MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers





السلطة المالية للبرلمان المغربي.. حقيقة أم وهم

     

يونس مليح
أستاذ باحث بجامعة مولاي إسماعيل بمكناس



السلطة المالية للبرلمان المغربي.. حقيقة أم وهم
لابد في البداية من طرح تساؤل غاية في الأهمية حتى يتسنى لنا بطبيعة الحال معرفة الجواب بعد ذلك بالرغم من أن الجواب واضح، من يملك السلطة المالية ببلادنا؟ الجواب الذي يتبادر إلى الذهن هو أنه مشترك بين السلطتين التنفيذية والتشريعية. الواقع مختلف تماما. فهي أساسا في أيدي الحكومة.
فالقانون المالي يظل في الوضع الغالب قانونا حكوميا بامتياز، لأنه يعبر عن الإستراتيجية الحكومية في المجال المالي. وبذلك، يمتلك الجهاز التنفيذي، بمقتضى الدستور، أدوات التحكم في عمل البرلمان، مما يجعل العلاقة بينهما تتسم بهيمنة السلطة التنفيذية في مواجهة السلطة التشريعية، واحتكارها للمبادرة المالية.
وإذا كان قانون المالية يصدر عن البرلمان بالتصويت، فإن ممارسة البرلمان لهذه السلطة المالية تخضع لقيود عديدة تفرغها من الناحية العملية من مضمونها. لذا، فإن الاختصاص البرلماني يبقى نسبيا بالنظر لتعدد أنواع القيود التي تحد من إطلاقيته، ويمكن إبراز بعضها على النحو التالي: قيود الفصل 77 من الدستور؛ اقتراح مشروع قانون المالية؛ الحيز الزمني المخصص للمصادقة على المشروع؛ حق التعديل؛ تغيير محتوى الترخيص البرلماني. فهل السلطة المالية للبرلمان المغربي حقيقة، أم  أنها فقط وهم؟

أولا: قيود الفصل 77 من الدستور

على مستوى قيود الفصل 77 من الدستور، وضع الفصل 77 من الدستور نظاما قاسيا في موضوع قبول مقترحات وتعديلات البرلمانيين إذ نص على ما يلي:" إن المقترحات والتعديلات التي يتقدم بها أعضاء البرلمان ترفض إذا كان قبولها يؤدي بالنسبة للقانون المالي إما إلى تخفيض الموارد العمومية وإما إلى إحداث تكليف عمومي أو الزيادة في تكليف موجود". وهو اقتــداء بالقانــون الفرنســي.

ثانيا: اقتراح مشروع قانون المالية

كما أن الحكومة تحتكر مبادرة إعداد قوانين المالية، إذ لا تتحدث المقتضيات الدستورية والتنظيمية إلا عن "مشاريع قوانين المالية"، ولا تشير إلا مقترحات قوانين المالية المنبثقة من البرلمان. مما يعني أن قوانين المالية تكون "بالضرورة بمبادرة حكومية". فبخلاف المبدأ الدستوري القاضي بإمكانية تقديم كل من الحكومة والبرلمان لمشاريع واقتراحات القوانين، فإن القانون المالي السنوي، بخلاف باقي القوانين العادية، لا يملك البرلمان بشأنه صلاحية اقتراح مشروعه. مما يعني حرمان السلطة التشريعية من اختصاصها الأصلي المتمثل في الحق في اقتراح القوانين طبقا للفصل 78 من الدستور. وتبعا لذلك، تبرز هيمنة الحكومة على مسطرة إعداد مشروع قانون المالية للسنة، إضافة إلى وظيفتها الطبيعية في تنفيذ العمليات المالية المدرجة في قوانين المالية. ويتضح بالمقابل تجريد البرلمان من صلاحية من الصلاحيات التي تعد جزء من سلطته التشريعية، والمتمثلة في المبادرة إلى اقتراح التشريعات.

ثالثا: الحيز الزمني المخصص للمصادقة على المشروع

وعلى مستوى الحيز الزمني المخصص للمصادقة على المشروع، يتأطر مشروع قانون المالية السنوي بآجال زمنية لا يمكن تجاوزها، فبخلاف القوانين الأخرى تتوفر كل غرفة داخل البرلمان على أجل محدود لدراسة المشروع ومناقشته والبت فيه، بينما تتوفر الحكومة على الوقت الكافي الذي يمتد طيلة السنة للقيام بالإعداد المتأني لهذا المشروع.
وتجدر الإشارة إلى أن المشرع التنظيمي قد قلص الحيز الزمني المخصص لاعتماد مشروع قانون المالية للسنة، فبعد أن كان محددا في 70 يوما، أصبح في القانون التنظيمي للمالية الحالي محددا في 58 يوما. وهنا يطرح التساؤل عن مدى كفاية هذه المدة الزمنية لمناقشة وثيقة تتضمن التوجهات المالية والاقتصادية والاجتماعية التي سترهن مستقبل البلاد. وتعد خطة تتضمن السياسات العمومية والخطط التنموية والبرامج والمشاريع العمومية، وتهدف إلى تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية...

رابعا: حق التعديل

على مستوى حق التعديل، نظريا، إذا كان البرلمان لا يملك الحق في التقدم بمشروع القانون المالي السنوي، فدوره الاقتراحي يتجلى في إمكانية تعديله. ويتفرع حق التعديل عن حق البرلمانيين في المبادرة في التشريع. ويتجلى السند القانوني لحق التعديل في الفصل 83 من الدستور الذي ينص على ما يلي: "لأعضاء مجلسي البرلمان والحكومة حق التعديل". وعلى هذا النحو، يعتبر حق التعديل حقا دستوريا، ويعني هذا الحق أن البرلمانيين يمكنهم إدخال تغييرات على محتوى مشروع قانون المالية السنوي من خلال تعديل التقديرات المرصودة فيه سواء على مستوى الإيرادات أو النفقات.

لكن على مستوى الممارسة، فالحق في التعديل يعرف مجموعة من الحدود الدستورية والقانونية. وهكذا، تصطدم اقتراحات البرلمانيين بمقتضيات الفصل 77 من الدستور الذي يعطي الحكومة صلاحية واسعة في عدم قبول المقترحات أو التعديلات المقدمة من طرفهم إذا كان قبولها يؤدي إلى تخفيض الموارد العمومية، أو إحداث تكليف عمومي أو الزيادة في تكليف موجود. لذلك يتبين أن مقتضيات الفصل السابق تستهدف الحفاظ على التوازن المالي ضد رغبة البرلمانيين في تخفيض الضرائب أو زيادة الإنفاق. وعلى هذا الأساس، تتوفر الحكومة على سلاح يمكن أن تبالغ في استعماله بمبرر، أو بدون مبرر، لمنع أي نقاش أو مس بمحتوى مشاريعها. وتبعا لذلك، فالتطبيق الحرفي لهذا المقتضى الدستوري سيجعل المشروع الحكومي في المجال المالي في مأمن من أي إمكانية لتغيير محتوياته.

خامسا: تغيير محتوى الترخيص البرلماني

فضلا عن صلاحية الحكومة في فتح الاعتمادات اللازمة لسير المرافق العمومية، والقيام بالمهام المنوطة بها بمرسوم في حالة التأخر في التصويت على مشروع قانون المالية، فإنها تستطيع حتى بعد مصادقة البرلمان على المشروع أن تتدخل خلال السنة المالية قصد تصحيح بعض التدابير المالية بمقتضى مراسيم.
واستنادا لما سبق ذكره، يتبين أن الحكومة يمكنها خلال السنة المالية أن تغير محتوى الترخيص البرلماني بمجرد تدابير تنظيمية، مما يكشف عن الصلاحيات الواسعة للحكومة في مجال تغيير محتوى قانون المالية السنوي، وضعف ومحدودية الدور المالي للبرلمان.

سادسا: ضعف الاختصاص المالي للمؤسسة التشريعية

بناء على          ذلك، يتبين أن الاختصاص المالي للبرلمان تعتريه بعض النقائص تتمثل بالأساس في محدودية الدور البرلماني في المجال المالي خصوصا تلك القيود الدستورية المفروضة على المؤسسة التشريعية في المجال المالي لاسيما الفصل 70 و75 و82 و83 و103 من الدستور، وأيضا العديد من العراقيل القانونية والمادية والبشرية الأخرى، في مقابل احتكار الحكومة لآليات و وسائل العمل الضرورية مما انعكس سلبا على مستوى الأداء البرلماني في هذا المجال. فمسألة تقوية السلطة المالية للبرلمان يتطلب أيضا إصلاحا قانونيا ومؤسساتيا يستهدف الرفع من قدرات ومؤهلات البرلمانيين، خصوصا ما يتعلق بتواضع المستوى الثقافي والعلمي لأعضاء البرلمان وعدم تخصصهم الأمر الذي يساهم سلبا في عدم إغناء مضمون القانون المالي خصوصا على مستوى فهمهم وإلمامهم الجيد بالمجال المالي والضريبي التقنيين.

وتجدر الإشارة في النقطة المتعلقة بتكربس شفافية المعلومة المالية للبرلمان، فإنه في البرازيل مثلا، يوجد قسم أبحاث مؤلف من 35 متخصصا تحت تصرف لجنة التخطيط والميزانية والتدقيق البرلمانية، كما يوجد أيضا داخل مجلس النواب مكتب استشاري يعمل فيه 245 شخصا، 190 منهم مستشارون متخصصون في مجالات مختلفة من السياسة العامة. وفي الوقت نفسه، لدى مجلس الشيوخ أيضا خدمة الدعم الفني الخاصة به، والتي تتكون من 308 مستشارين. وكذلك الحال في المكسيك، حيث تم تعزيز القدرات البحثية والاستشارية اللازمة لتحليل الموازنة المستقلة منذ نهاية التسعينيات من خلال إنشاء مركز للدراسات المالية العامة (CEFP) في عام 1998 داخل مجلس النواب، يشكل هذا المركز نظاما واسعا يضم خدمة البحث والتحليل في المكتبة البرلمانية ومعهد البحوث التشريعية في مجلس الشيوخ بالبرلمان الذي أنشئ في عام 1985.

زيادة على أن أسلوب الاقتباس من النموذج الفرنسي المتبعة تجعل من القوانين التنظيمية للمالية المعتمدة ببلادنا ترتكز على مقتضيات ونقط أصبحت متجاوزة خصوصا في ظل ما أبانت عنه جائحة كورونا ولاتزال على مستوى ضعف الجانب المالي ببلادنا، الأمر الذي يجب معه اتباع منهجية جديدة في إصلاح القوانين التنظيمية لقانون المالية يكون أساسها الفعالية والنجاعة والشفافية والمساواة.
 
 
 
 



الاحد 9 أبريل 2023

عناوين أخرى
< >

الاربعاء 15 ماي 2024 - 01:09 الأرشيف العمومي ورهـان الاستدامـة


تعليق جديد
Twitter