيش حال تعثرها وفشلها .
فالتنمية الإدارية جزء أساسي من خطط التنمية ومحور فعال وبعد رئيسي في إستراتيجية التنمية الشاملة، فإستراتيجية التنمية الإدارية التي لابد من تبنيها ما هي سوى إستراتيجية جزئية من إستراتيجية أعم وأشمل هي الإستراتيجية التنموية الشاملة أو الكلية بأبعادها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإدارية والعلمية .
فعملية التنمية هي بطبيعتها عملية متطورة متعددة الجوانب والأبعاد والاختلال الحركي في أحد محاورها يحدث خللا جوهريا في نتائجها المرجوة.
وليس أدل على العلاقة الحقيقية بين التنمية الإدارية والتنمية الشاملة ما حققته دول كثيرة لا تملك موارد، لكن بفضل إدارتها الواعية والكفؤة حققت ركائز نمو عالية وارتفعت إلى درجات سلك التطور والحضارة في العالم وهي "اليابان، هولندا، ماليزيا...".
فالتنمية الإدارية أساس التنمية الشاملة

بناء على ما سبق يجب التعرف على أهمية الإصلاح الإداري للتحقيق التنمية الإدارية (المبحث الأول).ومداخل وأساليب التنمية الإدارية (المبحث الثاني).

المبحث الاول: أهمية الإصلاح الإداري للتحقيق التنمية الإدارية

يخرج المتأمل للدرس المستفاد من تجارب إصلاح الجهاز الحكومي في الدول الذي حققت قفزة تنموية كبرى، وتجارب الإصلاح الإداري التي لم تحقق نتائجها المرجوة، باستنتاج مؤداه أن إصلاح الجهاز الحكومي لكي ينجح ينبغي ألا يتحرك في فلك منفصل أو مستقل عن السياسات والبرامج التنموية وإلا فلن يكون لهذه الإصلاح توجها استراتيجيا، فغاية إصلاح الجهاز الحكومي ورسالته ينبغي أن تشتق من أولويات وبرامج الإستراتيجية التنموية. وهذه الأولويات والبرامج هي التي تحدد قطاعات الجهاز الحكومي الإجراء بالتطوير، وهي التي تحدد البرامج المستهدفة من هذا التطور.
ويكتسب إعطاء إصلاح الجهاز الحكومي توجها استراتيجيا أهمية كبرى في ظل التحولات في السياسات والإستراتيجية التنموية، وفي ظل برامج الإصلاح الاقتصادي التي تتضمن تفعيلا وتنشيطا لآليات السوق والقطاع الخاص.
وحينئذ يؤدي إصلاح الجهاز الحكومي دورا هاما في دعم التحول في السياسات الاقتصادية والتنموية، وفي تعزيز قدرة الجهاز الحكومي على إدارة هذه السياسات إدارة فعالة تقود إلى تحقيق غاياتها.
ونحن نحتاج إلى إصلاح الجهاز الحكومي إذا تبين لنا وجود مجموعة من المؤشرات السلبية في الجهاز الحكومي (المطلب الأول)، وانطلاقا من هذه المؤشرات يمكن لنا أن تحدد البدايات الإستراتيجية لإصلاح الجهاز الحكومي وأنواعها (المطلب الثاني).

المطلب الأول: المؤشرات الضرورية لوجود الإصلاح الإداري

نحن نحتاج إلى إصلاح الجهاز الحكومي إذا تبين لنا وجود مجموعة من المؤشرات السلبية الجهاز الحكومي منها العلاقة بين الإدارة والمواطن وتنظيم العمل والوسائل المستخدمة فيه (الفرع الأولى).وتزايد أعداد ونوعيات العناصر غير المناسبة ووجود عجز واضح في الموازنة العامة (الفرع الثاني).

الفرع الأول: مؤشر العلاقة بين الإدارة والمواطن وتنظيم العمل والوسائل المستخدمة فيه

إن المؤشرات الأولوية التي تؤكد أهمية وجود إصلاح إداري وتنمية إدارية، مؤشر العلاقة بين الإدارة والمواطن (ألفقرة الأولى)، ومؤشر تنظيم العمل والوسائل المستخدمة فيه (الفقر الثانية).

ألفقرة الأولى : مؤشر العلاقة بين الإدارة والمواطن

تختلف الإدارة العامة عن إدارة الأعمال بأنها معينة أكثر برضي المواطنين عموما، فهي لا تسعى للربح بل لتقديم الخدمات العامة بجودة عالية، وبطريقة مرضية للمواطنين، ولذلك فإن من بين الأساليب المتبعة لتقييم أداء الأجهزة الإدارية هي الاستبيانات التي يتم توزيعها على المستفيدين من خدمات هذه الأجهزة .
إن العديد من الانتقادات الموجهة للإدارة غالبا ما تكون مصدرها انكماش الإدارة على نفسها وعجزها عن التواصل مع محيطها والإنصات لانشغالات المتعاملين معها.
وقد يؤدي هذا الوضع إلى استفحال ظواهر سلبية تتمثل على الخصوص في اللامبالاة إزاء مصالح المواطنين وسوء استقبالهم وإرشادهم .
ومن هذا المنطلق فإن بعض المؤشرات التي تدل على نوع من الخلل في العلاقة بين الإدارة والمواطن ما يلي:
1- البطء في تقديم الخدمات وعدم تحديد مدة زمنية لإنجاز المعاملات.
2- تعدد الإجراءات وطول المسالك التي تمر فيها القرارات الإدارية وذلك بسبب تعدد الجهات اللازمة التي تمر المعاملات فيها.
3- غياب موظفي استقبال واستعلامات في الإدارات الحكومية والوزارات.
4- عدم الاهتمام بالعرائض والشكاوى التي يبديها المواطنون ووسائل الإعلام تجاه الأجهزة الإدارية وتجاه تصرفات بعض العاملين فيها.

الفقرة الثانية: تنظيم العمل والوسائل المستخدمة فيه


اتساقا مع الاتجاهات المعاصرة للإصلاح الإداري وحتمية الإدارية فإن تنظيم العمل والوسائل المستخدمة فيه تمثل عنصرا مهما من عناصر الإصلاح الإداري.
وتتمثل المظاهر السلبية المتصلة بتنظيم العمل بعدة أمور منها :

1- المركزية الشديدة في اتخاذ القرارات وتعدد المستويات الإدارية .
فكثيرا ما يلاحظ الموطنون الذين يترددون على الأجهزة الإدارية أن معظم القرارات سواء البسيطة أو الإستراتيجية منها لابد وأن تمر على قمة الهرم الإداري أو المستوى الإداري الأول.
وهذا يعطي عند المواطنين انطباعا بأن هناك بذخا وترفا في الدوائر الحكومية، وفي الوقت الذي لا يرى فيه المواطن ثمرة إيجابية لكثرة تعدد المستويات، بل يرى فيها سببا للتأخير في انجاز المعاملات وتعقيد إجراءاتها.

2- عدم وجود أدلة ترشد الموظفين حول الأمور التي تختص بها الدوائر الحكومية.

3- التداخل والازدواجية في عمل عديد من الأجهزة:
يتمثل التداخل بوجود أكثر من جهاز حكومي يعمل في نفس المجال، مما يعطي انطباعا لدى المواطنين بأن إنشاء هذه الأجهزة يتم لغايات وأهداف خاصة وليس لخدمة المواطنين وأنه كان من الأفضل لو تم حصر هذه الجهات المتعددة في جهة واحدة .

4- عدم الاهتمام الكافي بأمور التوثيق والسجلات:
ويفاجأ المواطن أحيانا لدى مراجعته لدائرة حكومية لانجاز معاملة ما أن كثيرا من سجلات ذات الأهمية بالنسبة له غير منظمة ومهملة أو مفقودة.
ويولد ذلك شعور لدى المواطن بالسخط والإحباط، ومن الأمثلة على ذلك ما قد يكون عليه حال دوائر الأحوال المدنية والجوازات، ودوائر تسجيل العقارات والأملاك، ودوائر الضريبية والجمارك... الخ.

الفرع الثاني: تزايد أعداد ونوعيات العناصر البشرية غير المناسبة ووجود عجز واضح في الموازنة العامة

من أهم المؤشرات السلبية والضرورية التي تستوجب إعادة النظر في أصلاح الإدارة العامة وتحقيق تنمية إدارية تزايد أعداد ونوعيات العناصر البشرية غير المناسبة ( الفقرة الاولى )، ووجود عجز واضح في الموازنة العامة للدولة (الفقرة الثانية).

الفقرة الاولى: تزايد أعداد ونوعيات العناصر البشرية غير المناسبة

إن أحد المظاهر السلبية في الأجهزة الحكومية الأعداد الكبيرة من الموظفين الموجودين في المكاتب، دون أن يكونوا عاكفين على العمل، بل منشغلين في أمور خاصة، كقراءة الصحف، شرب الشاي، إجراء اتصالات هاتفية خاصة، أو مجاملات فيما بينهم.
ويضاف إلى ذلك قد لا تتوفر في بعض الموظفين القدرة المطلوبة والكفاءة في انجاز المعاملات وقد يكون سببها ذاتية أو تنظيمية، وبالتالي يؤثر على كفاءة وسمعة الجهاز ككل، بل على سمعة كافة الأجهزة الحكومية.

الفقرة الثانية: وجود عجز واضح في الموازنة العامة للدولة

يتصل هذا العامل بالندرة المتزايدة للموارد المالية العامة، وزيادة الضغوط الاقتصادية على المواطنين والعاملين في الأجهزة الإدارية على حد سواء .
ويعد عجز الموازنة العامة للدولة من أهم المؤشرات التي يقاس بها الأداء المالي للدولة، وكلما استطعنا تخفيض هذا العجز إلى أقصى الحدود الممكنة كلما كان ذلك توجيها نحو المسار الصحيح لإصلاح المالية العامة للدولة.
إن تنمية الموارد العامة للدولة يعد العنصر الحاكم المكمل لعنصر ترشيد وضبط لإنفاق العام في منظومة السيطرة على عجز الموازنة العامة للدولة.
ولعل الديون الخارجية التي تتحملها دول كثيرة ذات أثر كبير على سياسات الإصلاح الإداري والاقتصادي في كثير من الدول النامية، فقد أصبحت الديون الدولية المتمثلة في القروض، وحتى الاستثمارات الخاصة مشروطة بقيام المدنية أو الراغبة في دخول الاستثمارات الأجنبية إليها، بإحداث صلاحيات إدارية واقتصادية كثيرة، تتناول الأنظمة الإدارية والتشريعات الضريبية وأسواق رأس المال، وحرية انتقال العملات ورؤوس الأموال .
لذا فإن البحث عن وسائل لترشيد الإنفاق العام، وكيفية الاستخدام الأمثل للمال العام، والعمل على تحقيق الفائض واستخدامه في مشاريع تنموية من خلال تحسين آليات العمل، وزيادة كفاءة العاملين، والحد من تضخم الأجهزة الحكومية والبحث عن وسائل تمكن الاقتصاديات الوطنية من البقاء والتطوير من أهم واجبات وأولويات التنمية الإدارية .

المطلب الثاني: البدايات الإستراتيجية لإصلاح وتنمية الجهاز الإداري وأنواعها

إذا كان الإصلاح الإداري يستهدف أساسا تنظيم الجهاز الإداري للدولة بشكل يحقق أهداف السياسة العامة للدولة كفاءة وفعالية ومن خلال التغير الشامل في سلوكيات العاملين وفهمهم بشكل يؤكد مفهوم الوظيفة العامة كخدمة أولا ومن تم يمتد ليشمل الجوانب الهيكلية والتشريعية لإحداث التغيرات السلوكية وتثبيتها ويعطي الأهمية اللازمة للعوامل السياسية والاجتماعية والثقافية باعتبارها مقومات المناخ الضروري لنجاح تلك التغييرات.
فإن هناك العديد من عناصر البدايات الإستراتيجية لإصلاح وتنمية الجهاز الإداري يجب التعرف عليها (الفرع الأول)،لنصل إلى عدد من أنواع البدائل الإستراتيجية لإصلاح الجهاز الإداري (الفرع الثاني).

الفرع الأول: الجوانب الأساسية وعناصر البدايات الإستراتيجية المقترحة لإصلاح وتنمية الجهاز الإداري الحكومي

اذا كانت التنمية الإدارية عملية شاملة مستمرة متكاملة فإن هناك خمسة جوانب أساسية تغطيها التنمية الإدارية (الفقرة الأولى )،وعدد من العناصر والبدايات الإستراتيجية المقترحة لإصلاح الجهاز الحكومي (الفقرة الثانية).

الفقرة الاولى: الجوانب الأساسية التي تغطيها التنمية الإدارية

تغطي التنمية الإدارية وطرائقها الجوانب الخمسة الآتية :

1- الجوانب الهيكلية والوظائفية

تتضمن هذه الجوانب عملية تطوير الهياكل التنظيمية والوظائف المتنوعة في المنظمات، وإعادة هندستها وتشكيلها بما يحقق الانسجام بينها وبين الأداء المطلوب، ويتم ذلك من خلال تحديد الصلاحيات والمسؤوليات والواجبات بشكل دقيق.

2- الجوانب الإنسانية:

وتتعلق هذه الجوانب بالمديرين العاملين في المنظمات، وقواعد وأسس تنميتهم، وتطويرهم وتدريبهم، بهدف زيادة مهاراتهم وكفاءاتهم الأدائية.

3- الجوانب الإجرائية:

يقصد بهذه الجوانب أدوات العمل والتنفيذ، وعملية تطوير وتحسين الأدوات، من خلال تطوير الطرق المؤدية لزيادة الأداء الإداري، وكفاءة النظام الإداري الموجود، وتحسين وتطوير نظم العمل بأشكالها المختلفة.

4- الجوانب التشريعية:

ويتعلق بتطوير الجوانب القانونية والتشريعية المتعلقة بالعمل الإداري، مما يسهل ويشجع الأداء وفق أسس قانونية وتشريعية سليمة.

5- الجوانب البيئية:

وتتعلق هذه الجوانب بالظروف البيئية المحيطة والقدرة على تطويرها وتحسينها بحيث تكون أكثر انسجاما وتناغما مع العمل الإداري، ويحقق التوازن والتطابق بين البيئة الداخلية للمنظمة والبيئة الخارجية المحيطة بها.

الفقرة الثانية: البدايات الإستراتيجية لإصلاح وتنمية الجهاز الإداري

فيما يلي عناصر البدايات الإستراتيجية المقترحة لإصلاح الجهاز الحكومي .

1- إعادة هيكلة الحكومة:
تمثل إعادة تطوير أدوار الحكومة، لكن تتلاءم مع الإستراتيجية التنموية والسياسات والبرامج المنبثقة عنها، نقطة بدء أساسية في إصلاح الجهاز الحكومي الذي يدعم هذه الإستراتيجية ويخدمها، فإعطاء القطاع الخاص دور أكبر في التنمية وتفعيل آليات السوق والمنافسة والاهتمام بالتصدير، يتطلب تقليصا لأدوار الحكومة في الإنتاج والإدارة المباشرة لمؤسسات الإنتاج، وتنمية لأدوارها في مجالات أخرى عديدة .
إن تنمية دور الحكومة في هذه المجالات لا يمكن أن يتم في ظل هيكلها وتنظيمها على ما هي عليه لذلك فإن إعادة تنظيم الحكومة هيكلها الوزاري العضوي، يصبح ضرورة لا غنى عنها، أما الهدف من إعادة تنظيم الحكومة فهو تمكينها من مباشرة مهامها وأعمالها في المجالات السالفة الذكر، فضلا عن تمكينها من تحقيق إدارة وتنسيق ومتابعة السياسات التنموية الرئيسية.

2- تطوير آليات عمل المراكز الإستراتيجية المسئولة عن السياسات التنموية.
لتحقيق إدارة فعالة للسياسات والبرامج التنموية، يتطلب الأمر أن يتم تطوير الهياكل التي تستخدمها المراكز العليا في الحكومة وتشمل هذه المراكز، واللجان الوزارية والمجالس العليا والوزراء .
ولعل أحد أبرز الآليات التنسيقية التي يستخدمها عديد من الدول المتقدمة، في هذا المجال، واستخدمتها اليابان منذ بداية تجربتها التنموية، كما استخدمتها النمور الأسيوية أيضا هي فرق ومجموعات المستشارين والخبراء متعددة التخصصات التي تكون بمجلس الوزراء، وتختص هذه الفرق والمجموعات بدعم المجلس وبتحليل المشكلات القومية القائمة والمتمثلة بدراسة المؤشرات والاتجاهات الاقتصادية والاجتماعية والتنموية... الخ، باقتراح وتحليل بدائل السياسات العامة، ومتابعة وتقيم نتائج السياسات والبرامج التنموية، وصياغة مشروعات القوانين التي تتقدم بها الحكومة وتعمل هذه الفرق بمثابة قوة وطاقة تحليلية وفكرية متعمقة تعزز عمل المراكز الإستراتيجية لصنع القرار.

3- مشاركة المؤسسات غير الحكومية في وضع السياسات التنموية
يخدم السياسات والبرامج التنموية ويدعم فعاليتها أن تشارك في صنعها مؤسسات القطاع الخاص والمؤسسات غير الحكومية التي تنعكس عليها هذه السياسات.
وتتمثل اتحادات المنتجين في قطاع الزراعة والغرف التجارية، والاتحادات الصناعية، وجمعيات رجال الأعمال، وجمعيات واتحادات المستهلكين أمثلة المؤسسات الحكومية التي تعتبر معينة بالسياسات التنموية.

فكلما تدخلت التنمية مع الاتجاهات الاجتماعية والشؤون المحلية ومعايير المعيشية، والحياة والتقاليد والأعراف الوطنية والمؤسسات الاجتماعية والمحلية التي تمس حقوق الناس ومستوى معيشتهم، رأت منظمات المجتمع المدني ضرورة التدخل - فمنظمات المجتمع المدني- تزيد المشاركة والتأثير في سياسة التنمية .
وقد اعتمد اليابان وسنغافورة وكوريا وماليزيا وتايلاند في الاعتماد على مجالس المشورة المختلطة، كآليات للتمازج والتداخل والتفاعل بين الأجهزة الحكومية ومؤسسات القطاع الخاص والمؤسسات غير الحكومية في رسم ومتابعة سياسات عامة رئيسية مثل سياسات الاستثمار، والتصدير، والسياسات الصناعية، وسياسات الأجور... الخ .
وتعتمد دولا عديدة لهذا الأسلوب لتوفير مشاركة للأطراف المعنية بالسياسات العامة كوسيلة لزيادة فعالية هذه السياسات وفرص نجاحها.

4- ضبط وتقليص حجم الجهاز الحكومي
يمثل الحجم الكلي للجهاز الحكومي أحد نقاط البدء الاستراتيجي في إصلاحه وتطوره، فالحجم الكلي للجهاز الحكومي، سواء قيس بعدد العاملين في الحكومة أو بحجم الموازنة العامة مقارنة بالقطاعات الأخرى، يعتبر مؤشرا هاما لتوازن توزيع الموارد على مستوى المجتمع، كما أنه يعتبر مقياسا لدرجة ضبط وكفاءة الجهاز الحكومي و ترهله وتضخمه، ويعتبر ضبط وتقليص حجم الجهاز الحكومي وسيلة لبداية السيطرة على أدائه، ولتحسين أوضاع ورواتب وحوافز العاملين فيه، وللقضاء على الهدر الكبير في موارد المجتمع المتمثل في البطالة المقنعة التي تحتويها أجهزتها .
لذلك يتضمن سياسات التصحيح الاقتصادي إعادة النظر في حجم الجهاز الحكومي، بتخفيض وضبط حجم هياكله الإدارية والوظيفية، وإيقاف المد التوسعي لهذه الهياكل وردها في اتجاه عكسي بحيث يتم الإبقاء على الضروري منها الذي يلزم لأداء أدوار الجهاز الحكومي بعد إعادة تشكيلها.

الفرع الثاني: أنواع وبدائل إستراتيجية الإصلاح الجهاز الإداري

إن التنمية الإدارية كما رأينا سابقا عملية مجتمعية يتم من خلالها زيادة كفاءة الجهاز الإداري الحكومي، والحد من تعقيد الإجراءات الحكومية وتبسيطها باستمرار الانتقال نحو الإدارة الحكومية الموجهة بالأداء، والتحول نحو الإدارة التخطيطية والوقائية وليس الإدارة العلاجية والإدارة بالأزمات، وتتوجه نحو تخفيف الهدر وتداخل الصلاحيات ونحو رفع مستوى الخدمات الحكومية ومستوى رضاء المواطن عنها
وانطلاقا من ذلك فإن بعض الكتاب في علم الادارة قد رسم استراتيجيات إصلاح الجهاز الحكومي من حيث درجة احتواء جهود وبرامج الإصلاح للعناصر الحرجة المحددة لأداء المنظمات الحكومية (الفقرة الأولى)، ودرجة شمول الإصلاح لمنظمات وقطاعات الجهاز الإداري للدولة (الفقرة الثانية ).

ألفقرة الأولى : درجة احتواء جهود وبرامج الإصلاح للعناصر الحرجة المحددة لأداء المنظمات الحكومية

فإستراتيجية الإصلاح يمكن أن تركز على عنصر واحد أو عناصر محدودة أو أن تشمل مختلف العناصر والعوامل الرئيسية التي تؤثر وتصب في فعالية الأداء.
ففي الحالة الأولى تكون إستراتيجية الإصلاح كثيرة و قاصرة، وفي الحالة الثانية تكون الإستراتيجية متكاملة، فإستراتيجية الإصلاح التي ترتكز على تطوير الهياكل التنظيمية والوظيفية الرسمية، وتهمل نظم الرواتب والحوافز ومهارات وممارسات العاملين، ونظم وممارسات التنسيق والرقابة وقياس الأداء... الخ، تعتبر استراتيجيات قاصرة مثلها مثل تلك التي تركز على عنصر من عناصر الأنظمة والممارسات وتهمل بقية العناصر الأخرى، وتعتبر هذة الاستراتيجيات القاصرة محدودة الأثر، لأن العنصر محل التطوير يتضافر مع عديد من العناصر الأخرى المكونة للنظام الكلي للأداء الإداري، فإنه مسه التطوير والتغيير دون بقية العناصر التي تتفاعل معها، فإن بقية العناصر التي لم يلحقها التطوير ستحيد على أقل تقدير.

الفقرة الثانية : درجة شمول الإصلاح لمنظمات وقطاعات الجهاز الإداري للدولة

فالتطوير بصرف النظر عما إذا كان يركز على عنصر واحد أو على مختلف العناصر الحرجة، يمكن أن ينصرف إلى عدد محدود من المنظمات، أو على قطاعات محدودة من الجهاز الإداري للدولة كما يمكن أن يشمل كل أو الجزء الأعظم من منظمات وقطاعات هذا الجهاز.
بناء على المعيارين السابقين يمكن التمييز بين أربعة بدائل إستراتيجية لنطاق الإصلاح كما يبين الجدول التالي :
عناصر الإصلاح الحرجة
القطاعات أو المنظمات المستهدفة الإصلاح القلة من العناصر أغلب العناصر
القلة من المنظمات أو القطاعات إستراتيجية الإصلاح الجزئي إستراتيجية الإصلاح القطاعي
كل أو أغلب المنظمات أو القطاعات إستراتيجية الإصلاح الأفقي إستراتيجية الإصلاح الشامل
ولعل الإطلاع على تجارب الإصلاح الإداري في الدول المختلفة الغربية منها الاشتراكية والنامية يبين لنا التمييز بين أربع استراتيجيات للإصلاح الإداري تتبع أو تعتمد بناءً على مدى نطاق شمول الإصلاح وازدواجيته .
" 
أ- إستراتيجية الإصلاح الجزئي "

وتمثل هذه الإستراتيجية جهود الإصلاح التطوير الإداري التي تنصب على قلة من العناصر المكونة للنظام الإداري الكلي، ويختار للتطوير الإداري فيها عدد محدود من المنظمات فقد يتم تبسيط إجراءات العمل، أو تطوير الهياكل التنظيمية والوظيفية، أو تدريب القيادات الإدارية... الخ، في عدد قليل من المنظمات الحكومية وتعتبر هذه الإستراتيجية من الاستراتيجيات القاصرة وهي أضيقها من حيث النطاق، فيتم استخدامها عندما تنبع جهود الإصلاح من داخل المنظمة ذاتها، في ظل غياب ضغوط الإصلاح أو ضعف ضغوط الإصلاح أو الرقابة من قبل جهات خارجية.
لذلك تأتي نتائجها في أضيق الحدود، ولخدمة مصالح واهتمامات ذاتية للمنظمة نفسها، والعاملين فيها ويمكن القول أن جزء كبير من جهود الإصلاح والتطوير التي تتم ذاتيا من داخل المنظمة الحكومية في البلاد العربية، تنطبق عليها ملامح ودوافع هذه الإستراتيجية ولأن هذه الإستراتيجية تركيز على قلة من العناصر فإن أثرها على تحسن مؤشرات فعالية الأداء لهذه المنظمات يكون بالتالي محدودا.

" ب- إستراتيجية الإصلاح الأفقي "

تمثل هذه الإستراتيجية جهود الإصلاح الإداري التي تنصب على قلة من العناصر المكونة للنظام الإداري، لكنها تطبق على كافة منظمات الجهاز الحكومي أو قطاعاته أو على أغلبها .
وتعتبر هذه الإستراتيجية من الاستراتيجيات القاصرة أيضا لأنها تركز على عنصر واحد أو قلة من العناصر فقط المكونة للنظام الإداري الكلي، ولا يشفع لجهود الإصلاح هنا كونها شملت الجزء الأغلب من منظمات أو قطاعات الجهاز الحكومي، فالتركيز على عنصر أو قلة من العناصر دون عناصر أخرى حرجة، يضع حدودا على الفعالية لا نهاية لجهود الإصلاح، حتى لو مست هذه الجهود أغلب منظمات الجهاز الحكومي .

" ج- إستراتيجية الإصلاح القطاعي "

تمثل هذه الإستراتيجية جهود الإصلاح التي تنتقي عددا محددا من المنظمات الحكومية، وتركز على متطلبات التطوير لرفع فعالية أدائها، فيتم بذلك تطوير مختلف العناصر الحرجة لأنظمة هذه المنظمات وممارستها، ونقطة البداية في صياغة هذه الإستراتيجية هي الأداء النهائي للمنظمات المستهدفة بالتطوير، لذلك فإن تحديد متطلبات التطوير يتوجه إلى مختلف العناصر الأساسية والحرجة ليشخص ما يعتري كلا منها من قصور أو ما يلزم تغيره فيها يساند التطوير اللازم في عنصر آخر .
ولهذا فإن هذه الإستراتيجية تعتبر نموذجا مصغرا للتطوير المتكامل في النظام الإداري للجهاز الحكومي ككل.
وهناك مداخل عملية مختلفة يمكن بمقتضاها الأخذ باستراتيجيات الإصلاح القطاعي وفيما يلي بعض مداخل الاستراتيجيات القطاعية :

1- مدخل المنظمات النواة:
وفي هذه الإستراتيجية يتم اختيار عدد محدود من المنظمات القائمة، لتكون نواة وتتم دراسة شاملة، ثم إجراء إصلاح كلي لأنظمتها وأوضاعها، وبناء على النجاح الذي يتحقق في هذه المنظمات النواة يتم التوسع في عينة الإصلاح باختيار منظمات أخرى تتوفر فيها مقومات النجاح التي تحققت في المنظمات الأولى وهكذا.

2- مدخل إنشاء منظمات جديدة موازية حول المنظمات المتعثرة
يتضمن هذا المدخل الالتفاف حول بعض المنظمات القائمة المتعثرة التي تردت أوضاعها، وتفاقمت مشكلاتها، بإنشاء منظمات جديدة موازية.
ويتم تعزيز المنظمات الجديدة بتنظيم وأوضاع جديدة، وبعناصر قيادية وعناصر عمالة توفر لها احتمالات قوية للنجاح، وفي الوقت نفسه الذي يتم فيه تعزيز كيان المنظمات الجديدة وتوفير سبيل نجاحها، يتم العمل على تصفية المنظمات القديمة وإنهاء أوضاعها تدريجيا، بسحب اختصاصاتها ونقلها إلى المنظمات الجديدة.

3- مدخل اختيار منظمات ناجحة وتعميم مقومات نجاحها
ويتم وفق هذا المدخل على اختيار منظمات وحالات نجاح قائمة بالفعل وفق معايير معينة من القطاع أو مجموعة المنظمات المراد إصلاحها، وتتم دراسة هذه المنظمات التي تمثل جزءا متميزة دراسة وافية للتعرف على مقومات نجاحها، ومن وواقع هذه الدراسة يتم تعميم مقومات النجاح هذه وتوفيرها للمنظمات الأخرى، وتعتمد فعالية هذا المدخل على معايير اختيار المنظمات الناجحة وعلى الدراسة التي تجرى لأوضاعها وممارستها وعوامل نجاحها ومدى استخدامها لمقومات بيئية إيجابية.

د- إستراتيجية الإصلاح الشامل

تمثل هذه الإستراتيجية جهود الإصلاح الإداري التي تتناول بالتطوير مختلف العناصر الحرجة للأنظمة والممارسات الإدارية، وذلك في كل أو أغلب قطاعات الجهاز الحكومي ومنظماته .
وتعتبر هذه الإستراتيجية بمثابة ثورة في أنظمة وممارسات الجهاز الحكومي إذا تم تطبيقية دفعت واحدة وعلى نطاق شامل، لذلك فإن نجاحها متوقف على توفر الدوافع السياسية اللازمة والمقومات المجتمعية الكلية التي تدعم وتؤازر إصلاح نظام إدارة الجهاز الحكومي ككل .
فنجاحها يتطلب فضلا عن تبني القيادة السياسية لهدف التغيير والتطوير الإداري الشامل، تطويرا في الدور الرقابي للمؤسسات التشريعية وغيرها من مؤسسات الرقابة الخارجية على الحكومة، وتغيرا وتصحيحا في توازنات القوى بين المؤسسات والسلطات في المجتمع، كما يتطلب تطوير أو تغيير في نظم التعليم، وكذلك تطويرا في البناء الاجتماعي، لذلك فإن احتمالات نجاح هذه الإستراتيجية تعتبر أقوى عندما يمر المجتمع ككل بعمليات تغير وتنمية مجتمعية شاملة.
إن الإصلاح الإداري في هذه الحالة يمثل مقوما رئيسيا لنجاح خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية ومن جانب آخر يكون نجاح الإصلاح الإداري رهينا بما يحدث من إصلاح وتنمية للجوانب المجتمعية الأخرى، السياسية والاجتماعية والاقتصادية كافة.

المبحث الثاني: مداخل وأساليب التنمية الإدارية


تختلف الظروف المحيطة بجهود التنمية ومقتضياتها، كما هو معروف من مجتمع لآخر، ومن مرحلة لمرحلة داخل المجتمع الواحد، وترتبط التنمية ارتباطا وثيقا بالمداخل المتعلقة بتحقيقها، ولهذا يقتضي الضرورة حسن اختيار هذه المداخل بما يتفق مع ضرورة وإمكانات كل دولة من الدول.
ويمكن تحديد مداخل التنمية الإدارية في عدد من المداخل الأساسية (المطلب الأول) وتحتاج التنمية الإدارية لكي تتحقق إلى أساليب متعددة، وتختار كل دولة ما تراه مناسبا من تلك الأساليب (المطلب الثاني) وتجدر الإشارة هنا مقدما إلى القول بأن التركيز على مدخل معين أو أسلوب معين لا يعني تجاهل غيره من المداخل، فكل المداخل والأساليب مترابطة ومتشابكة لتحقيق أهداف وغايات التنمية الإدارية.

المطلب الأول: مداخل التنمية الإدارية

يمكن تحديد مداخل التنمية الإدارية في مداخل رئيسية وهي المدخل السياسي والمدخل الإداري (ألفرع الأول)، والمدخل السلوكي والبيئي (الفرع الثاني).



الفرع الأول: المدخل السياسي والإداري للتنمية الإدارية


الفقرة الأولى: المدخل السياسي


وتعني هذه الوسيلة استخدام المدخل السياسي بشكل واسع ومطلق لأجل تنفيذ الإصلاح والتنمية الإدارية ويتم إتباع هذه الطريقة في مختلف الدول الغربية والاشتراكية والنامية، مع اختلاف الجهة التي تقوم باستخدامها فحسب .
وأمثلة استخدام الوسيلة السياسية كثيرة منها :
1- عمليات التطهير: أي مجموعة من القرارات السياسية التي تتضمن فصل بعض الشخصيات العامة، والقياديين ذوي المناصب الهامة من مراكزهم، بهدف إحداث صدمة إدارية في المجتمع، وفي محاولة تخليص الجهاز الإداري من عناصر تقليدية في تفكيرها، تعارض الممارسة الحديثة وتجاربها.
2- تكوين لجان التحري والاستقصاء والتفتيش والرقابة بقرار من السلطة السياسية العليا لبحث وتقديم الدراسات حول أمور إستراتيجية في منهجية التوجه السياسي العام والأمور الاقتصادية، وتفرعاتها الاجتماعية... الخ، وتقديم نتائج ما توصلت إليه وتوجيهاتها ومقترحاتها إلى السلطة التشريعية في وجهها السياسي والإداري والسلطة التنفيذية في وجهها الإداري.
3- إعادة تنظيم الجهاز الإداري للدولة بما يلاءم الأهداف المراد تحقيقها ورفده بقيادات جديدة ومستويات إدارية جديدة.
إن عملية الإصلاح والتنمية الإدارية بموجب هذا المدخل تأتي استجابة لقناعات السلطة العليا السياسية والنقابية والمجتمعية، نتيجة لشعور هذه الجهات بوجود عجز وقصور وخلل في النظام الإداري، لا يستطيع ممثلو هذه الأخيرة اكتشافه ومعالجته، أو قد يتجاهلون عن قصد خشية تعريضهم للمساءلة بكافة أشكالها .
والخلل والقصور في النظام الإداري يتم اكتشافه من قبل السلطات العليا نتيجة لعدم قدرة الجهاز الإداري على إعداد البرنامج والخطط التنموية وتنفيذها بكفاءة وفاعلية عالية مما ينعكس على مستويات الأداء وتراجع الإنتاجية وانخفاض معدلات النمو الاقتصادي وفي مستوى معيشة أفراد المجتمع وغير ذلك – بحيث تتحول المسألة إلى قضية سياسية- اجتماعية لا يمكن السكوت عنها ولابد من معالجتها.

الفقرة الثانية: المدخل الإداري:

يتميز المدخل الإداري بالعمومية والشمولية إلى حد كبير، ويتناول التنمية الإدارية بشكل مباشر من خلال إحداث تغيرات معينة في الجهاز الإداري المقصود تنمية، وتشمل هذه التغيرات الجوانب القانونية والتنظيمية والتكنولوجية باعتبارها أساس ديناميت الجهاز الإداري.
ويتضمن ثلاث اتجاهات رئيسية هي الاتجاه القانوني والاتجاه التنظيمي، والاتجاه التكنولوجي.

1 - الاتجاه القانوني أو التشريعي:
يعتمد هذا الاتجاه على أن السلوك الإداري هو قبل كل شيء تصرف قانوني، ومن هنا فإن أنصاره المتأثرين به، يؤكدون ضرورة البدء بتغير القوانين والتشريعات والنظم اللوائح فهي التي تضبط وتنظيم العمليات الإدارية، وتحدد مسارات العمل الإداري على قاعدة توضح المسؤوليات، وتقسيم الصلاحيات وتحديد السلطات بما يفيد تحقيق الأداء الإداري.
فالإدارة تستند، وفق هذا الاتجاه إلى قاعدة قانونية، ذلك أنها وهي تمارس حق اتخاذ القرارات والإجراءات التنفيذية، تستمد قوتها من الشرعية القانونية، وما الصلاحيات الممنوحة للمسئولين، من وجهة نظر التأثير على مجريات الأمور، إلا إحدى تجليات القانون، وكذا بالنسبة لتحديد الخطوط العريضة لسلوك كل هيئة حكومية، وفي إطارها لتحديد حقوق وواجبات العاملين بها، والعقوبات التي يمكن أن يتعرضوا لها في حالات معينة .
و"تكتسب عملية تحديث القوانين واللوائح ذات الصلة بالعمل الإداري، كمدخل للتنمية الإدارية، أهمية خاصة، فالإدارة، ونجاعة الإدارة العامة، تعتمد على تطبيق تلك القوانين اللوائح مما يجعل التشريع إطارا سياديا للإدارة .
وما لم تتسم القوانين واللوائح التنظيمية والإدارية بقدر من المرونة والشمول والتفاعل مع الواقع الفعلي للجميع، فإن التشريع يصبح قيدا من القيود، التي تكبل جهود التنمية الإدارية وتشد الإدارة للوراء.
ومما يلاحظ في البلدان النامية ومن بينها اليمن بصورة عامة، عجز القوانين والتشريعات واللوائح عن مواكبة التطورات التي تحدث فيها، وقد بلغ هذا العجز درجة، أصبحت هذه الدول أمام مشكلة تشريعية تعيق النمو الإداري وتصعب الطريق أمام الجهود لخلق تنمية إدارية حقيقية .
فالضعف الواضح في تطبيق القوانين واللوائح (وما يترتب على ذلك من استهتار وفساد في التطبيق) ظاهرة عامة في كثير من الدول النامية بما فيها الدول العربية، وأية محاولة لاحترام تطبيق هذه القوانين واللوائح قد لا تنجح إذا لم يسبقها ترشيد وتبسيط الكم الهائل من القواعد القائمة، والتي تراكمت عبر السنين وصدرت عن سياسات وإيديولوجيات متباينة ولم يعد لكثير منها أغراض اجتماعية واضحة .
لذا فإن ضبط وترشيد عملية التشريع تعتبر مطلبا حيويا لعملية التنمية الإدارية.
ويتخذ المدخل القانوني أشكالا متعددة كمطلب مسبق للتنمية الإدارية، ولعل أهمها يتمثل في :
- تعديل بعض القوانين بما يوفر لها المرونة والوضوح على نحو ما تقتضيه عملية التنمية الإدارية.
- إجراء تغير شامل للقوانين واللوائح الحالية إذا اقتضى الأمر ذلك.
- حذف القوانين القائمة التي لم يعد لوجودها مبرر.
- القضاء على التضارب بين القوانين واللوائح، بما يسهل التعامل معها، ويساعد على اتخاذ قرارات واضحة في المواقف الواحدة أو المتشابهة .
إن التقليل من أهمية دور القوانين والتشريعات التنظيمية والإدارية في ضبط وترشيد العملية الإدارية والتغيير الفعلي في زيادة كفاءة الجهاز الإداري وإنتاجيته، إنما هي قضية لا يرق إليها شك، ذلك أن التشريع هو أداة الإدارة، لا يمكن تصور إدارة أو تنمية إدارية دون وجود التشريعات أو اللوائح التي تضبط عملها، وتحدد نطاق المسؤولية فيها.
وعليه فإن إعادة النظر في القوانين والتشريعات، بغية تغيرها أو استبدالها أو تعديلها في حال تخلفها عن مواكبة مسيرة التنمية والتطوير، ينبغي أن تتم بكثير من الحيطة والحذر من أن يلامس الغاية المرجوة وهي تسهيل الأداء الإداري ورفع كفايته، لا الوصول إلى قوانين محكمة تتضمن أحكام الرقابة وتشددها.

2- الاتجاه التنظيمي:
يعتبر الاتجاه التنظيمي مدخلا من أكثر مداخل تحقيق التنمية الإدارية خصوبة وغنى، ويدل على ذلك تعدد المدارس التي تناولته والنظريات التي طرحت في إطاره، تأكيد لأهمية دور "التنظيم" في رفع كفاءة الإدارة وتحسين أدائها.
ويعني هذه الوسيلة أو الاتجاه تحرير أو تخفيف القيود المفروضة على النظام الإداري التي تعيق تطوره أو استجابته لمتطلبات التغير والتنمية، نظرا لكثرة القيود والأعراض التي تظهر في النظام الإداري وتمنعه من أداء مهامه، والتطور مع متطلبات العصر وظروف التنمية، منها: (المركزية، كثرة الاختناقات في العمل، الروتين، انخفاض الروح المعنوية للعاملين، ضعف علاقات التنسيق، انعزال المستويات التنظيمية عن بعضها البعض، ضعف المرونة في التنظيم الرسمي) .
كل ذلك يدفع باتجاه بناء الهياكل التنظيمية والوظيفة التي تحقق التفاعل والتنسيق وتوجيه النشاطات لتحقيق الأهداف الكلية.
ويعرف التنظيم على أنه: الوضع الذي تشكل فيه أي مجموعة بشرية لتحقيق غرض معين، وهي عبارة عن تنسيق الجهود والقدرات والمواهب البشرية في أي منظمة أو مؤسسة لتحقيق الأهداف وتنفيذ السياسات المرسومة بأقل التكاليف وبأقل قدر ممكن من التضارب والازدواج.
ويعرف وليام نيومان التنظيم بأنه يشمل تقسيم العمل الواجب تنفيذه في وظائف متفردة ثم تحديد العلاقات بين الأفراد الذين يشغلون الوظائف .
ومن هنا فإن أنصار الاتجاه التنظيمي يؤكدون على ضرورة البدء ببناء المؤسسات والأطر التنظيمية الجديدة، وإعادة بناء التنظيم الإداري بجميع وحداثة وأقسامه، لجعلها أكثر تخصصا من ناحية، ولإزالة الازدواجية والتضارب بين أعمالها ووظائفها من ناحية أخرى، بالإضافة التي تبسط أجزائها، وتنميط نظمها ووضع النماذج والمعدلات القياسية لتقويم الأداء وقياس العمل .
ويعتبر الهدف الأساسي من عملية التنظيم هو تصميم هيكل المنظمة وتشغيله، والتأكد من فعالية هذا الهيكل وكفاءته في تحقيق الأهداف المخططة.
وتنقسم عملية تصميم هيكل التنظيم إلى شقين هما:

1- إقامة هيكل التنظيم وهو جوهر عملية التنظيم وتلخص خطوات إقامة هيكل التنظيم في الآتي:
- تحديد الأهداف المراد تحقيقها بشكل شامل.
- تحديد الأنشطة اللازمة لتحقيق هذه الأهداف.
- تجميع هذه الأنشطة في مجموعة متجانسة تشمل كل منها وظيفة وتشكل كل مجموعة وظائف قسم وكل مجموعة أقسام إدارة لم تشجع تكوين علاقات العمل بين هذه الأقسام والأفراد الذين يشغلون هذه الوظائف .

2- تشغيل التنظيم: وهو يقوم على أساس الدراسة المستمرة للتنظيم القائم للتأكد من كفاءته في تحقيق الأهداف المرسومة وإدخال التعديلات المطلوبة والضرورية عليه سواء كانت تغيرات جزئية أو تغيرات شاملة .
ولكي يؤدي المدخل التنظيمي دوره بصورة أفضل في تحقيق التنمية الإدارية، يقترح أنصار هذه الاتجاه إحداث أجهزة إدارية متخصصة، يطلق عليها اسم جهاز التنظيم الإداري أو النظم والأساليب، وهذا يعني ضرورة إيجاد إدارة للنشاط التنظيمي، بما يساعد على التفاعل مع الأنشطة التي تتضمنها الاتجاهات والمداخل الأخرى للتنمية الإدارية في معالجتها لجوانب القصور في الجهاز الإداري عن كتب .
ومن هنا فإن الفكر التنظيمي، لم يعد حبيس إطاره التقليدي، بل تطور إلى إطاره الإنساني، وما ثم السلوكي، ومع تأكيده على أساسيات التنظيم الرسمي، صار يؤكد في الوقت نفسه على الإنسان الفرد والجماعة الصغيرة، و العلاقات الإنسانية السليمة ورفع الروح المعنوية، وظروف البيئة الداخلية بما فيها التنظيم غير الرسمي، وصار هذا المدخل يقترب أكثر من المدخل الإنساني.
إذاً يمكن القول هنا إن التغير في نظم العمل واللوائح والإجراءات والقيادات قد يسفر عن المزيد من البيروقراطية وتعقيد العمل إذا لم يكن مدروسا بشكل علمي، نظرا للتقارب الذي يمكن أن يظهر بين اللوائح والإجراءات، مما يؤدي في بعض الأحيان إلى الازدواجية، أو التناقض، كما أن الإسراف في تطبيق العلاقات الإنسانية، ومنح الحوافز دون دراسة كفاية، قد يؤدي إلى هبوط الإنتاجية وضياع الواجبات الأصلية.

3-الاتجاه التكنولوجي
ظهر الاتجاه التكنولوجي نتيجة للفكرة التي نبعث من برنامج المساعدات الفنية الذي تبنته الأمم المتحدة ومنظماتها المتخصصة خلال عقد الخمسينات، كانت تلك الفكرة تتضمن القول بأن المجتمعات النامية، بحكم ما عانته من سيطرة استعمارية وما ورثته من بدائية وتخلف، لن تكون قادرة على تحمل مسؤوليتها التنموية بالاعتماد على خبرتها الفنية المحدودة ، ونتيجة لذلك قامت الأمم المتحدة بالإسهام في إيصال ونقل الخبرات التقنية الفنية إلى مختلف بلدان العالم الثالث، هذا مع دعوة الدول الصناعية المتقدمة إلى زيادة مساعدتها ومساهمتها في الوقوف بجانب شعوب هذه البلدان، حتى تتمكن من تحقيق أهدافها التنموية .
والمدخل التكنولوجي أو ما يسمى الإدارة الالكترونية هي وسيلة لرفع أداء وكفاءة الحكومة وليست بديلا، عنها و تهدف إلى إنماء دورها وهي إدارة بلا ورق لأنها تستخدم الأرشيف الالكتروني والأدلة والمفكرات الالكترونية والرسائل الصوتية .
وجاء المدخل التكنولوجي نتيجة لما تطلبه اتساع أجهزة الإدارة العامة بمعظم بلدان العالم الثالث، وتضخم أعداد العاملين بهذه الأجهزة، وزيادة مواردها المالية مع ضرورة إتباع البرمجة الخطة وإعداد الموازنات المبرمجة واستخدام الكمبيوتر لتنظيم وإعداد أعمال الحفظ والتسجيل ملفات الموظفين وحساب رواتبهم،هذا بجانب حاجة معظم تلك البلدان إلى الاستعانة بالأساليب الكمية في إعداد دراسات الجدوى الاقتصادية، والقيام بتقويم المشروعات واستخراج معدلات النمو والحسابات القومية... الخ .
ولا يتسنى لهذه البلدان القيام بمثل هذه الأعمال دون استخدام التقنيات الالكترونية الحديثة والاستعانة بالأفراد المتخصصين في بحوث العمليات، وحساب التكلفة العائد، وهذا يساهم في تحقيق الأهداف المرجوة من خطط التنمية الإدارية .

الفرع الثاني: المدخل السلوكي والبيئي:

الفقرة الأولى: المدخل السلوكي

تعود أسباب ظهور هذا المدخل إلى الانتقادات التي وجهت للمداخل الأخرى، التي أكدت أن التنمية الإدارية لن تتحقق بمجرد تطوير القوانين والتشريعات القائمة، وإعادة بناء التنظيمات الإدارية الحالية، وتهيئة المناخ التنظيمي الملائم، واستحداث نظم حديثة للمعلومات والاتصالات، ما لم يرافق ذلك تغير جوهري لسلوكيات الأفراد العاملين داخل الجهاز الإداري.
فإذا كان العنصر البشري غير كفء يفتقد إلى التأهيل والتدريب فيكون هو نفسه مصدرا للأخطاء والمشاكل حتى ضمن كل الظروف الإيجابية الأخرى لذلك يجب تطوير العاملين وتأهيلهم إداريا وفنيا .
وكلمات أخرى لا يمكن تحقيق التنمية الإدارية دون إدارة مؤهلة وقادرة على إدارة هذه التنمية، فالتشريعات تبقى كلمات مكتوبة والتنظيمات هياكل مرسومة، لا تتفاعل، ولا تتحرك نحو الأهداف إلا بالقدر الذي يدفعه به العنصر البشري.
لهذا فإن المؤتمر الأول للتنمية الإدارية في الوطن العربي، الذي عقد في الرياض عام 1979، اعتبر تنمية المورد البشري المدخل الأساسي لتحقيق التنمية الإدارية .
وتتطلب تنمية هذه الموارد تحقيق أمور كثيرة أهمها :
1- ضرورة العناية بتحديد احتياجاتها من القوى العاملة على أساس موضوعية ودقيقة يعكس الاحتياج الفعلي لجهات الاستخدام.
2- ربط السياسات التربوية عامة وسياسات القبول في المؤسسات التعليمية والتدريبية بالاحتياجات المتوقعة من القوى العاملة، وتوجيه الطاقات الاستيعابية لهذه المؤسسات على أساس ذلك.
3- الاهتمام بتوزيع القوى العاملة أو إعادة توزيعها بالشكل الذي يتيح الاستغلال الأمثل للخبرات والكفاءات والمهارات المتاحة منها بما في ذلك إعادة النظر في سلم المهارات الفنية والإدارية.
4- العناية بتنظيم برامج تدريبية بهدف تنمية مهارات ومعارف العاملين في مجال إعداد وتنفيذ والتشغيل مشاريع خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
5- الأخذ بمبدأ التوصيف والمسألة للأعمال المختلفة لكي يتخذ أساسا العملية تقييم الأداء.
6- ربط الأجر والمرتبات بالإنتاجية.
ولذلك نحن نؤكد على ما يلي :
- إيجاد نظام فعال للحوافز يقوم على مبدأ الثواب والعقاب، ويهدف إلى تشجيع الموظفين على العمل لبلوغ معدلات الإنتاج المطلوبة بأقل تكلفة وقت ممكن.
- تقين عملية الاختيار والتعيين ودعمها بأساليب متطورة وتعين الحد الأدنى للمؤهلات العلمية والعملية والخبرات والتدريب وغيرها من الشروط اللازمة لشغل الوظيفة، وبالتالي الاختيار الأفضل والأكفاء من العناصر البشرية، لتعمل في الإدارة والمؤسسة.
- وضع نظام متطور وفعال للترقية والترفيع ويستند على أحدث الأساليب العملية، المتمثلة في تقارير الأداء الدورية، والاختبارات غيرها لترقية الموظف إلى مراكز أو منصب آخر، والتأكد من إمكانية نجاحه في هذه المركز.

الفقرة الثانية: المدخل البيئي

يقوم المدخل البيئي على أساس أن التنظيمات الإدارية هي نتاج البيئة التي توجد فيها، وبالتالي فإن النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعادات والتقاليد، والتي توارثها المجتمع المعين، لابد من أن تؤثر في التنظيمات العاملة فيها وتتأثر بها، والنظام الإداري الفعال هو الذي يتجاوب ويتفاعل مع الاعتبارات السابقة.
والاتجاه البيئي في الإدارة العامة يقوم على أساس الافتراض العلمي القائل بوجود علاقة عضوية بين الإدارة والوسط البيئي الذي تعمل فيه ، فهي جزء لا يتجزأ منه، وبالتالي فإنها تؤثر فيه وتتأثر به بصورة ديناميكية متفاعلة هذا وقد ابتدأت الدعوة إلى دراسة البيئة وأثرها في الإدارة سنة 1947 ثم تبلورت هذه الدعوة لمرحلة الدراسة والبحث .
والمتتبع لبيئة الإدارة والأعمال يجدها لم تتغير لعشرات السنوات إلا تغيرات بسيطة واستمرت ملامح البيئة لفترة طويلة من الزمان دون تفسير ملحوظ، إلا أننا في أواخر القرن العشرين وأوائل القرن الواحد والعشرين نشهد تغيرا ملحوظا في بيئة الإدارة والأعمال .
ويؤكد أنصار هذا المدخل أن أهداف التنمية الإدارية لا تتحقق بمجرد التغير في القوانين والتشريعات واللوائح، أو في الأطر الهياكل التنظيمية، أو قدرات ومهارات الأفراد، إذا لابد من وجود مؤسسات شرعية وهيآت ديمقراطية، وقيادات وطنية متفهمة وموارد اقتصادية ومعدات ومبادئ كافية، بالإضافة إلى المتغيرات الاجتماعية والقيم والتقاليد الإيجابية، التي تتيح الفرصة ممارسات الموضوعية واتخاذ القرارات الرشيدة، وهكذا يبرز المدخل البيئي التأثير المتبادل لعوامل ومتغيرات البيئة الخارجية والداخلية التي يعمل فيها الجهاز الإداري بكل منظماته ومؤسساته .
وترجع أهمية هذا المدخل في مجال دراسة التنمية الإدارية إلى أنه يركز على دور الظواهر المختلفة للبيئة، التي تنشأ وتطور في ظلها النظام الإداري، وتفاعل هذا النظام مع غيره من النظم الفرعية للنظام الاجتماعي العام، كالنظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي، وما لهما من تأثير كبير في تطوير الإدارة العامة.
بعد استعراضنا لهذه المداخل في مجال التنمية الإدارية فإنه من الضروري تحديد المدخل المناسب في المجتمع المعين، وبالتالي فإن من الضروري تكامل وتداخل هذه المداخل السابقة لترشيد العمل الإداري والوصول إلى تنمية إدارية قادرة على تحقيق التنمية الشاملة.

المطلب الثاني: أساليب التنمية الإدارية


بالإضافة للمداخل السابقة تحتاج التنمية الإدارية إلى أساليب متعددة لكي تتحقق وأهم هذه الأساليب هي أسلوب القائد الإداري والخبرات الأجنبية في التنمية الإدارية(الفرع الاول)، وأسلوب تشكيل لجان وهيأت وأجهزة متخصصة في التنمية الإدارية(الفرع الثاني).

الفرع ألأول: قيام القائد الإداري والخبرات الأجنبية في التنمية الإدارية

الفقرة الأولى: قيام القائد الإداري بالتنمية

يعتبر الاهتمام بالتنمية الإدارية من أهم واجبات القائد الإداري الأساسية، فهو يقوم بدور أساسي في تغير الاتجاهات السلوكية للعاملين في الجهاز الإداري ودفعهم للمشاركة من جهود التنمية الإدارية.
ولما كان الانجاز الإداري الفعال يؤثر بشكل أو بآخر على التنمية الاقتصادية، ولما كانت التنمية في أساسها في الخلق والإبداع، فإن التنمية الاقتصادية لا تعتمد على العمل ورأس المال فحسب بل أيضا على المهارة والنوعية والمعرفة واتجاهات القادة الذين يعطون للتنمية الحديثة إطارها وسلوكها .
لذا فإن من العوامل الرئيسية في نجاح عملية التنمية الإدارية وجود قيادة متطورة تؤمن بالتغير، وتعمل على إحداثه، وتعني أهداف الدولة وتؤمن بها، ولديها من الخبرة ما يجعلها رشيدة في اتخاذ القرارات، وحشد الجهود نحو المشاركة الفعالة على طريق تحقيق الانجازات المطلوبة .

الفقرة الثانية: الاستعانة بالخبراء الأجانب

هذا الأسلوب غالبا ما استخدمته الدول النامية، فهي تستعين بالخبرات والمعارف الأجنبية نظرا لشعورها بتفوق الدول الأخرى وعمق تجربتها وقدرتها، وهذا مما يمكنها من إيجاد الحلول السريعة، والطرق الأقصر زمنا والأقل كلفة بتطبيق الإصلاح الإداري وتنفيذه.

الفرع الثاني: تشكيل لجان وأجهزة متخصصة بالتنمية الإدارية

الفقرة الاولى: تشكيل اللجان المؤقتة والدائمة :

وتناط بمهام مهام دراسة الأوضاع الإدارية في الأجهزة الحكومية، وتقديم التوصيات لتطوير تلك الأجهزة، ويعتبر هذا الأسلوب من أكثر أساليب الإصلاح الإداري شيوعا وانتشارا في معظم الدول، حيث أن طريقها تشكيلها وتحديد اختصاصاتها والإمكانيات المتاحة لها تختلف من بلد لآخر .

الفقر الثانية: إنشاء أجهزة علمية متخصصة بالتنمية الإدارية:

تقوم معظم دول العالم بإنشاء هذه الأجهزة (كليات، معاهد، مراكز، مدارس...) وتوكل إليها مهام دراسة أو صناع الأجهزة الإدارية في الدولة،وتقديم التوصيات المناسبة لتطويرها، وإعادة تنظيمها، وتبسيط الإجراءات فيها، وتدريب الموظفين، ويعتبر هذا الأسلوب - نظرا للطابع المؤسسي لجهود التنمية الإدارية- من أفضل الأساليب لتحقيق تنمية إدارية حقيقية في الدول النامية .

الخلاصة

اذا كانت التنمية هي احاث مجموعة من المتغيرات الجذرية في مجتمع معين بهدف اكتساب ذلك المجتمع القدرة على التطور الذاتي المستمر بمعدل يضمن التحسين المستمر المتزايد لنوعية الحياة لكل فرد بمعنى زيادة قدرة المجتمع على الاستجابة للحاجيات الأساسية المتجددة لاعضاءة بالصورة التي تكفل زيادة درجة إشباع تلك الحاجيات عن طريق الترشيد المستمر لاستغلال الموارد المتاحة وحسن توزيع ذلك الاستغلال ،او هي النقلة النوعية والكيفية التي يحققها المجتمع من وضع إلى وضع أخر أفضل منة وفي جميع المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والإدارية وغيرها، إذ إن للتنمية إبعاد عديدة اقتصادية واجتماعية وسياسية وإدارية،
الا ان التنمية الشاملة لا يمكن تحقيقها الا عن طريق الإدارة ،فالإدارة هي المسئولة عن تحقيق التنمية الشاملة وهو ما جعل الإدارة تأخذ مسمى جديد هو إدارة التنمية لان الجهاز الإداري هو الذي يقوم بدور متميز في إحداث التنمية وتوفير اكبر قدر واحسنة من الخدمات للمواطنين ،بالاظافة إلى رفع الإنتاج ومستوى كفائتة،ويصفها البعض بدولة الرفاهية ودولة الإدارة،وإدارة الخدمات وإدارة الإنسانية.
إن الدور الأساسي الهام الذي تلعبه الإدارة في التنمية يستلزم ان تكون هذه الأخيرة لديها القدرة الكافية والمؤهلات والإمكانات اللازمة لإنجاح هذا الدور الهام،لذا حتم علينا رفع مستوى كفاءة الجهاز الإداري للدولة،والعمل على رفع كفائتها وفاعليتها بالقدر اللازم لتحقيق أهدافها الانمائية وتمكينها من تحمل أعباء تنفيذ خطط التنمية الشاملة وذلك عبر آليات التنمية الإدارية.
إن من بين المؤشرات الضرورية لوجود الإصلاح والتنمية الإدارية مؤشر العلاقة بين الإدارة والمواطن وتنظيم العمل والوسائل المستخدمة فية ،وتزايد إعداد ونوعيات العناصر البشرية الغير مناسبة ووجود عجز واضح في الموازنة العامة للدولة ،فالإصلاح الإداري والتنمية الإدارية تغطي جوانب أساسية وهامة واهمها الجوانب الهيكلية والوظيفية والجوانب الإجرائية والإنسانية وجوانب تشريعية وبيئية.
وبالتالي فان إعادة هيكلة الحكومة وتطوير اليات عمل المراكز الإستراتيجية المسئولة عن التنمية ومشاركة المجتمع المدني في وضع السياسات التنموية وضبط تقليص الجهاز الإداري من أهم البدايات الإستراتيجية لإصلاح وتنمية الجهاز الإداري للدولة.
وتتنوع بدائل إستراتيجية الإصلاح الإداري في الجهاز الإداري للدولة من بلد لأخر فقد تكون إستراتيجية الإصلاح جزائية آو إستراتيجية إصلاح أفقية وإستراتيجية إصلاح قطاعية، وإستراتيجية الإصلاح الشامل لجميع عناصر ووحدات الجهاز الإداري للدولة، وتعتمد التنمية الإدارية على عدد من المداخل أهمها المدخل السياسي والمدخل الإداري والمخل السلوكي والبيئي، وتختار التنمية الإدارية عددا من الأساليب فقد تختار أسلوب القيادة الإدارية والاستعانة بالخبرات الأجنبية في التنمية الإدارية او أسلوب تشكيل لجان وأجهزة متخصصة بالتنمية الإدارية..بالاظافة للعديد من الاستراتيجيات الهامة مثل التركيز على النواحي الرقابية و الوضوح والشفافية في عمل الأجهزة الإدارية والهندرة الإدارية ،والتأكيد على دور السياسة المالية في تحقيق التنمية الإدارية وهو مالا يسعفنا في هذا البحث التوسع في هذه السياسات..
لذا فصفوة القول أن الإدارة العامة هي الدعامة الأساسية للتنمية الشاملة وان أهمية التنمية الإدارية لتفعيل دور الإدارة جعل العديد من الباحثين والمهتمين يؤكدون بشكل لاموا ري فيه أنة يستحيل تحقيق التنمية بدون توفر تنمية إدارية ،وان التنمية الإدارية هي القاطرة التي يتم العبور منها نحو التنمية

النسخة الحاملة للهوامش




الخميس 14 فبراير 2013

تعليق جديد
Twitter