MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers





الملف الشهري: مبادرة جمعية حقوق و عدالة حول مراقبة أداء المحاكم بين القبول والرفض بقلم الدكتور المهدي شبو

     


المهدي شبو
دكتور في الحقوق
رئيس المكتب الجهوي لنادي قضاة المغرب بالدائرة الاستئنافية باكادير



الملف الشهري: مبادرة جمعية حقوق و عدالة حول مراقبة أداء المحاكم  بين القبول والرفض بقلم الدكتور المهدي شبو

 
 
أطلقت مؤخرا جمعية حقوق و عدالة مبادرتها حول "مراقبة أداء المحاكم ونشر الأحكام القضائية"، بدعم من سفارة هولندا بالرباط ، المشروع يروم حسب أصحابه  نشر والتعليق على الأحكام القضائية المعيبة التي فيها شبهة التأثر بالرشوة، أو التدخل من طرف السلطة السياسية، أو من أي طرف آخر وذلك في أفق هدف يبدو نبيلا هو مكافحة الفساد في القضاء وحماية الأطراف الضعيفة وتسهيل ولوجها لمرفق العدالة، وتعزيز رقابة المجتمع المدني على القضاء وأداء جهاز العدالة .
 
من حيث المبدأ ، تبدو المبادرة براقة في أهدافها ومراميها ، لكن المبادرين بها ورعاتها وتوقيت إطلاقها تطرح أكثر من علامة استفهام، جاءت المبادرة من جمعية عدالة التي شكل رئيسها الأستاذ عبد العزيز النويضي في الهيئة العليا للحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة برعاية من دولة هولندا التي لم تكن في قائمة الدول الراعية لمشاريع النهوض بقطاع العدل بالمغرب والتي ظلت حكرا على فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، ترجم هذا الاهتمام  الهولندي المفاجيء استقبال السيد وزير العدل والحريات لسفير هولندا بالرباط يوم 12 فبراير2014 بمقر وزارته بالرباط، فهل باركت وزارة العدل شراكة جمعية حقوق و عدالة مع الهولنديين؟ وهل من الصدفة إعلان جمعية حقوق و عدالة أنها استشارت مصطفى الرميد، وزير العدل والحريات فيما يخص نشر الأحكام المعيبة، وبارك هذه العلمية بشروط ؟  يحق للمتتبع الحصيف إقامة الربط بين هذه الوقائع  الثلاث ، أما عن التوقيت فقد جاءت المبادرة بعد إعلان ميثاق إصلاح منظومة العدالة وأتت منفصلة عنه مما يجعلنا نتساءل؛ ألم يكن حريا بالجمعية أن تطرح مبادرتها في صلب حوار وطني توخى المقاربة الشاملة لإصلاح القضاء بالمغرب ؟
 
نترك السياق جانبا ، ونقول إن تعقب الأحكام المعيبة ليست ممارسة جديدة ، فقد أحيل قضاة على المجالس التأديبية بسبب ضحالة الأحكام وهزالها الأخلاقي والمعرفي، وانبرى أساتذة كليات الحقوق للتعليق على الأحكام والقرارت التي جافت أبسط القواعد القانونية الأساسية، بل وخصصت المجلات القانونية بعض أركانها لهذا الغرض؛ نتذكر ركن من غرائب الأحكام  في مجلة المحاكم المغربية ؛ ثم تقنية نشر الأحكام الشاذة  منكسة بحيث يضطر القاريء إلى قلب المجلة لقراءتها تدليلا على غرابتها، دون أن ننسى رقابة الرأي العام، فقد كان المحامون يتندرون ببعض الأحكام ويستنسخونها، وإحتلت أحكاما معينة منشيتات الصفحات الأولى من بعض الجرائد الوطنية ، وفي كل ذلك ذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد .
 
لكن الجديد الذي أتت به مبادرة جمعية حقوق و عدالة هو الرغبة في مأسسة العملية وهو طموح مشروع، ولا نملك أن نعارضه كقضاة، لأن القاضي بعد النطق بحكمه لا يملك أن يمنع الآخرين من ممارسة الطعون القانونية بشأنه، كما لايمكنه أن يمنع الباحثين والفقهاء من التعليق عليه، لكن هذا لا يمنع من أن نسجل ملاحظات موضوعية على المبادرة، فمن الجانب الحقوقي لم نقف على تجربة مماثلة في العالم كله، وأكاد أجزم أن المبادرة لو طرحت في أي مكان آخر من العالم لرُفضت، لأنها إن كانت في ظاهرها تطمح إلى أن تؤسس لرقابة أخلاقية على عمل القضاء، فإنها تحمل شبهة المس باستقلاليته لأن محاكمة الحكم القضائي لا يقبل أن تتم خارج قنواتها القانونية الكلاسيكية؛ الطعون القضائية والمساءلة التأديبية احتمالا ، وهب أننا قبلنا بالعملية ، فهل نقصرها على الأحكام النهائية فقط أم نفتحها في مواجهة جميع الأحكام، لأن الخيار الأخير بالذات يفتح المجال للثأثيرعلى موقف القضاء من النزاع  في مراحله اللاحقة وهو أمر لا يمكن القبول به في نظام يعاني أصلا تأثير الرأي العام والصحافة على اتجاهات القضاء، أفمن المقبول أن نزيد مرصد جمعية حقوق و عدالة ؟ !
 
 ولندخل في بوليميك مع أصحاب المبادرة . يصدر القضاء بالمغرب بجميع هيئاته ودرجاته ما يقارب مليوني حكم ومقرر كل سنة ، إذا وظفنا تقنيات علم الإجتماع القضائي في قياس درجات الرضى والسخط تجاه الأحكام القضائية، نجد إرتفاع مؤشرات السخط بدليل الإستعمال المبالغ فيه لطرق الطعن، نضع هذا المعطى في الحسبان، ونساءل أصحاب المبادرة هل سيعتمدون في معالجتهم على المقاربة الانتقائية أم أنهم سيختارون دمقرطة الولوج إلى خدمات مبادرتهم، قطعا سينتصرون إلى الخيارالثاني لطبيعة المبادرة وأهدافها، هنا تدق المساءلة فإذا طرق بابها 10 % فقط من خاسري النزاعات أمام القضاء، فأنى للجمعية من المتعاونين والوسائل المادية واللوجيستيكية لمعالجة مائة ألف شكوى كل سنة وكتابة مائة ألف تعليق واف من جميع الجوانب، وهنا أربط بوادر فشل المبادرة بما سبقها، فطيلة عقود نادى المتنورون داخل الجهاز القضائي بإحداث خلية تقييم داخل وزارة العدل تحث إشراف المفتشية العامة وكتابة المجلس الأعلى للقضاء تتولى تقييم أحكام القضاة بغثها وسمينها - كما يجري بذلك العمل في كثير من الدول العربية – وإعطاء نقطة خاصة تضاف إلى وسائل التقييم الأخرى المعتمدة في تنقيط القضاة، إلا أن الوزارة لم تستطع مع الآسف أن تخطو هذه الخطوة لافتقارها إلى الوسائل الوجيستكية والبشرية الكفيلة بإنجاح هذه المبادرة، وما يجري به العمل  إلى الآن هو الركون إلى نظرية الرئيس المباشر و إعمالا لقاعدة  "ما لا يدرك كله لا يترك جله " يُطلب من القاضي أن يرفق نشرة تنقيطه بثلاث نسخ من أجود أحكامه ، ويجب أن تكون لنا النزاهة الفكرية كقضاة لنعترف أن كثير من قضاتنا يعطون أحكاما رائدة تدرس في الجامعات وبجانبها يفرخ بعض قضاتنا أحكاما سريالية وقائعها في واد وتعليلاتها في واد آخر، وما يحز في نفس كثير من القضاة هو إنعدام معايير تقييم تقول للمجتهد أصبت وتقول للمخطيء أساءت، وأصل الداء كله تقليد إدارتنا القضائية للنموذج الفرنسي المهوس بالإنتاج ونفخ أرقام القضايا المصفاة وكأن القضاة عمالة في سلاسل الانتاج بالمصانع، حكي لي أحد أساتدتنا أنه نظر في قضية تحفيظ عقار كبير به ستون متعرضا تداولها قبله 16 قاضيا مكلفا تعمد كل منهم تأخيرالملف دون موجب لضخامته وتطلب تحريره والفصل فيه من صاحبنا 15 يوما من العمل المتواصل، وفي الأخير إكتشف أن الملف مجرد رقم وزنه في ميزان إدارتنا القضائية كوزن ملف مخالفة سير، أحد كبار أساتذتنا كذلك إستدعاه رئيس المحكمة ليوبخه على تدني إنتاجه الشهري في مادة السير فما كان منه إلا أن حمل إليه ملف حادثة سير حافلة ركاب به 76 مطالبا بالحق المدني، ولن نتحدث عن الدرر النفيسة من الأحكام القضائية التي قال عنها المغفور له الحسن الثاني يوما أنها بتعليلها تشرف المغرب وتشرف قضاء المغرب، ومع ذلك مر طرازوها مرور الكرام ولم يلتفت إليهم أحد ، كما لن نتحدث عن أحكام الضحالة الفكرية والأخلاقية التي أساء محرروها إلى شرف المهنة ولم يعترضهم أحد ومروا بغنائمهم سالمين .
 
لقد نادينا بمطلب إحداث خلية تقييم الإنتاج القضائي في عهود وزراء عدل سابقين لما طُلب من القضاة تقديم مقترحاتهم حول خطوط الإصلاح القضائي، وأتذكر أن الأستاذ عمر عزيمان تفاعل مع المقترح ووعد بدارسته غير أنه أقبر بذهابه، واليوم والمقترح يعود من جديد في لبوس مختلف، لا يسعنا إلا أن نعاود التأكيد على حيويته لأي إقلاع قضائي، ونقول إن مجاله الطبيعي ليس في خلية تحدثها جمعية وتدعمها دولة أجنبية ، ولا يمكن أن تنهض به أية جهة مهما علا شأنها وإرتفعت مصداقيتها، ولكن ملجأه الحقيقي لن يكون إلا بين أحضان المجلس الأعلى للسلطة القضائية، ومتطلبات الشفافية باتت تفرضه ولامجال للتذرع بضعف الإمكانيات ، ونصيحتي للقضاة أنقلها عن صاحب رسالة القضاء العظيمة الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه القائل في موضع آخر؛ حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توزنوا.




الاثنين 17 مارس 2014

تعليق جديد
Twitter