MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers





نص الحوار التفصيلي والكامل الذي أجرته جريدة الصباح مع الدكتور محمد الهيني المستشار بالمحكمة الإدارية بالرباط

     



نص الحوار التفصيلي والكامل الذي أجرته جريدة الصباح مع الدكتور محمد الهيني المستشار بالمحكمة الإدارية بالرباط
1
- إثر ظهور نتائج المجلس الأعلى للقضاء أخيرا، قررتم وضع استقالتكم من جسم القضاء، لماذا؟


حينما يدان القاضي بناء على الأحكام التي أصدرها ضمن الهيئة القضائية التي يعمل بها  ولاسيما الأحكام الصادرة في قضايا محضر 20 يوليوز والأحكام الصادرة ضد وزارة العدل والمواقف الدستورية المتعلقة بالدفاع عن استقلال السلطة القضائية عن وزارة العدل ومطلب إحداث مجلس الدولة فإن الأمر يشكل انتهاكا دستوريا فاضحا لمبدأ استقلال القضاء ولحرية التعبير،وحينما تنعدم ابسط ضمانات المحاكمة العادلة المكرسة دستوريا ودوليا ومن بينها قرينة البراءة وحقوق الدفاع فلاشك أن ذلك يعتبر انتكاسة دستورية ومذبحة للقانون والقضاة بالمغرب تعود بنا لسنوات ما قبل هيئة الإنصاف والمصالحة لا يمكن السكوت عنها ، لاننا نفاجأ اليوم بمنحى تنقيبي و تفتيشي يطارد الكلمة ويهب صاحبها قربانا للتأديب بمتابعات مطاطة تستفيد من فراغ مهول في الأسانيد القانونية، والتمظهرات الواقعية لواجب الوقار والكرامة.
لقد بتنا نخاف من أن نتحول جميعا إلى وليمة لواجب الوقار والكرامة، مثلما بتنا نخشى أن تكون الوليمة مطبوخة على نار الانتقام. إذ لم يسبق أن عرف القضاء المغربي إحالات على خلفية الأفكار والمعتقدات كما هو الحال اليوم،فهل يعقل أن يتابع قاض عن ذكر إسم حيوان في خاطرة رغم أن الخاطرة  موضوع المتابعة عبارة عن تأملات تضمنت العديد من المواصفات التي يجب توفرها في المدير المنتظر تعيينه في إطار مبادئ الشفافية والحكامة طبقا للفصل 154 وما يليه من الدستور غير موجهة إطلاقا ونهائيا لأي شخص بعينه وأنه تم استعمال أساليب لغوية مجازية تعبر عن حالة  يعاني منها مشكل التعيين في المناصب العليا على مستوى المديريات المركزية .     لذلك ظلت الوقائع المشكلة للمخالفة التأديبية فارغة ؛ و سندها الظن والتخمين وتبتعد كليا عن الجزم واليقين ، وغير آبهة بكون "الحق في التغيير" أهم مظنة لـ "حرية التعبير" ، وغير قادرة على التمييز بين قواعد الحكامة الجيدة للمرافق القضائية والإدارية وبين تقديس الأشخاص وتحصينهم من النقد بالمخالفة للدستور؟ وغير معتبرة لما استقر عليه القضاء المقارن بكون من لا تتسع نفسيته للنقد أن يلزم بيته وألا يقبل بأن يكون مسؤولا، وما  خلص إليه قرار شهير لمحكمة النقض الفرنسية بأنه ﻻ يمكن لمن يتولى المناصب و المسؤولية في تسير الشأن العام أن يحصن سياساته من النقد حتى لو تضمن عبارات تقدح في كفاءته و قدرته على حسن اﻻدارة

2
- ألا تعتبرون أن تقديم الاستقالة رد فعل على قرارات المجلس يشكل هروبا من معركة الإصلاح التي كنتم تقودونها؟


لا أخفيكم سرا أنني وجدت صعوبة بالغة في إقناع زملائي ممن يرفضون الاستقالة ويعتبرونها هروبا من معركة الدفاع عن استقلالية السلطة القضائية كما قال رئيس نادي قضاة المغرب الزميل ياسين مخلي "سندافع عن استقلال القضاء و لو من خلال البت في ملفات قضاء القرب و تصريحات الحالة المدنية "وأيضا نكوصا عن مبدأ التحدي بل وهزيمة اتجاه أعداء الاستقلالية لأنني سأترك لهم  الساحة فارغة مني،والمعلوم أن سياسة المقعد الفارغ لا تجدي شيئا في ظل الحاجة الماسة إلى  تكاثف قدرات الجميع سواء من داخل القضاء أو من خارجه للتعبئة واليقظة للتنزيل السليم للمقتضيات الدستورية ولمجابهة التأثير على استقلال القضاء من وزارة العدل ونبد سياسة التبعية التي تشكل محور العلاقة السائدة اليوم بين القضاء ووزارة العدل كجهة وصية عليه فعليا وليس قانونيا . فالاستقالة عند أصحاب هذا الرأي ليست هي الحل  و إنما الحل هو الصبر و على المواقف و المبادئ الثبات ، الثبات ثم الثبات.
وإن كان النضال على هذا المستوى والمنظور يحتاج لنفس  طويل وعميق أمام عقليات إدارية متحجرة لا تؤمن باستقلال القضاء وبدولة الحق والقانون ،وتتعامل مع القاضي باعتباره قاضيا تابعا لوزارة العدل يأتمر بأوامرها وليس قاضيا مستقلا يحتكم لضميره والقانون،بحيث يكون القاضي مهددا بالمتابعة والعقاب إن تجاوز الخطوط المرسومة له وصورت له نفسه أنه لاشيء يعلو فوق القانون والمشروعية،وهو ما حصل معي ،لأن تصريح وزير العدل بعد صدور حكم المعطلين بأن التوظيف المباشر عين الفساد توجيه مباشر للقضاء وتأثير على أحكامه ،ولا أخفيكم سرا  أن العديد من الزملاء القضاء والحقوقيين قرأوا في التصريح شيئا ما مدبر تخفيه الأيام لاسيما وأن الوزير المذكور صرح أيضا في إحدى لجان البرلمان دفاعا عن استقلالية القضاء وفق تصوره "بكونه يحترم القضاء ولم يتابع القضاة المصدرين له "وهو ما علقت عليه في حينه حينما اعتبرت في تغريدة لي على  الفايسبوك أن استقلالية القضاء ليس معناه عدم متابعة القضاة المصدرين لأحكام لا ترتضيها السلطة التنفيذية، لأن الاستقلالية يضمنها القانون وصاحب الجلالة وليس الوزير لتعلق الأمر بقاعدة دستورية لا بهبة أو منة ،وهي من متعلقات حماية حقوق المتقاضين للاحتماء بقضاء مستقل ومحايد.
(أظن أنه في جوابكم سوف تقولون أنكم مستمرون فغي معركة الإصلاح حتى ولو استقلتم.
.... ولكن الحرب من الداخل ليست كحرب من الخارج؟ )
فعلا رأيكم سديد ،ولكن ربما النضال من الخارج يكون أكثر دينامية وحرية لان القيود غير متواجدة ومساحات التحرك أكثر اتساعا ،كما أن درجة الإقناع تبدو متيسرة نوعا ما لقاض "سابق" خابر إشكاليات الاستقلالية وعانى من تبعاتها وضحى برسالته القضائية من أجلها.

3
-أحلتم الاستقالة على المكتب التنفيذي لنادي قضاة المغرب ،هل يعتبر ذلك تراجعا عنها


لا ابدا أنا متمسك بها بصفة نهائية وأحلتها على المكتب التنفيذي للتقرير بشأنها في اجتماعه المنعقد بتاريخ 30-8-2014 والمخصص لتدارس  وتقييم التظلمات المثارة بشأن أشغال المجلس ،وستكون مناسبة لتقديم عرض مفصل حول أسباب الاستقالة ومبرراتها وخلفياتها ومختلف الخروقات الدستورية والقانونية لكل من المتابعة والمحاكمة التأديبية بحضور القضاة المتضامنين والجمعيات الحقوقية،وسوف يتم تحديد الخطوات النضالية المستقبلية بشكل تصاعدي.

4
-ما هي أهم الخروقات الدستورية التي اعترت محاكمتكم التأديبية بشكل عام


- خلال المحاكمة أثارت هيئة الدفاع المشكلة من خيرة نقباء وشباب قضاة المغرب الذين أعتز بمرافعاتهم القيمة عدة دفوع  انصبت على خروقات مسطرية وموضوعية  تهدم عناصر المتابعة لم يعرها المجلس أي اهتمام لأننا كنا في مسطرة محسومة مسبقا بالإدانة وكأننا كنا نصارع السحاب  -مما يبين حقيقة الطبيعة القانونية للمجلس من كونه مجرد جهة إدارية دستورية بفكر ونفس غير دستوريين لا يختلف في شيء عن باقي الهيئات الإدارية التأديبية بحيث أنه لا يتمتع بالصفة القضائية .
ومن هذه الدفوع خرق علنية المحاكمة التأديبية وعدم حيادية  تشكيلة المجلس الأعلى للقضاء بحكم رآسته من طرف وزير العدل رجل السلطة التنفيذية ، وبعدم صلاحيته لترأس جلسة التأديب لانعدام مقومات الحياد والعدالة وانتهاك قرينة البراءة وخرق واجب التحفظ والمس باختصاصات المجلس والمؤسسة الملكية وخرق واجب الحياد والعدالة بعدم تحريك متابعة المشتكى به في الشكاية المقابلة والشطط في استعمال السلطة ،والدفع بعدم قانونية تشكيل الهيئة لكون المنتدب للقيام بمهام أمين سر المجلس لم يحصل على ظهير التعيين بعد من طرف جلالة الملك باعتباره رئيس السلطة القضائية، والدفع بإيقاف البت في المتابعة إلى حين البت في ملف محضر 20 يوليوز في مرحلة الاستئناف لما يشكله ذلك من تأثير على استقلال القضاء ،والدفع ببطلان المتابعة لصدورها عن جهة غير مختصة وهو الوزير في غيبة أعضاء المجلس المعينون بقوة القانون،والدفع ببطلان المتابعة لعدم تسجيل الشكاية أساس المتابعة بالطرق القانونية ،والدفع بعدم اختصاص المجلس للنظر في الوقائع موضوع المتابعة والاعتداء على اختصاص مطلق للقضاء في الموضوع، لأن السب والقذف مجاله القانون الجنائي وليس القانون التأديبي ،والدفع بسقوط المتابعة بحكم انعقاد ونفاذ الصلح بإشهاد ثلاث قضاة ومستشارين عليه مشهود لهم بالكفاءة والتجربة والأخلاق والنزاهة،وأخيرا الدفع بعدم توفر عناصر التجريم التأديبي لتعلق فعل المتابعة بحرية التعبيرالمكفولة دستوريا .
 
5
- في عدد من التصريحات الصحافية التي أدلتم بها وجهتم الاتهام إلى وزير العدل والحريات بالوقوف وراء العقوبة التي صدرت عن المجلس، لماذا؟


أتمنى أن يجيب وزير العدل على الأسئلة التالية التي تشكل دليلنا في الانتقام كوسائل إثبات دامغة،وما أظنه بمجيب؟
-لماذا صرح  مباشرة بعد حكم المعطلين أن التوظيف المباشر عين الفساد ،وأن ذ الهيني يقوم ببطولة وهمية كررها على مسامع الملحقين القضائيين وأعضاء مجلس المستشارين كما أوضح ذلك الدفاع؟
هل يعقل أن تصرح  بإدانة قاض في البرلمان وقصاصات الأخبار قبل محاكمته ؟وهل يعقل أن تطالبه بالاعتذار خلال مراحل المحاكمة ؟ألا يعتبر ذلك إدانة مسبقة ؟وهل يجوز التفاوض مع المتابع قانونا ؟حتى في غيبة أعضاء المجلس؟متى كان القاضي يتفاوض مع المتابع ؟وكيف ستدافع  عنه وتنصب نفسك محاميا عنه إن اعتذر وأنت  عضو في تشكيلة الهيأة؟وهل من المقبول ممن نصب نفسه خصما للمتابع منذ البداية أن يكون محاميا عنه؟؟ولما ستلتزم  الحياد إن لم يعتذر ؟وهل ممارسة الحياد يعتبر إخلالا بتكوين الهيئة وبسرية البت لأن عضوا لم يشارك في المداولات؟وهل وظيفته هي الحياد ؟ كما أن الدفاع عن المتابع من طرف الوزير يطرح سؤال عن في مواجهة من سيتم الدفاع لأن أعضاء المجلس أعضاء وليس أعداء كما جاء على لسان المستشار ذ الكرجي.
ويبدو من خلال هذه الأسئلة التي مجرد طرحها وإبدائها يعكس تصورا خاصا لطبيعة التكوين القانوني والرصيد الفقهي المنعدم  للقائم بموضوعها من أن ملف الهيني لم يكن شأنا للمجلس وإنما كان شأنا انتقاميا خاصا لوزير العدل لأن القاعدة الذهبية في المجلس أن التأديب ملك خاص للوزير والمسؤولية في ملك باقي أعضاء المجلس ،لأن طريقة توزيع العمل تشي بما آل إليه ملف متابعتي التأديبية لأن قاعدة تفريد العقاب غير موجودة في فكر الوزير وإنما استعيض عنها بقاعدة السلة الواحدة "اتركوا لي الهيني وخذوا ما شئتم"؟  وهنا يحق لنا التساؤل لماذا رفض المجلس استدعاء شهود الصلح؟ ،ولماذا رفض إجراء خبرة أدبية على الخاطرة رغم أنه لا يفقه في علم الأدب ؟ولماذا رفض الدفع بزورية تقرير المفتشية والمقرر ؟ولماذا تمت مجازاة المقرر بالمنصب الجديد؟؟؟أسئلة ستبقى معلقة لاستباق الإدانة في النفوس؟مما جعل الدفاع لا يطالب بالبراءة كطلب أصلي وإنما يطالب بإلغاء قرار الإدانة المسبقة من طرف الوزير المنشور على الموقع الإلكتروني والذي رفض سحبه رغم إعذاره وإنذاره وبالرغم من مراسلة المجلس الوطني لحقوق الإنسان في الموضوع في منحى خطير يعزز ثقافة الاستبداد وعدم القطع مع ممارسات الماضي.  

6
-صدرت في حقكم ثلاث عقوبات تأديبية هل ذلك جائز وملائم قانونا ؟


الحقيقة أنني فوجئت بالإدانة لأني وفريق هيئة الدفاع ومختلف الحقوقيين رغم تخوفنا من مسار المتابعة- كما سبق أن عبر عن ذلك بيان نادي قضاة المغرب-  بعد انتهاك الوزير لقرينة البراءة، كان لدينا أمل كبير في طغيان المقاربة الحقوقية لحرية التعبير والتصريح بالبراءة لانعدام الفعل التأديبي موضوع التأثيم، لكن غياب المنطق القانوني وسيطرة الأفكار المسبقة كان هو الفيصل ،لذلك فإن إصدار قرار بتوقيفي لمدة ثلاثة أشهر بدون أجر قرار جائر وباطل ومفتقد لأي أساس قانوني ،لأن العقوبة توحي بخطورة الوقائع في ذهن الوزير فقط وليس في وقائعها الحقيقية،لأن الأمر بعيد جدا عن الأخطاء المهنية الوظيفية المتعلقة بمصلحة المرفق القضائي ، مما شكل ذلك صدمة كبرى وانتكاسة  دستورية وقانونية وأخلاقية اعتبرتها بمثابة مذبحة لحق القضاة الشرفاء والنزهاء في التعبير تستهدف ترهيبهم وتخويفهم  وتكميم أفواههم وقطع رزق عيالهم  وانتهاك كرامتهم من طرف من يخشى  كعادته ودأبه الصوت الحر للقاضي والدفاع عن استقلال السلطة القضائية ويعشق خطاب التمجيد المنزعج من الأفكار والمواقف الحقوقية المتنورة لتنزيل المقتضيات الدستورية.ومما زاد الطين بلة هو الحرمان من الترقية التي لم يدر في خلدي في يوم ما أن ما قدمته للقضاء في المحكمة الإدارية بالرباط بشهادة رئيسيها من أحكام واجتهادات كما وكيفا لن يكون له أي مفعول يذكر ،لأن في ذلك عندهم يتساوى المجتهد وغير المجتهد ،وفي ذلك رغبة يائسة  لتحطيم المعنويات وقتل الاجتهاد ،وهكذا يخشى أن يصير الحرمان من الترقية بمثابة آلية جديدة للتأثير على استقلال القضاء وتشجيع الفساد ولو بصورة غير مباشرة.
 لكن يبقى القرار الصادم والذي شكل فاجعة لمختلف الحقوقيين هو النقل الإجباري والتلقائي من القضاء الاداري للنيابة العامة وهو أشبه لي بعملية انتحارية افتقدت فيه البوصلة وظهرت معالم الخطة المعدة مسبقا -كما صرحت بذلك إبان المتابعة في العديد من الملتقيات العلمية والندوات الثقافية وعلى صفحتي الفايسبوكية - للإطاحة بي من هذا النوع من القضاء المتخصص كنوع من العقاب على الجرأة والشجاعة الأدبية والاجتهادات المبدئية الحامية للحقوق والحريات في مواجهة شطط الإدارة - في انتهاك صريح لمبدأ عدم جواز تعدد العقوبات الإدارية  لاسيما وأن الخاطرة موضوع المتابعة ليست لها أي علاقة بالقضاء الإداري بحيث لن تنصب على التظلم من حكم أو إجراء قضائي أو المس بحقوق مواطن،كما تم انتهاك مبدأ دستوري آخر أكثر أهمية يتعلق بحصانة القاضي من النقل الذي يتفرع عنه حصانة المحاكم المتخصصة بغرض النيل من استقلال القضاء واعتبار القضاة قضاة صاحب الجلالة قضاة لوزارة العدل تابعين لها ملحقين بها يأتمرون بأوامرها،و لاسيما أن إحالتي على النيابة العامة رغم عدم خبرتي بها  لأنني لم أزوال أعمالها طيلة مساري القضائي الممتد لأكثر من 15 سنة فيه إهدار للمال العام وقتل للتخصص والتكوين الدقيق وتعميق للارتجالية  وسيطرة الأهواء الشخصية، فيه ما يوحي بأن القضاء الإداري قضاء الحقوق والحريات أصبح ملكا للوزارة محفظا باسمها تبقي من تشاء به وتطرد من تشاء بدون ضوابط ومعايير موضوعية إلا مشيئتها وإرادتها المشوبة بالانحراف في استعمال السلطة بشكل فاضح يفقأ العين،كما أنه  إشارة إلى القضاة الاداريين بوجوب فرملة اجتهاداتهم لتكون وفق السياق العام الذي ترتضيه السلطة التنفيذية لتحصين قراراتها الإدارية من الطعن ،وكذا تدريبي على تعلم تقنيات قضاء التعليمات لمحو معالم الاستقلالية ومحاربة قضاء المواطنة المستقل الكفئ والنزيه لصالح قضاء الإدارة،وهو ما جعل زميلي الأستاذ العبدلاوي المدان عن غير وجه حق عن مجرد صورة حية لواقع مرير يتمثل في عدم وجود مكاتب بالمحكمة  شهد به الوزير أن يعتبر أن " الإبعاد عن القضاء الإداري يظهر بجلاء أن المتابعة التأديبية لم تكن أبدا من اجل الخاطرة بل انتقاما من الإبداع الذي أبنتم عليه في عملكم ، و خوفا مما قد يأتي من قرارت تؤسس لمبدأ الشرعية الذي أصبح يقض مضاجع البعض".

7
- يعتبر البعض أن استمرار المجلس الأعلى للقضاء البت في الملفات التأديبية يشكل انتكاسة دستورية في غياب ضمانات دستور2011؟


إحالتي على المجلس الأعلى للقضاء غير دستورية، على أساس أن دستور 2011 قد نص في الفصل 114  منه على  كون المقررات المتعلقة بالوضعيات الفردية الصادرة عن المجلس الأعلى للسلطة القضائية قابلة للطعن بسبب الشطط في استعمال السلطة أمام أعلى هيئة قضائية ادارية بالمملكة.
لأنه ولئن كان الفصل 178 من الدستور ينص على أن المجلس الأعلى للقضاء يستمر في ممارسة صلاحياته إلى أن يتم تنصيب المجلس الأعلى للسلطة القضائية ، فان اعتماد التأويل الديمقراطي والحقوقي للدستور فقد كان المأمول من المجلس تأخير البت في الملف إلى حين تنصيب المجلس الأعلى للسلطة القضائية ضمانا لحقي في ممارسة الطعون المتاحة لي قانونا، وأن أستفيد من مزايا التشكيلة الجديدة للمجلس المذكور ذات النفس الحقوقي المتميز الغائب للأسف في هذا المجلس .فضلا عن أنه سبق للمجلس في عهد وزير العدل السابق المرحوم  محمد الطيب الناصري، أن قرر تأخير البت في الملفات التأديبية الى حين تنصيب المجلس الأعلى للسلطة القضائية من أجل ضمان حق القضاة في الطعن في مقرراته،وهو ما كان موضوع نشر متفرد من طرف جريدتكم ،ولاشك أن استمرار الوزير في إحالة الملفات التأديبية على المجلس يعكس انعدام الفكر الدستوري في عمل الوزارة لتغليب المعطيات السياسية باحتساب عدد الإحالات على حقوق المتابعين الدستورية وتمتيعهم بالحق في الطعن،فضلا عن أن شهوة السلطة وتجريبها على القضاة كانت طاغية منهجا وفكرا وسلوكا ،لأنه بالنسبة للوزير فإن عدم ممارسة سلطة العقاب التأديبي يعتبربمثابة انتقاص من صلاحياته وكأن العبرة بالغاية وليس بالوسيلة والإجراءات الموصلة للحق،وهذا ما ساهم في تعثر مسطرة إعداد مشروع القوانين التنظيمية لأنه "لا زربة على صلاح" مادامت الغاية متحققة وهي العقاب .

8
-  ما هو تقييمكم بعيد عن قضية الهيني لقرارات المجلس عن الدورة الحالية؟


اعتقد وبشكل منصف أن المجلس الأعلى للقضاء يفتقد لمنهجية العمل بحيث تسيطر عليه أحيانا الارتجالية والانتقائية وطغيان بعض المصالح الضيقة ،وغياب المعيارية بمفهوم القواعد والاجتهادات القارة والشفافة من قبيل عدم تحديد شروط المسؤول القضائي ومسطرة اختياره وكفاءته مما يجعل بعض التعيينات تميل للعلاقات الاجتماعية أكثر من مصلحة المرفق القضائي ،لأن جودة المقررات القضائية وحكامة الادارة القضائية والشواهد العلمية  لا يلتفت إليها بدليل أن هناك بعض القضاة من درجة العلماء والفقهاء لا يتم اختيارهم ربما لميلهم نحو الصرامة في العمل والاستقلالية ،وميزتهم أنهم لا يطلبونها لاعتقادهم السليم أن المنصب تكليف وليس تشريف،فضلا عن حرمان مجموعة من القضاة من الترقية لاسباب بيروقراطية او اعراف ادارية غير قانونية البتة من قبيل عدم وجود ملاحظة سلبية في الملف الإداري أو تنقيط المسؤول القضائي المعصوم من الخطأ من طرف المجلس عن غير وجه حق لأنه حسبهم مصدق في أقواله حتى ولو تبث العكس،وحتى ولو أفتى في الخلل العقلي لقضاة متابعين ،مما كرس التعسف والمزاجية وثقافة الاستبداد أو الخنوع عند البعض بحسب الحالة.ومن المؤسف حقا عدم توفر المجلس على رصيد من القواعد المعيارية المنهجية للعمل التي تضفى على عمله المصداقية اللازمة والحكامة المتوقعة والمفترضة بحيث ينعدم الأمن القانوني للقاضي الذي لا يعرف القواعد الطبقة بشأن وضعيته نقلا وترقية وتأديبا مما يضعف الثقة والفعالية في الاداء ،ومما يؤكد ذلك ظاهرة عدم تعليل المقررات الإدارية التي يكتفى بتبيلغ منطوقها للمعنيين بها الشيء الذي يفسر أن القانون في نظر المجلس هو ما اعتبره  هو أو الوزير كذلك،لذلك فالرقابة على العمل تكون صعبة جدا بل ومستحيلة لأنه ليس هناك شيئا يستحق المتابعة أو التقييم وفق الطريق والمنهج العلمي المتطلب ليكون النقد بناء وتراكميا  وبالنسبة للتأديبات فقد طغى على بعضها غياب المقاربة الحقوقية المفتقدة لأي منطق قانوني ،فكيف يمكن زيارة قاض كالاستاذ عنبر لقاضي الاتصال الفرنسي خطأ مهنيا يستوجب العزل ،وكيف تتحول الصورة إلى متابعة تأديبية في قضية ذ العبدلاوي الذي قيل لنا أثناء مثوله أمام المجلس باعتباري كنت مدافعا عنه أن قضيته بسيطة وعليه أن يعتذر لإنهاء المشكل لنفاجئ بإدانته وتوبيخه رغم اعتراف الوزير نفسه بالوضع الكارثي للمحكمة أمامنا وإقراره بمسؤوليته عن ذلك ،مما يطرح الأسس الأخلاقية والقانونية للإدانة ،فهل عرض واقع لا يرتفع يرتب المسؤولية رغم مساهمة الصورة في إصلاح وضع المحكمة ؟ألا يستحق الزميل التكريم والترقية وفعله الإشادة لصيانة كرامة القضاء بدل الإدانة والحرمان من الترقية .

وفي الأخير أختم بالقول أنه لا يمكن للقاضي حماية الحقوق والحريات وهو مفتقد للحماية الذاتية ومهدد في استقلاليته بسوط وجور العقاب التأديبي في زمن الردة الحقوقية والإصلاح المفترى عليه من خلال صناعة اليأس بمعاقبة القاضي النزيه
 



الاحد 31 غشت 2014

عناوين أخرى
< >

الاثنين 6 ماي 2024 - 23:22 الدليل الجبائي للمحامين


تعليق جديد
Twitter