MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية



الإفطار جهرا في نهار رمضان على ضوء مسودة مشروع القانون الجنائي بقلم د / العربي محمد مياد

     



الإفطار جهرا في نهار رمضان على ضوء مسودة مشروع القانون الجنائي                                                     بقلم د / العربي محمد مياد
المتتبع للشأن المغربي يلاحظ بأن هناك نقاشا عموميا يفتح مباشرة بعد كل محاولة لتعديل أو تتميم نص قانوني يعاقب على فعل مجرم قانونا . وهذا حال الإجهاض ،والأفعال المعاقب عليها بعقوبة الإعدام ، والافطار العلني  نهارا في رمضان .

    ونظرا لأن هذا الموضوع الأخير حظي باهتمام جل الجمعيات الحقوقية وبعض رحال السياسة الذين يصنفون انفسهم حدثيين وعلمانيين ، وكذا بعض من يدعي الرجعية ، والرجعية  منهم بريئة لأن الرجعية ليس ادعاء وإنما الثبات على الحال وقول الحق جهرا وتصديق القول بالفعل ، أقول ارتأيت أن أشارك في هذا النقاش العمومي باعتبار أنه يؤسس لمغرب اليوم والغد، مغرب المؤسسات واحترام القانون باعتباره أن القانون أسمى تعبير عن إرادة الأمة ، ولا سيما إذا كان مصدره دستور ساهم في اعداده الخبراء ومختلف أصناف الشعب من سياسيين وحقوقيين  ومجتمع مدني ورجال دين وعلم .

     وانطلاقا مما ذكر، يحق لنا أن تساءل هل القانون الجنائي الحالي يعاقب على الإفطار في نهار رمضان ؟ وعطفا على هذا التساؤل ما هو الجديد الذي أتت بها مسودة القانون الجنائي حتى يكثر حولها هذا اللغط والنقاش بصوت مرتفع ؟ وهل خلفيات هذا النقاش خلفية حقوقية أم عقائدية ؟

    بداية لا بد من التذكير بأنه ورد في الخطاب الملكي ليوم الجمعة 17 يونيو 2011 الموجه إلى الشعب المغربي أنه " من حيث المنهجية ، حرصنا ولأول مرة في تاريخ بلادنا ،على أن يكون الدستور من صنع المغاربة ، ولأجل جميع المغاربة " ويضيف جلالته " إن هذا الدستور يقوم على  التشبث بالثوابت الراسخة للأمة المغربية ، التي نحن مؤتمنون عليها ، وذلك ضمن دولة إسلامية يتولى فيها الملك أمير المؤمنين حماية الملة والدين وضمان حرية وممارسة الشعائر الدينية .....

     واعتبارا لأن هذا الخطاب الملكي يعتبر بمثابة أعمال تحضيرية وخريطة الطريق لدستور 2011، فقد  حسمت ديباجة الدستور في مرجعية المملكة المغربية ، وأقرت على أنها دولة إسلامية ، كما أن الفصل 3 من نفس القانون نصت على أن الإسلام دين الدولة ، والدولة تضمن لكل واحد حرية ممارسة شؤونه الدينية ، كما أضاف الفصل 175 منه على أنه لا يمكن أن تتناول  المراجعة الأحكام المتعلقة بالدين الإسلامي ، والنظام الملكي والاختيار الديمقراطي للأمة ، وكذا المكتسبات في مجال الحريات والحقوق الأساسية المنصوص عليها في هذا الدستور .

   والحاصل إذن أن الدستور قد حسم في أن الشريعة الإسلامية مصدر من مصادر القاعدة القانونية ، ومن تم لا يمكن إصدار نصوص قانونية تحرم ما حلل الله ، ولا مباركة ما حرم الله وإلا اعتبرت غير دستورية .

    وانطلاقا من هذه البديهية فإن التشريع الجنائي وغيره ، لا يكون مشروعا إلا إذا أخذ بعين الاعتبار هذا المعطى الدستوري ، ولا سيما الفقرة الثانية من الفصل الأول منه التي نصت على أنه تستند الأمة في حياتها العامة على  ثوابت جامعة ، تتمثل في الدين الإسلامي السمح ، والوحدة الوطنية متعددة الروافد ، والملكية الدستورية ، والاختيار الديمقراطي .وكذا  مقتضيات الفصل 6 من الدستور التي نصت على أن الجميع ملزمة باحترام القانون .

   وهذا يعني أن أي تصرف يخرج عن الإطار الدستوري يعد جرما تجاه الدولة بجميع مكوناتها ، لأنه يعد خروجا عن  العقد الاجتماعي والسياسي الذي تعاقدت عليه .وبالنتيجة  إذا كان هناك أي نص تشريعي أو تنظيمي ساري المفعول ويتضمن ما هو منافيا للدستور يجب أن يعدل أو يلغى ، اما إذا تعلق الأمر فقط بمسودة مشروع أو مقترح قانون فيجب أن تكون مطابقة  للدستور .

 
الفقرة الأولى: موقف القانون الجنائي من الإفطار في نهار رمضان

 ينص الفصل 222 من القانون الجنائي على أن كل من عرف باعتناقه الدين الإسلامي ، وتجاهر بالإفطار في نهار رمضان، في مكان عمومي ، دون عذر شرعي ، يعاقب بالحبس من شهر إلى ستة أشهر ، وغرامة لا تقل عن 1200 درهم .
   وهكذا، نستشف بأن المشرع الجنائي كيف الإفطار في نهار رمضان على أنه جنحة ، تكون عقوبتها حبسية ومالية ، غير أنه حدد لها عناصر ، نجملها فيما يلي :

     *العنصر المادي والمتمثل في : أ ـ الإفطار جهرا في نهار رمضان،

                               ب ـ أن يكون هذا الإفطار في مكان عمومي،
                              ج ـ  ألا يكون هناك مسوغ شرعي لهذا الإفطار كالمرض والشيخوخة ؛
د . أن يتم هذا الإفطار من طرف شخص ذاتي عرف لدى العامة بأنه مسلم .

*العنصر المعنوي :والمتمثل في النية الاجرامية في الإفطار في نهار رمضان عنوة وعن قصد.
يستخلص من ما ذكر أن المشرع المغربي لا يعاقب على الإفطار في نهار رمضان من حيث هو ، ولكن يعاقب على القيام بذلك بدون مسوغ شرعي في مكان عمومي ، ومن تم لا يحق للنيابة العامة متابعة من صرح أمامها أو أمام الضابطة القضائية بأنه لا يؤدي ركن من اركان الإسلام وهو صيام رمضان ، وكذلك يكون بمن لا يزكي ولا يصلي ولا يرغب في حج بيت الله مع الاستطاعة ، لأن التشريع الجنائي يهتم فقط بالحفاظ على الأمن والاستقرار العامين .

   فلو كان هذا القانون يعتمد في مقتضياته على المرجعية الإسلامية لميز بين نوعين من المفطرين في نهار رمضان ، المفطر الذي ينكر فريضة الصوم وهو مرتد وعقوبته معروفة يقررها السلطان أو من يمثله ، والمفطر الذي يعلم أنها فريضة ولا يحترمها وهو عاص ويتعين عليه صيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسى فإن لم يستطع فإطعام 60 مسكينا.

    وهذا عكس القانون الوضعي الذي يعاقب على الإفطار في نهار رمضان إذا ترتب عليه الاخلال بالنظام العام، بالحبس والغرامة في بعض الأحيان، وهذا حال قانون العقوبات الأردني رقم 16 لسنة 1960 كما وقع تعديله ، حيث نصت المادة 274 منه على أن من ينقض الصيام في رمضان علنا يعاقب بالحبس حتى شهر واحد أو بالغرامة حتى 15 دينارا .

   وهذا يعني أن المشرع الأردني خفف من العقوبة على المفطر في رمضان وكيف هذا الفعل بأنه مجرد مخالفة ، عكس المشرع المغربي الذي اعتبرها جنحة .

      وهو في ذلك كالمشرع المغربي حاد عن العقاب كما هو وارد في الشريعة الإسلامية، حيث تكون عقوبة من لا يصوم عنوة وهو مسلم بالإعدام متى كان الغرض من ذلك الفعل الجهر بالكفر بعد الايمان، ولا يرثه  ورثته من المسلمين ولا الكفار ، ويكون ماله فيئا للمسلمين يعود إلى بيت المال ، أي مديرية أملاك الدولة .

فهل مسودة مشروع القانون الجنائي جاءت بعقوبة أشد مما هو عليه الحال في القانون الجنائي؟
              
الفقرة الثانية : موقف  مسودة مشروع القانون الجنائي من الإفطار في نهار رمضان

 تنص المادة 222 من مسودة القانون الجنائي بأنه يعاقب بالحبس من شهر واحد إلى ستة أشهر وغرامة من 2.000درهم إلى 10.000دراهم أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من عرف باعتناقه الدين الإسلامي وتجاهر بالإفطار في نهاررمضان، في مكان عمومي ، دون عذر شرعي .

    ومقارنة مع ما هو جار به العمل في القانون الجنائي الحالي، فإن المسودة لم تأت بجديد إلا من حيث إعادة صياغة المادة والتنصيص على إعطاء المحكمة سلطة تقديرية واسعة، قد تضر بها أكثر ما تنصفها، بحيث تجعل إيمان القضاة في ميزان إما المتشدد أو المتسامح،ذلك أن هذه المادة خيرت المحكمة بين أن تقضي بالعقوبة الحبسية أو الغرامة المالية أو هما معا، بعد أن كانت العقوبة مالية وحبسية. فإذا كان الحكم بالعقوبة الحبسية والمالية معا ستوصف الهيأة القضائية بأنها ساهرة على تطبيق حدود الله ضمن ما سمح به المشرع،أما إذا قضت فقط بالغرامة المالية دون الحبسية فقد توصف بأنها لا غيرة لها على الدين الا سلامي.

      ولكن الأكيد من كل هذا فإن مسودة مشروع القانون الجنائي في صيغتها الحالية لا تحمي لا حدود الله ولا النظام العام، وإنما تحاول الإبقاء على خط الرجعة مع الجمعيات الحقوقية دون اغضاب أهل الذكر، وتهدف بالخصوص إلى إثراء خزينة الدولة عن طريق جني الغرامات المالية.

وصفوة القول فإن كل اللغط الذي صاحب هذه المسودة في شقها المتعلق بالإفطار جهرا في نهار رمضان،لا يعدو أن يكون جعجعة بدون طحين .



الجمعة 8 ماي 2015

تعليق جديد
Twitter