MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers



المقاولة...والزامية وضع النظام الداخلي

     


بقلم: ذ. محمد المعاشي
باحث مختص في القانون الاجتماعي



المقاولة...والزامية وضع النظام الداخلي
النظام الداخلي يساهم في تنظيم العلاقة بين الاجراء والمشغل

إذا كان النظام الداخلي ينظم علاقة الشغل بين الأجراء والمشغل داخل المقاولة أو المؤسسة، فإن المشرع المغربي لم يرد أي تعريف دقيق للنظام الداخلي، مما يجعلنا نتساءل حول الفائدة من النظام الداخلي في نظر المشرع الذي لم يحدد أساسه أو موضوعه، عكس ما هو ملاحظ في اتفاقية الشغل الجماعية ونزاعات الشغل الجماعية.

إن النظام الداخلي للمقاولة أو المؤسسة يعتبر من أهم الوسائل المتاحة للمشغل لتنظيم الشغل سيما إذا كان يشتغل بالمقاولة أو المؤسسة عدد مهم من الأجراء. ذلك أن مقتضيات النظام الداخلي تعتبر تجسيدا لأوامر وتوجيهات المشغل.

كما تبرز أهمية النظام الداخلي من خلال كونه مصدر إطلاع على الأحكام والتدابير المنظمة للعلاقة الشغلية.

النظام الداخلي وضرورة إشراك مندوبي الأجراء والممثلين النقابيين

إن المشرع ألزم كافة المؤسسات التي  تشغل 10  أجراء فما فوق بما فيها المؤسسات الفلاحية بوضع نظام داخلي خاص بها، وذلك خلال السنتين المواليتين لفتح المقاولة أو المؤسسة، بحيث يتم وضع النظام الداخلي  بعد استشارة مندوبي الأجراء وكذا الممثلين النقابيين بالمقاولة عند وجودهم حول المشروع، على أن وضعه يختلف بحسب عدد العاملين بالمقاولة أو المؤسسة، وقد نصت المادة 138 من مدونة الشغل على أنه (( يجب على كل مشغل، يشغل اعتياديا ما لا يقل عن عشرة أجراء، أن يضع خلال السنتين المواليتين لفتح المقاولة أو المؤسسة، نظاما داخليا، بعد اطلاع مندوبي الأجراء والممثلين النقابيين بالمقاولة عند وجودهم عليه، وأن يوجهه إلى السلطات الحكومية المكلفة بالشغل من أجل الموافقة عليه. يخضع كل تعديل للنظام الداخلي، لشكليات الاستشارة و الموافقة المنصوص عليها في الفقرة السابقة)). من خلال هذا النص، نعتبر إشراك مندوبي الأجراء والممثلين النقابيين عند وجودهم في تحضير النظام الداخلي، مساهمة في التخفيف مما قد يوصف به المشغل من سلطة انفرادية أو تعسفية أو غير ذلك من الأوصاف، كما أن مشاركة الاطراف في الصياغة يبعد التخوفات الناتجة عن اعتبار ان النظام الداخلي مهيأ من طرف جانب واحد أي المشغل، وبالتالي امكانية فرض قواعد دون حسيب أو رقيب.    
 كما أنه لا يمنع على المشغل الذي لا يرغب في وضع نظام  داخلي خاص به، اللجوء إلى نظام نموذجي حسب المادة 139 من مدونة الشغل، وذلك بعد أن تقوم السلطات الحكومبة المكلفة بالشغل، من جهتها بالاستشارة مع المنظمات النقابية للأجراء أكثر  تمثيلا والمنظمات المهنيية للمشغلين، لتحديد نموذج النظام الداخلي،  الذي يتضمن على الأخص:
  1. احكاما عامة، تتعلق بتشغيل الأجراء، ونظام الفصل، والعطل، والتغييبات؛
  2. أحكاما خاصة، تتعلق بتنظيم الشغل، وبالتدابير التأديبية، وبالمحافظة على صحة الأجراء وسلامتهم؛
  3. أحكاما تتعلق بتنظيم إعادة التأهيل عند حدوث الاعاقة الناتجة عن حادثة شغل أو مرض مهني.
أما بالنسبة للمؤسسة التي تشغل أقل من عشرة أجراء فبمقتضى الفقرة الأولى من المادة 139 من مدونة الشغل تعتبر بمثابة النظام الداخلي للمؤسسة، كما أن المشرع المغربي في هذا الجانب لا يلزم المشغل من وضع النظام الداخلي.
لعل أفضل شكل من أشكال تهيئ النظام الداخلي، هو مشاركة الأجراء في صياغة مقتضيات نظامية تهمهم، وإذا كانت المادة 138 من مدونة الشغل تلزم المشغل استشارة ممثلي الأجراء والممثلين النقابين بالمقاولة إن وجدو، فإن ذلك يوسع من مجال الاطلاع، وبالتالي يعطي لمفهوم الاستشارة سواء بالنسبة للمشغل أو مندوبي الأجراء مكانة هامة في التشريع، وهذا من شأنه أن يساهم في الارتقاء بالنظام الداخلي إلى مستوى نظام تشريعي ملزم للأطراف.
 
النظام الداخلي وضرورة احاطة الأجراء بمضمونه

غير أن وضع النظام الداخلي والموافقة عليه من قبل السلطة الحكومية المكلفة بالشغل لا يكفيان لتحقيق الغاية منه، والمتمثلة في الالتزام باحترام مقتضياته، طبقا لما تنص عليه المادة 21 من مدونة الشغل. إذ أن المشرع المغربي ألزم المشغل بإحاطة الأجراء علما بالنظام الداخلي، وأن يقوم بإلصاقه في المكان الذي اعتاد الأجراء دخوله، أو في المكان الذي تؤدى فيه عادة أجورهم، كما تسلم نسخة من النظام الداخلي للأجير بطلب منه، وذلك تطبيقا لمقتضيات المادة 140 من مدونة الشغل، فالالزامية تبتدأ من تاريخ الأخذ بالعلم من طرف الأجراء أي يوم إلصاقه، بل وكذلك عند الأخذ العلم به طبقا للمادة 24 من مدونة الشغل، التي تلزم على المشغل إطلاع الأجراء كتابة، لدى تشغيلهم، على المقتضيات المتعلقة بالنظام الداخلي وعلى كل تغيير يطرأ عليها.
                                                                 
النظام الداخلي والقوة الالزامية

إذا كانت المقاولة أو المؤسسة التي تشغل اعتياديا ما لايقل عن عشرة أجراء، فإن المقتضيات القانونية تلزم المشغل وضع النظام الداخلي داخل المقاولة والمؤسسة بمجرد مرور سنتين، إذ يجب على المشغل، أو من ينوب عليه، أن يحدد في النظام الداخلي، الشروط والمكان والأيام، والساعات التي يستقبل فيها كل أجير على حدة، بطلب منه، إما بمفرده أو رفقة أحد مندوبي الأجراء أو الممثل النقابي بالمقاولة عند وجوده، على ألا تقل أيام الاستقبال عن يوم واحد في كل شهر حسب المادة 141 من مدونة الشغل.
إن النظام الداخلي يتوفر على القوة الالزامية الفورية بمجرد احترامه لكل المقتضيات القانونية المحترمة لمبادئ النظام العام، ليصبح بعد ذلك مشابها للاتفاقية الجماعية من حيث الآثار الملزمة،فبالرغم من التشابه بين النظام الداخلي والاتفاقية الجماعية من حيث حكم وتنظيم العلاقات الشغل، فإن الاختلاف واضح، بحيث أن النظام الداخلي يكون وليد الارادة المنفردة للمشغل بالرغم من أنه يخضع لموافقة السلطات الحكومية المكلفة بالشغل بعد اطلاع مندوب الاجراء والممثلين النقابيين عند وجودهم، في حين ان الاتفاقية الجماعية هي وليدة الارادة المشتركة بعد حوار ومفاوضات لطرفي العلاقة الشغلية. وهكذا يعتبر النظام الداخلي إلى جانب اتفاقية الشغل الجماعية من المصادر الوطنية لتشريع الشغل.
 
النظام الداخلي ضرورة إحالته على الجهة المختصة للموافقة

         بعد إعداد مشروع النظام الداخلي واطلاع مندوبي الأجراء والممثلين النقابين عند وجودهم، يجب على المشغل أن يوجهه إما إلى السلطة الحكومية المكلفة بالشغل (مديرية الشغل) من أجل الموافقة والمصادقة عليه، أو إلى إحدى المندوبيات الجهوية أو الإقليمية التابعة لوزارة التشغيل و التكوين المهني والتي لها صلاحية المصادقة المفوضة إليها في إطار عقود الأهداف التي وقعتها مع الوزارة، وكل تعديل للنظام الداخلي بعد الموافقة والمصادقة عليه، يخضع لسلك نفس المسطرة الأولى أثناء الصياغ، باعتباره جزءا لا يتجزأ من النظام الداخلي .
كما يتعين تحرير مشروع النظام الداخلي باللغة العربية عند إحالته على الجهات المختصة قصد الموافقة والمصادقة عليه، مع إمكانية إرفاقه بنسخة محررة بلغة أجنبية ولاسيما باللغة الفرنسية، وذلك تطبيقا لمقتضيات ظهير 1965 المتعلق بالمغربة (حسب موقع وزارة التشغيل والتكوين المهني).
 
النظام الداخلي والجزاءات

خلافا للتشريع السابق الذي لم يرتب جزاءا على عدم وضع النظام الداخلي للمقاولة أو المؤسسة، فإن كل خرق للمقتضيات القانونية المنصوص عليها في مدونة الشغل تعرض المشغل بالمقاولة أو المؤسسة لعقوبات زجرية طبقا لمقتضيات المادة 142 من مدونة الشغل، سواء بالنسبة للمقاولة كأساس أو المؤسسة التي قد تنشأ بعد إحداث المقاولة، بحيث تنص هذه المادة على أنه (( يعاقب بغرامة من 2000 إلى 5000 درهم عن الأفعال التالية:
  • عدم وضع النظام الداخلي خلال الاجل المقرر في المادة 138؛
  • عدم إطلاع الأجراء على النظام الداخلي، أو عدم إلصاقه على نحو لا يطابق ما قررته المادة 140؛
  • عدم تحديد  المشغل يوما لاستقبال كل أجير من أجرائه، وفق الشروط المنضوض عليها في المادة 141، أو تحديده يوما لا يأتي دور الأجير فيه إلا بعد مدة تزيد على المدة المحددة في تلك المادة)).
 
وفي الأخير، إذا كان المشرع المغربي قد ألزم المشغل من وصع نظام داخلي خلال السنتين المواليتين لفتح المقاولة أو المؤسسة، حتى وإذا كنا نرى أن مدة سنتين طويلة عند إنشاء المقاولة، التي تشغل أكثر من عشرة أجراء، كان بالإمكان الإقتصار على مدة أقل، وفي هذا الصدد نتساءل عن مصير الأجراء خلال فترة الفراغ القانوني لعدم تواجد النظام الداخلي، فما هو النظام الواجب تطبيقه خلال المرحلة الإنتقالية؟ لأن غياب النظام الداخلي ينعكس سلبا على حقوق ووجبات الاجراء، خاصة أمام إنعدام تواجد مؤسسة مندوب الأجراء المنتخبة، التي تعتبر احدى الركائز الاساسية في تنظيم علاقة الشغل بين الاجير والمشغل، والمدافع الأول عن حقوق ومكتسبات الآجراء.
 
في غياب النظام الداخلي سيصبح المشغل في وضعية إحتكار و إنفراد بالقرارات وانعدام الحوار، بل سيلجأ إلى الشطط في استعمال السلطة واستغلال النفوذ.
مما نضطر إلى طرح التساؤل التالي: حول دور أجهزة المراقبة من خلال الكتاب الخامس من مدونة الشغل، بحيث يضطلع مفتشوا ومراقبوا الشغل بمراقبة تطبيق النصوص القانونية والتنظيمية المعمول بها في المقاولات والمؤسسات التابعة للدولة والجماعات المحلية حسب المادة 530، كما تناط بالأعوان المكلفين بالشغل مهمة السهر على تطبيق الأحكام التشريعية والتظيمية المتعلق بالشغل مع إحاطة السلطات الحكومية المكلفة بالشغل علما بكل نقص أو تجاوز في المقتضيات التشريعية والتنظيمية المعمول بها، بعد أن يحرر في شأن هذه المحاولات محضر يمضيه طرفا النزاع، ويوقعه بالعطف العون المكلف بتفتيش الشغل، حسب المادة 532 من مدونة الشغل.

حتى إذا لجأت أجهزت المراقبة إلى القيام بواجبها القانوني، فإننا نلاحظ أن المشرع المغربي (المادة 142 من مدونة الشغل) في إطار فرض عقوبة زجرية بمثابة غرامة تهديدية تقدر ما بين 2000 و 5000 درهم على قلتها، بالنسبة للشركات الكبرى، يعمل على تشجيع على التملص من إلتزامات المشغل في الإسراع بوضع الأنظمة الداخلية خلال السنتين على أكثر تقدير. في إعتقادنا كان على المشرع، أن لا يقيد الغرامة بصراحة نص المادة 138 من المدونة، بقدر ما كان عليه - نظراً لكون حجم المقاولة أو المؤسسة وطبيعتها تختلف من حيث رقم المعاملات والرأسمال والأرباح - أن يربط مبلغ الغرامة إما بحجم كتلة الأجور و إما بحجم رقم المعاملات، وذلك من أجل ردع المشغل على الإسراع بوضع النظام الداخلي، وإلا لماذا التنصيص على إلزامية النظام الداخلي للمقاولة أو المؤسسة الذي لا يخضع له المشغل؟

لكن، يبقى قيام أجهزة المراقبة بالدور المنوط إليها بحزم ذات أهمية كبرى في ظل دولة الحق والقانون.



الاحد 2 يونيو 2013

عناوين أخرى
< >

الجمعة 19 أبريل 2024 - 01:41 كليات القانون فى جامعات المستقبل

الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 10:43 محنة المدونة


تعليق جديد
Twitter