MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers





التعويض عن الخطأ القضائي بناء على الفصل 122 من دستور 2011

     

الدكتور محمد لكموش
باحث في العلوم السياسية



التعويض عن الخطأ القضائي بناء على الفصل 122 من دستور 2011
 
أثيرت في الآونة الأخيرة مجموعة من الآراء حول مسؤولية الدولة عن الخطأ القضائي و كذا الدعاوي القضائية الرامية إلى المطالبة بالتعويض عن الخطأ القضائي، بناء على الفصل 122 من دستور فاتح يوليو 2011 الذي ينص على أنه " يحق لكل من تضرر من خطأ قضائي الحصول على تعويض تتحمله الدولة"؛

ولمعالجة هذه الإشكالية ارتأينا أن نتناول الخطأ القضائي المنصوص عليه في الفصل 122 من الدستور وفق ثلاث مستويات:

المستوى الأول: الخطأ في التشريع المغربي

يمكن مناقشة هذه الإشكالية وفقا لنقط التالية، من خلال:      

أولا: قراءة في الفصل 122 من دستور 2011 بين النسخة العربية و الفرنسية

بالرجوع إلى الفصل 122 من الدستور يتبين أن هناك فرق في صياغة الفصل بين النسختين العربية والفرنسية، إذفي النسخة العربية نجدها تتحدث عن الخطأ القضائي و ترجمته بالفرنسية هي
faute
و بين النسخة الفرنسية التي تتحدث عن الغلط 
les  dommages  causés  par  une  erreur  judicaire
غير أن المعتبر هي النسخة العربية و بالتالي فإن هذه المسألة ستطرح إشكالا على مستوى التعريف لكل من الغلط و الخطأ؛
فالغلط 
 erreur

في الأعم يكون ذاتيا، وحالته تتعلق بماديات العالم الخارجي المحسوسة و الملموسة لكونها انعكاسا لحالة الفهم الخاطئ لها، فمن المتوقع حصول خلط أو اختلاطا بين هذه الفكرة و أفكار أخرى كثيرة تحيط بها، كما ينتج الغلط عن قلة التمييز و ضعف الانتباه و قصور الذهن، و بشكل عام الغلط عيب في إرادة الشخص؛
أما الخطأ
faute
فهو ضد الصواب، و لا يكون إلا في الحكم لا في الأشياء، وهو فعل إرادي إيجابي، يصدر عن إرادة حرة، و يقول أرسطو في هذا الشأن بأن الخطأ و الصواب ليسا في الأشياء.   بل في الفكر، و يرجع ديكارت الخطأ إلى الاندفاع وعدم الروية في الحكم و عدم استقصاء الأوجه المختلفة للظاهرة أو الحادثة أو المسألة.

ثانيا: الاتجاه القائل بمسؤولية الدولة عن الخطأ القضائي

لقد شكلت نظرية مسؤولية الدولة وفق نظرية المخاطر، ثورة في مجال مسؤولية الإدارة عن  الخطأ وقد وجد القضاء تبريرات هذا التوجه في المسؤولية في قاعدة الغرم بالغنم و مبدأ المساواة أمام الاعباء العامة؛ و يقصد بالمسؤولية المبنية على أساس المخاطرة أن الإدارة مسؤولة عن الضرر الذي أصاب المضرور نتيجة قيام الإدارة بأعمالها حتى و لو لم يصدر منها أي خطأ، و على المضرور إثبات العلاقة السببية بين نشاط الإدارة و الضرر الذي أصابه دون حاجة الى إثبات خطأ الإدارة؛
و بذلك فإن أساس مسؤولية الادارة لم يبق محصورا في نطاق فكرة الخطأ فقط، بل أصبح من الممكن مساءلة الادارة على أساس نظرية المخاطر أو على أساس القانون مباشرة وهو اتجاه حديث من مسؤولية الادارة لا يستند إلى الخطأ و لا إلى المخاطر، و إنما يستند على القانون مباشرة، فالإدارة إذا كانت قادرة وفقا للقواعد المعمول بها، أن تنفي عن نفسها الخطأ أو تثبت عدم وجود علاقة سببية بين نشاطها و الاضرار الواقعة فإنها غير قادرة على استبعاد مسؤوليتها إذا كان مصدرها المباشر هو القانون.

ثالثا: الاتجاه القائل بعدم تقرير مسؤولية الدولة عن الخطأ القضائي

يستند هذا الاتجاه في تقرير عدم مسؤولية الدولة عن الخطأ القضائي على المبررات التالية:

أولا: استقلال السلطة القضائية

ومؤدى هذا المبرر أنه إذا كانت الادارة تسأل عن الأخطاء التي يرتكبها الموظفون أثناء قيامهم بالأعباء الموكلة إليهم، بسب بسلطة الرقابة و التوجيه التي تمارسها الدولة عليهم فإن القضاة مستقلون لا سلطان عليهم في تدبير ملفاتهم لغير القانون لذلك لا تسأل السلطة التنفيذية عن أعمالهم الخاطئة.

ثانيا: عرقلة سير مرفق القضاء

إن تقرير مسؤولية الدولة على أعمال القضاة سيؤدي الى عرقلة سير جهاز القضاء بسبب ما سينجم عن ذلك من خوف و تردد القضاة في إصدار الأحكام القضائية نتيجة شعوره بالمسؤولية المحيطة به، وإن كانت هذه الحجة تتعلق بمسؤولية القضاة الشخصية حيث يتعرضون لدفع التعويض من مالهم الخاص.

ثالثا: حجية الاحكام و قوة الشيء المقضيبه

إن الأحكام القضائية بحاجة الى الاستقرار في مرحلة معينة لتصبح عنوان الحقيقة فإذا سمحنا للأفراد بالمطالبة بالتعويض عن أحكام استقرت بحجة أنها خاطئة، فإن ذلك يكون بمثابة إثارة للنزاع من جديد و هذا يتعارض تماما و حجية الشيء المقضيبه.

رابعا: حالات تقنين المشرع المغربي لمسؤولية الدولة عن عمل قضاتها

و تتمثل في حالتين اثنتين:

الحالة الأولى: هي الحالة التي يمكن ان يُلجأ َفيه اإلى دعوى مخاصمة القضاة المنصوص عليها في المادة 391 من قانون المسطرة المدنية كادعاء ارتكاب تدليس أو غش أو غدر من طرف قاضي الحكم أثناء تهيئ القضية، أو الحكم فيها أو من طرف قاضي النيابة العامة أثناء قيامه بمهامه، أو إذا قضى نص تشريعي بمسؤولية القضاة يُستحق عنها تعويض، أو عند وجود إنكارالعدالة.
و تأسيسا على مقتضيات المادة 391 من المسطرة المدنية فان أعضاء النيابة العامة يمكن مساءلتهم عن الاعتقال الاحتياطي الذي يأمرون به شريطة أن يكون مقرونا بالتدليس أو الغش أو الغدر، بمعنى أنه في غير هذه الظروف لا يمكن مخاصمة أعضاء النيابة العامة أو مساءلتهم حتى و لو ارتكبوا خطأ في القانون أو اتسم عملهم بالتعسف أو التهور أدى إلى إيداع شخص رهن الاعتقال الاحتياطي بدون وجه حق؛

كما أن المجلس الأعلى سابقا محكمة النقض –حاليا- استبعد تكييف مسؤولية الدولة عن الأعمال القضائية بمقتضيات الفصل 79 من قانون الالتزامات و العقود، و قال إن المسؤولية المترتبة عن الأضرار الناجمة عن الأعمال القضائية تنظمها مقتضيات الفصل 391 من قانون المسطرة المدنية (قرار المجلس الأعلى عدد 101 الصادر بتاريخ 1972/5/24 وقرار 71/1972)؛

الحالة الثانية: و هي الحالة التي تكون فيها الدولة مسؤولة عن الأحكام الصادرة عن محاكمها، فهي الحالة التي نظمتها مقتضيات "مراجعة الأحكام" الواردة في قانون المسطرة الجنائية، إذ نصت المادة 573 من هذا القانون على أنه "يمكن استنادا إلى المقرر الجديد المترتبة عنه براءة المحكوم عليه، و بناء على طلبها لحكم له بتعويض عن الضرر الذي لحقه بسبب الإدانة".

المستوى الثاني: الخطأ القضائي في التجارب المقارنة

يمكن تناول الخطأ القضائي في النماذج المقارنة من خلال النموذج الفرنسي و الجزائري:

أولا: النموذج الفرنسي

لقد كان التشريع الفرنسي سباقا في مجال الاعتراف بالخطأ القضائي، إذ أصدرقانون 8 يونيو 1895 على إثر أحداث قضية
"Dreyfus"
،ثم توالت القضاي االت يبت فيها القضاء الفرنسي في اتجاه مسؤولية الدولة عن خطأ قضاتها، وهي حالات أدين فيها أبرياء، و برئ منها و أخلي فيها سبيل الجناة، و كمثال على ذلك القرار الصادر عن القضاء الإداري في القضية المشهورة   
Jean Marie Deveaux
الذي أدين فيها بريء سنة 1963 و حكم عليه بالسجن لمدة 20 سنة لاتهامه بقتل ابنة مشغله، وقد برئت ساحته سنة 1969 لظهور الجاني الحقيقي، وكذلك القرار الصادر في قضية
Roland Agret
التي أدين فيها شخص سنة 1973 وبرئ سنة 1985؛
و هي أحداث و قضايا اهتدى المشرع الفرنسي من خلالها إلى تقرير مسؤولية الدولة عن أخطاء القضاة بمقتضى قانون 17 يوليوز 1970، وتجد مسؤولية الدولة عن أخطاء القضاة أساسها القانوني في الفقرة الخامسة من المادة الخامسة من الاتفاقية الأوروبية لحقوقالإنسان،التيتعتبرأنالحقفيالتعويضعنالضررالحاصلمنجراءالاعتقالالاحتياطيهوحقواجب؛
ثم أخذ المشرع الفرنسي يتطور نحو الأحسن فخفف من الشروط التي وضعها قانون 1970، إذ صدر قانون آخر بتاريخ 5 يوليو 1972 الذي أدخل تعديلا على التنظيم القضائي الفرنسي و أجاز مسؤولية الدولة بتعويض الأضرار الناشئة عن الأداء المعيب لمرفق القضاء في حالتين فقط: هما الخطأ الجسيم و إنكار العدالة، ثم بعد ذلك صدر قانون 20 دجنبر 1996 الذي لم يعد يشترط أن يكون الضرر بالغا أو جسيما بدرجة غيرعادية، كما كان عليها لحال في قانون 1970؛
كما كان لأحكام المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان دورا مهما في الدفع بالقضاء الفرنسي لإصدار أحكام قضائية في مهل  معقولة، كحكم الجمعية العامة لمجلس الدولة الفرنسي الصادربتاريخ 28/06/2002 في الدعوى المقامة من وزير العدل على السيد Magiera طالباً إبطال القرارمحكمة الاستئناف الإدارية الذي حكم للسيد Magiera بالتعويض عن الضرر الناشئ بسبب انتظاره أكثرمن سبع سنوات و نصف حتى فصلت المحكمة الإدارية في الاستدعاء الذي تقدم به في شهر أيار من العام1990؛
واستند مجلس الدولة في حكمه إلى الفقرةالأولى من المادة السادسة من الاتفاقية الأوروبية لحماية حقوق الإنسان و الحريات الأساسية التي تنص على " أن لكل شخص الحق في أن تسمع دعواه هيئة محكمة بصورة عادلة و علانية و خلال مهلة معقولة، … "، و المادة 13 من هذه الاتفاقية التي تنص على أن:" لكل شخص تنتهك حقوقه و حرياته التي تكفلها هذه الاتفاقية، الحق في مراجعة مجدية أمام محكمة وطنية، حتى و لو كان هذا الانتهاك قد حصل عبر هيئة أثناء ممارستها وظائفها الرسمية"؛
و استنادا ًلما تنص عليه المادتين فإن للمتقاضين الحق في الحصول على أحكام في دعاويهم خلال مهل معقولة، وإلا فمن حقهم أن يحصلوا على تعويض عن الأضرار التي قد تلحقهم نتيجة السير الخاطئ للمرفق العام القضائي؛

ثانيا: النموذجا لجزائري

اهتم المشرع الجزائري بإقرار مبدأ التعويض عن الضرر الناتج عن القرارات غير العادلة، و ذلك وفق مبدأ مسؤولية الدولة عن أعمال السلطة القضائية و هو ما أقرته المادة 49 من دستور 1996، من خلال المواد 137 مكرر إلى 137 مكرر 14  من قانون العقوبات الجزائية؛
لقد أسس المشرع الجزائري هذه المسؤولية على نظرية المخاطر بدليل الفقرة الأولى من المادة 137 مكرر من قانون العقوبات الجزائية التي تنص على أنه: "يمكن أن يمنح تعويض للشخص الذي كان محل حبس مؤقت غير مبرر خلال متابعة جزائية انتهت في حقه بصدور قرار نهائي قضى بألا وجه للمتابعة أو البراءة إذا ألحق به الحبس ضررا ثابتا و متميزا"، فالمشرع لم يشترط إثبات الخطأ القضائي و لم يتطلب إثبات براءة طالب التعويض، و إنما اكتفي بصدور قرار نهائي بالبراءة، و توافر ضرر غير عادي و ذي جسامة معينة.

المستوى الثالث: وجهة نظرنا في الموضوع

يتضح وفق ما سلف بأن مجموعة من الدول اهتمت في تشريعاتها، بمبدأ التعويض عن الحبس المؤقت غير المبرر خصوصا بعد انعقاد المؤتمر الدولي السادس لقانون العقوبات، المنعقد بروما سنة  1953 حيث جاء في التوصية 17 منه على أنه:" يجب على الدولة تعويض المحبوس مؤقتا في حالة ارتكاب خطأ قضائي ظاهر، إذا كانت الظروف تشير إلى أن الحبس اكتسب صفة التعسف "،ذلك لأن الجهاز القضائي بوصفه مرفقا عاما يعمل لصالح الجماعة، فإن سبب ضررا خاصا بأحد أعضاءه في كون من العدل أن تتحمل الجماعة عبء تعويضه و عليه يكون بذلك للمحبوس خطأ الحق في التعويض بناء على الخطأ الاجتماعي الذي يتعرض له بوصفه فردا في الجماعة لا بسبب الخطأ في اتخاذ الإجراءات الجزائية ضده؛
كما وجب التأكيد على أن مبدأ عدم مسؤولية الدولة عن مرفق القضاء، لا يستمد جوهر قوته باعتباره سلطة، و إنما يجب أن ينظر إلى الإشكال من زاوية كون القضاء مظهر من مظاهر نشاط الدولة، و تسأل عنه الدولة كما تسأل عن مسؤوليتها عن نشاط السلطة التنفيذية؛
كما تشكل المبادئ السامية للعدالة، و قيم حقوق الإنسان، و المثل العليا، و أسس الديمقراطية، دوافعا تجعل من الضروري بأن يتدخل المشرع لتقرير مسؤولية الدولة عن أخطاء القضاة و لو ببعض القيود و ببعض الشروط و ذلك من باب العدالة؛
فالدستور المغربي يتعهد في ديباجته الالتزام باحترام حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دوليا، كما أن الحق في الحرية و الحياة و الكرامة يأتي في مقدمة هذه الحقوق، و المغرب ما فتئ يفي بالتزاماته الدولية، و التي من بينها أن يجعل تشريعه الداخلي يستجيب للمواثيق الدولية التي قبلها و صادق عليها بدون تحفظ، و منها العهد الدولي للحقوق المدنية و السياسية؛
و قد شكلت مصادقة المغرب على المادة 9 في فقرته االخامسة من الاتفاقية الدولية للحقوق المدنية و السياسية التي تنص على أنه: "لكل شخص كان ضحية توقيف أو اعتقال غير قانوني حق في الحصول على تعويض" و المنشورة بالجريدة الرسمية جزءا من التشريع الوطني و بالتالي أصبح واجب التطبيق طبقا لاتفاقية فيينا المؤرخة في 23 ماي 1969 التي تجعل الاتفاقية المصادق عليها تعلو النصوص القانونية الوطنية؛
إلا أنه مع تضارب الأحكام القضائية في مجال الاجتهاد القضائي، (حكم المحكمة الإدارية بالرباط عدد 3239 بتاريخ17/09/2012 القاضي بعدم الاختصاص النوعي للبت في الطلب)،  (و حكم المحكمة الإدارية بفاس عدد407 بتاريخ 28/09/2012 ،القاضي باختصاص المحكمة الإدارية نوعيا للبت في الطلب)، وأمام عدم تواتر أحكام قضائية بالقضاء المغربي قادرة على انتزاع أحقيتها للبت في مثل هذه الدعاوي، يمكن التفكير في وضع قانون يحدد مسؤولية الدولة وفق نظرية المخاطر التي لا تستند بالضرورة على وجود الخطأ القضائي، و إنما تستند على مبدأ المخاطر التي تنجم عن سير المرافق العامة للدولة، و هذا حفاظا على مصلحة الدولة من خلال عدم إظهار أخطاء السلطات العمومية و تعزيز ثقة شركائنا الأوربيين في قضائنا، ولن يتأت ذلك إلا من خلال تحريك العقل التشريعي المغربي قصد صياغة نص قانوني قد يحدث قفزة نوعية في مسار ترسيخ الحقوق والحريات ببلادنا؛
وفي الأخير وجب التنبيه إلى أن حالات الخطأ القضائي لا تقتصر على الاعتقال التحكمي أو التعسفي فقط، و إنما تشمل أيضا حالات الحق في إصدار أحكام قضائية في مهل معقولة و هو ما نص عليه الدستور المغربي في الفقرة الأولى من المادة 120 "لكل شخص الحق في محاكمة عادلة، و في حكم يصدر داخل أجل معقول"، زيادة على ضمانات المحاكمة العادلة حسب أحكام المحكمة الأوربية لحقوق الانسان المشار إليها أعلاه و ما نصت عليهالفقرة الأولى من المادة السادسة من الاتفاقية الأوربية لحماية حقوق الانسان و الحريات الأساسية.



الاربعاء 17 أبريل 2013

تعليق جديد
Twitter