MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers



واقع الموارد البشرية الإدارية لوزارة العدل والحريات بقلم ذ الجيلالي مكـوط

     



واقع الموارد البشرية الإدارية لوزارة العدل والحريات بقلم ذ الجيلالي مكـوط
 

غير خاف على كل باحث أن التنظيم القضائي للمملكة المغربية الحالي ل 15 يوليوز 1974 هو تنظيم يجد جذوره التاريخية في الإرث الذي خلفته الفترة الاستعمارية لسلطات الحماية الفرنسية، وهو تنظيم زكى الطابع النظامي لموظفي هيئة كتابة الضبط باعتبارهم موظفين عموميين خاضعين لقانون الوظيفة العمومية، وقد وجدت هذه الهيئة نفسها ببزوغ فجر الاستقلال بسبب الخصاص الكبير في الأطر الذي كانت تعرفه مؤسسات الدولة المغربية الحديثة مضطرة إلى توظيف هياكل إدارية ذات تكوين بسيط (مستوى التعليم الأولي أو التعليم الأصيل أو مستوى بسيط في فك شفرة الكتابة والقراءة)، بعدما استقطبت المناصب العليا للدولة الأطر ذات التكوين الثانوي والجامعي.

وبسبب هذا الضعف في التكوين، فقد كان من المنطقي حِمايةً لحقوق المتقاضين وفي ظل قلة الطلب على الخدمة القضائية أن تسند للهيئة القضائية مهام إجرائية ومسطرية تعتبر من صميم العمل الإداري الذي يدخل ضمن اختصاص هيئة كتابة الضبط صاحبة الولاية الشرعية، فظهر مع تعاقب القوانين وتخصصها وبروز مساطر ومحاكم خاصة وفي ظل تنوع التدبير القضائي الإداري مصطلح مس بشكل كبير باستقلال السلطة القضائية وركز كافة الإجراءات والمساطر المرتبطة بالدعاوى والخصومات تحت سلطة وقرار القاضي المباشرين وهو مصطلح الإدارة القضائية.

وهكذا، فإن السلطة القضائية أصبحت تبسط يدها على الإجراءات والمساطر الإدارية السابقة والمواكبة واللاحقة للدعوى، بل وقد امتد اختصاصها إلى إجراءات ما بعد صدور الأحكام واستنفاذ طرق الطعن (قاضي التنفيذ نموذجا)، واختصاصات لا علاقة لها بالخصومات (قاضي السجل التجاري).

وقد دفع هذا البسط إلى الزيادة في أعباء السادة القضاة ومضاعفة أشغالهم القضائية والإدارية خاصة مع الانفجار الديموغرافي لسكان المغرب والذي جعل القاضي مطالبا بالبث فيما يزيد عن 1500 قضية كمعدل سنوي، مما أثر سلبا على آماد التقاضي التي أصبحت تدوم في بعض النوع من القضايا لسنوات داخل درجة التقاضي الواحدة، وكرس عرف تأجيل الجلسات لشهور وأثر في النهاية على جودة الأحكام بسبب كثرة القضايا وازدواجية المهام وقلة الموارد البشرية القضائية.

وعلى الرغم من أن الفصل 120 من دستور المملكة لسنة 2011 كان صريحا في أن :"لكل شخص الحق في محاكمة عادلة، وفي حكم يصدر داخل أجل معقول"، فإن ميثاق إصلاح منظومة العدالة ومن خلاله مشاريع القوانين المنزلة له لا زالت تأبى إلا أن تخالف هذه القاعدة الدستورية وتضيف مهام أخرى إدارية للسلطة القضائية من قبيل قاضي السجل التجاري وقاضي التنفيذ والإشراف الإداري للمسؤولين القضائيين ورؤساء الأقسام والغرف بمحاكم المملكة (قضاة) على موظفي هذه الأقسام وهذه الغرف.

في ظل هذا الواقع ومع استحضارنا لمقتضيات الفصل 107 من الوثيقة الدستورية التي تجعل من السلطة القضائية سلطة مستقلة عن السلطة التنفيذية والتشريعية، فإنه يبدو من المنطقي والمشروع طرح التساؤل الآتي : هل أصبح الآن من المقبول أن يمارس القاضي عملا إداريا محضا يدخل في صميم اختصاص السلطة التنفيذية (هيئة كتابة الضبط) ؟ ثم ألا يشكل ذلك مسا باستقلالية السلطة القضائية ؟

الجواب بدون شك سوف يكون بالنفي، ذلك أن استحضار التجارب المقارنة في الموضوع خاصة منها التجربة الجرمانية والأنكلوسكسونية والتي كانت موضوع مقالتنا السابقة وفي ظل المقتضيات الدستورية الجديدة وأمام الطفرة النوعية التي عرفتها هيئة كتابة الضبط يدفعنا بدون شكل إلى فك الارتباط فيما يتعلق بتوزيع الأشغال داخل المحاكم بين ما هو قضائي والذي يسند للسادة القضاة (السلطة القضائية)، وبين ما هو إداري ويسند لهيئة كتابة الضبط أو لهيئة إدارية موازية (السلطة الحكومية المكلفة بالعدل).

 
مؤهلات وكفاءات أطر هيئة كتابة الضبط

 
لقد باتت مبررات إسناد المهام الإدارية للقضاة بالمغرب إبان عهد الاستقلال ولما يزيد عن سبع حقب غير مجدية في وقتنا الراهن لعدة أسباب لعل أهمها الطفرة النوعية التي عرفتها الموارد البشرية الإدارية لوزارة العدل سواء من حيث العدد (أزيد من 80% من الموارد البشرية لوزارة العدل) أو من حيث التكوين والخبرة المهنية أو من حيث المستوى العلمي والتخصصات والذي أصبح يضاهي تكوين باقي المتدخلين بل ويفوقه في بعض الحالات، وهو الأمر الذي جعل منها أهم فئة سوسيو مهنية داخل القطاع.

وهكذا، وبمنطق الأرقام فقد انتقل عدد موظفي هيئة كتابة الضبط من عدد لا يتجاوز المئات إبان عهد الاستقلال إلى ما يناهز 15.000 موظف وموظفة حاليا موزعين حسب النوع إلى 51,45% من الذكور و48,55% من الإناث، معدل سنهم 45,58 سنة (أي أن أغلبهم من فئة الشباب)، تمثل الفئة العمرية منهم ما بين 30 و49 سنة أكبر فئة (51,56%)، ويعتبر 60 % منهم حاصلين على الباكلوريا أو أكثر و42,16% حاصلين على الإجازة أو ما يعادلها و13,14% من حملة دبلوم الماستر والدكتوراه، كما أن عدد القضايا المعروضة على محاكم المملكة قد بلغ سنة 2012 عدد 3.371.774 قضية بمعدل سنوي يصل إلى 2329,94 قضية لكل موظف مع ما يستتبعها من إجراءات ابتداءً من تقديم مقال الدعوى إلى حين صدور الحكم ومباشرة إجراءات التبليغ والتنفيذ.

وعلى الرغم من هذه المؤهلات والكفاءات القانونية والتقنية والطاقات الشابة، وفي استحضار تام لتحسين الوضعية المادية لأطر وموظفي هيئة كتابة الضبط، فإن هذه الفئة السوسيو مهنية لا زالت تعاني من تنظيم هيكلي بيروقراطي تقليدي عمودي يقوم على قاعدة عدم تحديد الاختصاصات (الكل يمكنه القيام بكل الإجراءات)، وعدم توظيف الكفاءات القانونية والتقنية توظيفا يلاءم مؤهلاتهم العلمية وخبرتهم المهنية وفق آخر ما استقر عليه التدبير الإداري الحديث الذي ينهل بصفة رئيسية من نظريات علم الاجتماع وعلم الإدارة، واللذان يجعلان من تأهيل العنصر البشري وتثمينه بالمحاكم أحد أهم ركائز النجاعة القضائية وتسهيل الولوج إلى الخدمة القضائية وتحقيقها في أقرب الآجال.

إن الواجب الوطني وحس الشعور بالمسؤولية المهنية لموظفي هيئة كتابة الضبط ارتباطا بتحسن أجورهم اليوم يجعلهم مطالبين بالاضطلاع بمهام جديدة داخل المحاكم توازي ما يحصلون عليه من خزينة الدولة، مهام تجسد المفهوم الحقيقي لقاعدة "الأجر مقابل العمل" وفق مقاربته الوطنية والوظيفية والاجتماعية والأخلاقية وبعيدا عن مقاربة وزارة العدل والحريات الهادفة إلى جعله سندا قانونيا لتفعيل الاقتطاعات الغير مشروعة كوسيلة للتضييق على ممارسة الحق في الإضراب ومن خلاله التضييق على العمل النقابي بالقطاع.

وعلى المستوى المالي، فإن تأهيل هيئة كتابة الضبط وتوسيع صلاحيتها سوف لن يكلف ميزانية الدولة في الإصلاح الشيء الكثير فيما يتعلق بإحداث مناصب شغل جديدة، حيث إن إعادة توزيع الأشغال داخل المحكمة سيؤدي إلى الاستغلال الأمثل للأطر الإدارية بتكلفة أقل، وهو ما لم تنتبه إليه وزارة العدل والحريات حيث اعتمدت في السنوات الأخيرة مقاربة الكم وغلبتها على مقاربة الكيف، فعملت منذ سنة 2009 على توظيف ما يزيد عن 2000 موظف نصفهم من حملة الشواهد العليا، وإذا ما ربطنا ذلك بالمناصب المالية لوزارة العدل والحريات المبرمجة بمشروع قانون مالية سنة 2015 (300 منصب عوض 1000 منصب سابقا كلها مخصصة للأطر الإدارية)، أمكننا الجزم على أن هذه الزيادة العددية في الأطر الإدارية بمقابل التوقف عن التحاق أفواج جديدة للمحلقين القضائيين برسم الميزانية المقبلة سوف يزيد من تضخم أشغال وأعباء السلطة القضائية خاصة مع إضافة أقسام القضاء التجاري والإداري (وفق مسودة مشروع التنظيم القضائي) إلى المحاكم الابتدائية وفي ظل المقتضيات الجديدة التي تصب في اتجاه تقليص أجل التقاضي (عدم جواز النطق بالحكم قبل تحريره نموذجا)، في مقابل وفرة في أطر إدارية مؤهلة تبقى معطلة إلى أجل غير مسمى تمارس مهاما روتينية بيروقراطية لا تلاءم تكوينها، مما ينعكس على فعالية الخدمة القضائية التي تعرف نقصا وتراجعا خطيرين.

وقد كان لتجربة ولوج موظفي هيئة كتابة الضبط للقضاء الإداري عن طريق المُكنَة التي وفرها الفصل 3 من النظام الأساسي لرجال القضاء كما تم تغييره بالقانون 43.90 الصادر بتاريخ 10 شتنبر 1993 المثال الأكبر على قدرة هذه الهيئة في الاندماج والولوج السلس إلى مهنة القضاء، لما أفرزته من قضاة محترفين ذووا تكوين عال يمزج بين العملي والنظري، فما بالك بتدبير مساطر وإجراءات إدارية تعتبر من صميم العمل الإداري.
كذلك فإنه، وفي ظل الظرفية الراهنة وأمام التوجه الجديد للمشرع المغربي الرامي إلى التأقلم مع المقتضيات الدولية وتحيين Harmonisation العديد من قوانينه مع التشريعات الغربية خاصة منها الأوروبية سواء من خلال ما تم إخراجه إلى الوجود من قوانين حديثة مشجعة للاستثمار أو من خلال المشاريع التي لا زالت تشق طريقها نحو إصلاح منظومة العدالة، فإنه بات من اللازم الأخذ بالتجارب المقارنة في موضوع توسيع صلاحيات كتابة الضبط وتأهيل عملها وخاصة توصيات الاتحاد الأوروبي لكتاب الضبط الأخيرة الذي ينهل هو الآخر من توصيات الاتحاد الأوروبي خاصة متى علمنا أن المغرب يعتبر ضمن الدول التي انضمت لهذا الاتحاد (الاتحاد الأوروبي لكتاب الضبط) لما يفوق عقد من الزمن.

إن تجميع المعطيات الراهنة للوضع بالمحاكم المغربية : مؤيدات دستورية (استقلال السلطة القضائية)، تجارب مقارنة (التجربة الجرمانية والأنكلوسكسونية نموذجا)، مؤهلات وطاقات بشرية معطلة (مجازون وحاملو دبلوم الماستر والدكتوراه في جميع التخصصات، ذووا الخبرة والتجربة في العمل الإجرائي والمسطري)، تدفع بنا كنتيجة منطقية سليمة إلى التفكير في تأهيل عمل كتابة الضبط وتوسيع صلاحياتها باعتبارها العمود الفقري للعملية القضائية، وهو الأمر الذي لم نجد له أثرا للأسف الشديد في ميثاق إصلاح منظومة العدالة وفي المشاريع المنزلة لمقتضيات هذا الميثاق، فهل الأمر يتعلق بقصور في الرؤيا أو بنية مبيتة من طرف صانعي القرار بوزارة العدل في تكريس النظرة النمطية الدونية لهذا الجهاز، والتي أثرت بشكل كبير على الأطراف المشاركة في الحوار الوطني لإصلاح منظومة العدالة وعلى من أشرفوا على صياغة المقتضيات المنزلة لهذا الميثاق؟؟ هذا ما سوف نعمل بحول الله مع قوته على تناوله بالدرس والتحليل في المقال المقبل والذي سوف نخصصه لموقع هيئة كتابة الضبط من مسودة مشروع قانون التنظيم القضائي في ارتباط بسؤال تحقيق النجاعة القضائية وتسهيل ولوج المواطنين إلى الخدمة القضائية.

 
 




الجمعة 12 ديسمبر 2014

تعليق جديد
Twitter